أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٧

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٨

الشيخ حمادي الكواز

المتوفى ١٢٨٣

أدهاك ما بي عندما رحلوا

فأزال رسمك أيها الطلل

أم أنت يوم عواذلي جهلوا

شوقي علمت فراعك العذل

لا بل أراك دهتك عاصفة

أبلت قشيبك بعدما احتملوا

لو كنت تنطق أيها الطلل

ربما اشتفى بك واله يسل

وكأنما ورباك ناحلة

مني نحول الجسم تنتحل

فتعير قلبي منك نار جوى

أنبته كيف النار تشتعل

ومن العجائب أن لي ديما

تروي صداك وعندي الغلل

علمت أجفاني البكاء فعلمـ

ـن السحائب كيف تنهمل

ساق الهوى وحنيني الزجل

مطرا اليك سحابه المقل

ومن الأحبة أن تكن عطلا

ما أنت من عشافهم عطل

ومؤنب ظن الغرام به

لعبا فجد وجده هزل

وأتى يروم بي العزاء وقد

رحل العزا عني مذ ارتحلوا

ومن الجوى لم تبق باقية

في الخطوب لمعشر عذلوا

مهلا هذيم فليس لي أبدا

صبر يصاحبني ولا مهل

قتل الاسى صبري بمعضلة

أبناء فاطمة بها قتلوا

بأماثل القوم الذين بهم

بين البرية يضرب المثل

ومهذبين فما بجودهم

نكد ولا بسيوفهم كلل

من كل مشتمل بعزمته

وبحزمه في الحرب معتقل

١٦١

يمضي اذا ازدحم الكماة وقد

كهم الضبا وتقصف الأسل

ويخوض نار الحرب مضرمة

فكأنما هي بارد علل

وشمر دل وصل الثناء به

غاياته ولأحمد يصل

بسحاب صعدته وراحته

غيثان منبعث ومنهمل

وبيوم معركة ومكرمة

أسد هزبر وعارض هطل

وسرت تحوط فتى عشيرتها

من آل أحمد فتية نبل

وتحف من أشرافها بطلا

شهد الحسام بأنه بطل

وأشم خلق للعلاء به

نسب بحبل العرش متصل

ذوالمجد ليس يحل ساحته

وجل وقلب عدوه وجل

وأخو المكارم لا بواردها

ظمأ ولا لغزيرها وشل

أبدا فلا اللاجي به وجل

كلا ولا الراجي له خجل

والمستقاد له جبابرة الاشر

راك وهي لعزه ذلل

ومقوضين تحملوا وعلى

مسراهم المعروف مرتحل

ركبوا الى العز الردى وحدا

للموت فيهم سايق عجل

وبهم ترامت للعلى شرفا

ابل المنايا السود لا الابل

حتى اذا بل المسير بهم

أقصى المطالب وانتهى الامل

نزلوا بأكناف الطفوف ضحى

والى الجنان عشية رحلوا

بأماجد من دونهم وقفوا

وبحبهم أرواحهم بذلوا

وعلى الظما وردوا بأفئدة

حرى كأن لها الضبا نهل

في موكب تكبوا الاسود به

ويزل من زلزاله الجبل

فاض النجيع وخيلهم سفن

وحمى الوطيس وسمرهم ظلل

وعجاجة كالليل يصدعها

من قضبهم ووجوههم شعل

حتى اذا رامت بقاءهم الـ

ـدنيا ورام نداهم الاجل

بخلوا على الدنيا بأنفسهم

وعلى الردى جادوا بما بخلوا

وعن ابن فاطم للعدى كرما

أجسامهم شبح القنا جعلوا

١٦٢

ولآل حرب ثار بعدهم

من آل طه الفارس البطل

جاءت وقائدها العمى والى

قتل الحسين يسوقها الجهل

بجحافل بالطف أولها

وأخيرها بالشام متصل

ملؤ القفار على ابن فاطمة

جند وملؤ صدورهم ذحل

طم الفلا فالخيل تحتهم

أرض وفوقهم السما ذبل

وأتت تحاوله الهوان وهل

للشهم عن حالاته حول

فسطا وكاد الكون حين سطا

يقضي عليه ذهابه الزجل

والارض لما هز أسمره

بين الكتائب هزها وهل

فاعجب لتأخير العذاب وامها

ل الاله لهم بما عملوا

مالوا الى الشرك القديم وعن

دين النبي لغيهم عدلوا

نصروا يزيد وأحمدا خذلوا

الله من نصروا ومن خذلوا

حتى اغتدى بالترب بينهم

نهب الصوارم وهو منجدل

تروي الأسنة من دماه وما

لأوام غلة صدره بلل

عجبا لهم أمنوا العذاب وقد

علموا هناك عظيم ما عملوا

أيموت سر الكون بينهم

والكون ليس يحله الاجل

وشوامخ العلياء من مضر

أودى بهن الفادح الجلل

فهوت لهن على الثرى هضب

وسمت لهن على القنا قلل

والارض راكدة الجوانب لا

يندك منها السهل والجبل

ورؤوس أوتاد البلاد ضحى

ناءت بها العسالة الذبل

لا كالأهلة بل شموس علا

بسماء مجد افقها الاسل

والى ابن آكلة الكبود سرت

ببنات فاطم أنيق بزل

أسرى على تلك الجمال وقد

عز الحما ودموعها بلل

وعلى يزيد ضحى بمجلسه

قد أوقفتها المعشر السفل

لا من بني عدنان يلحظها

ندب ولا من هاشم بطل

الا فتى نهبت حشاشته

كف المصاب وجسمه العلل

١٦٣

وشفاه رأس المجد ينكتها

بالخيزرانة أكوع رذل

فاعجب لآخر أمة ركبت

في الغي ما لم تركب الاول

هذي فعالهم وما فعلت

أرجاس عاد بعض ما فعلوا

أبني النبي ومن بحبهم

يعطي المراد ويبلغ الامل

يا من اذا لم يسألوا وهبوا

أضعاف ما وهبوا اذا سئلوا

والعاملون بكل ما علموا

والعالمون بكل ما عملوا

* * *

جاء في البابليات : اذا قرأت ترجمة الشاعر الغامر « الخبز أرزي » وقرأت خبر « الخباز البلدي » فانك واجد فيها الموهبة الشعرية بارزة متجلية : والعبقرية لامعة واضحة تعرف كل ذلك اذا علمت انهما كانا ( أميين ) لم يعرفا من التهجي حرفا ولا من الكتابة شكلا ومع ذلك فقد كانا ينظمان من الشعر ما رق وراق وملأ الصحف والاوراق سيما وان الاول منهما كان يبيع خبز الارز في دكان له في البصرة ينتابه أهل الادب لاستماع شعره وطرائف نوادره. كما يروي لنا ابن خلكان وغيره ، واذا نظرنا بعين الحقيقة فلا نرى محلا للتعجب ولا مجالا للاستغراب فان هذا وأشباهه انما نشأوا وعاشوا في عصر هو أزهي العصور وأقربها عهدا للعربية « القرن الثالث للهجرة » عصر العلم والآداب والعروض والاعراب ، عصر الشعر والخطابة والانشاء والكتابة ، عصر الاندية والمجالس والمعاهد والمدارس ، عصر الاحتفاء بالعلماء والاحتفال بالشعراء نعم العجب كل العجب ممن نبغ بعد أولئك بألف عام في عصر اندمجت فيه لغة القرآن باللغات الاجنبية التي تسيطر أهلها لا بالعراق وحده بل على جميع

١٦٤

الشعوب العربية الاسلامية فطورا تحت سلطة التاتار والمغول وتارة تحت رحمة الاتراك والاعاجم فهل تأمل بعد هذا كله أن تسمع للعربية حسا أو لآدابها صوتا أو ترى في أحلامك لخيالها شبحا ماثلا : كلا : ثم كلا ، أليس من الغريب المدهش أن ينجم في أمثال هذه العصور القاتمة شعراء فحول يضاهون من تقدمهم من شعراء تلك العصور الزاهية ان لم نقل يزيدون عليهم وفي طليعة هؤلاء الذين نشير اليهم هو المرحوم الشيخ حمادي الكواز فاني لا أحسبك تصدقني من الدهشة والحيرة اذا قلت لك ان شاعرنا هذا الذي نريد أن نسرد عليك وجيزا من حياته ونثبت لك بعضا من مقاطيعه وأبياته كان أميا لم يقرأ ولم يكتب كما تسالم أهل بلاده على نقله وكان لا يعرف نحوا ولا صرفا ولا لغة ولا عروضا بل ينظم نحتا من قلبه جريا على الذوق والسليقة واستنادا على ما توحيه اليه القريحة من دون تغاير في الاساليب أو اختلاف في التراكيب فاذا اعترض عليه أحد بزلة لحن في العربية يقول « راجعوا قواعدكم فالقول قولي » فيجدون الامر كما قال « بعد المراجعة » أليس هذا من الغرابة بمكان فاذا ضممت الى ذلك انه رحمه‌الله نشأ وعاش في الحلة كوازا حتى لقب هو وأخوه بذلك وانه لم يمتهن سوى بيع الكيزان والاواني الخزفية في حانوت له ينتابه الادباء والاشراف لاستماع شعره وهو مع ذلك يتضجر من الحياة وآلامها ويضج من نكد الدنيا وجور ايامها وقد أعرب عن نفسه بقوله :

أمسي وأصبح والايام جالبة

الي أحداثها بالشر والشرر

تأتي فتمضي الى غيري منافعها

ولست اعرف غير الضر والضرر

١٦٥

وفي الشبيبة قد قاسيت كل عنا

اذا فماذا أرى في أرذل العمر

ان كان آخر أيامي كأولها

أعوذ بالله من أيامي الأخر

فهل يسعك بعد وقوفك على هذه الغرائب الا أن تؤمن به وتعتقد انه معجزة الدهر لا نابغة العصر الذي هو فيه فقد كان رحمه‌الله سريع البديهة حسن الروية كثير الارتجال فقد قرأت في احدى مجاميع البحاثة الاديب علي بن الحسين العوضي الحلي وهو من معاصري الكواز ما هذا نصه وقد نقلت ذلك من خطه قال : تذاكرت يوما أنا والكواز المذكور فيما كان يرتجله الشعراء الاقدمون من الاراجيز والقصائد فقال لي لا تعجب واكتب ما أملي عليك اذا شئت ثم ارتجل مقطوعة رقيقة لم يحضرني منها سوى قوله :

أخوي هذي أكؤس ا

لشوق المبرح فأشربا

واذا انتحبت صبابة

مما دهاني فانحبا

لا تعجبا من صبوتي

ومن الملام تعجبا

ما كنت بدعا في الغرا

م ولست أول من صبا

وقال العوضي أيضا : كان هو وأخوه الشيخ صالح يمشيان معي فتذاكرنا من أنواع البديع تشبيه الشيء بشيئين فقلت في ذلك :

عاطيته صرفا كأن شعاعها

شفق المغيب ووجنة المحبوب

فأجاز أخوه مرتجلا :

فغدت وقد مزجت بعذب رضابه

شهدا يضوع عليه نشر الطيب

١٦٦

وأجاز هو رحمه‌الله فقال :

وشربت صاف من لماه كأنه

ماء الحيا أو دمعي المسكوب

وكان يوما في احدى أندية بغداد فسأله الحاضرون وفيهم العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني والشاعر الشهير عبدالباقي الفاروقي العمري وأمين أفندي آل الواعظ وطلبوا منه تخميس البيتين المنسوبين لابن الفارض فقال على البديهة :

زعم اللائم المطيل بعذلي

مثله يستزل باللوم مثلي

يا نديمي على الغرام وخلي

غن لي باسم من أحب وخلي

كل من في الوجود يرمي بسهمه

أين حبي اذا أطعت الاعادي

بحبيب هواه اقصى مرادي

فوحق الوداد يا بن ودادي

لا أبالي ولو أصاب فؤادي

انه لا يضر شيء مع اسمه

ومات له ولد صغير ودفن في المقبرة المشهورة حول « مشهد الشمس » في الحلة فقال وأبدع في رثائه :

ليهن محاني مشهد الشمس انه

ثوى بدر انسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها

فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

أقول وقد نسب الدكتور مهدي البصير هذين البيتين للشيخ صالح الكواز وهو الاخ الاكبر للشاعر المترجم له.

مولده : اختلف في سنة وفاته وعمره والاصح ما أخبرني به المرحوم الشيخ علي بن قاسم الحلي أحد شيوخ الادب المعمرين في الحلة والمعاصرين لصاحب الترجمة انه توفي في مرض السل سنة ١٢٨٣ هـ أو قبلها بسنة وعمره فيما يعتقد لم يتجاوز ٣٨ سنة

١٦٧

فيكون مولده والحالة هذه سنة ١٢٤٥ ونقل نعشه الى النجف ودفن في وادي السلام واتفقت بعد وفاته بقليل وفاة خاله الشيخ علي العذاري فقال أخوه الشيخ صالح يرثي أخاه المذكور وخاله معا من قصيدة مطلعها :

وقع السيف فوق جرح السنان

خبر اني لاي جرح أعاني

ولقد تخرج المترجم له على أخيه الشيخ صالح واستفاد من ملازمته ومن الشاعر الكبير السيد مهدي بن السيد داود وجمع أخوه في حياته ديوان أخيه الى ديوانه وسماهما « الفرقدان » وقد بذلت قصارى الجهد في الحصول على نسخة ذلك المجموع من مظانه في الحلة أيام اقامتي فيها فلم أتوفق وحالت دون ذلك عوائق لم أجد لبيانها سبيلا ، واليك بعض ما وقفت عليه من رقيق شعره وكله يكاد يقطر رقة وسلاسة :

يا مالكي لي في الحشى

من نور وجهك نار مالك

عطفا على دنف أضر

بحاله تصحيف حالك

وله :

شاب رأسي والهم فيكم وليد

وبلى الجسم والغرام جديد

قتل الصبر كالحسين شهيدا

لا لذنب والهجر منكم يزيد

وله :

يا صاحب العين الكحيلة تحتها

الخد الاسيل وقاتلي في ذا وذي

ومعذبي بجحيم نيران الهوى

لم لم تكن من نار حبك منقذي

وتقول لي أهلكت نفسك في الهوى

شغفا ولو أنصفتني ( انت الذي )

١٦٨

وله :

كلفت بمياس القوام مهفهف

ترى منه لين الغصن والغصن مائل

فما الصبح الا خده وهو نير

وما الليل الا فرعه وهو حائل

فيا معرضا عني وحبك مقبل

ويا هاجري والهجر للصب قاتل

سأجعل من حبي اليك وسيلة

اذا هي اعيتني اليك الوسائل

وأرسل أشواقي اليك مع الصبا

اذا انقطعت مني اليك الرسائل

وله يهجو بخيلا :

ومتيم بالبخل مثل هوى

الاليف بحب الفه

وتراه يحمل عيبه

بين البرية فوق كتفه

لو قيل كفك بالعطاء

همت لهم بقطع كفه

وله من قصيدة :

أمعودي حال الضنى حتى لقد

أخفى الضنى جسدي على عواده

عطفا فقد ذهبت بمهجتي النوى

وشكا اليك الجفن طول سهاده

خذ جسمي البالي اليك ترحه من

بلواه أو فاسمح برد فؤاده

وربما يشتبه غالبا في كثير من مجاميع المراثي الحسينية فينسب بعض قصائد المترجم لسميه ومعاصره الشيخ حمادي نوح أو لأخيه الشيخ صالح الكواز ـ وبالعكس ـ وها نحن نثبت مطالع قصائده في أهل البيت خاصة تمييزا لها عن سواها من مراثي غيره فمنها النونية التي مطلعها :

حتى م تألف بيضكم أجفانها

والى م تنتظر الرماح طعانها

والحائية التي يستهلها بقوله :

حسبتك من بعد الجماح

أمسيت طوع يد اللواحي

١٦٩

والعينية التي أولها :

أما الأحبة ما لهم رجع

ألفوا النوى وتأبد الربع

ومن نفائسها قوله :

أوصى النبي بوصل عترته

فكأن ما أوصى به القطع

هذي رجالهم يغسلها

فيض الدما ويلفها النقع

والماء يشربه الورى دفعا

ولآله عن ورده دفع

وأبت هناك ( الخفض ) أرؤوسها

فغدا لهن على القنا ( رفع )

واللامية في رثاء أبي الفضل العباس بن علي (ع) :

أرأيت يوم دعوا رحيلا

من حملوا العبء الثقيلا

أقول ورأيت ديوان الشاعر عند السادة آل القزويني في قضاء الهندية وقد كتب بخط جيد وفيه كل شعره ونقلت منه بعض القصائد ومنها هذه الرائعة الرقيقة في الامام الحسين (ع) :

ألا ما لقلبي مما به

يكلف جفني بتسكابه

أهل راعه فقد عصر الشباب

أم هاجه ذكر أحبابه

نعم كان يصبو زمان الصبا

لعهد العذيب وأترابه

يعير مسامعه للغنا

ويشنى الغداف لتنعابه (١)

فأصبح لا الشوق من شأنه

ولا حب مية من دابه

ولكن شجاه بأرض الطفوف

مصاب الحسين وأصحابه

عشية بالطف حزب الاله

رماها الضلال بأحزابه

أراد ابن هند رؤوس الفخار

تنقاد طوعا لأذنابه

__________________

١ ـ الغداف : رغاب القيظ.

١٧٠

ورام من العز دفع الأبي

ومن يدفع الليث عن غابه

فنبه للحرب من لا ينام

الا على نيل أرابه

أخا الشرف الباذخ المستطيل

على الكون طراً باحسابه

وملتجأ الخائف المستجير

اذا عضه الدهر في نابه

رأى الصعب في طلب العز في

المنية سهلا لطلابه

فقارع أخبث كل الانام

بأزكى الانام وأطيابه

ومذ فقدوا استقبل القوم فر

دا فرد الخميس لاعقابه

ولو شاء يذهب من في الوجود

لكان القدير بأذهابه

ولكن دعته لورد الردى

سجية ذي الشرف النابه

فجانب للعز ورد الحياة

وجرعه الحتف من صابه

فلو كان حيا نبي الهدى

( محمد ) كان المعزى به

ولو كنت فاطمة تنظرين

سلب العدو لاثوابه

خلعت فؤادك للحزن أو

كساك المصاب بجلبابه

فما خلت من قد براه الاله

في الدهر غوثا لمنتابه

به الخطب ينشب أظفاره

ويمضي به حد أنيابه

وبيت سما رفعة فاغتدى

وشهب السما دون أطنابه

تخر الملوك له سجدا

وتهوي الملائك في بابه

تطيل الوقوف بأبوابه

وتستاف تربة أعتابه

تضيع فيه حقوق الاله

ولم ترع حرمة أربابه

وتدرك ثارات أوثانها

أمية في قتل أوابه

وتهتك منه الحجاب الذي

ملائكه بعض حجابه

وتسبى كرائمه جهرة

الى أشر الغي كذابه

فليت الوصي يراهن في

يد الشرك أسرى لمرتابه

تجوب بها البر عجف النياق

فيقذفهن لأسهابه

وكافلها ناحل يشتكي

مع الاسر من ضر أوصابه

١٧١

يصابرها محنا لم تدع

من الحلم شيئا لأربابه

يشاهد أرؤوس سمر العدا

تميس بأرؤس أحبابه

وفي الترب أجسامهم صرعا

بقضب الضلال وأحزابه

ويرعى نساه ويرعينه

بمنسجم الدمع منسابه

يراهن أسرى وينظرنه

بأسر الضلال ونصابه

فينحب شجوا على ما بها

وتنحب شجوا على ما به

الى أن تحل بأرض الشئام

عداها الغمام بتسكابه

١٧٢

الشيخ ابراهيم صادق العاملي

المتوفى ١٢٨٤

قال في رثاء الحسين (ع) :

هل في الوقوف على ربى يبرين

برء لداء في الفؤاد دفين

وهل الوقوف على الاماكن منقع

غللا وقد بقيت بغير مكين

حتام تتبع لحظ طرفك مجري الـ

ـعبرات اثر ركائب وظعون

والام تنفث مؤصدا الزفرات عن

جمر بأخبية الحشى مكمون

تخفي الأسى وغريب شأنك في الأسى

باد يفسره غروب شئون

ولقد بلوت الحادثات وكان لي

في الخطب صبر لا يزال قريني

وتجلدي ما في كعوب قناته

لردى يريد الغمز ملمس لين

ورزين حلمي لا يطيش لمحنة

جلت وان قطع الزمان وتيني

وغزير دمعي لا يزال مصونه

الا لذل شامل في الدين

وخطوب آل محمد ضعّفن من

أركان دين الله كل حصين

هم خيرة الباري ومهبط وحيه

حقا ، وعيبة علمه المخزون

هم نور حكمته وباب نجاته

أبدا وموضع سره المكنون

أمناؤه في أرضه خلفاؤه

في خلقه أبناء خير أمين

وهم الألى عين اليقين ولا هم

من كل هول في المعاد يقيني

ما لي من الاعمال الا حبهم

في النشأتين وحبهم يكفيني

١٧٣

مهما أسأت وقد نسأت رثاءهم

بدر الولا لرثائهم يدعوني

واذا تقاعد منطقي عن مدحهم

نهضت جميع جوارحي تهجوني

أو ما درت تلك الجوارح شفها

رزء الاطائب من بني ياسين

وحديث فاجعة الطفوف أذالها

دمعا به انبجست عيون عيوني

اني متى مثلتها سعر الجوى

مني بأذكى من لظى سجين

ومتى أطف بالطف من ذاك العرى

جعلت أراجيف الاسى تعروني

وذكرت ما لم أنسه من حادث

ما زال يغري بالشمال يميني

حيث ابن فاطمة هناك تحوطه

زمر الضلالة وهو كالمسجون

وهم الألى قد عاهدوه وأوثقوا

عقدا لبيعته بكل يمين

حتى أناخ بهم بما يحويه من

آل وأموال وخير بنين

غدروا به والغدر ديدن كل ذي

احن بكل دنية مفتون

ورموه ـ لا عرفوا السداد ـ بأسهم

من كف كفر عن قسي ضغون

ولديه من آساد غالب أشبل

يخشى سطاها ليث كل عرين

وأماثل شربوا بأقداح الولا

صافي المودة من عيون يقين

سبقوا بجدهم الوجود وآدم

ما بين ماء في الوجود وطين

وهم الألى ذخر الاله لنصره

في كربلا من مبدأ التكوين

لا عيب فيهم غير أنهم لدى الـ

ـهيجاء لا يخشون ريب منون

وعديدهم نزر القليل وفي الوغى

كل يعد اذا عدا بمئين

والكل ان حمي الوطيس يرى به

قبض اللوا فرضا على التعيين

ما رنة الاوتار في نغماتها

أشهى لديهم من صليل ظبين

كلا ولا ألحان معبد عندهم

في الروع أطرب من صهيل صفون

ثاروا كما شاء الهدى وتسنموا

صهوات قب أياطل وبطون

وعدوا لقصدلو جرت ريح الصبا

معهم به وقفت وقوف حرون

واذا الهجان جرت لقصد أدركت

قصبا يقصر عنه جري هجين

١٧٤

حتى اذا ما غادروا مهج العدى

نهبا لكل مهند مسنون

وفد الردى يبغي قراه وكلهم

حب القرى بالنفس غير ضنين

فلذاك قد سقطوا على وجه الثرى

ما بين مذبوح وبين طعين

وشروا مفاخرهم بأنفس أنفس

ينحط عنها قدر كل ثمين

طوبى لهم ربحوا وقد خسر الألى

رجعوا هناك بصفقة المغبون

وغدا عميد المكرمات عميدهم

من بعدهم كالوا له المحزون

ظامي الفؤاد ولا معين له على

قوم حموا عنه ورود معين

يرنو ثغور البيد وهي فسيحة

شحنت مراصدها بكل كمين

ويرى كراديس الضلال تراكمت

وكأنها قطع الجبال الجون

ويكر في تلك الصفوف مجاهدا

كر الوصي أبيه في صفين

ويعود نحو سرادق ضربت على

أزكى بنات للهدى وبنين

وكرائم عبث الأسى بقلوبها

فغدت فواقد هدأة وسكون

يسدي لها الوعظ الجميل وذاك لا

يجدي ذوات لواعج وشجون

ونوائب عن حمل أيسر نكبة

منها تسيخ مناكب الراهون

ثم انثنى يلقى الصوارم والقنا

بأغر وجه مشرق وجبين

قسما بثابت عزمه ـ واليتي

بثبات عزمته أبر يمين

لو شاء اقراء الردى مهج العدى

طرأ لأضحت ثم طعم منون

أو شاء افناء العوالم كلها

قسرا لأوميء للمنايا كوني

أنى ومحتوم المنايا كامن

ما بين كاف خطابه والنون

لكن لسر في الغيوب وحكمة

سبقت بغامض علمه المخزون

وخبا ضياء المسلمين ومحم الذ

كر المبين غدا بغير مبين

وبنات خير المرسلين برزن من

دهش المصاب بعولة ورنين

من كل زاكية حصان الذيل ما

ألف سوى التخدير والتحصين

ولصونها أيدي النبوة شيدت

من هيبة الباري منيع حصون

وأجل يوم راح مفخر هاشم

فيه أجب الظهر والعرنين

١٧٥

يوم به تلك الفواطم سيرت

أسرى تلف أباطحا بحزون

من فوق غارب كل أعجف عاثر

في السير صعب القود غير أمون

وتقول للحامي الحمى ومقالها

كدموعها من لؤلؤ مكنون

عطا علي ولا أخالك ان أقل

عطفا علي تغض طرفك دوني

أو لست تنظرني وقد هتك العدى

خدري وهدمت الطغاء حصوني

من بعد أن تركوا بنيك على الثرى

ما بين مذبوح وبين طعين

عارين منبوذين في كنف العرا

من غير تغسيل ولا تكفين

تلك الرزايا قد أشبن مدامعي

بدم الفؤاد كما أشبن قروني

أيمس عيني الكرى وعلى الثرى

جسم الحسين أراه نصب عيوني

من غير دفن وهو أفضل ميت

في قلب كل موحد مدفون

* * *

الشيخ ابراهيم بن صادق بن ابراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي. ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة ١٢٢١ وتوفي بها سنة ١٢٨٤.

كان من العلماء الافاضل ، خفيف الروح درس في النجف الاشرف وكان سفره اليها سنة ١٢٥٢ ـ أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلي الشيخ مرتضى الانصاري ويروي عنهم بالاجازة ـ له منظومة في الفقه تزيد على الف وخمسمائة بيت وله قصائد عامرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد كتب بعضها في الحرم العلوي المطهر وكان شاعرا وناثرا. ومما روى عنه قوله :

وقلت أمدح سيدي ومولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه

١٧٦

وعلى أبنائه الائمة الميامين ، وقد كتبت جملة من هذه القصيدة على دور ضريحه المقدس من الجوانب الاربع في ٢٠ رجب سنة ١٢٧١ ، ذكره سيدنا الحسن الصدر في ( التكملة ) فوصفه بالعالم الفاضل المحقق والاديب الشاعر المفلق.

وكتب الاديب المعاصر السيد حسن الامين عن شاعرية الشيخ ابراهيم صادق تحت عنوان ( علائق شعرية عراقية عاملية ) في مجلة البلاغ الكاظمية العدد السادس السنة الثانية وترجم له شيخنا الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) قال : وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والادب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الافذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق ، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة الى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه. أقول وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة لجده الكبير الشيخ ابراهيم بن يحيى.

قال مستجيرا بالامام الحسين (ع) :

يا سيد الشهداء يا من حبه

فرض وطاعته اطاعة جده

وابن الامام المرتضى علم الهدى

سر الاله مبين منهج حمده

وابن المطهرة البتول ومن عنت

غر الوجوه لنور باذخ مجده

واخا الزكي المجتبى الحسن الذي

نور الهدى من نور غرة سعده

وأبا علي خير أرباب العلى

وامام كل موحد من بعده

وافاك عبدك راجيا ومؤملا

منك الحبا ورضاك غاية قصده

فاعطف عليه بنظرة توري بها

ـ يا خير مقصود ـ شرارة زنده

١٧٧

وأنله منك شفاعة يمسي بها

من لطف باريه بجنة خلده

وأقله سطوة حادث الزمن الذي

أخنى عليه بجده وبجهده

فلأنت أكرم من همت أنواؤه

يوم العطاء لوفده من رفده

وله يمدح الامام أمير المؤمنين (ع) وهي تزيد على ١٥٠ بيتا :

هذا ثرى حط الاثير لقدره

ولعزه هام الثريا يخضع

وضريح قدس دون غاية مجده

وجلاله خفض الضراح الارفع

أنى يقاس به الضراح علا وفي

مكنونه سر المهيمن مودع

جدث عليه من الاله سرادق

ومن الرضا واللطف نور يسطع

ودت دراري الكواكب أنها

بالدر من حصبائه تترصع

والسبعة الافلاك ود عليها

لو أنه لثرى علي مضجع

عجبا تمنى كل ربع أنه

للمرتضى مولى البرية مربع

ووجوده وسع الوجود وهل خلا

في عالم الامكان منه موضع

كشاف داجية القضاء عن الورى

بعزائم منها القضا يروع

هزام أحزاب الضلال بصارم

من عزمه صبح المنايا يطلع

سباق غايات الفخار بحلبة

فيها السواري وهي شهب تطلع

عم الوجود بسابغ الجود الذي

ضاقت بأيده الجهات الاربع

أنى تساجله الغيوث ندى ومن

جدوى نداه كل غيث يهمع

أم هل تقاس به البحار وانما

هي من ندى أمداده تتدفع

فافزع اليه من الخطوب فان من

ألقى العصا بفنائه لا يفزع

واذا حللت بطور سينا مجده

وشهدت أنوار التجلي تلمع

فأخلع اذا نعليك انك في طوى

لجلال هيبته فؤادك يخلع

وقل السلام عليك يا من فضله

عمن تمسك بالولا لا يمنع

مولاي جد بجميلك الاوفى على

عبد له بجميل عفوك مطمع

يرجوك احسانا ويأملك الرضا

فضلا فأنت لكل فضل منبع

١٧٨

هيهات ان يخشى وليك من لظى

ويهوله يوم القيامة مطلع

ويهوله ذنب وأنت له غدا

من كل ذنب لا محالة تشفع

ويخاف من ظمأ وحوضك في غد

لذوي الولا من سلسبيل مترع

يا من اليه الامر يرجع في غد

ولديه اعمال الخلايق ترفع

وله مآل ثوابها وعقابها

يعطي العطاء لمن يشاء ويمنع

أعيت فضائلك العقول فما عسى

يثني بمدحتك البليغ المصقع

وأرى الألى لصفات ذاتك حدودا

قد أخطأوا معنى علاك وضيعوا

ولآي مجدك يا عظيم المجد لم

يتدبروا وحديث قدسك لم يعوا

عجبي ولا عجب يلين لك الصفا

والماء من صم الصفا لك ينبع

ولك الفلا يطوى ويعفور الفلا

لدعاك من أقصى السباسب يسرع

ولك الرمام تهب من أجداثها

والشمس بعد مغيبها لك ترجع

والشمس بعد مغيبها ان ردها

بالسر منك وصي موسى يوشع

فهي التي بك كل يوم لم تزل

من بدء فطرتها تغيب وتطلع

ولك المناقب كالكواكب لم تكن

تحصى وهل تحصى النجوم الطلع

فالدهر عبد طايع لك لم يزل

وكذا القضا لك من يمينك أطوع

ولئن أطاع البحر موسى بالعصا

ضربا فموسى والعصا لك أطوع

ولئن نجت بالرسل قبلك أمه

فلقد نجت بك رسل ربك أجمع

وصفاتك الحسنى يقصر عن مدى

أدنى علاها كل مدح يصنع

وله ايضا في مدحه عليه‌السلام :

أشاقك من ربي نجد هواها

ومن نسمات كاظمة شذاها

ونبه وجدك المكنون برق

تألق في العشية من رباها

نعم وألم بي سحرا نسيم

يحدث عن شذا وادي قراها

فألمني وذكرني عهودا

بعامل لا عدا السقيا ثراها

بلاد لي بساحتها أناس

ولي صحب كرام في حماها

١٧٩

أحن لجانب الشرقي منها

حنين مروعة ثكلت فتاها

وتلعب بي لذكراها شجون

كما لعبت براياها صباها

واشتاق ( الخيام ) وثم صحبا

عليه راح مزرورا خباها

نعمت بقربها زمنا ونفسي

برغم الحلم تمرح في غواها

فكم من كاعب ألفت فبانت

تمج الكاس عذبا من لماها

وكم هرعت لتلك وكم أقامت

بسوق اللهو طارحة عصاها

وكم قطعت هنالك من ثمار

لعمر العز عذب مجتناها

بحيث العيش صفو والليالي

غوافل راح مأمونا قضايا

ولما أن رأيت الجهل عارا

وان العمر أجمله تناهى

وان النفس لا تنفك تسعى

الى الشهوات فاغرة لهاها

رددت جماحها فارتد قسرا

وألوت عن كثير من شقاها

وحركني الى الترحال عنها

عزائم قد أبت الا قلاها

فهبت بي لما أبغي عصوب

تلف الارض لفا في سراها

معودة على أن لا تبالي

بفري مفاوز ناء مداها

كستها عزمة الرائي شحوبا

وتدآب السرى عنقا براها

اذا ما هجهج الحادي وأضحت

تثير النقع من طرب يداها

وأمست بعد ارقال وخب

تغافل وهي نافحة براها

يخيل لي بأن البر بحر

يسارع في المسيل الى وراها

الى أن مست الاعتاب أبدت

رغاها تشتكي نصبا عراها

وقد لاحت لعينيها قباب

يرد الطرف عن بادي سناها

هنالك قرت الوجناء عينا

ونالت بالسرى أقصى مناها

وأنحت جانب الغروي شوقا

يجاذبها لما تبغي هواها

فوافت بعد جد خير أرض

يضاهي النيرين سنا حصاها

فألقت في مفاوزها عصاها

وأرست في ذرى حامي حماها

أبي الحسنين خير الخلق طرا

وأكرم من وطاها بعد طاها

١٨٠