أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

أجل ناداك لمسقطه

ولو اثاقلت لما ظفرا

لم لا واسيتك مضطهدا

لم لا سليتك مفتكرا

لم لا جاورت أنينك

منصدعا للغربة منكسرا

لم لا عالجتك معتلا

لم لا شاهدتك محتضرا

واماما فاق بلاغته

وحساما في الهيجا ذكرا

لك عهد في عنقي ما عشت

يبث مراثيك الغررا

وثراك ترصعه عيناي

عقيقا أحمر أو دررا

ولم يعقب سوى ولده السيد علي وابنته زوجة الميرزا جعفر القزويني وذكر صاحب الحصون جملة من شعره كما ذكره الشيخ المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في ( العبقات العنبرية في شعراء الجعفرية ).

فمن شعره يخاطب سلطان مسقط :

لما رماني الدهر بالنوب

الشدائد والهزاهز

وألان صعدتي التي

يعطي الجواهر بالجوائز

ودعاني الزمن الخؤن

صلبت وما لانت لغامز

قالت لي الآراء والفكر

بأهله ( هل من مبارز )

شرق وسل عن ماجد

الثواقب في الغرائز

فاذا بلغت الى ( سعيد )

في ( عمان ) فلا تجاوز

واعلم بأن أبا هلال

عن مرادك غير عاجز

يوليك ما ترجو ولا

يثنيه عنه غمز غامز

فتعود مقضي الديون

الى العراق وأنت فائز

٤١

ويجيز ما ترجو ببذل

صادق الدفعات ناجز

وهكذا انتهت حياة هذا الشريف.

وما عتبي على الدنيا ولكن

على ابل حداها غير حادي

ويحق أن أستشهد بالشعر المنسوب للامام زين العابدين علي ابن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام حيث يقول :

عتبت على الدنيا فقلت الى متى

أكابد هما بؤسه ليس ينجلي

أكل شريف من علي نجاره

يكون عليه الرزق غير محلل

فقالت نعم يا بن الحسين رميتكم

بسهم عناد يوم طلقني علي

وبالوقت الذي أعتب على الزمن يحق أن أبعث بقول السيد الشريف الرضي الى سلطان مسقط حيث يقول :

أخطأت في طلبي وأخطأ في

ردي ، ورد يدي بغير يد

فلا جعلن عقوبتي أبدا

أن لا أمد يدي الى أحد

فتكون أول زلة سبقت

مني وآخرها الى الابد

٤٢

محمد الصحاف

كان حيا سنة ١٢٧٠

بمدحكم الاقلام تفرح والحبر

وطرس به من حسن أوصافكم سطر

يفوز سواكم بالقوافي وانها

تفوز بكم اذ كان منكم لها فخر

فليلة قدر ليلتي بمديحكم

لاني اذا أحييتها يرفع القدر

أقول والقصيدة طويلة وكلها في رثاء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين وقد جارى بها رائية الشيخ صالح العرندس التي تقدمت في جزء سابق مع ترجمته ، والقصيدة التي نظمها شاعرنا الصحاف ذكرها الاخ البحاثة علي الخاقاني في الجزء العاشر من ( شعرا الغري ) وفي أخرها :

أنا ألقن آل الرسول محمد

سليل حسين زانه منكم النجر

عليكم صلاة الله ما نار نير

بدا في رياض زاد نوارها القطر

* * *

السيد محمد بن علي المعروف بالصحاف. ذكره المحقق الطهراني في ( الكرام البررة ) فقال : نزيل سوق الشيوخ ، كان أديبا فاضلا شاعرا ، رأيت تقريضه اللطيف البليغ نظما ونثرا على ارجوزة ( تحفة النساك ) من نظم الشيخ طاهر الحجامي المتوفى بسوق الشيوخ سنة ١٢٧٩ هـ وأولاده الى اليوم في سوق الشيوخ.

٤٣

عبد العزيز الجشي

وفاته ١٢٧٠

ألا هل لاجفان سهرن هجود

وهل للدموع الجاريات جمود

وهل راحل شطت به غربة النوى

فأوحشني بعد الفراق يعود

أأسهر ليلي أرقب النجم فيكم

عشاء وأنتم بالهناء رقود

وذكرني يوم انفرادي بينهم

مقاما به سبط النبي فريد

ألا بأبي أفديه فردا وقل ما

فديت ولو بالعالمين أجود

فوالهف نفسي للقتيل على ظما

وللسمر منه صادر وورود

فيا عرصات الطف أي أماجد

سموت بهم فليهنكن سعود

لئن شرفت أم القرى بالتي حوت

فأنتن فيكن الحسين شهيد

وان طاولتكن المدينة مفخرا

ففيكن أبناء وتلك جدود

فيا راكبا عيدية شأت الصبا

تساوى قريب عندها وبعيد

عداك البلا ، عج هكذا متنكبا

زرودا وان ألوت هناك زرود

بني هاشم يا للحفيظة نكست

على الرغم رايات لكم وبنود

رمتكم كما شاء القضاء أمية

ففر طليق بعدها وطريد

وثارت عليكم بعد أن طال مكثها

من الرعب أوغاد لها وحقود

ودع عنك نجوى أهل مكة وارتحل

فقد عز موجود وعز وجود

ووجه لتلقاء المدينة وجهها

مشيحا ففيها عدة وعديد

ولذ بضريح المصطفى قائلا له

حسين عن الورد المباح مذود

٤٤

ألا يا رسول الله ما لك راقدا

وآلك في أرض الطفوف رقود

فخذها كما شاء الحزين شكاية

تكاد لها شم الرعان تميد

عشية ساقوهن أسرى وقيدوا

العليل فأودى بالعليل قيود

وقبل ثرى أعواد أحمد وارتحل

فأعواده حيث التنشق عود

ودعها على علاتها مستطيرة

لذا سيرها الوجاف فهي صمود

لعلي أراها بالغري مناخة

على جدث فيه الوصي وصيد

أبا حسن أنت المثير عجاجها

اذا اقترعت تحت العجاجة صيد

أغارت بقايا عبد شمس ونوفل

على الدين حتى بات وهو عميد

فيا هل تراها ان سيفك فللت

ضواربه يوم القراع جنود

وان الفتى القراض حطم صدره

ببدر وأحد عتبة ووليد

فلو كنت حيا يوم وقعة كربلا

رأت كيف تبدي حكمها وتعيد

عشية باتت من بنيك عصابة

وسايدها صلد بها وصعيد

لقى كأضاحي العيد لا عاد بعدهم

علي بلذات التنعم عيد

أترضى وانت الثاقب العزم غيرة

يلاحظها حسرى القناع يزيد

أمية كم هذا الغرور فما أتى

بمعشار عشر الفعل منك ثمود

وراءكم يوم يشيب لهوله

الرضيع فايعاد به ووعيد

قال صاحب أنوار البدرين : الشيخ عبد العزيز الجشي من شعراء القطيف الاديب الشاعر الشيخ عبد العزيز بن الحاج مهدي بن حسن بن يوسف بن محمد الجشي قدس‌سره البحراني القطيفي. كان له رحمه الله تعالى من الادب الحظ الوافر ومن الشعر والمعرفة النصيب الكامل له قصائد جيدة منها في رثاء الحسين (ع) تقرأ في المجالس الحسينية وله منظومة في الرد على النصارى ذكر فيها ما ذكره الشيخ سليمان آل عبد

٤٥

الجبار ومتضمنة للادلة التي ذكرها في الرد على النصارى جيدة حسنة وقد اشتغل في العلوم الا ان الشعر والتجارة غلبا عليه فكان بهما موسوما ولم أعلم بتاريخ وفاته ضاعف الله حسناته. انتهى. ويقول الشيخ علي منصور في شعراء القطيف : كانت وفاته سنة ١٢٧٠.

أقول وترجم له الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) وسماه بـ ( السيد عبدالعزيز ) وهو خطأ مطبعي.

٤٦

السيد محمد ابو الفلفل

١٢٧١

وذوو المروة والوفا أنصاره

لهم على الجيش اللهام زئير

طهرت نفوسهم لطيب أصولها

فعناصر طابت لهم وحجور

عشقوا العنا للدفع لا عشقوا الغنا

للنفع لكن أمضي المقدور

فتمثلت لهم القصور وما بهم ـ

لو لا تمثلت القصور ـ قصور

ما شاقهم للموت الا دعوة الـ

رحمن لا ولدانها والحور

بذلوا النفوس لنصره حتى قضوا

والخيل تردى والعجاج يثور

فغدا ربيب المكرمات يشق تيا

ر الحروب وعزمه مسجور

يدعو ألا أين النصير وما له

غير الارامل والعليل نصير

والكل يدعو يا حسين فصبية

وعقائل ومقاتل وعفير (١)

قال البحاثة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) السيد محمد الفلفل المتوفى سنة ١٢٦١ تقريبا.

هو السيد الشريف السيد محمد بن السيد مال الله ابن السيد

__________________

١ ـ عن ( أنوار البدرين ).

٤٧

محمد المعروف بـ ( الفلفل ) أحد أهالي قرية ( التوبي ) من القطيف ، نزيل كربلاء من المعاصرين للسيد كاظم الرشتي ومن المقربين اليه ، ذكره صاحب الدمعة الساكبة وأثبت له القصيدة الهائية التي أولها ( خلها تدمي من السير يداها ).

وآل الفلفل موجودون من خيار السادة يفتخرون بشاعرهم هذا ، أقول وروى له أبياته الشهيرة التي أولها :

وذوو المروة والوفا أنصاره

لهم على الجيش اللهام زئير

وقال : كان رحمه‌الله من الشعراء المجيدين المكثرين في مراثي الحسين عليه‌السلام وقال صاحب أنوار البدرين : لقد غلب شعره على منزلته العلمية فاشتهر بالادب. انتقل من القطيف للعراق فجاور جده الحسين « ع » حتى توافه الله ، وكان شديد الرقة واراقة الدموع على مصاب جده الشهيد. نقل الشيخ علي الحمامي نائحة أهل البيت المشهور بزهده وولائه لهم قال حدثني العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري ، قال حدثني السيد محمد أبو الفلفل القطيفي قال : رأيت في المنام ليلة من الليالي كأن امرأة عليها آثار الهيبة والوقار قد جلست على غدير ماء وهي تئن وتبكي وبيدها قميص مضمخ بالدم تغسله وهي تردد هذا البيت ببكاء وزفير :

وكيف يطوف القلب مني بهجة

ومهجة قلبي بالطفوف غريب

قال السيد محمد فدنوت منها وسلمت عليها وسألتها فقالت : أما تعرفني أنا جدتك فاطمة الزهراء وهذا قميص ولدي الحسين

٤٨

لا أفارقه أبدا. فانتبه السيد ونظم قصيدة وضمنها هذا البيت. فكان أول القصيدة ( أراك متى هبت صبا وجنوب ). وكان أبوه السيد مال الله من أهل العلم والفضل. انتهى.

أقول ربما حصل التباس بين سيدنا المترجم له وبين سميه ومعاصره السيد محمد بن مال الله بن معصوم لاتحاد الاسمين واسم الابوين والمسكن اذ هما في كربلاء يسكنان حتى ربما نسب البعض شعر هذا لهذا. أرجو الانتباه.

فمن شعر السيد محمد بن مال الله الملقب بالفلفل المتوفى ١٢٦١ ويقول صاحب الذريعة ان وفاته سنة ١٢٧٧.

يا نفس عن فعل الخطايا فاقلعي

ذهب الشباب وأنت لم تتورع

لا تخدعنك زينة الدنيا فقد

غرت سواك بخدعة وتصنع

أو ما سمعت بذكر كسرى في الورى

وبذكر قيصر ذي الجنود وتبع

أين القرون وعادها وثمودها

قذفتهم الدنيا بقبح الموضع

أين الذين تمتعوا بنعيمها

وتمنعوا في كل حصن أمنع

أين الطواغيت الذين تنكبوا

بالظلم عن نهج الرشاد الاوسع

كم ظالم تحت التراب وهالك

لم يستطع رد الجواب ولا يعي

يا نفس ان شئت السلامة في غد

فعن القبايح والخطايا فاقلعي

وتوسلي عند الاله باحمد

وبآله فهم الرجا في المفزع

يا نفس من هذا الرقاد تنبهي

ان الحسين سليل فاطمة نعي

فتولعي وجدا له وتوجعي

وتلهفي وتأسفي وتفجعي

آه لها من وقعة قد أوقعت

في الدين أكبر فتة لم تنزع

آه لها من نكبة قد أردفت

بمصائب تبقى ليوم المجمع

٤٩

قتل الحسين فيا سما ابكي دما

حزنا عليه ويا جبال تصدع

منعوه شرب الماء لا شربوا غدا

من كف والده البطين الانزع

مذ جائها يبدي الصهيل جواده

يشكو الظليمة ساكبا للادمع

يا أيها المهر المخضب بالدما

لا تقصدن خيم النساء الضيع

يا مهره قف لا تحم حول الخبا

رفقا بنسوته الكرام الهلع

اني أخاف بأن تروع قلوبها

وهي التي ما عودت بتروع

لهفي لتلك الناظرات حماتها

فوق الجنادل كالنجوم الطلع

والريح سافية على أبدانهم

فمقطع ثاو بجنب مبضع

ولزينب نوحا لفقد شقيقها

وتقول يا ابن الزاكيات الركع

اليوم أصبغ في عزاك ملابسي

سودا وأسكب هاطلات الادمع

اليوم شبوا نارهم في منزلي

وتناهبوا ما فيه حتى مقنعى

اليوم ساقوني بقيدي يا أخي

والضرب آلمني وأطفالي معي

لا راحم أشكو اليه أذيتي

لم ألف الا ظالما لم يخشع

حال الردى بيني وبينك يا أخي

لو كنت في الأحياء هالك موضعي

مسلوبة مضروبة مسحوبة

منهوبة حتى الخمار وبرقعي

وهلم خطب يوم قوض ضعنها

من كربلا في نسوة تبدي النعي

مروا بها لترى أعزة قومها

صرعى تكفنهم رياح الزوبع

فرأت أخاها جثة من غير ما

رأس فألقت نفسها بتلوع

فوق الحسين السبط حاضنة له

فنعته نعي الفاقدات الضيع

وتقول حان فراق شخصك يا أخي

من ذا لثاكلة وطفل مرضع

يا كافلي هل نظرة أشفي بها

قلبي وتطفي لوعة في أضلعي

أتبيت في الرمضا بلا كفن ولا

غسل ويهنى بعد فقدك مضجعي

حاشا وكلا يا كفيل أراملي

وذخيرتي في النايبات ومفزعي

٥٠

يا واحدي عزموا على أن يرحلوا

بي عنك يا غوثي وغوث المربع

ودعتك الرحمن يا من فقده

أجرا دموعي مثل سحب الهمع

لا عن ملال ان رحلت ولا قلا

وعليك تسليمي ليوم المرجع

بالله يا حادي الضعون معجلا

قف بالطفوف ولو كنعسة هجع

لأبث أحزاني وأكتم ما جرى

أسفا بقان من غزير الادمع

يا سائرا يطوي القفار ميمما

قف ساعة ان كنت ذا اذن تعي

وأحمل رسالة من أضر به الجوى

لجناب أحمد ذي المقام الارفع

قل يا رسول الله آلك قد نأت

بهم الديار بكل واد أشنع

مذ غبت والحق الذي أظهرته

وأبنته للناس فيهم ما رعي

وحبيبك السبط الحسين ونسله

مع صحبه قد ذبحوا في موضع

قد صيروهم للسهام رمية

وضريبة للمرهفات اللمعي

وبنات بنتك في القيود أذلة

مسبية تسبى كسبي الزيلع

واعمد الى قبر البتول ونادها

يا فاطم بمصاب نسلك فاسمعي

قومي انزلي أرض الطفوف وشاهدي

قتلاك بين مبضع ومقطع

ثاوين حول حبيب قلبك بالعزى

ورؤوسهم تهدى لرجس ألكع

ونساءك الحور الحسان تغيرت

منها الوجوه من النكال المفضع

أطواقها قيد العدى وشرابها

من دمعها والاكل ترداد النعي

واقصد أخاه في البقيع وقل له

ذبح الحسين أخاك يا ابن الاروع

وبنيك والاخوان جمعا صرعوا

من حوله بالذابلات الشرع

واذا قضيت رسالتي من يثرب

فاقصد بسيرك للغري واسرع

وأطل وقوفك عند قبر المرتضى

والثم ثراه على وقار واخضع

قل يا أمير المؤمنين شكاية

فاسمع لها يا شافعي ومشفعي

هذا الحسين لقى بعرصة نينوى

أكفانه مور الرياح الاربع

٥١

من غير دفن والخيول تدوسه

بنعالها في صدره والاضلع

والريح قد لعبت بشيبته وقد

صبغت بقان فوق رمح أرفع

ونساءه مقرونة بقيودها

محمولة فوق الجمال الظلع

وأذية الاطفال أعظم محنة

من جوعها ومن السرى لم تهجع

ان حن طفل ساعدته ثواكل

لم تلف غير مروعة ومروع

والعابد السجاد في أقياده

لهفي له من ناحل متوجع

يا وقعة راعت قلوب اولي النهى

جلت ونحن بمثلها لم نسمع

قد جاءكم ذو المخزيات محمد

لم يلف غيركم له من مفزع

فتعطفوا وترفقوا وتلطفوا

بمحبكم عند الحساب اذا دعي

وعليكم صلى وسلم ربكم

ما ناح ذو وجد بقلب موجع

ومن شعره قصيدته التي أولها :

تعزي فلا شيء من العيش راجع

وهل في صروف الدهر ينفع نافع

٨٦ بيتا.

٥٢

السيد محمد معصوم

المتوفى ١٢٧١

السيد محمد بن مال الله بن معصوم القطيفي النجفي المتوفى بالحائر الحسيني سنة ١٢٧١.

شطر مقصورة ابن دريد وجعلها في رثاء الحسين عليه‌السلام بما يقرب من أربعمائة وخمسين بيتا مدرجة في ديوانه وأولها :

يا ظبية أشبه شيء بالمها

ما لك لا تبكين سبط المصطفى

تمضين بعد ما دعاك ضاميا

رايقة بين الغوير واللوى

أما ترى رأسي حاكى لونه

بيض مواضينا بحومات الوغى

تلوح في ليل الوغى كأنها

طرة صبح تحت أذيال الدجى (١)

* * *

__________________

١ ـ عن الذريعة ج ٤ ص ١٩١.

٥٣

هو السيد محمد ابن السيد مال الله آل السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ، خطيب معروف ، وشاعر رقيق.

يظهر من سيرته أنه ولد بالقطيف وهاجر منها وهو يافع والتحق بالنجف فاتصل بأعلامه من زعماء الدين وبعد أخذه المقدمات انصرف الى سرد قصة الامام الحسين (ع). ذكره الشيخ النوري فقال : كان جليل القدر ، عظيم الشأن ، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبدالحسين الطهراني كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا ، وقال : كان تقيا صالحا ، شاعرا مجيدا ، وأديبا قاريا غريقا في بحار محبة آل البيت (ع) وكان أكثر ذكره وفكره فيهم ، حتى انه كان كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا عنها ويستشهد في كلامه ببيت أنشأه هو أو غيره في المراثي فينقلب حاله ويشرع في ذكر مصيبتهم على أحسن ما ينبغي فيتحول المجلس الى مجلس آخر وله حكايتان طريفتان ذكرهما النوري في كتابه دار السلام.

وذكره الشيخ ابراهيم صادق العاملي في مجموعته معربا عن اعجابه بتقريظه لموشح السيد صالح القزويني البغدادي فقال : وممن لمح ذلك الموشح بطرف غير كليل ، وسبح في تيار لجته فاستخرج منها دررا هي لتاج الادب اكليل وأي اكليل ، الراغم بفضله وأدبه عرين الملك الضليل والشامخ بحسبه ونسبه على كل ذي حسب زكي ونسب جليل ، قرة عين الفضائل والعلوم ، جناب السيد السند السيد محمد نجل المرحوم السيد معصوم فقرظ عليه بهذا الموشح المحلى بفرائد الدر المنظوم ، المطوق بأسنى قلائد تزري محاسنها بدراري النجوم.

٥٤

وذكره صاحب الحصون في ج ٥ ص ٥٨٢ فقال : كان مجاورا في الحائر الحسيني ، وكان تقيا صالحا ، وشاعرا مجيدا ، وأديبا وقارئا ذاكرا لعزاء الحسين ، جليل القدر عظيم الشأن ، غريقا في بحار محبة آل البيت وأكثر ذكره وفكره فيهم وكان اذا هل ربيع الاول ينشر قصائد في مدح الرسول (ص) في المجالس ويصفق بيده أثناء الانشاد ، توفي في حدود ١٢٦٩ هـ.

وذكره النقدي في الروض النضير ص ٣٦٦ فقال : من فضلاء القرن الماضي ، وكان له في التقوى والصلاح أسمى مكان ، وكان من المعمرين.

وذكره المحقق الطهراني في كتابه الكرام البررة ص ٣٦٨ فقال القطيفي الحائري المتوفى ١٢٧١ هـ كان تلميذ السيد عبدالله شبر وكتب في ترجمة أستاذه هذا رسالة مستقلة (١).

وذكره السيد حسن الصدر في التكملة فقال : له رسالة أسماها نوافح المسك لم أقف عليها ، وله ديوان كبير عند الشيخ محمد السماوي فيه رثاء الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي والشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء والشيخ محسن خنفر الذي توفي ١٢٧٠ هـ وهذا آخر زمن رثى به.

توفي المترجم له في حدود ١٢٧١ هـ وله شعر كثير أشهره اللامية المكسورة من حروف الرجز المسماة بزهر الربيع. وديوان شعره

__________________

١ ـ أقول نشرت رسالة في مقدمة كتاب « الاخلاق » لجدنا السيد عبدالله شبر.

٥٥

مخطوط اشتمل على جميع الحروف. وله روضة في رثاء الحسين. انتهى

وفي الذريعة ـ قسم الديوان قال : ديوان السيد محمد بن مال الله ابن معصوم الموسوي القطيفي الخطي الحائري المتوفى ١٢٧١ هو من تلاميذ السيد عبدالله شبر وكتب رسالة في ترجمة أستاذه. رأيت ديوانه في مكتبة السماوي كل ما فيه قصائده في المراثي ، مرتبة على الحروف ، وكتب له بعض أصحابه مقدمة ، أوله :

كربلا فقت السماوات العلى

وسمى فخرك ما فوق الثرى

وفيه تلميع الرائية للشريف الرضي ، وتخميس النونية لابن زيدون ، وتشطير المقصورة لابن دريد. وجعل جميعها في رثاء الحسين عليه‌السلام ، وفيه قصيدة طويلة في رثائه عليه‌السلام تتضمن أسماء جميع سور القرآن ، أولها :

أشجان فاتحة الاحداث أشجاني

وقوعها فجرت للعين عينان

أذكت حشى البهم من وحش ومن بقر

فكيف آل النهى من آل عمران

وقال السيد الامين في الاعيان ج ١٦ ص ٦٩ ان الشاعر السيد محمد القطيفي المقيم في الحائر أطرى شعره وفضله على شعر غيره خصوصا مراثيه في الامام الحسين وكان في دار آل الشيخ

٥٦

جعفر آل الشيخ خضر الجناجي النجفي واستدل على مدعاه بقوله في الامام عليه‌السلام :

بكتك الضيوف وبيض السيوف

وسود الحتوف أسى والقطار

وخاب الملمون والوافدون

وضاع المشيرون والمستشار

فقال له الشيخ جعفر وهو يومئذ حدث السنان المشير والمستشار واحد واعترضه في غير هذا البيت أيضا بأن فيه من الزحاف الكف وهو حذاف السابع الساكن من مفاعيل وهو قبيح في بحر الطويل كما ان القبض في مفاعيل في عروض الطويل واجب ، وقد أتى القطيفي به في قصيدته غير مقبوض فانتقده بمثل هذه القواعد العروضية حتى أفحمه ، فقال له القطيفي :

كأنك يا ولدي عروضي ، قال نعم. قال فقطع لنا هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم

يا بني حمالة الحطب

وكأنه ظن أن لا خبرة له بقصة الاعرابي مع المرأة التميمية ، حيث ان بني تميم يكسرون أول المضارع فقال لها : أتكتنون فأجابته فأخجلها فقالت له : أتحسن العروض ، قال نعم قالت : قطع هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم ( البيت ) فقطعه وأخجلته.

وكان الشيخ جعفر يعرف القصة فارتجل على الفور بيتا

٥٧

وقال للقطيفي :

ان قطعت البيت الذي قبله قطعته لك ، قال ما هو قال :

كل من تجلى طبيعته

ذاك مرؤ من ذوي الحسب

فقطعه : كل من تج ، فاعلات. لا طبي ، فاعل. فأخجله.

ونشر البحاثة الشيخ محمد السماوي في مجلة الغري النجفية السنة السابعة تحت عنوان ( ندوة بلاغة بلاغية ) قال : للعالم الفاضل الاديب السيد محمد بن السيد مال الله السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ديوان شعر كبير مشتمل على الحروف ، ولقد كان معمرا ومن المكثرين والمجيدين في رثاء الامام الحسين (ع) وكانت وفاته سنة ١٢٦٩ هـ وله كذلك روضة عامرة في رثاء الامام الحسين (ع).

وله يمدح الامامين الجوادين عليهما‌السلام وهي من أواسط شعره :

خلها تدمي من السير يداها

لا تعقها فلقد شق مداها

ما هوت في الدو الا وانثنت

تلتقي الحصبا كما تفلي فلاها

هزها الشوق فأبراها الضنا

فانبرت تحمد بالشوق ضناها

رضيت حر الهوى ماءا كما

رضيت متلفة السير غذاها

عميت عن كل ما يشغلها

عن هداها وهداها في عماها

عكرت رحب الفضا مما أثا

رته فالتف دجاها بضحاها

قصدها الكاظم موسى والذي

غمر الناس يدا بعض نداها

قف فدتك النفس واغنم أجرها

حيث تحبيها سلاما من فناها

٥٨

مبلغا جل سلامي لهما

طالبا للنفس ما فيه هداها

قل لمن كلم موسى باسمه

ولمن من جوده نال عصاها

أشهيدي جانب الزوراء هل

زورة تطغي عن النفس لظاها

أم لعيني نظرة ممن رأى

جدثي قدسكما تجلو جلاها

لم ير الله أناسا غيركم

للشهادات فأنتم شهداها

بل ولا نال اغترابا غيركم

مثل ما نلتم فأنتم غرباها

جدكم أعظم قدرا وأذى

فحسوتم بعده كأسا حساها

وسقاكم ثدي أخلاق بها

عطر القرآن من عطر شذاها

يا ذواتا أكملت علة ايجاد

ذي العرش الورى والبدء طاها

ما رجا راج بكم الا نجا

كيف والراجي الميامين فتاها

ثم عج يا مرشد النفس الى

أرض ( سامراء ) ننشق من ثراها

واعطها مقودها حتى ترى

قبة فيها رجاها ومناها

فعلى نوري علا حلا بها

من صلوة الله والخلق رضاها

والق عنها حلس وعثاء السرى

وقل البشرى فقد زال عناها

واطلب الحاجات تحظى بالا

جابة في حال بقاها وفناها

ثم انهضني فلا قوة لي

من هموم أبهضتني من عداها

نحو سرداب حوى خوف العدى

عصمة العالم والمعطي رجاها

وامش بي رسلا فما تدري عسى

الله لبى دعوة في مشتكاها

وادخلن بي خاضعا مستشفعا

لي بأن اسعد يوما بلقاها

نقرأ التسليم منا عد ما

خلق الله الى يوم جزاها

يا ولي الله والمعطي مدى

أمد الايام اقليد عطاها

والنضير الشاهد الحاكم في الـ

ـخلق والموصي له من نظراها

قم على اسم الله أثبت ما بقي

من رسوم فالعدى راموا محاها

٥٩

طهر الارض بأجناد أبت

أن يرى مبدؤها أو منتهاها

وابسط العدل بعيسى الروح و

الخضر محفوفا بأملاك سماها

ان دوحات الرجا قد أذنت

بانحسار فمتى خضرا نراها

جرد السيف لثارات بني

امك الزهراء واجهد في رضاها

تلتقي جيش العدى ضاحكة

والمواضي من دم طال بكاها

ابلغوا للدفع عن حامية الـ

ـدين يوصي الكل كلا بحماها

لم يزالوا في الوغى حتى جرى

من يد الاقدار ما حم قصاها

وله يرثي السيد عبد الله شبر الكاظمي المتوفى ١٢٤٢ هـ ويعزى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر بفقده :

أروح وفي القلب مني شجن

وأغدو وفي القلب مني احن

ولم يشجني فقد عيش الشباب

وليل الصبا ولذيذ الوسن

ولا هاجني منزل بالحمى

ولا ذكر غانية أو أغن

ولكن شجتني صروف الزمان

بأهل الرشاد ولاة الزمن

بموسى الكليم بدت بالردى

وكم فيه رد الردى والمحن

وثنت بمن لم يكن غيره

اماما لدينا يقيم السنن

فأخنى الزمان بنجل الرضا

وألبسني منه ثوب الحزن

وناعيه لما نعاه الي

أذاب الفؤاد وأفنى البدن

نعى العالم الهاشمي التقي

نعى من له الفضل في كل فن

فلا غرو أن بكت المكرمات

بدمع جرى فيضه للقنن

على من سرى ذكره في البلاد

وشاع بذكر جميل حسن

فيا طود فضل هوى في الثرى

وغيب في بطنه أو بطن

ويا راحلا عن ديار الغرور

فذكر جميلك فينا قطن

٦٠