موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٧٧

« هي الذّهب والفضّة » ، والمراد : ( وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) يعني من الحبّ والثمر ، وكلّ شيء عليه زكاة (١).

( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢٧٤)

نزلت هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان معه أربعة دراهم فتصدّق بواحد ليلا ، وبواحد نهارا ، وبواحد سرّا ، وبواحد علانيّة ، فنزلت هذه الآية : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ... ) (٢).

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ : ٣٤١.

(٢) تفسير العيّاشي ١ : ١٥١. مجمع البيان ٢ : ٦٦٧.

٤١

سورة آل عمران

( بسم الله الرّحمن الرّحيم )

جميع آيات هذه السورة المباركة مدنية ، وعددها مائتان

ونعرض لبعض الآيات التي اثر تفسيرها عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حليف القرآن ورائد الحكمة والبيان.

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٧)

حكت الآية المباركة امورا بالغة الأهمّية وهي :

١ ـ أنّ القرآن الكريم فيه آيات محكمات ، واختلف في معنى المحكمات على وجوه لعلّ من أسدّها أنّ المحكم ما علم المراد منه من غير قرينة تقترن به (١).

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٤٠٩.

٤٢

٢ ـ أنّ القرآن المجيد فيه آيات متشابهات ، وأوجه ما قيل في المتشابهات أنّها ما لا يعلم المراد منها إلاّ بقرينة وبيان ، وقد ألمح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث له عن كلا الأمرين بقوله :

« ما من آية إلاّ ولها أربعة معان : ظاهر وباطن ، وحدّ ومطّلع ، فالظّاهر التّلاوة وهي مدلول اللّفظ وظاهره ، والباطن الفهم ، والحدّ هو أحكام الحلال والحرام ، والمطّلع هو مراد الله من العبد بها » (١).

٣ ـ أنّ الله تعالى ذمّ الذين يتّبعون المتشابه ويحتجّون به على باطل آرائهم وعقائدهم ابتغاء للفتنة والفساد ، وقد نعى الإمام أمير المؤمنين هؤلاء وذمّهم بقوله :

« ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام ـ وهو أحد أئمّة الضلال ـ الّذي استقضاهم ، فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد! أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟

أم نهاهم عنه فعصوه؟

أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟

أم كانوا شركاء له ، فلهم أن يقولوا ، وعليه أن يرضى؟

أم أنزل الله دينا تامّا فقصّر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (٢)؟ وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وأنّه لا اختلاف فيه فقال سبحانه : ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً )

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٢٩٦.

(٢) الأنعام : ٣٨.

٤٣

( كَثِيراً ) (١) ، وإنّ القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظّلمات إلاّ به ... » (٢).

٤ ـ أنّ القرآن الكريم لا يعلم تأويله والوقوف على حقائقه وأسراره إلاّ الله تعالى منزل الكتاب هدى ورحمة ، والرّاسخون في العلم ، وهم المتقنون له ، الواقفون على دقائقه ، وهم أهل بيت الرّحمة ومعدن الحكمة ، وأوصياء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه على امّته.

وفي حديث للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مع معاوية عرض فيه لذلك قال :

« يا معاوية ، إنّ القرآن حقّ ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين ، والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ، وهو عليهم عمى.

يا معاوية ، إنّ الله عزّ وجلّ لم يدع صنفا من أصناف الضّلالة والدّعاة إلى النّار إلاّ وقد ردّ عليهم واحتجّ عليهم في القرآن ، ونهى عن اتّباعهم ، وأنزل فيهم قرآنا ناطقا ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، وإنّي سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليس من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن ، ولا من حرف إلاّ وله تأويل ، ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، الرّاسخون نحن ، وأمر الله الامّة أن يقولوا : آمنّا به كلّ من عند ربّنا ، وما يذّكّر إلاّ اولوا الألباب ، وأن يسلّموا إلينا ، وقد قال الله : ( ... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... ) (٣) هم الّذين يسألون عنه ويطلبونه » (٤).

__________________

(١) النساء : ٨٢.

(٢) نهج البلاغة : ٦١. الميزان ٣ : ٨٢.

(٣) النساء : ٨٣.

(٤) مواهب الرحمن ٥ : ٥٦.

٤٤

هذه بعض محتويات الآية على ضوء ما ورد تفسيرها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (١٩)

حكت هذه الآية المباركة أنّ الدين عند الله تعالى هو الإسلام منقذ البشرية من الضلال ، والهادي إلى طريق الحقّ.

وقد تحدّث الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الإسلام بقوله :

« لأنسبنّ الإسلام (١) نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، ولا ينسبها أحد بعدي ، الإسلام هو التّسليم ، والتّسليم هو التّصديق ، والتّصديق هو اليقين ، واليقين هو الأداء ، والأداء هو العمل. إنّ المؤمن أخذ دينه عن ربّه ولم يأخذه عن رأيه.

أيّها النّاس ، دينكم ، دينكم ، تمسّكوا به ، لا يزلكم أحد عنه لأنّ السّيّئة فيه خير من الحسنة في غيره ، وإنّ السّيّئة فيه تغفر ، والحسنة في غيره لا تقبل » (٢).

( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (٢٧)

أفادت الآية الكريمة عظيم قدرة الخالق العظيم ، فمن قدرته الهائلة ولوج اللّيل في النّهار ، وولوج النّهار في اللّيل ، وذلك بإدخال أحدهما في الآخر ،

__________________

(١) أي : لاعرّفنه.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٠٠.

٤٥

ومن قدرته إخراج الحيّ من الميّت كإخراج المؤمن من نطفة الكافر ، وكإخراج الميت ـ وهو الكافر ـ من الحيّ وهو المؤمن ، ومن عظيم قدرته تعالى أنّه يرزق من يشاء بغير حساب.

وتحدث الإمام عليه‌السلام بحديث رائع عن الرزق قال :

« الرّزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك. فلا تحمل همّ يومك! كفاك كلّ يوم ما فيه ؛ فإن تكن السّنة من عمرك فإنّ الله تعالى سيؤتيك في كلّ غد جديد ما قسم لك ؛ وإن لم تكن السّنة من عمرك فما تصنع بالهمّ فيما ليس لك ؛ ولن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يبطئ عنك ما قد قدّر لك ... » (١).

( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (٢٨)

نهت الآية الكريمة المسلمين عن اتّخاذ الكافرين أولياء لهم ، وعقد صداقة ومودّة معهم ، وذلك لتباين الاتّجاهين فاتّجاه المؤمن الإيمان بالله تعالى ، واتّجاه الكافر الكفر بالله ، فكيف يلتقيان؟ واجازت الآية اتّصال المؤمن بالكافر للتقية وهو خوف المؤمن على نفسه وماله وعرضه منه ، فإنّه يسمح له بالاتّصال به.

وقد أعرب الإمام عليه‌السلام في بعض أحاديثه عن جواز التقية ومشروعيتها مع الخوف ، قال عليه‌السلام :

« وأمرك ـ أي الله ـ أن تستعمل التّقيّة في دينك ، فإنّ الله تعالى يقول : وإيّاك ثمّ

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ : ٢٣٦.

٤٦

إيّاك أن تتعرّض للهلاك وأن تترك التّقيّة الّتي أمرتك بها فإنّك شائط بدمك ودماء إخوانك معرّض لزوال نعمتك ونعمهم ، مذلّهم في أيدي أعداء دين الله ، وقد أمرك الله تعالى بإعزازهم » (١).

( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)

نزلت الآية الكريمة حينما جاء وفد النصارى بزعامة رؤسائهم الروحانيّين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطلبوا منه المباهلة إلى الله تعالى أن يلعن الكاذب منهما ، فاستجاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرج للمباهلة بضعته الطاهرة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، والحسن والحسين عليهما‌السلام سبطيه وسيّدي شباب أهل الجنة ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام باب مدينة علمه ونفسه ـ بمقتضى الآية ـ ، فقد دلّت بوضوح على أنّ الإمام هو نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ذكرنا في البحوث السابقة تفصيل هذه الحادثة وما تحمل من تكريم وتعظيم لأهل البيت عليهم‌السلام.

( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٦٨)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير هذه الآية :

« إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ».

ثمّ تلا : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ).

__________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٣٠٢.

٤٧

ثمّ قال :

« إنّ وليّ محمّد من أطاع الله وإن بعدت لحمته ، وإنّ عدوّ محمّد من عصى الله وإن قربت لحمته » (١).

( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٨١)

قال الإمام عليه‌السلام في تفسير هذه الآية :

« لم يبعث الله نبيّا ـ آدم فمن بعده ـ إلاّ أخذ عليه العهد في محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه ويأمره فيأخذ العهد على قومه » ، ثم تلا الآية.

وروي عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال في تفسير هذه الآية :

« إنّ الله أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبيّنا أن يخبروا اممهم بمبعثه ونعته ، ويبشّروهم به ويأمروهم بتصديقه » (٢).

وهذا التفسير قريب من التفسير الأوّل.

( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ) (٩٦)

سأل رجل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن هذه الآية قائلا : أهو أوّل بيت؟

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٧٧٠.

(٢) المصدر المتقدّم : ٧٨٥ ـ ٧٨٦.

٤٨

قال عليه‌السلام :

« لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنّه أوّل بيت وضع للنّاس مباركا فيه الهدى والرّحمة والبركة ، وأوّل من بناه إبراهيم ، ثمّ بناه قوم من العرب من جرهم (١) ، ثمّ هدم فبنته العمالقة ، ثمّ هدم فبنته قريش » (٢).

وروي عن الإمام أنّه قال :

« كانت البيوت قبله ، ولكنّه كان أوّل بيت وضع لعبادة الله » (٣).

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (١٠٢)

سأل عبد الخير الإمام عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية ، فقال :

« والله! ما عمل بها غير بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نحن ذكرناه ـ أي الله تعالى ـ فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلن نكفر به ، ونحن أطعناه فلم نعصه ... ».

ولمّا نزلت هذه الآية قالت الصحابة : لا نطيق ذلك فأنزل الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (٤). (٥)

( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١٢٣)

__________________

(١) جرهم : هي من اليمن نزلوا مكّة.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٥٣. تاريخ ابن كثير ٢ : ٢٤٣.

(٣) الدرّ المنثور ٢ : ٥٢.

(٤) التغابن : ١٦.

(٥) تفسير البرهان ١ : ٣٠٤.

٤٩

بيّن الله تعالى في هذه الآية ما أمد به المسلمين من النصر العظيم في واقعة بدر ، التي انهزم فيها المشركون من قريش وكتب الله النصر الحاسم للرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان النصر على يد بطل الإسلام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد كان نصف القتلى من مشركي قريش بساعده وسيفه ذي الفقار ، وتعتبر واقعة بدر أعظم نصر أحرزه المسلمون ، فقد أدخل الرعب والفزع في قلوب المشركين وأذلّهم ، وقويت شوكة الإسلام ، وقد ذكرنا هذه الواقعة في البحوث السابقة.

( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (١٣٣)

أمرت الآية بالمسارعة إلى المغفرة والحصول على الجنة التي هي النعيم الدائم ، وقد أعدّها الله للمتّقين.

قال الإمام عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) :

« إنّكم لن تنالوها ـ أي الجنة ـ إلاّ بالتّقوى » (١).

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ) (١٤٩)

روي عن الإمام عليه‌السلام أنّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن ابيّ ، وقد خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واقعة احد حينما هزم المسلمون ، فراح يقول للمؤمنين : « ارجعوا إلى إخوانكم ، وارجعوا إلى دينكم » (٢).

__________________

(١) مواهب الرحمن ٦ : ٣٥٨.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٢١.

٥٠

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢٠٠)

أمر تعالى بالصبر الذي هو من أهم النزعات النفسية ، فعلى المسلم أن يتحلّى بهذه الصفة الكريمة ، كما أمر تعالى بالمرابطة وقد فسّرها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالمرابطة على الصلاة ، أي انتظروها ؛ لأن المرابطة في ذلك الوقت لم تكن (١).

وبهذا انتهت بعض الآيات التي اثر تفسيرها عن الإمام في سورة آل عمران.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٩١٨.

٥١

سورة النّساء

( بسم الله الرّحمن الرّحيم )

السورة المباركة مدنيّة كلّها إلاّ آيتين منها وهما :

الاولى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (١).

والثانية : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ) فإنّهما نزلتا في مكّة ، وعدد آياتها مائة وستّ وسبعون آية.

( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (١)

حثّت الآية الكريمة على تقوى الله وطاعته التي هي من أثمن وأعزّ ما يظفر به الإنسان في حياته من المكاسب ، كما حثّت الآية على البرّ بالأرحام والإحسان إليهم ، وقد ندب الإمام عليه‌السلام إلى ذلك بقوله :

« صلوا أرحامكم ولو بالتّسليم ، يقول الله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ

__________________

(١) النساء : ٥٨.

٥٢

بِهِ وَالْأَرْحامَ ) ».

وروى الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول :

« إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتّى يدخل به النّار ، فأيّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه فإنّ الرّحم إذا مسّتها الرّحم استقرّت ، وإنّها متعلّقة بالعرش ... فتنادي : اللهمّ صل من وصلني ، واقطع من قطعني » وتلا قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (١).

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) (٢٣)

عرضت الآية الكريمة إلى المحرّمات من النساء على الرجال ، وكان منهنّ الربائب إذا دخل بامهاتهنّ ، كما هو صريح الآية.

قال الإمام عليه‌السلام :

« الرّبائب عليكم حرام مع الامّهات اللاّتي دخلتم بهنّ في الحجور وغير الحجور سواء » (٢).

__________________

(١) الميزان ٤ : ١٤٨.

(٢) الاستبصار ٣ : ١٥٦.

٥٣

( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) (٢٩)

استشهد الرسول بهذه الآية حينما سأله الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال له :

« الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها؟ وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال : يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة والوضوء ، قلت : فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده ، فقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) » (١).

( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) (٥٨)

أمر الله تعالى عباده بأداء الأمانة إلى أهلها ، كما أمر الحكّام والمسئولين أن يحكموا بالعدل ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدّي الأمانة ، فإذا فعل ذلك فحقّ على النّاس أن يسمعوا له وأن يطيعوا ، وأن يجيبوا إذا دعوا » (٢).

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (٥٩)

__________________

(١) الميزان ٥ : ٣٢٢.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ١٧٥.

٥٤

أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله واولي الأمر ، وهم آل بيت النبوة ومعدن الحكمة ، وقد وردت في ذلك كوكبة من الأخبار منها :

١ ـ روى جابر بن عبد الله الأنصاري : لمّا أنزل الله على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قلت : يا رسول الله ، عرفنا الله ورسوله ، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« هم خلفائي يا جابر ، وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف بالتّوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام ، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي محمّد وكنيّي ، حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ».

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اي والّذي بعثني بالنّبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس ، وإن تجلاّها سحاب.

يا جابر ، هذا من مكنون سرّ الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله » (١).

حكت هذه الرواية أسماء خلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة المسلمين الذين تدين الشيعة بالولاء لهم.

__________________

(١) تفسير البرهان ٥ : ٣٨١. الميزان ٥ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

٥٥

٢ ـ روى أبو بصير عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب ، فقال له أبو بصير : إنّ الناس يقولون لنا : فما منعه أن يسمّي عليّا وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر :

« قولوا لهم : إنّ الله أنزل على رسوله الصّلاة ولم يسمّ ثلاثا ولا أربعا ، حتّى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي فسّر ذلك لهم ، وأنزل الحجّ ولم ينزل طوفوا سبعا حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله أنزل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) نزلت في عليّ والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اوصيكم بكتاب الله ، وأهل بيتي ، إنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك. وقال : فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلال ، ولو سكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يبيّن أهلها لادّعى آل عبّاس وآل عقيل وآل فلان ، ولكن أنزل الله في كتابه : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم تأويل هذه الآية ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فأدخلهم تحت الكساء في بيت أمّ سلمة وقال : اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ ثقلا وأهلا فهؤلاء ثقلي وأهلي ، وقالت أمّ سلمة : ألست من أهلك؟ قال : إنّك إلى خير ولكنّ هؤلاء ثقلي وأهلي ... » (٢).

وجمع هذا الحديث الشريف الأهميّة البالغة لأهل البيت عليهم‌السلام الذين هم الركيزة الاولى في الإسلام بعد كتاب الله تعالى ، أدلاّء على مرضاة الله ، وهداة

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٥٠.

٥٦

إصلاح وتقوى لعباد الله.

٣ ـ روى سليم بن قيس عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له الإمام :

« أمّا أدنى ما يكون به العبد ضالاّ أن لا يعرف حجّة الله تبارك وتعالى ، وشاهده على عباده الّذي أمر الله تعالى عباده بطاعته وفرض ولايته ... ».

وانبرى سليم قائلا :

يا أمير المؤمنين ، صفهم لي ...

ووصفهم الإمام قائلا :

« الّذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه ، فقال : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ».

والتفت سليم إلى الإمام يطلب منه زيادة التوضيح قائلا :

جعلني الله فداك ، أوضح لي ...

وأوضح الإمام له الأمر قائلا :

« الّذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواضع وفي آخر خطبته يوم قبضه الله عزّ وجلّ إليه ، إنّي تركت فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي إن تمسّكتم بهما كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ، فإنّ اللّطيف الخبير قد عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين ـ وجمع بين مسبحتيه ـ فتمسّكوا بهما ولا تقدّموهم فتضلّوا » (١).

( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) (٦٩)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١) الميزان ٥ : ٤١٢ ، نقلا عن ينابيع المودّة.

٥٧

« جاء رجل من الأنصار إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

يا رسول الله ، ما أستطيع فراقك ، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي واقبل حتّى أنظر إليك حبّا لك ، فذكرت إذا كان يوم القيامة وادخلت الجنّة فرفعت في أعلى علّيّين ، فكيف لي بك يا نبيّ الله؟ فنزل قوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) فدعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأها عليه وبشّره بذاك » (١).

( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) (٨٦)

ومفاد الآية الكريمة واضح وهو أن من سلّم فيردّ عليه سلامه أو بأحسن منه ، وهو من آداب الإسلام وتعاليمه القيّمة ، وينبغي أن يكون الردّ بالأحسن ولا يتجاوزه ، فقد مرّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام على قوم فسلّم عليهم فقالوا له : عليك السّلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، فأنكر عليهم هذه الزيادة ، وقال لهم :

« لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم ، قالوا : ( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢) » (٣).

« ومن صور التّحيّة في الإسلام أنّه إذا عطس شخص فينبغي أن يقال له : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، لأنّ الله تعالى يقول : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ) » (٤) هكذا قال الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) أمالي الطوسي. مواهب الرحمن ٩ : ١٦.

(٢) هود : ٧٣.

(٣) الميزان ٥ : ٣٥ ، نقلا عن الكافي.

(٤) الخصال ٢ : ٦٣٣.

٥٨

( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ) (٩٧)

روي عن الإمام عليه‌السلام في تحديد المستضعف :

« لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ، ووعاها قلبه » (١).

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ) (١٠١)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« سأل قوم من التّجّار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا نضرب في الأرض فكيف نصلّي؟ فأنزل الله : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) ، ثمّ انقطع الوحي ، فلمّا كان بعد ذلك بحول غزا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى الظّهر ، فقال المشركون :

لقد أمكنكم محمّد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟

فقال قائل منهم : إنّ لهم مثلها اخرى في أثرها ، فأنزل الله بين الصلاتين :

( إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً * وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) ، فنزلت صلاة الخوف » (٢).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ٦٨.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ٢٠٩.

٥٩

( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (١٢٨)

سئل الإمام عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال : « هو الرّجل تكون عنده امرأتان ، فتكون إحداهما قد عجزت ، أو تكون دميمة فيريد فراقها فتصالحه على أن يكون عندها ليلة وعند الاخرى ليالي ولا يفارقها ، فما طابت به نفسها فلا بأس به ، فإن رجعت سوّى بينهما » (١).

( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ) (١٦٤)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير هذه الآية :

« كلّم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة ، ولا لهوات سبحانه وتعالى عن الصّفات » (٢).

__________________

(١) مواهب الرحمن ٩ : ٤٠٨ ، نقلا عن سنن البيهقي.

(٢) مواهب الرحمن ٩ : ٢١١.

٦٠