أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

أعظمها رزء على الإسلام

سبي ذراري سيّد الأنام

ضلالة لا مثلها ضلاله

سبي بنات الوحي والرساله

وسوقها من بلد إلى بلد

بين الملا أشنع ظلم وأشد

وأفظع الخطوب والدواهي

دخولها في مجلس الملاهي

ويسلب اللب حديث السلب

يا ساعد الله بنات الحجب

تحمّلت أمية أوزارها

وعارها مذ سلبت أزارها

وأدركت من النبي ثارها

وفي ذراريه قضت أوتارها

واعجبا يدرك ثار الكفرة

من أهل بدر بالبدور النيّرة

فيا لثارات النبي الهادي

بما جنت به يد الأعادي

الشيخ محمد حسين الاصفهاني نابغة دهره وفيلسوف عصره وفقيه الامة ، اتجهت الأنظار اليه وتخرّج على يده جملة من العلماء الأعلام ومن الكمال والأدب بمكان منشأ بليغاً باللغتين العربية والفارسية وخطه من أجمل الخطوط وهذه جملة من مؤلفاته :

١ ـ كتاب في الفقه والأصول بأجمل اسلوب.

٢ ـ حاشية على كفاية الاصول أسماها ( نهاية الدراية ) طبع الجزء الأول منها في طهران.

٣ ـ رسالة في الصحيح والأعم.

٤ ـ رسالتان في المشتق.

٥ ـ رسالة في الطلب والإرادة.

٦ ـ رسالة في علائم الحقيقة والمجاز.

٧ ـ رسالة في الحقيقة الشرعية.

٨ ـ رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي.

٢٢١

٩ ـ عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين ، وديوان شعر فارسي في مدائح ومراثي آل بيت الوحي وكل شعره مشحون بالفلسفة والعرفان كما له ديوان ثاني في العرفانيات والحكميات وله أرجوزة بالعربية وهي التي أسماها ب‍ ( الأنوار القدسية ) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الإثنى عشر وأولادهم صلوات الله عليهم أجمعين.

كان بعد الفراغ من دروسه في الحكمة والفقه والأصول يتلو قطعة من نظمه فتلتذ العقول وترتاح النفوس وتعدّ تلامذته وجود هذه الذات من أعظم الرحمات مضافاً إلى سيرته التي هي مثال عملي عن خلقه وأدبه.

وانطفأ هذا المشعل النيّر ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة ١٣٦١ ه‍. عن عمر يناهز الستة والستين عاماً إذا كانت ولادته سنة ١٢٩٦ ه‍.

٢٢٢

الشيخ هادي كاشف الغطاء

المتوفى ١٣٦١

ربع محى الحدثان رسمه

أجرى عليه الدهر حكمه

كم رمت كتمان الغرام

به ويأبى الوجد كتمه

أوحشت يا ربع الهدى

ولبست بعد النور ظلمه

ولقد أشابت لمّتي

نوب تشيّب كل لمّه

بملمة طرقت فأنست

كل طارقة ملمة

يوم أبيّ الضيم فيه

أبى المذلّة والمذمّه

وسقى الثرى بدم العدوّ

وأطعم العقبان لحمه

وافى لعرصة كربلا

من هاشم في خير غلمه

أقمار تمٍّ أسفرت

بدجى الخطوب المدلهمه

وليوث حرب صيّرت

سمر العوالي اللدن أجمه

من كل فارس بهمة

ما همّه إلا المهمة

حتى إذا نزل القضا

ء وأنقذ المقدور حتمه

نهبتهم بيض الضبا

وتقاسمتهم أي قسمه

يا صدمة الدين التي

ما مثلها للدين صدمه

هدّمت أركان الهدى

وثلمت في الإسلام ثلمه

قتل الإمام إبن الإمام

أخو الإمام أبو الأئمة

ما ذاق طعم الماء حتى

صار للأسياف طعمه

ملقى على وجه الصعيد

تدوس جرد الخيل جسمه

٢٢٣

لا يرحم الله الأولى

قطعوا من المختار رحمه

لم يرقبوا لنبيهم

في آله إلا وذمّه

خسرت تجارة من يكون

شفيعه في الحشر خصمه

أبَني أمية أنتم

في الناس كنتم شرّ أمّة

الشيخ الهادي ابن الشيخ عباس بن علي بن جعفر صاحب كشف الغطاء قدس‌سره. ولد بالنجف سنة ١٢٨٩ ه‍. منشأه بيت العلم والكمال والهيبة والجلال فالدر من موطنه والذهب من معدنه ، كنت إذا نظرت إلى وجهه المبارك رأيت في أساريره النور وروعة العلم وهيبة العلماء وملامح النسك والعبادة ، نظم الشعر في حداثة سنّه مع أخدانه أبطال اشعر ونوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصفهاني والسيد جعفر الحلي وأضرابهم وتتلمذ على الملا كاظم الآخوند كثيراً والشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ويروي إجازةً عن السيد حسن الصدر والشيخ آغا رضا الهمداني ونال من الحظوة العلمية مرتبة الإجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلقة به منجذبة اليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ، ما جلس اليه أحد إلا وانجذب اليه لروحانيته وأفاض عليه من نميره العذب. كنا نجلس في طرف المجلس احتراماً له وهو يدنينا اليه ويحدثنا بما يخص المنبر الحسيني وعن أثر وقعة الطف ويستشهد بشيء من منظومته المسماة ب‍ ( المقبولة الحسينية ) وهو صاحب مستدرك نهج البلاغة وكتاب ( مصادر نهج البلاغة ومداركه ) ، وشرح شرائع الإسلام ، وشرح تبصرة العلامة الحلي ، ورسالة تضم فتاواه وآراءه الفقهية أسماها ( هدى المتقين ) طبعت سنة ١٣٤٢ ه‍. وله منظومة في النحو وأخرى في الإمامة ، أما المنظومة المسماة بالمقبولة فلا زال خطباء المنبر الحسيني يجعلونه موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية ومما قال في مدح النجف من قصيدة :

٢٢٤

قف بالنياق فهذه النجف

أرض لها التقديس والشرف

ربع ترجلت الملوك به

وبفضل عزّ جلاله اعترفوا

حرم تطوف به ملائكة الربّ

الجليل وفيه تعتكف

وله أرجوزة في سيرة الزهراء سلام الله عليها ، ومنها :

ومَن بهم بأهل سيد الورى

( وقل تعالوا ) أمرها لن ينكرا

وهل أتى في حقها وكم أتى

من آية ومن حديث ثبتا

لما رووه في الصحيح المعتبر

من أنها بضعة سيد البشر

وبضعة المعصوم كالمعصوم

في الحكم بالخصوص والعموم

لانها من نفسه مقتطعه

فحقها في حكمه أن تتبعه

إلا الذي أخرجه الدليل

فإننا بذاك لا نقول

ولم يرد في غيرها ما وردا

في شأنها فالحكم لن يطردا

وآية التطهير قد دلّت على

عصمتها من الذنوب كملا

توفي رحمه الله ليلة الاربعاء في ٩ محرم الحرام سنة ١٣٦١ ه‍. وكان يوما مشهوداً واشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء حتى أودع في مقبرتهم مع والده وجدّه رحمهم‌الله جميعاً وتعاقبت الشعراء على منصة الخطابة ترثيه بما هو له أهل وتندبه وكما أقيم له حفل أربعيني إشترك فيه كبار الكتّاب والخطباء والشعراء.

ومن نتفه وملحه قوله :

قول إن الذي يموت يراني

حار همدان ـ عن علي رواه

فتمنيت أن أموت مراراً

كل يوم وليلة لأراه

يشير إلى حديثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للحارث الهمداني إذ يقول : وأُبشرك يا حارث ليعرفني وليّ وعدوّي في مواطن شتى ، يعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة قال : وما المقاسمة يا سيدي قال : مقاسمة

٢٢٥

الجنة والنار أقسمهما قسما صحاحا ، أقول هذا وليّ وهذا عدوّي ، ونظم السيد الحميري في ذلك فقال :

قول علي لحارث عجب

كم ثَمّ أعجوبة له حملا

يا حار همدان مَن يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بنعته وإسمه وما فعلا

وأنت عند الصراط تعرفني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أقول للنار حين تعرض للعرض

ذرية لا تقبلي الرجلا

ذريه لا تقبليه إن له

حبلاً بحبل الوصي متصلا

وتوهم إبن أبي الحديد حيث نسب هذا الشعر للإمام أمير المؤمنين (ع) ، أقول قد نطقت صحاح الأخبار بأن الإمام علي عليه‌السلام يشاهده شيعته في خمسة مواطن : عند خروج الروح ، ,عند سؤال القبر ، وعند الحوض ، وعند الحساب ، وعند الصراط.

وقد روى الهيتمي في معجمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والخطيب البغدادي والمحب الطبري في الرياض النظرة والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن حجر في الصواعق والمناوي في كنوز الحقائق وغيرهم علماء السنّة أن الإمام عليه‌السلام يُرى عند الحوض وعند الحساب وعند الصراط فيكون الاتفاق حاصلاً من الفريقين على هذه الرؤى الثلاث ، وأما ما يخص الرؤية عند خروج الروح وعند سؤال القبر فقد حصل فيها بعض الأخذ والرد من علماء الفريقين.

٢٢٦

الشيخ عبد الحسين صادق

المتوفى ١٣٦١

قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء عليه‌السلام :

عهدي بربعهم أغنّ المعهَد

وندّيه يفتر بالروض الندي

ما باله درس الجديدُ جديدَه

ومحا محاسن خدّه المتورد

أفلّت أهلّته وغابت شهبه

في رائح للنائبات ومُغتدي

زمّت ركاب قطينه أيدي سَبا

تفلي الفلاة بمتهِم وبمنجد

* * *

ولقد وقفت به ومعتلج الجوى

بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي

فتخالني لضناي بعض رسومه

ولحرّ أحشائي أثافي مَوقَد

أرنوا اليه وناظري مُتقسّم

بطلوله لمصوب ومُصعّد

ما أن أرى إلا الحمائم هُتّفاً

ما بين غِرّيد وصيداح شَدي

ناحت ونحت وأين مني نوحُها

شتان نَوح شجٍ وسجع مُغرّد

لي لا لها العين المرقرق دمعها

والمهجة الحراء والقلب الصَدي

حجر على عيني يمر بها الكرى

من بعد نازلة بعترة ( أحمد )

أقمار تمٍّ غالها خسف الردى

واغتالها بصروفه الزمن الردي

شتى مصائبهم فبين مكابدٍ

سُمّا ومنحور وبين مُصفّد

سل كربلا كم مُهجَة ( لمحمدٍ )

نُهبت بها وكم إستجذت من يد

٢٢٧

ولكم دم زاكٍ أُريق بها وكم

جثمان قُدسٍ بالسيوف مُبدّد

وبها على صبر الحسين ترقرقت

عبراته حُزناً لأكرم سيّد

* * *

وعلّي قدر من ذوابة هاشم

عبقت شمائله بطيب المحتد

أفديه من ريحانة رَيّانة

جفّت بحر ظَما وحرّ مُهند

بكر الذبول على نَضارة غُصنه

إن الذبول لآفة الغصن الندي

ماء الصبا ودم الوريد تجاريا

فيه ولاهب قلبه لم يخمد

* * *

لم أنسه متعمّما بثبا الضيا

بين الكماة وبالأسنّة مرتدي

يَلقى ذوابلها بذابل معطفٍ

ويشيم أنصلها بجيد أجيَد

خضبت ولكن من دم وفراته

فاحمرّ ريحان العِذار الأسود

جمع الصفات الغُرو هي تراثه

من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر

بإبا الحسين وفي مهابة ( أحمد )

وتراه في خلق وطيب خلائق

وبليغ نطق كالنبي ( محمد )

يرمي الكتائب والفلا غصّت بها

في مثلها من عزمه المتوقد

فيردّها قَسرا على أعقابها

في بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبد

ويؤب للتوديع وهو مجاهدٌ

لظما الفؤاد وللحديد المجهد

* * *

صادي الحشى وحسامه ريّان من

ماء الطلا وغراره لم يبرد

يشكو لخير أب ظمآه وما اشتكى

ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي

فانصاع يُؤثره عليه بريقه

لو كان ثَمّة ريقة لم تجمد

كل حشاشة كصالية الغضا

ولسانه ظماء كشقة مبرد

٢٢٨

ومذ انثنى يلقى الكريهة باسما

والموت منه بمسمَع وبمشهد

لفّ الوغى وأجالها جول الرحا

بمثقّفٍ من بأسه ومُهنّد

عثر الزمان به فغادر جسمه

نهب القواضب والقنا المتقصد

ومحى الردى يا بئس ما غال الردى

منه هِلال دُجاً وغرة فرقد

يا نجعة الحيين هاشم والعُلى

وحِمى الذمارين العُلى والسودد

كيف ارتقت هم الردى لك صعدة

مطرورة الكعبين لم تتأود

فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا

ما بعد يومك من زمانٍ أرغد

الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم ذكر جملة من اسرته. ولد في النجف الأشرف في حدود سنة ١٢٨٢ ه‍. وفيها نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء. قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة. توفي في أوائل ذي الحجة سنة ١٣٦١ ه‍. في النبطية ودفن فيها.

قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين عليهما‌السلام ـ الشك منه ـ فقال لأبي أجز هذا البيت :

لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا

وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا

فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي ( سقط المتاع ) ( عرف الولاء ) ( عقر الظباء ) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (ع) يذكر فيشكر ونجد بلدة النبطية ـ اليوم ـ ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر أهل

٢٢٩

البيت (ع) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى ب‍ ( الحسينية ) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :

روت الفلك في متون البحار

نبأ البرق عن صحيح البخار ( ي )

وأخرى في وصف ( التلغراف ) وثالثة في صفة ( القطار ) ورابعة في وصف ( السيارة ) أو تقرأ له ( البدويات والأعاريب ) وملحمته الكبرى ( الشمس وبنو عبد شمس ) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه.

توفي بالنبطية في ١٢ ذي الحجة الحرام عام ١٣٦١ ه‍. ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية ومن مخلفاته العلمية كتاب ( سيماء الصالحين ) وهو على صغر حجمه موفق في اسلوبه كل التوفيق.

ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها ( عمّ الفساد ) :

بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ

وهوىً يهب فتُطفأ السُنن

وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها

فتنٌ وفتّانٌ ومُفتَتن

ومنها :

القومُ سرّهم معاويةٌ

وقميص عثمان لهم عَلَن

ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس الحسينية بالنبطية سنة ١٣٢٩ ه‍. وأراد إجراء صيغة الوقف قال :

٢٣٠

أنا عبد الحسين والصادق الودّ لآل النبي ثبت الولاء

أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حتى أقمت بيت العزاء

فهو وقفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذوالفضل من أبنائي

ولدى الانقراض منا يناط الأمر فيـه لأورع العلماء

وقال في رثاء الحسين عليه‌السلام :

سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا

مستحفياً عن أبيّ الضيم ما فعلا

أحلّقت نفسه الكبرى بقادمتي

إبائه أم على حكم العدا نزلا

غفرانك الله هل يرضى الدنية مَن

لقاب قوسين أو أدنا رقى نزلا

يأبى له الشرف المعقود غاربه

بذروة العرش عن كرسيه حولا

ساموه إما هواناً أو ورود ردىً

فساغ في فمه صاب الردى وحلا

خطا لمزدحم الهيجاء خطوته ال‍

‍فسحاء لا وانياً عزما ولا كسلا

يختال من جده طه ببرد بهاً

ومن أبيه عليٍّ في بجاد علا

فالكاتبان له في لوح حومتها

ذا ناظم مهجاً ذا ناثر قللا

يمحو بهذين من ألواحها صوراً

أجل ويثبت في قرطاسها الأجلا

يحيكُ فيها على نولي بسالته

من الحمام إلى أعدائه حللا

ما عَضبه غير فصّال يداً وطلا

ولدنه غير خياط حشاً وكلا

هما معاً نشرا من أرجوانها

ما جلل الأرحبين السهل والجبلا

تقلّ يمناه مشحوذ الغرار مضاً

مواجه علقاً وهاجة شعلا

ما بين مضطرب منه ومضطرم

نار تلظّى وماء للمنون غلى

طوراً يقدّ وأحياناً يقط وفي

حاليهما يقسم الأجسام معتدلا

فهو المقيم صلاة الحرب جامعة

لم يبق مفترضاً منها ومنتفلا

تأتمّ فيه صفوف من عزائمه

تستغرق الكون ما استعلا وما سفلا

بالنحر كبّر ماضيه وعامله

بالصدر فاتحة الطعن الدراك تلا

٢٣١

فالسيف يركع والهامات تسجد والخطي

في كل قلب أخلص العملا

أقام سوق وغى راجت بضائعها

فابتاع لله منها ما علا وغلا

تعطيه صفقتها بيض الصفاح وسمر

الخط تربح منه العلّ والنهلا

والنبل تنقده ما في كنانتها

والقوس تسلفه عن نفسه بدلا

والبيعان جلاد صادق وردى

فذاك أنشأ إيجاباً وذا قبلا

قضى منيع القفا من طعن لائمة

مذ للقنا والمواضي وجهه بذلا

قضى تريب المحيا وهو شمس هدى

من نوره كم تجلّى الكون بابن جلا

قضى ذبول الحشا يبس اللهى ظمأ

من بعد ما أنهل العسالة الذبلا

قضى ولو شاء أن تمحى العدا محيت

أو يخليَ الله منها كونه لخلا

لكن ولله في أحكامه حكم

كبابه القدر الجاري فخرّ إلى

لله ما انفصلت أوصاله قطعاً

لله ما انتهبت أحشاؤه غللا

لله ما حملت حوباؤه محناً

بثقلها تنهض النسرين والحملا

أفديه من مصحر للحرب منشئة

عليه عوج المواضي والقنا طللا

والصافنات المذاكي فوقه ضربت

سرادقا ضافي السجفين منسدلا

بيتاً من النقع علوياً به شرف

وكل بيت حواه فهو بيت علا

ضافته بيض الظبا والسمر ساغبة

عطشى فألفته بذال القرى جذلا

لله ماشرب الخطي من دمه

لله ما لحمه الهندي ما أكلا

أحيا ابن فاطمة في قتله أُمماً

لولا شهادته كانت رميم بلا

تنبهت من سبات الجهل عالمة

ضلال كل امرء عن نهجه عدلا

لولم تكن لم تقم للدين قائمة

ولا اهتدى للهدى من أخطأ السبلا

ولا استبان ضلال الناكثين عن المثـ

ـلى ولا ضربوا في غيهم مثلا

ولا تجسم نصب العين جعلهم

خلافة المصطفى ما بينهم دولا

ولا درى خلفٌ ماذا جنى سلفٌ

في رفضه أولاً ساداته الأولا

٢٣٢

ولا تحرر من رق الجهالة وثا

با إلى العلم يأبى خطة الجهلا

سن الأبا لإباة الضيم منتحراً

وتلك شنشنة للسادة الفضلا

لله وقفته في كربلا وسطا

بين الوغى والخبا يحمي به الثقلا

يعطي النسا والعدا من وفر نجدته

حظيهما الأوفرين الأمن والوجلا

عبّ الأمرّين فقدان الأعزة وا

لصبر الجميل ومج الوهن والقشلا

ورب ظام رضيع ذابل شفة

وفاغر لهوات غائر مقلا

أدناه من صدره رفقاً ومرحمة

لحاله وهي حال تدهش العقلا

فاستغرق النزع رامي الطفل فانبجست

أوداجه مذ له السهم المراش غلا

فاضت دماً فتلقاه براحته

وللسماء رمى فيه فما نزلا

وهوّن الخطب إن الله ينظره

وفي سبيل رضاه خفّ ما ثقلا

ونسوة بعده جلت مصيبتها

وإن يكن كل خطب بعده جللا

على النبي عزيز سبيها علناً

وسلبها الزينتين الحلي والحللا

تدافع القوم عنها وهي حاسرة

مصفرّة وجلا محمرّة خجلا

ما حال دافعة مبتزها بيد

تود مفصلها من قبل ذا فصلا

رأت فصيلتها صرعى وصبيتها

من الظما بين من أشفى ومن قتلا

رأت نجوم سما عمرو العلى غربت

عنها وبدر سماء المصطفى أفلا

وقال يرثي قمر الهاشميين أبا الفضل العباس شهيد كربلا :

بكر الردى فاجتاح في نكبائه

نور الهدى ومحا سَنا سيمائه

ودهى الرشاد بناسفٍ لأشمّه

وبخاسفٍ لأتمّ بدر سمائه

ورمى فأصمى الدين في نفاذة

وارحمتاه لمنتهى أحشائه

يوماً به قمر الغطارف هاشم

صكّت يد الجُلّى جبين بهائه

سيم الهوان بكربلاء فطار للعز

الرفيع به جناح إبائه

أنّى يلين إلى الدنية مَلمَسا

أو تنحت الأقدار من ملسائه

هو ذلك البسّام في الهيجاء وا

لعباس نازله على أعدائه

٢٣٣

هو بضعة من حيدر وصفيحة

من عزمه مشحوذة بمضائه

وأسى أخاه بموقف العزّ الذي

وقفت سواري الشهب دون علائه

ملك الفرات على ظماه وأسوة

بأخيه مات ولم يذق من مائه

لم أنسهُ مذ كرّ منعطفاً وقد

عطف الوكاء على مَعين سقائه

ولوى عنان جواده سرعان نحو

أخيه كي يُطفي أوار ظمائه

فاعتاقه السَدّان من بيض ومن

سُمر وكل سدّ رَحب فضائه

فانصاع يخترق الصوارم والقنا

لا يَرعوي كالسهم في غلوائه

يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكِلا

بشباة أبيضه وفي سمرائه

* * *

ويجول جولة حيدرٍ بكتائب

خضراؤها كالليل في ظلمائه

حتى إذا ما حان حين شهادة

رُقمت له في لوح فصل قضائه

حسم الحسام مُقلة لسقائه

في ضربة ومُجيلة للوائه

آمن العدى فتكاته فدنا له

مَن كان هيّاباً مهيب لقائه

وعلاه في عَمد فخرّ لوجهه

ويمينه ويساره بإزائه

نادى أخاه فكان عند لقائه

كالكوكب المنقض من جوزائه

وافى اليه مُفرّقاً عنه العدى

ومجمّعاً ما انبتّ من أعضائه

وهوى يُقبّله وما من موضع

للثم إلا غارق بدمائه

* * *

يا مبكياً عين الإمام عليك

فلتبك الأنام تأسّياً لبكائه

ومقوّساً منه القوام وحانيا

منه الضلوع على جوى بُرحائه

فلتنحني حزناً عليك تأسيا

بالسبط في تقويسه وحنائه

أنت الحري بأن تقيم بنو الورى

طُراً ليوم الحشر سوق عَزائه

٢٣٤

ومن حسينياته :

أذا غرب سيف أم هلال المحرم

تضرج منه الشرق في علق الدم

أهذي السما أم كربلا وبروجها

القباب وبرج الليث ظهر المطهم

أشهبٌ بها تنقض أم آل ( أحمد )

تهادت تباعاً عن مِطا كل شيضَم

أأقمار تم غالها الخسف أم هي ا

لمصابيح سادات الحطيم وزمزم

أبدر الدياجى أم محيّا ابن فاطم

تبلج في ديجور جيش عرمرم

أجل هو سبط المصطفى شبل حيدر

وناهيك منه ضيغم شبل ضيغم

فما نابه إلا مثقّف صعدة

ولا ظفره إلا محدّب مخذم

له لُبَدٌ من نجدة وبسالة

تخرّ له الأبطال للأنف والفم

* * *

هو السيف مطبوع الشَبا من صرامة

الوصي ومن صبر النبي المعظم

تثلم من قرع الكتائب حدّه

وما آفة الأسياف غير التثلم

تزوّد مملوء المزاد حفيظة

وحزماً سما فيه سموّ يلملم

وهبّ إلى عزّ الممات محلّقاً

بخافقتيه من إباً وتكرّم

تعانق منه السمر أعدل قامة

وتثلم منه البيض أشنب مبسم

وتشبك أوتار القسي نبالها

مُروقاً به شبك المسدّى بملحم

تقلبه صدراً ونحراً وجبهة

وما موضع التقبيل غير المقدم

سقته الظبا نهلاً وعلا نطافها

على ظماء أفديه من ناهلٍ ظمي

مجفّفة ماء الحياة بجسمه

ومجرية فيه جداول من دم

* * *

أباذلها لله نفساً أبيّة

تصعّر خداً عن مذلّة مُرغم

ترى الخدرِ خدر الفاطميات عرضة

لمقتلعيه محرق ومهدِم

ترى الخفرات الهاشميات غودرت

مقانعها نهباً وسلباً لمجرم

٢٣٥

السيد مير علي أبو طبيخ

المتوفى ١٣٦١

أهاشم إن لم تمتطي الخيل ضمرا

فكل حديث في معاليك مفترى

وإن لم تفه بالطعن ألسنة القنا

فلا فرعت منك الخطابة منبرا

وإن لم تخض منك الضبا بدم الطلا

فيا لا طمى وادي نداك ولا جرى

لئن قعدت سود الليالي بمرصد

فهذي الليالي البيض أحمد للسرى

فصولي بمصقول الشبا حيثما هوى

يفلّق مصقول الجوانب مرمرا

إذا لعلعت في القاصفات بروقه

فصيد الأعادي الصيد وهو لها قرى

أو انتثرت منه الجماجم خلتها

كُرىً يلطم اللاهي بها أوجه الثرى

لجوجٌ فلولا الغمد يمسك بأسه

لسالت به شتى المدائن والقرى

أخو نجدة يبدو بهيئة راكع

فإن هو أهوى للضريبة كبّرا

يتيه به زهو الملوك إذا انثنى

يمجّ بفياض النجيع مظفرا

عسى تدركي الثار الذي ملؤه دم

متى عصفت فيه المنايا تفجرا

وتستأصلي من عبد شمس طغاتها

بذي لجب لم يبق ظفراً ومنسرا

تمرّ كأمثال البروق جياده

يلوح على أعرافها الموت أحمرا

مؤللة الأطراف ناحلة الشوى

موقرة الأرداف محبوكة القرا

إذا اقتعدت حمس الوغى صهواتها

أرتك الكميّ الليث والصهوة الشرى

تمثل صولان ابن حيدر مذ غدوا

يظنون في صدر الكتائب حيدرا

٢٣٦

جرى والقضاء الحتم دون يمينه

يفصل أبراد المنايا إذا جرى

على سابح راقته في السلم ميعة

فلاح بها يوم الوغى متبخترا

يعوم بهاد أماء ماء لعابه

إذا ما طغى غير الأسنة معبرا

فطافت به أمواجه وهي أنصلٌ

ترامت فألقته بضاحية العرى

ولم أدري ما خرّت صحيفة بجدل

أكان وريد المجد أم كان خنصرا

رأى الليث أشلاء فهان ابتزازه

وهل يسلب الضرغام إلا معفرا

وبالصفا يا هاشم مذ تناوبت

عليها الرزايا وهي تندب حسّرى

بضرب تروع الجامدات سياطه

وسير على الأقتاب تُبرى به البُرا

ولولا جلال الله لم يبق حاجب

به يرتدين الصون عن أعين الورى

بنفسي مرهوب الحمى شبه أحمد

سطا ضيغماً والحرب مشبوبة الذرى

يُروي شبا ماضيه لكن قلبه

من الطعن أوراه الظما فتسعّرا

ولم أنس مذ أرداه سهم منية

هوى وهو باب الله منفصم العُرى

هو البدر قد أخني عليه محاقه

وإقبال دهر ناضوه فأدبر

وغرة شمس غيبتها دجى الوغى

وآية قدس أغفلت عين مَن قرا (١)

السيد مير علي ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد الله بن محمد إبن العلامة السيد هاشم ، يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام. وهو من اسرة البوطبيخ المعروفة بمحتدها ومكانتها في الشرف. ولد في النجف في غضون العشرة الاولى من القرن الرابع عشر الهجري ، وتوفي في شهر شوال من سنة ١٣٦١ ه‍. وهو لم يتجاوز الخمسين إلا قليلاً. تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي

__________________

١ ـ عن سوانح الأفكار للمؤلف وهي من الشعر الذي لم ينشر في الديوان.

٢٣٧

وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً ، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي ، وكان رحمه الله على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول : إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الراس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول ، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة ب‍ ( المثكل ) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي ، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض ( الروماتيزم ) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبدالله شبّر في العقائد وهو كتاب ( حق اليقين في معرفة أصول الدين ) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان ، صيدا سنة ١٣٥٦ ه‍. وهما :

إذا ما خفت تسقط في عثار

بمزلق هوّة وضلال دين

وجدتَ به الدلائل واضحات

إذا شاهدته حق اليقين

وإني أحتفظ برسالتين قيمتين كتبهما لوالدي عندما سافر إلى ( حيدر آباد دكن ) وفي الرسالتين من النظم الرائق والنثر الفائق ما يعجب وقد نشر شيء من إحداهما في الديوان أما الثانية فقد صدّرها بقطعة من روائعه جاء فيها :

إلى الهند أصبو كلما طلع النجم

لعلّ له فيما ألمّ بكم علم

نحيلا تحداني السقام فراعني

فلا كيف يضوبني ولم يحوني كمّ

٢٣٨

نزحت فشاقتني اليك نوازعي

وقد بنتَ فاستولى على كبدي الهمّ

تضاءل مني كل معنى لبينكم

فلم يبق لي في صفحة الكون إلا اسم

يردد ذكراكم لساني فينتشي

فؤادي ولا خمرٌ لديّ ولا كرم

ويكحل عيني منك نور ألوكة

تنمّقها منك البراعة والفهم

وهذا ديوانه الأنواء الذي أصدرته مطبعة الراعي في النجف بعد وفاته بعام واحد ، وقد قدّم له الاستاذ الكبير جعفر الخليلي ، ورتبه إلى ثلاثة أبواب وهي :

١ ـ خواطر وأحلام ضمّت جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي.

٢ ـ عواطف وأنغام متضمنة تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية.

٣ ـ شجون وآلام وقدضمت مراثيه ومنظوم دموعه الحارة.

أما ما احتفظ به بخطه الجميل فهي القطعة التي يرثي بها نفسه وهي أيضاً مما لم ينشر :

أهوت به علّته فانتدب الحيلة

يثنيها فأعياه السبب

قالوا النطاسي فألقى فخّه

مقتنصاً جاء ليصطاد النشب

حتى إذا استفرغ ما ظنّ به

من فضة يكنزها ومن ذهب

تعاظم الداء عليه فالتوى

واستعضل النازل فيه فانسحب

وللرفاق حوله ولولة

وللبنين والبنات مصطخب

يلطم هذا وجهه توجّعاً

وذاك حانٍ فوق جسمه حدب

فلا حميم لحماه يلتجي

ولا ابن أمٍ نافع ولا ابن أب

وهو على بصيرة من أمره

منتبهاً يرنو لسوء المنقلب

ينظر فيما ذهبت أيامه

وما اكتسى من عمل وما اكتسب

طغت عليه لجج الموت فما

أقام في تيارها حتى رسب

فاستكّ منه سمعه وأخرست

شقشقة تزري بفصحاء العرب

وأغمضت أجفانه لا عن كرىً

وأسبل الأيدي من غير وصب

٢٣٩

وسيقت النفس على علاتها

إلى الجنان أو إلى النار حطب

إني أعوذ بولاء حيدر

وصفوة الطف البهاليل النجب

من فزع الموت وشرّ ما اعتقب

وشرّ كل غاسق إذا وقب

هم الرعاة لا عدمت فيئهم

وهم سفائن النجاة في العبب

هم عرفات الحج هم شعاره

هم كعبة البيت وهم أسنى القرب

يا بأبي السبط غداة وزّعت

أشلاؤه ما بين أشفار القضب

وقد تضمن ديوانه جملة من الرثاء للإمام الحسين عليه‌السلام منها قصيدته التي ختمها بقوله :

يا بن النبي وخير مَن

أهدى وحلّ مني وخيّف

وابن الحطيم وزمزم

وابن المشاعر والمعرّف

لا قلت رأسك في القنا

بدر فرأسك منه أشرف

كلا ولا هو في الضحى

شمس فعين الشمس تكسف

بل أنت وجه الله في

أفق الوجود غداة توصف

أضحوا لفقدك آسفين بما

جنوه ولات مأسف

ولا زلت أتذكر أني يوم فقدته رأيت نفسي كأني فقدت أباً عطوفاً وعبّرتُ عن ألمي بقصيدة نشرتها جريدة الهاتف النجفية في سنتها الثامنة عدد ٣١٨ ومطلعها :

فمي وطرفي على تأبينك استبقا

بالنثر والنظم كلٌ منهما اندفقا

ما هذه قطع شعرية سبكت

هذي شظايا فؤادي قطّعت حرقا

طوارق الدهر أظنتني وأعظمها

هذي التي علمتني بالرثا طرقا

هل نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي

هيهات فيك قضاء الله قد سبقا

وهي تزيد على العشرين بيتاً. تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته.

٢٤٠