تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

١
٢

٣
٤

الفصل الخامس : في القبلة‌

ومباحثه ثلاثة :

الأول : الماهيّة.

مسألة ١٣٥ : القبلة كانت أوّلا بيت المقدس‌ ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ التوجّه إلى الكعبة ؛ لأنّها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه‌السلام ، وكان بمكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، ويتوجّه إليهما ، فلمّا انتقل إلى المدينة ، تعذّر ذلك ، فبقي سبعة عشر شهرا يصلّي إلى بيت المقدس خاصة ، فدعا الله أن يحوّل قبلته إلى الكعبة ، وكان يقلّب وجهه إلى السماء ، وينتظر الوحي فأنزل الله تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ) (١) الآية.

وكان الناس بقبا في صلاة الصبح ، فأتاهم آت ، فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة (٢).

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١١١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٥ ـ ٥٢٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ و ٢ : ٦١ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨١ ، الموطّأ ١ : ١٩٥ ـ ٦ ، مسند أحمد ٢ : ١٦ و ١١٣.

٥

مسألة ١٣٦ : القبلة هي الكعبة‌ مع المشاهدة إجماعا لقوله تعالى : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) ولإجماع العلماء عليه.

وروى أسامة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى قبل الكعبة وقال : ( هذه القبلة ) (٢).

ومن كان في حكم المشاهد يجري مجراه كالكائن بمكة وبينه وبين الكعبة حائل لتمكّنه من العلم ، وكذا الأعمى بمكة ، وكذا المصلّي بالمدينة يجعل محراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلته من غير اجتهاد ؛ لعدم الخطأ في حقه عليه‌السلام.

وأمّا من بعد فالواجب عليه الاستقبال الى جهتها ، قاله المرتضى (٣) ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والشافعي في أحد القولين (٤) ، لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٥) للإجماع على الاستقبال إلى الكعبة ، ولحديث أسامة (٦).

ومن طريق الخاصة ما روي عن أحدهما عليهما‌السلام أنّ بني‌

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ ـ ١٣٣٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٩ مسند أحمد ٥ : ٢٠١.

(٣) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٣ : ٢٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٤ ، تفسير الرازي ٤ : ١٢٨ ، الام ١ : ٩٤ ، اللباب ١ : ٦٣ و ٦٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١١٨ ، المغني ١ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٩ ، المحرر في الفقه ١ : ٥١ و ٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ١١١ ـ ١١٢ ، نيل الأوطار ٢ : ١٧٩ و ١٨٠.

(٥) البقرة : ١٤٤.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ ـ ١٣٣٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٠ ، سنن البيهقي ٢ : ٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٠١.

٦

عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم : إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين (١). وليقين البراءة بالتوجه نحوه.

إذا ثبت هذا فالجهة يريد بها هنا ما يظن أنه الكعبة ، حتى لو ظن خروجه عنها لم تصح.

وقال أبو حنيفة : المشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس ، والجنوب قبلة لأهل الشام وبالعكس (٢). وهو غلط.

وقال الشافعي في الآخر : الواجب التوجه الى عين الكعبة للقريب والبعيد ـ وبه قال الجرجاني من الحنفية (٣) ـ لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٤) يعني نحوه.

وهو غلط ؛ لاستلزامه التكليف بالمحال إذ مع البعد يمتنع التوجه إلى عين الكعبة مع صغر حجمها ، وظهور التفاوت الكثير مع يسير الانحراف ، وقد أجمعنا على صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو مع العلم بأن المتوجه إلى الكعبة من كان بقدرها.

وقال الشيخ ـ وبه قال مالك (٥) ـ : الكعبة قبلة لمن كان في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٣٨.

(٢) فتح العزيز ٣ : ٢٤٢.

(٣) المجموع ٣ : ٢٠٧ و ٢٠٨ ، فتح العزيز ٣ : ٢٤٢ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٣٥ ، الكفاية ١ : ٢٣٥ ، شرح العناية ١ : ٢٣٥ ، عمدة القارئ ٤ : ١٢٦ ، المغني ١ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ و ٥١٩ ، نيل الأوطار ٢ : ١٨٠.

(٤) البقرة : ١٤٤.

(٥) فتح العزيز ٣ : ٢٤٣ ، تفسير الرازي ٤ : ١٢٧.

٧

المسجد الحرام ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن نأى عنه من أهل الدنيا (١) ؛ لما روى مكحول عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الآفاق ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا » (٣).

ولأنّ البعد يستلزم خروج المصلين عن التوجه ، لصغر الكعبة بخلاف الحرم المتطاول ، والروايات ممنوعة لعدم الوثوق بالرواة ، والخروج آت في الحرم. فإن أجاب بطلب الجهة فهو جوابنا.

مسألة ١٣٧ : ولا فرق بين المصلي فوق الكعبة وغيره في وجوب التوجه إليها‌ ـ عند أكثر العلماء (٤) ـ لعموم الأمر.

وللشيخ رحمه‌الله قول بأنه يستلقي على قفاه ويصلّي الى البيت المعمور ـ وهو في السماء الرابعة بحذاء الكعبة يسمى بالضراح ـ بالإيماء (٥) ، لما رواه عبد السلام عن الرضا عليه‌السلام قال في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة فقال : « إن قام لم يكن له قبلة ، ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه الى السماء ـ ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ـ ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه ، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٩٥ مسألة ٤١ ، النهاية : ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ١٠ عن ابن عباس.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤١ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٣٩.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٥ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٨ ، والمحقق في المعتبر : ١٤٤.

(٥) الخلاف ١ : ٤٤١ مسألة ١٨٨.

٨

عينيه ، والسجود على نحو ذلك » (١).

ولم يثبت صحة السند فلا يعوّل عليه مع منافاته للأصل وهو ترك القيام الذي هو ركن والاستقبال.

إذا ثبت هذا فإنه يجب عليه أن يبرز بين يديه شيئا منها وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة (٢).

مسألة ١٣٨ : قال الشيخ : يستحب لأهل العراق ومن والاهم التياسر قليلا‌ الى يسار المصلّي (٣) ـ وهو بناء على مذهبه من أن التوجه الى الحرم ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟ فقال : « لأنّ للكعبة ستة حدود : أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار » (٤). وسأل المفضل ابن عمر الصادق عليه‌السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة ، وعن السبب فيه فقال : « إن الحجر الأسود لما نزل به من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، كلّه اثنا عشر ميلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة » (٥). والروايتان مرسلتان مع ضعف المفضل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٢ ـ ٢١ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ ـ ١٥٦٦.

(٢) المجموع ٣ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٣) النهاية : ٦٣ ، المبسوط للطوسي ١ : ٧٨ ، الخلاف ١ : ٢٩٧ مسألة ٤٢ ظاهر عبارة الشيخ فيها الوجوب لا الاستحباب فلاحظ.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٤١.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٨ ـ ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٤٢ ، علل الشرائع : ٣١٨ باب ٣ الحديث ١.

٩

مسألة ١٣٩ : المصلّي جوف الكعبة يستقبل أيّ جدرانها شاء‌ ، وصلاته صحيحة فريضة كانت أو نافلة عند أكثر علمائنا (١) ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة (٢) ـ خلافا للشيخ في بعض أقواله (٣) ، ولمالك ، وأحمد (٤) ، وقد سلف تحقيقه ، وكلّ من قال بصحة الصلاة سوغ استقبال أي الجدران شاء.

ولا فرق بين أن يصلّي الى الباب أو غيره ( وسواء كان الباب مفتوحا أو لا ، وسواء كانت له عتبة مرتفعة أو لا ) (٥) وسواء نصب بين يديه شيئا أو لا ، عند علمائنا ، خلافا للشافعي (٦) وقد سبق.

فروع :

أ ـ المصلّي خارج الكعبة وهو مشاهد لها يستقبل أي جدرانها شاء ، وكذا لو كان في حكم المشاهد. ولو تعددوا وأرادوا الاجتماع ففي صلاتهم مستديرين حولها إشكال ، ولا إشكال لو كانوا منفردين.

ب ـ لو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ صحت صلاته‌ خارج العرصة متوجها إليها للامتثال ، ولو وقف فيها وجب أن يبرز بين يديه بعضها ، ولا‌

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٥٧ ، والمحقق في المعتبر : ١٤٤.

(٢) الام ١ : ٩٨ ، المجموع ٣ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٠ ، الوجيز ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٤ ، اللباب ١ : ١٣٥ ، السراج الوهاج : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢١.

(٣) الخلاف ١ : ٤٣٩ مسألة ١٨٦.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٩١ ، الشرح الصغير ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ ، الإنصاف ١ : ٤٩٦ ، المجموع ٣ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢١.

(٥) ما بين القوسين لم يرد في نسخة ( ش ).

(٦) الأم ١ : ٩٨ ، المجموع ١ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٠ ، الوجيز ١ : ٣٨.

١٠

يجب نصب شي‌ء يصلّي إليه ، خلافا للشافعي (١).

ج ـ المصلّي على جبل أبي قبيس يستقبل هواء البيت ، وكذا كلّ موضع أرفع من الكعبة.

د ـ يجب أن يستقبل الكعبة بجميع بدنه‌ فلو وقف على طرف من أطراف البيت وبعض بدنه خارج عن المحاذاة لم تصح صلاته ، وهو أظهر وجهي الشافعي لصحة نفي الاستقبال ، وإنّما استقبل بعض الكعبة ، والآخر : يصح لحصول التوجه بالوجه (٢).

هـ ـ الاجتزاء بالجهة في حق البعيد ، أمّا القريب فلا بدّ له من التوجه الى عين الكعبة ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٤) وقال أبو حنيفة : الجهة كافية في القريب والبعيد (٥).

فلو استطال صف المأمومين حتى خرج بعضهم عن المحاذاة بطلت صلاة الخارج عندنا ـ خلافا لأبي حنيفة (٦) ـ ولو تراخى الصف الطويل ووقفوا آخر المسجد صحت صلاة المتوجه دون الخارج ، وجوّزه هنا الشافعي ، لأنهم مع البعد يعدّون مستقبلين (٧).

و ـ المصلّي بمكة خارج المسجد إن كان يعاين الكعبة توجه إليها‌ ، فلو سوّى محرابه بناء على المعاينة صلّى إليه أبدا ، وإن كان يصلّي حيث لا‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، الوجيز ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٤.

(٢) المجموع ٣ : ١٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٢ ، الوجيز ١ : ٣٨.

(٣) المجموع ٣ : ١٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٤.

(٤) البقرة : ١٤٤.

(٥) شرح فتح القدير ١ : ٢٣٥ ، اللباب ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٢.

(٦) فتح العزيز ٣ : ٢٢٢.

(٧) فتح العزيز ٣ : ٢٢٣ ، الوجيز ١ : ٣٨.

١١

يمكنه المعاينة وجب أن يصعد على سطح داره إن كان بحيث يشاهد الكعبة ، ويستدل على القبلة إن لم يتمكن.

مسألة ١٤٠ : كلّ إقليم يتوجهون الى سمت الركن الذي يحاذيهم‌ ويقابلهم ، وقد وضع الشارع لهم علامات يستدل بها على القبلة فالعراقي ـ وهو الذي فيه الحجر ـ لأهل العراق ومن والاهم. وأهل الشام يتوجهون الى الركن الشامي. وأهل الغرب إلى الغربي. وأهل اليمن إلى اليماني.

وعلامة أهل العراق جعل الجدي خلف منكبه الأيمن ، والفجر موازيا لمنكبه الأيسر ، والشفق لمنكبه الأيمن ، وعين الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.

وعلامة الشام جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الاذن اليمنى ، والجدي خلف الكتف اليسرى إذا طلع ، ومغيب سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، والصبا على الخدّ الأيسر ، والشمال على الكتف الأيمن.

وعلامة المغرب جعل الثريا على اليمين ، والعيوق على اليسار ، والجدي على صفحة الخد الأيسر.

وعلامة اليمن جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين ، وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ، والجنوب على مرجع الكتف الأيمن. وأوثق أدلتها النجوم قال الله تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١) ولإمكان ضبطه بخلاف غيره.

وآكدها القطب الشمالي ، وهو نجم خفيّ حوله أنجم دائرة في أحد‌

__________________

(١) النحل : ١٦.

١٢

طرفها الفرقدان ، وفي الآخر الجدي ، وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل ، يدور حول القطب في كلّ يوم وليلة دورة واحدة ، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها.

ويمكن الاستدلال بها على ساعات الليل والأزمنة لمن عرفها وعرف كيفية دورانها وحولها مما يلي الفرقدين بنات النعش تدور حولها ، والقطب لا يتغير عن مكانه إلاّ يسيرا لا يبين عند الحس ، وهو نجم خفي يراه حديد النظر ، إذا استدبر في الأرض الشامية كان مستقبلا للقبلة ، وينحرف في دمشق وما قاربها الى الشرق قليلا ، وكلّما قرب الى المغرب كان انحرافه أكثر.

وإن كان بحرّان وما يقاربها اعتدل ، وجعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف ، وفي العراق يجعله بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوّها فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام.

والشمس تطلع في المشرق ، وتغرب في المغرب ، وتختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها ، وتكون في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلّي ، وفي الصيف محاذية لقبلته.

والقمر يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلّي ثم يتأخر كلّ ليلة نحو المشرق منزلا حتى يكون ليلة السابع وقت المغرب في قبلة المصلّي أو مائلا عنها يسيرا ، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما ، وليلة احدى وعشرين يكون في قبلة المصلّي أو قريبا منها وقت الفجر.

ومنازل الشمس والقمر ثمانية وعشرون وهي : الشرطين ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعوّا ، والسماك ، والغفر ، والزبانا ،

١٣

والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعايم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرع المقدم ، والفرع المؤخر ، وبطن الحوت.

منها أربعة عشر دائما فوق الأرض ، ومثلها تحتها ، فأربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق أو مائلة عنه الى الشمال قليلا ، أولها الشرطين وآخرها السماك ، وأربعة عشر يمانية تطلع من المشرق مائلة الى التيامن ، أولها الغفر وآخرها بطن الحوت.

ولكلّ نجم من الشامية رقيب من اليمانية وإذا طلع أحدها غاب رقيبه ، فالقمر ينزل كلّ ليلة بمنزل منها قريبا منه ثم ينتقل في الليلة الثانية إلى المنزل الذي يليه ، والشمس تنزل بكل منزل منها ثلاثة عشر يوما فيكون عودها الى المنزل الذي نزلت به عند تمام حول كامل من أحوال السنة الشمسية.

وهذه المنازل يكون منها فيما بين غروب الشمس وطلوعها أربعة عشر منزلا ، ومن طلوعها الى غروبها مثل ذلك ، ووقت الفجر منها منزلان ، ووقت المغرب منزل ، وسواد الليل اثنا عشر منزلا ، وكلّها تطلع من المشرق وتغرب في المغرب إلاّ أنّ أول الشامية وآخر اليمانية تطلع من وسط المشرق بحيث إذا جعل الطالع منها محاذيا لكتفه الأيسر كان مستقبلا للكعبة.

وأمّا الرياح فكثيرة يستدل منها بأربع تهب من زوايا السماء :

فالجنوب : تهب من الزاوية التي بين القبلة والمشرق ، مستقبلة بطن كتف المصلّي الأيسر مما يلي وجهه إلى يمينه.

والشمال : مقابلها تهب من الزاوية التي بين المغرب والشمال ، مارة إلى مهب الجنوب.

والدبور : تهب من الزاوية التي من المغرب واليمين مستقبلة شطر وجه‌

١٤

المصلي الأيمن ، مارة إلى الزاوية المقابلة لها.

والصبا : مقابلها تهب من ظهر المصلّي.

وسأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما‌السلام عن القبلة ، قال : « ضع الجدي في قفاك وصلّ » (١).

البحث الثاني : فيما يستقبل له‌

مسألة ١٤١ : يجب الاستقبال في فرائض الصلوات‌ إجماعا مع التمكن فلو صلّى فريضة غير مستقبل مع قدرته بطلت صلاته ، أمّا النافلة في الحضر والقدرة فالأقرب وجوب الاستقبال فيها أيضا ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لمداومة النبي وأهل بيته عليهم‌السلام على ذلك.

وقال أبو سعيد من الشافعية : يجوز ترك الاستقبال بالنافلة حضرا ، لأنّه يجوز في السفر لمصلّي النافلة ، وهذا موجود في الحضر (٣). وهو خطأ ؛ لمداومة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاستقبال ، والفرق ظاهر بين الحضر والسفر ، فإن الحضر الغالب فيه الكف ، والغالب في السفر السير.

ولا فرق بين جميع الفرائض كقضاء الواجب ، وصلاة النذر ، والطواف ، والكسوف ، والجنائز.

وأما سجود التلاوة ، وسجود الشكر فلا يجب فيه الاستقبال عملا بالأصل ، وأوجبه الشافعي (٤).

ويجب عندنا الاستقبال بالذبيحة عند الذبح ، وبالميت عند احتضاره ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٣.

(٢) المجموع ٣ : ٢٣٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢١٢.

(٣) المجموع ٣ : ٢٣٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢١٢.

(٤) الام ١ : ٩٣ ، المجموع ٤ : ٦٣ و ٦٨.

١٥

وتغسيله ، والصلاة عليه ، ودفنه على ما تقدم البحث فيه ، خلافا للشافعي (١).

ويستحب للجلوس للقضاء والدعاء.

مسألة ١٤٢ : لا تجوز الصلاة الفريضة على الراحلة اختيارا‌ ؛ لاختلال أمر الاستقبال بلا خلاف.

وسأل عبد الله بن سنان الصادق عليه‌السلام يصلّي الرجل شيئا من الفرائض راكبا من غير ضرورة؟ فقال : « لا » (٢).

وإن تمكن من استيفاء الأفعال على إشكال ينشأ من الإتيان بالمأمور به فيخرج عن العهدة. والمنع للاختلال منتف لانتفاء سببه ، ومن عموم النهي على الراحلة (٣).

وكذا لا تجوز صلاة الجنائز على الراحلة ؛ لأنّ الركن الأعظم فيها القيام ، والأقرب صحة الصلاة على بعير معقول ، وأرجوحة معلّقة بالحبال ، وقد سبق.

ولا تصلّى المنذورة على الراحلة لأنّها فرض عندنا ، وللشافعي وجهان مبنيان على أنّ المنذورة يسلك بها مسلك الواجبات أو يحمل على أقل ما يتقرب به (٤).

وعن أبي حنيفة : أن الصلاة التي نذرها على وجه الأرض لا تؤدى على الراحلة ، والتي نذرها وهو راكب تؤدّى عليها (٥). وليس بشي‌ء.

__________________

(١) المجموع ٥ : ١١٦ و ٩ : ٨٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٤.

(٤) فتح العزيز ٣ : ٢٠٨ ، الوجيز ١ : ٣٧.

(٥) فتح العزيز ٣ : ٢٠٨.

١٦

ولا بأس بالصلاة في السفينة واقفة كانت أو سائرة.

مسألة ١٤٣ : يسقط فرض الاستقبال حالة الخوف في الفرائض والنوافل‌ إجماعا لعدم التمكن ، ولقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (١) وقال عليه‌السلام : ( إن كان الخوف أشد فصلّوا مستقبليها ومستدبريها ) (٢) وسيأتي.

ولا يختص الخوف بالقتال بل لو انكسرت السفينة وبقي على لوح منها وخاف الغرق لو ثبت متوجها الى القبلة يجوز له ترك الاستقبال. ولا يرخص مطلق القتال بل السائغ.

وكذا يسقط في النوافل سفرا ـ للراكب والماشي ـ وحضرا.

ويجوز التنفل على الراحلة في السفر الطويل إجماعا حيث توجهت به لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي على راحلته في السفر حيث توجهت به (٣) ، ولتمكن صاحب الأوراد من أوراده مع كفاية مصالح السفر.

فروع :

أ ـ لا يجب حالة القتال الاستقبال في الفريضة‌ سفرا ، وحضرا ، راكبا كان أو راجلا ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لقوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ

__________________

(١) البقرة : ١١٥.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٨ وروي عن ابن عمر.

(٣) أمالي الطوسي ٢ : ١٣ ، قرب الإسناد : ١٠ ، تفسير العياشي ١ : ٥٧ ـ ٨٢.

(٤) الام ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٣ : ٢٣١ و ٤ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، مختصر المزني : ١٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٩١ ، السراج الوهاج : ٩٣ ، الوجيز ١ : ٦٨.

١٧

رُكْباناً ) (١) قال ابن عمر : مستقبل القبلة وغير مستقبلها (٢). وقال أبو حنيفة : يجوز للراكب ترك الاستقبال حالة القتال ، أمّا الراجل فلا (٣).

ب ـ يجوز للمريض الصلاة على الراحلة للضرورة ، الدالّ عليها فحوى قوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) (٤) وقول الصادق عليه‌السلام : « لا يصلّي على الدابة إلاّ مريض » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : « صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر » (٦).

ولا تجب عليه الإعادة عندنا ؛ لأنه فعل المأمور به ، وكذا لو صلّى على لوح ولم يتمكن من الاستقبال.

وقال الشافعي : يعيد ، لأنه ترك القبلة لعذر نادر لا يدوم (٧). وليس بجيد ؛ للامتثال فيخرج عن العهدة.

وكذا المريض العاجز عن الحركة إذا لم يجد من يصرف وجهه إلى القبلة يصلّي على حسب حاله ولا إعادة عليه عندنا ، خلافا للشافعي (٨).

ج ـ يجوز التنفل ماشيا‌ لاشتماله على المصلحة الناشئة من مداومة‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٩.

(٢) الأم ١ : ٩٦ و ٢٢٢ ، المجموع ٣ : ٢٣١ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٢ ، أحكام القرآن للكيا الهراسي ١ : ٢١٨.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٤٥.

(٤) البقرة : ٢٣٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٢.

(٧) المجموع ٣ : ٢٤٣.

(٨) المجموع ٣ : ٢٤٣.

١٨

الطاعة ، واستيفاء وجوه الانتفاع ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنه أحد اليسيرين ، فأشبه الراكب ، ولقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٢) قال الصادق عليه‌السلام : « إنها نزلت في النافلة » (٣).

وقال أبو حنيفة : لا تجوز ماشيا لأنه عمل كثير (٤) والضرورة سوّغته.

د ـ الراكب في النافلة يتوجه الى حيث توجهت دابته ، لأن عليا عليه‌السلام كان يوتر على راحلته ، وكذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، ولا يجب عليه الاستقبال إلى القبلة دفعا للحرج ولا في أول الصلاة.

أمّا الفريضة إذا اضطر إلى الصلاة على الراحلة وجب عليه أن يستقبل ما أمكن ، فإن تعذر وقدر على الاستقبال في تكبيرة الإحرام وجب وإلاّ فلا.

هـ ـ يجوز التنفل على الراحلة في السفر‌ ـ طويله وقصيره ـ وهو أظهر قولي الشافعي للمقتضي في الطويل ، وله قول : إنّه لا يتنفل على الراحلة في السفر القصير ، وهو الذي لا تقصر في مثله الصلاة ـ وبه قال مالك (٦) ـ لأنّها رخصة تتعلق بالسفر فتعلقت بالطويل كالقصر والمسح.

وأمّا الحضر فالأقرب جواز الصلاة نفلا فيه راكبا ، وبه قال أبو سعيد من‌

__________________

(١) الام ١ : ٩٧ ، المجموع ٣ : ٢٣٧ ، فتح العزيز ٣ : ٢١١ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢.

(٢) البقرة : ١١٥.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٥٦ ـ ٥٧ ـ ٨١ و ٨٢ وانظر النهاية للشيخ الطوسي : ٦٤.

(٤) المجموع ٣ : ٢٣٧ ، فتح العزيز ٣ : ٢١١.

(٥) قرب الإسناد : ٥٤ ، وانظر صحيح البخاري ١ : ١١٠ ، وسنن النسائي ١ : ٢٤٣.

(٦) الام ١ : ٩٧ ، مختصر المزني : ١٣ ، المجموع ٣ : ٢٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٦ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢ ، القوانين الفقهية : ٦٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٦٩ ، المغني ١ : ٤٨٥.

١٩

الشافعية ، خلافا للباقين (١).

و ـ المتنفل في السفر ماشيا لا يجب عليه الاستقبال‌ كالراكب ، وقال الشافعي : يجب في ثلاثة مواضع : حالة تكبيرة الافتتاح ، وركوعه ، وسجوده (٢). وإن كان راكبا في كنيسة (٣) واسعة جاز أن يصلّي الى غير القبلة للعذر ، خلافا للشافعي (٤).

وإن كانت ضيقة ، أو على قتب ، أو سرج ، أو ظهر فإن كانت واقفة مقطرة صلّى الى حيث ما توجهت لتعذر إدارتها إلى القبلة ، وإن كانت مفردة فكذلك ، خلافا للشافعي (٥).

وإن كانت سائرة مقطرة افتتح إلى جهة سيره ، وإن كانت مفردة صعبة لم يلزمه إدارتها للمشقة ، وكذا إن كانت سهلة ، وللشافعي وجهان (٦).

وإن دخل بلد إقامته جاز أن يتنفل على الراحلة ـ خلافا للشافعي (٧) ـ وكذا إن كان مجتازا.

ز ـ لو صرف وجه الدابة عن الطريق عامدا فالأقرب عدم البطلان ، وقال الشافعي : يبطل (٨). وإن أخطأ فصرفه الى غير الطريق ظنّا أنه الطريق أو غلطت الدابة فالصلاة صحيحة وإن لم يكن وجهه إلى القبلة ، وقال‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٣٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٦.

(٢) الام ١ : ٩٧ ، المجموع ٣ : ٢٣٧ ، المغني ١ : ٤٨٨.

(٣) الكنيسة : هي شي‌ء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به. مجمع البحرين ٤ : ١٠٠ « كنس ».

(٤) المجموع ٣ : ٢٣٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٢.

(٥) المجموع ٣ : ٢٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٣.

(٦) المجموع ٣ : ٢٣٤ و ٢٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٣.

(٧) المجموع ٣ : ٢٣٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٨) المجموع ٣ : ٢٣٦ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢.

٢٠