أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

الشيخ صالح التميمي

المتوفي ١٢٦١

وقد اقترح عليه نظم هذه القصيدة الوزير علي رضا باشا على أن تتضمن قصة مقتل الحسين عليه‌السلام (١).

أما ان تركى موبقات الجرائم

وتنزيه نفسي عن غوي وآثم

وأجعل لله العظيم وسيلة

بها لي خلاص من ذنوب عظائم

وأختم أيامي بتوبة تائب

يذود بها عقبى ندامة نادم

ومن لم يلم يوما على السوء نفسه

فلم تغنه يوما ملامة لائم

على أنني مستمطر غزر صيب

من العفو يهمي عن غزير المكارم

فكم بين منقاد الى شر ظالم

منيبا ومنقاد الى خير راحم

وان كنت ممن لا يفيء لتوبة

ولا لطريق الرشد يوما بشائم

سأمحو بدمعي في قتيل محرم

صحائف قد سودتها بالمحارم

قتيل تعفى كل رزء ورزؤه

جديد على الايام سامي المعالم

قتيل بكاه المصطفى وابن عمه

( علي ) واجرى من دم دمع ( فاطم )

وقل بقتيل قد بكته السما دما

عبيطا فما قدر الدموع السواجم

__________________

١ ـ ديوان التميمي.

٢١

وناحت عليه الجن حتى بدا لها

حنين تحاكيه رعود الغمائم

اذا ما سقى الله البلاد فلا سقى

معاهد كوفان بنوء المرازم

أتت كتبهم في طيهن كتائب

وما رقمت الا بسم الاراقم

لخير امام قام في الامر فانبرت

له نكبات أقعدت كل قائم

اذا ذكرت للطفل حل برأسه

بياض مشيب قبل شد التمائم

أن أقدم الينا يا بن أكرم من مشى

على قدم نم عربها والاعاجم

فكم لك أنصار لدينا وشيعة

رجالا كراما فوق خيل كرائم

فودع مأمون الرسالة وامتطي

متون المراسيل الهجان الرواسم

وجشمها ( نجد ) العراق تحفه

مصاليت حرب من ذوابة ( هاشم )

قساورة يوم القراع رماحهم

تكفلن أرزاق النسور القشاعم

مقلدة عن عزمها بصوارم

لدى الروع أمضى من حدود الصوارم

أشد نزالا من ليوث ضراغم

وأجرى نوالا من بحور خضارم

وأزهي وجوها من بدور كوامل

وأوفى ذماما من وفي الذمائم

يلبون من للحرب غير محارب

كما انه للسلم غير مسالم

كمي ينحيه عن الضيم معطس

عليه اباء الضيم ضربة لازم

ومد أخذت في ( نينوى ) منهم النوى

ولاحت بها للغدر بعض الملائم

غدا ضاحكا هذا وذا متبسما

سرورا وما ثغر المنون بباسم

وما سمعت أذني من الناس ذاهبا

الى الموت تعلوه مسرة قادم

كأنهم يوم ( الطفوف ) وللضبا

هنالك شغل شاغل بالجماجم

أجادل عاثت بالبغاث وانها

أشد انقضاضا من نجوم رواجم

٢٢

لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا

على رغبة منهم حقوق المكارم

الى أن غدت أشلاؤهم في عراصها

كأشلاء قيس بين تبنا وجاسم (١)

فلهفي لمولاي الحسين وقد غدا

فريدا وحيدا في وطيس الملاحم

يرى قومه صرعى وينظر نسوة

تجلببن جلباب البكا والمآتم

هناك انتضى عضبا من الحزم قاطعا

وتلك خطوب لم تدع حزم حازم

أبوه علي أثبت الناس في اللقا

وأشجع ممن جاء من صلب آدم

يكر عليهم مثلما كر حيدر

على أهل بدر والنفير المزاحم

ولما أراد الله انفاذ أمره

بأطوع منقاد الى حكم حاكم

أتيح له سهم تبوأ نحره

تبوأ نحري ليته وغلاصمي

فهدت عروش الدين وانطمس الهدى

وأصبح ركن الحق واهي الدعائم

وأعظم خطب لا تقوم بحمله

متون الجبال الراسيات العظائم

عويل بنات المصطفى مذ أتى لها

جواد قتيل الطف دامي القوائم

فوا حر قلبي للنساء بحرقة

يحمن عليه في قلوب حوائم

__________________

١ ـ ذكر الحموي في معجم البلدان : تبنى بالضم ثم السكون وفتح النون ، بلدة بحوران من أعمال دمشق قال النابغة :

فلا زال قبر بين تبنى وجاسم

عليه من الوسمي جود ووابل

٢٣

ينحن كما ناح الحمام وبالبكا

لا غزر شجوا من نواح الحمائم

فيا وقعة كم كدرت من مشارب

لنا مثل ما قد رنقت من مطاعم

بني المصطفى ما عشت أو دمت سالما

فصبري على ما نابكم غير سالم

لكي لا تزول الارض عن مستقرها

والا فأنتم فوق هام النعائم

فلو أن لي حظ عظيم تقدمت

حياتي بعصر سالف متقادم

وصلت على أعدائكم بفوارس

أشداء في الهيجاء من آل ( دارم )

وان فات نصر السيف سوف أعينكم

بنظم كبا من دونه نظم ناظم

وما صالح ان لم تعينوه صالح

وما عد الا من بغاة المظالم

عليكم سلام الله ما هبت الصبا

وما حرك الاغصان مر النسائم

وللشيخ صالح التميمي :

ما بال جفني مغرم بسهاده

وغزير دمعي لم أفز بنفاده

لا في سعاد صبا فؤادي في الصبا

فأقول قلبي قد لها بسعاده

كلا ولا أطلال برقة منشد

برقت مدى الايام في انشاده

لكن مصارع فتية في كربلا

سلبت بسيف الحزن طيب رقاده

قتلى وفيهم من دؤابة ( هاشم )

أسد سعى للموت في آساده

يا للرجال لطود ( أحمد ) مذ ثوى

قدما وريع الدين في أطواده

يا للرجال لنكبة ( الزهراء ) في

أبنائها والطهر في أولاده

أبكي القتيل أم النساء حواسرا

يندبنه ويلذن في ( سجاده )

أم أندب ( العباس ) لما أن مضى

والبر قد غص الفضا بصعاده

يبغي الوصول الى الفرات ودونها

بيض كساها فيلق بسواده

فأتى دوين الماء فاعتاق الردى

همم سمت للمجد فوق مراده

أبكي لمقطوع اليدين وقد قضى

ضمأ ونار الوجد ملء فؤاده

٢٤

ألذاك أبكي أم ( سكينة ) اذ دعت

يا عمتا كهفي هوى بعماده

هذا أبي ملقى وأذيال الصبا

عزمت له ما سل من أبراده

يا آل بيت محمد حزني لكم

متحكم والهم من أوتاده

أنا ( صالح ) ان أنتم أنعمتم

بقبول ما قصرت في انشاده

وله أيضا :

ألا من مبلغ الشهداء أني

نهضت لشكر هم بعد القعود

رجال طلقوا الدنيا ومن ذا

صبا لطلاق كاعبة النهود

رأوا خمر الفناء الذ طعما

غداة الطف من طعم الخلود

دعاهم نجل فاطمة بيوم

يشيب لذكره رأس الوليد

دعاهم دعوة والحرب شبت

لظى من دونها ذات الوقود

فقل من سيد نادى عبيدا

عراة الذات من شيم العبيد

أسود بالهياج اذا المنايا

رمت ظفرا ونابا بالاسود

كأن رماحهم تتلو اليهم

لصدق الطعن أوفوا بالعقود

اذا ما هز عسال تصابوا

كما يصبى الى هز القدود

بنفسي والورى أفدي كراما

تجنب حزمهم نقض العهود

بنفسي والورى أفدي جسوما

مجزرة على حر الصعيد

بنفسي والورى أفدي رؤوسا

تشال على الرماح الى ( يزيد )

كأني يابن ( عوسجة ) ينادي

وريح الموت يلعب بالبنود

هلموا عانقوا بيض المواضي

ولا كعناقكم بيض الخدود

فليس يصافح الحوراء الا

فتى يهوى مصافحة الحديد

رأوا في كربلا يوما مشوما

ففازوا منه في يوم سعيد

وكدر عيشهم حرب فجادت

لهم عقباه في عيش رغيد

٢٥

ألا يا سادتي حزني عليكم

نفي عن ناظري طيب الهجود

أحاذر أن يقال هل امتلأتي

فكان جوابها هل من مزيد

أعيذوا ( صالحا ) منها وكونوا

له شفعاء في يوم الخلود

منعتم من ورد الماء قسرا

وفزتم بالهنا وقت الورود

* * *

ابو سعيد الشيخ صالح بن درويش بن علي بن محمد حسين ابن زين العابدين الكاظمي النجفي الحلي البغدادي المعروف بالشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور.

ولد في الكاظمية سنة ١٢١٨ وتوفي ببغداد لاربع عشرة ليلة بقيت من شعبان بعد الظهر سنة ١٢٦١ ودفن في الكاظمية ، كان من بيت علم وأدب ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحاته مع السيد بحر العلوم وغيره في النجف ، انتقل مع جده من الكاظمية الى النجف فأقام برهة ثم سكن الحلة وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد داود باشا. أقول : هو في عصره كأبي تمام في عصره. وقد تولى رئاسة ديوان الانشاء في بغداد سنة ١٢٣٥ ، وله شعر كثير مدح به الامراء والاعيان والزعماء وله مؤلفات ذكرت بأسمائها وفي ديوانه المطبوع عدة مراسلات ومساجلات ، ورثاه العالم الشيخ ابراهيم صادق العاملي والشيخ عبد الحسين محي الدين وعبد الباقي العمري وأعقب ولدين : محمد سعيد ومحمد كاظم. وكتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في ( نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر ) وجمع له مساجلاته ونوادره.

٢٦

وقال عنه : أما صفاته فانها من أجمل وأفضل ما يتحلى به انسان ـ كان رحمه‌الله خفيف الطبع عذب الروح حلو المعاشرة حاضر النكتة غزير الحفظ واسع الرواية قيل له : كم تحفظ من بدائع الشعر وروائعه فأجاب : لو لا أن شيخي أبا تمام جمع محاسن الجاهليين والاسلاميين في حماسته المشهورة لجمعت أنا لكم من حفظي هذه الحماسة. وكان يجل أبا تمام كثيرا ويعجب به اعجابا شديدا ويعده اماما له ، والغريب انه رثاه على بعد ما بينهما من الزمن بقصيدة بليغة يقول فيها :

يا راكبا وجناء عيدية (١)

لم يترك الوخد لها من سنام

ان جئت للحدباء قف لي بها

وأبلغ أبا تمام عني السلام

وقل له بشراك يا خير من

سام القوافي الغر من نسل سام

فضلك أحياك كأن لم تبت

بالخلد هاتيك العظام العظام

ومن غرر الشعر قصيدته في الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وهذا المقطع الاول منها :

غاية المدح في علاك ابتداء

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم

وأمير ان عدت الامراء

ما نرى ما استطال الا تناهى

ومعاليك ما لهن انتهاء

فلك دائر اذا غاب جزء

من نواحيه أشرقت أجزاء

أو كبدر ما يعتريه خفاء

من غمام الا عراه انجلاء

يحذر البحر صولة الجزر لكن

غارة المد غارة شعواء

__________________

١ ـ عيدية نسبة الى فحل شهير من فحول الابل.

٢٧

ربما عالج من الرمل يحصى

لم يضق في رماله الاحصاء

يا صراطا الى الهدى مستقيما

وبه جاء للصدور الشفاء

بني الدين فاستقام ولولا

ضرب ماضيك ما استقام البناء

أنت للحق سلم ما لراق

يتأتى بغيره الارتقاء

معدن الناس كلها الارض لكن

أنت من جوهر وهم حصباء

شبه الشكل ليس يقضي التساوي

انما في الحقائق الاستواء

شرف الله فيك صلبا فصلبا

أزكياء نمتهم أزكياء

فكأن الاصلاب كانت بروجا

ومن الشمس عمهن البهاء

لم تلد هاشمية هاشميا

كعلي وكلهم نجباء

وضعته ببطن أول بيت

ذاك بيت بفخره الاكتفاء

أمر الناس بالمودة لكن

منهم أحسنوا ومنهم أساؤا

يا ابن عم النبي ليس ودادي

بوداد يكون فيه الرياء

فالورى فيك بين غال وقال

وموال وذو الصواب الولاء

وولائي ان بحت فيه بشيء

فبنفسي تخلفت أشياء

أتقي ملحدا وأخشى عدوا

يتمارى ومذهبي الاتقاء

وفرارا من نسبة لغلو

انما الكفر والغلو سواء

* * *

ذا مبيت الفراش يوم قريش

كفراش وانت فيه ضياء

فكأني أرى الصناديد منهم

وبايديهم سيوف ظماء

صاديات الى دم هو للما

ء طهور لو غيرته الدماء

دم من ساد في الانام جميعا

ولديه احرارها ادعياء

قصرت مذرأوك منهم خطاهم

ولديهم قد استبان الخطاء

شكر الله منك سعيا عظيما

قصرت عن بلوغه الاتقياء

٢٨

عميت أعين عن الرشد منهم

وبذات الفقار زال العماء

يستغيثون في يغوث الى ان

منك قد حل في يغوث القضاء

لك طول على قريش بيوم

فيه طول وريحه نكباء

كم رجال اطلقتهم بعد أسر

أشنع الاسر أنهم طلقاء

يردع الخصم شاهدان حنين

بعد بدر لوقال هذا ادعاء

ان يوم النفير والعير يوم

هو في الدهر راية ولواء

سل وليدا وعتبة ما دعاهم

لفناء عدا عليه الفناء

٢٩

السيد صدر الدين العاملي

المتوفي ١٢٦٣

قال بمناسبة مولد الامام الحسين عليه‌السلام في الثالث من شهر شعبان :

فدت شهر شعبانها الاشهر

فمن بينها يمنه الاشهر

لثالثه في رقاب الانام

أياد لعمرك لا تنكر

وباب النجاة الامام الذي

ذنوب العباد به تغفر

وغصن الامامة فيه سما

جني هدايتها يثمر

وروض النبوة من نوره

سني ومن نوره مزهر

لتهن بميلاده شيعة

لهم طاب في حبه عنصر

غذاه النبي بابهامه

فما زال عن ريها يصدر

به الله رد على ( فطرس )

مقاما به في السما يذكر

أكان من النصف مثل الحسين

شفيع الخلايق اذ تحشر

ومن هو ريحان قلب النبي

ثلاثا على الترب لا يقبر

تعادى عليه جموع ابن هند

بأسيافهم جهرة ينحر

بميلاده بشر المصطفى

وفي قتله حرب تستبشر

وما زال يؤلمه ان بكى

وكان بتسكيته يأمر

فكيف اذا ما رآه لقى

وفي الترب خديه قد عفروا

بنفسي الذي يستغيث العداة

ويدعو النصير فلا ينصر

٣٠

السيد محمد ابن السيد صالح بن ابراهيم بن زين العابدين الموسوي ، المعروف بصدر الدين العاملي والمشتهر بهذا اللقب. عالم كبير وشاعر أديب. ولد في قرية جبشيت ٢١ ذي القعدة الحرام ١١٩٣ وجاء مع ابيه للعراق عام ١١٩٧ فعنى بتربيته ، والذكاء طافح عليه فقد كتب حاشية القطر وعمره سبع سنوات كذا ذكر البحاثة الطهراني في ( الكرام البررة ). وذكره صاحب الحصون ج ٩ ص ٣٣٦ فقال :

كان فاضلا عالما فقيها اصوليا محدثا متكلما ، له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية حسن التقرير والتعبير ، اديبا شاعرا ، هاجر مع ابيه من جبل عامل في واقعة احمد باشا الجزار الى العراق وسكن النجف وتلمذ وتخرج على يد الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وصار صهره على ابنته ، ثم هاجر بعد موت استاذه الى أصفهان ومكث فيها برهة من الزمان ثم رجع الى النجف. وتوفي بالنجف ليلة الجمعة رابع عشر شهر المحرم سنة ١٢٦٣ ودفن في حجرة من حجر الصحن الشريف مما يلي الرأس يمين القبلة وخلف ثلاثة أولاد وعدة بنات وله جملة من المؤلفات منها كتاب كبير في الفقه ، وكتاب القسطاس المستقيم في الاصول ، وكتاب المستطرفات ، ومنظومة له في الرضاع ، وكتاب في النحو ورسالة في حجية الظن ورسالة في مسألة ذي الرأسين ، ورسالة في شرح مقبولة عمر بن حنظلة وله شعر كثير في العرفانيات ومدائح اهل البيت صلوات الله عليهم ومراثيهم فمن ذلك قوله في الامام امير المؤمنين :

٣١

علي بشطر صفات الاله

حبيت وفيك يدور الفلك

فلولا الغلو لكنت اقول

جميع صفات المهيمن لك

ولما أراد الآله المثال

لنفي المثيل له مثلك

فمن عالم الذر قبل الوجود

لقول بلى الله قد أهلك

وقد كنت علة خلق الورى

من الجن والانس حتى الملك

وعلمت جبريل رد الجواب

ولولاك في بحر قهر هلك

وذكره النقدي في ( الروض النضير ) فقال : كان من أعاظم علماء اواسط القرن الثالث عشر ، وكانت له الجامعية في علوم شتى والنصيب الوافر في الادب وله شعر لطيف ، وذكره الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ) نقلا عن ( التكملة ) للسيد الصدر فقال : كان من اعيان الفقهاء والمجتهدين تلميذ الشيخ الاكبر وصهره ، ووالده السيد صالح كان صهر الشيخ علي ابن الشيخ محي الدين بن علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، رزقه الله من بنت الشيخ علي ، صاحب الترجمة واخيه السيد محمد علي. وذكره الحجة كاشف الغطاء محمد الحسين فقال : كان السيد الصدر جامعا لجميع الكمالات خصوصا كمال الادب الذي هو من اللازمات ، وقد كانت له فيها القدم الراسخة والنخوة الشامخة والسليقة العربية والنكات العجمية ، ويدلك على حسن مشربه ولطيف مسلكه مستهل قصيدته.

يعارضني في الشعر من لا أعارضه

وما انا الا البحر فاضت فوائضه

ترجم له صاحب شعراء الغري وقال : له شعر كثير ولكنه تلف

٣٢

واليك قوله من قصيدته يمدح بها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب

جاءت تجوب البيد سيارة

تهوي هوي المرمل الصارخ

الى علي وزعيم العلى

يوم الوغى والعلم الشامخ

الى السراة الانجبين الاولى

أحصوا فنون الشرف الباذخ

أولى المزايا الغر أعباؤها

ينوء فيها قلم الناسخ

قد أيقنوا منه بجزل الخطى

ان عليا ليس بالراضخ

٣٣

السيد حيدر العطار

المتوفى ١٢٦٥

أميم ذريني والبكاء فانني

عن العيد واللبس الجديد بمعزل

أميم أقلي عن ملامك واتركي

مقالة لا تهلك أسى وتجمل

لان سرك العيد الذي فيه زينة

لبعض اناس من ثياب ومن حلي

فقد عاد لي العيد الحداد بعودة

ألا فاعذريني يا أميم أو اعذلي

يذكرني فعل ابن هند وحزبه

يزيد وقد أنسى الورى فعل هر قل

فكم قد أطلوا من دم بمحرم

وكم حللوا ما لم يكن بمحلل

ولم يقنعوا حتى أصابوا ابن فاطم

بسهم أصاب الدين فانقض من عل

وخر على حر الثرى متبتلا

الى ربه أفديه من متبتل

ومذ كان للايجاد في الخلق علة

بكته البرايا آخرا بعد أول

وخضبت السبع السموات وجهها

بقاني دم من نحره المتسلسل

وذا العالم العلوي زلزل اذا قضى

كما العالم السفلي أي تزلزل

بنفسي وبي ملقى ثلاثا على الثرى

تهب عليه من جنوب وشمال

أبى رأسه الا العلى فسما على

ذرى ذابل يسمو على هام يذبل

بنفسي أباة الضيم من آل هاشم

تؤم الوغى ما بين لدن وفيصل

٣٤

أداروا على قطب الفناء رحى القضا

فخاضوا المنايا أمثلا اثر أمثل

فبين طريح في الصعيد مجدل

وبين ذبيح بالدماء مزمل

ونادبة تدعو أبا الفضل تارة

وأخرى حسينا ندب ولهاء معول

أخي يا حسينا كنت غوثا وعصمة

كما كنت غيثا ثر في كل ممحل

أخي كنت للرواد أخصب مربع

كما كنت للوراد أعذب منهل

خليلي بيت الوحي شط حبيبه

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وما قد جرى في كربلاء قضية

وليس لها الا أبو حسن علي

السيد حيدر ابن السيد ابراهيم العطار الحسني آية من آيات الدهر ومفخرة من مفاخر العصر ، عالم محقق ، وفقيه بارع ، لسان الحكماء والمتكلمين وصفوة الفقهاء والاصوليين ، وهو على جانب عظيم من الورع والتقوى والزهد والعبادة ورسوخ الايمان وطهارة القلب.

خلف آثارا قيمة وكتب عنه الكثير وأثنى عليه العلماء أحسن الثناء ، وممن ذكره شيخنا المحقق الطهراني في كتابه ( سعداء النفوس ) فقال : كان سيدا عالما فقيها جليلا مرجعا للخاص والعام ، غيورا في ذات الله مناظرا مع المبدعين والمخالفين.

وهو أعلى الله مقامه جد الاسرة الحيدرية واليه تنتسب هذه السلالة العلوية ، ولد رحمه‌الله سنة ١٢٠٥ هـ وأقام في الكاظمية ردحا من الزمن ، ثم هاجر الى عاصمة العلم ـ النجف الاشرف ـ

٣٥

وتتلمذ على أعلام زمانه وجهابذة عصره حتى حصل على رتبة عالية ودرجة رفيعة في العلم والاجتهاد كما استفاد منه جملة من أعلام الفضل ، أما مؤلفاته فهي آية في التحقيق والتدقيق وكلها تنطق بعلمه وكماله نذكر منها ما يلي :

١ ـ البارقة الحيدرية في نقض ما أبرمته الكشفية.

٢ ـ العقائد الحيدرية في الحكمة النبوية.

٣ ـ المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية كتبه بخطه سنة ١٢٦٠ هجرية (١).

٤ ـ الصحيفة الحيدرية في الادعية والاسرار ، صنفها بطلب من محمد علي شاه القاجاري سلطان ايران.

٥ ـ النفخ القدسية في بعض المسائل الكلامية ، صنفها تلبية لطلب ( هولاكوا ميرزا ) حفيد فتح علي شاه القاجاري.

٦ ـ النفخة القدسية الثانية وهي في مباحث كلامية.

٧ ـ مجموعة في الحكم والنوادر.

٨ ـ رسالة في أصول الفقه.

٩ ـ كتاب في المنطق.

١٠ ـ حاشية على كتاب التحقيق في الفقه والاصول لعمه آية الله الكبرى السيد أحمد البغدادي الشهير بالعطار.

__________________

١ ـ مخطوط في حيازة الدكتور حسين محفوظ نسخة منه.

٣٦

١١ ـ تعليقه على منظومة في الرجال لعمه أيضا. وكل هذه المؤلفات مخطوطة وتوجد متفرقة عند ذريته.

١٢ ـ عمدة الزائر في الادعية والزيارات ، وقد طبع مرتين في النجف الاشف.

توفي أعلى الله مقامه سنة ١٢٦٥ هـ وقيل أنه أخبر بأجله قبل حلوله. ودفن في رواق الحرم الكاظمي الشريف وأعقب سبعة من الاولاد كلهم علماء صلحاء أبرار أتقياء. ومن شعره في الامام الحسين :

محرم لا أهلا بوجهك من شهر

ولا بوركت أيام عشرك في الدهر

لانت المشوم المستطير على الورى

خطوبا وراميهم بقاصمة الظهر

ولا سيما عاشور من عشرك الذي

به غرق الاسلام في لجة الكفر

غداة رجال الله آل محمد

تذوق الردى ظلما بحرب بني صخر

فان أنسى لا أنسى الحسين بكربلا

وحيدا وقد دارت به عصبة الغدر

فما شد نحو القوم ألا تطايروا

تطاير أفراخ البغاث من الصقر

فوافاه سهم خارق في فؤاده

فخر صريعا لليدين وللنحر

ولا عجب من مثل شمر اذا اجترى

على الله واستهزا بشأن أولي الامر

وميز رأسا ساد للعرب مفخرا

ولا سيما كعب بن مرة والنضر

وشال به فوق السنان مكبرا

وقد قتل التكبير من حيث لا يدري

عذيري من صخر بن حرب وحربهم

بني أحمد ما ذنب أحمد من صخر

٣٧

جزوه على اطلاقهم يوم فتحه

لمكة في أهليه بالقتل والاسر

عن السبي للنسوان يبكين حسرا

سوافر من فوق الجمال بلا ستر

ينادين يا جداه يا خير مرسل

أأنت عليم اننا اليوم في الاسر

لقد تركوا سبط النبي على الثرى

تريبا خضيبا شيبه بدم النحر

فذا رأسه فوق السنان كأنه

سنا البدر أو أبهى سناء من البدر

٣٨

السيد جعفر القزويني

المتوفى ١٢٦٥

قال يرثي الامام الحسين عليه‌السلام ويفتتحها بالنسيب :

ألما وان أصغى الغمام وألما

على طلل أقوى ونؤي تهدما

وعوجا على الرسم المحيل وأعربا

سؤالكما فيه وان كان أعجما

* * *

السيد جعفر بن الباقر بن احمد بن محمد الحسيني القزويني من مشاهير شعراء وأدباء عصره. ولد في النجف الاشرف ونشأ بها نشأة عالية وأخذ معلوماته عن مشاهير عصره وما اجتاز العقد الثاني حتى أصبح علما يشار اليه بالبنان ، ذكر صاحب الحصون ج ٢ / ٥٥٧ فقال : كان فاضلا كاملا أديبا لبيبا بليغا شاعرا ماهرا جوادا سخيا ذا همة عالية تخصص للنظم والمسلاجلات الادبية الى أن نبا به الدهر الخؤون وتراكمت عليه الديون فلم يسعه المكث في النجف ـ مسقط رأسه ـ فارتحل الى ( مسقط ) عاصمة عمان وكان معه عبده المسمى ( نصيب ) فأدركته منيته هناك فمات فيها سنة ١٢٦٥ هـ فحملت جنازته الى النجف مع

٣٩

عبده نصيب فدفن مع آبائه في مقبرتهم مقابل مقبرة آل الجواهر فرثاه فريق من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي بقصيدة مطلعها :

كذا يلج الموت غاب الاسود

وتدفن رضوى ببطن اللحود

وممن رثاه وأرخ وفاته الشيخ ابراهيم قفطان.

قال السيد الامين في الاعيان (١) رأينا في مجلة الحضارة نقلا عن بعض مجاميع الفاضل الشبيبي انه كان أديبا نابها من أدباء العراق رحل الى مسقط وتوفي هناك بعيدا عن وطنه ، ولرحلته قصة مثيرة وقد استوحاها كل من رثاه ثم ذكر أن من مراثيه قصيدة من بحر يسمى المحدث وانها رويت في بعض مجاميع النجف للشيخ ابراهيم قفطان وفي بعضها للشيخ محسن آل الشيخ خضر ، وهذا ما وجد منها :

صوبت وصعدت النظرا

في الدار فلم أعرف أثرا

ولمية أطلال درست

أمست عبرا لمن اعتبرا

أبكي وأناشدها عمن

نالوا دهرا منها وطرا

يا دار قطينك أين سرى

فتجيب قطينك أين سرى

خشعت للبين فلست ترى

الا الارزاء بها زمرا

فعلمت بأن مؤملها

ألوى وتحققت الخبرا

يا مرتحلا عني ولكم

وهيت قوى وفصمت عرى

ومدير الطرف الى أهليه

وليس يرى منهم أثرا

يا مسعر دائي من داوى

داء في أحشاك استعرا

__________________

١ ـ ج ١٨ / ٤٤٣.

٤٠