تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وقال الله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (١) .

فلو خرج من مكّة بعد إحلاله ثم عاد في الشهر الذي خرج منه ، صحّ له أن يتمتّع ، ولا يجب عليه تجديد عمرة ، وإن عاد (٢) في غير الشهر ، اعتمر اُخرىٰ ، وتمتّع بالأخيرة ، ووجب عليه الدم بالأخيرة .

ولا يسقط عنه الدم ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٣) وما تقدّم من الأحاديث الدالّة علىٰ صحّة العمرة إن رجع في الشهر الذي خرج فيه ، ووجوب إعادتها إن رجع في غيره ، وعلىٰ التقديرين يجب الدم .

وقال عطاء والمغيرة وأحمد وإسحاق : إذا خرج إلىٰ سفر بعيد تقصر الصلاة في مثله ، سقط عنه الدم ؛ لقول عمر : إذا اعتمر في أشهر الحجّ ثم أقام ، فهو متمتّع ، فإن خرج ورجع ، فليس بمتمتّع (٤) .

وهو محمول علىٰ مَنْ رجع في غير الشهر الذي خرج فيه ؛ جمعاً بين الأدلّة .

وقال الشافعي : إن رجع إلىٰ الميقات ، فلا دم عليه (٥) .

وقال أصحاب الرأي : إن رجع إلىٰ مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا (٦) .

وقال مالك : إن رجع إلىٰ مصره أو إلىٰ غيره أبعد من مصره ، بطلت متعته ، وإلّا فلا (٧) .

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) في « ق ، ك » : وإن دخل .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤) المغني ٣ : ٥٠٢ و ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

(٦) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

(٧) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٢ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

٢٤١
 &

وقال الحسن : هو متمتّع وإن رجع إلىٰ بلده . واختاره ابن المنذر (١) .

مسألة ٥٨٣ : إنّما يجب الدم علىٰ مَنْ أحلّ من إحرام العمرة ، فلو لم يحلّ وأدخل إحرام الحجّ عليها ، بطلت المتعة ، وسقط الدم ، وبه قال أحمد (٢) .

قالت عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عام حجّة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقدمت مكّة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( انقضىٰ رأسك وامتشطي وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة ) قالت : ففعلت فلمّا قضينا الحجّ أرسلنا مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلىٰ التنعيم فاعتمرت معه ، فقال : هذا مكان عمرتك (٣) .

قال عروة : فقضىٰ الله حجّها وعمرتها ولم يكن في شي‌ء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة (٤) .

ولأنّ الهدي إنّما يجب علىٰ المتمتّع ، والتقدير بطلان متعته .

أمّا المكّي لو تمتّع وجوّزناه فإنّه يجب عليه الهدي .

ولو دخل الآفاقي متمتّعاً إلىٰ مكّة ناوياً للإقامة بها بعد تمتّعه ، فعليه دم المتعة ، أجمع عليه العلماء ؛ للآية (٥) ، وبالعزم علىٰ الإقامة لا يثبت له حكمها .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٢ .

(٢) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ / ١٢١١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ / ١٧٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ .

(٤) المغني ٣ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٨ ، وانظر صحيح مسلم ٢ : ٨٧٢ ذيل الحديثين ١١٥ و ١١٧ .

(٥) البقرة : ١٩٦ .

٢٤٢
 &

ولو كان مولده ومنشؤه بمكّة ، فخرج منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتّعاً ناوياً للإقامة أو غير ناوٍ لها ، فعليه دم المتعة ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق (١) ـ لأنّ حضور المسجد الحرام إنّما يحصل بنيّة الإقامة وفعلها ، وهذا إنّما نوىٰ الإقامة إذا فرغ من أفعال الحجّ ؛ لأنّه إذا فرغ من عمرته فهو ناوٍ للخروج إلىٰ الحجّ ، فكأنّه إنّما نوىٰ أن يقيم بعد أن يجب الدم .

مسألة ٥٨٤ : الآفاقي إذا ترك الإحرام من الميقات ، وجب عليه الرجوع إليه والإحرام منه‌ مع القدرة ، فإن عجز ، أحرم من دونه لعمرته ، فإذا أحلّ ، أحرم بالحجّ من عامه وهو متمتّع ، وعليه دم المتعة ، ولا دم عليه لإحرامه من دون الميقات ؛ لأنّه تركه للضرورة .

قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع العلماء علىٰ أنّ مَنْ أحرم في أشهر الحجّ بعمرة وأحلّ منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالاً ثم حجّ من عامه أنّه متمتّع عليه دم المتعة (٢) .

وقال بعض العامّة : إذا تجاوز الميقات حتىٰ صار بينه وبين مكّة أقلّ من مسافة القصر فأحرم منه ، فلا دم عليه للمتعة ؛ لأنّه من حاضري المسجد الحرام (٣) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ حضور المسجد إنّما يحصل بالإقامة به ونيّة الإقامة ، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيّتها .

__________________

(١) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣١ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٠ ـ ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٧٥ ، المغني ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ .

(٢) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ .

(٣) المغني ٣ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ .

٢٤٣
 &

ولقوله تعالىٰ : ( ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (١) وهو يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنىٰ به ، وهذا ليس بساكن .

مسألة ٥٨٥ : الهدي إنّما يجب علىٰ المتمتّع‌ ، وهو المُحْرم بالعمرة في أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، فليس بمتمتّع ، ولا دم عليه إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً إلّا قولين نادرين :

أحدهما : قول طاوُس : إذا اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم أقام حتىٰ يحضر الحجّ ، فهو متمتّع (٢) .

والثاني : قول الحسن : من اعتمر بعد النحر فهي عمرة تمتّع (٣) .

قال ابن المنذر : لا نعلم أحداً قال بواحد من هذين القولين (٤) .

أمّا لو أحرم في غير أشهر الحجّ ثم أحلّ منها في أشهره ، فلذلك لا يصحّ له التمتّع بتلك العمرة ، وبه قال أحمد وجابر وإسحاق والشافعي في أحد القولين (٥) .

وقال في الآخر : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه . وبه قال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري (٦) .

وقال طاوُس : عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم (٧) .

وقال عطاء : عمرته في الشهر الذي يحلّ فيه . وبه قال مالك (٨) .

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢ و ٣) المغني ٣ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٤) المغني ٣ : ٥٠١ ـ ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٥ و ٧) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٨) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٢٨ .

٢٤٤
 &

وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحجّ ، فليس بمتمتّع ، وإن طاف الأربعة في أشهر الحجّ ، فهو متمتّع (١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه أتىٰ بنسك لا تتمّ العمرة إلّا به في غير أشهر الحجّ ، فلا يكون متمتّعاً ، كما لو طاف في غير أشهر الحجّ أو طاف دون الأربعة فيها .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكّة حتىٰ يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاور حتىٰ يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة » (٢) .

مسألة ٥٨٦ : المملوك إذا حجّ بإذن مولاه متمتّعاً ، لم يجب عليه الهدي‌ ولا علىٰ مولاه إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ ) (٣) .

وفي قول شاذّ للشافعي : يجب علىٰ مولاه أن يهدي عنه ؛ لتضمّن إذنه لذلك (٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ فرض غير الواجد الصومُ ، ولا فاقد كالعبد .

ولأنّ الحسن العطّار سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ أعليه أن يذبح عنه ؟ قال : « لا ، لأنّ الله تعالىٰ يقول : ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ ) (٥) » (٦) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ( باب من يجب عليه الهدي . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٨ / ٩٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٣ .

(٣) النحل : ٧٥ .

(٤) المجموع ٧ : ٥٤ .

(٥) النحل : ٧٥ .

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٠ / ٦٦٥ ، و ٤٨٢ / ١٧١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٣ .

٢٤٥
 &

إذا ثبت هذا ، فإنّ المولىٰ يتخيّر بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، عند علمائنا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد (١) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) وبتقدير تمليك المولىٰ يصير موسراً .

ولأنّ جميل بن دراج قال ـ في الصحيح ـ : سأل رجلٌ الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع ، قال : « فمُره فليصم وإن شئت فاذبح عنه » (٣) .

وفي الرواية الاُخرىٰ عن أحمد : لا يجزئه الذبح عنه ، ويلزمه الصوم عيناً ـ [ وبه ] (٤) قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ـ لأنّه غير مالك ، ولا سبيل له إلىٰ التملّك ، لأنّه لا يملك بالتمليك ، فصار كالعاجز الذي يتعذّر عليه الهدي ، فيلزمه الصوم (٥) .

مسألة ٥٨٧ : الواجب علىٰ المملوك من الصوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله‌ ، كالحُرّ ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٦) ـ لعموم قوله تعالى : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) (٧) ولأنّه صوم وجب لحلّه من إحرامه قبل إتمامه ، فكان عشرة أيّام ، كصوم الحُرّ .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : يصوم عن كلّ مدّ من قيمة الشاة

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٧٠ ـ ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩ .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ / ٩٢٥ .

(٤) أضفناها لأجل السياق .

(٥) المغني ٣ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩ ، مختصر المزني : ٧٠ ، المجموع ٧ : ٥٤ .

(٦) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩ .

(٧) البقرة : ١٩٦ .

٢٤٦
 &

يوماً ، والمعسر في الصوم كالعبد يجب عليه ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع (١) .

وقال بعض العامّة : يجب لكل مدّ من قيمة الشاة يوم (٢) .

ويبطل بالآية (٣) . وبقول عمر لهبّار بن الأسود : فإن وجدت سعةً فاهد ، وإن لم تجد سعةً فصُمْ ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعت (٤) .

ولو لم يذبح مولىٰ المملوك عنه ، تعيّن عليه الصوم ، ولا يجوز لمولاه منعه عن الصوم ؛ لأنّه صوم واجب ، فلا يحلّ له منعه عنه ، كرمضان .

ولو اُعتق المملوك قبل الوقوف بالموقفين ، أجزأ عن حجّة الإسلام ، ووجب عليه الهدي إن تمكّن ، وإلّا الصوم .

ولو لم يصم العبد إلىٰ أن تمضي أيّام التشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ، ولا يأمره بالصوم ، ولو أمره به ، لم يكن به بأس .

مسألة ٥٨٨ : إنّما يجب الهدي علىٰ المتمكّن منه أو من ثمنه‌ إذا وجده بالشراء ، ولا يجب بيع ثياب التجمّل في الهدي ، بل ينتقل إلىٰ الصوم ؛ لأنّ رجلاً سأل الرضا عليه‌السلام : عن رجل تمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ وفي عيبته ثياب ، له أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري بدنة ؟ قال : « لا ، هذا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً » (٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ القدرة تعتبر في موضعه ، فمتىٰ عدمه في

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩ .

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩ .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤) المغني ٣ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢٩ .

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ / ٨٠٢ بتفاوت يسير .

٢٤٧
 &

موضعه ، جاز له الانتقال إلىٰ الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان وجوبه موقّتاً اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدم في مكانه انتقل إلىٰ التراب .

ولو تمتّع الصبي ، وجب علىٰ وليّه أن يذبح عنه ؛ للعموم ، فإن لم يجد ، فليصم عنه عشرة أيّام ؛ للآية (١) .

ولقول أبي نعيم : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان ، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم يقدروا (٢) علىٰ الغنم ، قال : « فليصم عن كلّ صبي وليُّه » (٣) .

البحث الثاني : في كيفية الذبح .

مسألة ٥٨٩ : يجب في الذبح والنحر النيّة ؛ لأنّه عبادة ، وكلّ عبادة بنيّة ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ) (٤) .

ولأنّ جهات إراقة الدم متعدّدة ، فلا يتخلّص المذبوح هدياً إلّا بالقصد .

ويجب اشتمالها علىٰ جنس الفعل وجهته من كونه هدياً أو كفّارةً أو غير ذلك ، وصفته من وجوب أو ندب ، والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ .

ويجوز أن يتولّاها عنه الذابح ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه كغيره من الأفعال .

مسألة ٥٩٠ : وتختصّ الإبل بالنحر ، فلا يجوز ذبحها ، والبقر والغنم بالذبح ، فلا يجوز نحرها‌ ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « كلّ منحور مذبوح حرام ،

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) في المصدر : ولم نقدر .

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / ٨٠١ وفيه : . . . عن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن أعين قال : تمتّعنا ، إلىٰ آخره .

(٤) البيّنة : ٥ .

٢٤٨
 &

وكلّ مذبوح منحور حرام » (١) .

ويستحب أن يتولّىٰ الحاجّ بنفسه الذبح أو النحر ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحر هديه بنفسه (٢) .

ولما رواه العامّة عن غرفة بن الحارث الكندي ، قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع واُتي بالبُدْن ، فقال : ( ادع لي أبا حسن ) فدُعي له علي عليه‌السلام ، فقال : ( خُذْ بأسفل الحربة ) وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأعلاها ، ثم طعنا بها البُدْن (٣) . وإنّما فعلا ذلك ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرك عليّاً عليه‌السلام في هديه (٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في صفة حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء علي عليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منها ستّاً وستّين ، ونحر علي عليه‌السلام أربعاً وثلاثين » (٥) .

وفي رواية : « ساق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مائة بدنة ، فجعل لعليٍّ عليه‌السلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً طبخها في قِدْرٍ ، وأكلا منها وتحسّيا من المرق ، وافتخر علي عليه‌السلام علىٰ أصحابه وقال : مَنْ فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه ؟ مَنْ فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده ؟ » (٦) .

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٥ .

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ ـ ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٦ .

(٤) المصادر في الهامش (٢) .

(٥) التهذيب ٥ : ٤٥٧ / ١٥٨٨ ، وفي الكافي ٤ : ٢٤٧ / ٤ بتفاوت يسير .

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤ / ٦٦٥ .

٢٤٩
 &

ولو لم يُحسن الذباحة ، ولّاها غيره ، واستحبّ له أن يجعل يده مع يد الذابح ، وينوي الذابح عن صاحبها ؛ لأنّه فعل تدخله النيابة ، فيدخل في شرطه . ويستحب له أن يذكره بلسانه ، فيقول بلسانه : أذبح عن فلان بن فلان ، عند الذبح ، والواجب القصد بالنيّة .

ولو نوىٰ بقلبه عن صاحبها وأخطأ فتلفّظ بغيره ، كان الاعتبار بالنيّة ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أتجزئ عن صاحب الضحيّة ؟ فقال : « نعم إنّما له ما نوىٰ » (١) .

مسألة ٥٩١ : يستحب نحر الإبل قائمة من الجانب الأيمن‌ قد رُبطت يدها ما بين الخفّ إلىٰ الركبة ثم يطعن في لبَّتها ، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر (٢) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) (٣) .

وقال المفسّرون في قوله تعالىٰ : ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) (٤) : أي قياماً (٥) .

وما رواه العامّة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرىٰ قائمة علىٰ ما بقي من قوائمها (٦) .

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٦ / ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٨ بتفاوت يسير .

(٢) أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١٢٨٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٥٩ ، المجموع ٩ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٢ و ١١ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥١ و ١١ : ٥٤ .

(٣ و ٤) الحجّ : ٣٦ .

(٥) تفسير الطبري ١٧ : ١١٨ ، مجمع البيان ٤ : ٨٦ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٦١ .

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤٩ / ١٧٦٧ .

٢٥٠
 &

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الصباح الكناني : سألت الصادق عليه‌السلام : كيف تُنحر البدنة ؟ قال : « تُنحر وهي قائمة من قِبَل اليمين » (١) .

وعن أبي خديجة قال : رأيت الصادق عليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرىٰ ، ثم يقوم من جانب يدها اليمنىٰ ويقول : « بسم الله والله أكبر ، هذا منك ولك ، اللّهم تقبّل منّي » ثم يطعن في لبَّتها ثم يخرج السكّين بيده ، فإذا وجبت جنوبها قطع موضع الذبح بيده (٢) .

وهذا القيام مستحب لا واجب إجماعاً .

ولو خاف نفورها ، أناخها ونحرها باركةً .

مسألة ٥٩٢ : يجب توجيه الذبيحة إلىٰ القبلة ، خلافاً للعامّة (٣) ، وسيأتي في موضعه . ويستحب الدعاء بالمنقول . ويمرّ السكّين ، ولا ينخعها حتىٰ تموت .

وتجب التسمية عند علمائنا ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ) (٤) وقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) (٥) .

ولو نسي التسمية ، حلّ أكله ؛ لرواية ابن سنان ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إذا ذبح المسلم ولم يسمّ ونسي فكُلْ من ذبيحته وسمّ الله علىٰ ما تأكل » (٦) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ / ١٤٨٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٤ بتفاوت يسير .

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ / ٧٤٥ بتفاوت يسير .

(٣) المغني ٣ : ٤٦٣ ، المجموع ٨ : ٤٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٨٠ .

(٤) الحجّ : ٣٦ .

(٥) الأنعام : ١٢١ .

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٧ .

٢٥١
 &

مسألة ٥٩٣ : يجب النحر أو الذبح في هدي التمتّع بمنىٰ‌ ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( منىٰ كلّها منحر ) (١) والتخصيص بالذكر يدلّ علىٰ التخصيص في الحكم .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر ، فقال : « إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنىٰ ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحىٰ » (٢) .

وقال أكثر العامّة : إنّه مستحب ، وإنّ الواجب نحره بالحرم ـ وقال بعض العامّة : لو ذبحه في الحِلّ وفرّقه في الحرم ، أجزأه (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( كلّ منىٰ منحر ، وكلّ فجاج مكّة منحر وطريق ) (٤) (٥) .

ونحن نقول بموجبه ؛ لأنّ بعض الدماء ينحر بمكّة ، وبعضها ينحر بمنىٰ .

ولو ساق هدياً في الحجّ ، نحره أو ذبحه بمنىٰ ، وإن كان قد ساقه في العمرة ، نحره أو ذبحه بمكّة قبالة الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة ؛ لأنّ

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ / ١٩٣٥ و ١٩٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦ .

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨ .

(٣) فتح العزيز ٨ : ٨٦ .

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٩٣ ـ ١٩٤ / ١٩٣٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٣ / ٣٠٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٦ بتفاوت يسير ، ونصّه في المغني والشرح الكبير . اُنظر الهامش التالي .

(٥) المغني ٣ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المجموع ٨ : ١٩٠ .

٢٥٢
 &

شعيب العقرقوفي سأل الصادقَ عليه‌السلام : سُقْتُ في العمرة بدنةً فأين أنحرها ؟ قال : « بمكّة » قلت : فأيّ شي‌ء اُعطي منها ؟ قال : « كُلْ ثلثاً واهد ثلثاً وتصدّق بثلث » (١) .

وأمّا ما يلزم المُحْرم من فداءٍ عن صيدٍ أو غيره ، يذبحه أو ينحره بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنىٰ إن كان حاجّاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٢) وقال تعالىٰ : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) في جزاء الصيد .

وقال أحمد : يجوز في موضع السبب ـ وقال الشافعي : لا يجوز إلّا في الحرم (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبيّة (٥) ، ولم يأمره ببعثه إلىٰ الحرم (٦) .

وروىٰ الأثرم وأبو إسحاق الجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولىٰ عبد الله بن جعفر ، قال : كنت مع عليّ والحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فاشتكى حسين بن عليّ عليهما‌السلام بالسقيا ، فأومأ بيده إلىٰ رأسه ، فحلقه علي عليه‌السلام ، ونحر عنه جزوراً بالسقيا (٧) .

وأمْرُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديبيّة لا يستلزم الذبح بها . ونمنع الرواية الثانية .

وما وجب نحره بالحرم وجب تفرقة لحمه به ، وبه قال الشافعي

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ / ٦٧٢ .

(٢) الحجّ : ٣٣ .

(٣) المائدة : ٩٥ .

(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٧ ـ ٨٨ ، المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧ .

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٢ / ١٨٥٦ .

(٦) المغني ٣ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧ .

(٧) المغني ٣ : ٥٨٧ ـ ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٧ .

٢٥٣
 &

وأحمد (١) .

وقال مالك وأبو حنيفة : إذا ذبحها في الحرم ، جاز تفرقة لحمها في الحِلّ (٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه أحد مقصودي النسك ، فلم يجز في الحِلّ ، كالذبح . ولأنّ المقصود من ذبحه بالحرم التوسعةُ علىٰ مساكينه ، وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم . ولأنّه نسك يختصّ بالحرم ، فكان جميعه مختصّاً به ، كالطواف وسائر المناسك .

مسألة ٥٩٤ : وقت استقرار وجوب الهدي إحرام المتمتّع بالحجّ‌ ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٣) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) .

ولأنّ المجعول غاية يكفي وجود أوّله ؛ لقوله تعالىٰ : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٥) .

وقال مالك : يجب إذا وقف بعرفة ـ وهو قول أحمد في الرواية الاُخرىٰ ـ لأنّ التمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ إنّما يحصل بعد وجود الحجّ منه ، ولا يحصل ذلك إلّا بالوقوف ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحجّ عرفة ) (٦) .

__________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٨٦ ، المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦ .

(٢) المغني ٣ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٥ .

(٣) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣ .

(٤) البقرة : ١٩٦ .

(٥) البقرة : ١٨٧ .

(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ / ١٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٦٤ و ٢ : ٢٧٨ .

٢٥٤
 &

ولأنّه قبل ذلك معرَّض للفوات ، فلا يحصل التمتّع (١) .

وقال عطاء : يجب إذا رمىٰ جمرة العقبة ـ وهو مروي عن مالك ـ لأنّه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه (٢) .

ونمنع كون التمتّع إنّما يحصل بالوقوف ، بل بالإحرام يتلبّس بالحجّ . علىٰ أنّ قوله عليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه (٣) ، يُعطي التلبّس به من أوّل أفعال العمرة .

والتعريض للفوات لا يقتضي عدم الإيجاب . وكون وقت الذبح بعد رمي جمرة العقبة لا يستلزم كون وقت وجوبه ذلك .

إذا عرفت هذا ، فوقت ذبحه أو نحره يوم النحر ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية (٤) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نحر يوم النحر وكذا أصحابه (٥) ، وقال عليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٦) .

ولأنّ ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه الاُضحية ، فلا يجوز فيه ذبح هدي التمتّع كقبل التحلّل من العمرة .

أمّا مَنْ ساق هدياً في العشر ، فإن كان قد أشعره أو قلّده ، فلا ينحره

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ .

(٢) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٨٤ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ .

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٨ ، المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ .

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ ـ ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

٢٥٥
 &

إلّا بمنىٰ يوم النحر ، وإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، فإنّه ينحره بمكّة إذا قدم في العشر ؛ لما رواه مسمع ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا دخل بهديه في العشر ، فإن كان أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر بمنىٰ ، وإن لم يقلّده ولم يشعره فينحره بمكّة إذا قدم في العشر » (١) .

وكذا لو كان تطوّعاً ، فإنّه ينحره بمكّة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « إن كان واجباً نحره بمنىٰ ، وإن كان تطوّعاً نحره بمكّة ، وإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحىٰ » (٢) .

ولأنّا قد بيّنّا أنّ الذبح إنّما يجب بمنىٰ ، وهو إنّما يكون يوم النحر .

وقال عطاء وأحمد في رواية : يجوز له نحره في شوّال ، وإن قدم في العشر ، لم ينحره إلّا بمنىٰ يوم النحر (٣) .

وقال الشافعي : يجوز نحره بعد الإحرام قولاً واحداً ، وفيما قبل ذلك بعد حلّه من العمرة قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الهدي يتعلّق به عمل البدن ، وهو تفرقة اللحم ، والعبادات البدنية لا تُقدّم علىٰ وقت وجوبها .

وأصحّهما عندهم : الجواز ؛ لأنّه حقٌّ ماليّ تعلّق بشيئين : الفراغ من العمرة والشروع في الحجّ ، فإذا وجد أحدهما ، جاز إخراجه ، كالزكاة .

ولا خلاف بين الشافعية في أنّه لا يجوز تقديمه علىٰ العمرة (٤) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٧٩٩ بتفاوت يسير وتقديم وتأخير في بعض الألفاظ .

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٣ / ٩٢٨ بتفاوت .

(٣) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ـ ١٦٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥١ ـ ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ .

٢٥٦
 &

مسألة ٥٩٥ : أيّام النحر بمنىٰ أربعة أيّام : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي غيرها من الأمصار ثلاثة أيام : يوم النحر ويومان بعده ـ وبه قال علي عليه‌السلام ، والحسن وعطاء والأوزاعي والشافعي وابن المنذر (١) ـ لما رواه العامّة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أيّام [ التشريق ] (٢) كلّها منحر ) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأضحىٰ كم هو بمنىٰ ؟ فقال : « أربعة أيّام » وسألته عن الأضحىٰ في غير منىٰ ؟ فقال : « ثلاثة أيّام » فقلت : ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحىٰ بيومين ، أله أن يضحّي في اليوم الثالث ؟ قال : « نعم » (٤) .

وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد : في الأمصار يوم واحد ، وبمنىٰ ثلاثة (٥) .

وقال أحمد : يوم النحر ويومان بعده ـ وبه قال مالك والثوري ، وروي عن ابن عباس وابن عمر ـ لأنّ اليوم الرابع لا يصلح للرمي ، فلا يصلح للذبح (٦) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٩٩ .

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : « العشر » وما أثبتناه من المصدر ، وكما في منتهىٰ المطلب ـ للمصنّف رحمه‌الله ـ ٢ : ٧٣٩ .

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٣٩ و ٩ : ٢٩٦ ، وفي الموضعين منه : « ذبح » بدل « منحر » .

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ / ٩٣٠ .

(٥) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ .

(٦) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٦ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٩٩ .

٢٥٧
 &

والملازمة ممنوعة .

فرعان :

أ : يجب تقديم الذبح علىٰ الحلق بمنىٰ‌ ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « يبدأ بمنىٰ بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح » (١) .

ولو أخّره ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ، ولو كان عامداً ، أثم وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجّة جاز .

ب : قال أكثر فقهاء العامّة : يجزئ ذبح الهدي في الليالي المتخلّلة‌ لأيّام النحر (٢) .

البحث الثالث : في صفات الهدي .

مسألة ٥٩٦ : يجب أن يكون الهدي من بهيمة الأنعام : الإبل أو البقر أو الغنم ، إجماعاً .

قال تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) (٣) .

وأفضله البُدْن ثم البقر ثم الغنم ؛ لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة ) (٤) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٨ / ٧ ، وفيه : « تبدأ . . . » التهذيب ٥ : ٢٢٢ / ٧٤٩ .

(٢) المغني ٣ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٧ ـ ٥٥٨ ، المجموع ٨ : ٣٩١ .

(٣) الحجّ : ٢٨ .

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٣ ـ ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ / ٨٥٠ ، الموطّأ ١ : ١٠١ / ١ .

٢٥٨
 &

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ في المتمتّع : « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي ؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة » (١) .

ولأنّ الأكثر لحماً أكثر نفعاً ، ولهذا أجزأت البدنة عن سبع شياه .

مسألة ٥٩٧ : ولا يجزئ في الهدي إلّا الجذع من الضأن والثنيّ من غيره‌ . والجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر ، وثنيّ المعز والبقر ما لَه سنة ودخل في الثانية ، وثنيّ الإبل ما لَه خمس ودخل في السادسة ـ وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي (٢) ـ لما رواه العامّة عن اُم بلال بنت هلال عن أبيها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يجوز الجذع من الضأن اُضحية ) (٣) .

وعن أبي بردة بن نيار (٤) ، قال : يا رسول الله إنّ عندي عناقاً جذعاً هي خيرٌ مَنْ شاتَي لحمٍ ؟ فقال : ( تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك ) (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ » (٦) .

وسأل حمّادُ بن عثمان الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن أدنىٰ ما

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « . . . وأخفضه شاة » .

(٢) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٤٣٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٥ ، المجموع ٨ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٢ .

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٩ / ٣١٣٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٦٨ .

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أبي بردة بن يسار . وما أثبتناه هو الصحيح وكما في المصادر .

(٥) المغني ٣ : ٥٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٦ / ٢٨٠٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٢٣ بتفاوت في اللفظ فيهما .

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٨٩ .

٢٥٩
 &

يجزئ من أسنان الغنم في الهدي ، فقال : « الجذع من الضأن » قلت : فالمعز ؟ قال : « لا يجوز الجذع من المعز » قلت : ولِمَ ؟ قال : « لأنّ الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح » (١) .

مسألة ٥٩٨ : ويجب أن يكون تامّاً‌ ، فلا تجزئ العوراء ، ولا العرجاء البيّن عرجها ، ولا المريضة البيّن مرضها ، ولا الكسيرة (٢) التي لا تُنقي (٣) ، وقد وقع الاتّفاق بين العلماء علىٰ اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع .

روىٰ العامّة عن البراء بن عازب ، قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن عرجها ، والكسيرة التي لا تنقي ) (٤) أي التي لا مخّ لها لهزالها .

وأمّا المريضة فقيل : هي الجرباء ؛ لأنّ الجرب يفسد اللحم (٥) .

والوجه : اعتبار كلّ مرض يؤثّر في هزالها وفساد لحمها ، ومعنىٰ البيّن عورها : أي التي انخسفت عينها وذهبت ، فإنّ ذلك ينقصها ؛ لأنّ شحمة العين عضو يستطاب أكله (٦) . والبيّن عرجها : لا تتمكّن من السير مع الغنم ولا تشاركها في العلف والرعي فتهزل .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٦ / ٦٩٠ .

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : الكبيرة ، وكذا في نظيرها الآتي في رواية البراء ابن عازب . وما أثبتناه من المصدر .

(٣) أي : التي لا مخّ لها لضعفها وهزالها ، كما سيأتي ، والنقي : المخّ . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١١٠ « نقا » .

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٩٧ / ٢٨٠٢ .

(٥) القائل هو الخرقي من الحنابلة . اُنظر الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .

(٦) في الطبعة الحجريّة : أكلها .

٢٦٠