تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الاشتراط عنه الحجَّ من قابل » (١) .

والوجه : الأول ؛ تحصيلاً لفائدة الاشتراط الثابت بالشرع .

فروع :

أ ـ لو اشترط في إحرامه أن يُحلّه حيث حبسه ، قال السيد المرتضى : يسقط دم الإِحصار عند التحلّل (٢) ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : ( حجّي واشترطي وقولي : اللّهم محلّي حيث حبستني ) (٤) ولا فائدة لهذا الشرط إلّا التأثير فيما قلناه .

وقال الشيخ رحمه الله : لا يسقط ـ وللشافعي قولان (٥) ـ لعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٦) (٧) وفيه قوّة .

ب ـ لا بُدّ أن يكون للشرط فائدة‌ ـ قاله الشيخ (٨) ـ مثل أن يقول : إن مرضتُ أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره ، فأمّا أن يقول : أن تُحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك .

ج ـ قال الشيخ رحمه الله : لا يجوز للمشترط أن يتحلّل إلّا مع نيّة التحلّل والهدي معاً‌ ـ وللشافعي فيهما قولان (٩) ـ لعموم الأمر بالهدي (١٠) ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٦ / ١٥١٦ .

(٢) الانتصار : ١٠٤ ـ ١٠٥ .

(٣) المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨‌ .

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٧ ـ ٨٦٨ / ١٢٠٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢١٩ / ١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١ .

(٥) الوجيز ١ : ١٣٠ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٢ .

(٦) البقرة : ١٩٦ .

(٧ و ٨) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٤ .

(٩) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣١ ، المسألة ٣٢٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ .

(١٠) البقرة : ١٩٦ .

٢٦١
 &

وللاحتياط (١) .

مسألة ١٩٨ : يستحب أن يأتي بالتلبية نسقاً لا يتخلّلها كلام ، فإن سُلّم عليه ردّ في أثنائها ؛ لأنّ ردّ السلام واجب .

ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وآله ؛ لقوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٢) .

قيل في التفسير : لا اُذكر إلّا وتُذكر معي (٣) .

ولأنّ كلّ موضع شُرّع فيه ذكر الله تعالى شُرّع فيه ذكر نبيه عليه السلام ، كالصلاة والأذان .

ويجزئ من التلبية في دبر كلّ صلاة مرّة واحدة ؛ لإِطلاق الأمر بها ، وبالواحدة يحصل الامتثال ، ولو زاد ، كان فيه فضل كثير ؛ لقولهم عليهم السلام : « وأكثر من ذكر ذي المعارج » (٤) .

ولا أعرف لأصحابنا قولاً في أنّ الحلال يلبّي في غير دعاء الصلاة ، لكن تلك التلبية غير هذه .

واستحسن الحسن البصري هذه التلبيات للحلال ، وكذا النخعي وعطاء ابن السائب والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن المنذر وأصحاب الرأي (٥) . وكرهه مالك (٦) . والأصل عدم مشروعيته .

ويكره للمُحْرم إجابة مَنْ يناديه بالتلبية ، بل يقول له : يا سعد ؛ للرواية (٧) .

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٤٣١ ، المسألة ٣٢٤ .

(٢) الشرح : ٤ .

(٣) جامع البيان ٣٠ : ١٥٠ ، الرسالة ـ للشافعي ـ : ١٦ / ٣٧ ، التبيان ١٠ : ٣٧٣ ، مجمع البيان ٥ : ٥٠٨ ، ونقله أيضاً ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٦٥ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٠ .

(٥ و ٦) المغني ٣ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨ .

(٧) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٥ .

٢٦٢
 &

وإذا قال : لبّيك إنّ الحمد ، كَسَر الألف ، ويجوز فتحها .

قال ثعلب : مَنْ فَتَحها فقد خصّ ومَنْ كَسَرها فقد عمّ ، ومعناه أنّ مَن كَسَر جَعَل الحمد لله على كلّ حال ، ومَنْ فَتَح فمعناه السببية ، أي : لبّيك لهذا السبب ، أي : للحمد (١) .

المطلب الثالث : في تروك الإِحرام‌

وهي قسمان : محرمّات ومكروهات ، فالمحرمات عشرون شيئاً ، والمكروهات عشرة يأتي تفاصيلها في مباحث :

البحث الأول : يحرم صيد البرّ في الحِلّ والحرم‌

وكذا يحرم على المُحلّ صيد الحرم بالنصّ والإجماع .

قال الله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (٢) .

وقال تعالى : ( لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) (٣) .

وروى العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم فتح مكة : ( إنّ هذا البلد حرام حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يُختلى خلاها (٤) ولا يُعضد (٥) شوكها ولا يُنفَّر صيدها ولا تُلتقط لُقطتها إلّا مَنْ عرَّفها ) فقال العباس : يا رسول الله إلّا الإِذخر (٦) فإنّه لِقَيْنِهم (٧) وبيوتهم ، فقال رسول الله

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٤ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٩٨ .

(٢) المائدة : ٩٦ .

(٣) المائدة : ٩٥ .

(٤) الخلى مقصوراً : الرطب من الحشيش . الصحاح ٦ : ٢٣٣١ « خلا » .

(٥) العضد : القطع . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٢٥١‌ .

(٦) الإِذخر : حشيش طيب الريح ، وهي شجرة صغيرة . لسان العرب ٤ : ٣٠٣ « ذخر » .

(٧) القَيْن : الحدّاد والصائغ . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ١٣٥ .

٢٦٣
 &

صلّى الله عليه وآله : ( إلّا الإِذخر ) (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده » (٢) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على تحريم صيد الحرم على الحلال والمُحْرم .

إذا عرفت هذا ، فالمراد بالصيد الحيوان الممتنع . وقيل : ما جمع ثلاثة أشياء : أن يكون مباحاً وحشيّاً ممتنعاً (٣) .

مسألة ١٩٩ : وصيد البرّ حرام على المُحرم اصطياداً وأكلاً وقتلاً وإشارةً ودلالةً وإغلاقاً ، وكذا فرخه وبيضه ، بإجماع العلماء ؛ للنصّ والإِجماع .

قال الله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (٤) وتحريم العين يستلزم تحريم جميع المنافع المتعلّقة بها .

وما رواه العامّة في حديث أبي قتادة لمّا صاد الحمار الوحشي وأصحابه مُحْرمون ، قال النبي صلّى الله عليه وآله لأصحابه : ( هل فيكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ ) (٥) وهو يدلّ على تعلّق التحريم بالحمل والإِشارة .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده » (٦) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ ـ ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، صحيح البخاري ٣ : ١٨ ـ ١٩ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ .

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠٢١‌ .

(٣) حكاه عن بعض أهل اللغة ، ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٤٦ .

(٤) المائدة : ٩٦‌ .

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٥٣ ـ ٨٥٤ / ٦٠ ، صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٩ بتفاوت يسير .

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠٢١ .

٢٦٤
 &

وقال عليه السلام : « المُحْرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ عليه فعليه الفداء » (١) .

ولأنّه تسبّب الى مُحرم عليه فحرم ، كنصبه الاُحبولة (٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن تكون الإِشارة والدلالة صادرةً من المُحْرم الى المُحْرم والى المُحلّ .

مسألة ٢٠٠ : لا يحلّ مشاركة المُحْرم للمُحلّ ولا للمُحْرم في الصيد ، فإن شاركه ، ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً . وكذا لو اشترك جماعة في قتل صيد ، ضمن كلٌّ منهم فداءً كاملاً ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك (٣) ـ لأنّه قتل الصيد .

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيداً [ وهما مُحرمان ] (٤) الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما جزاء ؟ قال : « لا ، بل عليهما جميعاً ، يجزئ كلّ واحد منهما الصيد » (٥) .

ولأنّه اشترك في محرَّم مضمون ، فكان على كلّ واحد منهم جزاء كامل ، كما لو اشترك جماعة في قتل مسلم ، وجب على كلّ واحد منهم كفّارة كاملة .

وقال الشافعي وأحمد : يجب فداء واحد على الجميع ؛ لأنّ المقتول

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨ / ٦٢٩ .

(٢) الاُحبولة : المِصْيدة . لسان العرب ١١ : ١٣٦ و ١٣٧ « حبل » .

(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٠ ـ ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٢ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٣ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ .

(٤) أضفناها من المصدر .

(٥) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ / ١٦٣١ .

٢٦٥
 &

واحد فيتّحد جزاؤه ، كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي (١) .

والأصل ممنوع .

ولا يحلّ للمُحْرم الإِعانة على الصيد بشي‌ء ، فإنّ في حديث أبي قتادة : ثم ركبتُ ونسيتُ السوط والرمح ، فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح ، قالوا : والله لا نُعينك عليه (٢) . وهو يدلّ على أنّهم اعتقدوا تحريم الإِعانة ، والنبي صلّى الله عليه وآله أقرّهم على ذلك .

ولأنّه إعانة على محرَّم فحرم ، كالإِعانة على قتل المسلم .

ولو اشترك مُحلّ ومُحْرم في قتل صيد ، فإن كان في الحِلّ ، فلا شي‌ء على المُحلّ ، وعلى المُحْرم فداء كامل ، خلافاً للشافعي ، فإنّه قال : يجب عليه نصف الفداء ، ولا شي‌ء على المُحلّ (٣) .

وإن كان في الحرم ، فعلى المُحلّ نصف القيمة ، وعلى المُحرم جزاء كامل ونصف القيمة على الأقوى .

مسألة ٢٠١ : قد بيّنّا أنّه يحرم على المُحْرم الدلالة على الصيد سواء كان المدلول مُحلاً أو مُحْرماً ، وكذا يحرم على الحلال الدلالة لهما في الحرم ، فلو دلّ الحلال مُحرماً على صيد فَقَتَله ، وجب الجزاء على المُحْرم .

وأمّا الدالّ : فإن كان الصيد في الحِلّ ، فالأقرب أنّه لا شي‌ء عليه ، سواء كان الصيد في يده أو لم يكن ؛ لأنّه لو قَتَله لم يكن عليه شي‌ء فكيف الدلالة ! وإن كان في الحرم ، تعلّق عليه الضمان أيضاً ؛ لأنّه أعانه على

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ، المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨١ .

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٨ وأورده النووي في المجموع ٧ : ٣٠٢ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٨٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ .

٢٦٦
 &

المُحرَّم .

ولو دلّ المُحْرم حلالاً على صيد ، فقَتَله الحلال ، فإن كان الصيد في يد المُحْرم ، وجب عليه الجزاء ، لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المودع السارق على الوديعة .

وإن لم يكن في يده ، فإن كان الصيد في الحرم ، تعلّق الضمان على كلٍّ منهما ، وإن كان في الحِلّ ، وجب الضمان على الدالّ ، سواء كانت الدلالةُ خفيّةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، أو ظاهرةً ، ولا شي‌ء على القاتل ؛ لأنّه حلال ، وبه قال علي عليه السلام ، وابن عباس وعطاء ومجاهد وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي (١) .

وقال الشافعي : لا شي‌ء على الدالّ ، كما لو دلّ رجل رجلاً على قتل إنسان ، لا كفّارة على الدالّ ، ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال . وبه قال مالك (٢) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدالة ظاهرةً ، فلا جزاء على الدالّ ، وإن كانت خفيفةً وجب الجزاء عليه . وسلَّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ (٣) .

وقال أحمد : إنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما (٤) .

مسألة ٢٠٢ : لو دلّ مُحْرم مُحْرماً على صيد فقَتَله ، وجب على كلّ واحد منهما فداء كامل‌ عند علمائنا ـ وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٩ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المغني ٣ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٩‌ .

(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢‌ .

(٤) كما في فتح العزيز ٧ : ٤٩٢ .

٢٦٧
 &

الرأي (١) ـ لأنّ كلّ واحد منهما فَعَل في الصيد فِعْلاً مُحرّماً لا يشاركه الآخر فيه ، فالدالُّ فَعَل الدلالةَ ، والقاتلُ القَتْلَ ، فوجب على كلٍّ منهما عقوبة كاملة .

ولأنّ كلّ واحد منهما فَعَل فِعْلاً يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد ، فكذا لو انضمّ ؛ لأنّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه .

وقال أحمد وعطاء وحمّاد بن أبي سليمان : الجزاء بينهما ؛ لأنّ الواجب جزاء المتلف ، وهو واحد ، فيكون الجزاء واحداً (٢) .

ونمنع الملازمة .

وقال الشافعي : لا جزاء على الدال (٣) .

ولو كان المدلول قد رأى الصيد قبل الدلالة أو الإِشارة ، فلا جزاء عليه ؛ لأنّه لم يكن سبباً في قتله .

ولو فَعَل المُحْرم فِعْلاً عند رؤية الصيد ، كما لو ضحك أو تشرف على الصيد فرآه غيره وفطن للصيد فصاده ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يدلّ عليه .

مسألة ٢٠٣ : قد بيّنّا تحريم إعانة المُحْرم على الصيد ، فلو أعار المُحْرم قاتل الصيد سلاحاً فقتله به ، قال الشيخ رحمه الله : إنّه ليس لأصحابنا فيه نصٌّ (٤) .

وقال بعض العامّة : عليه الجزاء ؛ لأنّه كالدالّ عليه (٥) . ولا بأس به ، سواء كان المستعار ممّا لا يتمّ قتله إلّا به ، أو أعاره شيئاً هو مستغنٍ عنه ، كأن يُعيره سيفاً ومعه سيف .

وقال أبو حنيفة : إن أعاره ما هو مستغنٍ عنه ، لم يضمن المعير (٦) .

__________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ .

(٣) المجموع ٧ : ٣٠٠ ، المغني ٣ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ .

(٤) الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٥ .

(٥) المغني ٣ : ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٨ .

(٦) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ .

٢٦٨
 &

أمّا لو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها ، فلا ضمان على المعير قولاً واحداً ؛ لأنّ الإِعارة لا للصيد غير محرَّمة عليه ، فكان كما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له القاتل .

ولو أمسك مُحْرم صيداً حتى قتله غيره ، فإن كان القاتل حلالاً ، وجب الجزاء على المُحْرم ؛ لتعدّيه بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد . وهو قول بعض الشافعية (١) .

وقال بعضهم : يرجع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتْلف من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على المُتْلف (٢) .

وإن كان مُحْرماً ، ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً .

وللشافعية وجهان :

أظهرهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة .

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين (٣) .

وقال بعضهم : إنّ الممسك يضمنه باليد ، والقاتل بالإِتلاف ، فإن أخرج الممسك الضمان ، رجع به على المُتْلف ، وإن أخرج المُتْلف ، لم يرجع على المُمْسك (٤) .

مسألة ٢٠٤ : يحرم على المُحْرم أكل الصيد ، سواء ذبحه المُحلّ أو المُحْرم ، في الحِلّ ذَبحَا أو الحرم ، وسواء كان الذابح هو المُحْرم لنفسه أو ذُبِح له أو ذُبح لا لَه .

وبالجملة لحم الصيد يحرم على المُحْرم بكلّ حال عند علمائنا أجمع ،

__________________

(١ ـ ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧ .

٢٦٩
 &

وبه قال علي عليه السلام ، وابن عمر وعائشة وابن عباس وطاوس (١) ـ وكرهه الثوري وإسحاق (٢) ـ لعموم قوله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (٣) .

وما رواه العامّة عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة الليثي أنّه أهدى الى النبي صلّى الله عليه وآله حماراً وحشيّاً وهو بالأبواء ، فردّه عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله ما في وجهه قال : ( إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حُرُم ) (٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول علي عليه السلام : « إذا ذبح المُحْرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلالٌ ذَبَحه أو حرام » (٥) .

وسأل يوسف (٦) الطاطري الصادقَ عليه السلام عن صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة » (٧) .

وسأل علي بن جعفر أخاه موسى الكاظم عليه السلام عن قوم اشتروا ظبْياً فأكلوا منه جميعاً وهُمْ حُرُمٌ ما عليهم ؟ فقال : « على كلّ مَنْ أكل منه فداء صيد ، على كلّ إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً » (٨) .

__________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ .

(٣) المائدة ٩٦ .

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٦ / ٨٤٩ ، الموطأ ١ : ٣٥٣ / ٨٣ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٣ .

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : سيف . وما أثبتناه من المصادر .

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ١١٢٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥ وفي الكافي ٤ : ٣٩١ ٣ قال : « عليهم شاة ، وليس . . . » .

(٨) التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢٢١ .

٢٧٠
 &

وقال الشافعي : إذا ذبح المُحْرم صيداً ، لم يحلّ له الأكل منه ، وهل يحلّ الأكل منه لغيره أو يكون ميتة ؟ قولان :

الجديد : أنّه يكون ميتة ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد ـ لأنّه ممنوع من الذبح لمعنى فيه ، فصار كذبيحة المجوسي ، فعلى هذا لو كان مملوكاً وجب مع الجزاء القيمةُ للمالك .

والقديم : أنّه لا يكون ميتةً ، ويحلّ لغيره الأكل منه ، لأنّ مَنْ حلّ بذبحه الحيوان الإِنسي يحلّ بذبحه الصيد ، كالحلال ، فعلى هذا لو كان الصيد مملوكاً فعليه مع الجزاء أرش ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك (١) .

وهل يحلّ له بعد زوال الإِحرام ؟ فيه للشافعية وجهان : أظهرهما : لا .

وفي صيد الحرم إذا ذبح طريقان :

أحدهما : طرد القولين .

والآخر : القطع بالمنع .

والفرق : أنّ صيد الحرم مُنع منه جميع الناس وفي جميع الأحوال ، فكان آكد تحريماً (٢) .

إذا عرفت هذا ، فالاصطياد عند الشافعي يحرم على المُحْرم ، وكذا يحرم عليه الأَكل من صيد ذَبَحه ، ويحرم عليه الأكل أيضاً ممّا اصطاد له حلال أو بإعانته أو بدلالته ، فأمّا ما ذَبَحه حلال من غير إعانته ولا دلالته فلا يحرم الأكل منه (٣) .

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، وانظر أيضاً : بدائع الصنائع ٢ ٢٠٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٤٣٦ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٦ و ٣٠٣ و ٣٢٤ .

٢٧١
 &

وقال أبو حنيفة : إذا لم يُعِنْ ولم يأمر به ، لم يحرم عليه ( ولا عبرة ) (١) بالاصطياد له من غير أمره (٢) .

مسألة ٢٠٥ : لو ذبِح المُحْرم الصيد ، كان حراماً لا يحلّ أكله للمُحلّ ولا للمُحرم ، ويصير ميتةً يحرم أكله على جميع الناس ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري وسالم ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (٣) ـ لأنّه حيوان حرم عليه ذبحه لحرمة الإِحرام وحقّ الله تعالى ، فلا يحلّ بذبحه ، كالمجوسي .

ولقول علي عليه السلام : « إذا ذبح المُحْرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم ، وإذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم » (٤) .

فعلى هذا لو كان مملوكاً ، وجب عليه مع الجزاء القيمة للمالك .

وقال الحكم والثوري وأبو ثور : لا بأس بأكله . وبه قال ابن المنذر (٥) .

وقال عمرو بن دينار وأيّوب السختياني : يأكله الحلال (٦) .

وللشافعي قول قديم : إنّه يحلّ لغيره الأكل منه (٧) .

قال ابن المنذر : الذبح حرام ، أمّا الأكل فلا ؛ لأنّه بمنزلة السارق إذا

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والحجرية : ( ولا على غيره ) وما أثبتناه هو الصحيح والموافق لما في فتح العزيز .

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٤ .

(٣) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، المحرّر في الفقه ١ : ٢٤٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٤٨ و ٢٥٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٤ .

(٥ و ٦) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ .

(٧) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ .

٢٧٢
 &

ذبح (١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ التحريم هنا لحقّ الله تعالى ، فكان كالميتة ، بخلاف السارق .

فعلى هذا لو كان مملوكاً فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك .

وهل يحلّ له بعد زوال الإِحرام ؟ فيه للشافعية وجهان ، أظهرهما : لا (٢) .

فروع :

أ ـ لو ذبحه المُحلّ في الحرم ، كان حكمه حكم المُحْرم إذا ذبحه يكون حراماً ؛ لما تقدّم (٣) في حديث علي عليه السلام .

ولقول الصادق عليه السلام في حمام ذُبح في الحلّ ، قال : « لا يأكله مُحْرم ، وإذا أدخل مكة أكله المحلّ بمكة ، وإن اُدخل الحرم حيّاً ثم ذُبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذُبح بعد ما بلغ مأمنه » (٤) .

ب ـ لو صاده مُحلٌّ وذَبَحه في الحِلّ ، كان حلالاً على المُحلّ في الحِلّ والحرم ، سواء كان للمُحْرم فيه إعانة بإشارة أو دلالة أو إعارة سلاح أو لا ، لا بمشاركة في الذبح .

ج ـ لو صاده المُحْرم من أجل المُحلّ ، لم يُبحْ أكله ، وليس بحرام .

ولو صاده المُحلّ من أجل المُحرم ، كان حراماً على المُحرم وبه قال علي عليه السلام ، وابن عباس وابن عمر وعائشة وعثمان ومالك والشافعي (٥) .

__________________

(١) انظر : المغني ٣ : ٢٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، والمجموع ٧ : ٣٣٠ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ .

(٣) تقدّم في صفحة ٢٧٢ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٦ / ١٣١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢١٣ / ٧٢٨ .

(٥) المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٢٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ

=

٢٧٣
 &

وقال أبو حنيفة : ليس بحرام (١) .

د ـ لو صاده المُحلّ في الحِلّ وذَبَحه في الحِلّ لأجل المُحرم ، لم يحلّ على المُحْرم ، ويحلّ على المُحلّ في الحِلّ والحرم ؛ لأنّ الحكم بن عتيبة سأل الباقر عليه السلام : ما تقول في حمام أهلي ذُبح في الحِلّ واُدخل الحرم ؟ فقال : « لا بأس بأكله إن كان مُحلاً ، وإن كان مُحْرماً فلا » (٢) .

هـ ـ لو صاد المُحْرم صيداً في الحِلّ ‌وذَبَحه المُحلّ ، حلَّ للمُحلّ لا للمُحْرم .

مسألة ٢٠٦ : لو قتل المُحْرم صيداً ثم أكله ، وجب عليه فداءان ، أحدهما للقتل ، والآخر للأكل ، قاله بعض علمائنا (٣) ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة (٤) ـ لأنّه مُحْرم أكل صيداً مُحرّماً عليه ، فضمنه ، كما لو أكل صيداً ذبحه غيره .

ولقول الصادق عليه السلام : « وأيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة ، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك » (٥) .

ولأنّ الفعلين لو صدرا عن اثنين كان على كلٍّ منهما فداء كامل ، فكذا لو اجتمعا لواحد .

__________________

=

٤ : ٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٤ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٤٨ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٦ .

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٢ .

(٢) الاستبصار ٢ : ٢١٣ / ٧٢٧ ، والتهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ / ١٣٠٩‌ .

(٣) النهاية ـ للطوسي ـ : ٢٢٧ .

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨ .

٢٧٤
 &

والوجه : وجوب الجزاء بالقتل ، وقيمة المأكول بالأكل .

وقال الشافعي : يضمن القتل دون الأكل ـ وبه قال مالك وأحمد (١) ـ لأنّه صيد مضمون بالجزاء ، فلا يضمن ثانياً ، كما لو أتلفه بغير الأكل . ولأنّ تحريمه لكونه ميتة ، والميتة لا تُضمن بالجزاء (٢) .

والفرق ثابت بين الأكل والإِتلاف بغيره ، ونمنع تعليل التحريم بذلك ، ويعارض بما لو صيد لأجله فأكله ، فإنّه يضمنه عند أحمد والشافعي في القديم (٣) .

مسألة ٢٠٧ : لو رمى اثنان صيداً فأصابه أحدهما وأخطأ الآخر ، فعلى كلّ واحد منهما فداء كامل ، أمّا المصيب : فلإِصابته ، وأمّا المخطئ : فلإِعانته .

وما رواه إدريس بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام : عن مُحْرمين يرميان صيداً فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما ؟ قال : « عليهما جميعاً يفدي كلّ واحد منهما على حدته » (٤) .

وسأل ضريسُ بن أعين الباقرَ عليه السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيداً فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء » (٥) .

مسألة ٢٠٨ : لو أوقد جماعة مُحْرمون ناراً فاحترق فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، كان عليهم بأسرهم فداء واحد ؛ لما رواه أبو ولّاد الحنّاط ، قال : خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة ، فأوقدنا ناراً عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نُكبّبه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بها طير صافّ مثل حمامة

__________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٥ و ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، الموطأ ١ : ٣٥٤ .

(٣) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٣ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ / ١٢٢٢ .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٣ .

٢٧٥
 &

أو شبهها ، فاحترقت جناحاه فسقطت في النار فماتت ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام بمكة ، وأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، وتشتركون فيه جميعاً ، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد ، ولو كان ذلك منكم تعمّداً ليقع فيها الصيد فوقع ، ألزمت كُلّ واحد منكم دم شاة » قال أبو ولّاد : كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم (١) .

مسألة ٢٠٩ : المُحْرم يضمن الصيد ، في الحِلّ كان أو في الحرم ، وأمّا المُحلّ فإن كان في الحرم ، ضمنه فيه ، وإلّا فلا ، عند علمائنا ، وبه قال أكثر العامة (٢) ، خلافاً لداود ، فإنّه حكي عنه أنّه قال : لا ضمان على المُحلّ إذا قتل الصيد في الحرم (٣) .

وهو غلط ؛ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام ، وابن عباس وعمر وعثمان وابن عمر أنّهم قضوا في حمام الحرم بشاة شاة (٤) ، ولم ينقل خلاف لغيرهم .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « وإن أصبته وأنت حرام في الحِلّ فعليك القيمة » (٥) .

إذا عرفت هذا ، فكلّ صيد يحرم ويُضمن في الإِحرام يحرم ويُضمن في حرم مكة للمُحلّ ، إلّا القمل والبراغيث ، فإنّه لا يجوز قتلها حالة الإِحرام ، ويجوز للمُحلّ في الحرم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس بقتل القمل

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ / ١٢٢٦ .

(٢) المغني ٣ : ٢٩١ و ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٩ و ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ .

(٣) المغني ٣ : ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ١ ٣٥٩ .

(٤) المغني ٣ : ٣٥٠ و ٣٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ وفيهما عن غير علي عليه السلام .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨ .

٢٧٦
 &

والبق في الحرم ، ولا بأس بقتل النملة في الحرم » (١) وبه قال الشافعي (٢) .

وقال مالك : يحرم قتل الديدان ، وإن قَتَلها فَداها (٣) .

مسألة ٢١٠ : لا يؤثّر الإِحرام ولا الحرم تحريم شي‌ء من الحيوان الأهلي وإن توحّش كالإِبل والبقر والغنم ، بإجماع العلماء .

وما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( أفضل الحجّ العجّ والثجّ ) (٤) يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « يذبح في الحرم الإِبل والبقر والغنم والدجاج » (٥)

إذا عرفت هذا ، فالدجاج الأهلي يجوز ذبحه للمُحلّ والمُحْرم ، وأكله لهما في الحِلّ والحرم إجماعاً .

وأمّا الدجاج الحبشي : فعندنا أنّه كالأهلي يجوز للمُحْرم ذبحه وأكله في الحلّ والحرم ، ولا جزاء فيه ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سأله معاوية بن عمّار عن دجاج الحبش ، فقال : « ليس من الصيد ، إنّما الصيد ما كان بين السماء والأرض » (٦) .

وقال الشافعي : فيه الجزاء (٧) .

وليس بشي‌ء ؛ لأصالة البراءة .

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٧ بتفاوت يسير .

(٢) الاُم ٢ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

(٣) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١ .

(٤) سنن الترمذي ٣ : ١٨٩ / ٨٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٥ / ٩٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣١ بتفاوت .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٧٩ .

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨٠ ، وفي الكافي ٤ : ٢٣٢ ( باب ما يذبح في الحرم . . . ) الحديث ٢ ، والفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٥٦ بتفاوت يسير .

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٣٣١ ، المجموع ٧ : ٢٩٦ .

٢٧٧
 &

مسألة ٢١١ : لا كفّارة في قتل السباع ، سواء كانت طائرةً أو ماشيةً ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحوها ، والنمر والفهد وغيرهما ، ذهب اليه علماؤنا ـ وبه قال أحمد ومالك والشافعي (١) ـ لما رواه العامة عن عائشة قالت : أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بقتل خمس فواسق في الحرم : الحِدَأَة والغُراب والفأرة والعقرب والكلب العقور (٢) ، نصّ من كلّ جنس على صنف من أدناه تنبيهاً على الأعلى ، فنبّه بالحِدَأة والغُراب على البازي والعقاب وشبههما ، وبالفأرة على الحشرات ، وبالعقرب على الحيّة ، وبالكلب العقور على السباع .

قال مالك : الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « كلّ ما يخاف المُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله وإن لم يردّك فلا تردّه » (٤) .

وقال أبو حنيفة : تُقتل الحيّة والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والذئب والحدأة لا غير ؛ لأنّ الحديث خصّص الفواسق الخمس (٥) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٤٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٦٠ و ٢٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤١ ، المجموع ٧ : ٣١٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٠ .

(٢) سنن الدارمي ٢ : ٣٦ ـ ٣٧ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٤٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣١٠ .

(٣) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٣ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٣ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١١ .

(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٨ ، المغني ٣ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠ .

٢٧٨
 &

والتخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه .

إذا عرفت هذا ، فقد روى أصحابنا أنّ مَنْ قتل أسداً لم يردّه ، كان عليه كبش :

روى أبو سعيد المكاري عن الصادق عليه السلام رجل قتل أسداً في الحرم ، فقال : « عليه كبش يذبحه » (١) .

وأمّا الغُراب والحِدَأَة : فقد روى معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « وارم الغُراب والحِدَأَة عن ظهر بعيرك » (٢) .

وأمّا الذئب وغيره من أنواع السباع : فلا جزاء عليه ، سواء صال أو لم يَصُلْ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ حفظ النفس واجب ، ولا يتمّ إلّا بقتلها .

وقال أبو حنيفة : إن صال ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن لم يَصُلْ ، وجب عليه الجزاء (٤) .

وأمّا الضبع : فقال الشيخ رحمه الله : لا كفّارة فيه وكذا السِّمْع المتولّد بين الذئب والضبع (٥) .

وقال الشافعي : فيهما الجزاء (٦) .

والأصل براءة الذمّة .

قال الشيخ رحمه الله : الحيوان إمّا مأكول إنسي ، كبهيمة الأنعام ، ولا

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / ٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١٢‌ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ / ١٢٧٣ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ / ٤٨٨ ، المجموع ٧ : ٣١٦ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٠ .

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٤٦٨ .

(٥) الخلاف ٢ : ٤١٧ ، المسألة ٣٠٠ .

(٦) الاُم ٢ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤١ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٧ .

٢٧٩
 &

يجب بقتلها فدية ، أو وحشي ، كالغزلان وحمر الوحش وبقرة ، ويجب الجزاء بقتله إجماعاً .

وما ليس بمأكول أقسامه ثلاثة :

ما لا جزاء فيه إجماعاً ، كالحيّة والعقرب وشبههما .

وما يجب فيه الجزاء عند العامّة ولا نصّ لأصحابنا فيه .

والأولى فيه عدم الجزاء ؛ لأصالة البراءة ، كالمتولّد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب كالسِّمْع المتولّد بين الضبع والذئب ، والمتولّد بين الحمار الوحشي والأهلي .

ومختلف فيه ، كجوارح الطير وسباع البهائم ، ولا يجب فيه الجزاء عندنا .

ويجوز قتل صغار السباع وإن لم تكن محذورة ، وقتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنّه إذا قتل القمل على بدنه ، لا شي‌ء عليه ، وإن أزاله عن جسمه ، فعليه الفداء (١) . هذا آخر كلامه .

لكن روى أصحابنا أنّ الزنبور إن قتله خطأ ، لا شي‌ء عليه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه أن يتصدّق بشي‌ء من الطعام ؛ لأنّ معاوية بن عمار روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام وسأله عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأ فلا شي‌ء » قلت : بل عمداً ، قال : « يطعم شيئاً من الطعام » (٢) .

إذا ثبت هذا فكلّ ما أدخله الإِنسان إلى الحرم من السباع أسيراً فإنّه يجوز له إخراجه منه ؛ لأنّ قتله مباح ، فإخراجه أولى .

وسُئل الصادق عليه السلام عن رجل أدخل فهداً الى الحرم أَلَهُ أن يُخرجه ؟ فقال : « هو سبع ، وكلّ ما أدخلت من السبع الحرم أسيراً فلك أن

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧١ .

٢٨٠