أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

( الشوقيات ) تعطينا أوضح الصور عن شاعريته فهو صاحب نهج البردة التي مطلعها :

ريم على القاع بين البان والعلم

أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وصاحب الهمزية النبوية التي مطلعها :

ولد الهدي فالكائنات ضياء

وفم الزمان تبسم وثناء

وصاحب ذكري المولد التي مطلعها :

سلوا قلبي غداة سلا وتابا

لعل على الجمال له عتابا

وهو الذي يقول في مطلع احدى روائعه :

رمضان ولّى هاتها يا ساقي

مشتاقة تهفو إلى مشتاق

وله :

حفّ كأسها الحبب

فهي فضة ذهب

وهو القائل في مطلع قصيدة تكريم :

قم للمعلم وفّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

فنراه محلّقاً بكل ألوان الشعر وضروبه وهو مسلم مقتنع بالإسلام ومتأثر به تأثراً كلياً هتف بأعلى صوته وردد أنغامه وحرك الأحاسيس وأثار الشعور وملك العواطف وهاك قطع ينقد بها المجتمع :

رأيت قومي يذم بعض

بعضاً إذا غابت الوجوه

وان تلاقوا ففي تصاف

كأن هذا لذا أخوه

كريمهم لا يسدّ سمعاً

ووغدهم لا يسدّ فوه

وكلهم عاقل حكيم

وغيره الجاهل السفيه

وذا ابن من مات عن كثير

وذا ابن مَن قد سما أبوه

وذا بإسلامه مدلٌ

وذا بعصيانه يتيه

١٤١

وكلهم قائم بمبدأ

ومبدأ الكل ضيّعوه

فمذ بدا لي أن قد تساوى

في ذلك الغرّ والنبيه

وليس من بينهم نزبه

ولا أنا الواحد النزيه

جعلت هذا مرآة هذا

أنظر فيه ولا أفوه

وشوقي ـ كما قال مترجموه ـ عاش في نعمة وترف وسعة في الحال والمال لما كان يغدق عليه الامراء والأثريا فجاء شاعر من شعراء لبنان وهو الشيخ نجيب مروة يقول :

ولو أني جلست مكان شوقي

لفاض الشعر من تحتي وفوقي

وهي أُمنية شاعر والتمني رأس مال المفلس.

وشوقي يجلّ أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأي مسلم لا يحبهم وهل تقبل الأعمال بغير حبهم ومودتهم التي هي فريضة من الله ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصابهم ويتفجر ألماً لرزاياهم فتراه في منظومته الرائعة ( دول العرب وعظماء الإسلام ) يقول :

هذا الحسين دمه بكربلا

روّى الثرى لما جرى على ظما

واستشهد الأقمار أهل بيته

يهوون في الترب فرادى وثُنا

ابن زياد ويزيدُ بغيا

والله والأيام حربُ مَن بغى

لولا يزيد بادئاً ما شربت

مروانُ بالكاس التي بها سقى

ويقول في رواية ( مجنون ليلى ) : كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن. وكذلك ظل الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول الله وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه ، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين.

١٤٢

ويقول أيضاً في مسرحيته ( مجنون ليلى ) :

حنانيك قيسُ إلى مَ الذهول

أفق ساعة من غواشي الخبَل

صهيلُ البغال وصوتُ الحداء

ورنة ركب وراء الجبل

وحاد يسوق ركاب الحسين

يهزّ الجبال إذا ما ارتجل

فقم قيسُ واضرع مع الضارعين

وأنزل بجنب الحسين الأمل

ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا مؤسس الحزب الوطني والمتوفى سنة ١٩٠٨ م. يقول :

المشرقان عليك ينتحبان

قاصيهما في مأتم والداني

ومنها :

يُزجون نعشك في السناء وفي السنا

فكأنما في نعشك القمران

وكأنه نعش الحسين بكربلا

يختال بين بكىً وبين حنان

ويقول في اخرى عنوانها ( الحرية الحمراء ) :

في مهرجان الحق أو يوم الدم

مهج من الشهداء لم تتكلم

يبدو عليها نور نور دماتها

كدم الحسين على هلال محرم

يوم الجهاد بها كصدر نهاره

متمايلُ الأعطاف مبتسمُ الفم

وهناك عبارات لا يطلقها إلا المتشيع لأهل البيت تجري على لسانه وقلمه كقوله : رضيع الحسين عليه‌السلام ، فان كلمة عليه‌السلام من متداولات شيعة أهل البيت وقوله :

ما الذي نفرّ عني الضبيات العامرية

ألأني أنا شيعيٌ وليلى أموية

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّه

وعندما يخاطب الرسول الأعظم يطيب له أن يقول :

ابا الزهراء قد جاوزت قدري

بمدحك بيد أن لي انتسابا

وعندما يمرّ بالخلفاء الراشدين ويأتي الدور للامام علي يقول :

العمران يرويان عنه

والحسنان نسختان منه

١٤٣

الشيخ محمد حسين الحُلّي

المتوفى ١٣٥٢

خليلي هل من وقفة لكما معي

على جدث أسقيه صيّب أدمعي

ليروى الثرى منه بفيض مدامعي

لأن الحيا الوكاف لم يك مقنعي

لأن الحيا يهمي ويقلع تارة

وإني لعظم الخطب ما جفّ مدمعي

خليليّ هبّا فالرقاد محرم

على كل ذي قلب من الوجد موجع

هلُما معي نعقر هناك قلوبنا

إذا الحزن أبقاها ولم تتقطع

هلما نقم بالغاضرية مأتما

لخير كريم بالسيوف موزع

فتىً أدركت فيه علوج امية

مراماً فألقته ببيداء بلقع

وكيف يسام الضيم مَن جده ارتقى

إلى العرش حتى حل أشرف موضع

فتى حلّقت فيه قوادم عزه

لاعلى ذرى المجد الأثيل وأرفع

ولما دعته للكفاح أجابها

بأبيض مشحوذ وأسمر مشرع

وآساد حرب غابها أجم القنا

وكل كميٍ رابط الجأش أروع

يصول بماضي الحدّ غير مكهّمٍ

وفي غير درع الصبر لم يتدرع

إذا ألقح الهيجاء حتفاً برمحه

فماضي الشبا منه يقول لها ضعي

وإن أبطأت عنه النفوس إجابة

فحدّ سنان الرمح قال لها اسرعي

إلى أن دعاهم ربهم للقائه

فكانوا إلى لقياه أسرعَ مَن دُعي

وخروا لوجه الله تلقا وجوههم

فمن سجّد فوق الصعيد وركع

وكم ذات خدر سجفتها حماتها

بسمر قنا خطية وبلمّع

١٤٤

أماطت يد الأعداء عنها سجافها

فاضحت بلا سجف لديها ممنّع

لقد نهبت كفّ المصاب فؤادها

وأيدي عداها كل برد وبرقع

فلم تستطع عن ناظريها تستراً

بغير أكفٍّ قاصرات وأذرع

وقد فزعت مذ راعها الخطب دهشة

وأوهى القوى منها إلى خير مفزع

فلما رأته بالعراء مجدلاً

عفيراً على البوغاء غير مشيّع

دنت منه والأحزان تمضغ قلبها

وحتّت حنين الواله المتفجع

عليّ عزيز أن تموت على ظمأ

وتشرب في كأس من الحتف مترع

تلاكُ بأشداق الرماح وتغتدي

لواردة الأسياف أعذب مكرع

وفي آخرها :

بني غالب هبّوا لأخذ تراثكم

فلم يُجدكم قرع لناب بأصبع

امثل حسين حجة الله في الورى

ثلاث ليال بالعرا لم يشيّع

ومثل بنات الوحي تسرى بها العدى

إلى الشام من دعي إلى دعي

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ حمد الحلي وربما يعرف ب‍ ( الجباوي ) احدى محلات الحلة ، عالم معروف يشهد عارفوه له بالفضل والتضلّع. ولد في الحلة سنة ١٢٨٥ ه‍ ودرس على جملة من أفاضلها منهم الشيخ محمدبن نظر علي وفي سنة ١٣٠٣ غادر الحلة مهاجراً إلى النجف لاكمال الدراسة وأقام فيها أكثر من ثلاثين سنة فحضر عند الشيخ آية الله الشيخ حسن المامقاني والفاضل الشربياني ثم لازم العالم الشهير الشيخ علي رفيش فكان من أول أنصاره والملازمين له أثناء مرجعيته ثم بعد انكفاف بصره ، وفي خلال ذلك تخرّج على يده جملة من الطلاب الروحيين إلى أن كانت سنة ١٣٣٧ ه‍. عاد إلى مسقط رأسه الحلة بطلب من وجهائها وأقام فيها مرجعاً دينياً محترم الجانب تستفيد الناس من

١٤٥

معارفه وكمالاته وفي آخر أيامه مرض ولازم الفراش حتى الوفاة ، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال : عالم مشهور في الفضل والكمال والمعرفة وله اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر والنصيب الوافر في علمي الفصاحة والبلاغة. توفي في الحلة عام ١٣٥٢ ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الصحن الشريف ورثاه جمع من العشراء منهم الشيخ ناجي خميّس.

كتب وألّف في الفقه والأصول وكتب رحلته إلى الحج ورسالة في التجويد والقراءات وجملة من تقريرات أستاذته العلماء الأعلام ولم ينشر له سوى ( الرحلة الحسينية ) وهي التي روى فيها رحلته مع جماعة من الفضلاء إلى زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام سنة ١٣٢١ ه‍. ومنها يظهر ذوقه الأدبي ورقة طبعه وأريحيته ، طبعت هذه الرحلة بمطبعة ( الحبل المتين ) بالنجف سنة ١٣٢٩ ه‍. وختمها بالقصيدة التي هي في صدر الترجمة.

١٤٦

الشيخ جواد البلاغي

المتوفى ١٣٥٢

شعبان كم نعمت عين الهدى فيه

لولا المحرم يأتي في دواهيه

وأشرق الدين من أنوار ثالثه

لولا تغشاه عاشور بداجيه

وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحاً

لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه

رآه خير وليد يستجار به

وخير مستشهد في الدين يحميه

قرت به عين خير الرسل ثم بكت

فهل نهنيه فيه أو نعزيه

ان تبتهج فاطم في يوم مولده

فليلة الطف أمست من بواكيه

أو ينتعش قلبها من نور طلعته

فقد اديل بقاني الدمع جاريه

فقلبها لم تطل فيه مسرّته

حتى تنازع تبريح الجوى فيه

بشرىً أبا حسن في يوم مولده

ويوم أرعب قلب الموت ماضيه

ويوم دارت على حرب دوائره

لولا القضاء وما أوحاه داعيه

ويوم أضرم جو الطف نار وغىً

لو لم يخر صريعاً في محانيه

يا شمس أوج العلى ما خلت عن كثب

تمسى وأنت عفير الجسم ثاويه

فيا لجسم على صدر النبي ربي

توزعته المواضي من أعاديه

ويا لرأس جلال الله توجّه

به ينوء من المياد عاليه

وصدر قدس حوى أسرار بارئه

يكون للرجس شمرمن مراقيه

١٤٧

ومنحر كان للهادي مقبله

أضحى يقبله شمر بماضيه

يا ثائراً للهدى والدين منتصراً

هذي أُمية نالت ثارها فيه

أنى وشيخك ساقي الحوض حيدرة

تقضي وأنت لهيف القلب ضاميه

ويا إماماً له الدين الحنيف لجا

لوذاً فقمت فدتك النفس تفديه

أعظم بيومك هذا في مسرته

ويوم عاشور فيما نالكم فيه

يا من به تفخر السبع العلى وله

إمامة الحق من إحدى معاليه

أعظم بمثواك في وادي الطفوف علاً

يا حبذا ذلك المثوى وواديه

له حنيني ومنه لوعتي وإلى

مغناه شوقي واعلاق الهوى فيه

الشيخ جواد أو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب البلاغي النجفي ينتهي نسبه إلى ربيعة. مولده ووفاته في النجف ولد سنة ١٢٨٥ ه‍. وتوفي سنة ١٣٥٢ ه‍. ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان في النجف الأشرف ودفن فيها في المقبرة المقابلة لباب المراد.

وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ، كان المترجم له نابغة من نوابغ العصور وجهاده بقلمه ولسانه يذكر فيشكر ، له عشرات المؤلفات وكلها قيّمة ذات فائدة لا زالت تتلاقفها الأيدي ويعتز بها أهل العلم اذكره يحضر مجالس العلم فاذا اشتد الجدال حول مسألة من مسائل العلم كان يقول : عندي بيان أرجو أن تسمحوا لي باستماعه فإني مريض وإذا رفعت صوتي أخاف أن أقذف من صدري دماً.

كانت تأتيه المسائل من بلاد الغرب فيجيب عنها. وبين أيدينا من مؤلفاته : الرحلة المدرسية ، الهدى إلى دين المصطفى جزآن ، تفسير القرآن ، أنوار الهدى ، رسالة التوحيد والتثليث ، البلاغ المبين رسالة في الرد على الوهابية.

تعلم العبرية وأتقنها خطاً وقراءة ونطقاً حتى تمكن من المقارنة بين اصولها وبين المترجم إلى اللغة العربية فأظهر كثيراً من مواقع الاختلاف في الترجمة

١٤٨

التي قصد بها التضليل. كانت ترد عليه الرسائل والأسئلة باللغة الانجليزية فشرع يتعلمها لولا أن يفاجأه الأجل المحتوم. كان تحصيله ودراسته على أعلام عصره أمثال الملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني ومن تراثه الأدبي قصيدته التي عارض بها الرئيس ابن سينا في النفس.

نعُمت بأن جاءت بخلق المبدع

ثم السعادة أن يقول لها ارجعي

خلقت لأنفع غاية يا ليتها

تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع

الله ( سواها وألهمها ) فهل

تنحو السبيل إلى المحلّ الأرفع

ورائعته التي شارك بها في الحلبة الأدبية عن الحجة المهدي صاحب العصر والزمان التي أثبتها في كتابه الفقهي (١) وأثبتها السيد الأمين في ترجمته في الأعيان. ترجم له صاحب الحصون المنيعة والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر ) والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وله مراسلات شعرية مع الشيخ توفيق البلاغي رحمه‌الله ورثاء للسيد محمد سعيد الحبوبي والكثير من شعره يخص أهل البيت ومنه نوحيته الشهيرة التي يرددها الخطباء في شهر المحرم ومطلعها :

يا تريب الخد في رمضا الطفوف

ليتني دونك نهباً للسيوف

وله من الشعر في ميلاد الحجة المهدي المولود ليلة النصف من شعبان سنة ١٢٥٦ ه‍. وأولها :

حي شعبان فهو شهر سعودي

وعد وصلي فيه وليلة عيدي

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) وعدد بعض مؤلفاته وقال : وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام ١٩٢٠ م ، انتهى. أقول وآل البلاغي من أقدم بيوت النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب ، أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة للشيخ محمد علي البلاغي المتوفى سنة ١٠٠٠ ه‍. ويقول الشيخ اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر أن المترجم له ولد سنة ١٢٨٢ كما أخبره صاحب الترجمة نفسه بمولده

__________________

١ ـ وهو تعليقة على مباحث البيع من مكاسب الشيخ الانصاري.

١٤٩

وحيث أن الشيخ الطهراني من أخدانه واخوانه وكانت تجمعهما وحدة البلد في سامراء أولاً عند استاذهما المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي ثم النجف ثانياً فقد ألّم بترجمته إلمامة كافية وافية كما كتب عنه الكثير من الباحثين ونشرت المجلات والصحف عن جهاده ومؤلفاته وأكبروا منتوجه العلمي ودفاعه عن الإسلام ومواقفه الصلبة بوجه المادية ودعاتها والطبيعيين وآرائهم.

وشيخنا البلاغي كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق ، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة ، وفي أغلب مؤلفاته يغفل اسمه الصريح فكانت الرسائل تأتيه باسم ( كاتب الهدى النجفي ) ومن العجيب أنه نشر جملة من الرسائل والمقالات باسم غيره ، ومؤلفاته تزيد على الثلاثين ، ترجم بعضها إلى الفارسية والانجليزية ، وقد ذكر الشيخ اغا بزرك في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) أكثر هذه الكتب.

ولا زالت أندية النجف تتحدث عن قوة إيمانه وصلابة دينه وشدة ورعه ومنها موقفه في مجلس عقد في النجف ويقتصر على القادة أمثال الشيخ محمد جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس‌سره كما حضر المرحوم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي قدس الله أرواحهم وذلك حول الدخول في وظائف الدولة ونظام المدارس الرسمية فكان صوته المجلّي ينبعث عن قلب مكلوم مطالباً باصلاح المدارس والاشراف عليها والتركيز على الأخلاق قبل العلم. انطفأ ذلك المصباح ليلة الاثنين ٢٢ شعبان سنة ١٣٥٢ ه‍. وكان لنعيه أثر عظيم في العالم الإسلامي وعقدت له مجالس التأبين في البلاد الاسلامية وفي النجف خاصة في جامع الهندي وأنشدت القصائد الرنانة وقد دفن في احدى غرف الصحن الحيدري من الجهة الجنوبية وفي مقدمة القصائد قصيدة المرحوم السيد رضا الهندي وأولها :

إن تمس في ظلم اللحود موسدا

فلقد أضأت بهن ( أنوار الهدى )

١٥٠

السيد حسن بحر العلوم

المتوفى ١٣٥٥

شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال :

( قل لمن والى علي المرتضى )

نلت في الخلد رفيع الدرجات

أيها المذنب إن لذت به

( لا تخافنّ عظيم السيئات )

( حبه الاكسير لو ذرّ على )

رمم حلّت بها روح الحياة

وإذا ما شملت ألطافه

( سيئات الخلق صارت حسنات )

ثم ذيلها برثاء الحسين عليه‌السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (ع) :

حبّه فرض على كل الورى

وهو في الحشر أمان ونجاة

كل من والاه ينجو في غد

من لظى النار وهول العقبات

فهو الغيث عطاءً وهبات

وهو الليث وثوباً وثبات

وهو نور الشمس في رأد الضحى

وهو نبراس الهدى في الظلمات

كم بوحي الذكر في تفضيله

صدعت آيات فضل بيّنات

آية التصديق من آياته

حين أعطى في الركوع الصدقات

فهو بالنص وصي المصطفى

وأبو الغر الميامين الهداة

ثم يذكر مصاب الحسين (ع) بقوله :

لهف نفسي حينما استسقاهم

جرعوه من أنابيب القناة

خرّ للموت على وجه الثرى

عينه ترعى النساء الخفرات

١٥١

ثم رضّوا حنقاً صدر الذي

فيه أسرار الهدى منطويات

بأبي ملقى ثلاثاً بالعرى

عارياً تسقي عليه الذاريات

ورضيع يتلظى عطشا

قد رَمى منحره أشقى الرماة

لهف نفسي لربيبات الابا

أصبحت بعد حماها ثاكلات

هجم القوم عليهن الخبا

فغدت بين الأعادي حاسرات

السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام ١٢٨٢ ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ. توفي بالنجف ١٩ جمادى الاولى سنة ١٣٥٥ ه‍. ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع السيد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم.

١٥٢

الحاج محمد الخليلي

المتوفى ١٣٥٥

يا رب عوّضتَ الحسين

بكربلا عما أصابه

إن الذي من تحت قبته

دعاك له استجابه

يممت مرقده لما

أيقنت باب الله بابه

صُبّت على قلبي الهموم

وناظري أبدى انسكابه

وتمثّلت لي كربلا

وحسين ما بين الصحابه

مثل الأضاحي في الثرى

سلب العدى حتى ثيابه

مالي دعوتُ بها فلم

أرَ منك يا رب الإجابه

والقلب مني لاهب

هلا تسكّن لي التهابه

الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي ، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (ع) وحفظ القرآن من كثرة

١٥٣

تلاوته له ، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة ، والخمس ، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة : الأول اسماء السور ، الثاني الكلمات العربية ، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير.

نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيت عليهم‌السلام فمن قوله في الإمام الحسين عليه‌السلام :

هل بعد ما طرد المشيب شبابي

أصبو لذكر كواعب أتراب

وأروح مرتاحاً بأندية الهوى

ثملاً كأبناء الهوى متصابي

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا

بيت النبوة مقفر الأطناب

بيت لآل محمد في كربلا

قد قام بين أباطح وروابي

وقال متوسلاً بالعباس بن علي عليهما‌السلام :

أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى

وهل لذوي الحاجات غيرك ملتجى

قصدتك من أهلي وأهلي لك الفدا

وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى

وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف :

لي بالغري أحبّةٌ

ما أنصفوني بالمحبه

أخذوا الفؤاد وخلّفوا

جثمانه في دار غربه

يا دهر ما أنصفتني

كلفتني الأهوال صعبه

حملتني بُعد الديار

وبُعد من أشتاق قربه

قسماً بأيام مضت

في وصل مَن أهواه عذبه

لم يحلُ لي غير الغري

وغير أندية الاحبه

أوّاه هل لي للحمى

من بعد بُعد الدار أويه

لأقبّل الأعتاب من

مولى الورى وأشمّ تربه

١٥٤

حرمٌ ملائكة السما

لطوافها اتخذته كعبه

وبه نشاوى العارفون

قد احتسوا كأس المحبه

وله مستنهضاً أبناء يعرب :

بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم

قواعد دين المصطفى أول الأمر

وشيدتم منه مبانيه بالضبا

وسجفتموه بالمثقفة السمر

يهون عليكم ما اشدتم بناءه

تهدده بالهدم رغما يد الكفر

وله راثيا ولده

فمن مخبري عن نبعة قد غرستها

بقلبي حتي اينعت جذها القضا

ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي

برغمي قد حزت وما لي سوي الرضا

اريحانه الروح التي ان شممتها

وبي نزل الهم المبرح قوضا

ومصباح انسي ان علي تراكمت

حطوب بعيني سودت سعة الفضا

رحلت وقد خلفت بين جوانحي

لهيب جوي من دونه لهب الغضا

ورحت ولي قلب يقطعه الاسي

وطرف علي اقذي من الشوك غمضا

تمثلك الذكرى كأنك حاظرٌ

فانظر بدراً في الدياجر قد أضا

وقال من قصيدة :

شاقها الراح فجدّت في سراها

أملا تبلغ بالسير مناها

قرّبت كل بعيد شاسع

مذ غدت تذرع في البيد خطاها

قطعت قلب الفلا مذ واصلت

بالسرى سهل الفيافي برباها

يعملات ما جرت في حلبة

والصبا إلا الصبا ظلّ وراها

يا رعاها الله من سارية

كم رعت في سيرها من قد علاها

١٥٥

ويتخلص إلى ركب الإمام الحسين عليه‌السلام :

سادة كادت مصابيح الدجى

يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها

وولاة الأمر في الخلق ومن

فرض الله على الخلق ولاها

غدرت فيهم بنو حرب وهم

أقرب الناس إلى المختار طاها

أخرجتهم عن مباني عزّهم

وبيوت طهّر الله فِناها

بالفيافي شتت شملهم

وعليهم ضيقت رحب فضاها

أنزلوهم كربلا حتى إذا

نزلوها منعوهم عذب ماها

بينهم والماء حالت ظلمة

من جموع عدّها لا يتناهى

توفي بالنجف ليلة الخميس ١٣ ذي الحجة سنة ١٣٥٥ ه‍. ودفن بمقبرة والده رحمهما الله.

١٥٦

ملا علي الزاهر العوّامي

المتوفى ١٣٥٥

قال يصف حالة الإمام الحسين (ع) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء :

أنست رزيتك الأطفال لهفتها

بعد الرجاء بأن تأتي وترويها

أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً

عليك عين العلى تهمي أماقيها

هذا حسامك يشكو فقد حامله

إذ كنت فيه الردى للقوم تسقيها

وذا جوادك ينعى في الخيام وقد

أبكى بنات الهدى مَن ذا يسليها

شلّت يمين برت يمناك يا عضدي

وذي يسارك شل الله باريها

نامت عيون بني سفيان وافتقدت

طيب الكرى اعين كانت تراعيها (١)

الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة ١٢٩٨ ه‍. والمتوفى سنة ١٣٥٥ ه‍. نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم ( الحسينية ) ولم تزل تعرف باسمه في ( العوامية ) نظم باللغتين : الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح :

يا ليوث الحروب من آل طاها

أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها

وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..

__________________

١ ـ اعلام العوامية في القطيف.

١٥٧

الشيخ موسى العِصامي

المتوفى ١٣٥٥

قال في قصيدة حسينية :

أحاطت به وبست الجهات

أحاط بها الخطر المرعبُ

فخيرها قبل حكم الضيا

ونقط الاسنة ما استصوبوا

فإما يعود إلى يثرب

ومن حيث جاء لها يطلب

واما الجبال وشعب الرمال

وظهر الفيافي لها يركب

واما يسير لبعض الثغور

يقيم بها مع من يصحب

فما رغبت منه في واحد

ولو أنصفت لم تكن ترغب

رأت منه قلّة أنصاره

فظنت بكثرتها ترعب

وسامته يخضع وهو الأبي

وأنى يقاد لها المصعب

فناجزها الحرب في فتية

لهم باللقا شهدت يعرب

بها ليل تحسب ان الردى

إذا جدّ ما بينها ملعب

لها الموت يحلو خلال الصفوف

وما مرّ من طعمه يعذب

سواء عليها الفنا والحياة

إذا استرجع التاج والمنصب

لهم دون مركزهم موقف

إلى الحشر ناديه يندب

أشادوا الهدى فوق تاج الأثير

ومبنى الضلال به خرّبوا

١٥٨

فما حزب طالوت ذو البيعتين

ولا أهل بدر وإن أنجبوا

ولا يوم احزابها يومهم

واحدٍ وما بعدها يعقب

ولا الجاهلية ذات الحروب

بحربهم حربها يحسب

بسبعين ألفاً خلال الوغى

تجول وأمدادها تلعب

رسوا كالجبال وهم واحد

وستين لكنهم ذرّب

أجالوا الوغى جولان الرحى

وللحشر نيرانها تلهب

سل الشام عنها وأهل العراق

فهل سلمت منه إذ تهرب

الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن ، لامعاً في عصره خطيب وشاعر ، ولد في النجف الأشرف سنة ١٣٠٥ ه‍. ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني.

ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل ، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها : لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد ، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام ١٣٥٥ ه‍. ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه الله.

١٥٩

آثاره العلمية :

١ ـ منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً.

٢ ـ البراءة والولاية ، بحث دقيق.

٣ ـ تاريخ الثورة العراقية.

٤ ـ الدعوة الحسينية وأثرها.

٥ ـ الضالة المنشودة في الحياة.

٦ ـ الهدى والاتحاد ، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا.

٧ ـ الدراية في تصحيح الرواية.

٨ ـ بحث في الحجاب ، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً ، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها :

لك الهنا ولي الأفراح والطرب

مذ ساعفتني بك الأيام والأرب

فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن

انيط عني في راحاتها التعب

هذا لماك وهذا ثغرك الشنب

فما الحميا وما الأقداح والحبب

أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب

وسهم عينيك لا نبعٌ ولا غرب

ووجهك الصبح لكن فاته وضحاً

وثغرك البرق لكن فاته الشنب

ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن

عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب

وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة ، ومن مشهور غرامياته قوله :

طاف بكاس المدام أغيد

من فضة والسلاف عسجد

وزفّها في الدجى عروساً

توجّها اللؤلؤ المنضد

تلهبت في يديه لكن

بوجنتيه السنا توقد

١٦٠