جواهر البلاغة

السيّد أحمد الهاشمي

جواهر البلاغة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٥
ISBN: 964-6918-33-6
الصفحات: ٣٥٤

الضيّاء ، وكما في تشبيه الخد بالورد.

(٢) وإمّا عقليان أي مدركان بالعقل ، نحو ، العلم كالحياة ونحو : الضلال عن الحق كالعَمى ونحو : الجهل كالموت.

(٣) وإما مختلفان ، بان يكون :

أ ـ المشبه حسِّي ، والمشبه به عقلي ، نحو : طبيب السوء كالموت.

ب ـ المشبه عقلي ، والمشبه به حِسي ، نحو العلم كالنّور.

واعلم أن العقلي (١) هو ما عدا الحسي ، فيشمل المحقق ذهناً : كالرأي والخلق ، والحظ ، والأمل والعلم. والعلم ، والذكاء والشجاعة.

ويشمل أيضاً الوهمي ، وهو ما لا وجود له ، ولا لأجزائه كلها ، أو بعضها في الخارج ، ولو وجد لكان مدركا باحدى الحواس.

ويشمل الوجداني : وهو ما يدرك بالقوى الباطنة ، كالغم ، والفرح ، والشبع والجوع ،

__________________

(١) المراد بالعقلي ما لا يدرك هو ولا مادته باحدى الحواس الظاهرة ، بل إدراكه عقلا ، فيدخل فيه الوهمي وهو مالا يدرك هو ولا مادته باحدى الحواس ، لكن لو وجد في الخارج لكان مدركا بها ، ويسمى هذا التشبيه بالوهمي الذي لا وجود له ولا لأجزائه كلها أو بعضها في الخارج ، ولو وجد لكان مدركا باحدى الحواس كقوله تعالى (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) وكقوله :

أيقتلني والمشرفي مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فان أنياب الأغوال لم توجد هي ولا مادتها ، وانما اخترعها الوهم ، لكن لو وجدت لأدركت بالحواس ، والمشرفي السيف ، والمسنونة السهام ، والأغوال يزعمون أنها وحوش هائلة المنظر ، ولا أصل لها ، والوجدانيات كالجوع والعطش ونحوهما ملحقة بالعقلي ثم التضاد بين الطرفين قد ينزل منزلة التناسب ، ويجعل وجه الشبه على وجه الظرافة أو الاستهزاء كما في تشبيه شخص ألكن بقس بن ساعدة ، أو رجل بخيل (بحاتم) ، والفرق بين الظرافة والاستهزاء يعرف بالقرائن ، فان كان الغرض مجرد الظرافة فظرافة ، وإلا فاستهزاء.

٢٠١

والعطش ، والري.

فالحسيان يشتركان :

(١) في صفة مبصرة كتشبيه المرآة بالنهار في الاشراق والشعر بالليل في الظلمة والسود ، كما في قول الشاعر :

فرعاء تسحب من قيام شعرها

وتغيب فيه وهو ليل اسحم

فكأنها فيه نهار مشرق

وكأنه ليل عليها مظلم (١)

(٢) أو في صفة مسموعة : نحو : غرد تغريد الطيور ونحو : سجع سجع القمري ونحو : أن أنين الثكلى ، ونحو : أسمع دوياً كدوى النحل ، وكتشبيه انقاض الرحل بصوت الفراريج في قول الشاعر :

كأن أصوات من إيغالهن بنا

أواخر الميس إنقاض الفراريج (٢)

وكتشبيه الأصوات الحنسة في قراءة القرآن الكريم بالمزامير.

(٣) أو في صفة ملموسة ، كتشبيه الجسم بالحرير : في قول ذي الرمة :

لها بشر مثل الحرير ومنطق

رخيم الحواشي لا هراء ولا نذر (٣)

(٤) أو في صفة مشمومة ، كتشبيه الريحان بالمسك ، والنكهة بالعنبر.

__________________

(١) امرأة فرعاء : كثيرة الشعر. وأسحم : اسود من سحم كتعب.

(٢) الميس : الرحل. والإنقاض : قيل صوت الفراريج الضئيل ، وقيل صوت الحيوان والنقض صوت الموتان كالرحل ، والفراريج : جمع فروج وهو فرخ الدجاجة. وتقدير البيت : كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج.

(٣) رخيم الحواشي. مختصر الأطراف ، والهراء (بضم الهاء) المنطق الكثير وقيل المنطق الفاسد الذي لا نظام له.

٢٠٢

المبحث الثاني

في تقسيم طرفي التشبيه : باعتبار الإفراد ، والتركيب

طرفا التشبيه المشبه والمشبه به :

(١) إمّا مفردان «مطلقان» نحو : ضوءه كالشمس ، وخده كالورد

أو مقيدان (١) نحو : الساعي بغير طائل كالرَّاقم على الماء.

أو مختلفان نحو ثغره كاللولؤ المنظوم ، ونحو : العين الزرقاء كالسّنان.

وإما مركبان تركيباً لم يُمكن إفراد أجزائهما ، بحيث يكون المركب هيئة حاصلة من شيئين ، أو من أشياء ، تلاصقت حتى اعتبرها المتكلم شيئاً واحداً ، وإذا انتُزع الوجهُ من بعضها دون بعض ، اختل قصد المتكلم من التشبيه كقوله (٢) :

كأن سهيلاً والنجوم وراءه

صفوف صلاة قام فيها إمامها

إذ لو قيل كأن سهيلاً إمام ، وكأن النجوم صفوف صلاة ، لذهبت فائدة التشبيه.

(٢) أو مركبان تركيباً : إذا أفردت أجزاؤه زال المقصود من هيئة المشبه به كما ترى في قول الشاعر الآتي : حيث شبَّه النجوم الَّلامعة في كبد السَّماء ، بدر مُنتثر على بساط أزرق.

وكأنّ أجرامَ النجوم لوامعاً

دُررٌ نُثرنَ على بساط أزرق

إذ لو قيل : كأن النجوم دُرر : وكأن السماء بساط أزرق ، كان التشبيه مقبولا ، لكنه قد زال منه المقصود بهيئة المشبه به.

__________________

(١) وتقييده بالاضافة ، أو الوصف ، أو المفعول ، أو الحال ، أو الظرف ، أو بغير ذلك.

ويشترط في القيد : أن يكون له تأثير في وجه الشبه ، ولهذا جعل قوله تعالى : (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) من باب تشبيه المفرد بالمفرد بلا قيد ، ونحو التعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

(٢) ومنه قول الآخر :

كأن الدموع على خدها

بيقية طل على جلنار

فالمشبه مركب من الدموع والخد ، والمشبه به مركب من الطل والجلنار.

٢٠٣

(٣) وإما مفرد بمركب : كقول الخنساء (١) :

أغر أبلجُ تأتم الهُداةُ بهِ

كأنه علمٌ في رأسه نارُ

(٤) وإما مركب بمفرد : نحو : الماء المالح كالسّم (٢) :

واعلم : انه متى رُكب أحد الطرفين لا يكاد يكون الآخر مفرداً مطلقاً ، بل يكون مركباً ، أو مفرداً مقيدا ، ومتى كان هناك تقييد أو تركيب كان الوجه مركباً ، ضرورة انتزاعه من المركب ، أو من القيد ، والمُقيد.

المبحث الثالث

في تقسيم طرفي التّشبيه : باعتبار تعدّدهما (١)

ينقسم طرفا التشبيه «المشبه والمشبه به» باعتبار تعدّدهما ، أو تعدّد أحدهما ، إلى أربعة أقسام :

ملفوف ، ومفروق ، وتسوية ، وجمع.

(١) فالتشبيه الملفوف : هو جمع كل طرف منهما مع مثله ، كجمع المشبه مع المشبه ، والمشبه به مع المشبه به ، بحيث يُؤتى بالمشبهات معاً على طريق العطف ، أو غيره ، ثم يؤتى بالمشبهات بها كذلك كقوله :

ليل وبدر وغصن

شعر ووجه وقَدُّ

خمر ودُرٌّ ووَرد

ريق وثغر وخدّ

وكقوله :

تبسُّم وقطوب في ندى ووغى

كالغيث والبرق تحت العارض البرد

________________

(١) وكقوله :

وحدائق ليس الشقيق نباتها

كالأرجوان منقطا بالعنبر

(٢) وكقوله :

لا تعجبوا من خاله في خده

كل الشقيق بنقطة سوداء

فالمشبه مركب من (الخال والخد) ، والمشبه به مفرد وهو (الشقيق).

(٣) متى تعدد الطرفان معا نتج تشبيهان أو أكثر ، لا تشبيه واحد.

٢٠٤

وكقوله :

وضوء الشهب فوق الليل بادٍ

كأطراف الأسنَّة في الدروع (١)

(٢) والتشبيه المفروق : هو جمع كل مشبه مع ما شُبّه به ، كقوله (٢) :

ألنَّشر مسكٌ والوجوه دنا

نيرُ وأطراف الأكفِّ عنم

(٣) وتشبيه التسّوية : هو ان يتعدّد المشبه دون المشبه به كقوله :

صُدغ الحبيب وحالي

كلاهما كاللّيالي

وثغره في صفاء

وأدمعي كاللال

سُمِّى بذلك : للتّسوية فيه بين المشبهات

(٤) وتشبيه الجمع : هو أن يتعدَّد المشبه به ، دون المشبه كقوله :

كأنما يبسمُ عن لؤلؤ

مُنضّد أو بَردَ أو اقاح (٣)

سمُى بتشبيه الجمع للجمع فيه بين ثلاث مشبهات بها وكقوله :

مرّت بنا رأد الضُّحى

تحكى الغزالة والغَزالا

تمرين

أذكر أحوال طرفي التشبيه فيما يأتي :

علم لا ينفع ، كدواء لا ينجع ، الصديق المنافق ، والابن الجاهل ، كلاهما كجمر الغضا ، الحق سيف على أهل الباطل ، الحمية من الأنام ، كالحمية من الطعام.

__________________

(١) أي فقد جمع ضوء الشهب والليل المشبهين ، مع أطراف الأسنة والدروع المشبه بهما.

(٢) ومنه قوله :

إنما النفس كالزجاجة والعل

م سراج وحكمة الله زيت

فاذا أشرقت فانك حي

وإذا أظلمت فانك ميت

 (٣) أي كأن المحبوب يبتسم عن أسنان كالؤلؤ المنظوم ، أو كالبرد أو كالاقاح فشبه الشاعر : ثغر المحبوب بثلاثة أشياء اللؤلؤ (وهو الجوهر المعلوم) والبرد (وهو حب الغمام) والاقاح جمع أفخوان بضم الهمزة وفتحها ، وهو زهر نبت طيب الرائحة ، حوله ورق أبيض ، ووسطه أصفر.

٢٠٥

المبحث الرابع

في تقسيم التشبيه باعتبار وجه الشبه

وجه الشبه : هو الوصف الخاص (١) الذي يقصد اشتراك الطرفين فيه كالكرم في نحو :

__________________

(١) إما «حقيقة» كالبأس في قولك «زيد كالأسد» وإما «تخيلاً» كما في قوله :

يا من له شعر كحظي أسود

جسمي نحيل من قراقك أصفر

فان وجه الشبه فيه بين الشعر والحظ هو السواد. وهما يشتركان فيه ، لكنه يوجد في المشبه تحقيقا. ولا يوجد في المشبه به الا على سبيل التخييل ، لانه ليس من ذوات الألوان :

ثم اعلم أن وجه الشبه ، إما داخل في حقيقة الطرفين وذلك في تشبه ثوب بآخر ، في جنسهما أو نوعهما أو فصلهما كقولك هذا القميص مثل ذلك في كونهما كتاناً أو قطناً ، وإما خارج عن حقيقتهما وهو ما كان صفة لهما «حقيقة» وهي قد تكون حسية كالحمرة في تشبيه الخد بالورد ، وقد تكون عقلية كالشجاعة في تشبيه الرجل بالأسد ، أو «إضافية» وهي ما ليست هيئة متقررة في الذات ، بل هي معنى متعلقاً بها كالجلاء في تشبيه البينة بالصبح.

ثم إن وجه التشبيه قد يكون واحداً وقد يكون بمنزلة الواحد «لكونه مركباً من متعدد» وقد يكون متعدداً ، وكل من ذلك قد يكون حسياً وقد يكون عقلياً.

«أما الواحد» فالحسي منه كالحمرة في تشبيه الخد بالورد ، والعقلي كالنفع في تشبيه العلم بالحياة.

«وأما المركب» : فالحسي منه قد يكون مفرد الطرفين ، كما في قوله :

وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى

كعنقود ملاحية حين نورا

فان وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من التئام الحبب البيض الصغيرة المستديرة المرصوص بعضها فوق بعض على الشكل المعلوم. وكلا الطرفين مفرد ، وهما الثريا والعنقود. وقد يكون مركب الطرفين كما في قوله :

والبدر في كبد السماء كدرهم

ملقى على ديباجة زرقاء

فإن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من طلوع صورة بيضاء مشرقة مستديرة في رقعة زرقاء مبسوطة.

٢٠٦

خليل كحاتم ، ونحو : له سيرة كالمسك ، وأخلاقه كالعتبر. واشتراك الطرفين قد يكون ادعائياً بتنزيل التضاد منزلة التناسب وإبراز الخسيس في صورة الشريف تهمكاً أو تمليحاً ويطهر ذلك من المقام.

__________________

وكلا الطرفين مركب أولهما من البدر والسماء ، والثاني من الدرهم والديباجة. وقد يكون مختلف الطرفين كقوله :

وحدائق لبس الشقيق نباتها

كالأرجوان منقطاً بالعنبر

فإن وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من انبساط رقعة حمراء قد نقطت بالسواد منثوراً عليها. والمشبه مفرد وهو الشقيق. والمشبه به مركب من الأرجوان والعنبر. وكقوله :

لا تعجبوا من خاله في خده

كل الشقيق بنقطة سوداء

فان وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من طلوع نقطة سوداء مستديرة في وسط رقعة حمراء مبسوطة ، والمشبه مركب من الخال والخد ، والمشبه به مفرد وهو الشقيق والعقلي من المركب كما في قوله :

المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

فان وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من الالتجاء من الضار إلى ما هو أضر منه طمعا في الانتفاع به ووجه الشبه مركب من هذه المتعددات في الجميع ، والرمضاء الأرض التي اسخنتها حرارة الشمس الشديدة ، والمراد (بعمرو) هنا هو جساس ابن مرة البكرى ، يقال أنه لما رمى كليب بن ربيعة التغلبي وقف على رأسه فقال له : (يا عمرو) أغثى بشربة ماء ، فأتم قتله ، واما المتعدد فالحسى منه كما في قوله :

مهفهف وجنتاه

كالخمر لونا وطعما

والعقلى : كالنفع والضرر في قوله :

طلق شديد البأس راحته

كالبحر فيه النفع والضرر

فان وجه الشبه فيهما متعدد وهو اللون والطعم في الأول ـ والنفع والضرر في الثاني ـ وقد يجىء المتعدد مختلفا كما في قوله :

هذا أبو الهيجاء

كالسيف في الرونق والمضاء

فان وجه الشبه فيه هو الرونق وهو حسي ـ والمضاء وهو عقلي ، وأبو الهيجاء لقب عبد الله بن حمدان العدوى ، والهيجاء من أسماس الحرب.

والعلم أن الحسي لا يكون طرفاه إلا حسييين ـ واما العقلى : فلا يلزمه كونهما عقليين لأن الحسي يدرك بالعقل ، خلافا للعقلى فانه لا يدرك بالحس.

٢٠٧

وينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه إلى :

(١) تشبيه تمثيل : وهو ما كان وَجه الشبه فيه وصفاً منتزعاً من متعدد : ـ حسيا كان أو غير حسي ، كقوله :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه

يوافى تمام الشهر ثم يغيب

فوجهُ الشبه سرعة الفناء انتزاعه الشاعر من أحوال القمر المتعددة إذ يبدو هلالا ، فيصير بدراً ، ثم ينقص ُ ن حتى يدركه المحاق ويسمى تشبيه التمثيل.

(٢) وتشبيه غير تمثيل : وهو مالم يكن وجهُ الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد ، نحو : وجَهه كالبدر ، وكقول الشاعر :

لا تطلبن بآلة لكَ رتبةً

قلمُ البليغ بغير حظٍ مغزل

فوجه الشبه قلة الفائدة ، وليس مُنتزعاً من متعدد.

(٣) ومفصل : وهو ما ذكر فيه وجه الشيه ، أو ملزومه ، نحو : طبعُ فريد كالنسيم رقَّة ، ويده كالبحر جوداً ، وكلامه كالدُّر حسناً ، وآلفاظه كالعسل حلاوة وكقول ابن الرّومي :

شبيه البدر حسنا وضياء ومنالا

وشبيه الغصن ليناً وقواما واعتدالا

(٤) ومُجمل : وهو ما يذكر فيه وجه الشبه ، ولا ما يستلزمه نحو : (النحو في الكلام كالملح في الطعام) فوجه الشبه هو الاصلاح في كل وكقوله :

إنما الدنيا كبيتٍ

نسجهُ من عنكبوت

واعلم أن وجه الشبه المجمل إما أن يكون خفياً وإما أن يكون ظاهراً ومنه ما وصف فيه أحد الطرفين أو كلاهما بوصف يُشعر بوجه الشبه ومنه ما ليس كذلك :

(٥) وقريب مبتذل : وهو ما كان ظاهر الوجه ينتقل ، فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به ، من غير احتياج إلى شدة نظر وتأمل ، لظهور وجهه بادىء الرأي وذلك لكون وجهه لا تفصيل فيه : كتشبيه الخدَّ بالورد في الحُمرة ، أو لكون وجهه قليل التفصيل ، كتشبيه الوجه

٢٠٨

بالبدر في الإشراق والاستدارة ، والعيون بالنرجس.

وقد يتصرف في القريب بما يخرجه عن ابتذاله إلى الغرابة ، كقول الشاعر :

لم تلق هذا الوجه شمسُ نهارنا

الاّ بوجهٍ ليس فيه حياءُ

فانّ تشبيه الوجه الحسن ، بالشمس : مبتذل ، ولكن حديث الحياء أخرجه إلى الغرابة.

وقد يخرج وجه الشبه من الابتذال إلى الغرابة وذلك :

بالجمع بين عدة تشبيهات كقول الشاعر :

كأنما يبسم عن لؤلؤ

منضد ، اؤ برد أو أقاح

أو باستعمال شرط كقوله :

عزماتُه مثل النجوم ثواقبِا

لو لم يكن للثّاقبات أفول

(٦) وبعيدٌ غريبُ : وهو ما احتاج في الانتقال من المشبه إلى المشبه به ، إلى فكر وتدقيق نظر ، لخفاء وجهه بادىء الرأي كقوله :

والشمس كالمرآة في كف الأشل

فانّ الوجه فيه : هو الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الاشراق ، والحركة السريعة المتصلة مع تموج الاشراق ، حتى ترى الشعاع كأنه يهمّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض.

وحكم وجه الشبّه. أن يكون في المشبه به اقوى منه في المشبه ـ وإلاّ فلا فائدة في التشبيه.

٢٠٩

تمرين

بين أركان التشبيه وأقسام كل منها فيما يلي :

(١) ومكلّف الأيام ضدَّ طباعها

مُتطلبٌ في الماء جذوةَ نار

(٢) والدهر يقرعِني طوراً واقرعه

كأنه جبلٌ يهوى إلى جبل

(٣) فان أغش قوماً بعده أو أزورهم

فكالوحش يدنيها من الأنس المحل (١)

(٤) قال علي : كرم الله وجهه (مثل الذي يعلمُ الخيرَ ولا يعمل به مثلُ السراج يُضيء للناس ويحرق نفسه).

(٥) قال صاحب كليلة ودمنة الدنيا كالماء الملح ، كلّما ازددتَ منه شرباً ازددت عطشاً.

(٦) فتراه في ظلم الوغى فتخاله

قمرا يكُرّ على الرجال بكوكبِ (٢)

(٧) كأن الثريّا في أواخر ليلها

تفتح نور أو لجامٌ مفضضُ

(٨) صحوٌ وغيم وضياء وظلم

مثل سرور شابه عارض غم

__________________

(١) الانس محركة : من تأنس به جمعه آناس ، ولغة في الانس بالكسر ، والمحل الجدب.

(٢) الكواكب هنا السيف.

٢١٠

المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

تشبيه التمثيل : أبلغ من غيرهن لما في وجهه من التفصيل الذي يحتاج إلى امعان فكر ، وتدقيق نظر ، وهو أعظم أثراً في المعاني : يرفع قدرها ، ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، فان كان مدحاً كان أوقع ، أو ذمّا كان أوجع ، أو بُرهانا كان أسطع ، ومن ثم يحتاجُ اُلى كدّ الذهن في فهمه ، لاستخراج الصورة المنتزعة من أمور متعدِّدة ، حسية كانت أو غير حسية ، لتكون (وجه الشبه) كقول الشاعر :

ولاحت الشمس تحكي عند مطلعها

مرِآةَ تبر بدت في كفِّ مرتعش

فمثّل الشمس : حين تطلع حمراء لامعة مضطربة ، بمرآة من ذهب تضطرب في كف ترتعش.

وتشبيه التمثيل نوعان :

الأول : ما كان ظاهر الأداة ، نحو : (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) فالمشبه : هم الذين حُمّلو التوراة ولم يعقلوا ما بها : والمشبه به (الحمار) الذي يحمل الكتب النافعة ، دون استفادته منها ، والأداة الكاف ، ووجه الشبه الهيئة الحاصلة من التعب في حمل النافع دون فائدة.

الثاني : كا كان خفى الأداة : كقولك للذي يتردّد في الشيء بين أن يفعله ، وألاّ يفعله أراك تقدم رجلا وتُؤخر أخرى ، إذ الأصل : أراك في ترددك مثل من يقدم رجلا مرة ، ثم يؤخّرها مرة أخرى ، فالأداة محذوفة ، ووجه الشبه هيئة الإقدام والاحجام المصحوبين بالشَكَ.

٢١١

مواقع تشبيه التمثيل

لتشبيه التمثيل موقعان :

(١) أن يكون في مفتتح الكلام ، فيكون قياساً موضحاً ، وبرهانا مصاحباً ، وهو كثير جداً في القرآن ، نحو : (مثلُ الذين يُنفقونَ أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابلَ في كل سنبلةٍ مائة حبة).

(٢) ما يجىء بعد تمام المعاني ، لإيضاحها وتقريرها ، فيُشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى ، نحو :

لا ينزلُ المجد في منازلنا

كالنّوم ليس له مأوى سوى المقل

تأثير تشبيه التمثيل في النفس

إذا وقع التمثيل في صدر القول : بعث المعنى إلى النفس بوضوح وجلاء مؤيد بالبرهان ، ليقنع السامع ، واذا أتى بعد استيفاء المعاني كان :

(١) إما دليلا على إمكانها ، كقول المتنبي :

وما آنا منهم بالعيش فيهم

ولكن معدن الذهب الرغام (١)

(٢) وإما تأييداً للمعنى الثابت ، نحو :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إن السفينة لا تجري على اليبس

وعلة هذا : أن النفس تأنس إذا أخرجتها من خفي إلى جني ، ومما تجهله إلى ما هي به أعلم ولذا تجد النفس من الأريحية ما لا تقدُر قدره ، إذا سمعت قول أبي تمام :

وطول مقام المرء في الحي مخلق

لديباجتيه فاغترب تتجدد

فاني رايتُ الشمس زيدت محبة

إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد (٢)

__________________

(١) لما ادعى أنه ليس منهم مع إقامته بينهم ، وكان ذلك يكاد يكون مستحيلا في مجرى العادة ، ضرب لذلك المثل بالذهب ، فان مقامه في التراب ، وهو أشرف منه.

(٢) الديباجتان الخدان ، والسرمد الدائم.

٢١٢

المبحث السادس في أدوات التشبيه (١)

أدوات التشبيه : هي ألفاظ تدلّ على المماثلة ، كالكاف ، وكأنَّ ومثل ، وشبه ، وغيرها ، مما يؤدي معنى التشبيه : كيحكى ، ويُضاهي ويضارع ، ويماثل ، ويساوى ، ويشابه ، وكذا أسماء فاعلها ، فأدوات التشبيه بعضها : اسم ، وبعضها فعلٌ ، وبعضها حرف.

وهي إما ملفوظة ، وإما ملحوظة ، نحو فاروق كالبدر ، وأخلاقه في الرقة النسيم ونحو : اندفع الجيش اندفاع السيل ، أي كاندفاعه.

والأصل في الكاف ، ومثل ، وشبه ، من الاسماء المضافة لما بعدها ان يليها المشبه به لفظاً (٢) أو تقديراً.

ونحو : قوله تعالى (حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) ونحو : قوله تعالى (وله الجوار المُنشآت في البحر كالأعلام) وكقول الشاعر :

والوجه مثل الصبح مبيض

والفرع مثل الليل مُسودّ

ضدّان لما استجمعا حسنا

والضدّ يظهر حسنه الضِّد

والأصل في كأنّ ، وشابه ، وماثل ، وما يُرادفها ، أن يليها المُشبه ، كقوله :

كأن الثريا راحةٌ تشبر الدجى

لتنظر طال الليل أم قد تعرضا

__________________

(١) (التشبيه) يفيد التفاوت ، وأما (التشابه) فيفيد التساوي بلفظ تشابه ، وتماثل وتشاكل ، وتساوى ، وتضارع ، وكذا بقولك : كلاهما سواء ، لا بما كان له فاعل ومفعول به : مثل شابه ، وساوى ، فان في هذا الحاق الناقص بالزائد.

(٢) وقد يليها غير المشبه به إذا كان التشبيه مركبا أي هيئة منتزعة من متعدد وذكر بعد الكفاف بعض ما تنتزع منه تلك الهيئة كقوله تعالى (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء).

أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح) فان المراد تشبيه حال الدنيا في حسن نضارتها وبهجة روائها في المبدأ ، وذهاب حسنها وتلاشي رونقها شيئاً فشيئاً في الغاية ، بحال النبات الذي يحسن من الماء ، فتزهو خضرته ، ثم يبس شيئاً فشيئاً ، ثم يتحكم فتطيره الرياح ، فيصير كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ، بجامع الهيئة الحاصلة في كل من حسن واعجاب ومنفعة ، يعقبها التلف والعدم.

٢١٣

وكأن : تفيد التشبيه : إذا كان خبرهُها جامداً ، نحو : كأن البحر مرآة صافية.

وقد تفيد الشك : إذا كان خبرهُها مشتقاً ، نحو : كأنّك فاهم ، وكقوله :

كأنَّك من كل النفوس مركَّبٌ

فأنتَ إلى كل النفوس حبيب

وقد يغنى عن أداة التشبيه «فعلٌ» يدلُ على حال التشبيه ، ولا يعتبر أداة.

فان كان الفعل لليقين ، أفاد قرب المشابهة ، لما في فعل اليقين من الدلالة على تيقن الاتحاد وتحققه ، وهذا يُفيد التشبيه مبالغة ، نحو : (فلما رأوهُ عارضاً مستقبل أو ديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) ونحو : رأيت الدنيا سراباً غراراً.

وإن كان (الفعل للشّك) أفاد بعدها : لما في فعل الرّجحان من الإشعار بعدم التحقق ، وهذا يفيد التّشبيه ضعفاً نحو : (وإذا رايتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً) وكقوله :

قوم إذا لبسوا الدروع حسبتها

سحباً مزرَّدةً على أقمار

المبحث السابع

في تقسيم التشبيه باعتبار أداته

ينقسم التشبيه باعتبار أداته إلى :

أ ـ التشبيه المرسل (٢) : وهو ما ذكرت فيه الأداة ، كقول الشاعر :

إنما الدنيا كبيتٍ

نسجُه من عنكبوت

ب ـ التشبيه المؤكد : وهو ما حُذفت منه أداته ، نحو : يسجع سجع القمري ـ وكقول الشاعر :

أنت نجم في رفعة وضياءٍ

تجتليكَ العيون شرقاً وغرباً

__________________

(١) والضعف قج يكون في المشبه وقد يكون في المشبه به.

(٢) وسمى مرسلا : لارساله عن التأكيد.

٢١٤

ومن المؤكد : ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه ، كقول الشاعر :

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على (١) لجين الماء

أي أصيل كالذهب على ماء كاللجين.

والمؤكد أوجز ، وأبلغ ، وأشدّ وقعاً في النفس ، أما أنه أوجز فلحذف أداته ، وأما أنه أبلغ فلإِيهامه أنّ المشبه عين المشبه به.

ج ـ والتشبيه البليغ : هو ما حُذفت فيه أداة التشبيه ، ووجه الشبه (٢) ، نحو :

فاقضو مآربَكم عِجالاً إنّما

أعماركم سفرٌ من الأسفار

ونحو :

عزماتهم قضبٌ وفيض أكفهم

سُحُبٌ وبيضُ وجوههم أقمار

التشبيه البليغ : ما بلغ درجة القبول لحسنه ، أو الطّيّب الحسن فكلما كان وجه الشبه قليل الظهور ، يحتاج في إداراكه إلى أعمال الفكر كان ذلك أفعل في النفس : وأدعى إلى تأثرها واهتزازها ، لما هو مركوز في الطبع ، من أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له ، والاشتيقاق إليه ، ومُعاناة الحنين نحوه ، كان نيله أحلى ، وموقعه في النفس أجلّ وألطف ، وكانت به أضنّ وأشغف ، وما أشبه هذا الضرب من المعاني ، بالجوهر في الصدف ، لا يبرز إلا أن تشُقّهُ عينه ، وبالحبيب المتحجِّب لا يُريك وجهه ، حتى تستأذن.

وسبب هذه التسمية : أن ذكر (الطّرفين) فقط ، يوهم اتحادهما ، وعدم تفاضلهما ، فيعلو المشبه إلى مستوى المشبه به ، وهذه هي المبالغة في قوة التشبيه.

__________________

(١) الأصيل الوقت بين العصر إلى المغرب ، واللجين الفضة.

(٢) ومن التشبيه البليغ أن يكون المشبه به مصدراً مبيناً للنوع نحو : أقدم الجندي إقدام الأسد ، وراغ المدين روغان الثعلب ، ومنه أيضاً إضافة المشبه به المشبه ، نحو لبس فلان ثوب العافية ، ومنه أيضاً أن يكون المشبه به حالا نحو : حمل القائد على أعدائه أسداً.

٢١٥

المبحث الثامن في فوائد التشبيه

الغرض من التّشبيه والفائدة منه ، هي الإيضاح والبيان (في التشبيه غير المقلوب) ويرجع ذلك الغرض إلى المشبه وهو إمّا :

(١) بيان حاله : وذلك حينما يكون المشبه مبهماً غير معروف الصفة ، التي يُراد إثباتها له قبل التشبيه ، فيفيده التشبيه الوصف ، ويُوضّحه المشبه به ، نحو شجر النارنج كشجر البرتقال وكقول الشاعر :

إذا قامت لحاجتها تثنّت

كأن عظامها من خيزُرانِ

شبه عظامها بالخزران بياناً لما فيها من اللين (١)

(٢) أو بيانُ إمكان حاله : وذلك حين يُسند إليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له ، معروفٍ واضح مُسَلّم به ، ليثبت في ذهن السامع ويتقرّر كقوله :

ويلاه إن نظرت وان هي أعرضت

وقع السِّهام ونزعُهنَّ أليم

شبّه نظرها : بوقع السهام ، وشبه إعراضها بنزعها : بياناً لإمكان إيلامها بهما جميعاً.

(٣) او بيان مقدار حال المشبه في القوّة والضّعف ، وذلك إذا كان المشبه معلوماً ، معروف الصفة التي يُراد اثباتها له معرفة اجمالية قبل التشبيه بحيث يراد من ذلك التشبيه بيان مقدار نصيب المشبه من هذه الصفة وذلك بأن يعمدَ المتكلَم لأن يبين للسامع ما يعنيه من هذا المقدار كقوله :

كأن مشيتها من بيت جارتها

مر الحساب لا ريث ولا عجلُ

وكتشبيه : الماء بالثلج ، في شدة البرودة وكقوله :

فيها اثنتان واربعون حلُوبةً

سوداً كخافية الغراب الأسحم

__________________

(١) والتشبيه لهذا الغرض يكثر في العلوم والفنون لمجرد البيان والايضاح ، فلا يكون فيه حينئذ أثر للبلاغة لخلوه من الخيال وعدم احتياجعه إلى التفكير ، ولكنه لا يخلو من ميزة الاختصار في البيان ، وتقريب الحقيقة إلى الأذهان ، كقوله : الأرض كالكرة.

٢١٦

شبه النياق السود ، بخافية الغراب ، بياناً لمقدار سوادها ، فالسواد صفة مشتركة بين الطرفين.

(٤) أو تقرير حال المشبه ، وتمكينه في ذهن السامع ، بابرازها فيما هي فيه أظهر (١) ، كما إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التثبيت والإيضاح فتأتى بمشبه حسى قريب التصور ، يزيد معنى المشبه ايضاحاً ، لما في المشبه به من قوة الظهور والتمام ، نحو : هل دولة الحسن إلا كدولة الزَّهرَ ، وهل عمر الصِّبا إلا أصيل أو سحر ، وكقوله :

إن القلوبَ إذا تنافر وُدُّها

مثل الزجاجة كسرها لا يُجبر (٢)

شبه تنافر القلوب ، بكسر الزجاجة ، تثبيتا لتعذر عودة القلوب إلى ما كانت عليه من الأنس والمودَّة.

(٥) أو بيان إمكان وجود المشبه ، بحيث يبدو غريباً يُستبعد حدُوثه والمشبه به يزيل غرابته ، ويُبين أنه ممكنُ الحصول ، كقوله :

فان تفق الأنام وأنت منهم

فان المسك بعض دم الغزال (٣)

(٦) أو مدحه وتحسين حاله ، ترغيباً فيه ، أو تعظيما له ، بتصويره بصورة تهيج في النفس قوى الاستحسان ، بأن يعمد المتكلم إلى ذكر مشبه به معجب ، قد استقر في النفس حسنه و

__________________

(١) ويكثر في تشبيه الأمور المعنوية بأخرى تدرك بالحس : نحو التعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

(٢) تنافر القلوب وتوادها من الأمور المعنوية ، ولكن الشاعر نظر إلى ما في المشبه به من قوة الظهور والتمام ، فانتقل بالسامع من تنافر القلوب الذي لا ينتهي إذا وقع ، إلى كسر الزجاجة الذي لا يجبر إذا حصل ، فصور لك الأمر المعنوي بصورة حسية.

(٣) أي أنه لا استغراب في فوقانك للانام مع أنك واحد منهم لأن لك نظيراً وهو (المسك) فانه بعض دم الغزال وقد فاق على سائر الدماء ففيه تشبيه حال الممدوح بحال المسك تشبيها ضمنيا ، والتشبيه الضمني هو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة ، بل يلمحان في التركيب لافادة أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن ، نحو : المؤمن مرآة المؤمن.

٢١٧

حبُّه ، فيصور بصورته ، كقوله :

وزاد بك الحسن البديع نضارة

كأنك في وجه الملاحة خالُ

ونحو :

كأنك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وكقوله :

(٧) أو تشويه المشبه وتقبيحه ، تنفيراً منه أو تحقيراً له ، بأن تصوره بصورة تمجها النفس ، ويشمئز منها الطبع ، كقوله :

وإذا أشار محدثاً فكأنه

قرد يقهقهُ أو عجوزٌ تلطم

وكقوله :

وترى ناملها دبت على مزمارها

كخنافسٍ دبت على أوتار

(٨) أو استطرافه «أي عده طريفاً حديثاً» بحيث يجىء المشبه به طريفاً ، غير مألوفٍ للذهن.

إما لاإبرازه في صورة الممتنع عادة ، كما في تشبيه : فحم فيه جمر متقد يبحر من المسك موجه بالذهب وكقوله :

وكأن محمرَّ الشقيق

إذا تصَّوب أو تصعَّد

أعلام ياقوت نشر

ن على رماح من زبرجد

وإما لندور حضور المشبه به في الذهن عند حضور المشبه ، كقوله :

أنظر إليه كزورق من فضَّة

قد أثقلته حمولة من عنبرٍ (١)

___________________

(١) الحمولة ما يحمل فيه ويوضع والمقصد من التشبيه وجود شيء أسود داخل أبيض.

واعلم أن التشبيه يعود فيه الغرض إلى المشبه يكون وجه شبهه أتم وأعرف في المشبه به ، منه في المشبه ، كما في السكاكي ، وعليه جرى أبو العلاء المعري في قوله (ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك).

وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى ، وشراح التلخيص اشترطوا الأعرفية ولم يشترطوا الاتمية ، وفي المطول والأطول ما يلفت النظر ، فارجع اليهما.

٢١٨

تشبيه على غير طرقه الاصلية

التشبيه الضمني

هو تشبيه ٌ لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة ، بل يلمح المشبه والمشبه به ، ويفهمان من المعنى ، ويكون المشبه به دائماً برهاناً على امكان ما أسند إلى المشبه ، كقول المتنبي :

من يهن يسهل الهوانُ عليه

ما لجُرحٍ بميَّت إيلامُ

أي إن الذي اعتاد الهوان ، يسهل عليه تحمّله ، ولا يتألم له ، وليس هذا الادعاء باطلا لأن الميت إذا جرح لا يتألم.

وفي ذلك تلميح بالتشبيه في غير صراحة ، وليس على صورة من صور التشبيه المعروفة ، بل انه (تشابهٌ) يقتضي التَّساوي ، وأما (التشبيه) فيقتضي التفاوت.

التشبيه المقلوب

قد يُعكس التشبيه ، فيجعل المشبه مشبهاً به ، وبالعكس (١) فتعود فائدته إلى المشبه به ،

__________________

(١) التشبيه المقلوب : ويسمى المنعكس ، هو ما رجع فيه وجه الشبه إلى المشبه به وذلك حين يراد تشبيه الزائد بالناقص ويلحق الأصل بالفرع للمبالغة ، وهذا النوع جار على خلاف العادة في التشبيه ، ووارد على سبل الندور وانما يحسن في عكس المعنى المتعارف كقول البحتري

في طلعة البدر شيء من محاسنها

وللقضيب نصيب من تثنيها

والمتعارف تشبيه الوجوه الحسنة بالبدور ، والقامات بالقضيب في الاستقامة ، والتثنى لكنه عكس ذلك مبالغة هذا إذا أريد الحاق كامل بناقص في وجه الشبه ، فان تساويا حسن العدول عن (التشبيه) إلى الحكم

٢١٩

لادِّعاء أن المشبه أتم وأظهر من المشبه به في وجه الشبه.

ويسمى ذلك (بالتشبيه المقلوب) (١) أو المعكوس ، نحو : كأن ضوء النهار جبينُه ، ونحو : كأن نشر الروض حسن سيرته ونحو : كأن الماء في الصفاء طباعه ، وكقول محمد بن وهيب الحميري (٢)

وبدا الصباح كأن غرّته

وجهُ الخليفة حين يُمتدحُ

شبه غرة الصباح ، بوجه الخليفة ، إبهاماً أنه أتم منها في وجه الشبه وكقول البحتري في وصف بركة المتوكل : كأنها حين لجَّت في تدفقها يد الخليفة لمّا سال واديها وهذا التشبيه مظهرٌ من مظاهر الإفتنان والابداع ، كقوله تعالى حكاية عن الكفار (إنما البيعُ مثل الربا) في مقام أن الربا مثل البيع عكسوا ذلك لإيهام أن الربا عندهم أحلّ من البيع ، لأن الغرض الرِّبح وهو أثبتُ وجوداً في الربا منه في البيع ، فيكون أحق بالحل عندهم.

__________________

(بالتشابه) تباعداً واحترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر ، كقول أبي اسحاق الصابي.

تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي

فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب

فو الله ما أدرى أبا لخمر أسلبت

جفوني أم من عبرتي كنت أشرب

وكقول الصاحب بن عباد :

رق الزجاج وراقت الخمر

فتشابها وتشاكل الامر

فكأنما خمر ولا قدح

وكأنما قدج ولا خمر

(١) يقرب من هذا النوع ما ذكره الحلبي في كتاب حسن التوسل وسماه «تشبيه التفضيل» وهو أن يشبه شيء بشيء لفظاً أو تقديراً ، ثم يعدل عن التشبيه لادعاء أن المشبه أفضل من المشبه به ـ كقوله :

حسبت جمالها بدراً منيراً

وأين البدر من ذاك الجمال

(٢) فالحميري أراد أن يوهم أن وجه الخليفة أتم من غرة الصباح اشراقا ونورا.

٢٢٠