تذكرة الفقهاء - ج ٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الأول

في الإِحرام‌

وفيه مطالب :

الأول : في مقدّماته‌

مقدّمات الإِحرام كلّها مستحبّة ، وأمّا الإِحرام فهو ركن من أركان الحجّ إذا أخلّ به عمداً بطل حجّه .

وتشتمل المقدّمات المستحبّة على مسائل :

مسألة ١٦٥ : يستحب لمن أراد التمتّع أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أوّل ذي القعدة‌ ولا يمسّ منهما شيئاً بحلقٍ أو نَتْفٍ أو جزٍّ ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجة ، فإن مسّ منهما شيئاً ، يكون قد ترك الأفضل ، ولا شي‌ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في بعض كتبه (١) .

وقال في بعضٍ : التوفير واجب ، فإن مسّ منهما شيئاً ، وجب عليه دم يهريقه (٢) .

أمّا التوفير : فلما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « الحجّ أشهرٌ معلومات : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمَنْ أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفّر

__________________

(١) الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٢٧ .

(٢) انظر : النهاية : ٢٠٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، والاستبصار ٢ : ١٦١ ذيل الحديث ٥٢٥ ، والتهذيب ٥ : ٤٨ ذيل الحديث ١٤٨ .

٢٢١
 &

شعره شهراً » (١) .

والأصل عدم الوجوب .

احتجّ الشيخ : بما رواه جميل عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن متمتّع حلق رأسه بمكة ، قال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين التي (٢) يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دماً يهريقه » (٣) .

وهو محمول على ما إذا حلق بعد التلبّس بالإِحرام ، ويدلّ عليه أنّ السؤال وقع عن متمتّع حلق بمكة ، وهو إنّما يكون بها بعد الإِحرام .

ولا بأس بحلق الرأس وقصّ اللحية قبل هلال ذي القعدة .

مسألة ١٦٦ : يستحب له إذا بلغ الميقات التنظيف‌ بإزالة الشَعَث وقطع الرائحة ونَتْف الإِبط وقصّ الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ؛ لأنّ الإِحرام يُسنُّ له الاغتسال ، فتُسَنُّ هذه الأشياء له ، كالجمعة .

ولأنّ الإِحرام يمنع حلق الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلّا يحتاج إليه في إحرامه ، فلا يتمكّن منه .

قال الصادق عليه السلام : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فانتف إبطك واحلق عانتك وقلّم أظفارك وقصّ شاربك ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت » (٤) .

ولو كان قد أطلى قبل الإِحرام ، اجتزأ به ما لم تمض خمسة عشر يوماً ، فإن مضت ، استحب له الإِطلاء .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦ / ١٣٩ ، الاستبصار ٢ : ١٦٠ / ٥٢٠ .

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « الذي » بدل « التي » وما أثبتناه من المصدر .

(٣) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨ ـ ٤٩ / ١٤٩ .

(٤) التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٣ ، والفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣ .

٢٢٢
 &

والإِطلاء أفضل ؛ للرواية (١) .

مسألة ١٦٧ : يستحب له إذا وصل إلى الميقات وأراد الإِحرام أن يغتسل إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله تجرّد لإِهلاله واغتسل (٢) ، وأمر أسماء بنت عميس ـ وهي نفساء ـ أن تغتسل عند الإِحرام (٣) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإِهلال بالحج وهي حائض (٤) ، رواه العامّة .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إذا انتهيت إلى العقيق ـ إلى أن قال ـ ثم استك واغتسل » (٥) .

وهذا الغسل ليس واجباً في قول أكثر أهل العلم (٦) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإِحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب (٧) .

وحكي عن الحسن أنّه قال : إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر (٨) .

وليس دالاً على الوجوب .

ويستوي في استحبابه الرجل والمرأة والصبيّ .

ولا فرق بين الحائض والنفساء وغيرهما ؛ لأنّ المقصود بهذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة لدفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم .

ولو كان على الحائض أو النفساء مقام بالميقات حتى تطهر ، فالأولى أن تؤخّر الإِحرام حتى تطهر وتغتسل ؛ ليقع إحرامها في أكمل أحوالها .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ٦٣ / ١٩٩ .

(٢) سنن الترمذي ٣ : ١٩٣ / ٨٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ .

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨١ / ١٢١٣ ، المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤ .

(٦ ـ ٨) المغني ٣ : ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ ، المجموع ٧ : ٢١٢ .

٢٢٣
 &

ولو تعذّر الماء أو استعماله ، تيمّم بدلاً من غسله ، قاله الشيخ (١) رحمه الله ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّه غسل مشروع ، فناب عنه التيمّم كالواجب .

وقال أحمد : لا يستحب ؛ قياساً على غسل الجمعة (٣) .

مسألة ١٦٨ : لو خاف عوز الماء في الميقات ، جاز له تقديم الغسل على الميقات ، ويكون على هيئته إلى أن يبلغ الميقات ، ثم يُحْرم ما لم ينم أو يمضي عليه يوم وليلة ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الرجل يغتسل بالمدينة لإِحرامه أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة ؟ قال : « نعم » (٤) .

وأرسل هشام بن سالم إلى الصادق عليه السلام ، قال : نحن جماعة بالمدينة نريد أن نودّعك ، فأرسل إلينا أن « اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني » (٥) .

إذا عرفت هذا ، فلو قدّم الغسل خوفاً من عوز الماء ثم وجده في الميقات ، استحب له إعادته .

وغسل اليوم يجزئ عن ذلك اليوم ، وغسل الليلة يجزئه عن ليلته ما لم ينم .

قال الصادق عليه السلام : « من اغتسل منذ طلوع الفجر [ كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً ] (٦) كفاه غسله إلى

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٤ .

(٢) الاُم ٢ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٢١٣ .

(٣) المغني ٣ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣١ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٦٣ / ٢٠٠ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٦٤ / ٢٠٢ .

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر .

٢٢٤
 &

طلوع الفجر » (١) .

ولو اغتسل ثم نام قبل أن يعقد الإِحرام ، أعاد الغسل ؛ لأنّ النضر بن سويد سأل الكاظم عليه السلام عن الرجل يغتسل للإِحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل » (٢) .

وكذا لو لبس قميصاً مخيطاً ، أعاد الغسل استحباباً ؛ لأنّه منافٍ للإِحرام ، لقول الباقر عليه السلام : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يُحرم فلبس قميصاً قبل أن يلبّي فعليه الغسل » (٣) .

وكذا لو أكل ما لا يحل للمُحرم أكله بعد الغسل ، فإنّه يعيد الغسل استحباباً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي [ لك ] (٤) لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل » (٥) .

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل قبل الإِحرام ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّه محلّ ، ولا يعيد الغسل ؛ لقول الصادق عليه السلام في رجل اغتسل للإِحرام ثم قلّم أظفاره ، قال : « يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل » (٦) .

ولو أحرم بغير غسل ، استحب إعادته ؛ لأنّه تقدمة مندوبة ، فاستحب إعادة الفعل مع الإِخلال بها ، كالأذان .

وكتب الحسن بن سعيد إلى الكاظم عليه السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ما عليه في ذلك ؟ وكيف ينبغي أن يصنع ؟

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٧ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢١٠ .

(٤) أضفناها من المصدر .

(٥) التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٢ .

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٤ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١١ ، وفيها عن الامام الباقر عليه السلام .

٢٢٥
 &

فكتب : « يعيده » (١) .

ويجوز الادّهان بعد الغسل قبل الإِحرام ؛ لأنّه محلٌّ .

ولأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام : ما تقول في دهنة بعد الغسل للإِحرام ؟ فقال : « قبل وبعد ومع ليس به بأس » (٢) .

هذا إذا لم يكن الدهن فيه طيب ، ولو كان فيه طيب يبقى إلى بعد الإِحرام ، لم يجز ؛ لقول الصادق عليه السلام : « الرجل يدّهن بأيّ دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل » (٣) .

مسألة ١٦٩ : يكره أن يتطيّب للإِحرام قبله إذا كانت رائحته لا تبقى إلى بعد الإِحرام ، ولو كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، كان محرّماً ، ووجب عليه إزالته عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر بن الخطّاب ومالك ومحمد بن الحسن (٤) ـ لما رواه العامّة عن يعلى بن اُميّة ، قال : كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بالجعرانة ، فأتاه رجل عليه مقطّعة ـ يعني جبّة ـ وهو مضمّخ (٥) بالخلوق في بعضها ، وعليه ردعٌ (٦) من زعفران ، فقال : يا رسول الله إنّي أحرمت بالعمرة وهذه عليّ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك ؟ ) قال : كنت أنزع هذه المقطّعة وأغسل

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٧٩ / ٢٦٠ .

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩١٨ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٤ ، والاستبصار ٢ : ١٨٢ / ٦٠٥ مضمراً .

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠١ / ٩٢٠ .

(٤) المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٣ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٢ : ٢٨٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٤ .

(٥) التضمّخ : التلطّخ بالطيب وغيره والإِكثار منه . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٩٩ .

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : درع ، ولعلّها تصحيف . وردعٌ : أي لطخٌ لم يعمّه كلّه . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٢١٥ .

٢٢٦
 &

هذا الخلوق ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ما كنت صانعاً في حجّك فاصنعه في عمرتك ) (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظم عليه السلام : يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر ، فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به » (٢) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادق عليه السلام : عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب ، قال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه » (٣) .

وقال الشافعي : يستحب له أن يتطيّب قبل الإِحرام للإِحرام ، سواء كان طيباً يبقى عينه ، كالغالية والمسك ، أو تبقى رائحته ، كالبخور والعود والنّدّ (٤) ـ وبه قال عبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقّاص واُمّ حبيبة وعائشة ومعاوية وأبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد ، ورواه العامّة عن ابن عباس وابن الحنفية وأبي سعيد الخدري وعروة والشعبي (٥) ـ لأنّ عائشة قالت : كنت اُطيّب رسول الله صلّى الله عليه وآله لإِحرامه قبل أن يُحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف (٦) .

ونمنع الرواية ، ونحمله على ما لا تبقى رائحته إلى بعد الإِحرام .

إذا ثبت هذا ، فلو لبس ثوباً مطيّباً ثم أحرم ، وكانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، وجب عليه نزعه ، أو إزالة الطيب عنه ، فإن لم يفعل وجب الفداء .

ويجئ‌ على مذهب الشافعي : أنّه لا يجب الفداء إلّا إذا نزعه ثم لبسه ؛

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٦ / ٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٦ بتفاوت ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ذيل المسألة ٦٤ .

(٢) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩١ ، التهذيب ٥ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٢٢٣ .

(٤) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به . لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد » .

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، المجموع ٧ : ٢١٨ و ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، المغني ٣ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ .

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٤٦ / ٣٣ ، الموطّأ ١ : ٣٢٨ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤ .

٢٢٧
 &

لأنّه لبس ثوباً مطيّباً بعد إحرامه (١) .

ولو نقل الطيب من موضع من الثوب إليه ، [ لزمته الفدية ] (٢) (٣) .

ولو تطيّب فسال الطيب من موضعه إلى موضع آخر ، ففيه للشافعي وجهان :

أحدهما : لا يجب الفداء ؛ لأنّه يجري مجرى الناسي .

والثاني : يجب ؛ لأنّه حصل بسببه . واعتماده على الأول (٤) .

مسألة ١٧٠ : لا يجوز تطيّب إزار الإِحرام وردائه حالة الإِحرام ولا قبله إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام .

وللشافعي قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد ينزع الثوب ثم يلبسه ، فيكون كما لو استأنف لبس ثوب مطيّب .

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كتطيّب البدن (٥) .

ولو طيّب بدنه فتعطّر ثوبه تبعاً ، فلا بأس به عنده (٦) .

والخلاف من العامّة فيما إذا قصد تطييب الثوب ، فإن جوّزوا تطييب الثوب للإِحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإِحرام ، كما في البدن (٧) .

لكن لو نزعه ثم لبسه ففي الفدية لهم وجهان :

أحدهما : لا تلزم ؛ لأنّ العادة في الثوب أن ينزع ويعاد .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٥ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ .

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٩ .

(٧) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ، المجموع ٧ : ٢١٨ .

٢٢٨
 &

وأصحّهما : اللزوم كما لو أخذ القمل (١) من بدنه ثمّ ردّه (٢) .

وللشافعي ثلاثة أوجه :

فقال في وجه باستحباب التطييب للإِحرام .

وفي آخر : إنّه مباح ليس بمسنون .

وفي آخر : إنّه لا يجوز للنساء التطييب .

وله آخر : إنّه لا يستحب لهنّ (٣) .

ولا فرق بين التطييب الذي يبقى له أثر وجرم وبين غيره .

ومنع أبو حنيفة ممّا يبقى جرمه ولا يثبت (٤) .

وعند مالك يكره التطيّب بما تبقى رائحته بعد الإِحرام (٥) .

وإذا تطيّب للإِحرام فلا بأس عند الشافعي باستدامة ما تطيّب به ، ولا يجي‌ء فيه الوجوه المذكورة في أنّ المرأة المتطيّبة إذا لزمتها الفدية يلزمها إزالة الطيب ؛ لأنّ هذا محقّق حقّ لله تعالى ، والمساهلة فيه أكثر (٦) .

والحقّ : أنّ الاستدامة كالابتداء في التحريم ؛ للإِجماع على تحريم الطيب على المحرم ، ولم يفصّلوا بين استئنافه واستدامته .

مسألة ١٧١ : لا يستحب للمرأة الخضاب قبل الإِحرام بل يكره للزينة ، وسيأتي .

وقال الشافعي : يستحب للمرأة أن تخضب بالحنّاء يديها إلى الكوعين قبل الإِحرام ، وتمسح وجهها أيضاً بشي‌ء من الحناء يسيراً ، ولا

__________________

(١) في المصدر : أخذ الطيب .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، المجموع ٧ : ٢١٨ ـ ٢١٩ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، المجموع ٧ : ٢١٨ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ .

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٣٧ .

(٦) فتح العزيز ٧ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٢١٨ .

٢٢٩
 &

يختص أصل الاستحباب بالإِحرام ، بل هو محبوب لها في جميع الأحوال ، نعم يكره الخضاب للخليّة في سائر الأحوال عنده (١) .

ولا فرق في حالة الإِحرام بين الخليّة وذات الزوج ، وإنّما يستحب عنده تعميم اليد بالخضاب دون التنقّش ، والتطريف ، وهو : خضب أطراف الأصابع ، ووافقنا على كراهية الخضاب بعد الإِحرام (٢) .

مسألة ١٧٢ : أفضل أوقات الإِحرام بعد زوال الشمس عقيب فريضة الظهر ، فيبدأ أوّلاً بعد الزوال بركعتي الإِحرام المندوبة قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإِحرام عقيب صلاة الظهر ، وإن اتّفق أن يكون الإِحرام في غير هذا الوقت ، كان جائزاً ، لكن الأفضل أن يكون الإِحرام بعد صلاة فريضة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، فإن لم يكن وقت صلاة فريضة ، صلّى ست ركعات ، وينوي بها صلاة الإِحرام ، ويُحرم في دبرها ، وإن لم يتمكّن من ذلك ، أجزأه ركعتان .

وينبغي أن يقرأ في الاُولى منهما بعد التوجّه : الحمد والإِخلاص ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ؛ لما روى العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، صلّى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم (٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس » (٤) .

وسأل الحلبي الصادقَ عليه السلام عن إحرام النبي صلّى الله عليه وآله أيّة ساعة ؟ قال : « صلاة الظهر » (٥) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٥٢ ـ ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ٢١٩ .

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٥٧ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٦ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ / ٩٤٠ ، التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٥ .

٢٣٠
 &

وقال الصادق عليه السلام : « لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة » (١) .

وقال عليه السلام : « تصلّي للإِحرام ست ركعات تحرم في دبرها » (٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ صلاة الإِحرام تفعل في جميع الأوقات وإن كان أحد الأوقات المكروهة .

وأصحّ الوجهين عند الشافعية : الكراهة في الأوقات المكروهة (٣) .

وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الاحرام ؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي (٤) .

لكن المشهور تقديم نافلة الإِحرام على الفريضة ما لم يتضيّق وقت الفريضة ، وذلك يدلّ على عدم الاكتفاء في الاستحباب .

المطلب الثاني : في كيفيته‌

مسألة ١٧٣ : الإِحرام يشتمل على واجب وندب ، ونحن نذكر المندوب في أثناء المسائل .

وواجبات الإِحرام ثلاثة : النيّة والتلبيات الأربع ولُبس ثوبي الإِحرام .

وينبغي للحاج إذا وصل إلى الميقات أن يقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، وينتف إبطيه أو يطلي بالنورة ، ويحلق عانته أو يطلي ، ويغتسل ، ويدعو عند الاغتسال بالمنقول ، ثم يلبس ثوبي إحرامه يأتزر بأحدهما ويتوشّح

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٦ / ٩٣٩ ، وفي الكافي ٤ : ٣٣١ / ٢ والتهذيب ٥ : ٧٧ / ٢٥٣ ، والاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٨ بدون « أو نافلة » .

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ / ٢٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ / ٥٤٥ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٥٨ .

٢٣١
 &

بالآخر ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ست ركعات الإِحرام أو ركعتيه ، فإذا فرغ من صلاته ، حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله ، ويدعو بالمنقول ، فإذا فرغ من الدعاء ، لبّى فيقول : لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .

وقال الشيخ في كتبه : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك (١) .

ثم لا يزال مكرّراً للتلبية مستحبّاً إلى أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصّر وقد أحلّ ، ثم ينشئ إحرام الحجّ من مكة كذلك ، ثم يمضي إلى عرفات على ما سبق ذكره .

والنظر في الواجبات‌ يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأول : النية‌

مسألة ١٧٤ : النيّة واجبة في الإِحرام‌ وشرطٌ فيه لو أخلّ بها لم يقع إحرامه ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) والإِخلاص النيّة ، والإِحرام عبادة .

ولقوله عليه السلام : ( إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ) (٣) .

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والآخر : إنّ الإِحرام ينعقد بالتلبية من غير نيّة ، ويلزمه ما لبّى به (٤) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم .

__________________

(١) وجدنا هذه العبارة في النهاية ونكتها ١ : ٤٧١ ، وانظر : المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٦ .

(٢) البيّنة : ٥ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، المجموع ٧ : ٢٢٤ .

٢٣٢
 &

والواجب في النيّة أن يقصد بقلبه إلى اُمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له من تمتّع أو قران أو إفراد ، ويذكر الوجوب أو الندب وما يحرم له من حجّة الاسلام أو غيرها .

ولو نوى الإِحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجّاً ولا عمرةً ، انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيّهما شاء إن كان في أشهر الحجّ ؛ لأنّها عبادة منويّة .

ولما رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، خرج من المدينة لا يسمّي حجّاً ولا عمرةً ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ، فأمر أصحابه مَن كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرةً (١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه ابن بابويه عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : لمّا رجع من اليمن وجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت ، فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وآله مستنبئاً (٢) ومُحرشاً (٣) على فاطمة عليها السلام ، فقال : « أنا أمرت الناس فبم أهللت أنت يا علي ؟ » فقال : « إهلالاً كإهلال النبي صلّى الله عليه وآله » فقال النبي صلّى الله عليه وآله : « كُن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » وكان النبي صلّى الله عليه وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي عليه السلام منها أربعاً وثلاثين ، ولنفسه ستّاً وستّين ، ونحرها كلّها بيده ، ثم أخذ من كلّ بدنة جذوةً (٤) ، ثم طبخها في قدر ، وأكلا منها وتحسّيا (٥) من المرق ، فقال : « قد أكلنا الآن منها جميعاً » ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا

__________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٦ ، اختلاف الحديث : ٢٢٧ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٥١ .

(٢) في المصدر : مستفتياً .

(٣) أراد : ما يوجب عتابها . مجمع البحرين ٤ : ١٣٣ .

(٤) أي : قطعة .

(٥) أي : شربا منه شيئاً بعد شي‌ء . والحسوة : الجرعة من الشراب مل‌ء الفم . مجمع البحرين ١ : ٩٩ .

٢٣٣
 &

جلالها (١) ولا قلائدها ولكن تصدّق (٢) بها ، وكان علي عليه السلام يفتخر على الصحابة ويقول : « مَن فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله صلّى الله عليه وآله في هديه ، مَن فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلّى الله عليه وآله هديي بيده » (٣) .

ولأنّ الإِحرام بالحجّ يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ؛ لأنّه لا يخرج منه بالفساد .

وإذا عقد عن غيره ، أو تطوّعاً وعليه فرضه ، وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً .

وإذا ثبت أنّه ينعقد مطلقاً ، فإن صرفه إلى الحجّ ، صار حجّاً ، وإن صرفه إلى العمرة ، صار عمرةً ، وإلى أيّ أنواع الحجّ صرفه من تمتّع أو قران أو إفراد ، انصرف إليه .

ولو صرفه إلى الحجّ والعمرة معاً ، لم يصح عندنا ، خلافاً للعامّة .

فروع :

أ ـ لو عقده مطلقاً قبل أشهر الحجّ ، انعقد للعمرة ؛ لأنّه إحرام لا يصح لغيرها ، فانصرف إليها .

ب ـ لو كان عليه حجّ واجب أو عمرة واجبة‌ وأطلق الإِحرام ، فالأقرب انصراف المطلق إلى ما وجب عليه .

ج ـ يصح إبهام الإِحرام ، وهو : أن يُحرم بما أحرم به فلان ، فإن علم ما أحرم به فلان ، انعقد إحرامه مثله .

__________________

(١) جلال جمع ، مفردها : جلّ ، وجلّ الدابّة : الذي تلبسه لتصان به . لسان العرب ١١ : ١١٩ « جلل » .

(٢) كذا ، وفي المصدر : تصدّقا .

(٣) الفقيه ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤ / ٦٦٥ .

٢٣٤
 &

ولو لم يعلم وتعذّر علمه بموت أو غيبة ، قال الشيخ : يتمتّع احتياطاً للحجّ والعمرة (١) .

ولو بان أنّ فلاناً لم يُحْرم ، انعقد مطلقاً ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلانٌ أم لا ؛ لأصالة عدم إحرامه .

د ـ لو لم يعيّن ثم شرع في الطواف قبل التعيين ، قال بعض العامّة (٢) : ينعقد حجّاً ، وينوي الحجّ ، ويقع هذا الطواف طواف القدوم ، ولا يصير معتمراً ؛ لأنّ الطواف ركن في العمرة ، فلا يقع بغير نيّة ، وطواف القدوم لا يحتاج إلى النيّة ، فيصير حاجّاً .

ويحتمل عدم اعتداده بطوافه ؛ لأنّه لم يطف في حجّ ولا عمرة .

هـ ـ تعيين الإِحرام أولى من إطلاقه‌ ـ وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه ـ لأنّه إذا عيّن علم بما هو متلبّس به ، فيكون أولى من عدم العلم (٣) .

وقال الشافعي في الآخر : الإِطلاق أولى ؛ لأنّ النبي عليه السلام أطلق الإِحرام (٤) .

والرواية مرسلة ، والشافعي لا يعمل بالمراسيل المفردة (٥) ، فكيف مع مخالفتها للروايات الدالّة على أنّه عليه السلام عيّن ما أحرم به .

مسألة ١٧٥ : لو أحرم بنسك ثم نسيه ، تخيّر بين الحجّ والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما ، قاله الشيخ في المبسوط (٦) ؛ لأنّه قبل الإِحرام يجوز ابتداءً أيّ النسكين شاء فمع عدم علم التعيين يستمرّ هذا الجواز ؛ عملاً

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٧ .

(٢) انظر : بلغة السالك ١ : ٢٦٨ .

(٣ و ٤) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧ ، المجموع ٧ : ٢٢٧ .

(٥) كما في المغني ٣ : ٢٥٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٦ .

(٦) المبسوط ١ : ٣١٧ .

٢٣٥
 &

باستصحاب الحال .

ولأنّه لو أحرم بالحجّ ، جاز له فسخه إلى العمرة على ما تقدّم .

وقال الشيخ في الخلاف : يجعله عمرةً ـ وبه قال أحمد (١) ـ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون إحرامه بالحجّ أو بالعمرة ، فإن كان بالحجّ ، فقد بيّنّا أنّه يجوز فسخه إلى عمرته يتمتّع بها ، وإن كان بالعمرة ، صحّ لها ، فقد صحّت للعمرة على الوجهين ، وإذا أحرم بالعمرة ، لم يمكنه جعلها حجّةً مع القدرة على إتيان أفعال العمرة ، فلهذا قلنا : يجعلها عمرة (٢) .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن ينوي القران ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّ الشكّ لحق به في فعله بعد التلبّس بالعبادة ، فلم يكن له الاجتهاد ، وإنّما يرجع إلى اليقين ، كما لو (٣) شكّ في عدد الركعات ، بخلاف الإِناءين والقبلة ؛ لأنّ عليهما أمارات يرجع إليها عند الاشتباه ، وأمّا هنا فإنّه شكّ في فعل نفسه ولا أمارة على ذلك إلّا ذكره ، فلم يرجع إلّا إليه (٤) .

وهو معارض ببراءة الذمّة من المعيّن .

أمّا لو تعيّن أحدهما عليه ، فالوجه : انصرافه إليه .

وقال الشافعي في القديم : يتحرّى ويبني على ما يغلب على ظنّه ؛ لأنّه اشتباه في شرط من شرائط العبادة ، وكان له الاجتهاد فيه ، كالإِناءين والقبلة (٥) .

ونمنع حكم الأصل .

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨ .

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، المسألة ٦٨ .

(٣) في « ط ، ف » : « كمن » ، بدل « كما لو » .

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٢ ، المجموع ٧ : ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٨ .

٢٣٦
 &

إذا ثبت هذا ، فلو أحرم بهما معاً ، لم يصح ، قال الشيخ : ويتخيّر (١) .

وكذا لو شكّ هل أحرم بهما أو بأحدهما ، فعل أيّهما شاء .

ولو تجدّد الشك بعد الطواف ، جعلها عمرةً متمتّعاً بها إلى الحجّ .

مسألة ١٧٦ : لو نوى الإِحرام بنسك ولبّى بغيره ، انعقد ما نواه دون ما تلفّظ به ؛ لأنّ الاعتبار بالنيّة ، والتلفّظ ليس واجباً ، فلا اعتبار به .

ولأنّ أحمد بن محمد سأل الرضا عليه السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع ؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة [ وقصرت ] (٢) وفسختها وجعلتها متعة » (٣) .

ولا بدّ من تعيين النوع من تمتّع أو قران أو إفراد .

وقال الشافعي في أحد وجهيه : لا يفتقر المتمتّع إلى النيّة (٤) .

وليس بجيّد ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ) (٥) والتمتّع عبادة .

ولأنّها أفعال مختلفة ، فلا بدّ من النيّة ، ليتميّز بعضها عن الآخر .

ويستحب أن يذكر في لفظه ما يقصده من أنواع الحجّ ـ وبه قال أحمد (٦) ـ لما رواه العامّة عن أنس ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً ) (٧) .

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٧ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ / ٢٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٢ / ٥٦١

(٤) لم نعثر عليه .

(٥) البيّنة : ٥ .

(٦) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ .

٢٣٧
 &

وقال أبو سعيد : خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله نصرخ بالحجّ (١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إنّ عليّاً عليه السلام رفع صوته بالتلبية بحجّ وعمرة » (٢) .

ولو اتّقى ، كان الأفضل الإِضمار .

النظر الثاني : في لُبس الثوبين‌

مسألة ١٧٧ : إذا أراد الإِحرام ، وجب عليه نزع ثيابه ، ولُبس ثوبي الإِحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( وتلبس إزاراً ومُلاءة ) (٣) (٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « والبس ثوبيك » (٥) .

ويجب أن يكون الثوبان ممّا تصح فيهما الصلاة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تُحرم فيه » (٦) .

فلا يجوز الإِحرام في الابريسم المحض للرجال ؛ لأنّ لُبسه محرّم ، فلا يكون عبادةً .

والأقرب : جواز لُبس النساء الحرير المحض حالة الإِحرام ، اختاره

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩١٤ / ١٢٤٧ ، مسند أحمد ٣ : ٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١ .

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٧١ / ٥٦٤ .

(٣) الملاءة ، بالضم ممدود : الرَّيطة ، وهي : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لِفقَين . الصحاح ١ : ٧٣ « ملأ » و ٣ : ١١٢٨ « ريط » .

(٤) لم نجده في المصادر الحديثية .

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ / ١ ، و ٤٥٤ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ / ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥١ / ٨٨١ .

(٦) الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٦ .

٢٣٨
 &

المفيد (١) ـ خلافاً للشيخ (٢) ـ لما رواه يعقوب بن شعيب ـ في الصحيح ـ قال : قلت للصادق عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الخزّ والحرير والديباج فقال : « نعم لا بأس به » (٣) .

احتجّ الشيخ ـ رحمه الله ـ بما رواه عيص ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المرأة المُحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين (٤) » (٥) .

وهو محمول على الكراهة .

مسألة ١٧٨ : يستحب الإِحرام في الثياب القطن ، وأفضلها البيض ؛ لما رواه العامّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفّنوا بها موتاكم ) (٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « كان ثوبا رسول الله صلّى الله عليه وآله اللذان أحرم فيهما يمانيّين عَبْريّ وأظفار (٧) ، وفيهما كفّن » (٨) .

ولا بأس بالثوب الأخضر والمعصفر وغيرهما ؛ لأنّ أبا العلاء الخفاف رأى الباقر عليه السلام وعليه بُرد أخضر وهو مُحرم (٩) .

__________________

(١) أحكام النساء ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ) ٩ : ٣٥ .

(٢) انظر : المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٠ .

(٣) التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠٠ .

(٤) القفّاز ، بالضم والتشديد : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها ، وهما قفّازان . الصحاح ٣ : ٨٩٣ « قفز » .

(٥) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ / ١٠٩٩ .

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٣٤ ، وبتفاوت في سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨١ / ٣٥٦٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٣ ، والمستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ١٨٥ .

(٧) كذا في النسخ الخطية والحجرية والفقيه ، وفي الكافي : « ظفار » .

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥ .

(٩) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٧٨ .

٢٣٩
 &

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظم عليه السلام : يلبس المُحرم الثوب المشبع بالعُصفر ؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس » (١) .

ويكره الثياب السود ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت » (٢) .

مسألة ١٧٩ : يكره المعصفر إذا كان مشبعاً ، ولا يكره إذا لم يكن مشبعاً عند علمائنا‌ ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ ) (٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن الثوب يكون مصبوغاً بالعُصفر ثم يغسل ألبسه وأنا مُحرم ؟ قال : « نعم ليس العُصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس » (٥) .

وقال أبو حنيفة : العُصفر طيب تجب به الفدية على المُحرم ، كالورس والزعفران (٦) .

وهو ممنوع ، وقد نصّ الصادق عليه السلام على أنّه ليس بطيب (٧) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٤ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ .

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٢ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٨٦ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ .

(٥) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤١ .

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ .

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٢ / ١٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٩٠ ، التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار

=

٢٤٠