تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

وقال الباقر عليه‌السلام في القنوت : « إن شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت » (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : « فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (٢) محمول على نفي الفضيلة ، أو لأنه مشروع فتركه رغبة عنه يعطي كون التارك مستخفا بالعبادات وهذا لا صلاة له حينئذ.

ولو تركه ناسيا لم يعد إجماعا لقول الصادق عليه‌السلام : « إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته ، وليس عليه شي‌ء ، وليس له أن يدعه متعمدا » (٣).

مسألة ٣١٢ : ويستحب فيه الجهر‌ لقول الباقر عليه‌السلام : « القنوت كلّه جهار » (٤).

قال المرتضى : إنه تابع للقراءة يجهر فيما يجهر فيه ، ويخافت فيما يخافت لأنه ذكر فيتبع القراءة (٥).

وقال الشافعي : يخافت به مطلقا لأنه مسنون فأشبه التشهّد الأول (٦). والأصل ممنوع.

مسألة ٣١٣ : لو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده‌ لقول الصادق عليه‌السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع قال : « يقنت بعد الركوع ، فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه » (٧).

ولو لم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لفوات محله ـ وهو الثانية ـ ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا سها الرجل في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩١ ـ ٣٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٠ ـ ١٢٨١.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٠ ـ ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣٩ ـ ١٢٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٥ ـ ١٢٨٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٩ ـ ٩٤٤.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٢.

(٦) المجموع ٣ : ٥٠١ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤١ و ٤٤٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٤ ـ ١٢٩٦.

٢٦١

القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس » (١).

مسألة ٣١٤ : إذا قنت الإمام تبعه المأموم فيه‌ ، وللشافعية قولان : أحدهما : ذلك ، والثاني : التأمين لدعاء الإمام (٢) وقال بعضهم : إن كان ثناء على الله تعالى تابعه ، وإن كان دعاء أمّن عليه (٣) وقولنا أولى.

وقد بيّنا استحباب رفع اليدين بالقنوت ، وبه قال الشافعي (٤) لأن أنسا قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما صلّى الغداة رفع يديه يدعو على الذين قتلوا القراءة ببئر معونة (٥) (٦).

فإذا فرغ من القنوت استحب الشافعي مسح وجهه بيديه (٧) لأن ابن عباس روى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا دعوت الله فادع الله ببطون كفيك ، ولا تدع بظهورهما ، فإذا فرغت فامسح راحتيك على وجهك » (٨) ولا يستحب مسح غير الوجه ، ومنع القفال من رفع اليدين في القنوت قياسا على الدعاء في التشهد (٩).

وكره الشافعي تخصيص الإمام نفسه بالدعاء (١٠) لقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٠ ـ ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٢٩٨.

(٢) المجموع ٣ : ٥٠١ ، الوجيز ١ : ٤٤ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٣ و ٤٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٤ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٤) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٥ ، السراج الوهاج : ٤٦ ، رحمة الأمة ١ : ٥١.

(٥) بئر معونة : قال ابن إسحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم .. معجم البلدان ١ : ٣٠٢.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ٢١١.

(٧) المجموع ٣ : ٥٠٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٧.

(٨) سنن ابن ماجة ١ : ٣٧٣ ـ ١١٨١.

(٩) المجموع ٣ : ٤٩٩ ، فتح العزيز ٣ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ، حلية العلماء ٢ : ١١٢.

(١٠) كفاية الأخيار ١ : ٧١ ، وانظر أيضا المجموع ٣ : ٤٩٦ ، فتح العزيز ٣ : ٤٣٠.

٢٦٢

( إذا خصّ الإمام نفسه بالدعاء فقد خان ) (١).

وروى واحد من الصحابة صورتين : إحداهما : ( اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونستنصرك ، ونؤمن بك ، ونتوكل عليك ، ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ، ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ).

والثانية : ( اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إن عذابك بالكفار ملحق ) (٢) ، فقال عثمان : اجعلوهما في القنوت ، ولم يثبتهما في المصحف لانفراد الواحد ، وكان عمر يقنت بذلك (٣) ، ولم ينقل ذلك من طريق أهل البيت عليهم‌السلام ، فلو قنت بذلك جاز لاشتماله على الدعاء.

الرابع : التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإحرام‌ منها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست متقدمة ، وثلاث بعد التسليم ، ومنها ما هو في الصلاة ، وقد اتفق علماؤنا على ثبوت أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في كلّ الصلوات الخمس تكبيرة الركوع ، والسجودين ، والرفع منهما.

واختلف الشيخان في إثبات تكبيرة أخرى ، والأصل فيه أن شيخنا المفيد يقوم إلى الثالثة بالتكبير ، ويسقط تكبير القنوت (٤) ، والشيخ الطوسي يقوم إلى الثالثة كما يقوم إلى الثانية بحول الله وقوته أقوم وأقعد (٥) ، وتكبير القنوت يسقط باعتبار قول المفيد وتكبير القيام إلى الثالثة في الصبح (٦).

__________________

(١) سن ابن ماجة ١ : ٢٩٨ ـ ٩٢٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢ ـ ٩٠ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٩ ـ ٣٥٧ وفيها نحوه.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ٩٠ ـ ٩١ باختلاف في اللفظ.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣١٤ ـ ٣١٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢١٠ و ٢١١.

(٤) حكى قول المفيد المحقق في المعتبر : ١٨٩ و ١٩٣.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١١١.

(٦) أي سقوط التكبير إلى الثالثة في الصبح لأجل أنها سالبة بانتفاء الموضوع.

٢٦٣

وقول الشيخ أجود لقول الصادق عليه‌السلام : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة منها القنوت خمس (١).

وعن عبد الله بن المغيرة : وفسّرهن في الظهر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي المغرب ستة عشر تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة إحدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات (٢).

وقال علي عليه‌السلام : « خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبيرة القنوت » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إذا جلست في الركعتين الأوليين فتشهدت ثم قمت ، فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد » (٤).

وقال عليه‌السلام : « إذا قمت من الركعتين فاعتمد على كفّيك ، وقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإن عليّا عليه‌السلام كان يفعل ذلك » (٥).

الخامس : التعقيب : وقد أجمع العلماء على استحبابه عقيب الصلوات لقول أبي هريرة : جاء الفقراء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى ، والنعيم المقيم ، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجّون بها ، ويعتمرون ، ويتصدّقون ، فقال : ( ألا أحدّثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، إلاّ من عمل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٠ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢٣ ، الإستبصار ١ : ٣٣٦ ـ ١٢٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٠ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٣٦ ـ ١٢٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٣٦ ـ ١٢٦٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٨ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ـ ٣٢٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣٧ ـ ١٢٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٨ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٨٩ ـ ٣٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٨ ـ ١٢٦٩.

٢٦٤

مثله ، تسبحون ، وتحمدون ، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين (١).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » قال الراوي : يعني بالتعقيب : الدعاء عقيب الصلوات (٢) وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقر عليه‌السلام : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا » (٣).

مسألة ٣١٥ : ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وأفضله تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة ، وأربع وثلاثون تكبيرة » (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « ما عبد الله بشي‌ء أفضل من تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » (٥) وكان يقول : « تسبيح فاطمة عليها‌السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم » (٦).

وإنما نسب التسبيح إليها عليها‌السلام لأنها عليها‌السلام السبب في تشريعه ، روى الصدوق أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لرجل من بني سعد : « إلا أحدثكم عني ، وعن فاطمة أنها كانت عندي فاستقت بالقربة‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤١٦ ـ ٥٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٤ ـ ٣٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٢ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٣ ـ ٣٨٩.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤١٨ ـ ٥٩٦ ، سنن النسائي ٣ : ٧٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٤٧٩ ـ ٣٤١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٣ ـ ١٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٣ ـ ١٥ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٩.

٢٦٥

حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحا حتى مجلت (١) يداها ، وكسحت (٢) البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل؟ فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدت عنده حدّاثا فاستحيت وانصرفت ، فعلم عليه‌السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لفاعتنا (٣) ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فإن اذن له وإلا انصرف ، فقلت : وعليك السلام يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رءوسنا ، فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم نجبة أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله أخبرك يا رسول الله إنّها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وجرّت بالرحا حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، قال : أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثا وثلاثين ، وأحمدا ثلاثا وثلاثين ، فأخرجت فاطمة عليها‌السلام رأسها فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله » (٤).

مسألة ٣١٦ : المشهور : أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ، قال محمد بن عذافر : دخلت على الصادق عليه‌السلام فسألته عن تسبيح فاطمة‌

__________________

(١) مجلت يداها : أي ثخن جلدها وتعجز وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. مجمع البحرين ٥ : ٤٧٢ « مجل ».

(٢) كسحت : كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته ، مجمع البحرين ٢ : ٤٠٦ « كسح ».

(٣) وفي المصدر : لحافنا وهما بمعنى.

(٤) الفقيه ١ : ٢١١ ـ ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨.

٢٦٦

عليها‌السلام ، فقال : « الله أكبر أربعا وثلاثين مرّة ، ثم قال : الحمد لله حتى بلغ سبعا وستين ، ثم قال : سبحان الله حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة » (١). وعن الصادق عليه‌السلام قال : « من سبّح تسبيح الزهراء عليها‌السلام قبل أن يثنّي رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير » (٢). وفي رواية : تقديم التسبيح على التحميد (٣).

ويستحب قول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، قال الصادق عليه‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه : أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ، ثم وضعتم بعضها على بعض ترونه يبلغ السماء؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فقال : يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ثلاثين مرة ، وهنّ يدفعن الهدم ، والغرق ، والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية التي نزلت على العبد في ذلك اليوم » (٤).

مسألة ٣١٧ : قال الصادق عليه‌السلام : « أدنى ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة‌ أن تقول : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، اللهم إنّا نسألك من كل خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك ، اللهم إنا نسألك عافيتك في أمورنا كلّها ، ونعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة » (٥).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٢ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٤٠٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٢ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٠ ـ ٩٤٦ ، التهذيب ٢ : ١٠٥ ـ ٣٩٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢١١ ـ ٩٤٧ ، علل الشرائع : ٣٦٦ باب ٨٨ حديث ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠٧ ـ ٤٠٦ ، معاني الأخبار : ٣٢٤ ـ ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٢ ـ ٩٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ ـ ٤٠٧.

٢٦٧

بمظلمة ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى (١) اثنتي عشرة مرة ، ثم يبسط يده فيقول : اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم ، وسلطانك القديم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكّاك الرقاب من النار أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وتخرجني من الدنيا آمنا ، وتدخلني الجنّة سالما ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا ، وآخره صلاحا إنك أنت علاّم الغيوب » ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هذا من المخبيات مما علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمرني أن أعلّمه الحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام » (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : « تقول في دبر كل صلاة : اللهم اهدني من عندك ، وأفض عليّ من فضلك ، وانشر عليّ من رحمتك ، وانزل عليّ من بركاتك » (٣).

وقال الجواد عليه‌السلام : « إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن كتابا ، وبمحمد نبيّا ، وبعلي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن بن علي أئمة ، اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد في عمره ، واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك ، وأره ما يحب ، وتقر به عينه في نفسه ، وفي ذريته ، وأهله ، وماله ، وفي شيعته ، وفي عدوّه ، وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحب وتقرّ به‌

__________________

(١) المقصود من نسبة الرب ، سورة التوحيد. أنظر الكافي ١ : ٧١ ـ ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٢ ـ ٩٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٨ ـ ٤١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ ـ ٩٥١ ، التهذيب ٢ : ١٠٧ ـ ٤٠٤.

٢٦٨

عينه ، واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين » (١).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال الله جلّ جلاله : يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة ، وبعد العصر ساعة أكفيك ما أهمك ) (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام : « ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل إلا استحى الله أن يردها صفرا ، حتى يجعل فيها من فضله ، ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه » ، وفي خبر آخر : « على وجهه وصدره » (٣) والأدعية في ذلك كثيرة فلتطلب من مظانها (٤).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٨ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢١٥ ـ ٩٥٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٦ ـ ٩٦٤ ، التهذيب ٢ : ١٣٨ ـ ٥٣٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٣ ـ ٩٥٣.

(٤) أنظر مصباح المتهجد : ١٧٧ وما بعدها ، جمال الأسبوع : ٤٠١ و ٤١٩ وغيرها ، الأذكار للنووي : ٨٠.

٢٦٩
٢٧٠

الفصل الثالث : في التروك‌

وفيه بحثان :

الأول : في التروك الواجبة‌

مسألة ٣١٨ : يجب ترك الحدث فإن فعله عمدا أو سهوا في الصلاة بطلت‌ إجماعا لأنه مخل بالطهارة ، وهي شرط وفساد الشرط يقتضي فساد المشروط ، فإن وجد بعد الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل التسليم فمن جعل التسليم واجبا أبطل الصلاة ، وبه قال الشافعي (١) ومن جعله ندبا لم تبطل صلاته ، وبه قال أبو حنيفة (٢) ، وقد تقدم.

أما لو سبقه الحدث فللشيخ ، والمرتضى قول : باستئناف الوضوء ، والبناء (٣) وبه قال الشافعي في القديم ، وأبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وداود (٤) لقوله عليه‌السلام : ( من قاء أو رعف ، أو أمذى فلينصرف وليتوضأ‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ٤٥ ، فتح العزيز ٣ : ٥٢٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٦٢ ذيل الحديث ٤٠٨.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ـ ٦٠ ، الكفاية ١ : ٣٣٤ ، المجموع ٣ : ٤٨١ ، اللباب ١ : ٨٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١١٧ ، الخلاف ١ : ٤٠٩ مسألة ١٥٧ وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ و ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٧.

٢٧١

وليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم ) (١).

ومن طريق الخاصة ما رواه فضيل بن يسار ، قال : قلت للباقر عليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال : « انصرف ثم توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا ، وإن تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا » قلت : وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » (٢).

قال المرتضى : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف (٣) ، وقد بيّنا أن الرعاف ، والقي‌ء ، والمذي ، ليست ناقضة للطهارة. فيحمل الوضوء على غسل ما أصابه للتحسين ، لأنه الحقيقة الأصلية ، وكذا الأز ، والغمز ، والأذى ليست ناقضة.

وقال أكثر علمائنا : ببطلان الصلاة (٤) وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، وابن شبرمة (٥). وقال الثوري : إن كان حدثه من رعاف أو قي‌ء توضأ وبنى ، وإن كان من بول ، أو ريح ، أو ضحك أعاد الوضوء والصلاة (٦) لقوله عليه‌السلام : ( إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف ، وليتوضأ ، وليعد صلاته ) (٧) ، وهو إلزامي ، وقوله عليه‌السلام : ( إذا فسا‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ ـ ١٢٢١ ، سنن البيهقي ١ : ١٤٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٠١ ـ ١٥٣٣.

(٣) حكاه المحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٤٩ ، والمحقق في المعتبر : ١٩٤.

(٥) المجموع ٤ : ٧٦ ، الوجيز ١ : ٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، بلغة السالك ١ : ١٠٢ ، المنتقى للباجي ١ : ٨٣ ، المحلى ٤ : ١٥٦.

(٦) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٤.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥.

٢٧٢

أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة ) (١).

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادق عليهما‌السلام : « لا يقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت » (٢).

ولأن الطهارة شرط وقد بطلت فيبطل المشروط ، ولأنه حدث يمنع المضي في الصلاة فمنع من البناء عليها كما لو رمي بحجر فشج ، فإن أبا حنيفة سلم ذلك (٣) وكذا إذا رماه به الطائر لسقوطه عليه.

إذا ثبت هذا فإن قلنا : بالبطلان فلا بحث ، وإن لم نقل به ، فلو انصرف من الصلاة وأخرج باقي الحدث وتوضأ لم يكن له البناء لأنه حدث اختياري فأبطل الصلاة كما أبطل الطهارة.

وقالت الشافعية بناء على القديم : إن له البناء ، واختلفوا في التعليل ، فمنهم من قال : إنما لم تبطل لأن الحدث لا يؤثر بعد نقض الطهارة فيها ، ومنهم من قال : إنه محتاج إلى إخراج بقيته وهو حدث واحد فكان حكم باقية حكم أوله (٤) ويلزم الأول أنه إذا أحدث حدثا آخر لا تبطل صلاته.

قال الشيخ تفريعا على البناء : لو سبقه الحدث فأحدث ناسيا استأنف ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) ـ للتمسك بإطلاق الأحاديث (٦) ، وقال الشافعي في القديم : يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم يكن له حكم (٧).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ـ ١٠٠٥ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٥٥ وانظر فتح العزيز ٤ : ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٠ ـ ٤٠١ ـ ١٥٣٠.

(٣) بدائع الصنائع ١ : ٢٢١.

(٤) المجموع ٤ : ٧٥ ، فتح العزيز ٤ : ٨ و ٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٢٢.

(٦) الخلاف ١ : ٤١٢ مسألة ١٥٨.

(٧) المجموع ٤ : ٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٤ : ٨.

٢٧٣

مسألة ٣١٩ : يجب ترك الكلام بحرفين فصاعدا‌ مما ليس بقرآن ، ولا دعاء ، فلو تكلم عامدا بحرفين ، وإن لم يكن مفهما بطلت صلاته سواء كان لمصلحة الصلاة ، أو لا عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو محكي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، وابن أبي ليلى (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إنما صلاتنا هذه تكبير ، وتسبيح ، وقرآن ، ليس فيها شي‌ء من كلام الناس ) (٢) وهو خبر يراد به النهي فيكون منافيا للصلاة.

وقال مالك ، والأوزاعي : إن كان لمصلحة الصلاة لم يبطلها كتنبيه الإمام ، ودفع المار بين يديه (٣) لأن ذا اليدين تكلم عامدا ، ولم يأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإعادة (٤).

وقال الأوزاعي أيضا : إن تكلم لمصلحة لا تتعلق بالصلاة كأن يقول للأعمى : البئر أمامك ، أو يرى من يحترق ماله فيعرفه ذلك لم تبطل صلاته (٥). وهو غلط ، لأنه خطاب أوقعه على وجه العمد فأبطل الصلاة كما لو لم يكن لمصلحة.

وخبر ذي اليدين عندنا باطل ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز عليه‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٨٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٣ و ١١٤ ، المغني ١ : ٧٤١.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٨١ و ٣٨٢ ـ ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٨٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٤٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٣ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٥.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ و ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ ـ ٥٧٣ ، الموطأ ١ : ٩٣ ـ ٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٩٩.

(٥) الميزان ١ : ١٥٨ ، رحمة الأمة ١ : ٥٥ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩.

٢٧٤

السهو ، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه (١) ، لأن رواية أبو هريرة وكان إسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين (٢).

قال المحتجون به : إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله بن عمرو بن نضلة (٣) الخزاعي ، وذو اليدين عاش بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومات في أيام معاوية وقبره بذي خشب (٤) واسمه الخرباق (٥) لأن عمران بن الحصين روى هذا الحديث فقال فيه : فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة؟ (٦).

وأجيب بأن الأوزاعي قال : فقام ذو الشمالين ، فقال : أقصرت الصلاة؟

وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة (٧) وروي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( كل ذلك لم يكن ) (٨)

__________________

(١) انظر : إرشاد الساري ٢ : ٣٦٥ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٦٤.

(٢) الطبقات الكبرى ٤ : ٣٢٧ ، تهذيب التهذيب ١٢ : ٢٩٠ ، ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤٥ ، الإصابة ١ : ٤٢٢.

(٣) وفي نسخة ( ش ) : فضلة.

(٤) ذو خشب : محركة موضع باليمن. وخشب. كجنب واد باليمامة وواد بالمدينة. القاموس المحيط ١ : ٦٢ ، معجم البلدان ٢ : ٣٧٢.

(٥) قيل : ان ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو من بني سليم ، وإن ذا الشمالين اسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي ، وقيل : إنّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد وقيل : غير ذلك ، وسمي بذي اليدين لأنه كان يعمل بيديه جميعا وقيل : لأنه كان في يديه طول. تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٥ ، الإصابة ١ : ٤٢٢ و ٣ : ٣٣ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤١.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٤ ـ ١٢١٥. سنن النسائي ٣ : ٢٦ ، سنن أبي داود : ١ : ٢٦٧ ـ ١٠١٨.

(٧) حكاه الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٥ ، المسألة ١٥٤.

(٨) صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ ـ ٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٤ ـ ٥٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٣٥.

٢٧٥

وروي أنه قال : ( إنما أسهو لأبين لكم ) (١) وروي أنه قال : ( لم أنس ولم تقصر الصلاة ) (٢) وروي من طريق الخاصة أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين عن الصادق عليه‌السلام. (٣)

فروع :

أ ـ الكلام الواجب يبطل الصلاة أيضا‌ كإجابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تقدم ، وقال الشافعي : لا تبطل الصلاة (٤) لأن أبا هريرة قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أبيّ بن كعب وهو يصلّي في المسجد ، فقال : ( السلام عليك يا أبيّ ) فالتفت إليه أبي فلم يجبه ، ثم إن أبيّا خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : السلام عليك يا نبي الله ، فقال : ( وعليك السلام ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ ) فقال : يا رسول الله كنت أصلي ؛ قال : ( أفلم تجد فيما أوحي إليّ أن ( اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ )؟! ) (٥) قال : بلى يا رسول الله لا أعود (٦). ولا حجة فيه لأن رد السلام عندنا واجب في الصلاة وغيرها.

ب ـ للشافعية في تنبيه الأعمى على بئر يخاف من التردي فيها ، والصبي على نار يقع فيها قولان : أحدهما : البطلان‌ ـ كما قلناه نحن ـ لجواز أن لا يقع ، بخلاف إجابة النبي عليه‌السلام ، والثاني : عدمه لأنه واجب كإجابة‌

__________________

(١) أورده الشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٦ المسألة ١٥٤ ، وانظر الموطأ ١ : ١٠٠ ـ ٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٥ ـ ١٠٠٨ ، الموطأ ١ : ٩٤ ـ ٦٠ ، سنن النسائي ٣ : ٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٣ ـ ١٢١٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٦٦ ـ ١.

(٣) انظر الكافي ٣ : ٣٥٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ـ ١٤٣٣.

(٤) المجموع ٤ : ٨١ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٥) الأنفال : ٢٤.

(٦) سنن الترمذي ٥ : ١٥٥ ـ ٢٨٧٥.

٢٧٦

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، والأصل ممنوع.

وأما ردّ الوديعة ، وتفرقة الزكاة فإنهما وإن وجبا لكنهما مبطلان إن كان عملا كثيرا لأنه لا يتعين في الصلاة لإمكان حصوله قبلها وبعدها بخلاف إجابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنقاذ الأعمى.

ج ـ الجاهل وهو الذي يقصد الكلام ويعتقد أنه جائز في الصلاة كالعالم‌ عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين ) (٣) ولأن علمه مبطل فكذا جهله كالحدث.

وقال الشافعي : لا تبطل به الصلاة ؛ وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (٤) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما انصرف من اثنتين قال ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال : ( أصدق ذو اليدين؟ ) فقال الناس : نعم ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى اثنتين أخريين ، ثم سلّم ، ثم كبّر ، ثم سجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع (٥).

وقد بيّنا بطلان الحديث ، ولأنه عليه‌السلام يمتنع عليه جهل تحريم الكلام في الصلاة.

__________________

(١) المجموع ٤ : ٨١ و ٨٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٤ ، المغني ١ : ٧٣٩ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ ، اللباب ١ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٣٣ و ٢٣٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦١ ، شرح العناية ١ : ٣٤٤ ، حاشية الحلبي ١ : ٣٤٤.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ـ ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٧ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٣٢ ، مسند أحمد ٥ : ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٤) المجموع ٤ : ٨٠ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٢.

(٥) صحيح البخاري ٩ : ١٠٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ ـ ٥٧٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٤٧ ـ ٣٩٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢ ، الموطأ ١ : ٩٣ ـ ٥٨.

٢٧٧

ولا فرق بين أن يكون قريب العهد بالإسلام أو لا ـ خلافا للشافعي في قول له (١) ـ ولو علم تحريم الكلام ولم يعلم أنّه مبطل لم يعذر ، وبه قال الشافعي (٢) ، لأنّه لما عرف التحريم كان حقه الامتناع منه.

د ـ لو تكلّم ناسيا لم تبطل صلاته‌ ، ويسجد للسهو عند علمائنا ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (٣) ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتم ما بقي من صلاته » (٥) وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسيا يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين » (٦).

وقال أبو حنيفة : تبطل إلا أن يسلم من اثنتين ساهيا (٧) لأن عمده يبطل الصلاة فكذا سهوه كالحدث. والفرق أن الحدث يبطل الطهارة أو يوجبها.

هـ ـ لا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر‌ لأنه خطاب الآدمي على وجه السهو ، وللشافعي قول بالفرق فأبطلها مع الكثرة كالفعل (٨).

__________________

(١) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ١١١ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦.

(٣) المجموع ٤ : ٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٥ ، بلغة السالك ١ : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٩ ، أحكام القران لابن العربي ١ : ٢٢٧.

(٤) الجامع الصغير ٢ : ١٦ ـ ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ـ ١٠٣٠٧ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٦٠.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٦ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ ـ ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ ـ ١٤٣٣.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١٧٠ و ١٧١ ، الكفاية ١ : ٣٤٥ ، الميزان ١ : ١٥٨.

(٨) المجموع ٤ : ٨٠ ، الميزان ١ : ١٥٨ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٥ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧١٥.

٢٧٨

ونمنع الأصل ، ويفرق بأن الفعل آكد ، فإن عتق المجنون لا ينفذ ، وينفذ إحباله.

و ـ لا خلاف في أن الحرف الواحد ليس مبطلا‌ لأنه لا يعد كلاما ، ولعدم انفكاك الصوت منه غالبا ، نعم في الحرف الواحد المفهم ك‍ ( ق ) و ( ش ) و ( ع ) إشكال ينشأ من حصول الإفهام به فأشبه الكلام ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به.

وأما الحرف بعد مدّه ففيه نظر أيضا ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة ولا يعد حرفا ، ومن أنه إما ألف ، أو واو ، أو ياء.

ز ـ لو تكلّم مكرها عليه فالأقوى الإبطال به‌ لأنه مناف للصلاة فاستوى الاختيار فيه وعدمه كالحدث ، ويحتمل عدمه لرفع ما استكرهوا عليه (١) وللشافعي قولان (٢).

ح ـ لا يجوز أن يئنّ بحرفين ، ولا يتأوّه بهما‌ لأنّه يعدّ كلاما.

ط ـ السكوت الطويل إن خرج به عن كونه مصليا أبطل‌ ، وإلاّ فلا.

مسألة ٣٢٠ : يجوز التنبيه على الحاجة‌ إمّا بالتصفيق ، أو بتلاوة القرآن ، كما لو أراد الإذن لقوم فقال ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (٣) أو قال لمن أراد التخطي على البساط بنعله ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) (٤) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيى ( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (٥) أو‌

__________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ١٦ ـ ٤٤٦١ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ـ ١٠٣٠٧.

(٢) المجموع ٤ : ٨٠ ـ ٨١ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ١١٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ و ٧٦.

(٣) الحجر : ٤٦.

(٤) طه : ١٢.

(٥) مريم : ١٢.

٢٧٩

( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) (١) أو أتى بتسبيح ، أو تهليل ، وقصد القرآن ، والتنبيه ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأن عليا عليه‌السلام قال : « كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن كان في الصلاة سبّح وذلك إذنه ، وإن كان في غير الصلاة أذن » (٣).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « نعم » لمّا قال له ناجية أبو حبيب : أضرب الحائط لأوقظ الغلام؟ (٤).

وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته إلا أن ينبه إمامه ، والمارّ بين يديه (٥). لأنه قصد به خطاب الآدمي لا لإصلاح الصلاة ، فأشبه رد السلام.

والأصل ممنوع ، والفرق بأنه خطاب لآدمي بالوضع.

فروع :

أ ـ لو لم يقصد إلاّ التفهيم بطلت صلاته‌ لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآنا ، وفيه إشكال ينشأ من أن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم قصده.

ب ـ لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك‌ ـ وبه قال مالك ـ (٦) لعموم قوله عليه‌السلام : ( من نابه في صلاته شي‌ء فليسبح ) (٧).

__________________

(١) يوسف : ٢٩.

(٢) المجموع ٤ : ٨٣ ، السراج الوهاج : ٥٦ ، الوجيز ١ : ٤٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٩٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ١١٥.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ٢٤٧ ، مسند أحمد ١ : ٧٧.

(٤) الكافي ٢ : ٣٠١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ٢٤٣ ـ ١٠٨٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ ـ ١٣٢٩.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤ : ١١٥ ، الميزان ١ : ١٥٩.

(٦) المدونة الكبرى ١ : ١٠٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٨ ، الميزان ١ : ١٥٩.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ١٣٧ ـ ٤٢١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٨ ـ ٩٤٠ ، الموطأ ١ : ١٦٤ ـ ٦١.

٢٨٠