أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

حشدت عليه جحافل

عضت بهن لُهى الشنوف

فسطا عليهم زاحفاً

في كل مقدام زحوف

ومدربين لدى الكفاح

على مصادمة الألوف

يمشي بمعترك النزال

إلى الردى مشي النزيف

ويخال مهزوز القنا

يوم الوغى أعطاف هيف

وقفوا بها فاستوقفوا

الأفلاك في ذاك الوقوف

خفوا وهم هضب الجبال

لنيل دانية القطوف

فتلفعوا بنجيعهم

مثل البدور لدى الكسوف

وانصاع فرداً لم يجد

عضداً سوى العضب الرهيف

فهناك صال على الكتائب

صولة الليث المخيف

فثنى مكردسها وثنّى

فعله يوم الخسيف

حتى جرى القدر المحتم

فاغتدى غرض الحتوف

لهفي عليه وطفله

بيديه ما بين الصفوف

قد أرشفته دماؤه

بسهامها بدل الرشيف

لهفي عليه مجدلا

لو كان يجديني لهيفي

من بعد خفرانه

أسرى على عجف الحروف

وإذا اشتكت عنف المسير

تجاب بالضرب العنيف

ربات خدر ما عرفن

سوى المقاصر والسجوف

تدعو وتهتف بالحماة

الصيد كالورق الهتوف

وتكاد منهن القلوب

تطير من فرط الرفيف

الشيخ عبد الحسين بن قاعد الواسطي الحياوي ، نسبة إلى حي واسط ، ولد في قضاء الحي سنة ١٢٩٥ ه‍. وتوفي فيها في ٢٤ رجب سنة ١٣٤٥ ه‍. ونقل إلى النجف ودفن في جوار المشهد الشريف.

١٢١

نشأ في النجف وطلب العلم بها ونظم الشعر فأجاد وله مؤلفات في العلم والتاريخ وديوان شعر ، فاضل أديب شاعر حسن الحديث مشهور بالتقوى والايمان. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في معارفه فقال : حضر الفقه والاصول على مدرسي النجف حتى نال رتبة عالية من العلم ولا زالت النوادي العلمية تجمعنا واياه في النجف وكان شاعراً بليغاً جيد النظم وقد رثا الحسين عليه‌السلام بقصائد عديدة وحضر عليه في الفقه والاصول والأدب جماعة منهم الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ أحمد قفطان النجفي المتوفى سنة ١٣٤٢ ، وترجم له صاحب الحصون فقال : عالم فاضل سمت همته إلى كسب الفضائل فهاجر إلى النجف وعكف على الاشتغال بتحصيل الفقه والاصول وله إلمام بباقي العلوم ، وأديب أريب وشاعر بارع حسن المحاضرة حلو المذاكرة حسن السيرة صافي السريرة وله فينا بعض المدائح ، وترجم له الشيخ النقدي في الروض النضير.

ومن شعره الذي يرويه خطباء المنبر الحسيني قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

جانب الكرخ شأن أرضك شيّد

قبر موسى بن جعفر بن محمد

بثرى طاول الثريا مقاماً

دون أعتابه الملائك سجد

ضمّ منه الضريح لاهوت قدس

ليديه تلقى المقادير مقود

من عليه تاج الزعامة في الدين

امتناناً به من الله يعقد

قد تجلّى للخلق في هيكل النا

سِ لكنه بقدس مجرد

هو معنى وراء كل المعاني

صوّب الفكر في علاه وصعّد

سابع الصفوة التي اختارها

الله على الخلق أوصياء لأحمد

هو غيث إن أقلعت سحب الغيث

، وغوث إن عزّ كهف ومقصد

كان للمؤمنين حصناً منيعاً

وعلى الكافرين سيفاً مجرّد

أخرجوه من المدينة قسراً

كاظماً مطلق الدموع مقيد

١٢٢

حر قلبي عليه يقضي سنينا

وهو في السجن لا يزار ويقصد

مثل موسى يُرمى على الجسر ميتاً

لم يشيعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه

دويٌ له الاهاضب تنهد

وقال في رثاء الحسين عليه‌السلام :

خليلي هل بعد الحمى مربع نظر

يذاع بناديه لأهل الهوى سر

وهل بعد معناه تروق لناظري

خمائل يذكوا من لطائمها عطر

قد ابتزه صرف الردى أي بهجة

فأمسى وناديه لطير البلى وكر

رعى الله عهداً نوره متبسم

وحجب الحيا تبكي وأدمعها القطر

وقفنا به مثل القنى أسى وقد

تساهمن زاهي ربعه الحجج الغبر

حلبنا به ضرع المدامع لو صفا

لأخصب من أكنافه الماحل القفر

ونندب أكباداً لنا بربوعه

أطيحت غداة البين واغتالها الدهر

تشاطرها ربع المحصب والحمى

ففي ربع ذا شطر وفي سفح ذا شطر

فيا سعد دع ذكر الديار وانني

لعهد الرسوم الدثر لم يشجني الذكر

ولا هاج وجدي ذكر حزوى وبارق

ولا أنهل مني باللوى مدمع غمر

ولكن شجاني ذكر رزؤ ابن فاطم

غداة شفى فيه ضغائنه الكفر

بأحقاد بدر قد عدا من بني الشقا

إلى حربه في الطف ذو لجب محر

ضغائن أخفتها بطي بنودها

فأظهر ما يخفيه في طيها النشر

أتته عهود منهم ومواثق

وقد غدرت فيه وشيمتها الغدر

أرادت به ضرّاً وتعلم أنه

بطلعته الغراء يستدفع الضر

وسامته ذلاً وهو نسل ضراغم

لها الصدر في نادي الفخار والقبر

فقال لها يا نفس قري على الردى

فما عز إلا معشر للردى قروا

لنصر الهدى كأس الحمام له حلى

على أن كأس الموت مطعمه مر

فقام بفتيان كأن وجوههم

بدور دجى لكن هالاتها الفخر

مساعير حرب تمطر الهام صيباً

إذا برقت منها المهندة البتر

على سابحات في بحار مهالك

لها البيض أمواج وفيض الطلا غمر

١٢٣

محجلة غر على جبهاتها

بأقلام خرصان القنا كتب النصر

تجول بحلي اللجم تيهاً كأنها

ذئاب غضى يمرحن أو ربرب عفر

غرابية مبيضة جبهاتها

سوى أنها يوم الكريهة تحمر

وهم فوقها مثل الجبال رواسخ

بيوم به الأبطال همتها الفر

إذا ما بكت بيض الضبا بدم الطلا

ترى الكل منهم باسم الثغر يفتر

تهادى بمستن النزال كأنها

نشاوى طلا أضحى يرنحها السكر

تفر كأسراب القطا منهم العدى

كأن الفتى منهم بيوم الوغى صقر

لنيل المعالي في الجنان تؤازروا

فراحوا ولم يعلق بأبرادهم وزر

فماتوا كراماً بعد ما أحيوا الهدى

ولم يدم في يوم الجلاد لهم ظهر

فجرد فرد الدهر أبيض صارماً

به أوجه الأقران بالرعب تصفر

فيا ليمين قد أقلت يمانيا

إذا قد وتراً عاد شفعاً به الوتر

وظمآن لم يمنح من الماء غلة

وقد نهلت في كفه البيض والسمر

جرى عضبه حتفاً كأن يمينه

بها الموت بحر والحسام له نهر

تروح ثبات في القفار إذا دنا

له نحو أجياد العدى نظر شزر

يكر عليهم كرة الليث طاوياً

على سغب والليث شيمته الكر

لأكبادها نظم بسلك قناته

وللهام في بتار صارمه نثر

إذا ما دجا ليل العجاج بنير

تبلج من لئلاء طلعته فجر

عجبت له تظمى حشاشته ومن

نجيع الطلا في صدر صعدته بحر

ولو لم يكن حكم المقادير نافذاً

لعفت ديار الشرك قتلته البكر

إلى أن هوى ملقى على حر وجهه

بمقفرة في حرها ينضج الصخر

هوى علة الايجاد من فوق مهره

فأدبر ينعاه بعولته المهر

هوى وهو غيث المعتفين فعاذر

إذا عرضت يأساً عن السفر السفر

فلا الصبر محمود بقتل ابن فاطم

وليس لمن لم يجر مدمعه عذر

بنفسي سخياً خادعته يد القضا

فجاد بنفس عن علاها كبا الفكر

يعز على الطهر البتول بأن ترى

عزيزاً لها ملقى واكفانه العفر

١٢٤

يعز عليها أن تراه محرماً

عليه فرات الماء وهو لها مهر

يعز على المختار أن سليله

يرض بعدو العاديات له صدر

فيا ناصر الدين الحنيف علمت إذ

لجدك جد الخطب واعصوصب الأمر

لقد كسرت بالطف حرب قناتكم

فهلا نرى منها القنا وبها كسر

فمالي أراك اليوم عن طلب العدى

صبرت وللموتور لا يحمد الصبر

أتقعد يا عين الوجود توانياً

وقد نشبت للبغي في مجدكم ظفر

أتنسى يتامى بالهجير تراكضت

وصالية الرمضاء يغلى لها قدر

وربات خدر بعد ما انتهبوا الخبا

برزن ولا خدر يوارى ولا ستر

وعيبة علم قيدوه بحلمه

بأمر طليق دأبه اللهو والخمر

سرت تتهاداها الطغام أذلة

فيجذبها مصر ويقذفها مصر

تجوب الموامي فوق عجف أيانق

ويزجرها بالسوط إما ونت زجر

تحن فتشجى الصخر رجع حنينها

وملأ حشاها من لواعجها جمر

يعز على الشهم الغيور بأنها

تغير منها في السبا أوجه غر

يعز على الهادي الرسول بأنها

قد استلبت منها المقانع والأزر

ومستصرخات بالحماة فلم تجد

لها مصرخاً إلا فتى شفه الأسر

نحيفاً يقاسي ضر قيد وغلة

ينادي بني فهر وأين له فهر

فيا غيرة الإسلام هبي لمعضل

به الملة البيضاء أدمعها حمر

أتغدوا مقاصير النبي حواسراً

وآكلة الأكباد يحجبها قصر

وله في رثاء مسلم بن عقيل عليه‌السلام :

لو لم يكن لك من ضباك قوادم

ما حلقت للعز فيك عزائم

العز عذب مطعماً لكنه

حفت جناه لها ذم وصوارم

يبني الفتى بالذل دار معيشة

والذل للمجد المؤثل هادم

من لم يعود بالحفاظ وبالأبا

لسعت حجاه من الصغار أراقم

ان شئت عزاً خذ بمنهج مسلم

من قد نمته للمكارم هاشم

شهم ابى إلا الحفائظ شيمة

فنحى العلا والمكرمات سلالم

١٢٥

أو هل يطيق الذل من وشجت علا

منه بأعياص الفخار جراثم

فمضى بماضي عزمه مستقبلاً

أمراً به ينبو الحسام الصارم

بطل تورث من بني عمرو العلا

حزماً يذل له الكمى الحازم

للدين أرخص أي نفس مالها

في سوق سامية المفاخر سائم

لقد اصطفاه السبط عنه نائباً

وحسام حق للشقا هو حاسم

مذ قال لما أرسلت جند الشقا

كتباً لها قلم الضلالة راقم

أرسلت أكبر أهل بيتي فيكم

حكماً وفي فصل القضا وهو حاكم

فاتى ليثبت سنة الهادي على

علن وتمحي في هداه مظالم

أبدت له عصب الضلالة حبها

والكل للشحنا عليه كاتم

قد بايعته ومذ أتى شيطانها

خفت اليه وجمعها متزاحم

فانصاع مسلم في الأزقة مفرداً

متلدداً لم يتبعه مسالم

قد بات ليلته باشراك الردى

وعليه حام من المنية حائم

وتنظمت بنظام حقد كامن

للقاه ينظمها الشقا المتقادم

فأطل معتصماً بأبيض صارم

من فتكه لعداه عز العاصم

قد خاض بحر الموت في حملاته

وعبابه بصفاحهم متلاطم

فتخال مرهفة شهاباً ثاقباً

للماردين أنقض منه راجم

وركام يمناه يصبب حاصباً

ان كر منها جيشها المتراكم

ان أوسع الأعداء ضرباً حزمه

ضاقت بخيل الدارعين حيازم

وتراه أطلاع الثنايا في الوغى

تبكي العدى والثغر منه باسم

غيران للدين الحنيف مجاهداً

زمراً بها أفق الهداية قائم

من عصبة لهم الحتوف مغانم

بالعز والعيش الذميم مغارم

قد آمنته ولا أمان لغدرها

فبدت له مما تجن علائم

سلبته لامة حربه ثم اغتدى

متأمراً فيه ظلوم غاشم

أسرته ملتهب الفؤاد من الظما

وله على الوجنات دمع ساجم

لم يبك من خوف على نفس له

لكنه أبكاه ركب قادم

١٢٦

يبكي حسيناً ان يلاقى ما لقى

من غدرهم فتباح منه محارم

فبعين باري الخلق يوقف ضارعاً

وله ابن مبتدع المآثم شاتم

وينال من عليا قريش سادة

البطحاء وهو لها طليق خادم

ويدير عينيه فلم ير مسعفاً

يلقي اليه بسره ويكاتم

فرمته مكتوفاً من القصر الذي

قامت على الطغيان منه قوائم

والهفتاه لمسلم يرمى من

القصر المشوم وليس يحنو راحم

ويجر في الأسواق جهراً جسم من

تنميه للشرف الصراح ضراغم

قد مثلت فيه وتعلم أنه

بعلي أبيه للمماثل قائم

أوهى قوى سبط النبي مصابه

وبه تقوت للضلال دعائم

شمخت انوف بني الطغام بقتله

كبراً وأنف بني الهداية راغم

ظفر الردى نشبت بليث ملاحم

لله ما أسدى القضاء الحاتم

فلتبكين عليه ظامية الضبا

إذ كان ينهلها غداة يقاوم

يا نفس ذوبي من أسى لملمة

غالت بها ليث العرين بهائم

قد هدّ مقتله الحسين فأسبل

العبرات وهو لدى الملمة كاظم

١٢٧

السيد علي آل سُليمان

المتوفى ١٣٤٥

أبكيت جبريل عشياً فناح

بالملأ الأعلى فعجّوا صياح

يا واحداً ليس له ناصر

غير نساء ما عليها جناح

ينشد في القوم ألا مسلم

فلم يجبه غير طعن الرماح

فيا لها من نكبة أعقبت

في كبد المختار منها جراح

ووقعة دهياء قد طوحت

عماد علياء قريش فطاح

واستأصلت أبناء عمرو العلا

شيباً وشباناً بحد الصفاح

الله كم لله من حرمة

بالطف قسراً أصبحت تستباح

وكم حريم لنبي الهدى

أصبح في أمر ابن سعد مباح

وكم له من نسوة قد غدت

للشام تسبى فوق عجف رزاح

لها على السبط علت صرخة

أضحت بها شجواً تغصّ البطاح

قد خلفته في الثرى عارياً

يستره في الترب سافي الرياح

يشرق في فيص دماه وما

بلّت حشاه بالزلال القراح

وحوله من آله فتية

قد عانقوا البيض بليل الكفاح

كلُ شبيه البدر في وجهه

يجلى سنا البدر إذا البدر لاح

السيد علي آل السيد سليمان هو ابن السيد داود ابن السيد مهدي ابن السيد داود ابن السيد سليمان الكبير. وهو أصغر من اخيه السيد عبد المطلب المترجم له في الجزء السابق من هذه الموسوعة.

كانت وفاته بعد أخيه عبد المطلب حوالي سنة ١٣٤٥ ه‍. ولم يكن مكثراً من النظم بل كان الشعر يجري عفواً على لسانه كذا قال الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ).

١٢٨

الشيخ جعفر الهر

المتوفى ١٣٤٧

قال يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :

بقلبي أوقدت ذات الوقود

رزايا الطف لا ذات النهود

شبابٌ بالطفوف قضى شهيداً

يشيب لرزئه رأس الوليد

شبيه محمد خَلقاً وخُلقاً

وفي نطق وفي لفتات جيد

وفي وجه يفوق البدر نوراً

وفي سيمائه أثر السجود

ومنها :

شباب ما رأى عرساً ولكن

تخضب كفه بدم الوريد

ولم أنسَ النساء غداة فرّت

إلى نعش الشهيد ابن الشهيد

فقل ببنات نعش قد أقامت

مناح جوى على بدر السعود

تقبّل هذه وتشم هذي

خضيب الكف أو ورد الخدود

وزينب قابلت ليلى وقالت

أعيدي يا ليلى أعيدي

فهنّ على البكا متساعدات

ألا فاعجب لذي ثكل سعيد

الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر ، أحد أعلام كربلاء وأفاضلها. ولد سنة ١٢٦٧ وتوفي سنة ١٣٤٧ بكربلاء ودفن بها

١٢٩

في الرواق الشريف الحسيني قريباً من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون سنة ، درس على الشيخ زين العابدين المازندراني ولما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرج على يده جماعة. قال صاحب ( الطليعة ) كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً شاعراً هو اليوم مدرس بكربلاء وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس عليه‌السلام ومن شعره :

زارني والليل قد أرخى الستارا

بدر تمٍّ غادر الليل نهارا

فارسي ليس يدري ذمماً

لا ولا يرعى عهوداً وذمارا

فإذا حاولت منه قبلة

هزّ لي الجيد دلالاً ونفارا

وإذا ما قلت صلني قال لي

قد عددنا صلة الاعراب عارا

يوسفيُّ الحسن لما أن بدا

قطع الأيدي يميناً ويسارا

وقوله مشطراً البيتين المنسوبين إلى قيس العامري :

أمرّ على الديار ديار ليلى

ونار الشوق تستعر استعارا

أشمّ ترابها طوراً وطوراً

اقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي

ولا أضرمن في جنبيّ نارا

ولا ربع الغوير وساكنيه

ولكن حب من سكن الديارا

وجاء في ( مجالي اللطف بأرض الطف ) للشيخ السماوي عندما ذكر الشيخ كاظم الهر ثم عطف على أخيه الشيخ جعفر قائلاً :

وكأخيه جعفر بدر التقى

وهضبة العلم التي لا ترتقى

عاش حميداً ومضى سعيدا

وازداد فضلاً إذ رثى الشهيدا

فاخر في رثا الشهيد فخرا

فأرخوا جعفر أعلى فخرا

وديوانه المخطوط طافح بألوان من الشعر.

١٣٠

الشيخ محمد النمر العوامي

المتوفى ١٣٤٨

هاشم يوم الطف ثارٌ مضيّع

وفي أرضه للمجد جسم موزع

هجعتِ فلا ثار طلبتيه هاشم

ونمتِ فلا مجد لكِ اليوم يرفع

حتى يقول في وصف سبايا الحسين عليه‌السلام :

وعاطشة ودّت بأن دموعها

تبلّ بها حرّ الغليل وتنقع

ومدهشة بالخطب حتى عن البكا

أذيب به منها فؤاد موزع

ومزعجة من هجمة الخيل خدرها

تضمّ الحشا بالراحتين وتجمع

وباكية تخفي المخافة صوتها

ويظهره منه الشجاء فتفزع

وموحشة باتت على فقد قومها

تنوح كما ناح الحمام وتسجع

وعاتبة لم تستجب بسوى الصدى

يعيد لها منه الجواب ويرجع

تصبّ الحشا في العتب ناراً تحوّلت

من الغيض لفظاً في المسامع يقرع

أيرضيكم أنّا نُساق حواسراً

ولا علم منكم يرفّ ويرفع

الشيخ محمد بن ناصر بن علي ، علامة في علمي الفقه والاصول مضافاً إلى تبحّره في الطب والحكمة الالهية ، ولد سنة ١٢٧٧ ه‍. وتوفي في ٩ شوال سنة ١٣٤٨ ه‍. تلقى دروسه النحوية والصرفية والمنطقية والبيانية على الحجة الشيخ

١٣١

ابن الشيخ صالح آل طعان القطيفي البحراني ، وعلى العلامة الشيخ علي مؤلف ( أنوار البدرين ) ثم هاجر إلى النجف فحضر دروس العلماء الاعلام أمثال الشيخ محمود ذهب والملا هادي الطهراني فأكمل دراسة الاصول والكلام والعلوم الرياضية كما درس علم الطب عند الميرزا باقر ابن الميرزا خليل وقرأ الهندسة على الشيخ اغا رضا الأصفهاني وعند عودته لوطنه فتح مدرسة دينية تخرّج منها العشرات من أرباب الفضل ونظم الكثير من أبواب الفقه والعقائد بأراجيز لم تزل تحفظ كمنظومته في علم التصريف وفي الرضاع والدر النظيم في معرفة الحادث والقديم وله تعليقة على الاشارات لابن سينا والتعليقات الكافية على القوانين والكفاية لذلك كان صدى نعيه له رنة أسى وأسف وأبّنه الكثير بالمنثور والمنظوم ولم يزل قبره مزاراً في مقبرة العوامية. كتب له ترجمة مفصلة صديقنا الشيخ سعيد آل أبي المكارم في ( اعلام العوامية في القطيف ) وذكر عدة قصائد من مراثيه للامام الحسين عليه‌السلام ومنها قصيدته الشهيرة وأولها :

قوّموا السمر هاشم والكعابا

وامتطوا للنزال جرداً صعابا

١٣٢

الشيخ حسن آل عيثان

المتوفى ١٣٤٨

تذكرت المعاهد والربوعا

ففارقت المسرة والهجوعا

منازل أقفرت من ساكنيها

فيما ترجو لساكنها رجوعا

وقفتُ بها فما وقفت دموعي

أُسائلها كأن بها سميعا

وماذا تنكر العرصات مني

وقد أرويتُ ساحتها دموعا

سقى الله الديار مُلثّ وبلٍ

سحابا مغدقاً خضلا هموعا

وما برحت بروق المزن تهدي

إلى الأطلال بارقة لموعا

وركب من سرات بني علي

عن الأوطان قد رحلوا جميعاً

يؤمهم فتى العليا حسينٌ

قد اتخذ الحسامَ له ضجيعا

وأسمر ناصر مهج الأعادي

بعين تنفث السمّ النقيعا

بدورٌ أشرقت والنقع ليل

وقد جعلوا القلوب لهم دروعا

تخالهم على الجرد العوادي

كواكب حلّت الفلك الرفيعا

متى انقضّت لرجم بني زياد

تكاد تطيرُ أنفسهم نزوعا

ومما أثكل الدنيا وأجرى

مدامعها دماً قانٍ نجيعا

تساهمهم سجال الحرب حتى

تهاووا في ثرى الرمضا وقوعا

هوى بهويّه عمدُ المعالي

وحبلُ الدين قد أمسى قطيعا

دعاهُ مليكه الجوار قدس

وجنات فلبّاه مطيعا

ولما أنشبت فيه المنايا

مخالبها وقد ساءت صنيعا

أراشَ له القضا سهاماً فأدمى

فؤاد الدين بل حطم الضلوعا

١٣٣

وربّ مروعة برزت ولما

تجد غير السياط لها منيعا

وتهتف بالسرات بني نزار

فما وجدت لدعوتها سميعا

عناها ما تُعاين من أيامى

وأيتام كسرب قطاً أريعا

الشيخ حسن ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي بن أحمد آل عيثان الاحسائي القاري ، هو شقيق آية الله المقدس الشيخ محمد آل عيثان. ترجم له الشاب المعاصر السيد هاشم الشخص في مخطوطه ( نفائس الأثر في تراجم علماء وأدباء هجر ) قال : أديب بارع وخطيب من خطباء المنبر الحسيني ، ولد في قرية ( القارة ) من الإحساء عام ١٢٧٦ ه‍. ونشأ بها وزاول طلب العلم الديني ودرس على ابن عمه الحجة الكبير الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ علي آل عيثان المتوفى حدود ١٣٤٠ ه‍. فقد كانت أكثر دراسته عليه حتى اشتهر بالفضل كما اشتهر بالخطابة الحسينية وتشهد له منابر الاحساء والبحرين وغيرها. توفي قدس سره في الاحساء عام ١٣٤٨ ه‍. وقد بلغ من العمر ٧٢ عاماً ، هكذا ذكر ولده الخطيب الحاج ملا عبد الحسين آل عيثان ويقال له شعر كثير وتخميس ومن شعره القصيدة الحسينية المذكورة في صدر الترجمة ..

١٣٤

الشيخ مرتضى كاشف الغطاء

المتوفى ١٣٤٩

قال من قصيدة حسينية :

سل الدار عن سكانها أين حلت

وأين بها أيدي المطايا استقلت

نزحت ركي العين في عرصاتها

فعزّ اصطباري والمدامع ذلّت

وقفت بها أستنقذ الركب مهجة

تولّت مع الاضعان يوم تولّت

ومنها :

بيوم به البيض البوارق والقنا

تثلّم في الهامات حتى اضمحلت

تجاول فيه الخيل حتى لو أنها

مفاصلها كانت حديداً لكلّت

اسرة آل كاشف الغطاء تفيض علماً وأدباً وتزخر فضلاً وكمالاً والعالم الكبير الشيخ مرتضى ابن الشيخ عباس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء هو أحد أعلامها المبرزين. ولد عام ١٢٨١ ه‍. في النجف الأشرف ونشأ بها ومنذ نعومة أظفاره تعشق العلم والكمال ودرس على أساتذة عصره وأخذ الحكمة والفلسفة عن الشيخ أحمد الشيرازي المدرّس في مدرسة ( القوام ) وحضر في الفقه والاصول على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي ثم استقل بالتدريس وصلاة الجماعة. من

١٣٥

مؤلفاته ( فوز العباد في المبدأ والمعاد ) طالعته واستفدت منه ، وله منظومة في أحكام الزكاة نشرت في آخر العروة الوثقى طبع بغداد ، ورسالة في ردّ الوهبانية وغيرها من الكتب النافعة. ترجم له الشيخ الطهراني في ( نقباء البشر ) وأطراه بما هو أهله وعدد مؤلفاته وأذكر أني طالعت في فترات رسالته المطبوعة التي يرجع اليها بعض مقلديه ولكنه كان في عصر اشتهر الكثير من اسرته بالمرجعية للأمة أمثال الشيخ أحمد والشيخ محمد حسين والشيخ هادي والشيخ عباس وهم من الأساطين. أما شعره فهو من النمط العالي ولكنه كان يكتمه لأن الشعر بالعلماء يزري ، قال في قصيدة أرسلها إلى ابن عمه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء من قضاء الهندية سنة ١٣١٠ ه‍. يوم ٢٨ ربيع الثاني :

سفرت فقلت الشمس في وجناتها

ورنت فقلت السهم في لحظاتها

هيفاء ان خطرت بلدن قوامها

واخجلة الأغصان من قاماتها

عطفت وما علم العذول بأنها

غصن وان العطف من عاداتها

قد قلت للورق على بان النقا

إذ رددت بغنائها نغماتها

غني بمن طرق الهداية إن عفت

أضحى لها الهادي إلى طرقاتها

عالم له شهد العدو بأنه

لو يملك الدنيا استغلّ هباتها

الطارد الليث الصؤول بطرفه

والناهب الأشبال من لبواتها

وله منظومة جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الأزري وكلها في مدح أهل البيت عليهم‌السلام وله في الإمام الحسين رائعة مطلعها :

خلّ ناراً نشب بين ضلوعي

تطفها مقلتي بفيض دموعي

١٣٦

الشيخ ناجي خميِّس

المتوفى ١٣٤٩

أبى العزم أن يلوى على اللوم حازم

فحسبك وهناً أن يصدك لائم

إذا النفس لم تأخذ من العقل زينة

حكتها بشوهاء الخصال البهائم

ومن لم يحارب نفسه طال حربه

وليس له بين الأنام مسالم

وان هو لم يكظم على النفس غيظها

شفت غيضها منه العدوى وهو كاظم

ومن لم يدار الناس كبراً فإنه

يداريهم من خيفة وهو راغم

أبى الله أن ترسو قواعد دينه

إذا لم يقم من آل أحمد قائم

فيا بن الألى لولا بروق سيوفهم

لما ضاء من ليل الضلالة فاحم

ولو لم تقوّم للنزال صعادها

لما قام للدين الحنيف قوائم

أصبراً وقد مدت على الدين ضلة

فلا أفق إلا وهو في الظلم قاتم

أصبراً ودين الله ثلت عروشه

وهدّت على الأرزاء منه الدعائم

لقد جنّ هذا الدهر ليلاً فحقّ أن

تشق عمود الصبح منه الصوارم

يباح من الإسلام كل محرم

وتهتك قسراً من بنيه المحارم

متى تطلع الأيام منك ابن نجدةٍ

تعاف له أغيالهن الضراغم

وتبرز من أقمار هاشم طلعة

تطير شعاعاً في سناها الغمائم

حنانيك يا بن المصطفى أي بقعة

تبيتُ بها خلواً وعيشك ناعم

١٣٧

وهل بقعة ما أسهرتكم طغاتها

فأنت بها يا غيرة الله نائم

فيوم حسين ليس يحصيه ناثر

ولم يستطع تعداد بلواه ناظم

يلاقي العدا ثلج الفؤاد وللوغى

على الشوس نار أوقدتها الصوارم

يذب بسيف الله عن دين جده

وعن عزّ خدر فيه تحيي الفواطم

تجاذبك الأسياف نفساً كريمة

وتسمعك الشكوى نساء كرائم

فللّه يوم قمت فيه مصابراً

لما جزعت في الله منه العوالم

بحيث القنا باتت عليك حوانيا

وتبكيك لكن من دماك الصوارم

إلى أن قضيت النحب صبراً وما انقضت

من الملأ الأعلى عليك المآتم

توزع منك البيض جسم محمد

وتجري دم الكرار منك اللهاذم

وتمسى لدى الهيجا توسدك الثرى

رغاماً به أنف الحمية راغم

وترفع منك السمر رأسك وللظبا

عليك كما شاء الاباء علائم

وأعظم شيء مضّ في الدين وقعه

وما دهيت في مثله قط هاشم

صفايا رسول الله بين امية

برغم الهدى اصبحن وهي غنائم

سوافر بعد الخدر اضحت ثواكلا

لها فوق اكوار البياق مآتم

فواقد عزٍّ بالمعاصم تتقي

عن الضرب إذ لم يبق في القوم عاصم

هواتف من شمّ الانوف بعصبة

ثوت حيث أولتها الهتاف الملاحم

إذا نظرت منهم على الرغم أرؤساً

تميس بهن الذابلات اللهاذم

تطير قلوباً نحوهن كأنها

حمام على ميد الغصون حوائم

فتوسعهم عتباً وتندبهم شجى

تضيق به أضلاعهم والحيازم

أيرضى لكم عز الكرام بأن يرى

على ذلل الأجمال منكم كرائم

يعزّ على الزهراء فاطم أن ترى

تهان بمرأى الناظرين الفواطم

١٣٨

الشيخ ناجي بن حمادي بن خميّس ( بالتصغير والتشديد ) الحلي من ادباء عصره. ولد في الحلة عم ١٣١١ ه‍. ونشأ بها منفرداً عن اسرته التي تمتهن المهن الحرة ، ففي أول شبابه لازم الخطيب الشيخ محمد شهيب الحلي في التدرج على منابر الخطابة وحصل له من يعتني بتربيته فدرس النحو والصرف وعلمي المنطق والبلاغة ، وعندما تجاوز العشرين هاجر إلى النجف للتحصيل فدرس الفقه والاصول والكلام على المرحوم الشيخ كاظم الشيرازي واختلف على حلقتي الميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني زمناً طويلاً أنتج خلاله تقريراتهما وتدوين آرائهما في الفقه والاصول باسلوب محكم رصين فكان مرموقاً بين أقرانه. يقول الباحث المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري : حضرت عنده كتاب ( معالم الاصول ) مع جماعة من المتعلمين فكان مثال المعلم اليقظ وكان رقيق الروح مرح النفس حلو الحديث دمث الأخلاق وديع الشخصية ولكنه خشن تجاه كرامته وعقيدته لا تأخذه في الله لومة لائم كانت وفاته بالحلة ١٥ ذي القعدة عام ١٣٤٩ ه‍. وحمل جثمانه إلى النجف فدفن في الصحن الحيدري الى جنب مرقد السيد عدنان الغريفي في الحجرة التي تلاصق باب الفرج من أبواب الصحن الشريف ولا يفوتنا ان شطراً من توجيه هذا الأديب كان بسبب أخيه العلامة الشيخ عبد المجيد الحلي ، ترجم له الشيخ اليعقوبي في البابليات والخاقاني في شعراء الحلة وذكرا نماذج من نظمه وادبه.

١٣٩

شوقي امير الشعراء

المتوفى ١٣٥١

وأنتَ إذا ما ذكرت الحسين

تصاممتُ لا جاهلا موضعه

أحبّ الحسين ولكنني

لساني عليه وقلبي معه

حبست لساني عن مدحه

حذار أمية أن تقطعه

أمير الشعراء وشاعر الامراء أحمد شوقي بن علي بن أحمد شوقي ، مولده ووفاته بالقاهرة نشأ في ظل البيت المالك بمصر ودرس في بعض المدارس الحكومية وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق ، وأرسله الخديوي توفيق سنة ١٨٨٧ م. إلى فرنسا فتابع دراسة الحقوق واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة ١٨٩١ م. فعيّن رئيساً للقلم الافرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة ١٨٩٦ م. لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجنيف ولما نشبت الحرب العالمية الاولى ، ونُحي عباس حلمي عن ( خديوية ) مصر أوعز إلى صاحب الترجمة باختيار مقام غير مصر ، فسافر إلى إسبانيا سنة ١٩١٥ م. وعاد بعد الحرب فجعل من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن توفي عالج أكثر فنون الشعر : مديحاً وغزلاً ورثاءً ووصفاً ثم عالج الأحداث السياسية والاجتماعية في مصر والشرق والعالم الإسلامي فجرى شعره مجرى المثل. كتب عن شعره وشخصيته كثير من أرباب القلم منهم أمير البيان شكيب أرسلان والعقاد والمازني والنشاشيبي وعمر فروخ وغيرهم كثير وكثير. وهذه

١٤٠