تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ولو دخل وقت فريضة وهو في أثناء السعي ، قَطَعه ، وابتدأ بالصلاة ، فإذا فرغ منها تمّم سعيه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفّف أو يقطع ويصلّي ثم يعود أو يثبت كما هو علىٰ حاله حتىٰ يفرغ ؟ قال : « لا ، بل يصلّي ثم يعود أو ليس عليهما مسجد ؟ » (١) .

مسألة ٥٠١ : إذا طاف ، جاز له أن يؤخّر السعي إلىٰ بعد ساعة ، ولا يجوز إلىٰ غد يومه ـ وبه قال أحمد وعطاء والحسن وسعيد بن جبير (٢) ـ لأنّ الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولىٰ .

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يقدم مكّة وقد اشتدّ عليه الحَرّ ، فيطوف بالكعبة فيؤخّر السعي إلىٰ أن يبرد ، فقال : « لا بأس به ، وربما فَعَلْتُه » قال : وربما رأيته يؤخّر السعي إلىٰ الليل (٣) .

وسأل محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ أحدَهما عليهما‌السلام : عن رجل طاف بالبيت فأعيىٰ ، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلىٰ غد ؟ قال : « لا » (٤) .

مسألة ٥٠٢ : السعي تبع للطواف لا يصحّ تقديمه عليه‌ ـ وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٥) ـ لما رواه العامّة :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٩ .

(٢) المغني ٣ : ٤١١ ـ ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢ .

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٨ ـ ١٢٩ / ٤٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٠ .

(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٣ / ١٢٢٠ .

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٧ ، المجموع ٨ : ٧٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٥١ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢ .

١٤١
 &

أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سعىٰ بعد طوافه (١) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية منصور بن حازم ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ، فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلىٰ الصفا والمروة فيطوف بينهما » (٣) .

ولو طاف بعض الطواف ثم مضىٰ إلىٰ السعي ناسياً ، فذكر في أثناء السعي نقص الطواف ، رجع فأتمّ طوافه ثم عاد إلىٰ السعي فأتمّ سعيه ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلىٰ الصفا فطاف به ثم ذكر أنّه قد بقي عليه من طوافه شي‌ء ، فأمره أن يرجع إلىٰ البيت فيُتمّ ما بقي من طوافه ثم يرجع إلىٰ الصفا فيُتمّ ما بقي فقلت له : فإنّه طاف بالصفا وترك البيت ، قال : « يرجع إلىٰ البيت ، فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا » فقلت : ما فرق بين هذين ؟ قال : « لأنّه قد دخل في شي‌ء من الطواف ، وهذا لم يدخل في شي‌ء منه » (٤) .

تذنيب : لو سعىٰ بعد طوافه ثم ذكر أنّه طاف بغير طهارة ، لم يعتد بطوافه ولا بسعيه‌ ؛ لأنّه تبع له .

مسألة ٥٠٣ : السعي واجب في الحجّ والعمرة ، ولا يجزئ السعي في أحدهما عن الآخر ، عند علمائنا ؛ لأنّ كلّ واحد منهما نسك يشترط فيه الطواف ، فيشترط فيه السعي ، كالآخر .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ ـ ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ، المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢ .

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

(٣) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٠ / ٤٢٨ .

١٤٢
 &

ولقول الصادق عليه‌السلام : « علىٰ المتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت ، ويصلّي لكلّ طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة » (١) .

وقال بعض العامّة : لو سعىٰ القارن والمفرد بعد طواف القدوم ، لم يلزمهما بعد ذلك سعي ، وإن لم يسعيا معه ، لزمهما السعي مع طواف الزيارة (٢) .

مسألة ٥٠٤ : لا يجوز تقديم طواف النساء علىٰ السعي ، فإن فَعَله متعمّداً ، أعاد طواف النساء‌ ، وإن كان ناسياً ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ أحمد بن محمد روىٰ عمّن ذكره ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جُعلت فداك متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثم طاف طواف النساء ثم سعىٰ ، فقال : « لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء » فقلت : عليه شي‌ء ؟ فقال : « لا يكون سعي إلّا قبل طواف النساء » (٣) .

ولا يجوز للمتمتّع أن يقدّم طواف الحجّ وسعيه علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات اختياراً ، قاله العلماء كافّة .

روىٰ أبو بصير ، قال : قلت : رجل كان متمتّعاً فأهلّ بالحجّ ، قال : « لا يطوف بالبيت حتىٰ يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منىٰ من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف » (٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ التقديم للضرورة ـ كالشيخ الكبير والمريض وخائفة الحيض ـ جائز ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن يعجّل الشيخ

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٦ .

(٢) المغني ٣ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٢ .

(٣) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣١ / ٧٩٩ .

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٣ .

١٤٣
 &

الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج (١) إلىٰ منىٰ » (٢) .

وكذا يجوز تقديم طواف النساء علىٰ الموقفين مع العذر لا مع الاختيار ؛ لأنّ الحسن بن علي روىٰ عن أبيه عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلىٰ منىٰ ، وكذلك لمن خاف أن لا يتهيّأ (٣) له الانصراف إلىٰ مكّة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو (٤) من منىٰ إذا كان خائفاً » (٥) .

وسيأتي تمام ذلك إن شاء الله تعالىٰ .

قال الشيخ رحمه‌الله : يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما علىٰ المضيّ إلىٰ عرفات لضرورة وغيرها (٦) ؛ لأنّ حماد بن عثمان روىٰ ـ في الصحيح ـ قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن مفرد الحجّ أيعجّل طوافه أو يؤخّره ؟ قال : « هو والله سواء عجّله أو أخّره » (٧) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَ عليه‌السلام : عن رجل يُحْرم بالحجّ من مكّة ثم يرىٰ البيت خالياً فيطوف قبل أن يخرج ، عليه شي‌ء ؟ قال : « لا » (٨) .

قال الشيخ (٩) : ويجدّدان التلبية لو قدّما الطواف ؛ ليبقيا علىٰ إحرامهما ، ولو لم يجدّداها ، انقلبت الحجّة عمرة .

__________________

(١) في التهذيبين : يخرجوا .

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣١ / ٤٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٥ .

(٣) في المصدر : « لمن خاف أمراً لا يتهيّأ . . . » .

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « كما مرّ » وما أثبتناه من المصدر .

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ / ٧٩٨ .

(٦) النهاية : ٢٤١ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٩ .

(٧) الكافي ٤ : ٤٥٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٥ / ١٣٥ ، و ١٣٢ / ٤٣٤ .

(٨) الفقيه ٢ : ٢٤٤ / ١١٦٩ .

(٩) اُنظر : التهذيب ٥ : ٤٤ ذيل الحديث ١٣١ .

١٤٤
 &

وأنكر ابن إدريس (١) وكافّة العامّة ذلك .

البحث الرابع : في التقصير .

مسألة ٥٠٥ : إذا فرغ المتمتّع من السعي ، قصّر من شعره‌ وقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا الصيد ؛ لكونه في الحرم ، فلو خرج منه ، كان مباحاً له ، ويحلّ له أكل ما ذبح في الحلّ في الحرم إجماعاً .

روىٰ العامّة عن ابن عمر قال : تمتّع الناس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلىٰ الحجّ ، فلمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة قال للناس : ( مَنْ كان معه هدي فإنّه لا يحلّ من شي‌ء أحرم منه حتىٰ يقضي حجّته ، ومَنْ لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل ) (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتّع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخُذْ من شاربك وقلّم من أظفارك وابق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء يحلّ منه المُحْرم وأحرمت منه ، وطُفْ بالبيت تطوّعاً ما شئت » (٣) .

مسألة ٥٠٦ : التقصير نسك في العمرة ، فلا يقع الإحلال إلّا به أو بالحلق ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين (٤) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( رحم الله

__________________

(١) السرائر : ١٣٥ .

(٢) المغني ٣ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣ .

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢١ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، المجموع ٨ : ٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ و ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٧ .

١٤٥
 &

المحلّقين ) قيل : يا رسول الله والمقصّرين ، فقال : ( رحم الله المحلّقين ) إلىٰ أن قال في الثالثة أو الرابعة : ( رحم الله المقصّرين ) (١) وهو يدلّ علىٰ أنّه نسك .

ومن طريق الخاصّة : الأحاديث الدالّة علىٰ الأمر بالتقصير (٢) ، فيكون واجباً .

وقال الشافعي في الآخر : إنّه إطلاق محظور ، بأنّ كلّ ما كان محرّماً في الإحرام فإذا جاز له ، كان إطلاقَ محظور (٣) .

ونمنع الكلّيّة .

ولا يستحب له تأخير التقصير ، فإن أخّره ، لم تتعلّق به كفّارة .

مسألة ٥٠٧ : لو أخلّ بالتقصير عامداً حتىٰ أهلّ بالحجّ ، بطلت عمرته ، وكانت حجّته مفردةً .

ولا تدخل أفعال الحجّ في أفعال العمرة ـ وبه قال علي عليه‌السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه (٤) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٥) .

وقال الشافعي : إذا قرن ، تدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ ، واقتصر علىٰ أفعال الحجّ فقط ، يجزئه طواف واحد وسعي واحد عنهما .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٦٤ .

(٢) منها ما تقدّم عن الإمام الصادق عليه‌السلام في المسألة السابقة .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ .

(٤) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ .

(٥) البقرة : ١٩٦ .

١٤٦
 &

وبه قال جابر وابن عمر وعطاء وطاوُس والحسن البصري ومجاهد وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق (١) .

ويبطل بما رواه العامّة عن عمران بن الحصين : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ جمع الحجّ إلىٰ العمرة فعليه طوافان ) (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا طاف وسعىٰ ثم لبّىٰ قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر ، وليس له متعة » (٣) .

ولو أخلّ بالتقصير ناسياً ، صحّت متعته ، ووجب عليه دم ـ قاله الشيخ (٤) رحمه‌الله ـ لأنّ إسحاق بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه‌السلام : الرجل يتمتّع وينسىٰ أن يقصّر حتىٰ يهلّ بالحجّ ، فقال : « عليه دم يهريقه » (٥) .

وحمله الصدوق علىٰ الاستحباب (٦) ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتىٰ دخل الحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمّت عمرته » (٧) .

مسألة ٥٠٨ : لو جامع امرأته قبل التقصير ، وجب عليه جزور‌ إن كان

__________________

(١) المجموع ٨ : ٦١ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ١٤١ ، المغني ٣ : ٤٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ .

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٣٣ ذيل المسألة ١٤٨ ، ونقله الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ بلفظ : ( مَنْ جمع بين الحجّ والعمرة . . . ) .

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٣ / ٨٤٦ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٨ ذيل الحديث ٥٢٦ .

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ١٥٩ / ٥٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٤ ، والفقيه ٢ : ٢٣٧ / ١١٢٨ .

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٧ ذيل الحديث ١١٢٩ .

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ / ٨٤٥ .

١٤٧
 &

موسراً ، وإن كان متوسّطاً ، فبقرة ، وإن كان فقيراً ، فشاة إن كان عامداً عالماً ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : عن متمتّع وقع علىٰ امرأته قبل أن يقصّر ، قال : « ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه » (١) .

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن متمتّع وقع علىٰ امرأته ولم يقصّر ، فقال : « ينحر جزوراً وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه » (٢) .

أمّا لو واقعها بعد التقصير ، فلا شي‌ء عليه إجماعاً .

ولو قبّل امرأته قبل التقصير ، وجب عليه دم شاة ـ قاله الشيخ (٣) ـ لرواية الحلبي ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن متمتّع طاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقبّل امرأته قبل أن يقصّر من رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، وإن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة » (٤) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ عمرته لا تبطل ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي (٥) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه سُئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصّر ، قال : مَنْ ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليرق دماً ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٦ ، وفيه إلىٰ قوله : « جزوراً » . وقوله : « وقد خشيت . . . حجّه » من تتمّة رواية معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، التي وردت بعد رواية الحلبي ، وفيها : « وقد خفت . . . » .

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٩ .

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٠ ذيل الحديث ٥٣٤ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٠ ـ ١٦١ / ٥٣٥ .

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٨ .

١٤٨
 &

قيل : إنّها موسرة ، قال : فلتنحر ناقة (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « وقد خفت أن يكون قد ثلم حجّه » (٢) وهو يدلّ علىٰ الصحّة .

وقال الشافعي : تفسد عمرته (٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن طاوعته ، كفّرت أيضاً ، وإن أكرهها ، تحمّل عنها .

مسألة ٥٠٩ : التقصير في إحرام العمرة أولىٰ من الحلق ، قاله الشيخ في الخلاف (٤) .

ومنع في غيره من الحلق ، وأوجب به دم شاة مع العمد (٥) .

وقال أحمد : التقصير أفضل (٦) ؛ لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر لمّا وصف حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لأصحابه : ( حلّوا من إحرامكم بطواف بين الصفا والمروة وقصّروا ) (٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه » (٨) .

وسأل جميلُ بن درّاج الصادقَ عليه‌السلام: عن متمتّع حلق رأسه بمكة ،

__________________

(١) المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥ .

(٢) تقدّمت الإشارة إلىٰ مصدره في ص ١٤٨ ، الهامش (٢) .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٥ .

(٤) الخلاف ٢ : ٣٣٠ ، المسألة ١٤٤ .

(٥) النهاية : ٢٤٦ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٣ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٢ .

(٦) المغني ٣ : ٤١٣ ـ ٤١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٤ .

(٧) أورده ابنا قدامة عن جابر فقط في المغني ٣ : ٤١٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٢٤ .

(٨) التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٢ .

١٤٩
 &

قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء » (١) .

وقال الشافعي : الحلق أفضل (٢) ؛ لقوله تعالىٰ : ( مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٣) . بدأ بالأهمّ .

وهو لا يعارض ما تقدّم .

مسألة ٥١٠ : أدنىٰ التقصير أن يقصّر شيئاً من شعر رأسه‌ ولو كان يسيراً ، وأقلّه ثلاث شعرات ؛ لحصول الامتثال به ، هذا قول علمائنا ، وبه قال الشافعي (٤) .

وقال أبو حنيفة : الربع (٥) .

وقال مالك : يقصّر من جميع رأسه أو يحلقه أجمع . وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين ـ وفي الاُخرىٰ كقولنا (٦) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حلق جميع رأسه (٧) . ولأنّه نسك يتعلّق بالرأس ، فيجب استيعابه ، كالمسح (٨) .

وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيان للحلق في الحجّ ، ونمنع حكم أصل قياسهم .

إذا عرفت هذا ، فلو قصّر الشعر بأيّ شي‌ء كان ، أجزأه ، وكذا لو نتفه

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٣ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٥ و ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤ .

(٣) الفتح : ٢٧ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣ .

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٤ .

(٦) المغني ٣ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣ .

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ .

(٨) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٢٥ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٢٩ ، المغني ٣ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٣ .

١٥٠
 &

أو أزاله بالنورة .

ولو قصّر من الشعر النازل عن حدّ الرأس أو ما يحاذيه ، أجزأه .

ولو قصّر من أظفاره ، أجزأه ، وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام سأله حفص وجميل وغيرهما : عن مُحْرم يُقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ، قال : « يجزئه » (١) .

مسألة ٥١١ : ليس في إحرام عمرة التمتّع طواف النساء ، بل في إحرام العمرة المبتولة ؛ لأنّ أبا القاسم مخلد بن موسىٰ الرازي كتب [ إلىٰ الرجل ] (٢) يسأله عن العمرة المبتولة هل علىٰ صاحبها طواف النساء ؟ وعن العمرة التي يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ، فكتب « أمّا العمرة المبتولة فعلىٰ صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلىٰ الحجّ فليس علىٰ صاحبها طواف النساء » (٣) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي للمتمتّع بعد التقصير أن يتشبّه بالمُحْرمين في ترك لُبْس المخيط ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلىٰ الحجّ إذا أحلّ أن لا يلبس قميصاً وليتشبّه بالمُحْرمين » (٤) .

مسألة ٥١٢ : يكره له أن يخرج من مكة قبل قضاء مناسكه كلّها‌ ، إلّا لضرورة ، فإن اضطرّ إلىٰ الخروج ، خرج إلىٰ حيث لا يفوته الحجّ ، ويخرج مُحْرماً بالحجّ ، فإن أمكنه الرجوع إلىٰ مكة ، وإلّا مضىٰ علىٰ إحرامه إلىٰ عرفات .

ولو خرج بغير إحرام ثم عاد ، فإن كان في الشهر الذي خرج فيه ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٩ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٦ .

(٢) أضفناها من المصادر .

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٥٤ / ٨٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٢ / ٨٠٤ .

(٤) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٦٠ / ٥٣٢ .

١٥١
 &

لم يضرّه أن يدخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر الذي خرج فيه ، دخلها مُحْرماً بالعمرة إلىٰ الحجّ ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلىٰ الحجّ ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « مَنْ دخل مكة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتىٰ يقضي الحجّ ، فإن عرضت له الحاجة إلىٰ عسفان أو إلىٰ الطائف أو إلىٰ ذات عرق ، خرج مُحْرماً ، ودخل ملبّياً بالحجّ ، فلا يزال علىٰ إحرامه ، فإن رجع إلىٰ مكة رجع مُحْرماً ، ولم يقرب البيت حتىٰ يخرج مع الناس إلىٰ منىٰ » قلت : فإن جهل فخرج إلىٰ المدينة وإلىٰ نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ أيدخلها مُحْرماً أو بغير إحرام ؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل مُحْرماً » قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعته ؟ الأولىٰ أو الأخيرة ؟ قال : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّه » (١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه ، استحبّ له أن يدخلها مُحْرماً بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام علىٰ ما تقدّم .

مسألة ٥١٣ : لو دخل المُحْرم مكة وقدر علىٰ إنشاء الإحرام للحجّ بعد طوافه وسعيه وتقصيره ، وإدراك عرفات والمشعر ، جاز له ذلك‌ وإن كان بعد زوال الشمس من يوم التروية أو ليلة عرفة أو يومها قبل الزوال أو بعده إذا علم إدراك الموقفين ـ اختاره الشيخ (٢) رحمه‌الله ـ لأنّ هشام بن سالم [ روىٰ ] (٣) ـ في الصحيح ـ [ عن ] (٤) الصادق عليه‌السلام : في الرجل المتمتّع يدخل

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ ـ ١٦٤ / ٥٤٦ .

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٤ .

(٣ و ٤) ما بين المعقوفين لأجل السياق .

١٥٢
 &

ليلة عرفة فيطوف ويسعىٰ ثم يحرم فيأتي منىٰ ، فقال : « لا بأس » (١) .

وقال المفيد رحمه‌الله : إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحلّ من عمرته ، فقد فاتته المتعة ، ولا يجوز له التحلّل منها ، بل يبقىٰ علىٰ إحرامه ، وتكون حجّته مفردة (٢) .

وليس بجيّد .

قال موسىٰ بن القاسم : روىٰ لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسىٰ عليه‌السلام ، أنّه قال : « أهلّ بالمتعة بالحجّ » يريد يوم التروية زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ، ما بين ذلك كلّه واسع (٣) .

احتجّ المفيد ـ رحمه‌الله ـ بقول الصادق عليه‌السلام : « إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، وامض كما أنت بحجّك » (٤) .

وهو محمول علىٰ خائف فوات الموقف ؛ لأنّ الحلبي سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعىٰ بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، فقال : « يدع العمرة ، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه » (٥) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ / ١١٥٦ ، التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٥٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ / ٨٦٦ .

(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ١٣٧ . والذي في مقنعته ٦٧ : مَنْ دخل مكة يوم التروية فطاف بالبيت وسعىٰ بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة ، فإن غربت الشمس قبل أن يفعل ذلك ، فلا متعة له ، فليقم علىٰ إحرامه ويجعلها حجّة مفردة .

ولا يخفىٰ أنّ الاحتجاج الآتي يناسب ما قاله في المقنعة .

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ١٧٣ / ٥٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٨ / ٨٧٣ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٣ / ٥٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٩ / ٨٧٨ .

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٤ / ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٠ / ٨٧٩ .

١٥٣
 &

والتقييد بخوف الفوات هنا يقتضي تقييده في الأحاديث المطلقة ؛ حملاً للمطلق علىٰ المقيّد .

تمّ الجزء الخامس (١) من كتاب تذكرة الفقهاء في سادس شهر رمضان المبارك من سنة ثمان عشرة وسبعمائة بالحلّة علىٰ يد مصنّف الكتاب حسن ابن يوسف بن المطهّر الحلّي أعانه الله تعالىٰ علىٰ طاعته .

ويتلوه في الجزء السادس بعون الله تعالىٰ : المقصد الثالث في أفعال الحجّ ، وفيه فصول : الأوّل : في إحرام الحجّ .

والحمد لله وحده ، وصلّىٰ الله علىٰ سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين (٢) .

__________________

(١) حسب تجزئة المصنّف قدّس الله نفسه الزكية .

(٢) جاء في آخر نسخة « ن » : إلىٰ هنا صورة ما كتبه المصنّف قدّس الله سرّه وأفاض علىٰ تربته الرحمة والرضوان في نسخة أصله .

وكان الفراغ منه علىٰ يد كاتبه لنفسه الفقير إلىٰ الله تعالىٰ علي بن شمروخ يوم الخميس سادس عشري شهر الله الأعظم ذي الحجّة الحرام خاتمة سنة أربع وستّين وسبعمائة [ ٧٦٤ ] والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاته علىٰ خير خلقه أجمعين محمد ابن عبد الله الصادق الأمين ، وعلىٰ عترته الطاهرين وذرّيّته الأكرمين صلاة متتابعة مترادفة إلىٰ يوم الدين .

١٥٤
 &



بسم الله الرحمن الرحيم

وفّق اللّهم لإكماله بمحمد وكرام آله‌

١٥٥
 &

تذكرة الفقهاء الجزء الثامن العلامة الحلي

١٥٦
 &

المقصد الثالث في أفعال الحجّ‌

وفيه فصول‌ :

١٥٧
 &

تذكرة الفقهاء الجزء الثامن العلامة الحلي

١٥٨
 &

الأوّل في إحرام الحجّ‌

مسألة ٥١٤ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ من إحرامها ، وجب عليه الإتيان بالحجّ مبتدئاً بالإحرام للحجّ من مكة‌ . ويستحب أن يكون يوم التروية ، وهو ثامن ذي الحجّة ، إجماعاً .

روىٰ العامّة عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلىٰ منىٰ فأهلّوا بالحجّ (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتىٰ تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قُلْ في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحجّ ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلىٰ الرقطاء دون الرَّدْم فلبِّ ، فإذا انتهيت إلىٰ الرَّدْم وأشرفت علىٰ الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتىٰ تأتي منىٰ » (٢) .

أمّا المكّي : فذهب مالك إلىٰ أنّه يستحب أن يهلّ بالحجّ من المسجد لهلال ذي الحجّة (٣) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٩ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ .

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ .

(٣) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠ .

١٥٩
 &

وروي عن ابن عمر وابن عباس وطاوُس وسعيد بن جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضاً ، وهو قول أحمد ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالإهلال يوم التروية (١) .

ولأنّه ميقات للإحرام ، فاستوىٰ فيه أهل مكة وغيرهم ، كميقات المكان ، ولأنّه لو أحرم المتمتّع بحجّة أو المكّي قبل ذلك في أيّام الحجّ فإنّه يجزئه (٢) .

مسألة ٥١٥ : ويُحرم من مكة ، والأفضل أن يكون من تحت الميزاب‌ أو من مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ويجوز أن يُحْرم من أيّ موضع شاء من مكة إجماعاً .

روىٰ العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حتىٰ أهل مكة يُهلّون منها ) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمرو بن حريث الصيرفي أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : من أين اُهلّ بالحجّ ؟ فقال : « إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق » (٤) .

ويستحب أن يفعل هنا كما فَعَل في إحرام العمرة من الإطلاء والاغتسال والتنظيف بإزالة الشعر والدعاء والاشتراط ؛ لما تقدّم (٥) من الأخبار .

ويستحب أن يكون إحرامه عند الزوال يوم التروية بعد أن يصلّي

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلىٰ مصادره في ص ١٥٩ ، الهامش (١) .

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٠ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٩ / ١١٨١ ، صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٣٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٢٦ .

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ / ٥٥٥ .

(٥) تقدّم في ج ٧ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ و ٢٥٩ ، المسائل ١٦٦ و ١٦٧ و ١٩٧ .

١٦٠