جواهر البلاغة

السيّد أحمد الهاشمي

جواهر البلاغة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٥
ISBN: 964-6918-33-6
الصفحات: ٣٥٤

بلاغة المجاز المرسل والمجاز العقلي

إذا تأملت أنواع المجاز المرسل (١) والعقلي رأيت أنها في الغالب تؤدى المعنى المقصود بايجاز ، فاذا قلت (هزَم القائد الجيش) أو (قرر المجلس كذا) كان ذلك أوجز من أن تقول (هزم جنود القائد الجيش) أو (قرر أهل المجلس كذا) ولا شك أن الايجاز ضربٌ من ضروب البلاغة. وهناك مظهرٌ آخر للبلاغة في هذين المجازين ، هو المهارة في تخيّر العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي ، بحيث يكون المجاز مصور للمعنى المقصودخيرَ تصوير ، كما في إطلاق العين على الجاسوس ، والأذن على سريع التأثر بالوشاية ، والخف والحافر على الجمال والخيل ، في المجاز المرسل وكما في إسناد الشيء : إلى سببه ، أو مكانه ، أو زمانه ، في المجاز العقلي فإن البلاغة توجب أن يختار السبب القوى ، والمكان والزمان المختصان.

وإذا دققت النظر رأيت أن أغلب ضروب المجاز المرسل ، والمجاز العقلي لا تخلو من مبالغة بديعة ، ذات أثر في جعل المجاز رائعاً خلاباً ، فإن إطلاق الكل على الجزء مبالغة ، ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكلّ ، كما إذا قلت «فلان فمٌ» تريد أنه شرهٌ ، يلتقم كل شيء ، ونحو : «فلان أنف» عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف ، فتبالغ فتجعله كله أنفا؟ ومما يؤثر عن بعض الأدباء : في وصف رجل أنافي (٢) قوله : «لست أدرى : أهو في أنفه ، أم أنفه فيه»؟؟

__________________

(١) المجاز المرسل : يوسع اللغة ، ويعين على الافتنان في التعبير ، ويساعد الكاتب والخطيب على ايراد المعنى الواحد بصور مختلفة ، وقد تدعو إليه : كما في (الطراز) حلية لفظية ، من تقفية ، أو ضرورة شعرية ، أو مشاكلة ، أو اختصار ، أو خفة في لفظه ، وكثيراً ما يكون الداعي إليه راجعاً إلى المعنى.

(٢) الأنافي : عيم الأنف.

٢٤١

المبحث الرابع

في المجاز المفرد بالاستعارة

تمهيد

سبق : أن التشبيه أول طريقة دلّت عليها الطبيعة ، لايضاح أمر يجهله المخاطب ، بذكر شيء آخر ، معروف عنده ، ليقيسه عليه ، وقد نتج من هذه النظرية ، نظرية أخرى في تراكيب الكلام ، ترى فيها ذكر المشبه به فقط ، وتسمى هذه بالاستعارة ، وقد جاءت هذه التراكيب المشتملة على الاستعارة أبلغ من تراكيب التشبيه ، وأشد وقعاً في نفس المخاطب ، لأنه كلما كانت داعية إلى التحليق في سماء الخيال ، كان وقعها في النفس أشد ، ومنزلتها في البلاغة أعلى وما يبتكره أمراء الكلام من أنواع صور الاستعارة البديعة ، التي تأخذ بمجامع الأفئدة ، وتملك على القارىء والسامع لبهما وعواطفهما ، هو سر بلاغة الاستعارة.

فمن الصور المجملة التي عليها طابع الابتكار وروعة الجمال قول شاعر الحماسة :

قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا

فانه قد صور لك الشر ، بصور حيوان مفترس ، مكشر عن أنيابه ، مما يملا فؤادك رعباً ، ثم صور القوم الذين يعنيهم ، بصور طيور جوارح تطير إلى مصادمة الأعداء ، طيراناً مما يستثير إعجابك بنجدتهم ، ويدعوك إلى إكبار حميتهم وشجاعتهم.

ومنهم : من يعمد إلى الصورة التي يرسمها ، فيفصّل أجزاءها ، ويبين لكل جزء مزيته الخاصة ، كقول امرىء القيس في وصف الليل بالطول :

فقلت له لمّا تمطّى بصُلبه

وأردف أعجازاً وناء بكلكَلِ (١)

__________________

(١) تمطى تمدد ، والصلب عظم في الظهر من لدن الكاهل إلى العجب ، والعجز مؤخر الجسم ، والكلكل الصدر ، أو ما بين الترقوتين.

٢٤٢

فانه لم يكتف بتمثيل الليل ، بصورة شخص طويل القامة ، بل استوفى له جملة أركان الشخص ، فاستعار له صلباً يتمطى به ، إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله تمطيه ، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازاً يردف بعضها بعضاً ، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره ، فاستعار له كلكلاّ ينوء به (أي يثقل به) ولا يخفى عليك ما يتركه هذا التفصيل البديع في قلب سامعه من الأثر العظيم ، والارتياح الجميل.

ومنهم : من لا يكتفى بالصورة يرسمها ، بل ينظر إلى ما يترتب على الشيء ، فيعقّب تلك الصورة بأخرى أشد وأوقع ، كقول أبي الطيب المتنبيء :

رماني الدهر بالأرزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبال (١)

فصرت إذا أصابتني سهام

تكسرت النصال على النصال (٢)

فانه لم يكتف بتصويره المصائب سهاماً في سرعة انصيابها ، وشدة إيلامها ، ولا بالمبالغة في وصف كثرتها ، بأن جعل منها غشاء محيطاً بفؤاده ، حتى جعل ذلك الغشاء من المتانة والكثافة ، بحيث إنَّ تلك النصال مع استمرار انصيابها عليهن لا تجد منفذاً إلى فؤاده ، لأنها تتكسر على النّصال التي سبقتها فانظر إلى هذا التمثيل الرائع ، وقل لي : هل رايت تصوير أشد منه لتراكم المصائب والآلام؟

تعريف الاستعارة وبيان انواعها

الاستعارة لغة : من قولهم ، استعار المال : إذا طلبه عارية. واصطلاحاً : هي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة (المشابهة) بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه ، مع (قرينة) صارفة عن إرادة المعنى الأصلي.

__________________

(١) الأرزاء المصائب ، والغشاء الغلاف ، والنبال السهام.

(٢) النصال حدائد السهام.

٢٤٣

والاستعارة ليست إلى تشبيهاً مختصراً ، لكنها أبلغ منه (١) كقولك : رايت اسداً في المدرسة ، فأصل هذه الاستعارة «رأيت رجلا شجاعاً كالأسد في المدرسة «فحذفت المشبه «لفظ رجل» وحذفت الأداة الكاف ، وحذفت وجه التشبيه «الشجاعة» وألحقته بقرينة «المدرسة» لتدل على أنك تريد بالأسد شجاعاً.

وأركان الاستعارة ثلاثة.

(١) مستعار منه : وهو المشبه به.

(٢) ومستعار له : وهو المشبه.

(٣) ومستعار : وهو اللفظ المنقول.

فكل مجاز يبنى على التشبيه (يسمى استعارة) ولا بُد فيها من عدم ذكر وجه الشبه ، ولا أداة التشبيه ، بل ولا بدّ أيضاً من (تناسى التشبيه) الذي من أجله وقعت الاستعارة فقط ، مع ادّعاء أن المشبه عين المشبه به ، أو أدعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به الكلى «بأن يكون «اسم جنس ««أو علم جنس» ولا تتأتى الاستعارة في «العلم الشخصي» (٢) لعدم إمكان دخول شيء في الحقيقة الشخصية لأن نفس تصور الجزئي يمنع من تصور الشركة فيه ، إلا إذا أفاد العلم

__________________

(١) فأصل الاستعارة : تشبيه حذف أحد طرفيه ، ووجه شبهه ، وأداته ، ولكنها أبلغ منه ، لان التشبيه مهما تناهى في المبالغة ، فلا بد فيه من ذكر المشبه ، والمشبه به وهذا اعتراف بتباينهما ، وان العلاقة ليس الا التشابه والتداني ، فلا تصل إلى حد الاتحاد بخلاف الاستعارة ففيها دعوى الاتحاد والامتزاج ، وان المشبه والمشبه به صارا معنى واحدا ، يصدق عليهما لفظ واحد فالاستعارة (مجاز لغوي) لا عقلي ، علاقته المشابهة.

واعلم ان حسن الاستعارة «غير التخييلية» لا يكون الا برعاية جهات التشبيه وذلك بأن يكون وافياً بافادة الغرض منه ، لأنها مبنية عليه ، فهي تابعة له حسنا وقبحا.

(٢) يعني أن الاستعارة تقتضي ادخال المشبه في جنس المشبه به ، ولذلك لا تكون علما ، لان الجنس يقتضي العموم ، والعلم ينافي ذلك بما فيه من التشخص ، الا إذا كان العلم يتضمن وصفية قد اشتهر بها «كسحبان» المشهور بالفصاحة ، فيجوز فيه ذلك ، لأنه يستفيد الجنسية من الصفة نحو : سمعت اليوم سحبان ، أي خطيبا فصيحا وهلم جرا.

٢٤٤

الشخصي وصفاً. به يصح اعتباره كليا ، فتجوز استعارته : كتضمن «حاتم» للجود ، و «قس» ودخول المشبه في جنس الجواد والفصيح ، وللاستعارة أجمل وقع في الكتابة ، لأنهما تجدى الكلام قوة ، وتكسوه حسنا ورونقاً ، وفيها تثار الأهواء والإحساسات.

المبحث الخامس

في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يُذكر من الطرفين

إذا ذكر في الكلام لفظ المشبه به فقط ، فاستعارة تصريحية أو مصرّحة (١) نحو :

فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت

ورداً وعضت على العناب بالبرد

فقد استعار : اللؤلؤ ، والنرجس ، الورد ، والعناب ، والبرد للدموع ، والعيون ، والخدود ، والأنامل ، والأسنان.

وإذا ذكر في الكلام لفظ المشبه فقط ، وحذف فيه المشبه به ، وأشير إليه بذكر لازمه : المسمى «تخييلاً» فاستعارة مكنية (٢) أو بالكناية ، كقوله :

__________________

(١) (معنى تصريحية) أي مصرح فيها باللفظ الدال على المشبه به ، المراد به المشبه وتسمى أيضاً تحقيقية.

و (معنى مكنية) أي مخفى فيها لفظ المشبه به ، استغناء بذكر شيء من لوازمه ، فلم يذكر فيها من أركان التشبيه ، سوى المشبه.

(٢) أي وهذا مذهب السلف ، وكذا (الزمخشري) صاحب الكشاف ، وأما مذهب (السكاكي) فظاهر كلامه يشعر بأن الاستعارة بالكناية لفظ المشبه أي كلفظ المنية في نحو «أظفار المنية نشبت بفلان» المستعمل في المشبه به ، بادعاء أنه عينه وبيان ذلك : أنه بعد تشبيه معنى المنية ، وهو الموت ، بمعنى السبع ـ تدعى أن المشبه عين المشبه به ، وحينئذ يصير للشبه به (فردان) ، أحدهما حقيقي ، والآخر ادعائي فالمنية : مراد بها السبع ، بادعاء السبعية لها ، وانكار أن تكون شيئا آخر غير السبع بقرينة اضافة الاظفار التي هي من خواص المشبه به وهو السبع ـ وأنكر (السكاكي) (التبعية) بمعنى أنها مرجوحة عنده ، واختار ردها إلى قرينة المكنية ، ورد قرينتها إلى نفس المكنية ، ففي نطقت الحال مثلا ، يقدر القوم : إن نطقت ، استعارة تبعية واحلال قرينة لها ـ وهو يقول : إن الحال استعارة بالكناية ، ونطقت قرينتها وفي كلامه من وجهين :

٢٤٥

إذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

فقد شبه المنية ، بالسبع ، بجامع الاغتيال في كلٍ ، واستعار السبع للمنية وحذفه. ورمز إليه بشيء من لوازمه ، وهو الأظفار علىطريق الاستعارة المكنية الأصلية ، وقر ينتها لفظة أظفار.

__________________

الأول : إن لفظ المشبه ، لم يستعمل إلا في معناه الحقيقي ، فلا يكون استعارة.

الثاني : أنه صرح بأن نطقت مستعارة للامر الوهمي ، أي المتوهم اثباته للحال ، تشبيها بالنطق الحقيقي ، فيكون استعارة ، والاستعارة في الفعل لا تكون إلا تبعية فيلزمه القول بالتبعية وأجيب عنه بأجوبة تطلب من المطولات.

وأما مذهب الخطيب

فانه يقول : أن الاستعارة بالكناية ، هي التشبيه المضمر أركانه سوى المشبه المدلول عليه ، باثبات لازم المشبه به للمشبه ، ويلزم على مذهبه أنه لا وجه لتسميتها استعارة ، لأن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة ـ أو استعمال اللفظ المذكور ـ والتشبيه غير ذلك : بل هو فعل من افعال النفس.

تنبيه المشبه : في مواد الاستعارة بالكناية ، لا يجب أن يكون مذكوراً

بلفظ المشبه به فيجوز ذكره بغير لفظه ، كأن يشبه شيء كالنحافة واصفرار اللون ، بأمرين كاللباس ، والطعم المر البشع ، ويستعمل لفظ أحد الأمرين فيه ، ويثبت له شيء من الوازم الآخر ، كما في قوله تعالى (فاذاقها الله لباس الجوع والخوف) فان شبه ما غشى الانسان عند الجوع والخوف من النحافة واصفرار اللون ، باللباس ، لاشتماله على اللابس واشتمال أثر الضرر على من به ذلك ، فاستعير له اسمه وشبه ما غشى الانسان عند الجوع ، أي ما يدرك من أثر الضرر ، باعتبار أنه مدرك من حيث الكراهية بما يدرك من الطعم المر البشع ، حتى أوقع عليه الاذاقة فتكون الآية مشتملة على تخييلا بالنسبة للمكنية ، وتكون تجريداً بالنسبة إلى المصرحة ، لانها تلائم المشبه ، وهو النحافة والاصفرار ، لانها مستعارة للاصابة وكثرت فيها حتى جرت مجرى الحقيقة ويقال شبه ما غشى الانسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر ، باللباس ، بجامع الاشتمال في كل ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، على سبيل الاستعارة التصريحية وطريق اجراء الاستعارة الثانية ، أن يقال شبه ما غشى الانسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر ، بالطعم المر البشع ، بجامع الكراهة في كل ، واستعير لفظ المشبه به للمشبه ، ثم حذف واثبت له شيء من لوازمه وهو الاذاقة على سبيل الاستعارة المكنية ، واثبات الاذاقة المتحقققة ، واستعيرت المتحققة ، للمتخيلة ، على سبيل الاستعارة التخييلية ، على مذهب السكاكي.

٢٤٦

ثم أخذ الوهم : في تصوير المنية بصورة السبع ، فاخترع لها مثل صورة الأظفار ، ثم أطلق على الصورة التي هي مثل صورة الأظفار ، لفظ (الإظفار) فتكون لفظة (أظفار) استعارة (تخييلية) لأن المستعار له لفظ أظفار صورة وهمية ، تشبه صورة الأظفار الحقيقية ، وقرينتها اضافتها إلى المنية.

ونظراً إلى أن (الاستعارة التخييلية) قرينة المكنية ، فهي لازمة لا تفارقها ، لأنّه لا استعارة بدون قرينة.

وإذاً : تكون أنواع الاستعارة ثلاثة : تصريحّية ، ومكنّية ، وتخييليةّ (١)

__________________

(١) اعلم أن المذاهب في التخييلية أربعة.

الأول : مذهب السلف ، والخطيب : وهو أن جميع أفراد قرينة المكنية مستعملة في حقيقتها ، والتجوز إنما هو في الاثبات لغير ما هو له المسمى استعارة تخييلية ، فهما متلازمان ، وهي من المجاز العقلي.

الثاني : مذهب السكاكي : وهو أن قرينة المكنية ، تارة تكون تخييلية ، أي مستعارة لأمر وهمي : كأظفار المنية ، وتارة تكون تحقيقية ، أي مستعارة لأمر محقق «كابلعي ماءك» وتارة تكون حقيقة «كأنبت الربيع البقل» فلا تلازم بين التخييلية والمكنية ، بل يوجد كل منهما بدون الآخر وقد استدل السكاكي : على انفراد التخييلية عن المكنية بقوله :

لا تسقني ماء الملام فانني

صب قد استعذبت ماء بكائي

فانه قد توهم : أن للملامة شيئا شبيهاً بالماء ، واستعار اسمه له استعارة تخييلية غير تابعة للمكنية ، ورده العلامة الخطيب بأنه لا دليل له فيه ، لجواز أن يكون فيه استعارة بالكناية ، فيكون قد شبه الملام ، بشيء مكروه ، له ماء ، وطوى لفظ المشبه به ، ورمز إليه بشيء من لوازمه ، وهو الماء ، على طريق التخييل.

وأن يكون من باب إضافة المشبه به إلى المشبه ، والأصل لا تسقني الملام الشبيه بالماء وأيضا : لا يخفى ما في مذهب السكاكي من التعسف ، أي الخروج عن الطريق الجادة ، لما فيه من كثرة الاعتبارات وذلك : أن المستعير يحتاج إلى أمر وهمي ، واعتبار علاقة بينه وبين الأمر الحقيقي ، واعتبار قرينة دالة على أن المراد من اللفظ ، الأمر الوهمي ، فهذه اعتبارات ثلاثة ، لا يدل عليها دليل ، ولا تمس إليها حاجة.

الثالث : مذهب صاحب الكشاف وهو أنها تكون تارة مصرحة تحقيقية ، وتارة تكون تخييلية أي مجازاً في الاثبات.

الرابع : (مذهب صاحب السمرقندية) وهو مثل مذهب صاحب الكشاف غير أن الفرق بينهما : أن مدار

٢٤٧

المبحث السادس

في الاستعارة باعتبار الطرفين

إن كان المستعار له محققاً حساً «بأن يكون اللفظ قد نقل إلى أمر معلوم ، يمكن أن

يشار إليه إشارة حسية» كقولك : رأيت بحرا يعطى أو كان المستعار له محققاً عقلا «بأن يمكن أن ينص عليه ، ويشار إليه إشارة عقلية» كقوله تعالى (إهدنا الصراط المستقيم) أي الدين الحق فالاستعارة تحقيقة.

وان لم يكن المستعار له محققاً ، لا حساً ولا عقلاً «فالاستعارة تخييلية» وذلك : كالأظفار ، في نحو : أنشبت المنية أظفارها بفلان.

المبحث السابع في الاستعارة

باعتبار اللفظ المستعار

١ ـ إذا كان اللفظ المستعار اسما جامداً لذاتٍ كالبدر : إذا استعير للجميل أو اسماً جامداً لمعنى كالقتل : إذا استعير للضرب الشديد ، سميت الاستعارة أصلية في كل من التصريحية

_________________

الأقسام عند صاحب الكشاف على الشيوع ، وعدمه وعند صاحب (السمرقندية) على الامكان وعدمه (تنبيه) الفرق : بين ما يجعل قرينة للمكنية وبين ما يجعل نفسه تخييلا على مذهب السكاكي ، أو استعارة تحقيقية : على مذهب صاحب الكشاف في بعض المواد ، وعلى مختار (صاحب السمرقندية) كذلك ، أو إثباته تخييلا على مذهب (السلف ، وصاحب الكشاف) في بعض المواد ، وعلى مختار صاحب السمرقندية) كذلك ، وبين ما يجعل زائداً عليها (قوة الاختصاص) أي الارتباط بالمشبه به ، فأيهما أقوى ارتباطاً به فهو (القرينة) وما سواه (ترشيح) ، (وذلك) كالنشب في قولك (مخالب المنية نشبت بفلان) فان (المخالب) أقوى اختصاصاً وتعلقاً بالسبع ، من (النشب) لأنها ملازمة له دائماً ، بخلاف النشب.

 

٢٤٨

والمكنية كقوله عالى (كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) (١) وكقوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (٢).

وسميت أصلية : لعدم بنائها على تشبيه تابع لتشبيه آخر معتبر أولاً.

٢ ـ وإذا كان اللفظ المُستعار «فعلاً» (٣) أو اسم فعلٍ ، أو اسما سنقا أو اسما مبهماً أو حرفا

__________________

(١) يقال في إجراء الاستعارة في الآية الأولى ، شبهت الضلالة بالظلمة ، بجامع عدم الاهتداء في كل ، واستعير اللفظ الدال على المشبه به ، وهو الظلمة ، للمشبه وهو الضلالة ، على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية.

(٢) ويقال في إجراء الاستعارة في الآية الثانية ، شبه الذل بطائر ، واستعير لفظ المشبه به وهو الطائر ، للمشبه وهو الذل ، على طريق الاستعارة المكنية الأصلية ثم حذف الطائر ، ورمز إليه بشيء من لوازمه ، وهو الجناح.

(٣) مثال الاستعارة التصريحية في الفعل ، نطقت الحال بكذا : وتقريرها أن يقال : شبهت الدلالة الواضحة ، بالنطق ، بجامع إيضاح المعنى في كل ، واستعير النطق للدلالة الواضحة ، واشتق من النطق بمعنى الدلالة الواضحة نطقت بمعنى دلت ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية : ونحو : (يحيي الأرض بعد موتها) ، يقدر تشبيه تزيينها بالنبات ذي الخضرة والنضرة ، بالأحياء بجامع الحسن أو النفع في كل ، ويستعار الاحياء للتزيين ، ويشتق من الاحياء بمعنى التزيين يحيى بمعنى يزين ، استعارة تبعية لجريانها في الفعل تبعاً لجريانها في المصدر هذا إذا كانت الاستعارة في الفعل باعتبار مدلول صيغته ، أي (مادته وهو الحدث) وأما إذا كانت باعتبار مدلول (هيئته وهو الزمن) كما في قوله تعالى (أتى أمر الله) فتقريرها أن يقال : شبه الاتيان في المستقبل ، بالاتيان في الماضي ، بجامع تحقق الوقوع في كل ، واستعير الاتيان في الماضي للاتيان في المستقبل واشتق منه اتى بمعنى يأتى ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية ، ونحو (ونادى أصحاب الجنة) أي ينادي ، شبه النداء في المستقبل ، بالنداء في الماضي ، بجامع تحقق الوقوع في كل ، ثم استعير لفظ النداء في الماضي للنداء في المستقبل ، ثم اشتق منه نادى بمعنى ينادى ، ونحو قوله تعالى (من بعثنا من مرقدنا هذا) ان قدر المرقد للرقاد مستعاراً للموت ، فالاستعارة أصلية ، وإن قدر لمكان الرقاد مستعاراً للقبر ، فالاستعارة تبعية لانها في اسم المكان ، فلا يستعار المرقد للقبر إلا بعد استعارة الرقاد للموت.

ومثال الاستعارة في اسم الفاعل ، لزيد قاتل عمراَ ، إذا كان عمرو مضروباً ضرباً شديداً ، وإجراء الاستعارة فيهما أن يقال : شبهالضرب الشديد بالقتل بجامع شدة الايذاء في كل واستعير اسم المشبه به للمشبة ، واشتق من القتل بمعنى

٢٤٩

__________________

الضرب الشديد قاتل أو مقتول ، بمعنى ضارب أو مضروب ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية ـ ومثالها في الصفة المشبهة ـ هذا حسن الوجه ، مشيراً إلى قبيحه ـ وإجراء الاستعارة فيه أن يقال ـ شبه القبح ، بالحسن ، بجامع تأثر النفس في كل ، واستعير الحسن للقبح تقديراً ، واشتق من الحسن بمعنى القبح حسن بمعنى قبيح ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية التهكمية ومثال الاستعارة في أفعل التفضيل ـ هذا أقتل لعبيده من زيد ـ أي أشد ضرباً لهم منه.

ومثال اسم الزمان والمكان ، هذا مقتل زيد ، مشيراً إلى مكان ضربه أو زمانه ومثال اسم الآلة ، هذا مفتاح الملك : مشيراً إلى وزيره ، واجراؤها أن يقال : شبهت الوزارة بالفتح للابواب المغلقة ، بجامع التوسل إلى المقصود في كل ، واستعير الفتح للوزارة ، واشتق منه مفتاح بمعنى وزير.

ومثال اسم الفعل المشتق ، نزال ، بمعنى انزل تريد به أبعد فتقول شبه معنى البعد ، بمعنى النزول ، بجامع مطلق المفارقة في كل واستعير لفظ النزول لمعنى البعد ، واشتق منه نزال بمعنى أبعد ، ومثال اسم الفعل غير لمشتق «صه» بمعنى اسكت عن الكلام ، تريد به اترك فعل كذا فتقول شبه ترك الفعل ، بمعنى السكوت ، واستعير لفظ السكوت لمعنى ترك الفعل ، واشتق منه اسكت بمعنى اترك الفعل ، وعبر بدل اسكت بصه ، ومثال المصغر «رجيل» لمتعاطى ما لا يليق ، ومثال المنسوب «قرشي» للمتخلق بأخلاق قريش وليس منهم.

ومثال الاستعارة في الحرف قوله تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً) واجراؤها أن يقال شبهت المحبة والتبنى ، بالعداوة والحزن واللذين هما العلة الغائية للالتقاط بجامع مطلق الترتب ، واستعيرت اللام من المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية ، واعلم أن اللام لم تستعمل في معناها الأصلي وهو العلة ، لأن علة التقاطهم له ان يكون لهم ابنا ، وانما استعملت مجازاً (لعاقبة الالتقاط) وهي كونه لهم عدواً ، فاستعيرت العلة للعاقبة ، بجامع أن كلا منهما مترتب على الالتقاط ، ثم استعيرت اللام تبعا لاستعارتها ، فالمستعار منه العلة ، والمستعار له العاقبة ، والترتب على الالتقاط هو الجامع ، والقرينة على المجاز استحالة التقاط الطفل ليكون عدواً ، وكقوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) واجراؤها أن يقال شبه مطلق استعلاء بمطلق ظرفية بجامع التمكن في كل ، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف فاستعير لفظ «في» الموضوع لكل جزئي من جزئيات الظرفية ، لمعنى «على» على سبيل الاستعارة

٢٥٠

فالاستعارة تصريحية تبعية نحو : نامت همومي عني ونحو : صه الموضوع للسكوت عن الكلام ، والمستعمل مجازاً في ترك الفعل ونحو : الجندي قاتل اللص ، بمعني ضاربه ضرباً شديداً ونحو : هذا الموضوعة للإشارة الحسية : والمستعملة مجازاً في الاشارة العقلية نحو : هذا راي حسن ، ونحو : قوله : (ولأصلبنكم فيجذوع النخل) ونحو : قوله تعالى : (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً).

وسميت (تبعية) لأن جريانها في المشتقات ، والحروف ، تابعٌ لجريانها أولاً : في الجوامد ، وفي كليات معاني الحروف ، يعني : أنها سميت تبعية لتبعيتها لاستعارة أخرى ، لأنها في المشتقات

__________________

التصريحية التبعية ، ومثال المكنية التبعية في الاسم المشتق يعجبني أراقة الضارب دم الباغي ، واجراء الاستعارة أن يقال شبه الضرب الشديد بالقتل ، بجامع الايذاء في كل ، واستعير القتل للضرب الشديد ، واشتق من القتل قاتل بمعنى ضارب ضربا شديداً ، ثم حذف وأثبت له شيء من لوازمه وهو الاراقة على سبيل الاستعارة المكنية التبعية ومثالها في الاسم المبهم قولك لجليسك المشغول عنك ، أنت مطلوب منك أن تسير إلينا الآن دشبه مطلق مخاطب بمطلق غائب فسرى التشبيه للجزئيات واستعير الثاني للأول ، ثم استعير بناء على ذلك ضمير الغائب للمخاطب ، وحذف وذكر المخاطب ، ورمز إلى المحذوف بذكر لازمه ، وهو طلب السير منه إليك ، واثباته له تخييل.

واعلم أن استعارة الاسماء المبهمة أعني الضمائر واسماء الاشارة والموصولات تبعية ، لأنها ليست باسم جنس لا تحقيقاً ولا تأويلا ولأنها لا تستقل بالمفهومية لأن معانيها لا تتم ولا تصلح لأن يحكم عليها بشيء ما لم تصحب تلك الألفاظ في الدلالة عليها ضميمة تتم بها كالاشارة الحسية والصلة ، والمرجع ـ فلابد أن تعتبر التشبيه أولا في كليات تلك المعاني الجزئية ، ثم سريانه فيها لتبني عليه الاستعارة مثلا في استعارة لفظ «هذا» لأمر معقول ، يشبه المعقول المطلق في قبول التمييز بالمحسوس المطلق فيسرى التشبيه إلى الجزئيات فيستعار لفظ هذا من المحسوس الجزئي للمعقول الجزئي الذي سرى إليه التشبيه ، فهي استعارة تبعية ـ والاستعارة في الضمير والموصول المؤنث ـ أو بموصولها عنه لشبهه بها ، أو عكسه ، فتشبه المذكر المطلق ، بالمؤنث ، كالتعبير عن المذكر بضمير المطلق ، فيسرى التشبيه ، فتستعير الضمير ، أو الموصول ، للجزء الخاص.

٢٥١

تابعة للمصادر. نحو : ركب فلان كتفي غريمه (١) أي : لازمه ملازمة شديدة. ولأنها في معاني الحروف تابعة لمتعلّق معانيها ، إذ معاني الحروف جزئية ، لا تتصور الاستعارة فيها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية ليتأتى كونها مشبهاً ، ومشبها بها ، أو محكوماً عليها ، أو بها. وكقوله تعالى (اولئك على هدى من ربهم) أي تمكنوا من الحصول على الهداية التّامة (٢). ونحو : أذقته لباس الموت (٣) أي ألبسته إياه.

(٣) وإذا كان اللفظ المستعار اسماً مشتقاً ، أو اسماً مبهماً دون باقي أنواع التبعية المتقدمة فلاستعارة تبعية مكنية (٤).

تنبيهات عشرة

التنبيه الأول : كل تبعية قرينتها مكنية

التنبيه الثاني : إذا أجريت الاستعارة في واحدة من الاستعارة التصريحية ، أو من الاستعارة المكنية ، امتنع اجراؤها في الأخرى.

التنبيه الثالث : تقسيم الاستعارة إلى (أصلية وتبعية) عام في كل من الاستعارة التصريحية والمكنية.

__________________

(١) يقال في اجرائها شبه اللزوم الشديد ، بالركوب ، بجامع السلطة والقهر واستعير لفظ المشبه به وهو الركوب للمشبه وهو اللزوم ، ثم اشتق من الركوب بمعنى اللزوم ركب بمعنى لزم ، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.

(٢) يقال في اجرائها شبه مطلق ارتباط بين مهدي وهدى بمطلق ارتباط بين مستعلى ومستعلى عليه بجامع التمكن في كل ، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات ثم استعيرت «على» من جزئي من جزئيات المشبه به ، لجزئي من جزئيات المشبه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.

(٣) يقال في اجرائها شبهت الاذاقة باللباس ، واستعير الالباس للاذاقة ، بجامع الاشتمال في كل ، واشتق منه ألبس بمعنى أذاق ، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية ـ ثم حذف لفظ المشبه به ، ورمز إليه بشيء من لوازمه ، وهو اللباس ، على طريق الاستعارة المكنية.

(٤) ولم يذكرها القوم. ولعله لعدم وجدانهم ايّاها في كلام البلغاء.

٢٥٢

التنبيه الرابع : تبين أن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ، لعلاقة المشابهة ، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي (١). أو هي : (مجاز لغوي) علاقته المشابهة ، كقول زهير :

لدى أسدٍ شاكي السلاح مُقذَف

له لبدٌ أظفارُه لم تُقلَّم

فقد استعار الأسد : للرجل الشجاع ، لتشابههما في الجراءة والمستعار له هنا : لفظ رجل (محقق حساً) ، وكقوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) ، فقد استعار الصراط المستقيم للدين الحق ، لتشابههما في أن كلا يوصل إلى المطلوب ، والدين الحق (محقق عقلا) لأنه أئر معنوي ، له ثبوت ٌ في ذاته وكقوله تعالى (كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) أي : من الضلال إلى الهدى ، فقد استعير لفظ الظلمات للضلال ، لتشابههما في عدم اهتداء صاحبيهما ، ثم استعير لفظ الظلمات للضلال ، وكذلك استعير لفظ النور للإيمان ، لتشابههما في الهداية ، والمستعار له وهو الضلال والإيمان ، كل منهما (محقق عقلا) وتسمى هذه الاستعارات (تصريحية) وتسمى أيضاً (تحقيقية) ، وأما قول أبي ذؤيب الهذلى :

وإذا المنَّية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع

فشبه المنية ، بالسبع ، في اغتيال النفوس قهراً ، من غير تفرقة بين نفّاع وضرَّار ، ولم يذكر لفظ المشبه به بل ذكر بعض لوازمه وهو أظفارها التي لا يكمل الاغتيال في السبع إلا بها ، تنبيهاً على المشبه به المحذوف فهو استعارة (مكنية) وكقوله :

ولئن نطقت بشكر برّك مفصحاً

فلسان حالي بالشكاية أنطقُ

فشبه الحال ، بانسان ناطق في الدلالة على المقصود ، ولم يصرح بلفظ المشبه به ، بل ذكر لازمه ، وهو (اللسان) الذي لا تقوم الدلالة الكلامية إلا به ، تنبيهاً به عليه ـ فهو أيضاً استعارة (مكنية) ، وقد أثبت للمشبه لازم من لوازم المشبه به ، لا يكون إلا به كماله أو قوامه في وجه الشبه

___________________

(١) قد يراد بالاستعارة المعنى المصدري : أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، فيكون اللفظ مستعاراً ، والمشبه به مستعاراً منه ، والمشبه مستعاراً له.

٢٥٣

كالأظفار التي لا يكمل الافتراس إلا بها كما في المثال الأول ، واللسان الذي لا تقوم الدلالة الكلامية في الانسان إلا به ، كما في المثال الثاني ، وليس للمنية شيء كالأظفار نقل إليه هذا اللفظ ، ولا للحال شيء كاللسان نقل إليه لفظ اللسان ، وما كان هذا حاله يعتبر طبعاً تخييلا أو استعارة تخييلية.

التنبيه الخامس : تقدم أن الاستعارة التصريحية ، أو المصّرحة : هي ما صُرّح فيها بلفظ المشبه به. وأنّ المكنية ، هي ما حذف فيها لفظ المشبه به ، استغناء ببعض لوازمه ، التي بها كمالهُ ، أو قوامه في وجه الشبه (١) وأنّ إثبات ذلك الّلازم تخييل ، أو استعارة تخييلية.

غير أنهم اختلفوا في تعريف كل من المكنية والتّخييلية ، فمذهب السّلف : أن المكنية : اسم المشبه به ، المستعار في النفس للمشبه ، وأنّ إثبات لازم المشبه به للمشبه (استعارة تخييلية) (٢) فكلٌّ من (الأظفار) في قوله : «وإذا المنية أنشبت أظفارها» ، واللّسان في قوله :

«فلسان حالي بالشكاية أنطق» حقيقةٌ ، لأنه مستعمل فيما وضع له.

_________________

(١) إذا لم يكن اللازم كذلك ، اعتبر ترشيحاً ـ فالفرق بين الترشيح والتخييل :

(أ) أن الترشيح يكون في المصرحة والمكنية : والتخييل ، إنما يكون في المكنية.

(ب) أن التخييل به كمال المشبه به ، أو قوامه في وجه الشبه ، ولا يكون إلا كذلك.

(٢) وعلى مذهبهم لا تكون التخييلية (مجازاً لغوياً) لأنها فعل من أفعال النفس ، وهو الاثبات ، والمجاز اللغوي من عوارض الألفاظ ، وعلى مذهبهم أيضاً تتلازم المكنية والتخييلية ، إلا أن أحدهم وهو (الزمخشري) انفرد من بينهم بأن قال إن قرينة المكنية قد تكون تحقيقية إذا كان للمشبه لازم يشبه لازم المشبه به نحو «ينقضون عهد الله» فقد شبه العهد بالحبل بجمع أن كلا يصل بين شيئين ويربطهما : فالعهد يربط المتعاهدين كما يربط الشيئان بالحبل ، ثم حذف لفظ المشبه به ، وهو الحبل واستعير النقض وهو فك طاقات الحبل ، لأبطال العهد ، بجامع الافساد في كل (استعارة أصلية تحقيقية) ثم اشتق من النقض ينقضون بمعنى يبطلون ، على سبيل الاستعارة ، (التحقيقية التبعية) فالزمخشري يجمع بين المكنية والتحقيقية أحياناً ، على أن التحقيقية ليست مقصودة لذاتها ، وإنما جاءت تبعا للمكنية ، للدلالة عليها ، فلا تلازم عنده بين المكنية والتخييلية ، إلا أن يدعى أن القرينة (تصريحية) باعتبار المعنى المقصود في الحالة الراهنة (تخييلية) باعتبار الاشعار بالأصل ، أما غيره من السلف فتقول : شبه العهد بالحبل ، وحذف لفظ الحبل ، ورمز إليه بلازمه ، وهو النقض ، وإثبات النقض للعهد تخييل.

٢٥٤

ومذهب الخطيب القزويني أنّ المكنية هي التشبيه المضمر في النفس ، المرموز إليه باثبات لازم المشبه به للمشبه ، وهذا الاثبات هو الاستعارة التخييلية (١).

ومذهب السكاكي أن المكنية لفظ المشبه ، مراداً به المشبه به (٢) ، فالمراد بالمنية في قوله : «وإذا المنية ُ انشبت أظفارها» هو السبع بادعاء السبعية لها ، وإنكار أن تكون شيئاً غير السبع ، بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواص السبع إليها ، والتخييلية عنده ما لا تحقق لمعناه لا حسّا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محضه : كالأظفار في ذلك المثال فانه لما شبه المنية ، بالسبع في الاغتيال ، أخذ الوهم يصورها بصورته ، ويخترع لها لوازمه ، فاخترع لها صورة كصورة الأظفار ، ثم أطلق عليها لفظ الأظفار فيكون لفظ الأظفار استعارة تصريحية تخييلية.

أمّا أنها تصريحية : فلأنه صُرّح فيها بلفظ المشبه به ، وهو اللازم الذي أطلق على صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة.

وأما أنها تخييلية فلأن المستعار له غير محقق لا حساً ولا عقلا والقرينة على نقل الأظفار

__________________

(١) من هذا التعريف نفهم أولا : أن القزويني يخالف السلف في تعريف المكنية ويتفق معهم في قرينتها ، ونفهم ثانيا أن المكنية والتخييلية عند القزويني فعلان من أفعال النفس هما التشبيه والاثبات ، فليسا من المجاز اللغوي ، لأنه من عوارض الألفاظ وتكون التخييلية عند القزويني والقوم مجازاً عقليا لما فيها من اثبات الشيء لغير ما هو له ، وإنما سموها استعارة لما فيها من نقل اللازم من ملائمه الأصلي ، وهو المشبه به إلى المشبه ، وسموها تخييلية لأن اللازم لما نقل من المشبه به إلى المشبه صار السامع يخيل إليه أن المشبه من جنس المشبه به ، ونفهم ثالثاً أن لفظ اللازم في المكنية حقيقة عند القزويني.

(٢) تقرير الاستعارة على مذهب السكاكي أن يقال : شبهنا المنية التي هي الموت المجرد عن ادعاء السبعية ، بالسبع الحقيقي ، وادعينا أنها فرد من أفراده ، وأن للسبع فردين فردا متعارفا وهو الحيوان المفترس ، وفردا غير متعارف وهو الموت الذي ادعيت له السبعية ، واستعير اسم المشبه وهو المنية بمعنى ذلك الفرد غير المتعارف ، أعني الموت الذي ادعيت له السبعية ، فصح بهذا أنه قد أطلق اسم المشبه ، وهو المنية ، وأريد به المشبه به ، وهو السبع.

٢٥٥

من معناها الحقيقي إلى المعنى المتخيل ، إضافتها إلى المنية (١).

هذا ، ومذهب السكاكي في المكنية مردود عليه ، بأن لفظ المشبه فيها مستعمل فيما وضع له تحقيقاً ، للقطع بأن المراد بالمنية (الموت) لا غير : فليس مستعاراً.

التنبيه السادس : الاستعارة صفة للفظ على المشهور ، والحق أن المعنى يعارُ أولا ، ثم يكون اللفظ دليلا على الاستعارة : وذلك :

(١) لأنه إذا لم يكن نقل الاسم تابعاً لنقل المعنى تقديراً لم يكن ذلك استعارة ، مثل (الأعلام المنقولة) فأنت إذا سميت إنساناً بأسد ، أو نمر أو كلب ، لا يقال إن هذه الأسماء مستعارة ، لأن نقلها لم يتبع نقل معانيها تقديراً.

(٢) ولان البُلغاء : جزمُوا بأن (الاستعارة ، أبلغ من الحقيقة) فان لم يكن نقل الاسم تابعاً لنقل المعنى ، لم يكن فيه مبالغة ، إذ لا مبالغة في إطلاقب الاسم المجرد عن معناه.

التنبيه السابع : ظهر أن الاستعارة باعتبار اللفظ نوعان أصلية وتبعية.

فالأصلية : ما كان فيها المستعار اسم جنس غير مشتق ، سواء أكان اسم ذات ، كأسد للرجل الشجاع ، أم اسم معنى ، كقتل للإذلال ، وسا أكان اسم جنس (حقيقة) كأسد وقتل ، أم (تأويلا) كما في الأعلام المشهورة بنوع من الوصف ، كحاتم في قولك : رأيت اليوم حاتماً ، تريد رجلا كامل الجود ، فاعتبر لفظ (حاتم) في قوة الموضوع لمفهوم كلي ، حتى كاد يغلب استعماله في كل من له وصف حاتم ، فكما أن أسداً يتناول الحيوان المفترس والرجل الشجاع ادّعاء ، كذلك حاتم يتناول الطائي وغيره ادعاء ، ويكون استعماله في (الطائي) حقيقة ، وفي غيره مجازاً ، لأن الاستعارة مبنية على ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ، فلابدّ أن يكون المشبه به كلياً ذا أفرادٍ.

___________________

(١) يرى (السكاكي) أن التخييلية قد توجد من غسير المكنية كقولهم : أظفار المنية التي كالسبع نشبت بفلان ففي أظفار (استعارة تخييلية) وجدت مع تشبيه صريح ولكن هذا بعيد إذ لم يوجد له نظير في الكلام العربي «فالفرق بين السكاكي وغيره أن السكاكي يرى أن كل مكنية معها تخييلية ولا عكس ، وغيره (إلا الزمخشري) يقول إنهما متلازمتان.

٢٥٦

والمراد باسم الجنس غير المشتق ما صلح لأن يصدق على كثيرين ، من غير اعتبار وصف من الأوصاف في الدلالة.

وليس العلم الشخصي واسم الاشارة والضمير والموصول من الكليات ، فلا يصح أن تجري فيها الاستعارة الأصلية ، أمّا المشتق فالصفة جزء من مدلوله وضعاً ، لأنه موضوع لذات متصفة بصفة ، (فكريم) موضوع لذات متصفة بالكرم ، (وقتيل) موضوع لذات متصفة بوقوع القتل عليها.

وقد اعتبرت الأعلام التي تتضمن معنى الوصف اسم جنس تأويلاً ولم تعتبر من قبيل المشتق ، لأن الوصف ليس جزءا من معناها وضعاً ، بل هو لازم لهن غير داخل في مفهومه ، فحاتم : لم يوضع للدلالة على الجود ولا على ذات متصفة به ، ولكن الجود عرض له ولزمه فيما بعد.

التنبيه الثامن : التبعية (١) : ما كان فيها المستعار مشتقا ، ويدخل في هذا : الفعل ، والاسم المشتقّ ، والحرف.

___________________

(١) كذلك يدخل فيه الاسم المبهم ، فقد جعل بعضهم استعارة الاشارة والضمير والموصول من التبعية ، لأن كلا من هذه المبهمات ليس من اسم الجنس لا تحقيقا ولا تأويلا ، إذ أن معانيها جزئية ـ والأصلية : مختصة باسم الجنس ، فاذا قلت : هذا رأي حسن فقد استعرت اسم الاشارة من المحسوس للمعقول ، ويقال : شبه المعقول مطلقا بالمحسوس مطلقا في قبول التمييز والتعبير ، فسرى التشبيه من الكليات إلى الجزئيات فاستعير لفظ (هذا) من جزئي المشبه به لجزئي المشبه استعارة تبعية ، لقصد المبالغة في بيان تعيين المعقول ، وإذا قلت لنسوة : إني منتظركم ، فقد شبهت مطلق مخاطبة فيها عظمة بمطلق مخاطب فيه عظمة بجامع العظمة في كل فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات ، فاستعير ضمير جماعة الذكور من جزئي المشبه به لجزئي المشبه ، استعارة تبعية ، وكذا إذا استعملت في المؤنث ما وضع من اسماء الموصول في المذكر.

وإذا عاد الضمير أو اسم الاشارة على مجاز ، نحو : زارني هذا الأسد فاكرمته فليس فيهما تجوز بناء على أن وضعهما أن يعودا على ما يراد بهما من حقيقة أو مجاز ، وقيل فيهما تجوز تبعاً لما يرجعان إليه ويكونان مستعارين بناء على التشبيه والاستعارة في مرجعهما ، فيدخلان في التبعية.

٢٥٧

فاستعارة الفعل (١) ، نحو قوله تعالى : (إِنّٰا لَمّٰا طَغَى اَلْمٰاءُ حَمَلْنٰاكُمْ فِي اَلْجٰارِيَةِ) [الحاقة : ١١] و نحو قوله تعالى : (وَقَطَّعْنٰاهُمْ فِي اَلْأَرْضِ أُمَماً) [الأعراف : ١٦٨] ونحو قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران :٢١ ، التوبه : ٣٤]

يقال : شبه زيادة الماء زيادة مفسدة ، بالطغيان ، بجامع مجاوزة الحد في كل، وادعي أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ، ثم استعير المشبه به للمشبه : على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية ، ثم اشتق من الطغيان بمعني الزيادة طغي بمعني زاد ، و علا؛ على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

هذا : وقد يستعمل لفظ الماضي موضع المضارع ، بناء على تشبيه المستقبل المحقق ، بالماضي الواقع ، بجامع تحقق الوقوع في كل ، نحو : قوله تعالى : (وَقٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا) [فصلت : ٢١]. وقد يعبر بالمضارع عن الماضي، بناء على تشبيه غير الحاضر بالحاضر في استحضار صورته الماضية ، لنوع غرابة فيها. نحو : قوله تعالى (إِنِّي أَرىٰ فِي اَلْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).

التنبيه التاسع : استعارة المشتق : إما صفة (٢) ، وأما اسم زمان؛ أو مكان أو آلة فالصفة ،

__________________

(١) لو دخلت أن المصدرية على فعل مستعار نحو : يسوءني أن يطغي الماء على قربتي ، فالحق أنها تبعية وأن المستعار هو الفعل وحده وهو الذى حل محل يكثر أو يعلو. والعبرة باللفظ. والمصدر غير ملفوظ به ، و «أن» إنما هي آلة في السبك أتي بها لغرض هو تأويل مدخولها بمصدر. فإذا أدى بها هذا الغرض طرحت كما تطرح الآلة إثر إتمام العمل الذى يؤدى بها. وقال بعضهم إنها أصلية نظرا للمصدر المؤول.

(٢) يراد بالصفة : اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبه واسم التفضيل ويلحق بها المصغر والمنسوب كرجيل إذا أريد به رجل كبير تعاطي ما لا يليق به وكقرشي لمصرى يتخلق بأخلاق القرشيين فإن استعارتهما تابعة لاستعارة مصدرين يؤدى هذان اللفظان معناهما وهما صغير ومنتسب الى قريش. شبه فعل ما لا يليق بالصغر ، بجامع أن كلاّ يسقط الهيبة ، واستعير لفظ الصغر لفعل ما لا يليق ثم اشتق منه صغير بمعني فاعل ما لا يليق ، ثم عبر عن فاعل ما لا يليق بلفظ رجيل. أو شبه رجيل ، أو شبه مطلق فعل ما لا يليق ، بمطلق الصغر ، فسرى التشبيه إلي فردى المشبه و المشبه به ، وهما فاعل ما لا يليق ورجيل ، ثم استعير بناء على التشبيه الحاصل بالسريان رجيل للكبير الذى يفعل فعل الصغير ، وشبه التخلق بأخلاق قريش الانتساب إليهم ، واستعير الانتساب للتخلق واشتق منه المنتسب بمعني المتخلق بأخلاقهم ثم عبر عن هذا بلفظ يؤديه وهو «قرشي» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

٢٥٨

نحو : حكم على قاتلك بالسِّجن ، من القتل بمعنى الضّرب الشديد ، مجازاً ، ونحو : أصادق الأصم عن الخنى ، واجاور الأعمى عن العورات ، ونحو : فلسان حالي بالشكاية أنطق : أي أدلّ ، ونحو : قوله تعالى (من بعثنا من مرقدنا) ونحو : جئت بمقتالِك (١) : أي بالآلة التي أضربك بها ضربا شديداً.

التنبيه العاشر : مدار قرينة التبعية في الفعل والمشتق على ما يأتي :

(١) على الفاعل : نحو : إنا لما طغى الماء ، ونطقت الحال بكذا (٢)

(٢) أو على نائبه : نحو : ضربت عليهم الذلة والمسكنة (٣)

(٣) أو على المفعول به : نحو :

جُمِعَ الحقّ لنا في إمامٍ

قتل البخل وأحيا السّماحاً (٤)

(٤) أو على المفعول به الثاني ، نحو :

صبحنا الخزرجية مرهفات

أباد ذوى أرومتها ذووها (٥)

__________________

(١) شبه الضرب بالقتل بجامع شدة الايذاء في كل ثم استعير للضرب الشديد على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية ، ثم اشتق منه «مقتال» بمعنى آلة الضرب على سبيل الاستعارة التبعية ، وشبه الاعراض عن سوء القول وعدم سمعه بالصمم بجامع عدم تأثر النفس بالقول في كل ، وكذا شبه الاغضاء عن العورات بالعمى ، بجامع عدم تأثر النفس بالمرئي في كل.

(٢) لأن كلا من الطغيان والنطق من شأن الانسان.

(٣) لأن الضرب من شأن الخيام ، لا من شأن الذلة التي هي أمر معنوي.

(٤) لأن القتل والاحياء لا يقعان إلا على ذي روح ، والبخل والسماح معنويان لا روح فيهما ، فدل هذا : على أن المراد بالقتل الازالة ، وبالاحياه الاكثار ، شبه الازالة بالقتل بجامع ما يترتب على كل من العدم ، والاكثار بالاحياء بجامع إظهار المتعلق في كل.

(٥) القرينة تعلق الفعل «صبح» بمرهفات وهي مفعولي به ثان يقال ، صبحه كقطع سقاه الصبوح ، وهو شراب الغداة ، ومرهفات أي سيوفا مرهفات ، يقال ارهف السيف إذا حدده ورققه ، وأباده أهلكه ، والارومة الأصل

٢٥٩

(٥) أو على الفاعل والمفعولين ، كقول الشاعر :

تقرى الرّياح رياض الحزن مزهرة

إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا (١)

(٦) أو على المفعولين ، كقوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما).

(٧) أو على المجرور ، نحو : (فبشرهم بعذاب أليم (٢)) ونحو : «فاصدع بما تؤمر» ونحو : «بل نقذف بالحق» هذا ، وقد تكون قرينة التبعية غير ذلك ، نحو : «قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا (٣)» إذ القرينة في هذه الآية ، كونه من كلام الموتى ، مع قوله : (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).

التنبيه الحادي العاشر : استعارة الحرف (٤) نحو : (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا).

__________________

والضمير في أرومتها للخزرجية ، وفي «ذووها» للمرهفات ـ يقول : أيدنا أصول هذه القبيلة بسيوفنا المرهفات ، ونزل التضاد منزلة التناسب ، فشبه الاساءة إلى الخزرجية صباحاً بالاحسان إليهم ، وتقديم الصبوح لهم ، بجامع إدخال السرور على النفس في كل ، وإن كان ادعائيا في المشبه ، ثم استعار لفظ المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية العنادية التهكمية ، ثم اشتق من الصبوح بمعنى الضرب بالمرهفات «صبح» بمعنى ضرب بها على سبيل الاستعارة التبعية.

(١) الجفن غطاء العين وغلاف السيف استعير لأكمام الزهر بجامع التغطية في كل ، وكنى بسريان النوم فيها عن ذيولها ، وإيقاظ مصدر أيقظ ، مستعار لتفتيح الزهر وإيجاد النضرة والبهجة فيه ، وقد حسن التعبير بالألفاظ مجيئه بعد النوم والأجفان ، والمعنى : تهب الرياح على بساتين الحزن فتكسوها تفتيحا وحسنا ونضارة.

(٢) قوله بعذاب : قرينة على أن «بشر» مستعار ، لأن التبشير إخبار بما يسر فلا يناسب تعلقه بالعذاب ، وقوله : «بما تؤمر» كذلك لأنه معنوي والصدع للمحسوس ، كما أن الحق معنوي أيضاً ، فكل منها كان صارفا عن المعنى الأصلي للفعل إلى المعنى المجازي.

(٣) هذا على أن مرقد اسم مكان ، وإلا فالاستعارة أصلية كما تقدم.

(٤) إيضاح : مثل الابتداء والظرفية والاستعارة معان كلية ، يصح أن تكون مستقلة بالفهم ، يحكم بها وعليها ، وتكون مقصودة لذاتها ، ولكن الابتداء المفهوم من لفظ «من» ابتداء مخصوص لم يقصد لذاته ، بل الغرض منه

٢٦٠