جواهر البلاغة

السيّد أحمد الهاشمي

جواهر البلاغة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٥
ISBN: 964-6918-33-6
الصفحات: ٣٥٤

الباب الرابع

في المسند وأحواله (١)

المُسند : هو الخبر ، والفعل التام ، واسم الفعل ، والمبتدأ الوصف المستغنى بمرفوعه عن الخبر ، وأخبار النَّواسخ ، والمصدر النائب عن الفعل.

وأحواله : هي ، الذكر ، والحذف ، والتّعريف ، والتّنكير ، والتقديم والتأخير ، وغيرها وفي هذا الباب ثلاثة مباحث.

المبحث الأول

في ذكر المسند أو حذفه

يُذكر المُسند للأغراض التي سبقت في ذكر المسند اليه ، وذلك :

(١) ككون ذكره هو الأصل ولا مُقتضى للعُدول عنه نحو العلم خيرٌ من المال.

(٢) وكضعف التّعويل على دلالة القرينة ، نحو حالي مستقيم ورزقي ميسور إذ لو حُذف ميسور لا يدلُّ عليه المذكور.

__________________

(١) وانما ذكر المسند بعد المسند إليه لأن المسند محكوم به ، والمسند إليه محكوم عليه ، والمحكوم به مؤخر عن المحكوم عليه طبعا ، فاستحق ذلك الترتيب وضعا.

ومبحث الذكر : لم يتعرض له كثير كأبي هلال العسكري ، والامام عبد القاهر ولعله يتعلق كثيرا بالنحو.

١٢١

(٣) وكضعف تنبه السّامع ، نحو : (أصلُها ثابتٌ وفرعُها ثابتٌ) إذ لو حُذف ثابت رُبما لا يتنبَّه السامع لضعف فهمه.

(٤) وكالرَّد على المخاطب ، نحو : (قل يُحييها الذي أنشأها أوّل مرَّة) جواباً لقوله تعالى : (من يُحيي العظام وهي رميمٌ).

(٥) وكافادة أنه «فعلٌ» فيفيد التجدد والحدوث ، ومقيَّداً بأحد الأزمنة الثلاثة بطريق الاختصار أو كإفادة أنه «اسم» فيفيد الثبوتَ مطلقاً ، نحو : (يُخادعون الله وهو خادعهم) ، فإن يخادعون تفيد التجدد مرَّة بعد أخرى ، مقيداً بالزمان من غير افتقار إلى قرينة تدل عليه كذكر الآن أو الغد. وقوله : وهو خادعهم تفيد الثّبوت مطلقاً من غير نظر إلى زمان.

ويُحذف المسند : لأغراض كثيرة :

(١) منها : إذا دلت عليه «قرينة» وتعلّق بتركه غرض ممّا مرَ في حذف المسند اليه.

والقرينة : إمّا مذكورة كقوله تعالى : (ولئن سألتهم من خَلَق السَّموات وَالأرض ليقُولُنَّ الله) أي : خلقهنَّ الله. وإمَّا مقدّرة ، كقوله تعالى : (يُسِّبحُ لهُ فيها بالغدوّ والآصالِ رجالٌ) أي : يسبحهُ رجالٌ كأنَّه قيل : من يُسبِّحُه؟

(٢) ومنها الاحتراز عن العبث ، نحو : (إن الله برىءٌ من المشركين ورسولُه) أي : ورسوله برىءٌ منهم أيضاً. فلو ذكر هذا المحذوف لكان ذكره عبثاً لعدم الحاجة اليه.

(٣) ومنها ضيق المقام عن إطالة الكلام ، كقول الشاعر :

نحنُ بما عندنا وأنت بما عندك

راض والرأيُ مختلف

أي : نحن بما عندنا راضُون ، فحذف لضيق المقام.

(٤) ومنها اتّباع ومجاراة ما جاء في استعمالاتهم الواردة عن العرب نحو : (لولا أنتم لكنا مؤمنين). أي : لولا أنتم موجودون وقولهم في المثل رمية من غير رامٍ أي هذه رمية.

١٢٢

تمرين

عيّن أسباب الحذف ونوع المحذوف في الأمثلة الآتية :

(١) نحو : (ذلكم أزكى لكم واطهر والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون).

(٢) وقال صلى الله عليه وسلم : علامة المؤمِن ثلاثٌ : إذا حدَّث صدق ، وإذا وعدَ وفى ، وإذا اؤتمن لم يخن.

(٣) وقال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، او تصدّقت فأبقيت.

(٤) وقال : إن أحبّكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً ، الموطئون أكنافاً ، الذين يألفون ويُؤلفونَ.

(٥) وقال أبو العتاهية :

جزى اللهُ عني صالحاً بوفائه

وأضعف أضعافاً لُه في جزائه

صديقٌ إذا ما جئتُ أبغيه حاجة

رجعتُ بما أبغي ، ووَجهي بمائه

(٦) وقال البُحتري يمدح الفتح بن خاقان :

رزينٌ إذا ما القوم خفت حُلومُهُم

وقورٌ إذا ما حادث الدهر أجلباَ

فتى لم يضيع وجه حزمٍ ولم يبت

يلا حظ أعجاز الأمور تعقبا

(٧) وقال الشاعر :

من قاس جدواك يوماً

بالسُّحب أخطأ مدحك

السُّحبُ تُعطى وتبكي

وأنت تعطي وتضحك

(٩) وقال المتنبي :

وَلمّا صارودُّ الناس خبَّا

جزيتُ على ابتسام يابتسام

وصرتُ أشكُ فيمن أصطفيه

لعلمي أنَّه بعضُ الانام

١٢٣

(٩) وقال :

لولا المشقة سادَ الناسُ كلهم

الجودُ يفقر والإقدامُ قتالُ

(١٠) وقال أبوفراس :

لا تطلبنَّ دُنُوَّ دار

من خليل أو معاشر

أبقى لأسباب المودة

أن تزور ولا تجاور

تدريب

عيّن أسباب الذكر في الأمثلة الآتية :

(١) قال الله تعالى : (فويلٌ للذين يكتبونَ الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم ، وويلٌ لهم مما يكسبون).

(٢) وقال مروان بن أبي حفصة يمدح معن بن زائدة :

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أُسودٌ لها في بطن خفَّان أشبلُ

هم يمنعون الجار حتى كأنما

لجارهم بين السِّماكين منزلُ

(٣) وقال السَّموءلُ بن عاديا :

إذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضُهُ

فكل رداءٍ يرتديه جميلُ

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها

فليس إلى حُسن الثناء سبيل

(٤) وقال أبو العتاهية :

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى

ظمئت وأيُّ الناس تصفو مشاربهُ

١٢٤

المبحث الثاني

في تعريف المسند : أو تنكيره

تعريف المسند :

(١) لإفادة السامع حُكماً على أمر معلوم عنده بأمر آخر مثله : بإحدى طرق التعريف نحو : هذا الخطيب ، وذاك نقيب الأشراف.

(٢) ولافادة قصره على المسند إليه حقيقة نحو سعد الزعيم إذا لم يكن زعيم سواه أو ادعاءً مبالغة لكمال معناه في المسند إليه ، نحو : سعدٌ الوطني أي الكامل الوطنية ، فيخرج الكلام في صورة توهم أن الوطنية لم توجد إلا فيه ، لعدم الاعتداد بوطنية غيره.

وذلك : إذا كان المسند معرفاً بلام الجنس (١).

وينكَّرُ المسند : لعدم الموجب لتعريفه وذلك :

(١) لقصد إرادة العهد أو الحصر نحو : أنت أميرٌ وهو وزير.

(٢) ولاتباع المسند إليه في التنكير نحو : تلميذ واقف بالباب.

(٣) ولافادة التفخيم نحو : (هُدّى للمتقين).

(٤) ولقصد التحقير نحو : ما خالد رجلا يُذكر.

__________________

(١) على أن التعريف بلام الجنس لا يفيد أحيانا القصر ، كقول الخنساء :

إذا قبح البكاء على قتيل

وجدت بكاءك الحسن الجميل

فالخنساء : لا تقصد قصر الجنس على بكاء قتيلها ، ولكنها تريد أن تثبت له ، وتخرجه من جنس بكاء غيره من القتلى ، فهو ليس من القصر في شيء.

١٢٥

المبحث الثالث

في تقديم المسند أو تأخيره

يقدّم المسند : إذا وجد باعث على تقديمه كأن يكون عاملاً نحو قام علي أو ممّا له الصدارة في الكلام ، نحو : أين الطريق؟ أو إذا أريد به غرض من الأغراض الآتية :

(١) منها التّخصيص بالمسند إليه نحو : (لله مُلكُ السموات والأرض).

(٢) ومنها التنبيه من أوّل الأمر على أنه خبرٌ لا نعتٌ كقوله :

له هممٌ لا مُنتهى لكبارها

وهمَّته الصغرى أجلُ من الدّهر

له راحة لو أنَّ معشار جودها

على البرِّ كان البرُّ أندى من البحر

فلو قيل : همم له لتُوهّم ابتداءً كون له صفة لما قبله.

(٣) ومنها التشويق للمتأخر ، إذا كان في المتقدِّم ما يُشوِّق لذكره كتقديم المسند في قوله تعالى : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب).

وكقوله :

خيرُ الصنائع في الأنام صنيعةٌ

تنبو بحاملها عن الإذلال

(٤) ومنها التفاؤل : كما تقول للمريض في عافية أنتَ. وكقوله :

سعدت بُغرَّة وجهك الأيام

وتزينت بلقائك الأعوامُ

(٥) ومنها : إفادة قصر المسند إليه على المسند ، نحو (لكم دينكم ولي دين) أي دينكم مقصورٌ عليكم ، وَديني مقصور عليَّ.

(٦) ومنها : المساءة نكايةً بالمُخاطب : كقول المتنبي :

ومن نكد الدنيا على الحُرّ أن يرى

عدُوّا له ما من صداقته بُدُّ

١٢٦

(٧) ومنها : تعجيل المسرّة للمخاطب ، أو التعجّب ، أو التّعظيم ، أو المدح ، أو الذم ، أو الترحم ، أو الدعاء. نحو : لله درّك ، وعظيمٌ أنت يا الله. ونعم الزعيم سعدٌ ، وهلُمّ جرَّا وبئس الرجل خليل ، وفقير أبوك ، ومبارك وصولك بالسلامة.

ويؤخر المسند لأن تأخيره هو الأصل ، وتقديم المسند إليه أهم نحو : الوطن عزيز.

خاتمة

وينقسم المسند من حيث الأفراد وعدمه إلى قسمين ـ مفرد ـ وجملة ، فالمسند المفرد قسمان : فعل نحو قدم سعدٌ واسم : نحو سعدٌ قادم. والمسند (الجملة) ثلاثة أنواع :

(١) أن يكون سببيا نحو خليل أبوه مُنتصر ، أو أبوه انتصر ، أو انتصر أبوه.

(٢) وان يُقصد تخصيص الحكم بالمسند إليه نحو أنا سَعيت في حاجتك أي السّاعي فيها أنا لا غيري.

(٣) وأن يُقصد تأكيد الحكم نحو : سعد حضر.

وذلك : لما في الجملة : من تكرار الاسناد مرّتين.

ويؤتى بالمسند : ظرفا للاختصار ، نحو خليل عندك. وجاراً ومجروراً ، نحو : محمود في المدرسة.

١٢٧

تمرين

بين أسباب التقديم والتأخير فيما يأتي :

(١) ما كل ما فوق البسطية كافياً

فاذا قنعت فبعض شيء كافي (١)

(٣) إذا شئت يوما أن تسود عشيرة

فبالحلم سُد لا بالتَّسرع والشتَّم (٢)

(٤) ثلاثة تُشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو اسحاق والقمر (٣)

(٥) أفي الحق أن يُعطى ثلاثون شاعرا

ويُحرم مادون الرّضا شاعرٌ مثلي (٤)

(٦) فكيف وكلٌّ ليس يعدو حمامه

وما لامرىء عمّا قضى الله مرحل (٥)

__________________

(١) قدم حرف النفي وهو «ما» على لفظ العموم وهو (كل) ليدل على عموم السلب والمعنى لا يكفيك جميع ما على الأرض إذا كنت طامعا.

(٢) قدم الجار والمجرور في قوله (بالحلم سد) ليدل على التخصيص أي أنك تسود بالحلم لا بغيره ، وكذا إذا تقدم الظرف ، وما أشبههما ، مما رتبته التأخير : كما سلف.

(٣) قدم العدد وهو ثلاثة وأخر المعدود ليشوق إليه ، لان الانسان إذا سمع العدد مجموعا يشتاق إلى تفصيل آحاده.

(٤) قدم الجار والمجرور بعد الاستفهام في قوله أفي الحق أن يعطي ليدل على أن ذلك المقدم هو محط الانكار فتحليل المعنى : أنه لا ينكر الاعطاء ، ولكنه ينكر أن يعد ذلك حقا وصوابا مع حرمانه هو.

(٥) قدم أداة العموم على أداة السلب في قوله (كل ليس يعدو) ليدل على عموم السلب أي أن الناس واحداً واحداً يشملهم حكم الموت ولا مفر منه.

١٢٨

(٧) وقال الله تعالى (بل الله فاعبُد ، وكُن من الشاكرين) (١).

(٨) بك اقتدتِ الأيام في حسناتها

وشيمتها لولاكَ هَمٌّ وتكريبُ

تطبيق عام على أحوال المسند

لما صدأت مرآة الجنان ، قصدت لجلائها بعض الجنان الجملة الشرطية لا تعتبر إلا بجوابها وهو (قصدت). وهي خبرية فعلية من الضرب الابتدائي والمراد بها أصل الفائدة المسند قصد. ذكر : لأن ذكره الأصل ، وقدم لافادة الحدوث في الزمن الماضي مع الاختصار ، والمسند إليه التاء ذكر لأن الأصل فيه ذلك وأخر لاقتضاء المقام تقديم المسند ، وعرف بالاضمار لكون المقام للتكلم مع الاختصار.

كأنه الكوثر الفياض جملة خبرية أسمية من الضرب الابتدائي ، والمراد بها المدح ، فهي تفيد الاستمرار بقرينة المدح ، والمسند إليه الهاء. ذكر وقدم لأن الأصل فيه ذلك ، وعرف بالاضمار لكون المقام للغيبة مع الاختصار. والمسند الكوثر ذكر وأخر لأن الأصل فيه ذلك وعرف بأل للعهد الذهني.

كتاب في صحائفه حكم : التنكير في هذه الجملة للتعظيم.

ما هذا الرجل انسانا : نكر المسند «إنسانا» للتحقير.

له همم لا منتهى لكبارها : المسند له قدم لافادة أنه خبر من أول الأمر لانه لو تأخر لتوهم أنه صفة للمسند إليه لانه نكرة.

__________________

(١) قدم المفعول على الفعل في قوله (الله فاعبد) ليدل على التخصيص أي أعبد الله ولا تعبد غيره.

١٢٩

(ولم يكن له كفواً أحد) ، قدم المسند «كفوا» على المسند إليه «أحد» للمحافظة على الفاصلة ، على رأى بعضهم ، والمنصوص عليه في كتب التفسير المعتبرة أن التقديم للمبادرة إلى نفي المثل.

زهرة العلم أنضر من زهرة الروضة : جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي والمراد بها الاستمرار بقرينة المدح ، المسند إليه زهرة العلم ، ذكر وقدم لأن الأصل فيه ذلك ، وعرف بالاضافة إلى العلم لتعظيمه.

غلامي سافر ، أخي ذهبت جاريته ، أنا أحب المطالعة ، الحق ظهر ، الغضب آخره ندم : أتى بالمسند في هذه المثل جملة لتقوية الحكم لما فيها من تكرار الاسناد.

١٣٠

الباب الخامس

في الإطلاق (١) والتقييد

إذا اقتصر في الجملة على ذكر جُزأيها «المسند إليه والمسند» فالحكم (مطلقٌ) وذلك : حين لا يتعلق الغرض بتقييد الحكم بوجه من الوجوه ليذهب السامع فيه كل مذهب ممكن.

وإذا زيدَ عليهما شيء ممّا يتعلق بهما أو بأحدهما ، فالحكم (مقيد) وذلك : حيث يُراد زيادة الفائدة وتقويتها عند السامع ، لما هو معروف من أن الحكم كلما كثرت قيوده ازداد إيضاحا وتخصيصا ، فتكون فائدته أتّم وأكمل ، ولو حُذف القيد لكان الكلام كذباً أو غير مقصود نحو : قوله تعالى (وما خَلَقنَا السَّموات والأرضَ وما بينهُما لاعِبيِن). فلو حُذف الحال وهو لاعبين لكان الكلام كذباً ، بدليل المشاهدة والواقع. ونحو : قوله تعالى : (يكاد زيتها يضيء) إذ لو حذُف يكاد لفات الغرض المقصود ، وهو إفادة المقاربة.

__________________

(١) الاطلاق والتقييد : وصفان للحكم ، فالأطلاق أن يقتصر في الجملة على ذكر المسند والمسند إليه حيث لا غرض يدعو إلى حصر الحكم ، ضمن نطاق معين بوجه من الوجوه نحو : الوطن عزيز ، والتقييد أن يزاد على المسند والمسند إليه شيء يتعلق بهما ، أو بأحدهما ، مما لو أغفل لفاتت الفائدة المقصودة ، أو كان الحكم كاذباً نحو : الولد النجيب يسر أهله.

١٣١

واعلم : أن معرفة خواص التراكيب وأسرار الأساليب وما فيها من دقيق الوضع ، وباهر الصّنع ، ولطائف المزايا ، يسترعى لُبك ، إلى أن التقييد بأحد الأنواع الآتية : يكون لزيادة الفائدة ، وتقويتها عند السامع لما هو معروف من أن الحكم كلما ازدادت قيوده ازداد إيضاحاً وتخصيصاً.

والتقييد : يكون ، بالتَّوابع ، وضمير الفصل والنَّواسخ وأدوات الشرط والنفي والمفاعيل الخمسة ، والحال والتمييز ، وفي هذا الباب جملة مباحث (١).

المبحث الأول

في التقييد بالنَّعت

أما النَّعت : فيؤتى به للمقاصد والأغراض التي يدلّ عليها.

أ ـ منها : تخصيص المنعوت بصفة تُميزه إن كان نكرة ، نحو : جاءني رجل تاجر.

ب ـ ومنها : توضيح المنعوت إذا كان معرفة لغرض :

(١) الكشف عن حقيقته ، نحو : الجسم الطويل ، العريض ، يُشغل حيزاً من الفراغ.

(٢) أو التأكيد ، نحو : تلك عشرة كاملة ، وأمس الدابُر كان يوماً عظيماً.

(٣) أو المدح ، نحو : حضر سعد المنصور.

(٤) أو الذّم ، نحو : (وأمرأتهُ حمَّالة الحطب).

(٥) أو الترحم ، نحو : قدم زيد المسكينُ.

__________________

(١) اعلم أن التقييد : يكون لتمام الفائدة ، لما تقرر من أن الحكم كلما زاد قيده زاد خصوصية ، وكلما زاد خصوصية زادت فائدته ، لا فرق بين مسند إليه أو مسند أو غيرهما ، كما لا فرق بين تقييده بالتوابع ، أو غيرها.

١٣٢

المبحث الثاني في التَّقييد بالتوكيد

أمّا التوكيد : فيوُتى به للأغراض التي يدُلّ عليها ، فيكون :

(١) لمُجرّد التقرير ، وتحقيق المفهوم عند الإحساس بغفلة السّامع نحو جاء الأمير الأميرُ.

(٢) وللتقرير مع دفع توهُّم خلاف الظاهر نحو : جاءني الأمِيرُ نفسه.

(٣) وللتقرير مع دفع توهم عدم الشمول نحو : (فَسَجدَ الملائكةُ كُلهم أجَمُعون).

(٤) ولإرادة انتقاش معناه في ذهن السّامع نحو : (أُسكن أنتَ وَزَوجكَ الجنَّةَ).

المبحث الثالث في التقييد بعطف البيان

أمّا عطف البيان : فيؤتى به للمقاصد والأغراض التي يدلّ عليها ، فيكون :

أ ـ لمجرَّد التَّوضيح للمتبوع باسم مُختصّ به (١).

ب ـ وللمدح : كقوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الكعبَةَ البيتَ الحَرامَ قِياماً للناس) فالبيت الحرامَ ، عطف بيان : للمدح.

المبحث الرابع في التَّقييد بعطف النَّسَق

أمّا عطف النسق : فيؤتى به للأغراض الآتية :

(١) لتفصيل المسند إليه باختصار ، نحو : جاء سعد وسعيد ، فانه أخصر من : جاء سعد ، وجاء سعيد ، ولا يُعلم منه تفصيلُ المسند لأن الواوَ لمطلق الجمع.

__________________

(١) يكفي في التوضيح : أن يوضح الثاني الأول ، عند الاجتماع ، وإن لم يكن أوضح منه عند الانفراد ، نحو عليّ زين العابدين ، ونحو : عسجد ذهب.

١٣٣

(٢) ولتفصيل المسند مع الاختصار أيضاً ، نحو جاء نصرٌ فمنصورٌ (١) أو ثم منصور ، أو جاء الأميرُ حتى الجُند ، لأنّ هذه الأحرف الثلاثة مشتركة في تفصيل المسند ، إلا أنّ (الأول) يفيد الترتيب مع التعقيب (والثاني) يفيد الترتيب مع التراخي و (الثالث) يفيد ترتيب أجزاء ما قبله ، ذاهباً من الأقوى إلى الأضعف ، أو بالعكس نحو مات الناس حتّى الأنبياء.

(٣) ولردّ السامع إلى الصواب مع الاختصار ، نحو جاء نصر ، لا منصور.

(٤) ولصرف الحكم إلى آخر ، نحو ما جاء منصور ، بل نصر.

(٥) وللشكّ من المتُكلم أو التَّشكيك للسّامع ، أو للابهام نحو قوله تعالى : (وإنا أو

إياكم لعلى هُدىً أو في ضلالٍ مُبين).

(٦) وللاباحة : أو التّخيير.

مثال الأول : تعلّم نحواً أو صرفاً. أو نحو : تعلّم إمَّا صرفاً وإمّا نحواً.

ومثال الثاني : تزوج هنداً أو أختها أو نحو : تزوج إمَّا هنداً وإمَّا أختها.

__________________

(١) قد تجىء الفاء للتعقيب في الذكر : دون الزمان ، إما مع ترتيب ذكر الثاني على الأول : كما في تفصيل الاجمال في قوله تعالى : «ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي» ونحو قوله تعالى : «ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين» وإما بدون ترتيب : وذلك عند تكرير اللفظ الأول نحو : بالله ، فبالله وقد تجىء ثم للتراخي في الذكر : دون الزمان إما مع الترتيب المذكور نحو :

ان من ساد ثم ساد أبوه

ثم ساد قبل ذلك جده

ونحو :

هو الكلب وابن الكلب والكلب جده

ولا خير في كلب تناسل من كلب

فان الغرض ترتيب درجات حال الممدوح في البيت الأول ، فابتدأ بسيادته ، ثم بسيادة أبيه ، ثم بسيادة جده ، وإما بدون ترتيب ، نحو : (وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين) ، ولاستبعاد مضمون جملة عن مضمون جملة أخرى ، نحو : (ثم انشأناه خلقا آخر) فنزلوا الترتيب في هذه الأمور منزلة الترتيب الزماني ، المستفاد منها باصل الوضع ، وإذا يكون استعمالها في هذه الأمور مجازاً.

١٣٤

المبحث الخامس في التقييد بلبدل

أما البدل : فيؤتى به للمقاصد والإعراض التي يدل عليها.

وكون لزيادة التقرير والإيضاح ، لان البدل مقصود بالحكم بعد إيهام نحو : حضر ابني علي ، في بدل الكل.

ونحو : سافر الجند أغلبه ، في بدل البعض ، ونحو : نفعني الأتساذ علمه ، في بدل الاشتمال. ونحو : وجهك بدر شمس ، في بدل الغلط (١). وذلك : بإفادة المبالغة التي يقتضيها الحال.

التبحث السادس في التقيييد بضمير الفصل

يؤتى بضمير الفصل : لإغراض كثيرة ، منها :

(١) التخصيص ، نحو : (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده).

(٢) وتأكيد التخصيص إذا كان في التركيب مخصص آخر. كقوله تعالى : (إن الله هو التواب الرحيم).

(٣) وتمييز الخبر عن الصغة ، نحو : العالم هو العامل بعلمه.

المبحث السابع في التقييد بالنواسخ

التقييد بها : يكون للأغراض التي تؤديها معاني ألفاظ النواسخ كالاستمرار أو لحكاية الحال الماضية في كان (٢). وكالتوقيت بزمن معين : في ظل ، وبات ، وأصبح ، وأمسى ، وأضحى. وكالتوقيت بحالة معينة : في مادام. كالمقاربة : في كاد ، وكرب ، وأوشك. وكالتأكيد : في إن وإنَّ ، وكالتشبيه : في كأنَّ. وكالاستداراك : في لكنَّ ، وكالرجاء : في لعل. وكالتمني : في ليتن كاليقين : في وجد ، وألقى ، ودرى ، وعلم. وكالظن : في خال ، وزعم ، وحسب ، وكالتحول : في اتخذ ، وجعل ، وصيّر.

__________________

(١) لكن الحق الذي عليه الجمهور : أن بدل الغلط لا يقع في كلام البلغاء.

(٢) فالجملة تنعقد من الاسم والخبر ، أو من المفعولين للذين أصلهما مبتدأ وخبر ويكون الناسخ قيداً ، فإذا قلت : رايت الله أكبر كل شيء ، فمعناه (الله أكبر كل شيء) على وجه العلم واليقين ، وهكذا.

١٣٥

المبحث الثامن في التّقييد بالشرط

التقييد به. يكون للأغراض التي تؤديها معاني أدوات الشرط : كالزمان في «متى وأيّان» والمكان : في أين ، وأنَّى ، وحينما والحال : في «كيفما» واستيفاء ذلك : وتحقيق الفرق بين تلك الأدوات يُذكر في علم النحو وإنما يفرّق هنا بين (إن وإذا ولو) لاختصاصها بمزايا تُعد من وجوه البلاغة.

الفرق بين «إن ، وإذا ، ولو»

الأصل عدم جزم وقطع المتكلم بوقوع الشَّرط في المستقبل مع «إن» ومن ثم كثر أن تستعمل «إن» في الأحوال التي يندُر وقوعها ووجب أن يتلوها لفظ (المضارع) لاحتمال الشك في وقوعه (١).

بخلاف «اذا» فتُستعمل بحسب أصلها في كل ما يقطعُ المتكلمُ بوقوعه في المستقبل ، ومن أجل هذا لا تُستعمل «إذا» إلاّ في الأحوال الكثيرة الوقوع ، ويتلوها (الماضي) لدلالته على الوقوع والحصول قطعاً كقوله تعالى : (فإذا جاءتهمُ الحسنةُ قالوا لنا هذه ، وإن تُصبهم سيئةٌ يطيَّروا بموسى ومنْ معهُ). فلكون مجيء الحسنة منه تعالى مُحقَّقاً ، ذكر هو والماضي مع إذا وإنما كان ما ذُكر محققاً لأن المراد بها مُطلقُ الحسنة الشامل لأنواع كثيرة من خَصب ، ورخاء ، وكثرة أولاد ، كما يفهم من التّعريف بأل الجنسية في لفظة الحسنة ، ولكون مجىء السَّيئة نادراً ، ذكر هو والمضارع مع أن وإنما كان ما ذكر نادراً لأن المراد بها نوعٌ قليل : وهو جدب وبلاء كما يُفهم من التّنكير في لفظ «سيئة» الدال على التقليل.

ولو : للشرط في الماضي مع الجزم والقطع بانتفائه ، فيلزم انتفاء الجزاء على معنى أنّ الجزاء كان يمكن أن يقع ، لو وجد الشرط. ويجب كون جملتيها فعليتّين ماضويتين ، نحو : لو أتقنت عملك لبلغت أملك. وتسمى لو حرف امتناع لامتناع ، كقوله تعالى (لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا) ونحو : (ولو شاءَ لهَداكم أجمعين) أي انتفت هدايته إيّاكم ، بسبب انتفاء مشيئته لها.

__________________

(١) ولذا : لا يقال إن طلعت الشمس أزرك : لأن طلوع الشمس مقطوع بوقوعه ، وإنما يقال إذا طلعت الشمس أزورك.

١٣٦

تنبيهات

الأول : عُلم مما تقدم : أن المقصود بالذّات من الجملة الشرطية هو الجواب : فاذا قلت إن اجتهد فريد كافأته ، كنت مخبراً بأنك ستكافئه ، ولكن في حال حصول الاجتهاد ، لا في عموم الأحوال (١). ويتفرع على هذا : أنها تُعد خبرية أو إنشائية باعتبار جوابها.

الثاني : ما تقدَّم من الفرق بين «إن» و «إذا» هو مقتضى الظاهر.

وقد يخرجُ الكلام على خلافه ، فتستعملُ إن في الشرط المقطوع بثبوته أو نفيه لأغراض كثيرة :

أ ـ كالتجاهل : نحو قول المعُتذر إن كُنتُ فعلتُ هذا فعن خطأ.

ب ـ وكتنزيل المخاطب العالم منزلة الجاهل : لمخالفته مقتضى علمه كقولك للمتكبر توبيخاً له : إن كنتَ من تراب فلا تفتخر.

ج ـ وكتغليب غير المُتَّصف بالشرط على المتَّصف به : كما إذا كان السفر قطعي الحصول لسعيد ، غير قطعي لخليل ، فتقول ان سافرتما كان كذا (٢).

__________________

(١) قال السكاكي : قد يقيد الفعل بالشرط لاعتبارات تستدعى التقييد به ولا يخرج الكلام تقيييده به عما كان عليه من الخبرية والانشائية ـ فالجزاء إن كان خبرا : فالجمة خبرية نحو إن جئتني أكرمك أي أكرمك لمجيئك ، وإن كان إنشاء فالجملة انشائية ، نحو إن جاءك خليل فأكرمه ، أي أكرمه وقت مجيئه ، فالحكم عنده في الجمل المصدرة بأن وأمثالها في الجزاء ، وأما نفس الشرط فهو قيد للمسند فيه ، وقد خرجته الأداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب.

(٢) أي ففيه تغليب لمن لم يقطع له بالسفر على من قطع له به ، فاستعملت (إن) في المجزوم : وهو من قطع له به بسبب تغليبه على من لم يقطع له به وهذا السبب مساغ لذكر (إن) ، واعلم أن التغليب (الذي هو أن يعطى أحد المصطحبين ، أو المتشاكلين حكم الآخر) باب واسع يجري في أساليب كثيرة لنكات عديدة ، سمحت بها المطولات في هذا المقام ، واعلم أيضاً : أن المقصود بالذات من جملتي الشرط والجواب : هو جملة الجواب فقط ، وأما جملة الشرط فهي قيد لها ، فاذا قلت إن زارني سليم أكرمته فالمقصود أنك ستكرم سليما ، ولكن في حال زيارته لك ، فتعد الجملة اسمية أو فعلية أو خبرية أو إنشائية : باعتبار الجواب كما سبق توضيحه مفصلا : فارجع إليه إن شئت.

١٣٧

وقد تستعمل إذا في الشرط المشكوك في ثبوته أو نفيه ، لأغراض :

أ ـ منها : الإشعار بأن الشك في ذلك الشرط لا ينبغي أن يكون مشكوكا فيه بل لا ينبغي ألاّ يكون مجزوماً به ـ نحو إذا كثر المطر في هذا العام أخصب الناس.

ب ـ ومنها : تغليب المتصف بالشرط على غير المتصف به نحو : إذا لم تسافر كان كذا ، وهلم جرَّا من عكس الأغراض التي سبقت.

الثالث : لما كانت إن وإذا لتعليق الجزاء على حصول الشرط في المستقبل وجب أن يكون شرطُ وجزاء كل منهما جملةً فعلية استقبالية لفظاً ومعنى ، كقوله تعالى : (وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمُهلِ) ونحو :

والنَّفس راغبة إذا رغبَّتها

وإذا تُرد إلى قليلٍ تَقَنعُ

ولا يُعدلُ عن استقبالية الجملة لفظاً ، ومعنى إلى استقباليتها معنى فقط ، إلاَّ لدواع غالباً. منها : التفاؤل نحو : إن عشتُ فعلتُ الخير (١).

ب ـ ومنها : تخّيل إظهار غير الحاصل وهو الاستقبال في صورة الحاصل وهو الماضي. نحو : إن متُّ كان ميراثي للفقراء.

الرَّابع : عُلم مما تقدم من كون لو للشَّرط في الماضي : لزومُ كون جملتي شرطها وجزائها فعليتّين ماضويتين وعدم ثبوتهما.

وهذا هو مقتضى الظاهر وقد يخرج الكلام على خلافه.

_________

(١) وقد تستعمل (إن) في غير الاستقبال لفظا ومعنى. وذلك فيما إذا قصد بها تعليق الجزاء على حصول الشرط الماضي حقيقة كقول أبي العلاء المعري :

فيا وطني إن فاتني بك سابق

من الدهر فلينعم بساكنك البال

وقد تستعمل (إذا) أيضا في الماضي حقيقة نحو : (حتى إذا ساوى بين الصدفين) وللاستمرار نحو : (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا).

١٣٨

فتُستعمل لو في المضارع لدواعٍ اقتضاها المقامُ ، وذلك :

أ ـ كالاشارة إلى أن المضارع الذي دخلت عليه يقصد استمرارهُ فيما مضى : وقتاً بعد وقت ، وحصوله مرة بعد أخرى.

كقوله تعالى : (لو يُطيعكم في كثيرٍ من الأمرِ لعنتُّم) (١).

ب ـ وكتنزيل المضارع منزلة الماضي لصدوره عمّن المُستقبلُ عنده في تحقق الوقوعِ ، ولا تخلّف في أخباره : كقوله تعالى (ولو تَرَى إذِ المجرمُونَ ناكسُوا رُؤسهم عندَ ربِّهم) (٢).

المبحث التاسع

في التقييد بالنفي

التقييد بالنفي : يكون لسلب النسبة على وجه مخصوص ، ممّا تفيده أحرف النفي السبعة وهي : لا ، وما ، ولات ، وإن ، ولن ، ولم ، ولمّا.

(فلا) للنفي مطلقاً و (مَا ، وإن ، ولاَتَ) لنفي الحال ، إن دخلت على المضارع و (لن) لنفي الاستقبال و (لم ولما) لنفي المُضيّ الا أنه (بلمّا) ينسحبُ إلى ما بعد زمن التكلم : ويختصّ بالمتوقّع وعلى هذا : فلا يقال ما يقم خليلٌ ثم قام ، ولا : لمّا يجتمع النقيضان ، كما يقال لم يقم عليٌّ ثم قام ولم يجتمع الضدان ، فلمّا في النفي تقابل (قد) في الاثبات ، وحينئذ يكون منفيُّها قريباً من الحال ، فلا يصح لمّا يجيءُ خليل في العام الماضي.

__________________

(١) أي امتنع عنتكم ، أي وقوعكم في جهد وهلاك بسبب امتناع استمراره فيما مضى على اطاعتكم.

(٢) نزل وقوفهم على النار في يوم القيامة منزلة الماضي : فاستعمل فيه (إذ) ولفظ الماضي وحينئذ فكان الظاهر أن يقال (ولو رأيت) بلفظ الماضي لكن عدل عنه إلى المضارع تنزيلا للمستقبل الصادر عمن لا خلاف في خبره ، منزلة الماضي الذي علم وتحقق معناه ، كأنه قيل : قد انقضى هذا الأمر وما رأيته ، ولو رأيته لرأيت أمرا فظيعا.

١٣٩

المبحث العاشر

في التقييد بالمفاعيل الخمسة ونحوها

التقييدُ بها : يكون لبيان نوع الفعل ، أو ما وقع عليه أو فيه ، أو لأجله أو بمقارنته ، ويقيد بالحال لبيان هيئة صاحبها وتقييد عاملها ، ويقيَّد بالتمييز لبيان ما خفى من ذات أو نسبة ، فتكون القيودُ هي محظ الفائدة والكلام بدونها كاذبٌ ، أو غير مقصود بالذات كقوله تعالى (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين).

وقد سبق القولُ في أول الباب مفصلاً ، فارجع إليه إن شئتَ.

تنبيهات

الأول : عُلم ممّا تقدَّم أن التقييد بالمفاعيل الخمسة ونحوها للأغراض التي سبقت وتقييدها أمّا إذا كانت محذوفة فتُفيد أغراضاً أخرى :

(١) منها : التعميم باختصار كقوله تعالى (والله يدعو إلى دار السلام). أي جميع عباده لأن حذف المعمول يؤذن بالعموم (١). ولو ذكر لفات غرض الاختصار المناسب لمقتضى الحال.

(٢) ومنها : الاعتماد على تقدم ذكره كقوله تعالى : (يَمحُو اللهُ ما يشاءُ ويُثبتُ) أي ويثبتُ ما يشاءُ.

__________________

(١) أي ما لم يكن تعلق فعل المشيئة بالمفعول غريبا كقوله :

فلو شئت أن أبكى دما لبكيته

عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

وأعددته ذخراً لكل ملمة

وسهم المنايا بالذخائر أولع

فان تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب فلذا لم يحذف المفعول ليتقرر في نفس السامع.

١٤٠