أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

الشيخ علي الناصر

المتوفى ١٣٠٠

هو الشيخ علي بن ناصر بن حسن بن صالح بن فليح بن حسن بن الحاج كنيهر السلومي المتولد في كربلاء سنة ١٢٥٠ هـ والمتوفى بها سنة ١٣٠٠ هـ درس مبادئ العلوم العربية وولع بالشعر ، ترجم له صاحب الاعيان وذكره العلامة السماوي في منظومته المسماة بـ ( مجالي اللطف بأرض الطف ) فقال :

وكالفتى علي بن الناصر

والشاعر الساكن أرض الحائر

فكم له في السبط من قصيدة

منوطة بفضله فريده

وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) بقوله : وديوان الاعور الحائري هو الشيخ علي بن ناصر الشهير بالاعور المتوفى حدود ١٣٠٠ يقرب من ألفي بيت في مواضيع شتى ، مدح السيد احمد الرشتى ورثاه بجملة قصائد أشار الى بعضها صديقنا الاديب سلمان الطعمة ، وذكر له قصيدة عن شهداء كربلاء وموقفهم يوم العاشر من المحرم أولها :

وكم من أبي من سراة محمد

أسيرا سرى من فوق أعجف عاريا

٢٨١

الشيخ محسن الخضري

المتوفى ١٣٠٢

من شعره في الحسين (ع) :

ملكتم بني سفيان في الارض أشهرا

فأبكيتم عين الفواطم أعصرا

أفخرا على قوم أبوه استرقكم

لدى الروع اذ كنتم اذل وأحقرا

فأطلق عفوا والطليق أبوكم

فأهون به اذ ذاك عبدا تحررا

تعدون أقصى الفخر فخر أبيكم

فهلا عددتم يوم صفين مفخرا

وهلا استطالت يوم بدر رماحكم

قصرن ويوم الفتح قد كن أقصرا

فيا لشهيد مثلت فيه هندكم

فجاءت بمالا تعرف الناس منكرا

بغيض رسول الله اذ هي نظمت

قلادتها أنفا وشنفا وبنصرا (١)

وما مر في الايام أغيظ موقف

كموقفه اذ ساءه ذاك منظرا

سننتم بني صخر بن حرب قطيعة

لها كاد صم الصخر أن يتفطرا

فما كان منكم عتبة ووليده

كحمزتهم لا في قراع ولا قرى

لان شمخت بالطف عوج انوفكم

فبا لجدع قد كانت أحق وأجدرا

فقل لابن هند حين ثوب شامتا

بأهليه ان كانوا أعق وأكفرا

أفخرا بيوم الطف اذ هم عصابة

حشدتم عليها ما خلا الجن عسكرا

__________________

١ ـ الشنف : ما يعلق في الاذن. والبنصر ، بكسر الباء والصاد : الاصبع بين الوسطى والخنصر. يشير الى تمثيل هند بنت عتبة بجسد الحمزة عم النبي

٢٨٢

سلوا ذلك الجيش اللهام تشله

ميامين يتلونا الكتاب المطهرا (١)

يشلونه ضربا وطعنا وصرخة

تذكرهم في يوم صفين حيدرا

فما نازلوهم في الكفاح وانما

يسيلون جري السيل عدوا اذا جرى

فمنها الذي جلى على ( ابن حوية )

بزبرته عن ساعديه مشمرا (٢)

فما كلت الهيجاء الا أعادها

أغر اذا ما استقبل الجيش غبرا

اذا اقتحم الصف المقدم لفه

بآخر من خلف الصفوف تأخرا

ويطعن وخزا في الصدور بأسمر

من الخط يمحو للكتيبة أسطرا

وصاح بهم والموت أهون صيحة

فخيل مليك الرعد في الجوز مجرا

وخاض غمار العلقمي جواده

يهلل تصهالا وجبريل كبرا

فروى وما أروى غليل فؤاده

فهل كان طعم الماء في فيه ممقرا

وجاء بها مملوءة يستلذها

ويطوي حشى من مائها لن تقطرا

أبا الفضل قبل الفضل أنت وبعده

اليك تسامى الفضل عزا ومفخرا

فواسيت طعانا أباك وصابرا

أخاك ومقطوع الذراعين جعفرا

وزدت عليه اليوم فرقا يشقه

عمود حديد ظل يرديك للثرى

فلا قام للهيجاء سوق حفيظة

تباع بها نفس الكريم وتشترى

* * *

الشيخ محسن الخضري هو ابن الشيخ محمد الخضري المولود سنة ١٢٤٥ والمتوفى سنة ١٣٠٢ هـ ينتهي نسبه الى مالك الاشتر والجناجي الاصل ، النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن. عالما فاضلا كاملا أديبا لبيبا سريع البديهة في نظم الشعر ، درس

__________________

١ ـ تشله : تطرده.

٢ ـ ابن حوية أحد القواد عند ابن زياد والموكل اليه أمر شريعة الماء.

٢٨٣

على الشيخ مهدي كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري والسيد الشيرازي والسيد ميرزا محمد حسن. كتب عنه الدكتور مهدي البصير وانه نظم الشعر وهو ابن اثني عشر عاما ، ومن هنا يتبين انه رجل كلام وفقه علاوة على انه رجل أدب ، وهذا ديوانه المطبوع بجهود ابن أخيه الاستاذ الشيخ عبد الغني الخضري يجمع الغزل والوصف والرثاء والمديح وغيرها وفيه قصائد عامرة في أهل البيت عليهم‌السلام ، وخصوصا في يوم الحسين سبط رسول الله وجهاده بكربلاء ، فواحدة يقول في أولها :

على المازمين حبست الركابا

مذيلا من العين قلبا مذابا

وما أنا ممن شجته الديار

اذا الذاريات كستها الثيابا

بلى ذللت أدمعي نكبة

بها اشتعل الرأس شيبا فشابا

غداة طغى في عراص الطفوف

دم أوجس الكون منه انقلابا

دم حرمت سفكه الصابئون

ولكن أباحته حرب الحرابا

بيوم تألبت الصافنات

تقل الى الروع أسدا غضابا

اذا انبعثت يسبكر القتام

فتنسج للشمس منها نقابا (١)

وفي أخرى أولها :

آلت تهامة أن تجوس خلالها

فحمت عليك سهولها وجبالها

ويأتي الى شهداء الطف فيقول :

متربصين تلاع كل ثنية

كالأسد ترصد في الشرى أشبالها

متسربلين على الحديد بأنفس

أوحى لها الرحمن ما أوحى لها

زهر كأمثال الكواكب في الوغى

مستنهضين زهيرها وهلالها

__________________

١ ـ يسبكر : يطول ويمتد.

٢٨٤

الشيخ علي سبيتي

المتوفى ١٣٠٣

قال يذكر أبا الفضل العباس بن علي عليهما‌السلام :

ضمائر فيها البين والهم نافث

تهيجها للحادثات حوادث

وقائع في أثنا وقائع لا يعي

لها غابر حتى يوافيه حادث

وأعظمها وقعا لذي اللب في الحشى

اذا ضاع موروث وأعوز وارث

سأرمي بها دوا يضح فجاجه

ولم يمش فيه للسحاب نوافث

اليك أبا الفضل الرضا زمت العلا

حدائجها والامر للامر كارث

أأنساك يوم الطف والخيل تدعي

فينحط عريد ويرعد لاهث

صليت لظاها دونك الشوس تدعي

بأيامها والخطب للخطب عائث

ويوم دعتك الهاشميات والحشى

تلاعب فيه نافخ الحر عابث

ونادى مناديها هل اليوم فارس

عصته العوالي والسيوف النوافث

وكل جسور يولد الموت صوته

اذا صاح لبته المنايا الغوارث

فأخمدت من هيجائها كل مرجل

يقر لك الجمعان انك حارث

ورثت من القوم الذين وصاتهم

اذا أمحل العامان غوث وغائث

ترى حلمهم تحت الظبا غير طائش

وخطوهم بين القنا متماكث

* * *

الشيخ علي السبيتي هو ابن الشيخ محمد بن احمد بن ابراهيم ابن علي بن يوسف العاملي الكفراوي. والكفراوي نسبة الى كفري بفتح الكاف وسكون الفاء بعدها راء مهملة مقصورة ـ من قرى جبل عامل وعمل صور.

٢٨٥

ولد في كفرى في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ١٢٣٦ وتوفي بها ليلة الجمعة مستهل رجب سنة ١٣٠٣ ، عالم فاضل ثقة ثبت صالح زاهد ، نحوي بياني لغوي ، شاعر كاتب مؤرخ ، مصارح بالحق غير مداهن. قال السيد الامين في الاعيان ج ٤٢ / ١٩ رأيناه فشاهدنا فيه الزهد والتقوى والصلاح والمجاهرة بالحق وكان حسن النادرة ظريف المعاشرة ، قرأ على علماء جبل عامل وكان مشهورا بعلم اللغة والبيان والنحو والتاريخ. ذكره صاحب جواهر الحكم فقال :

كان شيخا ورعا تقيا بارا صدوقا يحب الخير ويفعله الى آخر ما قال. له من المؤلفات ( الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الاسعد ). يحتوي على كثير من تاريخ جبل عامل وترجمة جملة من علمائه المتأخرين ، سمعنا به ولم نره ، وكتاب شرح ميمية أبي فراس ، ورسالة في رد فتوى الشيخ نوح الذي حلل فيها دماء الشيعة وأموالهم ، وكتاب الكنوز في النحو لم يتم واليواقيت في البيان ، وكتاب الرد على البطريرك مكسيموس ، ورسالة في الرد على رسالة أبي حيان التوحيدي رواها أبو حامد أحمد بن بشر المروزي عنه كما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج فرغ منها سنة ١٢٧٣ بقرية كفرى ، ورسالة في فضل أمير المؤمنين (ع) الى غير ذلك من الرسائل ، قال صاحب جواهر الحكم : والجميع نسجت العناكب عليها

أقول وروى السيد له جملة من شعره في الفخر والحماسة وفي مناسبات كانت في زمانه ، وقال من قصيدة :

رعى الله أيامنا بالنقى

وليلتنا يوم ذات الاثل

ليالي تحمد ظلماؤها

ويشكر فيها المساء الاصل

ليالي بيض بوصل الحسان

ويومي رطيب بظل أظل

٢٨٦

السيد الكاظم الأمين

المتوفى ١٣٠٣

السيد كاظم الامين بن السيد احمد بن السيد محمد الامين ابن السيد أبي الحسن موسى ولد سنة ١٢٣١ وتوفي في بغداد في ٢٧ ربيع الثاني سنة ١٣٠٣ ونقل الى النجف الاشرف ودفن في حجرة آل كبة في الصحن الشريف قرب باب الطوسي ، كان عالما فاضلا حافظا متقنا مؤرخا واحد زمانه في الاحاطة والضبط وحفظ التواريخ والآثار ودقائق العربية وكان شاعرا مطبوعا منشأ بليغا وواعظا زاهدا عابدا ، هاجر من جبل عامل الى النجف الاشرف لطلب العلم في حياة والده السيد احمد وكان عمره قريب خمس عشرة سنة مع ابن عمه السيد محسن بن السيد علي بن السيد محمد أمين. وقرأ على الفقيه الشيخ مشكور الحولاوي وتزوج ابنته وبقي مكبا على طلب العلم حتى فاق أقرانه بعلوم كثيرة منها اللغة والتاريخ ، وترك بخطه من فرائد التفسير واللغة والتأريخ ودقائقها شيئا كثيرا وجل شعره في المواعظ والنصائح والآداب والحكم والمراسلات ، ذكر أكثر شعره صاحب الاعيان. ومن شعره ـ وهو يشكو من الزمان ويذكر مصائب أهل البيت عليهم‌السلام ـ ومصيبة الحسين خاصة وقد أرسلها الى ابن عمه السيد محمد الامين :

لعمرك ما للدهر عهد ولا أمن

ولا ذو حجى حر به عيشه يهنو

٢٨٧

وهل من أمان للزمان ووده

وأحداثه في كل يوم لها لون

وكيف يطيب العيش فيها الذي نهى

ترحل عنه الاب والأم والابن

وان امرءا أصلاه ماتا ، وفرعه

لميت وان لم يعله الترب واللبن

وهل بعد عد المرء خمسين حجة

من العمر في الدنيا يروق له حسن

وبعد اشتعال الرأس بالشيب ينبغي

بلوغ المنى والعظم قد نابه وهن

فهب انك ناهزت الثمانين سالما

فهل انت الا في تضاعيفها شن

وان نازعتك النفس يوما لشهوة

فقل وهت الاحشاء واستوهن المتن

أتأمل في الدنيا القرار سفاهة

وقد أزف الترحال واقترب الظعن

وأنا بني حواء أغصان روضة

اذا ما ذوى غصن ذوى بعده غصن

وهل نحن الا كالاضاحي تتابعت

أو البدن ما تدري متى يومها البدن

نراع اذا ما طالعتنا جنازة

ونلهو اذا ولت وما جاءنا أمن

كثلة ضأن راعها الذئب رتعا

فلما مضى عادت لمرتعها الضأن

نروح ونغدو في شعوب من المنى

وعين شعوب نحونا أبدا ترنو(١)

نحوم على الدنيا ونبصر بطشها

ونعشو عن الاخرى وهذا هو الغبن

وأعجب شيء وهي ألئم جارة

غدا كل حر وهو عبد لها قن

ولو أننا نخشى المعاد حقيقة

لما اعتادنا غمض ولا ضمنا ركن

ولكننا عن مطلب الخير في عمى

تحول بنا عن نيله ظلل دجن

لنا الوهن والاغفال في طلب التقى

وفي طلب الدنيا لنا الحزم والذهن

وتخدعنا الدنيا ونعلم أنها

بغي لها في كل آونة خدن

ونهوى بها طول المقام جهالة

على أنها في عين أهل النهى سجن

وانا بها كالضعن عرس ليلة

بقفر فلما أسفرت سافر الظعن

وهيهات لا يبقى جواد مؤمل

ولا بطل يخشى بوادره قرن

ولا سوقه من سائق الموت هارب

ولا ملك يوقيه جيش ولا خزن

__________________

١ ـ شعوب : ضروب والثانية اسم للموت.

٢٨٨

فأين أنو شروان كسرى وقيصر

ومن طوف الدنيا وقامت به المدن

تبين بذي القرنين كم قبله انطوت

قرون وكم من بعده قد مضى قرن

وأين الذين استخلفوا من أمية

ودوخت الدنيا جيوشهم الرعن

وأين بنو العباس تلك ديارهم

بلاقع بالزوراء أرسى بها الدمن

وفي التاج منها عبرة وعجيبة

غداة اليه قوض الابيض الجون

فأحكم أس التاج من شرفاته

وأعلاه من أدناه فأعجب لصما افتنوا

عفا وكأن لم يصطبح فيه مترف

يرنحه من صوت عذب اللمى لحن

وهارون من قصر السلام رمى به ا

لحمام الى أقصى خراسان والبين

وتلك بسامرا مواطنهم غدت

يبابا مغانيها لوحش الفلا وطن

فآكامها للعفر والعصم موئل

وللبوم والغربان آطامها وكن

تخطى اليهم في معاقل عزهم

رسول بأشخاص النفوس له الاذن

فذا هادم اللذات لا تنس ذكره

والا تكن من لا يقام له وزن

منغص شهوات الانام فكم به

قد انطرفت عين وسكت به اذن

فلا يأمن الدنيا امروء فهي أيم

وفي البيض من أنيابها السم مكتن

وما هي الا لجة فلتكن بها

لك الباقيات الصالحات هي السفن

فقصر فما طول الدعاء بنافع

معاشر لا تصغي لداع ولا تدنو

تعودت السوءى وما المرء تاركا

عوائده حتى يواريه الدفن

فكم عظة مرت ولم ننتفع بها

وفي وعظ من لا يرعوي تخرس اللسن

ومن لم يرعه لبه وحياؤه

فليس بموروع وان علت السن

ولله في بعض العباد عناية

فجانبه هين لصاحبه لين

صروف الليالي لا تكدر وده

ولا وجوده يوما يكدره من

حميد السجايا لا يشاكس قومه

ولا هو للساعي اليه بهم اذن

اخو كرم يولي الجميل صديقه

وفي نفسه ان الصديق له المن

٢٨٩

لعمر أبي والناس شتى طباعهم

فمنهن زين والكثير لهم شين

ومن عجب فرخا نقاب الى أب

وأم وفي الاخلاق بينهما بون

وكم من بعيد وده لك صادق

قريب ودان وده شاحط مين

ورب أخ أولاك دهرا صفاءه

فطابت به نفس وقرت به عين

جرى طلقا حتى اذا قيل سابق

تداركه عرق وليس به اين (١)

فبات على رغم المكارم والعلى

يغض على الاقذاء من عينه جفن

ويزعم ان السيل قد بلغ الزبى

لذاك وان قد ثل من عرشه ركن

فيا نائيا والرحل منه قريبة

وذا شرف في القوم أخلاقه خشن

أمثل شقيق المرء يسلى اخاؤه

لك الخير لولا رغبة النفس والضن

ومثل عميد القوم ينسى ظهيره

على المجد وهو الناقد الجهبذ القرن

ويجهل مسعى من أغذ مهاجرا

الى بلد في جوه العلم واليمن

وأشرف دار جنة الخلد صحنها الـ

ـمقدس والفردوس ما ضمه الصحن

ضريح ثوى فيه الوصي ، وآدم

ضجيع له والشيخ نوح له ضمن (٢)

وثم ضريح للشهيد بكربلا

ثراه شفاء للورى ولهم أمن

ومشهد موسى والجواد محمد

تنال به الحاجات والنائل الهتن

وللسادة الهادين في سر من رأى

معاهد يستسقى بمن حلها المزن

حضائر قدس جارها في كرامة

من الله ترعاه العناية والصون

أقام بها والصبر ملء اهابه

يقدمه فن ويعلو به فن

ألست ترى يا ابن الاكارم انما

يزينك بين القوم فهو لنا زين

__________________

١ ـ اعياء وتعب.

٢ ـ في التأريخ ان الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين دفن بالنجف الى جنب النبي آدم والنبي نوح ، وفي الزيارة : السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وعلى جاريك هود وصالح.

٢٩٠

وقد كان لي لو شئت أفسح منزل

بلبنان يثرى بالعقار وما أقنو

لدى معشر تعزى المرؤة والندى

اليهم فمن كعب بن مامة أو معن

وان ضام عاد جارهم غضبوا له

حفاظا وهبوا للنضال ولم يثنوا

من القوم اخدان الوفا لذوي الولا

وحتف العدى ان قيل يوم الوغى ادنوا

يخوضون تتيار المنايا بأنفس

لديها مثار النقع ان غضبت هين

فان ضربوا قدوا وان طعنوا أتوا

بفوها فيها يذهب الزيت والقطن

ولكنني وجهت وجهي الى التي

يشد الى أمثالها الماجد الفطن

ولم أختش الاعسار والله واسع

غناه ولا الحرمان والله لي عون

فيا علما يرجى لكل كريمة

وذا عزمة والوهم يثنيه والظن

نشدتك انظر سفح لبنان راجيا

عطاء مليك كل يوم له شأن

فكم من بيوت للعلى رفعت به

على العلم والاقوام كالعلم لم يجنوا

له مورد عذب المذاقة سائغ

فمشربه للناس مزدحم لزن

وبيتك بيت المجدو العلم والتقى

أحل به منك التهاون والوهن

اما انبعثت من قلبك الشهم نخوة

اليه أما تهفو عليه اما تحنو

على أهل ذاك البيت فليفدح الأسى

وتنهل من عين العلى أدمع هتن

كرام الى غير المكارم ما ثنوا

يدا والى غير الفضائل ما حنوا

سقى الله أرواحا لهم زانها التقى

فراحت وفي أعلى الجنان لهم عدن

وياواحد السادات مجدا وفرع من

له العلم يعزى والرياسة واللسن

وخير ابن عم لا فقدت اعتناءه

كما أنني معنى به واثق طمن

شهدت لان وافاك نعي مهذب

صحيح الهوى ما في دخيلته ضغن

حريص على عز العشيرة كاره

لها الذل أو يودي به الضرب والطعن

٢٩١

قرعت عليه السن منك ندامة

أجل وعلى أمثاله يقرع السن

واشهد ربي ان قولي نصيحة

وما فيه من شيء سوى النصح يعتن

وذلك حق في أخ أو قرابة

علي اذا الوى به خلق خشن

وقد علم الاقوام أني لشانئ

لمن شأنه الازراء في الناس والطعن

على أنني والله لست مبرئا

لامارة بالسوء لي كسبها غبن

لقد وقفت بي من ذنوبي على شفا

فعيني على ما نابني دمعها سخن

فغفرانك اللهم ذنب مقصر

بخدمه من غر الجباه له تعنو

فأسألك الرضوان ربي ونظرة

لرضوان فيها يذهب الغم والحزن

بأسمائك الحسنى أجب وعصابة

بهم قامت الاشياء وانتظم الكون

نبي الهدى والغر من أهل بيته

حمى المتوالي في الاراجيف والحصن

وأعلام حق لو تنور ضوءها

جميع الورى ما ضلت الانس والجن

ولو بذراها لاذت الشمس لم تشن

بخسف ولاوارى سناها ضحى مزن

فأين رسول الله عن أهل بيته

يهجنهم بين الملا معشر هجن

ويعدو عليهم من أمية جحفل

به غص من ذاك الفضا السهل والحزن

وتغدو بأرض الطف ثكلى نساؤهم

وقد هتكت عنها البراقع والسدن

فمن حرة عبرى تلوذ بمثلها

وحسرى تقي عن وجهها اليد والردن

قضوا عطشا بالطف والماء حولهم

الى ورده اكباد صبيتهم ترنو

حمتها العدى ورد الشريعة ويلهم

اما فيهم من بالشريعة مستن

يسومونهم قتلا وأسرا كأنما

لهم بات ثار عند أحمد أو دين

تداعوا لهم في كربلاء وجعجعوا

بهم في العرا بغيا ليملكهم قين

هنالك ألفوا ليث غاب تحوطه

ليوث شرى غاباتها الاسل اللدن

٢٩٢

تشد فينثالون عنها طريدة

وأسد الشرى تشقى بشداتها الاتن

فشبت لهم بالطف نار لدى الضحى

يجلل وجه الافق من نقعها دجن

على حين ما للمرء مرأى ومسمع

من النقع الا البيض تلمع والردن

وحيث فراخ الهام طارت بها الظبا

وظلت سواني نينوى من دم تسنو

وراحت حماة الدين تصطلم العدى

ولم يبرحوا حتى قضى الله أن يفنوا

ولم يبق الا السبط في حومة الوغى

ولا عون الا السيف والذابل اللدن

وأضرمها بالسيف نارا وقودها

جسوم الاعادي والقتام لها عثن (١)

اذا كر فروا مجفلين كأنهم

قطأ راعها باز شديد القوى شثن

فكم بطل منهم براه بضربة

على النحر أو حيث الحيازم والحضن

وكم أورد الخطي فيهم فعله

بجائفة (٢) حيث الجناجن والضبن

قضى وطرا منهم ومذا برم القضا

مضى لم يشن علياه وهن ولا جبن

أرد يدا مني اذا ما ذكرتهم

على كبد حرى وقلب به شجن

اطائب يستسقى الحيا لوجوههم

لعمري وتنهل العيون اذا عنوا

عليهم سلام ما مر ذكرهم

وأحسن في اطرائهم بارع لسن

__________________

١ ـ هو الدخان.

٢ ـ الطعنة الواصلة الى الجوف.

٢٩٣

الحاج يوشع البحارنة

المتوفى ١٣٠٣

الحاج يوشع بن حسين البحارنة كان من الاتقياء والاخيار والتجار المرموقين والمشهورين بالورع. وآل البحارنة أسرة كريمة عريقة في الحسب ويوجد اليوم منهم في القطيف والبحرين أفراد لهم مكانتهم المحترمة ، والمترجم له هو عقد القلادة ، ترجم له الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وقال : كانت وفاته سنة ١٣٠٣ هـ وذكر له قصيدة مطولة في رثاء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه ومطلعها :

زارت بليل على جنح من السحر

فأرج الربع منها نفحة العطر

وبعد التغزل على عادة الشعراء يتخلص للحسين (ع) فيقول :

يوم الحسين الذي أبكى السماء دما

والارض حزنا وعين الشمس والقمر

ويختمها بقوله :

سمعا ليوشع مولاكم مهذبة

يحلو على جيدها عقد من الدرر

ألبستها حلة من مدحكم فغدت

تختال حسنا ، وقد جاءت على قدر

سميتها الحرة العذرا وقلت لها

ألا اكمدي أنفس الحساد وافتخري

صلى الاله عليكم ما سرى فلك

أو سارت العيس في الابكار والسحر

أو عاقب الليل صبح يستضاء به

وما تغرد قمري على شجر

٢٩٤

الشيخ عبد الرضا الخطي

الشيخ عبدالرضا ابن الشيخ حسن الخطى

من شعراء القرن الثالث عشر

أمنزل الشوق جادت ربعك السحب

وحل رسمك طل ساقط صبب

وناشر فيك للازهار أردية

تهدى السرور وللاحزان تستلب

وزار تربك معتل النسيم سرى

للمسك والعنبر الفياح يصطحب

ما عن ذكرك الا حن لي كبد

مروع ونبار الوجد ملتهب

ولا مررت بقلبي خاطرا أبدا

الا انثنى دمع عيني وهو منسكب

يا منزلا لم أزل أشتاق أربعه

وما له الشوق لو لا الخرد العرب

لولا ظباك لما أصبحت ذا شغف

متيم القلب مضنى شفه الوصب

ضعائن ان سرت حاطت هوادجها

من المغاوير أساد اذا وثبوا

القاطنون بقلبي أينما قطنوا

والذاهبون بصبري أين ما ذهبوا

ما أنصفوا الكمد المضنى ببينهم

ولا رعوا من ذمام الصب ما يجب

أغروا به نائبات الدهر وارتحلوا

وجرعوه ذعاف الهجر واغتربوا

حسب النوائب مني أنني دنف

ضئيل جسم عن الابصار محتجب

أعاتب الدهر لو رقت جوانبه

لعاتب قد براه الوجد والنصب

أين الزمان واسعاف المحب بما

يهوى وكيف ترجى عنده الارب

والدهر حرب لأهل الفضل ما برحت

صروفه تنتحيهم أين ما ذهبوا

أخنى على عترة الهادي ففرقهم

فأصبح الدين يبكيهم وينتحب

آل النبي هداة الخلق من ضربوا

في مفرق المجد بيتا دونه الشهب

٢٩٥

جنب الاله وباب الله والحجج

الهادون أشرف من سارت بها النجب

سحب الندا وربوع الجود ممحلة

أسد الشرى ولظى الهيجاء تلتهب

الوافدون لبيت الله من وفدوا

والضاربون بسيف الله من ضربوا

ما فارقوا الحق في حال وان غضبوا

كأنما مرة في فيهم الضرب

يرون من قربوا مثل الاولى بعدوا

عنهم ومن بعدوا مثل الاولى قربوا

لا ينزل الضيم أرضا ينزلون بها

ولا تمر بها الادناس والريب

يأبى لهم عن ورود الذل ان ظمئوا

أنف حمي وبأس شأنه الغلب

سفن النجا وبحور الغي مترعة

نور الهدى وظلام الجهل منتصب

متوجون بتاج العز ان ذكروا

سمت باسماهم الاعواد والخطب

جلوا فجل مصاب حل ساحتهم

تأتي الكرام على مقدارها النوب

أغرى الضلال بهم أبناه فانتهبوا

جسومهم بحدود البيض واستلبوا

غالوا الوصي وسموا المجتبى حسنا

وأدركوا من حسين ثار ما طلبوا

يوم ابن حيدر والابطال عابسة

والشمس من عثير الهيجاء تنتقب

والسمر من طرب تهتز مائسة

والبيض من قمم الاقران تختضب

رامت امية ان تقتاد ذا لبد

منه وتحجب بدرا ليس يحتجب

فانصاع كالضيغم الكرار مبتدرا

بصولة ريع منها الجحفل اللجب

أغر مكتسب للحمد ذو شيم

بالمجد متزر بالفخر محتقب

يلقي الكماة بثغر باسم فرحا

كأنهم لندى كفيه قد طلبوا

يقري الصوارم أشلاء العدى ويرى

سقي الرماح دماها بعض ما يجب

وافته داعية الرحمن مسرعة

فخر وهو يطيل الشكر محتسب

نفسي الفداء له والسمر واردة

من صدره والمواضي منه تختضب

مضرج الجسم ما بلت له غلل

حتى قضى وهو ظمآن الحشى سغب

دامي الجبين تريب الخد منعفر

على الثرى ودم الاوداج ينسكب

مغسل بنجيع الطعن كفنه

ذاري الرياح ووارته القنا السلب

قضى كريما نقي الثوب من دنس

يزينه كل ما يأتي ويجتنب

٢٩٦

يا قائدا جمع الاقدار طوع يد

كيف استقادك منها جامع درب

لئن رمتك صروف الدهر عن احن

وقارعتك مواضيه فلا عجب

كنت المجير لمن عادى فحق له

ان يطلب الثار لما أمكن الطلب

يا مخرس الموت ان سمتك نادبة

من النوادب كيف اغتالك الشجب

ياصارما فل ضرب الهمام مضربه

ولا تعاب اذا ما ثلت القضب

ان كورت منك كف الشرك شمس ضحى

فما على الشمس نقص حين تحتجب

لو تعلم البيض من أردت مضاربها

نبت وفل شباها الروع والرهب

ولو درت عاديات الخيل من وطأت

أشلاءه لاعتراها العقر والنقب

ما كنت أحسب والاقدار غالبة

بأن شمل الهدى الملتام ينشعب

ولا عهدت الثرى تطوي بحور ندى

ما حل ساحتها غور ولا نضب

بنو امية لا نامت عيونكم

ولا تجنبها الاقذاء والصبب

أبكيتموا جفن خير المرسلين دما

لكي يطيب لكلب منكم الطرب

لم يكفكم قتلكم سبط النبي ظما

عن سبي نسوته كالزنج تجتلب

راموا بمقتله قتل الهدى فجنوا

عارا تجدده الاعوام والحقب

لله أي دم للمصطفى سفكوا

وأي نفس زكت للمرتضى اغتصبوا

وكم عفيفة ذيل للبتول سرت

بها أضالع لم يشدد لها قتب

تطوي على جمرات الوجد أضلعها

وقد أضر بها الاظماء والسغب

حسرى مسلبة الاستار تسترها

من العفاف برود حين تستلب

لئن تشفى بنو حرب بما صنعوا

وأدركوا ما تمنوا بالذي ارتكبوا

فسوف يصلون نارا كلما نضجت

منها جلودهم عادت لهم اهب

يا أقمرا بعراص الطف آفلة

أضحت برغم العلى قد ضمها الترب

سقاك من صلوات الله منسجم

يروى صداك مدى الازمان منسكب

٢٩٧

لا زال لي كبد تطوى على كمد

حزنا عليك ودمع سائل سرب

ومقول بنظيم الدر منتثر

مزر بما ابتكر المداح واجتلبوا

يقول شعري لمن يبغي مطاولتي

لقد حكيت ولكن فاتك الشنب

صلى الاله عليكم حيث ذكركم

باق تزان به الآيات والكتب

قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) : رأيت للشيخ عبدالرضا الخطى في بعض المجاميع عدة قصائد في رثاء الحسين وأهل بيته ، أقول ورأيت له قصيدة في الحسين عليه‌السلام بمكتبة دار الآثار ببغداد في مخطوط رقم ٩١٠٩ وأول القصيدة :

سقى أربعاً أقفرن من جيرة بانوا

أجش هطول الودق أو طف هتان

تحتوي على ٦٠ بيتا.

٢٩٨

الشيخ راضي الظالمي

القرن الثالث عشر

هو ابن الشيخ حمود من أفاضل أهل العلم يسكن في قرية الديوانية القديمة ، وأبوه الشيخ حمود من رجال العلم والدين سكن النجف ، وهو ابن الشيخ اسماعيل بن درويش ينتمي لـ ( بني سلامة ) القبيلة العربية المشهورة في العراق ، وانما لقب بالظالمي لخؤله ومصاهرة بين أسرته واسرة آل الظالمي الذين هم من عشيرة الظوالم.

وللشيخ راضي شعر في بعض المناسبات منه قصيدة في الحسين (ع) أولها :

وما شفنى الا تشفى أمية

بقتل ابن بنت المصطفى وصفاياه

وفي النجف اليوم عدد من عقب الشيخ راضي ، أما أبوه الشيخ حمود السلامي الظالمي النجفي المتوفى بعد ١٢٢٨ هـ فقد ترجم له بعض الباحثين منهم الشيخ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة وقال : رأيت من شعره في بعض المجاميع النجفية قصيدة في رثاء الوحيد البهبهاني المتوفى ١٢٠٥ وذكر له الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس‌سره في ( العبقات العنبرية ) قصيدة في رثاء الشيخ الكبير جعفر بن خضر الجناجي المتوفى ١٢٢٨ هـ.

٢٩٩

الشيخ عبد الله المشهدي

القرن الثالث عشر

قال في مطلع قصيدة في الامام الشهيد عليه‌السلام :

دعني فما لاح السرور بخاطري

كلا ولا ألف السهاد بناظري

كيف التصبر والحسين بكربلا

فتكت به عصب الدعي الكافر

وهو الامام أبو الأئمة أشرف

الثقلين سبط للنبي الطاهر

بحر الندى علم الهدى مردي العدى

بالسمهرية والحسام الباتر

وقال في أخرى في الامام عليه‌السلام :

دع العيد واذكر ما جرى بمحرم

فما أسفي من بعده بمحرم

غداة حسين الطهر أضحى بكربلا

وعترته من كل شهم وضيغم

ألا بأبي ذاك الطريد عن الحمى

بأسرته في السهل والحزن يرتمي

الشيخ عبدالله بن علي بن حسين بن علي بن مشهد بن محمد ابن مكتوم المعروف بالمشهدي. وآل مشهد قبيلة من القبائل العريقة في عروبتها ومنهم اليوم في القطيف رجال لهم المكانة ومسقط رأسهم قرية ( عنك ) المشهورة بتاريخها القديم ، وشاعرنا هو أحد أعلام هذه القرية وله ديوان مخطوط. قال توفي الشيخ عبد الله على التقريب في أوائل القرن الثالث عشر ، وديوانه كله في المراثي.

٣٠٠