تذكرة الفقهاء - ج ٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مسألة ٤٤ : لو ارتدّ عن الإِسلام في أثناء الصوم ، فسد صومه إجماعاً‌ ، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد الى الإِسلام ، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه ، وسواء كانت ردّته باعتقاد ما يكفر به ، أو بشكّه فيما يكفر بالشك فيه ، أو بالنطق بكلمة الكفر ، مستهزئاً أو غير مستهزئ .

قال الله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) (١) .

لأنّ الصوم عبادة من شرطها النيّة ، فأبطلتها الردّة ، كالصلاة والحجّ ، ولأنّه عبادة محضة ، فنافاها الكفر كالصلاة .

مسألة ٤٥ : لو نوى الإِفطار بعد عقد نية الصوم‌ ، وقد مضى جزء من النهار ، فالأقوى أنّه يفطر ـ وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد في أظهر الروايتين (٢) ـ لأنّ الصوم عبادة من شرطها النية ، ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة .

ولأنّ الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ، لكن لمّا شقّ اعتبار حقيقة النية ، اعتبر بقاء حكمها ، وهو : ان لا ينوي قطعها ، فإذا نواه ، زالت حقيقةً وحكماً ، ففسد الصوم ؛ لزوال شرطه ؛ لأنّه نوى الإِفطار في جزء من النهار وقد قال عليه السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ) (٣) فيتحقّق الإِفطار في ذلك الجزء ، والصوم لا يقبل التبعيض ، فكان مفطراً .

والرواية الثانية عن أحمد : أنّه لا يفسد صومه ؛ لأنّه عبادة يلزم المضيّ ‌

__________________

(١) التوبة : ٦٥ و ٦٦ .

(٢) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ ـ ١٨٠ / ١٦٤٧ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١ .

٨١
 &

في فاسدها ، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج (١) .

وهو غير مطّرد في غير رمضان . والقياس باطل ؛ لأنّ الحجّ يصحّ بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حجّ عن نفسه ، فافترقا .

ولو عاد بعد أن نوى الإِفطار ولم يفطر فنوى الصوم ، فإن كان ذلك بعد الزوال ، لم يصح عوده إجماعاً ؛ لفوات محلّ النية .

وإن كان قبله ، أجزأه على قول بعض علمائنا (٢) ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لأنّ الصوم يصح بنية من النهار .

وأمّا صوم النافلة ، فإن نوى الفطر ثم لم يَنو الصوم بعد ذلك ، لم يصح صومه ؛ لأنّ النية انقطعت ولم توجد نية غيرها ، فأشبه مَن لم يَنو أصلاً .

وإن عاد فنوى الصوم ، صحّ صومه ، كما لو أصبح غير ناوٍ للصوم ؛ لأنّ نية الفطر إنّما أبطلت الفرض ؛ لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكماً ، وخُلوّ بعض أجزاء الزمان عنها ، والنفل بخلاف الفرض في ذلك ، فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه .

ولأنّ نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت ، وعدمها لا يمنع صحة الصوم بعده ، بخلاف الواجب ، فإنّه لا تصحّ نيته من النهار .

والأصل فيه أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يسأل أهله هل من غذاء ؟ فإن قالوا : لا ، قال : ( إنّي إذن لصائم ) (٤) .

تذنيب : لو نوى أنّه سيفطر ساعة اُخرى‌ ، فالأقرب : أنّه بخلاف نية ‌

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ .

(٢) المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٨٨ .

(٣) المغني ٣ : ٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١ .

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ و ٧٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ٢٠٧ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢ .

٨٢
 &

الفطر في وقته ، خلافاً لبعض العامة (١) .

ولو تردّد في الفطر ، فإشكال ينشأ من عدم الجزم بالصوم في زمان التردّد . ومن انعقاد الصوم قبله ، والتردّد ليس من المفطرات .

ولو نوى أنّي إن وجدت طعاماً أفطرت ، وإن لم أجد أتممت صومي ، فوجهان : الفطر ؛ لانتفاء الجزم ، ولهذا لا يصح ابتداء النية بمثل هذا .

والثاني : لا يفطر ؛ لأنّه لم يَنو الفطر بنية صحيحة ، فإنّ النية لا يصحّ تعليقها على شرط ، ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية .

مسألة ٤٦ : لو جامع أو أكل أو شرب في أول النهار بعد عقد صومه‌ ، ثم تجدّد عذر مسقط للصوم ـ كجنون أو مرض أو حيض أو نفاس ـ في أثناء النهار ، فالوجه عندي : سقوط الكفّارة ـ وهو قول بعض علمائنا (٢) ، وقول أصحاب الرأي والثوري والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأنّه زمان لا يصحّ الصوم فيه ، فيستحيل من الله تعالى ، العالم به الحكيم ، الأمر بصومه ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فيكون فعل المفطر قد صادف ما لا يصح صومه ، فأشبه ما لو صادف الليل ، وكما لو قامت البيّنة أنّه من شوّال .

والقول الثاني لعلمائنا وللشافعي وأحمد في الرواية الاُخرى : إنّه تجب عليه الكفّارة ـ وبه قال مالك وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وداود ـ لأنّ هذه الأعذار معانٍ طرأت بعد وجوب الكفّارة ، فلم تسقطها ، كالسفر .

ولأنّه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع وشبهه ، فاستقرّت الكفّارة عليه ، كما لو لم يطرأ عذر (٤) .

ونمنع وجوب الكفّارة ، ونمنع وجوب الصوم في نفس الأمر ، ووجوبه في ‌

__________________

(١) هو ابن عقيل كما في المغني ٣ : ٥٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢ .

(٢) حكاه المحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٤ .

(٣ و ٤) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥ .

٨٣
 &

اعتقادنا غير مفيد إذا ظهر بطلان الاعتقاد .

وقال زفر : تسقط بالحيض والجنون ، دون المرض والسفر (١) .

وقال بعض أصحاب مالك : تسقط بالسفر ، دون المرض والجنون (٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو أفطر ثم سافر سفراً ضروريّاً ، فهو كالعذر المتجدّد من جنون أو حيض .

ولو سافر سفراً اختياريّاً ، فإن لم يقصد به زوال الكفّارة عنه ، فالأقرب : أنّه كالعذر ، وإن قصد به إسقاط الكفّارة ، لم تسقط ، وإلّا لزم إسقاط الكفّارة عن كلّ مفطر باختياره ، والإِقدام على المحرّمات .

مسألة ٤٧ : لو أفطر بالمحرَّم‌ ، كما لو زنى في نهار رمضان ، أو شرب خمراً ، أو أكل ( لحم خنزير ) (٣) فالأقوى : أنّ الواجب كفّارة واحدة يتخيّر فيها ، كما لو أفطر بالمحلّل .

وقال بعض علمائنا : تجب به كفّارة الجمع (٤) ؛ وهي : الخصال الثلاث : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً ، وبه رواية عن أهل البيت عليهم السلام (٥) .

والمعتمد : الأول ؛ لأصالة براءة الذمة .

مسألة ٤٨ : لو كرّر السبب الموجب للكفّارة‌ ، بأن وطأ مرتين مثلاً ، فإن ‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٥ ، المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ .

(٢) المجموع ٦ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ .

(٣) بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : خنزيراً . وما أثبتناه من الطبعة الحجرية .

(٤) كالصدوق في الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٧٤ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٢٠٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٧ ذيل الحديث ٣١٥ .

(٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٣١٤ / ٨٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦ .

٨٤
 &

كان في رمضانين ، تكرّرت الكفّارة إجماعاً ـ إلّا رواية عن أبي حنيفة (١) ـ سواء كفّر عن الأول أو لا .

ولو كرّر في يومين من رمضان واحد ، وجبت عليه كفّارتان ، سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك والليث وابن المنذر ، وهو قول عطاء ومكحول (٢) ـ لأنّ كلّ فعل من هذين الفعلين لو انفرد ، لاستقلّ بإيجاب الكفّارة ، فكذا حالة الاجتماع ؛ لأصالة بقاء الحقيقة على ما كانت عليه .

ولأنّ كلّ واحد من الذنبين سبب في إيجاب عقوبة الكفّارة ، فعند الاجتماع يبقى الحكم بطريق الأولى ؛ لزيادة الذنب .

ولأنّ كلّ يوم عبادة قد هتكت ، وهي منفردة عن العبادة الاُخرى لا تتّحد صحتها مع صحة ما قبلها ولا ما بعدها ، ولا بطلانها مع بطلانها ، فلا يتّحد أثر السببين فيهما .

ولأنّ أحد الأمرين لا يتّحد مع الآخر ، وهو القضاء ، فكذا الأمر الآخر .

وقال أبو حنيفة : إن لم يكفّر عن الأول فكفّارة واحدة ، وإن كفّر فروايتان ، إحداهما : أنّها كفّارة واحدة أيضاً ـ وبه قال أحمد والزهري والأوزاعي ـ لأنّ الكفّارة تجب على وجه العقوبة ، ولهذا تسقط بالشبهة ، وهو : إذا ظنّ أنّ الفجر لم يطلع ، وما هذا سبيله تتداخل العقوبة فيه كالحدود (٣) .

والفرق : أنّ الحدود عقوبة على البدن ، وهذه كفّارة ، فاعتبارها بالكفّارات أولى .

__________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، والمبسوط للسرخسي ١ : ٧٥ .

(٢) المجموع ٦ : ٣٣٦ و ٣٣٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ .

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦ .

٨٥
 &

ولأن الحدود تتداخل في سببين ، وهي مبنية على التخفيف ، فتنافي التكرار .

ولو كرّر في يوم واحد ، قال الشيخ (١) وبعض علمائنا (٢) : لا تتكرّر الكفّارة ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي (٣) ـ لأنّ الوطء الثاني لم يقع في صوم صحيح ، فلا يتحقّق الهتك به ، فلا تثبت العقوبة .

ولأنّ أحد الأمرين ـ وهو القضاء ـ لا يتكرّر ، فلا يتكرّر الآخر .

وقال السيد المرتضى رحمه الله تتكرّر الكفّارة (٤) ؛ لأنّ الجماع سبب تام في وجوب الكفّارة ، فتتكرّر بتكرّره ؛ عملاً بالمقتضي .

ولدلالة الرواية عن الرضا (٥) عليه السلام عليه .

ولأنّ الإِمساك واجب كرمضان ، والوطء فيه محرَّم كحرمة رمضان ، فأوجب الكفّارة كالأول .

ونمنع السببية بدون الهتك ، وإلّا لوجب على المسافر .

والفرق بين تحريم الأول والثاني ظاهر وإن اشتركا في مطلق التحريم ؛ لصدق الهتك في الأول دون الثاني .

وقال ابن الجنيد من علمائنا : إن كفّر عن الأول كفّر ثانياً ، وإلّا كفّر واحدة عنهما (٦) ؛ وبه قال أحمد بن حنبل (٧) ، ولا بأس به .

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٤ ، الخلاف ٢ : ١٨٩ ، المسألة ٣٨ .

(٢) المحقق في المعتبر : ٣٠٨ .

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥ .

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، المسألة ٣٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٠٨ .

(٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٥٤ / ٣ ، الخصال : ٤٥٠ / ٥٤ .

(٦) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ .

(٧) المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢ .

٨٦
 &

واعلم : أنّ القضاء لا يتكرّر مع اتّحاد اليوم إجماعاً .

ولو اختلف السبب في يوم واحد ، كما لو جامع وأكل ، فيه إشكال ينشأ من تعليق الكفّارة بالجماع والأكل مطلقاً وقد وُجدا ، فتتكرّر الكفّارة ، بخلاف السبب المتّحد ؛ لأنّ التعليق على الماهية المتناولة للواحد والكثير ، ومن كون السبب الهتك وإفساد الصوم الصحيح ، وهو منتفٍ في الثاني .

مسألة ٤٩ : لو أفطر نهارَ رمضان مَن وجب عليه الصوم مستحلاً ، فهو مرتدّ‌ ، فإن كان عن فطرة ، قُتل من غير أن يستتاب .

ولو نشأ في برّيّة ولم يعرف قواعد الإِسلام ولا ما يوجب الإِفطار ، عُرِّف وعُومل بعد ذلك بما يعامَلُ به المولود على الفطرة .

ولو لم يولد على الفطرة ، استتيب ، فإن تاب وإلّا قُتل .

ولو اعتقد التحريم ، عُزّر ( فإن عاد ، عُزّر ) (١) فإن عاد ، قُتل في الثالثة ؛ لأنّ سماعة قال : سألته عن رجل اُخذ في شهر رمضان ثلاث مرّات وقد رفع الى الإِمام ثلاث مرّات ؛ قال : « فليقتل في الثالثة » (٢) .

وروي : أنّ الباقر عليه السلام ، سُئل عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : « يُسأل هل عليك في إفطارك إثم ؟ فإن قال : لا ، كان على الإِمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، كان على الإِمام أن يؤلمه ضرباً » (٣) .

وقال بعض علمائنا : يُقتل في الرابعة (٤) . وهو أحوط ؛ لأنّ التهجّم على الدم خطر .

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « ط » .

(٢) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٥ ، التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٨ .

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٤ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٤ بتفاوت يسير في اللفظ .

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٩ .

٨٧
 &

إذا ثبت (١) هذا ، فإنّما يُقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رُفع في كلّ مرّة الى الإِمام وعُزّر ، أمّا لو لم يُرفع فإنّه (٢) يجب عليه التعزير خاصة ولو زاد على الأربع .

مسألة ٥٠ : لو أكره الصائم زوجته الصائمة على الجماع‌ ، عُزّر بخمسين سوطاً عند علمائنا ، ووجب عليه كفّارتان ، إحداهما عنه ، والثانية عنها ، ولا كفّارة عليها ولا قضاء ؛ لأنّه سبب تام في صدور الفعل .

ولو طاوَعَته ، عُزّر كلّ واحد منهما بخمسة وعشرين سوطاً ، ووجب على كلّ واحد القضاء والكفّارة ؛ لأنّ المفضّل بن عمر ، سأل الصادق عليه السلام ، في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوَعَته ، فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها ، فعليه ضَربُ خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوَعَته ، ضُرِبَ خمسة وعشرين سوطاً ، وضُرِبَت خمسة وعشرين سوطاً » (٣) .

فروع :

أ ـ قال الشيخ رحمه الله : لو وطأها نائمةً أو مكرهةً ، لم تفطر ، وعليه كفّارتان (٤) .

وفي النائمة إشكال .

ب ـ قال رحمه الله : لو أكرهها لا جبراً ، بل ضربها حتى مكّنته من نفسها ، أفطرت ، ولزمها القضاء ؛ لأنّها دفعت عن نفسها الضرر بالتمكين كالمريض ، ولا كفّارة (٥) .

ج ـ لو زنى بها مُكرِهاً لها ، تحمّل عنها الكفّارة ؛ لأنّه أغلظ من الوطء ‌

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : إذا عرفت .

(٢) في الطبعة الحجرية بدل ( فإنّه ) : ( فإنّما ) .

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥ .

(٤ و ٥) الخلاف ٢ : ١٨٣ ، المسألة ٢٧ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٩ .

٨٨
 &

المباح .

ويشكل : بأنّه لا يلزم من كون الكفّارة مُسقطةً لأقلّ الذنبين كونها مُسقطةً لأعلاهما .

د ـ لو أصبح مُفطراً يعتقد أنّه من شعبان ، فشهدت البيّنة بالرؤية ، لزمه الإِمساك والقضاء‌ في قول عامة الفقهاء (١) ، إلّا عطاء ؛ فإنّه قال : يأكل بقية يومه (٢) . وأحمد في رواية (٣) .

وهو خلاف الإِجماع ، مع أنّ أحمد قد نصّ على إيجاب الكفّارة على مَن وطأ ثم كفّر ثم عاد فوطأ في يومه ؛ لأنّ حرمة اليوم لم تذهب ، فإذا أوجب الكفّارة على غير الصائم لحرمة اليوم كيف يبيح الأكل ! ؟ (٤) .

لا يقال : إنّ المسافر إذا قدم وقد أفطر ، جاز له الأكل ، فليكن هنا مثله .

لأنّا نقول : المسافر كان له الفطر ظاهراً وباطناً ، وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحاً ، فأشبه مَنْ أكل بظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً .

إذا عرفت هذا ، فكلّ مَن أفطر والصوم لازم له ، كالمُفطر بغير عذر ، والمُفطر يظنّ أنّ الفجر لم يطلع وقد كان طالعاً ، أو يظنّ الغروب فظهر خلافه ، أو الناسي لنية الصوم ، يلزمهم الإِمساك إجماعاً .

هـ ـ من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً ، كالحائض والنفساء‌ والصبي والمجنون والكافر ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ، يستحب لهم الإِمساك باقي النهار من غير وجوب ـ وبه قال جابر بن زيد وابن مسعود ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٥) ـ للاستصحاب .

__________________

(١ ـ ٤) المغني ٣ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥ .

(٥) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ .

٨٩
 &

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والعنبري : يجب الإِمساك ؛ لأنّه معنى لو وُجد قبل الفجر ، لوجب الصيام ، فإذا طرأ بعد الفجر ، وجب الإِمساك ، كقيام البيّنة بالرؤية (١) . والفرق ظاهر .

أمّا المسافر إذا قدم والمريض إذا برأ ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناولا شيئاً ، وجب الإِمساك ، ولا قضاء ، وإن كان بعد الزوال ، وجب القضاء .

و ـ المسافر والحائض والمريض يجب عليهم القضاء إذا أفطروا إجماعاً ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٢) والتقدير : فأفطر .

وقالت عائشة : كنّا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فنؤمر بقضاء الصوم (٣) .

وإن أفاق المجنون أو بلغ الصبي أو أسلم الكافر في أثناء النهار ، فلا قضاء .

وعن أحمد روايتان (٤) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ .

(٢) البقرة : ١٨٤ .

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢٦٥ / ٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٤ / ٧٨٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧ .

(٤) المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ .

٩٠
 &

الفصل الرابع فيما يستحب للصائم اجتنابه‌

مسألة ٥١ : تكره مباشرة النساء للصائم‌ تقبيلاً ولمساً وملاعبةً حذراً من الوقوع في الوطء ، وأجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة ؛ لما رواه العامة عن عمر بن الخطاب ، قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في المنام ، فأعرض عنّي ، فقلت له : ما لي ؟ فقال : ( إنّك تقبّل وأنت صائم ) (١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين اُقبّل وأنا صائم ؟ فقال له : « عفّ صومك ، فإنّ بَدء القتال اللطام » (٢) .

إذا ثبت هذا ، فإنّها تكره لذي الشهوة إذا لم يغلب على ظنّه الإِنزال ، فإن غلب ، فالأقرب أنّها كذلك .

وقال بعض الشافعية : إنّها محرّمة حينئذٍ (٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يُعرّض ‌

__________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٣٣٢ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥٢ .

(٣) المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ .

٩١
 &

الصوم للإِفساد .

والجواب : التعريض للإِفساد مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك .

أمّا مَن يملك إربه كالشيخ الكبير ، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقّه ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي (١) ـ لما رواه العامة أنّ رجلاً قبّل امرأته ، فاُرسلت فسألت النبي صلّى الله عليه وآله ، فأخبرها النبي عليه السلام ، أنّه يقبّل وهو صائم ، فقال الرجل : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ليس مثلنا وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فغضب النبي صلّى الله عليه وآله وقال : ( إنّي أخشاكم لله وأعلمكم بما أتّقي ) (٢) .

ومن طريق الخاصة : أنّ الباقر عليه السلام سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان ؟ فقال : « إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك ، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه » (٣) .

وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الكراهة مطلقاً (٤) ، وبه قال مالك (٥) ـ وعن أحمد روايتان (٦) ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أعرض عن عمر بمجرّد القُبلة مطلقاً (٧) .

وهو استناد الى منام أو لوجود الشهوة عند عمر .

إذا عرفت هذا ، فلو قبّل ، لم يفطر إجماعاً ، فإن أنزل ، وجب عليه ‌

__________________

(١) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦ .

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٨ ، ورواه مسلم بمعناه في صحيحه ٢ : ٧٧٩ / ١١٠٨ .

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ / ٨٢١ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ / ٢٥١ .

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧١ ذيل الحديث ٨٢٠ .

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٧ ، عارضة الاحوذي ٣ : ٢٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٥٥ .

(٦) المغني ٣ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٩ .

(٧) تقدّمت الإِشارة الى مصادره في ص ٩١ ، الهامش (١) .

٩٢
 &

القضاء والكفّارة عند علمائنا ، وبه قال أحمد ومالك (١) ، خلافاً للشافعي (٢) ، وقد سلف (٣) .

مسألة ٥٢ : يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صَبِر (٤) أو طعم يصل الى الحلق‌ ، وليس بمفطر ولا محظور عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٥) ـ لما رواه العامة عن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، خيبر ونزلت معه ، فدعا بكحل إثمد (٦) ، فاكتحل به في رمضان وهو صائم (٧) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ، في الصائم يكتحل ، قال : « لا بأس به ، ليس بطعام ولا شراب » (٨) .

وقال أحمد : إن وجد طعمه في حلقه ، أفطر ، وإلّا فلا (٩) . ومثله قال أصحاب مالك (١٠) .

وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم ؛ لأنّه أوصل‌

__________________

(١) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ .

(٢) المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣ .

(٣) سلف في المسألة ١٧ .

(٤) الصَّبِر : عصارة شجر مُرّ . لسان العرب ٤ : ٤٤٢ .

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٧ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ .

(٦) الإِثمد : حجر يتّخذ منه الكحل . لسان العرب ٣ : ١٠٥ .

(٧) سنن البيهقي ٤ : ٢٦٢ بتفاوت .

(٨) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٨ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٩ / ٢٧٨ .

(٩ و ١٠) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ .

٩٣
 &

الى حلقه ما هو ممنوع من تناوله ، فأفطر به ، كما لو أوصله من أنفه (١) .

وهو غير مفيد ؛ لأنّ الإِيصال الى الحلق غير مفطر (٢) ما لم يبتلعه ، ولأنّ الوصول من المسام غير مفطر ، كما لو دلك رجله بالحنظل ، فإنّه يجد طعمه مع عدم الإِفطار .

وإنّما كره ما فيه صَبِرٌ أو مسك أو شبهه ؛ لأنّ سماعة سأله عن الكحل للصائم ، فقال : « إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ، فليس به بأس » (٣) .

مسألة ٥٣ : يكره إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة‌ ؛ لئلّا يتضرّر بالضعف ، أو ربما أفطر .

وكذا يكره دخول الحمام إن خاف الضعف أو العطش ، وإلّا فلا ؛ لما لا يؤمن معه من الضرر أو الإِفطار .

وروى أبو بصير أنّه سأل الصادق عليه السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « ليس به بأس » (٤) .

وسئل الباقر عليه السلام ، عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : « لا بأس ما لم يخش ضعفاً » (٥) .

ويكره شمّ الرياحين ، ويتأكّد في النرجس ؛ لأنّ للأنف اتّصالاً بجوف الدماغ ، ويكره الإِيصال اليه .

وسئل الصادق عليه السلام : الصائم يشمّ الريحان ، قال : « لا ، لأنّه ‌

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ .

(٢) في الطبعة الحجرية : غير مبطل .

(٣) الكافي ٤ : ١١١ ( باب الكحل والذرور للصائم ) الحديث ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥٩ / ٧٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٣ .

(٤) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٨ .

(٥) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٧٠ / ٢٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ / ٧٧٩ .

٩٤
 &

لذّة ، ويكره أن يتلذّذ » (١) .

وقال محمّد بن العيص (٢) : سمعت الصادق عليه السلام ينهى عن النرجس ، فقلت : جعلت فداك لم ذاك ؟ قال : « لأنّه ريحان الأعاجم » (٣) .

وكره علي عليه السلام أن يتطيّب الصائم بالمسك (٤) .

مسألة ٥٤ : الحجامة مكروهة ؛ لخوف الضعف‌ ، فإن أمن ، فلا بأس .

وعلى التقديرين فلا يفطر بها الصائم عند علمائنا أجمع ـ وبه قال في الصحابة : الحسين بن علي عليهما السلام ، وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم واُمّ سلمة ، وفي التابعين : سعيد بن المسيّب والباقر والصادق عليهما السلام ، وسعيد بن جبير وطاوس والقاسم بن محمد وسالم وعروة والشعبي والنخعي وأبو العالية ، وبه قال الشافعي ومالك والثوري وأبو ثور وداود وأصحاب الرأي (٥) ـ لما رواه العامة عن ابن عباس أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، احتجم وهو صائم مُحرم (٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحسين بن أبي العلاء ـ في الصحيح ـ قال : سألت الصادق عليه السلام ، عن الحجامة للصائم ، قال : « نعم إذا لم ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٣ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠١ .

(٢) في الكافي والفقيه والتهذيب : محمد بن الفيض .

(٣) الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠٤ ، والكافي ٤ : ١١٢ ( باب الطيب والريحان للصائم ) الحديث ٢ ، والفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠١ .

(٤) الكافي ٤ : ١١٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠١ .

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٩ ، المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، اختلاف العلماء : ٧٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٧ .

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٩ / ٢٣٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٨٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦٣ .

٩٥
 &

يخف ضعفاً » (١) .

وفي الصحيح عن عبدالله بن ميمون عن الصادق عليه السلام ، قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبي صلّى الله عليه وآله ، وهو صائم ، وكان لا يرى بأساً بالكحل للصائم » (٢) .

ولأنّه خارج من ظاهر البدن ، فلم يكن مُفطراً ، كالفصد .

وقال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم (٣) ـ وفي الكفّارة عن أحمد روايتان (٤) ـ واختاره ابن المنذر ومحمد بن إسحاق وابن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم (٥) ـ لما رواه أحد عشر نفساً عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) (٦) .

وهو محمول على مقاربتهما من الإِفطار ؛ للضعف .

ولأنّه منسوخ بما قدّمناه عنه صلّى الله عليه وآله (٧) .

مسألة ٥٥ : يكره الاحتقان بالجامد على أشهر القولين‌ ـ خلافاً للعامة ؛ فإنّهم قالوا : إنّه مُفطر (٨) ـ لأنّ ابن يقطين سأل الكاظم عليه السلام ، ما تقول ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٦ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ ـ ٩١ / ٢٨٨ .

(٣) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ .

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٥١ ـ ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ .

(٥) المغني ٣ : ٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤ .

(٦) كما في المغني ٣ : ٣٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٥ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٠٨ / ٢٣٦٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٣٧ / ١٦٧٩ ، وسنن الترمذي ٣ : ١٤٤ / ٧٧٤ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ / ١٢ و ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٦٥ .

(٧) راجع ص ٩٥ والهامش (٦) .

(٨) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٣١٣ و ٣٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤ .

٩٦
 &

في التلطّف (١) يستدخله الإِنسان وهو صائم ؟ فكتب : « لا بأس بالجامد » (٢) .

وفي المائع قولان تقدّما (٣) .

ويكره بلّ الثوب على الجسد ؛ لاقتضائه اكتناز (٤) مسام البدن ، فيمنع خروج الأبخرة ، ويوجب احتقان الحرارة باطن البدن ، فيحتاج معه الى التبريد .

وسأل الحسن الصيقل ، الصادق عليه السلام ، عن الصائم يلبس الثوب المبلول ، فقال : « لا » (٥) .

ولا بأس أن يستنقع الرجل بالماء ؛ للأصل ؛ لأنّ (٦) الحسن بن راشد سأل الصادق عليه السلام عن الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم ؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : « إنّ أول مَن قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : « نعم » قلت : فيبلّ ثوباً على جسده ؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : « من ذاك » (٧) .

وأمّا المرأة فيكره لها الجلوس في الماء ، ولا يبطل صومها ؛ للأصل .

وقال أبو الصلاح من علمائنا : يلزمها القضاء (٨) ؛ لأنّ حنان بن سدير سأل الصادق عليه السلام ، عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس‌

__________________

(١) التلطّف : إدخال الشي‌ء في الفرج . مجمع البحرين ٥ : ١٢١ .

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٧ .

(٣) في ص ٢٩ .

(٤) الاكتناز : الامتلاء . لسان العرب ٥ : ٤٠٢ .

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠٠ .

(٦) كذا في جميع النُسخ . ولعلّ الصحيح : ولأنّ .

(٧) الكافي ٤ : ١١٣ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ / ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ / ٣٠١ .

(٨) الكافي في الفقه : ١٨٣ .

٩٧
 &

ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمله بقُبُلها » (١) .

والرواية ضعيفة السند .

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٧ ، والكافي ٤ : ١٠٦ / ٥ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ / ٧٨٩‌

٩٨
 &

الفصل الخامس فيمن يصحّ منه الصوم‌

مسألة ٥٦ : العقل شرط في صحة الصوم ووجوبه إجماعا‌ً ؛ لأنّ التكليف يستدعي العقل ؛ لقبح تكليف غير العاقل .

ولقوله عليه السلام : ( رُفع القلم عن ثلاثة ـ وعدّ ـ المجنون حتى يُفيق ) (١) .

ولا يؤمر بالصوم للتمرين ـ بخلاف الصبي ـ إجماعاً ؛ لانتفاء التمييز في حقّه .

هذا إذا كان جنونه مُطبقاً ، أمّا لو كان يُفيق وقتاً يصحّ صومه ، ووافق جميعَ نهار رمضان ، وجب عليه صوم ذلك اليوم ؛ لوجود الشرط فيه ، ولأنّ صوم كلّ يوم عبادة بنفسها ، فلا يؤثّر فيه زوال الحكم عن غيره .

ولو جنّ في أثناء النهار ولو لحظة ، بطل صوم ذلك اليوم ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، والثاني وهو القديم للشافعي : عدم البطلان (٢) .

وأمّا المُغمى عليه ، فإنّه كالمجنون إن استوعب الإِغماء النهار ،

__________________

(١) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ٨٩ / ١١١٤١ بتفاوت يسير في اللفظ .

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٧ .

٩٩
 &

وسيأتي (١) .

والنائم لا يسقط عنه الصوم ، فلو نوى من الليل ونام جميع النهار ، صحّ صومه .

وقال بعض الشافعية : لا يصح ، كما لو اُغمي عليه جميع النهار (٢) .

والفرق : أنّ الإِغماء مُخرج عن التكليف .

مسألة ٥٧ : البلوغ شرط في وجوب الصوم بإجماع العلماء‌ ، فلا يجب على الصبي ، سواء كان مميّزاً أم لا ، إلّا في رواية عن أحمد : أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه (٣) .

ويبطل بالإِجماع والنص :

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يُفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) رواه العامة (٤) .

ومن طريق الخاصة : رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام ، في كم يؤخذ الصبي بالصيام ؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة وإن هو صام قبل ذلك فدعه » (٥) .

وقال الصادق عليه السلام : « على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار » (٦) .

__________________

(١) سيأتي في المسألة ٦٠ .

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٥ .

(٣) المغني ٣ : ٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤ .

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤ .

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ ( باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به ) الحديث ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٢ .

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٣٩٨ .

١٠٠