تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

بالعدّة .

مسألة ٧٢٧ : العبد لا يجب عليه الحجّ‌ وإن أذن له مولاه فيه ، ولا يجزئه لو حجّ بإذنه إلّا أن يدركه العتق قبل فوات الموقفين ، وسواء كان قِنّاً أو مدبَّراً أو مكاتباً ، انعتق بعضه أو لا .

ولو هاياه مولاه علىٰ أيّام معيّنة تكون بقدر ما انعتق منه وأمكنه وقوع الحجّ فيها ، قال الشيخ رحمه‌الله : لا يمتنع أن نقول : ينعقد إحرامه فيها ، ويصحّ حجّة بغير إذن سيّده (١) .

والزوجة الأمة لا يصحّ حجّها إلّا بإذن سيّدها وزوجها ، ولا يكفي إذن أحدهما . ولو أذنا معاً ، صحّ حجّها ولا يجزئها عن حجّة الإسلام إلّا أن يدركها العتق قبل الموقفين . ولو حجّت بغير إذن زوجها ، لم يجزئها عن حجّة الإسلام وإن اُعتقت قبل الموقفين .

مسألة ٧٢٨ : لو أحرم الصبي أو العبد بإذن مولاه ، صحّ إحرامهما .

ثمّ إن بلغ الصبي أو اُعتق العبد بعد فوات الموقفين ، مضيا علىٰ الإحرام ، وكان الحجّ تطوّعاً ، ولا يجزىء عن حجّة الإسلام ، ولو كملا قبل الموقفين ، تعيّن إحرام كلٍّ منهما بالفرض ، وأجزأه عن حجّة الإسلام . وبه قال الشافعي (٢) .

وقال أبو حنيفة : الصبي يحتاج إلىٰ تجديد إحرام ؛ لأنّ إحرامه عنده

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٧ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٣ ، المجموع ٧ : ٥٧ ـ ٥٨ و ٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٠٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، المسألة ٢٢٦ .

٤٢١
 &

لا يصحّ ، والعبد يمضي علىٰ إحرامه تطوّعاً ، ولا ينقلب فرضاً (١) .

وقال مالك : الصبي والعبد معاً يمضيان في الحجّ ، ويكون تطوّعاً (٢) .

وإن كان البلوغ والعتق بعد الوقوف وقبل فوات وقته بأن يكملا قبل طلوع فجر النحر ، رجعا إلىٰ عرفات والمشعر إن أمكنهما ، فإن لم يمكنهما ، رجعا إلىٰ المشعر ووقفا وقد أجزأهما ، ولو لم يعودا ، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام .

وقال الشافعي : إن لم يعودا إلىٰ عرفات ، لم يجزئهما عن حجّة الإسلام (٣) .

وكلّ موضع قلنا : إنّه يجزئهما عن حجّة الإسلام ، فإنّه يلزمهما فيه الدم إن كانا متمتّعين ، وإلّا فلا .

وقال الشافعي : عليه (٤) دم (٥) .

وقال في موضع آخر : لا يبيّن لي أنّ عليهما شيئاً (٦) .

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٣٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، المجموع ٧ : ٥٨ و ٦١ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٧٩ ، المسألة ٢٢٦ .

(٢) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، التفريع ١ : ٣٥٣ ، المغني ٣ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٨ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٧٩ ، المسألة ٢٦٦ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٠٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٧٩ ، المسألة ٢٢٧ .

(٤) كذا ، والظاهر : عليهما .

(٥) مختصر المزني : ٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ ، المجموع ٧ : ٥٩ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٨٠ ، المسألة ٢٢٨ .

(٦) مختصر المزني : ٧٠ ، وحكاه عنه أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٨٠ ، المسألة ٢٢٨ .

٤٢٢
 &

والآية (١) تدلّ علىٰ وجوبه علىٰ المتمتّع ، وأصالة البراءة تدلّ علىٰ عدمه في حقّ غيره .

مسألة ٧٢٩ : الكافر يجب عليه الحجّ لكن لا يصحّ منه‌ إلّا إذا قدّم الإسلام ، فإن مات بعد إحرامه كافراً ، فلا حكم له .

وإن أسلم بعد فوات الوقوف ، لم يجب عليه الحجّ ؛ لأنّه أسلم بعد فوات وقته ، وما مضىٰ في حال كفره معفوٌّ عنه .

وإن أسلم قبل الوقوف ، وجب عليه الحجّ ؛ لإمكانه ، ويتعيّن عليه في تلك السنة ؛ لوجوب الفوريّة ، خلافاً للشافعي (٢) .

ويجدّد إحراماً غير الأوّل ؛ لعدم الاعتداد به ، فإن لم يجدّده ، فإن تمكّن من الرجوع إلىٰ الميقات والإحرام منه ، وجب ، وإلّا أحرم حيث أمكن ، ولا دم عليه ؛ لعدم الاعتداد بالإحرام الأوّل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٣) ، خلافاً للشافعي ؛ قياساً علىٰ المسلم حيث جاوز الميقات مريداً للنسك وأحرم من دونه ولم يعد إليه ، فوجب الدم كالمسلم (٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه مرّ علىٰ الميقات وليس من أهل النسك .

مسألة ٧٣٠ : المخالف إذا حجّ ثم استبصر فإن لم يخلّ بشي‌ء من أركان الحجّ ، صحّ حجّه‌ وأجزأ عنه ، واستحبّ له إعادته ، وإن كان قد أخلّ ،

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ .

(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٧ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٠١ ، المجموع ٧ : ٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٧ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .

٤٢٣
 &

وجب عليه إعادة الحجّ ؛ لأنّه مسلم أتىٰ بالأركان فأجزأ عنه ، كغيره من المسلمين ، ومع الإخلال لم يأت بالمأمور به علىٰ وجهه ، فيبقىٰ في عهدة التكليف .

ولرواية بريد بن معاوية ـ الصحيحة ـ أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم مَنّ الله عليه بمعرفته والدينونة به أيجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضىٰ فريضته ؟ فقال : « قد قضىٰ فريضته ، ولو حجّ كان أحبّ إليَّ » (١) .

إذا عرفت هذا ، فغير الحجّ من العبادات إذا أوقعها علىٰ وجهها ، لا يجب عليه إعادتها ؛ للأصل ، إلّا الزكاة ؛ فإنّه إذا سلّمها إلىٰ غير المؤمن ، وجب عليه إعادتها .

قال بريد بن معاوية العجلي ـ في الصحيح ـ : سألتُ الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم مَنَّ الله عليه بمعرفته والدينونة به يجب عليه حجّة الإسلام أو قد قضىٰ فريضته ؟ فقال : « قد قضىٰ فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إليَّ » قال : وسألته عن رجل حجَّ وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب مستتر (٢) ثم مَنَّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجّة الإسلام ؟ قال : « يقضي أحبّ إليَّ » وقال : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم مَنَّ الله عليه وعرّفه الولاية ، فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة ، فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير مواضعها ، لأنّها لأهل الولاية ، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء » (٣) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩ / ٢٣ ، الاستبصار ٢ : ١٤٥ / ٤٧٢ .

(٢) في المصدر : متديّن ، بدل مستتر .

(٣) نفس المصدر .

٤٢٤
 &

مسألة ٧٣١ : السكران إذا شهد المناسك في حال سكره ، فإن لم يحصّل شيئاً ، لم يُجزئه ما فَعَله‌ ، ووجب عليه إعادة الحجّ ، وإن حصّل ما يفعله وفَعَله علىٰ وجهه ، صحّ حجّه .

والشيخ ـ رحمه‌الله ـ أطلق فقال : مَنْ شهد المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها إلّا أنّه كان سكران ، فلا حجّ له ، وكان عليه إعادة الحجّ من قابل (١) .

وقد روىٰ أبو علي بن راشد ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل مُحْرم سكر وشهد المناسك وهو سكران أيتمّ حجّه علىٰ سكره ؟ فكتب « لا يتمّ حجّه » (٢) .

مسألة ٧٣٢ : واجد الاستطاعة المتمكّن من مباشرة الحجّ لا يجوز له أن يستأجر غيره في حجّة الإسلام‌ إجماعاً ، وكذا المنذور وشبهه .

وبالجملة كلّ حجّ واجب عليه إذا تمكّن من الإتيان به مباشرةً لا يجوز له الاستئجار فيه .

وأمّا التطوّع : فإن كان المستأجر لم يحج حجّة الإسلام ، فالأقرب أنّه يجوز له أن يستأجر غيره ليحجّ عنه تطوّعاً ؛ للأصل .

ومنع أحمد من ذلك ؛ لأنّ هذا التطوّع لا يجوز له فعْلُه بنفسه ، فنائبه أولىٰ بالمنع (٣) .

والفرق : أنّ فِعْلَه مباشرةً يمنع من أداء الواجب ، بخلاف فعل النائب .

ولو كان الاستئجار يمنع من أداء الواجب بأن تقصر نفقته باعتبار دفع

__________________

(١) النهاية : ٢٧٤ .

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٢ .

(٣) المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١١ .

٤٢٥
 &

مال الإجارة ، لم يجز له الاستئجار .

ولو لم يكن السرب مخلّىٰ ، جاز له أن يستأجر مَنْ يحجّ عنه تطوّعاً ، سواء قصرت نفقته بمال الإجارة أم لا .

ولو كان قد حجّ حجّة الإسلام ثم عجز عن مباشرة حجّ التطوّع ، فإنّه يجوز له الاستنابة إجماعاً .

ولو كان قد أدّىٰ حجّة الإسلام وهو متمكّن من مباشرة حجّ التطوّع ، فإنّه يجوز له أن يستنيب غيره ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لأنّه حجّ غير واجب عليه ، فجاز له أن يستنيب فيه ، كالمعضوب .

وقال الشافعي : لا يجوز ـ وعن أحمد روايتان (٢) ـ لأنّه يقدر عليه بنفسه ، فلا يجوز له النيابة فيه ، كالفرض (٣) .

والفرق ظاهر .

أمّا لو كان عاجزاً عن التطوّع في هذا العام عجزاً يرجىٰ زواله ، كالمحبوس ، فإنّه يجوز له أن يستنيب عندنا وعند الشافعي (٤) .

وفرق في هذه الصورة بينها وبين الفرض ؛ لأنّ الفرض عبادة العمر ، فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام ، والتطوّع مشروع في كلّ عام ، فيفوت حجّ هذا العام بتأخيره .

مسألة ٧٣٣ : الصرورة إذا فقد الاستطاعة وتمكّن من الحجّ تطوّعاً ، جاز

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١١ .

(٢) المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١١ .

(٣) المغني ٣ : ١٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٢ .

(٤) لم نعثر علىٰ قول الشافعي في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا ، والقول بجواز الاستنابة مذهب بعض الحنابلة أيضاً . اُنظر : المغني ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢١٢ .

٤٢٦
 &

له ذلك ، ويقع عن التطوّع ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وابن المنذر (١) ـ لأنّه نوىٰ التطوّع ولم ينو الفرض ، فلا يقع عن الفرض ؛ لقوله عليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لا مرىء ما نوىٰ ) (٢) .

ولأنّها عبادة تنقسم إلىٰ فرض ونفل ، فجاز إيقاع نفلها قبل فرضها ، كالصلاة . ولأنّه زمان لا يجب عليه الحجّ فرضاً ، فجاز إيقاع نفله فيه ، كما بعد الحجّ .

وقال الشافعي : يقع عن حجّة الإسلام ـ وبه قال ابن عمر وأنس ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ، فوجب أن يقع عن فرضه ، كما لو كان مطلقاً (٣) .

ونمنع أنّ عليه فرضه ، والفرق أنّ النفل والفرض متنافيان ، فنيّة أحدهما [ لا تجامع ] (٤) نيّة الآخر ولا فعله ؛ لوقوع النفل بحسب النيّة ، بخلاف المطلق الذي هو جزء الفرض ، فنيّته لا تنافي نيّة الفرض .

مسألة ٧٣٤ : لو نوىٰ فاقد الاستطاعة حجّاً منذوراً عليه ، أجزأه عن النذر‌ عندنا ؛ لقوله عليه‌السلام : ( الأعمال بالنيّات ) (٥) .

وقال الشافعي : يقع عن حجّة الإسلام (٦) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢ .

(٢) سنن البيهقي ١ : ٢١٥ .

(٣) مختصر المزني : ٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٢٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٩ .

(٤) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : تنافي . وما أثبتناه يقتضيه السياق .

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ و ٧ : ٣٤١ .

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه .

٤٢٧
 &

وكذا الخلاف لو مات وعليه حجّة الإسلام واُخرىٰ منذورة ، فاستؤجر رجل ليحجّ عنه المنذورة ، فأحرم بها ، وقع عن النذر عندنا إذا استؤجر آخر ليحجّ حجّة الإسلام أو لم يمكن ذلك .

وقال الشافعي : يقع عن حجّة الإسلام (١) .

ولو كان عليه منذورة ، فأحرم بحجّة التطوّع ، قال الشافعي : يقع عن المنذورة (٢) .

والوجه : أنّ النذر إن تعلّق بزمان معيّن ، لم يجز إيقاع التطوّع فيه ، فإن أوقعه بنيّة التطوّع ، بطل ، ولم يجزىء عن المنذورة ؛ لعدم القصد ، وإن لم يتعلّق بزمان معيّن ، لم يقع عن المنذورة أيضاً ؛ لعدم القصد ، ولا عن التطوّع ؛ لوجوب تقديم النذر .

مسألة ٧٣٥ : مَنْ حجَّ عن غيره وصل ثواب ذلك إليه ، وحصل للحاجّ ثواب عظيم أيضاً .

روىٰ العامّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إذا حجّ الرجل عن والديه تقبّل الله منه ومنهما ، واستبشرت أرواحهما في السماء ، وكتب عند الله برّاً ) (٣) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( مَنْ حجَّ عن أبويه أو قضىٰ عنهما مغرماً بُعِث يوم القيامة مع الأبرار ) (٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية معاوية بن عمّار ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه‌السلام . قال : قلت له : إنّ أبي قد حجّ وإنّ والدتي قد حجّت وإنّ

__________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه .

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ / ١٠٩ .

(٤) سنن الدارقطني ٢ : ٢٦٠ / ١١٠ .

٤٢٨
 &

أخويَّ قد حجّا وقد أردت أن اُدخلهم في حجّتي ، فإنّي قد أحببت أن يكونوا معي ، فقال : « اجعلهم معك ، فإنّ الله عزّ وجلّ جاعل لهم حجّاً ولك حجّاً ، ولك أجراً بصلتك إيّاهم » وقال عليه‌السلام : « يدخل علىٰ الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والعتق » (١) .

والأخبار في ذلك كثيرة .

ولو كان الحجّ واجباً علىٰ أحدهما خاصّة ، كان الأفضل الإتيان بالواجب عمّن وجب عليه ؛ لأنّ فيه إبراءَ الذمّة ، وتخليصاً من العذاب . ولو لم يجب علىٰ أحدهما ، قيل : ينبغي أن يبدأ بالحجّ عن الاُمّ (٢) ؛ لما رواه أبو هريرة أنّ رجلاً جاء إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : مَنْ أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( اُمّك ) قال : ثم مَنْ ؟ قال : ( أبوك ) (٣) .

مسألة ٧٣٦ : مَنْ وجب عليه الحجّ وفرّط في أدائه مع قدرته ثم عجز من أدائه بنفسه أو بنائبه إن قلنا بوجوب الاستنابة ، وجب عليه أن يوصي به‌ ؛ لأنّه حقّ واجب ودَيْنٌ ثابت ، فتجب الوصيّة به ، كغيره من الديون .

قال الله تعالىٰ : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) (٤) .

ولو لم يوص ، وجب علىٰ ورثته أن يُخْرجوا من صلب تركته ما يُحجّ به عنه ـ ولو كان له مال وديعة عند غيره وعلم المستودع وجوب الحجّ في

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٩ / ١٣٦٩ .

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٠٠ .

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٧٤ / ٢٥٤٨ .

(٤) البقرة : ١٨٠ .

٤٢٩
 &

ذمّته وعدم قيام الورثة به ، وجب عليه إخراج ما يحجّ به عنه ، ويدفع الفاضل إلىٰ الورثة ـ لأنّه دَيْنٌ عليه ، فلا يسقط عن ذمّته بموته ، ولا يترك الوصيّة به .

وما رواه العامّة من خبر الخثعميّة (١) .

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة بن مهران عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : « يُحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك » (٢) .

وقال أبو حنيفة : يسقط الحجّ بوفاته ، بمعنىٰ أنّه لا يفعل عنه بعد وفاته ، وحسابه علىٰ الله تعالىٰ يلقاه والحجّ في ذمّته ، أمّا لو أوصىٰ ، اُخرج من الثلث ، ويكون تطوّعاً لا يسقط به الفرض .

وكذا يقول في الزكوات والكفّارات وجزاء الصيد كلّ ذلك يسقط بوفاته ، فلا يفعل عنه بوجه (٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يُوص بحجّة الإسلام مع وجوبها عليه ، استؤجر من تركته علىٰ ما قلناه ، فإن لم يخلّف شيئاً ، استحبّ للورثة قضاؤها عنه .

وكذا لو خلّف مالاً وتبرّع بعض الورثة أو أجنبي بقضائها عنه ، برئت ذمّة الميّت .

ولو لم يكن عليه حجّ واجب ، فأوصىٰ أن يحجّ عنه تطوّعاً ، صحّت

__________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١١٨ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٤ / ١٤٠٦ .

(٣) تحفة الفقهاء ١ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦ ، المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦ .

٤٣٠
 &

الوصيّة ، واُخرجت من الثلث ، عند علمائنا ؛ لأنّها عبادة تصحّ الوصيّة بواجبها فتصحّ بمندوبها .

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والثاني : بطلان الوصيّة (١) .

مسألة ٧٣٧ : لو أوصىٰ أن يحجّ عنه ولم يعيّن المرّات ، قال الشيخ رحمه‌الله : وجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء (٢) .

والأقرب أن يقال : إن علم منه قصد التكرار ، فالحقّ ما قاله الشيخ ، وإلّا اكتفي بالمرّة الواحدة ؛ لأصالة براءة الذمّة ، ولعدم اقتضاء الأمر التكرارَ .

احتجّ الشيخ : بما رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : عن رجل أوصىٰ أن يحجّ عنه ، مبهماً ، قال : « يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء » (٣) .

وهو محمول علىٰ ما إذا عُلم منه قصد التكرار ، أو نقول : تقديره : يحجّ عنه بحسب الوصيّة إمّا مرّة واحدة أو أكثر إذا بقي من ثلثه شي‌ء يفي بالحجّة الواحدة أو الأزيد ؛ إذا الوصية تُحمل علىٰ الثلث .

مسألة ٧٣٨ : النذر واليمين والعهد أسباب في وجوب الحجّ والعمرة‌ إذا تعلّقت بهما مع الشرائط السابقة بلا خلاف .

قال الله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) وقال الله تعالىٰ ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (٥) .

وإذا نذر الحجّ في سنة معيّنة فأهمل مع قدرته ، كفّر وقضىٰ ، ومع

__________________

(١) الاُم ٢ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٧٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧ ، حلية العلماء ٦ : ٨٧ .

(٢) النهاية : ٢٨٤ .

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٨ / ١٤٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١٩ / ١١٢٩ .

(٤) المائدة : ١ .

(٥) الإنسان : ٧ .

٤٣١
 &

عدم المكنة يقضي ولا كفّارة .

ولو نذر المشي فيها فأخلّ بالصفة مع القدرة ، كفّر وقضىٰ ماشياً ، ومع العجز لا قضاء ولا كفّارة .

قال الشيخ رحمه‌الله : إذا ركب مع العجز ، ساق بدنةً ؛ كفّارةً لركوبه (١) ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدىٰ الروايتين عن أحمد (٢) ـ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل نذر أن يمشي إلىٰ بيت الله وعجز أن يمشي ، قال : « فليركب وليسق بدنة ، فإنّ ذلك يجزىء عنه إذا عرف الله منه الجهد » (٣) .

وهو محمول علىٰ الاستحباب ؛ لقول الباقر عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُخت عقبة بن عامر بالركوب » (٤) ولم يوجب عليها شيئاً ، ولو كان واجباً لبيّنه .

مسألة ٧٣٩ : لو نذر الحجّ ، لم تجب العمرة . وكذا لو نذر العمرة ، لم يجب الحجّ ؛ لأصالة البراءة ، أمّا لو نذر حجّ التمتّع ، فإنّه يجب عليه الحجّ وعمرة التمتّع .

__________________

(١) النهاية : ٢٠٥ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٠٣ .

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٥٣ ، المجموع ٨ : ٤٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٩٨ ، المغني ١١ : ٣٤٦ / ٣٤٧ ، الشرح الكبير ١١ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ .

(٣) التهذيب ٥ : ١٣ / ٣٦ ، الاستبصار ٢ : ١٤٩ / ٤٨٩ .

(٤) الاستبصار ٢ : ١٥٠ / ٤٩١ ، وفي التهذيب ٥ : ١٣ ـ ١٤ / ٣٧ عن الإمام الصادق عليه‌السلام .

٤٣٢
 &

الفصل الثالث في العمرة‌

مسألة ٧٤٠ : العمرة واجبة ـ كالحجّ ـ علىٰ كلّ مكلّف حصل له شرائط الحجّ ، بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر ، كما سبق (١) .

وتجزىء عمرة التمتّع عن المفردة إجماعاً .

قال الصادق عليه‌السلام : « إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضىٰ ما عليه من فريضة العمرة » (٢) .

وسأل أحمدُ بن محمد بن أبي نصر ، الرضا عليه‌السلام : عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : « نعم » قلت : فمن تمتّع يجزىء عنه ؟ قال : « نعم » (٣) .

إذا عرفت هذا ، فإذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة في غير أشهر الحجّ ، لم يجز له أن يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ، فإن أراد التمتّع ، اعتمر عمرة اُخرىٰ في أشهر الحجّ .

وإن دخل مكّة بعمرة مفردة في أشهر الحجّ ، جاز له أن ينقلها إلىٰ عمرة التمتّع ، ويقيم حتىٰ يحجّ ، بل هو الأفضل . وإن لم ينقلها إلىٰ التمتّع وأتمّها مفردةً ، جاز له أن يخرج إلىٰ أهله من غير حجّ إذا لم يكن الحجّ واجباً عليه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس بالعمرة المفردة

__________________

(١) سبق في ج ٧ ص ١٥ ، المسألة ٦ .

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ ( باب ما يجزىء من العمرة المفروضة ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٣ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٥ / ١١٥٠ .

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٣ ( باب ما يجزىء من . . . ) الحديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ / ١٥٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ / ١١٥٣ .

٤٣٣
 &

في أشهر الحجّ ثم يرجع إلىٰ أهله » (١) .

أمّا لو اعتمر للتمتّع ، فإنّه يجب عليه الإتيان بالحجّ ؛ لدخولها فيه .

مسألة ٧٤١ : جميع أوقات السنة صالح للمفردة ، لكن أفضل أوقاتها رجب .

وهي تلي الحجّ في الفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : أيّ العمرة أفضل ؟ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان ؟ فقال : « لا ، بل عمرة في رجب أفضل » (٢) .

وتدرك فضيلة العمرة في رجب بإدراك إحرامها في آخر أيّامه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبيّة » (٣) .

ولا تكره العمرة في شي‌ء من أوقات السنة ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( عمرة في شهر رمضان تعدل حجّة ) (٤) .

وروي عنه أنّه اعتمر في شوّال وفي ذي القعدة (٥) .

واعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصّب (٦) ، وهي الليلة التي يرجعون فيها من منىٰ إلىٰ مكّة .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٤ ( باب العمرة المبتولة في . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٥٩ .

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٤٧ .

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٤٩ .

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٦ / ٢٩٩١ ـ ٢٩٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٧٦ / ٩٣٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٢ ، مسند أحمد ٣ : ٣٥٢ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ١٤٢ / ١٢٩٩ و ١٧٦ / ١١٤١٠ .

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٥ / ١٩٩١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٥ : ٤٥٥ .

(٦) كما في فتح العزيز ٧ : ٧٦ .

٤٣٤
 &

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « السنة اثنا عشر شهراً ، لكلّ شهر عمرة » (١) .

وبهذا قال الشافعي وأحمد (٢) .

وقال أبو حنيفة : تكره في خمسة أيّام : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيّام التشريق ؛ لقول عائشة : السنة كلّها وقت للعمرة إلّا خمسة أيّام : يوم عرفة ويوم النحر وأيّام التشريق (٣) .

ولأنّها عبادة غير موقّتة ، فانقسم وقتها إلىٰ مكروه وغيره ، كصلاة التطوّع .

والحديث محمول علىٰ ما إذا كان متلبّساً بإحرام الحجّ .

والفرق : أنّ صلاة التطوّع كان فيها ما هو موقّت ، بخلاف العمرة ، علىٰ أنّ اعتبار العمرة بالطواف المجرّد أولىٰ من اعتباره بالصلاة .

وقال أبو يوسف : تكره في أربعة أيّام : يوم النحر وأيّام التشريق (٤) .

مسألة ٧٤٢ : واختلف علماؤنا في أقلّ ما يكون بين العمرتين .

فقال بعضهم (٥) : لا قدر له ، بل يجوز في كلّ يوم ؛ لأنّها عبادة مكرّرة

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦٢ .

(٢) الوجيز ١ : ١١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٠ ، المجموع ٧ : ١٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٠ ، المحرّر في الفقه ١ : ٢٣٦ ، التمهيد ٢٠ : ٢٠ .

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٧ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٩٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٧٦ ، التمهيد ٢٠ : ١٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٠ .

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٧٨ ، فتاوىٰ قاضيخان ١ : ٣٠١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٣ ، التمهيد ٢٠ : ١٩ ، وعنه في الخلاف ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٦٠ ، المسألة ٢٥ .

(٥) كابن إدريس في السرائر : ١٢٧ .

٤٣٥
 &

غير مختصّة بوقت ، فلا قدر لما بينهما ، كالصلاة .

ولما رواه العامّة عن عائشة أنّها اعتمرت في شهرٍ مرّتين بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عمرةً مع قرانها ، وعمرة بعد حجّها (١) .

وقال عليه‌السلام : ( العمرة إلىٰ العمرة كفّارة لما بينهما ) (٢) .

وقال بعضهم (٣) : يستحبّ في كلّ شهر عمرة واحدة . وبه قال علي عليه‌السلام وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوُس وعكرمة والشافعي وأحمد (٤) ؛ لما رواه العامّة عن علي عليه‌السلام قال : « في كلّ شهر مرّة » (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « كان علي عليه‌السلام يقول : لكلّ شهر عمرة » (٦) .

وكره العمرةَ في السنة مرّتين الحسنُ البصري وابنُ سيرين ومالك والنخعي ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفعله (٧) .

ولقول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « لا تكون عمرتان في سنة » (٨) .

__________________

(١) الاُم ٢ : ١٣٥ ، المغني ٣ : ١٧٨ .

(٢) الموطّأ ١ : ٣٤٦ / ٦٥ ، صحيح البخاري ٣ : ٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٣ / ١٣٤٩ ، سنن النسائي ٥ : ١١٥ ، المغني ٣ : ١٧٨ .

(٣) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢١١ .

(٤) المغني ٣ : ١٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١ .

(٥) المغني ٣ : ١٧٨ .

(٦) الكافي ٤ : ٥٣٤ ( باب العمرة المبتولة ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٥ / ١٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٦ / ١١٥٤ .

(٧) المغني ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٧ : ١٤٩ ، التفريع ١ : ٣٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٦ ، التمهيد ٢٠ : ١٩ .

(٨) التهذيب ٥ : ٤٣٥ / ١٥١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٦ / ١١٥٧ .

٤٣٦
 &

وعدم الفعل لا يدلّ علىٰ الكراهة ، خصوصاً مع نقلهم عن عائشة أمره عليه‌السلام به (١) .

وقد روىٰ ابن بابويه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اعتمر ثلاث عُمَرٍ متفرّقات كلّها في ذي القعدة (٢) .

وحديث الباقر عليه‌السلام محمول علىٰ عمرة التمتّع .

إذا عرفت هذا ، فيستحبّ أن يعتمر في كلّ عشرة أيّام عمرة مع التمكّن ـ وبه قال عطاء وأحمد (٣) ـ لأنّها زيارة البيت ، فاستحبّ تكرارها في الشهر الواحد .

ولأنّ علي بن أبي حمزة سأل أبا الحسن عليه‌السلام : عن رجل يدخل مكّة في السنة المرّة والمرّتين والأربع كيف يصنع ؟ قال : « إذا دخل فليدخل مُلبّياً ، وإذا خرج فليخرج مُحلّاً » قال : « ولكلّ شهر عمرة » فقلت : تكون أقلّ ؟ فقال : « تكون لكلّ عشرة أيّام عمرة » (٤) .

مسألة ٧٤٣ : ميقات العمرة هو ميقات الحجّ‌ إن كان خارجاً من المواقيت إذا قصد مكّة ، أمّا أهل مكّة أو مَنْ فرغ من الحجّ ثم أراد الاعتمار ، فإنّه يخرج إلىٰ أدنىٰ الحِلّ .

وينبغي أن يكون من أحد المواقيت التي وقّتها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للعمرة المبتولة ، وهي ثلاثة : التنعيم : والحديبيّة ، والجِعِرّانة .

روىٰ ابن بابويه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اعتمر ثلاث عُمَرٍ متفرّقات كلّها في

__________________

(١) المغني ٣ : ١٧٨ .

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤١ .

(٣) المغني ٣ : ١٧٨ .

(٤) الكافي ٤ : ٥٣٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ / ١٥٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ / ١١٥٨ .

٤٣٧
 &

ذي القعدة : عمرة أهلّ بها من عُسْفان ، وهي عمرة الحديبيّة ، وعمرة القضاء أحرم بها من الجُعْفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجِعِرّانة ، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين (١) (٢) .

مسألة ٧٤٤ : صورة العمرة المفردة أن يُحرم من الميقات‌ الذي يسوغ له الإحرام منه ثم يدخل مكّة فيطوف ثم يصلّي ركعتيه ثم يسعىٰ بين الصفا والمروة ثم يقصّر أو يحلق ثم يطوف طواف النساء ثم يصلّي ركعتيه وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه .

وهكذا عمرة التمتّع إلّا أنّه لا يطوف للنساء فيها ولا يصلّي ركعتيه ، بل يحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه عند التقصير .

وشرائط وجوب العمرة المفردة هي شرائط وجوب الحجّ .

وتجب في العمر مرّةً بأصل الشرع ، وقد تجب باليمين والنذر والعهد والاستئجار والإفساد والفوات والدخول إلىٰ مكّة مع انتفاء العذر وعدم تكرار الدخول . ويتكرّر وجوبها بتكرّر السبب .

والفرق بينها وبين المتمتّع بها : أنّ المتمتّع بها إنّما تجب علىٰ مَنْ ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا يصحّ فعلها ولا الإحرام بها إلّا في أشهر الحجّ ، ويلزم فيها التقصير ، ولا يجوز الحلق ، فإن حلق رأسه ، لزمه دم ، ولا يجب فيها طواف النساء . والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ، وتصحّ في جميع أيّام السنة ، ويجب فيها طواف النساء ، ويجوز فيها الحلق ، وتسقط المفردة مع الإتيان بعمرة التمتّع .

__________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : خيبر . والصحيح ما أثبتناه من المصدر . وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٣ : ٩٥٨ ـ ٩٥٩ .

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤١ .

٤٣٨
 &

ولو أحرم بالمفردة ودخل مكّة ، جاز أن ينوي التمتّع ، ويلزمه دمه إذا كان في أشهر الحجّ ، ولو كان في غير أشهره ، لم يجز .

ولو دخل مكّة متمتّعاً ، لم يجز له الخروج حتىٰ يأتي بالحجّ ؛ لأنّه مرتبط به . نعم لو خرج بحيث لا يحتاج إلىٰ استئناف إحرام ، جاز . ولو خرج فاستأنف عمرةً ، تمتّع بالأخيرة .

والحلق في المفردة أفضل من التقصير ، فإذا فعل أحدهما ، أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النساء ، فإذا طاف طواف النساء ، حللن له .

وطواف النساء واجب في العمرة المفردة علىٰ كلّ حاجّ من ذكر أو اُنثىٰ أو خنثىٰ أو خصيّ أو صبيّ .

ولا يجب في المفردة هدي ، فلو ساق هدياً ، نحره ـ قبل أن يحلق ـ بفناء الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « مَنْ ساق هدياً في عمرة فلينحره قبل أن يحلق » قال : « ومَنْ ساق هدياً وهو معتمر نحر هديه عند المنحر وهو بين الصفا والمروة ، وهي الحزورة » (١) .

ولو جامع قبل السعي ، فسدت عمرته ، ووجب عليه قضاؤها والكفّارة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشىٰ امرأته قبل أن يسعىٰ بين الصفا والمروة ، قال : « قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة حتىٰ يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثم يخرج إلىٰ الميقات الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهله فيُحْرم منه ويعتمر » (٢) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٩ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٣ .

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ١١١١ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ .

٤٣٩
 &

ولا يجوز لمن وجب عليه العمرة أن يعتمر عن غيره ، كالحجّ ، وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنّه مُحْرمٌ بالعمرة المفردة ، فإذا دخل الحرم ، قطع التلبية .

*       *      *

٤٤٠