تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

والقيام بما تحتاج إليه الإمامة ، وتحصيل الفضيلة ، ولهذا نقل أنّه ضامن والمؤذن أمين (١) ، والضامن أكثر عملا من الأمين فثوابه أكثر ، وفي الآخر : الأذان أفضل (٢) لقوله عليه‌السلام : ( الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء ، فأرشد الله الأئمة ، وغفر للمؤذّنين ) (٣) [ وبه ] (٤) قال الشيخ (٥).

والإقامة أفضل من الأذان. ويؤيّده : شدّة تأكيد الطهارة والاستقبال والقيام وترك الكلام وغير ذلك في الإقامة على الأذان.

مسألة ١٥٦ : وعدد فصول الأذان ثمانية عشر فصلا عند علمائنا : التكبير أربع مرات ، وكلّ من الشهادتين ، والدعاء إلى الصلاة ، والى الفلاح ، والى خير العمل ، والتكبير ، والتهليل مرتان مرتان ؛ لأن الصادق عليه‌السلام حكى الأذان فقال : « الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، حي على خير العمل حي على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله » (٦).

وقال الباقر عليه‌السلام : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا ، الأذان ثمانية عشر حرفا. والإقامة سبعة عشر حرفا » (٧) ‌وخالف الجمهور في‌

__________________

(١) انظر : الهامش (٣) من هذه الصفحة : والتهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، المجموع ٣ : ٨٧ ـ ٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٤٣ ـ ٥١٧ ، سنن الترمذي ١ : ٤٠٢ ـ ٢٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ٣٨٢ ، سنن البيهقي ١ : ٤٣٠.

(٤) زيادة يقتضيها السياق ، والضمير راجع الى عنوان المسألة.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٩٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١١ ، الإستبصار ١ : ٣٠٦ ـ ١١٣٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٢.

٤١

مواضع :

أ ـ قال مالك ، وأبو يوسف : التكبير في أوله مرّتان (١) ـ ووافقنا الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري (٢) ـ لأن عبد الله بن زيد قال له الرجل في المنام : الله أكبر مرتين (٣).

وهو غلط ، لما بيّنا من أن الأذان بوحي إلهي ، وقد روى محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال ، قلت : يا رسول الله علّمني سنة الأذان. فمسح مقدم رأسه ، وقال : ( تقول : الله أكبر ) فذكر أربع مرات (٤).

ب ـ منع الجمهور من قول : حيّ على خير العمل (٥) ، وأطبقت الإمامية على استحبابه لتواتر النقل به عن الأئمّة عليهم‌السلام (٦) ، والحجة في قولهم.

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، بلغة السالك ١ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٧ ، المجموع ٣ : ٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٠ ، سبل السلام ١ : ٢٠٠.

(٢) الام ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٧ ، اللباب ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٢٤١ ـ ٢٩ ، وانظر أيضا سنن الترمذي ١ : ٣٦٠ ذيل الحديث ١٨٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٣٦ ـ ٥٠٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٤.

(٥) المجموع ٣ : ٩٨ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المحلى ٣ : ١٤٩.

(٦) انظر على سبيل المثال : التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٣.

٤٢

ج ـ أطبقت الإمامية على استحباب التهليل مرتين في آخر الأذان ، وخالف فيه الجمهور كافة واقتصروا على المرة ، (١) وهو مدفوع بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، رواه أنس (٢).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام لمّا وصف الأذان : « لا إله إلاّ الله لا إله إلاّ الله » (٣).

وكذا في حديث الباقر عليه‌السلام لمّا وصف أذان جبرئيل لمّا اسري بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

مسألة ١٥٧ : الإقامة عندنا سبعة عشر فصلا‌ كالأذان إلاّ أنه ينقص التكبير من أولها مرتين والتهليل من آخرها مرة ويزيد : ( قد قامت الصلاة ) بعد ( حيّ على خير العمل ) مرتين ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) ـ لما رواه أبو محذورة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمه الإقامة سبع عشر كلمة (٦) ، ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « والإقامة مثنى مثنى » (٧).

__________________

(١) مختصر المزني : ١٢ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، العدة شرح العمدة : ٦١ ، القوانين الفقهية : ٥٤ ، المحلى ٣ : ١٥٠.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦ ـ ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ ـ ٧٢٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٩٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ ـ ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، اللباب ١ : ٥٩ ، المجموع ٣ : ٩٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٨ ، ، المغني ١ : ٤٥١ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥.

(٦) سنن الترمذي ١ : ٣٦٧ ـ ١٩٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٥ ـ ٧٠٩ ، سنن النسائي ٢ : ٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧١.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤١.

٤٣

وقال الشافعي : الإقامة أحد عشر كلمة ، التكبير مرتان ، والشهادتان مرتان ، والدعاء إلى الصلاة مرة ، والدعاء الى الفلاح مرة ، والإقامة مرتان ، والتكبير مرتان ، والتهليل مرة. وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (١).

قال ابن المنذر : وهو مذهب عروة بن الزبير ، والحسن البصري ، وعمر بن عبد العزيز ، ومكحول ، والزهري (٢) ، لأنّ أنسا روى أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أن يوتر الإقامة (٣) ، وهو استناد الى المنام الذي ضعفناه.

وللشافعي في القديم : أنها عشر كلمات. فجعل الإقامة مرة. وبه قال مالك ، وداود (٤) للحديث (٥) وقد بينا ضعفه.

مسألة ١٥٨ : قد ورد عندنا استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات‌

__________________

(١) المغني ١ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، الأم ١ : ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥.

(٢) المجموع ٣ : ٩٤ وفيه : البيهقي بدل ابن المنذر فلاحظ.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦ ـ ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ ـ ٧٢٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٩٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ ـ ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

(٤) المجموع ٣ : ٩٢ و ٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٦١ و ١٦٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ١١٠ ، القوانين الفقهية : ٥٥ ، المغني ١ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٢١.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٨٦ ـ ٣٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ ـ ٧٢٩ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠. سنن الترمذي ١ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ـ ١٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ١٤١ ـ ٥٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ٣.

٤٤

كأوله ، والباقي كما تقدم (١) ، وروي أيضا استحباب التكبير في أول الإقامة أربعا ، وفي آخرها أربعا ، والتهليل في آخرها مرتين (٢) ، قال الشيخ : ولو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما ، فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول : « أن عليا ولي الله ، وآل محمد خير البرية » فممّا لا يعمل عليه في الأذان فمن عمل به كان مخطئا (٣).

ويجوز في حال الاستعجال ، والسفر إفراد الفصول ، جمعا بين فضيلة الأذان وإزالة المشقة عن المسافر والمستعجل ، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح قال : رأيت الباقر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا » (٤).

وقال الباقر عليه‌السلام : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة » (٥).

تذنيب : تثنية الإقامة أفضل من إفراد الأذان والإقامة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذّن وأقيم واحدا واحدا » (٦).

مسألة ١٥٩ : يكره الترجيع عند علمائنا‌ ـ وهو تكرار الشهادتين مرتين في‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٢٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٢٦.

(٣) النهاية : ٦٩. وقال في المبسوط ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٢.

٤٥

الأذان ، وبه قال الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي (١).

وربما قال أبو حنيفة : إنّه بدعة (٢). وهو جيد عندي ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( الأذان مثنى ) (٣) ولم يذكر الترجيع عبد الله بن زيد الذي أسندوا الأذان إليه (٤).

ومن طريق الخاصة حكاية الباقر والصادق عليهما‌السلام صفة الأذان ولم يذكرا الترجيع (٥).

وقال الشافعي ، ومالك : باستحبابه (٦) ، وروى ابن المنذر عن أحمد أنه قال : إن رجع فلا بأس وإن ترك فلا بأس (٧) ، حتى أن للشافعي قولين في الاعتداد بالأذان مع تركه (٨) لأنّ أبا محذورة قال : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّة الأذان ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر مرتين ، أشهد أن محمدا رسول الله فذكر مرتين ، تخفض بها صوتك ، ثم‌

__________________

(١) المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٠ ، العدة شرح العمدة : ٦٠ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.

(٢) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٣) انظر سنن النسائي ٢ : ٣.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٣٥ ـ ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ـ ٧٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٩ ـ ١٨٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٤١ ـ ٢٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ و ٢١١ و ٦١ ـ ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٣ و ١١٣٤.

(٦) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٩١ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٥ ، بلغة السالك ١ : ٩٢ ، المنتقى ١ : ١٣٥ ، القوانين الفقهية : ٥٣ ، المغني ١ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٠ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.

(٧) مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦١ ، الانصاف ١ : ٤١٣.

(٨) المجموع ٣ : ٩١ ـ ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٨.

٤٦

ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله. فذكر مرتين ، أشهد أن محمدا رسول الله. فذكر مرتين (١).

وليس حجة ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل به ذلك ليقر بالشهادتين لأنه كان يحكي أذان مؤذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستهزئا فسمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته فدعاه فأمره بالأذان قال : ولا شي‌ء عندي ولا أنقص من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا مما يأمرني به (٢) فقصد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نطقه بالشهادتين سرا ليسلم بذلك ، ولم يوجد هذا في أمر بلال ولا غيره ممن كان ثابت الإسلام.

تذنيب : قال الشيخ : لو أراد المؤذن تنبيه غيره جاز له تكرار الشهادتين مرتين (٣) لقول الصادق عليه‌السلام : « لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة ، أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٤).

مسألة ١٦٠ : التثويب عندنا بدعة ، وهو قول الصلاة خير من النوم ، في شي‌ء من الصلوات ـ وبه قال الشافعي في الجديد (٥) ـ لأن عبد الله بن زيد لم‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٨٧ ـ ٣٧٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٦ ـ ٥٠٠ ، سنن النسائي ٢ : ٦ ، مسند احمد ٣ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٣ ـ ١.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٤ ـ ٧٠٨ ، مسند احمد ٣ : ٤٠٩ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٣ ـ ١.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ـ ٢٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٤٩.

(٥) الام ١ : ٨٥ ، المجموع ٣ : ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بداية المجتهد ١ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨.

٤٧

يحكه في أذانه (١) ، وأهل البيت عليهم‌السلام لمّا حكوا أذان الملك لم يذكروه (٢).

وقال الشافعي في القديم : باستحباب التثويب بعد الحيعلتين في الصبح خاصة. وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (٣) لأنّ أبا محذورة قال : لما علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بعد قوله حي على الفلاح : فإن كانت صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم (٤).

وهو معارض بإنكار الشافعي ـ في كتاب استقبال القبلة ـ للتثويب وقال : إنّ أبا محذورة لم يحكه (٥). قال أبو بكر بن المنذر : هذا القول سهو من الشافعي ونسيان حين سطر هذه المسألة فإنه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن أبي محذورة.

وعن أبي حنيفة روايات : إحداها كقول الشافعي في القديم (٦) ، والثانية : أنه يقول بين الأذان والإقامة : حي على الصلاة حي على‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٣٥ ـ ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ـ ٧٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٨ ، مسند احمد ٤ : ٤٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠.

(٣) مختصر المزني : ١٢ ، المجموع ٣ : ٩٢ و ٩٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ، المنتقى ١ : ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ٩١ ، القوانين الفقهية : ٥٤ ، المغني ١ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٣ ، مسائل أحمد : ٢٧ ، العدة شرح العمدة : ٦٢ ، المحرر في الفقه ١ : ٣٦.

(٤) مسند احمد ٣ : ٤٠٨ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٦ ـ ٥٠٠ ، سنن النسائي ٢ : ٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣٤ ـ ٣ و ٢٣٥ ـ ٤.

(٥) فتح العزيز ٣ : ١٧٠.

(٦) فتح العزيز ٣ : ١٧٢ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ ، اللباب ١ : ٥٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢١٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤١.

٤٨

الفلاح (١) ، والثالثة : أن الأولى في نفس الأذان ، والثانية بعده (٢) ، والرابعة : أنه يقول : الصلاة خير من النوم بين الأذان والإقامة (٣) ، لأن بلالا كان إذا أذن أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّم عليه ، ثم قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، يرحمك الله (٤).

وأذن بلال يوما ، فتأخر خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء الى باب الحجرة ، فقيل : إنّه نائم فنادى بلال الصلاة خير من النوم مرتين فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرّه عليه (٥).

وهذا كلّه باطل عندنا ؛ لأنه ليس للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجتهد في الأحكام ، بل يأخذها بالوحي لا بالاستحسان.

فروع :

أ ـ كما أنّه لا تثويب في الصبح عندنا فكذا في غيره‌ ، وبنفي غيره ذهب أكثر العلماء (٦) ، لأن ابن عمر دخل مسجدا يصلّي فسمع رجلا يثوّب في أذان الظهر فخرج عنه فقيل له : إلى أين تخرج؟ فقال : أخرجتني البدعة (٧).

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ و ١٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٣ : ١٧٢ ، المغني ١ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٢) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ ، رحمة الأمة ١ : ٣٦.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢٣٤.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٠٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٧ ـ ٧١٦ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٠ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٢ ، المحرر في الحديث ١ : ١٦٥ ذيل الحديث ١٧٨.

(٦) منهم : ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٧) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

٤٩

وحكي عن الحسن بن صالح بن حي استحبابه في العشاء ؛ لأنه وقت ينام فيه الناس فصار كالغداة (١).

وقال النخعي : إنه مستحب في جميع الصلوات ؛ لأن ما يسن في الأذان لصلاة يسن لجميع الصلوات كسائر الألفاظ (٢).

والأصل في الأول ، والعلة في الثاني ممنوعان.

ب ـ لا يستحب أن يقول بين الأذان والإقامة : حي على الصلاة حي على الفلاح‌ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأن عمر قدم مكة فأتاه أبو محذورة وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة ، حي على الفلاح فقال : ويحك أمجنون أنت؟ ما كان في دعائك الذي دعوت ما نأتيك حتى تأتينا (٤).

وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي أنه سئل عن التسليم على الأمراء فقال : أول من أحدثه معاوية وأقره عمر بن عبد العزيز (٥) ، وقال النخعي : إن الناس أحدثوا حي على الصلاة حي على الفلاح وليس بسنّة (٦) ، وقال عليه‌السلام : ( كل محدث بدعة ) (٧).

ج ـ التثويب : الرجوع‌ ، فالمؤذن يقول : حي على الصلاة ، ثم عاد بقوله : الصلاة خير من النوم ، إلى الدعاء إلى الصلاة ، وحيّ معناه : هلمّ ، ويقرن‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٩٨ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، رحمة الأمة ١ : ٣٦ ، المحلى ٣ : ١٦١.

(٢) المجموع ٣ : ٩٨ ، الميزان ١ : ١٣٣ ، رحمة الأمة ١ : ٣٦.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي عنه في الخلاف ١ : ٢٨٩ مسألة ٣٣.

(٤) كنز العمال ٨ : ٣٤٠ ـ ٢٣١٦٨.

(٥) انظر كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري : ١٦٤.

(٦) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ١٨ ـ ٤٦ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١٤.

٥٠

بـ ( على ) و ( الى ) معا ، والفلاح : البقاء والدوام وهو ثواب الصلاة.

مسألة ١٦١ : الترتيب شرط في الأذان والإقامة‌ لأنّهما أمران شرعيان فيقفان على مورده ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره » (١) ولأنّ الأذان يتميز بترتيبه عن جميع الأذكار فإذا لم يرتبه لم يعلم أنه أذان ولم تحصل الفائدة ؛ وبه قال الشافعي (٢).

مسألة ١٦٢ : يكره الكلام خلال الأذان والإقامة‌ لئلا ينقطع توالي ألفاظه ، فإن تكلّم في الأذان لم يعده ، عامدا كان أو ساهيا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الكلام لا يقطع الخطبة وهي آكد من الأذان (٣) ، وحكي عن سليمان بن صرد أنّه كان يأمر بحاجته في أذانه وكان له صحبة (٤). وللشافعي قول باستحباب إعادة الأذان (٥).

فروع :

أ ـ لو طال الكلام‌ حتى خرج عن نظام الموالاة أعاد.

ب ـ لو كان الكلام لمصلحة الصلاة لم يكره‌ إجماعا لأنّه سائغ في الإقامة ففي الأذان أولى.

ج ـ لو سكت طويلا يخرج به في العادة عن الأذان أعاد‌ وإلاّ فلا لعدم الانفكاك من القليل كالتنفس والاستراحة ، وبه قال الشافعي (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٥.

(٢) المجموع ٣ : ١١٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٣ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥ ، السراج الوهاج : ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) المجموع ٣ : ١١٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥.

(٤) فتح الباري ٢ : ٧٧ ، المغني ١ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٠.

(٥) المجموع ٣ : ١١٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥.

(٦) المجموع ٣ : ١١٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، الوجيز ١ : ٣٦.

٥١

د ـ لو أغمي عليه. أو جنّ ، أو نام في خلاله استحب له الاستئناف‌ لخروجه عن التكليف ، ولو تمم غيره ثم أفاق جاز البناء عليه قاله الشيخ (١).

هـ ـ لو ارتد في أثنائه ثم رجع الى الإسلام استأنف ، وهل يبنى عليه؟ للشافعي وجهان : المنع ـ وهو الأقوى عندي ـ لبطلانه بالردة ، والجواز ؛ لأنّ الردة لا تحبط العمل إلاّ إذا اتصل بها الموت فصار كاعتراض الجنون والإغماء لو بنى عليه جاز (٢).

ولو ارتد بعد فراغه من الأذان ، قال الشيخ : جاز أن يعتد به ، ويقيم غيره ، لأنّه أذّن أذانا مشروعا محكوما بصحته فلا يؤثر فيه الارتداد المتعقب (٣).

وقال الشافعي : لا يعتد بأذانه (٤).

و ـ لو تكلّم خلال الإقامة أعادها‌ ـ وبه قال الزهري (٥) ـ لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل فكان لها حكمها ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٦).

وقال الشافعي : لا يعيد لأنّها دعاء إلى الصلاة فلم يقطعها الكلام كالأذان (٧) ، والفرق ما تقدم.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٩٦.

(٢) المجموع ٣ : ١١٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٥ ، الوجيز ١ : ٣٦.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٩٦.

(٤) المجموع ٣ : ٩٩ و ١١٥ ، فتح العزيز ٣ : ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢١٣ ، حلية العلماء ٢ : ٣٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩١ ، الإستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٢.

(٧) الام ١ : ٨٥.

٥٢

ز ـ الكلام وإن كره في الأذان فإنه في الإقامة آكد‌ ، وقال الشيخان ، والمرتضى : إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة حرم الكلام على الحاضرين إلاّ بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام ، أو تسوية صف (١) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلاّ أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام » (٢) وهو محمول على شدة الكراهة ، وفي الطريق ضعف.

مسألة ١٦٣ : يستحب ترك الإعراب في أواخر فصول الأذان والإقامة‌ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد (٣) ـ وحكاه ابن الأنباري عن أهل اللغة (٤) ، لأن إبراهيم النخعي قال : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما : الأذان والإقامة (٥). وهذا إشارة إلى جماعتهم.

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٦) ونحوه عن الصادق عليه‌السلام (٧).

وقال الباقون : يستحب الإعراب فيهما.

مسألة ١٦٤ : يستحب أن يترسل في أذانه‌ بأن يتمهل فيه مأخوذ من قولهم جاء فلان على رسله أي على هنيئة من غير عجل ولا متعب نفسه ، وأن يحدر الإقامة ويدرجها إدراجا مبينا لألفاظها مع الإدراج ـ ولا نعلم فيه خلافا ـ لقول‌

__________________

(١) المقنعة : ١٥ ، النهاية : ٦٦ ـ ٦٧ ، المبسوط للطوسي ١ : ٩٩ ، ونقل المحقق قول المرتضى في المعتبر : ١٦٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٢ ـ ١١١٧.

(٣) المغني ١ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٤ ، الإنصاف ١ : ٤١٤ ، كشاف القناع ١ : ٢٣٨.

(٤) عمدة القارئ ٥ : ١٠٨ ، المغني ١ : ٤٥٣ ، الإنصاف ١ : ٤١٤.

(٥) المغني ١ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٣٤ ، الإنصاف ١ : ٤١٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٤.

٥٣

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبلال : ( إذا أذّنت فرتّل ، وإذا أقمت فاحدر ) (١) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٣).

ولأن القصد من الأذان إعلام الغائبين ، والتثبت فيه أبلغ للإعلام ، والإقامة لإعلام الحاضرين ، وافتتاح الصلاة فلا فائدة للتطويل فيها ، ولو أخلّ بهذه الهيئة أجزأه لأنّها مستحبة فيه ولا يخلّ تركها به.

مسألة ١٦٥ : يستحب رفع الصوت بالأذان‌ ، وعليه إجماع العلماء ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يغفر للمؤذن مدى صوته ، ويشهد له كل رطب ويابس ) (٤).

وقال أبو سعيد الخدري لرجل : إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت بالصلاة فارفع صوتك فإنه لا يسمع صوتك جن ولا إنس إلاّ شهد لك يوم القيامة ، سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إذا أذّنت فلا تخفين صوتك فإن الله يأجرك مدّ صوتك فيه » (٦) ، ولأن القصد به الإعلام وهو يكثر برفع الصوت فيكون النفع به أتم.

__________________

(١) فاحدر : أي أسرع. لسان العرب ٤ : ١٧٢ مادة حدر.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٣٧٣ ـ ١٩٥ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٣.

(٤) المقنعة : ١٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٢ ـ ٥١٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ ـ ٧٢٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥٨ ، سنن النسائي ٢ : ١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٩ ـ ٧٢٣ ، الموطأ ١ : ٦٩ ـ ٥ ، مسند أحمد ٣ : ٤٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٥.

٥٤

وقد روي أن رفع الصوت بالأذان في المنزل يزيل العلل والأسقام ويكثر النسل ، فإن هشام بن إبراهيم شكا الى الرضا عليه‌السلام سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال : ففعلت ، فأذهب الله عني سقمي ، وكثر ولدي.

قال محمد بن راشد : وكنت دائم العلّة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي فلما سمعت كلام هشام عملت به فأذهب الله عني وعن عيالي العلل (١).

ولا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلاّ يضر بنفسه وينقطع صوته ، فإن أذّن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ، ولا يجهر ببعض ، ويخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإعلام ، وإن أذّن لنفسه أو لجماعة حاضرين جاز أن يخافت ويجهر ، ويخافت ببعض ويجهر ببعض.

مسألة ١٦٦ : يستحب الفصل بين الأذان والإقامة‌ بجلسة ، أو سجدة ، أو سكتة ، أو خطوة ، أو صلاة ركعتين في الظهرين إلاّ المغرب فإنه لا يفصل بينهما إلاّ بخطوة ، أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبلال : ( اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ) (٣).

ومن طريق الخاصة ما رواه سليمان بن جعفر قال : سمعته يقول : « افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٣ ، الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٧.

(٢) المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤ ، الإنصاف ١ : ٤٢١.

(٣) سنن الترمذي ١ : ٣٧٣ ـ ١٩٥ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٠٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٧.

٥٥

وقال الصادق عليه‌السلام : « بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب فإن بينهما نفسا » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام أو الكاظم عليه‌السلام : « يؤذن للظهر على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر (٢).

وروي عن الصادق عليه‌السلام « من جلس بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله » (٣) ولأنّ الأذان للإعلام فيسن الانتظار ليدرك الناس الصلاة.

إذا عرفت هذا فقد قال أحمد باستحباب الفصل في المغرب بجلسة خفيفة (٤). وحكي عن أبي حنيفة ، والشافعي أنه لا يسن في المغرب (٥).

وسئل الصادق عليه‌السلام ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة ، قال : « يقول : الحمد لله » (٦).

وقد روي أنه يقول إذا جلس بعد الأذان : « اللهم اجعل قلبي بارا ، ورزقي دارا ، واجعل لي عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرا » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٥٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٥١ ، المحاسن : ٥٠ ـ ٧٠.

(٤) المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤ ، المجموع ٣ : ١٢١.

(٥) المجموع ٣ : ١٢١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥٠ ، عمدة القارئ ٥ : ١٣٨ ، المغني ١ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٤.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٣٠.

٥٦

البحث الثاني : المحلّ‌

مسألة ١٦٧ : لا يسن الأذان لشي‌ء من النوافل‌ ، ولا لشي‌ء من الفرائض ـ عدا الخمس اليومية ـ كالعيدين ، والكسوف ، والأموات ، بل يقول المؤذن في الكسوف والعيدين : الصلاة ثلاثا ، وكذا في الاستسقاء ، وفي الجنازة إشكال ينشأ من العموم ، ومن انتفاء الحاجة لحضور المشيعين ـ وللشافعي وجهان (١) ـ وعليه إجماع علماء الأمصار ، وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الصلوات من غير أذان (٢).

ويستحب في الفرائض الخمس اليومية ، ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه بالقراءة ، وآكده الغداة ، والمغرب ؛ لأنّ في الجهر دلالة على طلب الإعلام فيها ؛ والتنبيه بالأذان زيادة في المطلوب شرعا ، وشدّة تأكيده في الصبح والمغرب لعدم التقصير فيهما فلا يقصر مندوباتهما ، وليكون افتتاح النهار والليل بذكر الله تعالى.

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا تدع الأذان في الصلوات كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنه ليس فيهما تقصير » (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام : « إنّ أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة ، ويفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » (٤).

مسألة ١٦٨ : يستحب الأذان والإقامة للفوائت من الخمس‌ كما يستحب‌

__________________

(١) الام ١ : ٨٣ ، المجموع ٣ : ٧٧ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٨.

(٢) انظر على سبيل المثال : صحيح مسلم ٢ : ٦٠٤ ـ ٨٨٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٥.

٥٧

للحاضرة عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته ) (٢) ولأنّ ما يسنّ للصلاة في أدائها يسنّ في قضائها كسائر الأذكار.

وقال الشافعي : يقيم لكلّ صلاة ، وفي الأذان له ثلاثة أقوال ، أحدها : لا يستحب الأذان ـ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وإسحاق (٣) ـ لرواية أبي سعيد الخدري قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهويّ (٤) من الليل فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاّها ثم أقام العصر فصلاّها (٥) ، ولأنّ الأذان وضع للإعلام بدخول الوقت وهو منتف هنا.

ويحمل على العذر بالسفر ، والخوف ، وضيق وقت المغرب حينئذ ، مع أنه روي أنه أمر بلالا فأذّن ثم أقام فصلّى الظهر ثم أقام فصلّى العصر (٦) ، ونفي المظنة لا يوجب نفي السبب كالمشقة ، وينتقض بالإقامة ، ونمنع العلية.

الثاني : يؤذن للأولى خاصة ـ وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر (٧) ـ لأن عمران بن حصين قال : سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٣٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٤٢ ، شرح فتح القدير ١ : ٢١٩ ، اللباب ١ : ٦٠ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧ ، المغني ١ : ٤٦٣.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٣ و ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٣) المجموع ٣ : ٨٤ و ٨٥ ، الوجيز ١ : ٣٦ ، فتح العزيز ٣ : ١٤٩ ، المدونة الكبرى ١ : ٦١ ـ ٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٩١ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٦.

(٤) الهوي : الساعة الممتدة من الليل. لسان العرب ١٥ : ٣٧٢ مادة هوا.

(٥) سنن النسائي ٢ : ١٧ ، مسند احمد ٣ : ٤٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٠٢.

(٦) سنن البيهقي ١ : ٤٠٣.

(٧) المجموع ٣ : ٨٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، السراج الوهاج : ٣٧ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٦.

٥٨

وآله في غزاة أو سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما أيقظنا إلاّ حرّ الشمس فأمرنا فارتحلنا ثم سرنا حتى ارتفعت الشمس ونزلنا فقضى القوم حوائجهم ، وأمر بلالا فأذّن فصلّينا ركعتين ، ثم أمره فأقام فصلّى الغداة (١). ولا حجة فيه.

الثالث : إن كان يرجو اجتماع الناس أذّن (٢) لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يؤذن بعرفات للعصر ، ولا بمزدلفة للعشاء (٣) لاجتماع الناس. ولا حجة فيه لسقوطه هناك للاشتغال بالعبادة.

فروع :

أ ـ الأذان وإن استحب‌ لكنّه في الأداء أفضل إجماعا.

ب ـ يجزيه مع التعدد الأذان لأول ورده ، ثم الإقامة للبواقي‌ ، وإن اقتصر على الإقامة في الجميع أجزأه.

ج ـ إذا جمع بين صلاتين أذّن للأولى منهما وأقام ، ويقيم للثانية‌ خاصة سواء كان في وقت الأولى أو الثانية وفي أي موضع كان ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام روى عن أبيه عن جابر : « أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين » (٤).

وقال أبو حنيفة : لا يقيم ولا يؤذّن للعشاء بمزدلفة (٥) لأنّ ابن عمر صلّى‌

__________________

(١) مسند احمد ٤ : ٤٤١ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٨٥ ـ ١١.

(٢) المجموع ٣ : ٨٤ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦٢ ، المغني ١ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ١ : ٤٤٧.

(٣) سنن النسائي ٢ : ١٥ و ١٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٥ ـ ٣٠٢١.

(٤) سنن النسائي ٢ : ١٦.

(٥) المبسوط للسرخسي ٤ : ١٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٤٥ ، عمدة القارئ ١٠ : ١٢ فتح العزيز ٣ : ١٥٦ ، الموطأ برواية الشيباني : ١٦٥ ذيل الحديث ٤٩٠.

٥٩

المغرب ثلاثا ، والعشاء ركعتين بمزدلفة بإقامة واحدة ، وقال : صليتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك (١). وعمله ليس حجة.

ونقل ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه جمع بينهما بمزدلفة كل واحدة بإقامة (٢).

وقال الشافعي : إن جمع في وقت الاولى فكقولنا ، وإن جمع في وقت الثانية فالأقاويل الثلاثة السابقة له (٣).

د ـ يسقط الأذان الثاني يوم الجمعة‌ ؛ لأنّ الجمعة يجمع صلاتاها ويسقط ما بينهما من النوافل ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين ، وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين » (٤).

وكذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة ، والعشاءين بمزدلفة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلّي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان » (٥) ، ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت فإذا صلّى في وقت الأولى أذّن لوقتها ثم أقام للأخرى لأنه لم يدخل وقت يحتاج إلى الإعلام به ، وإن جمع في وقت الثانية أذّن لوقت الثانية وصلّى الاولى لترتب الثانية عليها ، ثم لا يعاد الأذان للثانية.

مسألة ١٦٩ : ويستحب الأذان لصلاة المنفرد كالجامع‌ وإن تأكد فيه ، سواء كان مسافرا أو حاضرا ، وبه قال الشافعي في المسافر ، وله في الحاضر‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٢ ـ ١٩٢٩ و ١٩٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٦.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٢٠١.

(٣) الام ١ : ٨٦ ، المجموع ٣ : ٨٦ ، فتح العزيز ٣ : ١٥٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٨ ـ ٦٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢٢.

٦٠