أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

الشيخ علي العوّامي

المتوفى ١٣٦٤

لا تخسر الحرة الحسناء ميزانا

فالشيب بان ومنك العمر قد بانا

يفتتح هذه القصيدة بالموعظة الحسنة ويتخلص لمدح الحسين بن علي شهيد الإباء بقوله :

أفدي نفوساً تسامت في العلى رخصت

فسامها الكفر يوم الروع نقصانا

تجلببت برداء الصبر واستبقت

لنصرة المصطفى شيباً وشبّانا

حتى تهاووا وكلٌ نفسه شربت

من نقطة الفيض بالتقديس قد حانا

وخلفوا واحد الهيجاء منفرداً

يذري الدموع حريق القلب لهفانا

يرى الصحاب على البوغاء جلببها

فيض المناحر أبراداً وقمصانا

ومنها :

أيقتل السبط عطشاناً بلا ترة

والماء طام فليت الماء لا كانا

أروح طاها بلا دفن ترضضه

الأعداء حتى غدا للخيل ميدانا

الشيخ علي ابن الشيخ جعفر آل أبي المكارم العوامي. ترجم له الباحث الأديب الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في القطيف ) وقال في حقه : عظيم من عظماء الانسانية وبحر من بحور السماحة والفضل وإمام من أئمة الجماعات والجمعات ، أخلص للإسلام وأبنائه. وُلد في غرة شهر رمضان المبارك سنة ١٣١٣ ه‍. وارخ مولده أبوه الشيخ جعفر المترجم له سابقاً ، فقال :

٣٠١

يا خليلي غنني

فلقد زال الألم

وأدر كأس الهنا

وأزح عنا السقم

فعليٌ قد أتى

وبه الشمل انتظم

شمس مجد أرخت

نورها يجلو الظلم

تلقى على أبيه ومربيه في العلوم الأولية كالنحو والصرف والمنطق والبيان وقرأ الفقه والاصول ثم قصد النجف الأشرف فحضر هناك عند ثلة من العلماء الاعلام وحجج الإسلام العظام كالعلامة السيد مهدي الغريفي النجفي والحجة الشيخ عبدالله المعتوق القطيفي المتوفى سنة ١٣٦٢ ه‍. والحجة الكبير والمرجع الديني الشهير الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء ، فأتم قراءة الفقه والاصول وقرأ الحكمة الإلهية والكلام وتملك زمام سائر العلوم الرياضية وغيرها كالهيئة والحساب والجغرافية والهندسة حتى نال درجة الاجتهاد بشهادة أساتذته الذين درس عليهم. وهكذا قضى عمره في درس وتدريس وجدّ واجتهاد حتى توفاه الله يوم الخميس ٦/٥/١٣٦٤ ه‍. ودفن في ( سيهات ) من مدن القطيف ، واقيمت له الفواتح في القطيف والبحرين وغيرهما وأبّنه الكثير من الادباء والشعراء وخلف من الآثار العلمية تبلغ ١٣ مؤلفاً منها :

١ ـ اللؤلؤ المنظوم في تاريخ الحسين (ع) جزءان.

٢ ـ الجامع الكبير في الفقه الاستدلالي.

٣ ـ أوضح دليل فيما جاء في علي وآله من التنزيل.

٤ ـ الوجيزة في الصلاة اليومية.

٥ ـ المستدرك على الفوائد في شرح الصمدية.

٦ ـ علية الوعظ وهي مجموعة خطبة التي أنشأها في الجمع والأعياد التي تحث المسلمين على الالفة وتوحيد الكلمة.

٧ ـ ديوان شعره إلى غيرها من التعليقات والمراسلات وأجوبة السائلين عن مهمات امور الدين. أورد له صاحب ( الاعلام ) عدة قصائد وعظية ورثاء للإمام الحسين عليه‌السلام وفي أغراض أُخر.

٣٠٢

الشيخ محمد حرز الدين

المتوفى ١٣٦٥

رسوماً عفتها الذاهبات العوائد

بها اندرست فاستوطنتها الأوابد

فسل دمنة قد خفّ عنها قطينها

وأبيات عزٍّ بالحريق مواقد

ستنبيك عن تلك الديار طلولها

وأعلام صم في الديار خوالد

ولم يبق حول الدار إلا ثمامها

ونؤياً بها قد غيّرته الرواعد

وقفت بها والدمع أدمى محاجري

اناشد رسماً عزّ فيه المناشد

واسألها عن ساكنيها وإنها

وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد

كأني بفتيان تداعب إلى الردى

ورحب الفلا بالخيل والجند حاشد

عوابس تعدو للحفاظ كأنها

لدى الروع في الهيجا ليوثٌ لوابد

أقامت بجنب النهر صرعى جسومهم

عليها من النقع المطل مجاسد

وأقبل كالليث العبوس بمرهف

همام على ظهر المطهم ماجد

به أحدقت من آل حرب كتائب

يضيق الفضا عنها وقلّ المساعد

فلهفي له يلقى الكتائب ظامياً

إلى ان قضى والماء جار وراكد

الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ حمد الله ابن الشيخ محمود حرز الدين النجفي من مشاهير علماء عصره ، وآل حرز من البيوت العلمية في النجف ، فان والد المترجم له وجده من العلماء المشهورين وكذلك

٣٠٣

أعمامه واخوته وأكثرهم مترجمون في مؤلفه الموسوم ب‍ ( معارف الرجال ) ولكنه هو واسطة عقد القلادة له شهرته العلمية والأدبية والتاريخية وكذلك اولاده وأحفاده. ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٧٣ ه‍. ودرس مبادئ العلوم في سنّ مبكرة ، وقد منحه الله موهبة الذكاء والفطنة فقرأ الكتب الأربعة المشهورة : الشرائع واللمعتين والمسالك والمدارك كما قال هو رحمه الله : قرأنا الكتب الأربعة على عدة من فضلاء العصر وجهابزة الفقه ، وكان الفقه في عصرنا مديد الباع طويل الذراع ، وكان أكثر تحصيله على المجتهد الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ، وعلى العالم الاصولي البارع الشيخ المامقاني قدس‌سره وغيرهم ممن ذكرهم هو أثناء ترجمته لهم ، وعكف على الدرس والتدريس حتى جاوز التسعين عاماً ودوّن في مختلف العلوم أكثر من سبعين مؤلفاً ، قام حفيده العلامة الشيخ محمد حسين بنشر بعضها منها ( معارف الرجال ) بثلاثة أجزاء ومنها مراقد المعارف في جزئين ، وعدّد حفيده أسماء مؤلفاته وذكر منها ٤٤ مؤلفاً. كنت أُشاهده في مجالس سيد الشهداء وأين ما حلّ فله صدر النادي ، وأبرز مميزاته تقشفه وزهده في الدنيا ورضي بالقليل من شظف العيش. ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في ( التكملة ) فقال : عالم فاضل كامل أديب متبحر في جميع العلوم العقلية والنقلية والرياضية ، حسن المحاظرة حلو المفاكهة والمناظرة ، متضلع في السير والتواريخ وأيام العرب ووقائعها وحافظ لأخبار العلماء وقصصهم له اليد الطولى في العلوم الغريبة ، وذكره المحقق الطهراني في نقباء البشر بنحو ذلك.

توفي بالنجف الأشرف عند الزوال من يوم الخميس غرة جمادى الاولى من سنة ١٣٦٥ ه‍. ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لداره ومسجده ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من أشعاره. وهناك ملاحظات على كتاب ( معارف الرجال ) بالرغم من أني لم استقصه مطالعة ولكني أرجع إليه في بعض كتاباتي :

٣٠٤

١ ـ ذكر في الجزء الأول منه في صفحة ٣٢٧ ترجمة للشيخ زين العابدين العاملي المتوفى سنة ١١٧٥ ه‍. ونسب له القصيدة الشهيرة التي يرثي بها الحسين بقوله :

يا أيها الغادون مني لكم

شوق أذاب الجسم مني أرقا

والصحيح ان هذه القصيدة للسيد الشريف الميرزا جعفر القزويني المتوفى سنة ١٢٩٨ ه‍. كما في ( الجعفريات وغيرها ) وأولها :

سل عن اهيل الحي من وادي النقا

مغرّباً قد يمموا أم مشرقا

٢ ـ وفي صفحة ٣٥٨ من الجزء الأول ترجم للسيد شبر الموسوي الحويزي رحمه‌الله وعلّق حفيده سلمه الله فقال : وهو غير السيد شبر الذي ينتسب اليه السيد محمد رضا وابنه السيد عبدالله شبر القاطنين في الكاظمية.

أقول وليس من أجدادنا من يسمى بالسيد شبر ، إنما هو لقب من جدنا الأعلى السيد حسن الملقب بشُبّر وقد عاش في القرن الثامن الهجري.

٣ ـ جاء في الجزء الثاني من معارف الرجال صفحة ٣١٤ قصيدة السيد شريف بن فلاح الكاظمي المتوفى سنة ١٢٢٠ ه‍. والمؤلف نسبها للشيخ محمد علي كمونة المتوفى سنة ١٢٨٢ ه‍. والقصيدة أولها :

قف بالطفوف وجد بفيض الأدمع

ان كنت ذا حزن وقلب موجع

وأظن ان الذي أوقعه بهذا الاشتباه هو المرحوم السيد الأمين فقد ذكر القصيدة مرتين في ( الأعيان ) ففي جزء ٣٦ من أعيان الشيعة صفحة ٧٤ جعلها من نظم السيد شريف بن فلاح الكاظمي وهو الصحيح ثم في جزء ٤٦ صفحة ١١٠ نسبها لابن كمونة وهو غير صحيح.

٤ ـ ترجم للشاعر السيد مهدي الأعرجي المتوفى سنة ١٣٥٨ ه‍. فقال : انه دفن في الصحن العلوي والحقيقة انه دفن بوادي السلام.

٥ ـ رجائي من المحقق الحفيد أن لا تفوته بعض الأخطاء اللغوية ففي الجزء الثاني صفحة ٢٧٧ عند ترجمة الشيخ محمد رضا النحوي قال : فأوعده السيد بحر العلوم. والصحيح وعده لأن ( أوعد ) للتهديد.

٣٠٥

محمد امين شمس الدين

المتوفى ١٣٦٦

يمثل روح الحب مني محمد

وابنته وابناه والصهر حيدرُ

هم عدتي حتى نهاية مدتي

بهم لست أخشى هولها حين انشر

علي تعالى من كبير على الملا

وفي السبعة الافلاك أعلى وأكبر

فعن سيفه سل يوم أحد وخندقا

وبدراً وسل ما البئر عنه وخيبر

حقائق يكبو دونها طرف واصل

وفيها بأهل الغور طال التفكر

يقال على عثمان ضنّت صلاته

وسلمان منها حظه متوفر

فلا زلت في أمريهما فاقد الهدى

وليس لهذا اللبس كشف محرر

وسائلتي مالي أخالك مكثراً

فقلت وهل في حيدر قال مكثر

ألا فدعي عنكِ مقالة ملحد

لقد قالها من قبل قوم فكُفّروا

ألم تعلمي أن العلي قسيمها

ومنه لنا القدح المعلى الموفر

علي حباه الله أمر معاده

نقيباً على مثقال ذرة يحضر

فقالت يرى في القبر قلت لها أجل

على حكمه يأتي نكير ومنكر

فقالت ومن ذا يوم لا ذو شفاعة

فقلت لها ان الشفيعين حضّر

فقالت يرى يوم الظما قلت كفكفي

فعن كفه الحوض النمير والكوثر

فقالت إذا ما قيل غُلّوه ما ترى

فقلت يولى حلّ غليّ حيدر

٣٠٦

فقالت أبا لا كسير شبهت حبهم

فقلت نعم ذرية في النار تنفر

فقالت ( وآتوني ) فقلت فلم يكن

سوى قولهم ان النبي ليهجر

فقالت وهل من سبة سن مثلها

فقلت لها لا فهي للحشر تشهر

فقالت أعجزاً حينما قيد عنوة

فقلت لها لا ذاك شيء مقدر

فقالت وما شأن البتول وضلعها

فقلت غداً في موقف الله تظهر

فقالت وما السبط الزكي وقبره

فقلت دعي قلباً لها يتفطر

فقالت وما السبط الشهيد بكربلا

وما حاله وهو الصريع المعفّر

فقلت بكته الشمس والافق والسما

دماً فهو في خدّ السما يتحدر

فيا لدماء قد أُريق بها الهدى

وضلت لها في الدين عمياء تعثر

على رغم أنف الدين سارت حواسراً

سبايا على عجف المطايا تسير

على الهون لم تلغى لها من يجيرها

وحرب على أعوادها تتأمر

لها الله حسرى لم تجد من يصونها

وهند بأذيال الخلاعة تحظر

لها الله حسرى لم تجد من يصونها

سوى انها في صونها تتستر

فيا لمصاب هدد الذكر وقعه

لديه عظيمات المصائب تصغر

ويا حب أهل البيت بتّ معانقي

فدم فعليك الله يجزي ويشكر

كتاب الضمير البارد يبحث في العقائد واصولها تصنيف العلامة الجليل الشيخ محمد أمين شمس الدين العاملي طبع سنة ١٣٥٣ ه‍.

وقد نقلت عنه هذه القصيدة.

وجاء في الذريعة ج ١٥ صفحة ١١٨ :

كتاب الضمير البارد نثر ونظم للشيخ محمد أمين آل شمس الدين الشهيد الأول العاملي المعاصر المتوفى بلا عقب سنة ١٣٦٦ ه‍. في بلدة عرب صاليم

٣٠٧

من قرى جبل عامل في ثلاثة أجزاء ، طبع منه جزءان في سنة ١٣٥٣ ه‍. في بيروت ، وفي أول الكتاب تصويره ، وفي آخره نسبه هكذا :

محمد أمين بن مهدي بن الحسين بن علي بن أحمد بن حيدر الجوني ابن شمس الدين بن محمد بن ضياء الدين محمد المهاجر بن جزّين بن علي السبط بن الشهيد محمد بن مكي المنتهى إلى سعد بن معاذ أباً ، وإلى الشريف المطلب أُماً.

٣٠٨

الشيخ محمد تقي المازندراني

المتوفى ١٣٦٦

بن الشيخ محمد حسن ابن الحاج علي الطبري المازندراني الحائري ، أديب شاعر ، ولد بكربلاء يوم ٢٤ شوال سنة ١٢٨٩ ه‍. ونشأ نشأة دينية ودرس الفقه والاصول على العالم الجليل الشيخ غلام حسين المرندي واتصل بادباء عصره وحضر مجالس الأدب كآل الوهاب والسيد الحجة الطباطبائي ونظم وساجل وشارك في حلبات أدبية حتى جمع ديوان شعر ضخم رأيت نسخة منه في مكتبة الأديب الشاعر السيد سلمان السيد هادي الطعمة يحتوي على ألوان من الشعر وفيه الكثير في أهل البيت وفي الإمام الحسين خاصة فمنها قصيدة أولها :

أحاميَ دين البشير النذير

ومحيي منهاجه المستنير

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام أولها :

أبى أبو الفضل إلا الفضل والكرما

وجاد بالنفس يوم الحرب مبتسما

توفي بكربلاء سنة ١٣٦٦ ه‍.

٣٠٩

السيد مهدي القزويني

المتوفى ١٣٦٦

هبّ الصبا وفؤاد المستهام صَبا

إلى الحمى فأزال الغمّ والوصبا

مرابع قد مضى شرخ الشباب بها

طلق العنان سوى الأفراح ما صحبا

أخنى الزمان عليها فهي موحشة

من بعدما أنست في أهلها حقبا

أمست خلاءً بها الأرواح خافقة

وفي ثراها غراب البين قد نعبا

ولّى الشباب وأيام الصبا درست

وشعلة الشيب منها مفرقي التهبا

والدهر شنّ عليّ اليوم غارته

كأنما ترة عندي له طلبا

وصيرتني يد الغمّى لها هدفاً

وريّشت لي سهماً في الحشى نشبا

ولا ملاذ ولا ملجا ألوذ به

من الزمان إذا طرف الزمان كبا

سوى إمام الهدى المهدي معتصمي

وجنّة أتقي عني بها النوبا

من يملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت

جوراً ، ويوردنا تياره العذبا

متى نراه وقد حفت به زمر

من آل هاشم والأملاك والنقبا

من كل أشوس غطريف كذي لبد

يوم الطعان يعدّ الراحة التعبا

من فوق كل سبوح في بحار وغى

يوم الرهان يلاقي رأسها الذنبا

حتى مَ تصبر يا غوث الأنام وقد

أبصرت فيئك في أيدي العدى نهبا

يا ثائراً غضّ جفنيه على مضض

هلا أتاك بأخبار الطفوف نبا

غداة حلّ أبو السجاد ساحتها

وأسد هاشم للهيجا قد انتدبا

٣١٠

وشمّر ابن علي للوغى طرباً

يخال ضرب المواضي عنده الضَربا

تصيخ كل نفوس القوم مذعنةً

له إذا ما عليها سيفه خطبا

يميل بشراً غداة الروع مبتسما

لم يرهب الموت بل منه الردى ارتهبا

يأبى الدنية سبط المصطفى فلذا

عن ذلة العيش في عزّ الوغى رغبا

وبعدما لفّ أولاهم بآخرهم

وسامهم فسقاهم أكؤساً عطبا

أصابه حجر قد شج جبهته

وشيبه من محياه قد اختضبا

وكم رضيع فرى منه الظما كبداً

قضى وغير لبان النحر ما شربا

السيد مهدي ابن السيد هادي ابن الميرزا صالح ابن العلامة الكبير السيد مهدي الحسيني القزويني الحلي. علم من الاعلام وفذٌ من أفذاذ الاسرة القزوينية ويطلق عليه لقب الصغير تمييزاً له عن جده الأعلى. ولد في بلدة طويريج ( الهندية ) عام ١٣٠٧ ه‍. ونشأ فيها منشأ العز والفخار متفيأ ظل والده الهادي عليه الرحمة وبعد ذلك أخذ يتملى من دروس اخوته الاعلام فحضر عند أخويه : الباقر والجواد واستفاد منهما كثيراً وهاجر إلى بلد جده أمير المؤمنين فأتمّ علومه اللسانية والبيانية كما حضر على السيد كاظم اليزدي في الفقه والاصول كما حضر عند الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهما من الأساطين ثم هاجر إلى مسقط رأسه ليسدّ الثغرة ويرشد الضال ويهدي المجتمع ، وكان على جانب من دماثة الخلق والتواضع رحب الصدر يودّ جليسه أن يطيل معه الجلوس وان لا ينتهي المجلس مهما امتدت ساعاته الطوال حيث كان لطيف المعشر خصب المعلومات ، والحديث عنه وعن أدبه من أرق الأحاديث. حضر الهندية عمّ والده وهو العلامة الكبير السيد محمد أبو المعز المتوفى سنة ١٣٣٥ ه‍. واستنشده فقرأ له من شعره ألواناً ـ وكانت في لسانه تمتمة حلوة تزيد منطقه حسناً وحلاوة فنظم أبو المعز بيتين خاطبه بهما ملمحاً بحبسة لسانه ومشيراً إلى طريقة سالفة للشيخ صالح الكواز رحمه‌الله وقوله :

٣١١

أخسرت أخرس بغداد وناطقها

وما تركت لباقي الشعر من باقي

أقول : ضمن شطر هذا البيت في بيتيه فقال :

قولوا لأخرس قزوين إذا تليت

فرائد فكره قد صاغ رائقها

لم تبق ناطق شعر في الورى ولقد

( أخرست أخرس بغداد وناطقها )

هذا وكانت وفاة المترجم له عشية الاربعاء ١٣ ربيع الأول من سنة ١٣٦٦ ه‍. وقد شيع إلى مرقده الأخير في مقبرة الاسرة بالنجف الأشرف ، ولم يعقب من الذكور ذرية.

ومن فرائد شعره قوله راثياً جده أمير المؤمنين (ع) من قصيدة طويلة :

يا لائميّ تجنّبا التفنيدا

فلقد تجنبت الحسان الخودا

و صحوت من سكر الشباب ولهوه

لما رأيت صفاءه تنكيدا

ما شفّ قلبي حب هيفاء الدمى

شغفاً ولا رمت الملاح الغيدا

أبداً ولا أوقفت صحبي باكياً

من رسم ربع بالياً وجديدا

كلا ولا اصغيت سمعي مطرباً

لحنين قمريّ شدا تغريدا

لكنني أصبحت مشغوف الحشا

في حب آل محمد معمودا

المانعين لما وراء ظهورهم

والطيبين سلالة وجدودا

قوم أتى نص الكتاب بحبهم

فولاهم قد قارن التوحيدا

فلقد عقدت ولايَ فيهم معلناً

بولاء حيدرة فكنت سعيدا

صنو النبي وصهره ووصيه

نصاً بفرض ولائه مشهودا

هو علّة الإيجاد لولا شخصه

وعلاه ما كان الوجود وجودا

هو ذلك الشبح الذي في جبهة

العرش استبان لآدم مرصودا

هو جوهر النور الذي قد شاقه

موسى بسينا فانثنى رعديدا

يا جامع الأضداد في أوصافه

جلّت صفاتك مبدءاً ومعيدا

٣١٢

لم يفرض الله الحجيج لبيته

لو لم تكن في بيته مولودا

للأنبياء في السر كنت معاضداً

ومع النبي محمد مشهودا

ولكم نصرت محمداً بمواطن

فيها يعاف الوالد المولودا

مَن أبهر الأملاك في حملاته

ولمن تمدّح جبرئيل نشيدا

( لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى

إلا علي ) حيث صاد الصيدا

ومن اغتدى في فتح خيبر مقدماً

وسواه كان الناكص الرعديدا

ولكم كفى الله القتال بسيفه

الإسلام يوم الخندق المشهودا

أردى بها عمرو بن ودّ بضربة

قد شيدت دين الهدى تشييدا

أسنى من القمرين كان وإنما

عميت عيون معانديه جحودا

والقصيدة طويلة يذكر فيها مصرع الإمام أمير المؤمنين. ذكرها الباحث السيد جودت القزويني في كتاب ( مقتل أمير المؤمنين ) للمرحوم السيد ميرزا صالح القزويني.

٣١٣

الشيخ حسن الدجيلي

المتوفى ١٣٦٦

هل الدار من بعد سكانها

تريك الخليطَ بعنوانها

فرحت تقبل منها الطلول

وتعتنق الغصن من بانها

وتذرف في ربعها مدمعاً

وتستاف ملعب غزلانها

هو الدهر أخنى على ربعها

فحطم شامخَ بنيانها

وقفت به ومذاب الفؤاد

من العين يهمي بهتانها

ذكرتُ به ربع آل الرسول

فسالت عيوني بأجفانها

لقد كان مهبط وحي الإله

ومصدر آيات قرآنها

ومنبع أحكام دين النبي (ص)

ومعدن حكمة ديّانها

ومطلع شمس هدى العالمين

بها أبصرت نهج إيمانها

* * *

أطاحت امية منه العماد

وباحت بمضمر كفرانها

وقادت جيوشاً لحرب الهدى

وجاءت تهادى بطغيانها

تحاول اطفاء نور الإله

ونشر عبادة أوثانها

٣١٤

وحامي الشريعة هاجت به

عليها حمية غضبانها

فهبت لينقذ دين النبي (ص)

من تحت أنياب ثعبانها

سرى بالبهاليل من هاشم

يؤمُ العراق بأضعانها

اسودُ وغىً فوق جردٍ عتاق

صوافن أمثال عقبانها

ضوامرُ ان حفزت للوثوب

بجمع تصرّ بآذانها

عليها ليوثُ بني غالب

يضوع الفخار بأردانها

وشيدت خيامهم في الطفوف

ونجم السما دون أشكانها

أحاطت بهم فرق الظالمين

احاطة عينٍ بإنسانها

* * *

تحاول اذعانها لابن هند

وقطعُ الطُلى دون اذعانها

تموتُ كراماً ولا تلتوي

لبّو الصغار برثمانها

هل الموت إلا إذا جردت

رقاف المواض بأيمانها

إذا غنت البيض فوق الرؤوس

تميل نشاوى بألحانها

وتحسب فوق الظبا في الجباه

لدى الروع معقد تيجانها

إذا الجحفل المجر ستر الفجاج

عليها وضاقت بشجعانها

أمالته نثراً ببيض الصفاح

ونظماً بأطراف خرصانها

أراقمُ مندلعات اللسان

تلوكُ المنايا بأسنانها

فوالهفتاه لها إذ غدت

معفرةً فوق كثبانها

ولم تلوها غير كف القضا

إذ القوم ليسوا بأقرانها

* * *

ولم يبقَ غير امام الهدى

وحيداً بحومة ميدانها

يعاني الظما وعجيج النساء

يذيب الصفا وقع أرنانها

يعاني على الأرض أنصاره

وعفرُ الثرى نسجُ أكفانها

يعاني العدى مثل سيل البطاح

وفقد النصير للقيانها

٣١٥

يعاني على يده طفله

ذبيحاً بأسهم وغدانها

فلله نفسك يا علة الوجود

ويا قطب أكوانها

وتلك الفطائم لم تثنها

عن الفكر في أمر رحمانها

تدرع بالصبر في موقف

يزلزل موقف تهلانها

وشدّ على جمعهم مفرداً

كما شدّ ليثٌ على ضانها

فأروى الظبا من دماء الكماة

ولفّ الرجال بفرسانها

وأطعمها مهج الدار عين

فخرّت سجوداً لأذقانها

فلم ترَ في الأرض غير الجسوم

وخيل تجرّ بأرسانها

يحي الضبا والقنا والسهام

طروباً بمهجة ظمآنها

* * *

أصابوا الشريعةً لمّا اصيبَ

وهُدّت قواعد أركانها

وطاح فأظلمت النيرات

والأرض مادت بسكانها

وكم طفلة بهجوم العدى

وطفل يراع بحرانها

فررن النساء كرب اهيج

مروعاً بعدوة ذؤبانها

حيارى تعجّ بأكبادها

اذيبت بالهب نيرانها

تقوم فتكبو لما نالها

وتعثر في ذيل أحزانها

وتهتف باسم أبيها النبي (ص)

وطوراً بأسمتاء فتيانها

وسيقت برغم الله حسراً

تلفُ النجودَ بغيطانها (١)

الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله الدجيلي النجفي ، عالم مرموق مشهور بالتحصيل ومن المعدودين من الفقهاء ، ولد في النجف الأشرف عام ١٣٠٩ ه‍. نشأ على الدرس والتدريس وحلقات

__________________

١ ـ أنشدت في مأتم الحسين (ع) المقام من قبل الهيئة العلمية بالنجف الأشرف في ٢٣ محرم الحرام سنة ١٣٥٩ ه‍.

٣١٦

الفقهاء مضافاً إلى شهرة والده العالم الشهير على تدريسه والاعتناء به ، كنت كثيراً ما اشاهده مسرعاً قاصداً جامع الهندي ـ وهو أكبر مسجد في النجف وكان المرحوم الميرزا حسين النائيني يلقي دروسه على تلامذته هناك ومنهم المترجم له ، وكان إذا حضر في المحافل تكون له صدارة المجلس وتطرح المسألة العلمية ويشتدّ النقاش حوله فكان من المجلّين في تحقيقه وخبرته وممن يؤخذ برأيه ويحترم قوله ، طلب مني أن أسهر على ولده الشيخ صالح ليكون منبرياً مرموقاً بين الخطباء فلازمني هذا الولد حرسه الله ملازمة الظل مدة لا تقل عن عشر سنوات فكان كما أراد أبوه فهو اليوم من خطباء النجف اللامعين وبحكم هذه الصلة فقد كانت المودة أكيدة مع الوالد والثقة أصيلة فعرفت منه طيب القلب وسلامة الذات وحسن المعاشرة والنصح لكل أحد من قريب وبعيد ويحب الخير لكل مخلوق مع رجاحة عقل واتزان كامل وربما تذاكرنا ما بيننا بمسألة نحوية وهو يصغي فيفيض علينا من معارفه وكأنه قد راجعها وأتقنها في تلك الآونة ، كان يخرج في السنة مرة واحدة إلى الريف حول النجف والمسماة بمنطقة ( المشخاب ) بطلب من أهالي تلك المنطقة لأجل التعليم الديني والارشاد والوعظ وصادف مرة ان كنتُ هناك فرأيت من تواضعه ولطف أخلاقه ما جذبني إليه وجعلني أثق به كل الوثوق سيما وقد دار البحث بيني وبينه حول معنى بيت من الشعر للسيد مير علي أبو طبيخ قاله في رثاء المرحوم الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي من قصيدة وهو :

ولم لا تعذب الأخلاق منه

وكان ابن العراق هوىً وماءا

وهل ان الضمير يعود على الممدوح بنصب ( ابن ) أو أنها جملة مستأنفة فتكون ( ابن ) مرفوعة لأنها اسم لكان. وقد كرر الذهاب إلى تلك المنطقة حتى توفي بها فجأة سنة ١٣٦٦ ه‍. ونقل إلى النجف فدفن بها فرثاه جمع من الشعراء لا زلت أتذكر مطلع قصيدة أكبر أولاده وهو العلامة الشيخ أحمد سلمه الله قال :

٣١٧

أبي لست أدري كيف أرثيك في نظمي

وقد سامني من بعدك الدهر باليتم

وأعلم أن الموت لفّك بغتة

وغيّض ينبوع الفضيلة والعلم

آثاره : ١ ـ حاشية على ( كفاية الأصول ).

٢ ـ منظومة في المنطق.

٣ ـ ديوان شعره مضافاً إلى رسائله من منثور ومنظوم.

أصارحة الغصنِ الأخضر ..

أنشأها على ضفة دجلة في حديقة غناء ذات أشجار يانعة وأطيار صارحة في ( قلعة سكر ) على شط الفرات ، وفيها يمدح الغري ( النجف ) ومرقد الإمام علي عليه‌السلام :

أصارحةَ الغصنِ الأخضر

هناك نعيمك فاستبشري

تسيرين سابحةً في الفضاء

ووكرك في الشجر المثمر

فإن شئت تقتطفين الورود

وان شئت سنبلة البيدر

ملكت الهواء ملكت الفضاء

ملكت الجنان مع الأنهر

وليس لذي سلطة امرة

عليك ولا نهيُ مستهتر

ولم تسمعي أنةً من ضعيف

يضام ولا صوت مستنصر

وقلبك من قبح هذا الزمان

وأهليه في مهمهٍ مقفر

فما للمحاسنِ من آمرٍ

ولا للقبائح من منكر

تبيتين رافلةً في النعيم

وقلبي يبيت على مجمر

أحاطت به حالكات الهموم

فكان لها نقطة المحور

بضفة دجلة جسمي مقيم

وقلبي يرفرف فوق الغري

محل سما ذروة الفرقدين

علاً وسما ذروة المشتري

تضمن مرقد سرّ الإله

ومطلع شمس الهدى حيدر

وباب مدينة علم النبي (ص)

وساقي العطاشا في الكوثر

وحامل رايته في غدٍ

إذا سيقت الناس للمحشر

٣١٨

وقد شيّد الدين في سيفه

فتمّ ولولاه لم يذكر

ومن حارب الجن يوم القليب

ومن قلع الباب في خيبر

ومن ناطح الشرك حتى انجلى

الضلال بنور الهدى المسفر

ومن لم ترد الشمس إلا اليه

ويوشع في سالف الأعصر

ومن طهّر البيت لما ارتقى

على كتف المصطفى الأطهر

* * *

امام يقول لنار الجحيم

خذي ذا اليك وهذا ذري

ولم أخشَ بعدَ ولائي له

سؤال نكيرٍ ولا منكر

به أكمل الدين ( يوم الغدير )

وأعلن طه على المنبر

وقال فمن كنت مولىً له

فمولاه بعدي أبو شبّر

وقدك كان ذلك في مسمعٍ

من الحاضرين وفي منظر

فتباً لهم خالفوا المصطفى

وجثمانه بعدُ لم يقبر

وقد عدلوا بعد عرفانهم

من مورد العلم والمصدر

لبيعة تيم ومن بعده

اديلت ضلالاً الى حبتر

* * *

وله أيضاً في رثاء سيد الشهداء وقد اشتملت على مدح العترة الهداة عليهم‌السلام ، وقد تليت في محفل الملائية الذي اقيم لعزاء الحسين عليه‌السلام في العشرة الثالثة من المحرم سنة ١٣٦٠ ه‍. وكان انشاد القصيدة يوم ٢٦ محرم من السنة المذكورة :

هي النفسُ رصنها بالقناعة والزهد

وقصّر خطاها بالوعيد وبالوعد

وجانب بها المرعى الوبيل ترفقاً

عن الذل واحملها على منهج الرشد

فما هي إلا آية فيك اودعت

لترقى بها أعلى ذرى الحمدِ والمجد

وما علمت إلا يدُ الله كنهها

وان وصفت بالقول بالجوهر الفرد

ففجّر ينابيع العلوم وغذّها

من المهدِ بالعلم الصحيح إلى اللحد

٣١٩

وحبّ الهداة الغرّ من آل أحمدٍ

هم الأمن في الاخرى من الفزع المردي

هم عصمة اللاجي وهم باب حطةٍ

وهم أبحر الجدوى لمستمطر الرفد

هم سفراء الله بين عباده

ولاؤهم فرضٌ على الحرّ والعبد

فأولهم شمسُ الحقيقةِ حيدر

وآخرهم بدر الهدى القائم المهدي

* * *

فلا تقبل الأعمال إلى بحبهم

وبغض معاديهم على القرب والبعد

وليس لهذا الخلق عن حبهم غنىً

كما لا غنىً في الفرض عن سورة الحمدِ

عمىً لعيون لا ترى شمس فضلهم

فضلت بليل الجهل عن سنن القصد

تعيب لهم فضلاً هو الشمس في الضحى

وكيف تعاب الشمس بالمشعل الرمد

ويكفي من التنزيل آية ( إنما )

و ( قل لا ) لاثبات الولاية والودّ

وذا خبر الثقلين يكفيك شاهداً

وبرهان حق قامعاً شبهة الجحد

رمتهم يد الدهر الخؤون بحادثٍ

جسيم ألا شلت يد الزمن النكد

وقامت عليهم بعدما غاب أحمد

عصائب غي أظهرت كامن الحقد

وقد نقضت عهد النبي (ص) بآله

الهداة وقلّ التائبون على العهد

* * *

وأعظم خطب زلزل العرشَ وقعه

وأذهل لبّ المرضعات عن الوُلد

غداة ابن هندٍ أظهر الكفر طالباً

بثارات قتلاه ببدرٍ وفي أُحد

ورام بأن يقضي على دين أحمدٍ

ويرجع دين الجاهلية والوأد

فقام الهدى يستنجد السبط فاغتدى

يلبّيه في عزم له ماضي الحدّ

وهبّ رحيب الصدر في خير فتيةٍ

لها النسب الوضاح من شيبة الحمدِ

يشب على حبّ الكفاح وليدهم

ولم يبد ريحانُ العذار على الخد

ولو يرتقي المجدُ السماكين لارتقوا

اليه بأطراف المثقفة الخُلدِ

* * *

إذا شبّت الحرب العوان تباشروا

وصالوا على أعدائهم صولة الأسد

اسودُ وغىً فيض النجيع خضابهم

وطيبهم نقع الوغى لا شذا النَدّ

رجال يرون الموتَ تحت شبا الظبا

ودون ابن بنت الوحي أحلى من الشهد

٣٢٠