تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

( السجود ) (١) وامتنع منه لعارض فإذا زال سجد ، والإيماء.

وقال الشافعي ، وأحمد : لا يسجد ؛ لأن سببها لم يوجد في صلاته ، ولا يسجد إذا فرغ (٢) وإن كان التالي في صلاة والمستمع في غير الصلاة سجد.

مسألة ٢٨٩ : لو قرأ السجدة ماشيا سجد‌ فإن لم يتمكن أومى ـ وبه قال أبو العالية ، وأبو زرعة ، وأحمد ، وأصحاب الرأي (٣) ـ وقال عطاء ، ومجاهد : يومئ (٤).

وإن كان راكبا سجد على راحلته إن تمكن ، وإلاّ نزل ، وفعله علي عليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن الزبير ، والنخعي ، وعطاء ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي (٥) ، ولا نعلم فيه خلافا ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض ، حتى أن الراكب يسجد على يده (٦).

قيل : يكره اختصار السجود وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها. وبه قال الشعبي ، والنخعي ، والحسن ، وإسحاق (٧) ، ورخص فيه أبو حنيفة ، ومحمد ، وأبو ثور (٨) ، وقيل : اختصار السجود أن‌

__________________

(١) في نسخة ( م ) : الوجوب.

(٢) المجموع ٤ : ٥٩ ، المغني ١ : ٦٨٩.

(٣) المغني ١ : ٦٨٩ ـ ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠.

(٤) المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠.

(٥) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، المغني ١ : ٦٨٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٦٠ ـ ١٤١١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٢٥.

(٧) المجموع ٤ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٨) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، المجموع ٤ : ٧٣ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

٢٢١

يقرأ القرآن ويحذف آيات السجود (١). والأخير عندي أولى.

مسألة ٢٩٠ : لو فاتت ، قال في المبسوط : يجب قضاء العزائم‌ ، وفي الندب هو بالخيار (٢) ، وقال في الخلاف : تعلّقت ذمته بفرض أو سنة ولا تبرأ إلاّ بقضائه (٣). ويحتمل أن يقال بالأداء لعدم التوقيت.

وقال الشافعي : إذا لم يسجد في موضع السجود لم يسجد بعد ذلك ، لأنها تتعلق بسبب فإذا فات سقطت ، ولأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداء كصلاة الاستسقاء (٤). والكبرى ممنوعة في الأول ، والصغرى في الثاني ؛ لأنها عندهم صلاة ، وتارك الصلاة يجب عليه قضاؤها ، وله قول : بالقضاء (٥).

ولو كرر آية السجدة في مجلس واحد ولم يسجد للمرة الأولى احتمل الاكتفاء بسجدة واحدة ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ ووجوبهما معا. ولو سجد للأولى سجد للثانية أيضا لوجود السبب. وقال أبو حنيفة : تكفيه الاولى (٧). وللشافعي قولان : أظهرهما الأول (٨).

أما لو طال الفصل فإنه يسجد مرة أخرى ، والركعة الواحدة في الصلاة كالمجلس الواحد عند الشافعي ، والركعتان كالمجلسين (٩).

__________________

(١) حكاه ابن قدامة في الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

(٣) الخلاف ١ : ٤٣٣ مسألة ١٨١.

(٤) المجموع ٤ : ٧١ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، السراج الوهاج : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٩.

(٥) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٠.

(٦) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ١٩١ ، السراج الوهاج : ٦٣.

(٧) المبسوط للسرخسي ٢ : ٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٨١ ، اللباب ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٧١ ، الميزان ١ : ١٦٧.

(٨) المجموع ٤ : ٧١ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩١.

(٩) المجموع ٤ : ٧١ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٢.

٢٢٢

الثانية : سجدة الشكر ، وهي مستحبة عقيب الفرائض ، وعند تجدد النعم ، ودفع النقم عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (١) ـ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جاءه شي‌ء يسره خرّ ساجدا (٢).

وقال عبد الرحمن بن عوف : سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأطال فسألناه فقال : ( أتاني جبرئيل فقال : من صلّى عليك مرّة صلّى الله تعالى عليه عشرا فخررت شكرا لله ) (٣).

وسجد علي عليه‌السلام شكرا يوم النهروان لمّا وجدوا ذا الثدية (٤) وسجد أبو بكر لمّا بلغه فتح اليمامة ، وقتل مسيلمة (٥).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد » (٦).

وقال مالك : إنه مكروه (٧). وقال الطحاوي : وأبو حنيفة لا يرى‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ٦٨ و ٧٠ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، الميزان ١ : ١٦٧ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٨٩ ـ ٢٧٧٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٤٦ ـ ١٣٩٤ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤١ ـ ١٥٧٨.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٩١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ باختصار. وانظر أيضا : التلخيص الحبير بهامش المجموع ٤ : ٢٠٤ ، والضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٣ : ٤٦٨ ـ ١٥٢٣.

(٤) مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٨٣ و ٤٨٤ ، مصنّف عبد الرزّاق ٣ : ٣٥٨ ـ ٥٩٦٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧١.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٨٣ ، مصنّف عبد الرزاق ٣ : ٣٥٨ ـ ٥٩٦٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ ـ ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٥.

(٧) بلغة السالك ١ : ١٥١ ، الشرح الصغير ١ : ١٥١ ، المدونة الكبرى ١ : ١٠٨ ، المجموع ٤ : ٧٠ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٣ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

٢٢٣

سجود الشكر شيئا (١) ، وروى محمد عن أبي حنيفة الكراهة (٢) ، ومحمد لا يكرهه (٣).

واحتجوا بأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كانت في أيامه الفتوح واستسقى على المنبر وسقي ولم ينقل أنه سجد (٤). وتركه أحيانا لا ينفي الاستحباب.

فروع :

أ ـ يستحب عقيب الصلوات على ما بينا‌ ـ خلافا للجمهور (٥) ـ لأنها مظنّة التعبد ، وموضع الخضوع ، والشكر على التوفيق لأداء العبادة ، وحديث الصادق عليه‌السلام (٦) يدل عليه.

ب ـ يستحب فيها التعفير عند علمائنا‌ ـ ولم يعتبره الجمهور ـ لأنها وضعت للتذلل والخضوع بين يدي الرب ، والتعفير أبلغ في الخضوع والذل ، وقال إسحاق بن عمار : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : « كان موسى بن عمران عليه‌السلام إذا صلّى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض ، وخده الأيسر بالأرض » قال إسحاق : رأيت من يصنع ذلك ، قال محمد بن سنان : يعني موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، في الحجر في جوف الليل (٧).

__________________

(١) حلية العلماء ٢ : ١٢٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٦٧.

(٢) الميزان ١ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٦.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٢٦.

(٤) المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٥) انظر على سبيل المثال المجموع ٤ : ٦٨ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٠ ـ ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٥.

(٧) روى الصدوق صدر الرواية في الفقيه ١ : ٢١٩ ـ ٩٧٣ ، وأوردها الشيخ في التهذيب ٢ : ١٠٩ ـ ٤١٤ وذيّلها بقوله : قال : وقال إسحاق : رأيت من آبائي من يصنع ذلك. قال محمد بن‌

٢٢٤

ج ـ يستحب الدعاء بما روي ، أو بما يتخيره الإنسان من الأدعية ، ويستحب أن يقول : شكرا شكرا مائة مرّة ، وإن قال : عفوا عفوا جاز.

د ـ روى هارون بن خارجة عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أنعم الله عزّ وجلّ عليك بنعمة فصلّ ركعتين‌ تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد ، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب ، وقل يا أيها الكافرون ، وتقول في الركعة الاولى في ركوعك وسجودك : الحمد لله شكرا شكرا وحمدا ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي ، وأعطاني مسألتي » (١).

هـ ـ الأقرب استحباب السجدة عند تذكر ( النعمة ) (٢) ‌وإن لم تكن متجددة ـ خلافا للجمهور (٣) ـ لأن دوام النعمة نعمة ، وعن إسحاق بن عمار قال : « إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في مل‌ء من الناس فضع يدك على أسفل بطنك ، وأحن ظهرك ، وليكن تواضعا لله ، فان ذلك أحب » (٤).

__________________

سنان : يعني موسى في الحجر في جوف الليل. انتهى وفي الخلاف ١ : ٤٣٧ مسألة ١٨٣ حيث أوردها كما في المتن. وقد وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك : فمن ذاهب الى أن موسى في آخر الحديث هو الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وعليه فاسحاق يكون ولده وقد اتقى في عدم ذكر نسبه ، ومن ذاهب إلى أنه الساباطي ، وعليه فالتحية في غير موردها.

للتوسعة انظر : الوافي للفيض الكاشاني ٢ : ١٢٣ ، وملاذ الأخيار ٣ : ٦٢١ ـ ٦٢٢ ، وتنقيح المقال ١ : ١١٨ وغيرها.

(١) الكافي ٣ : ٤٨١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٨٤ ـ ٤١٨.

(٢) في نسخة ( م ) : النعم.

(٣) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٥ ، المغني ١ : ٦٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٨ ، الانصاف ٢ : ٢٠٠ ، الميزان ١ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١١٢ ـ ٤٢١.

٢٢٥

و ـ يستحب السجود إذا رأى مبتلى ببليّة أو فاسقا‌ شكرا لله وستره عن المبتلى لئلاّ يتأذى به ، ويظهره للفاسق ليرجع عن فسقه.

ز ـ ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح‌ ، ولا تكبير السجود ، ولا تشهد ، ولا تسليم.

وقال في المبسوط : يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود (١). وقال الشافعي : إنه كسجود التلاوة (٢). والمعتمد ما قلناه للامتثال بإيقاعه كيف كان.

ح ـ هل يجب وضع الأعضاء السبعة في السجود الواجب في التلاوة ، ويستحب في مندوبها ، والشكر؟ إشكال ينشأ من أصالة البراءة وصرف السجود إلى وضع الجبهة ، ومن صرف السجود في الصلاة إلى ما وضع فيه الأعضاء.

ط ـ يجوز أن يؤدي هذا السجود ، وسجود التلاوة أيضا على الراحلة‌ عندنا ـ خلافا للشافعي (٣) ـ لحصول المسمى.

ي ـ لو تجددت عليه نعمة وهو في الصلاة فإنه لا يسجد فيها‌ ؛ لأن سبب السجدة ليس منها ، وبه قال الشافعي (٤). لكن لو قرأ ( ص ) فإن سجدتها عنده للشكر فهل يسجد؟ وجهان : السجود ؛ لأن سببه وجد في الصلاة ، والعدم ؛ لأنها سجدة شكر ، وليست متعلقة بالتلاوة (٥).

الثالثة : سجدة السهو‌ ، وسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

(٢) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٣) الوجيز ١ : ٥٣ ، المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٦.

(٤) المجموع ٤ : ٦٨ ، فتح الوهاب ١ : ٥٦ ، فتح العزيز ٤ : ٢٠٦.

(٥) المجموع ٤ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٦ ـ ١٨٧.

٢٢٦

البحث السابع : في التشهد‌

التشهد واجب في كل ثنائية مرّة في آخرها ، ومرتين في الثلاثية بعد الثانية والثالثة ، والرباعية بعد الثانية والرابعة ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الليث بن سعد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأحمد في رواية (١) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك وداوم عليه ، وكذا الصحابة والأئمة عليهم‌السلام ، وأمر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث ابن عباس (٢) ، والأمر للوجوب ، وسجد ابن عباس لما نسيه (٣) ، وعن ابن مسعود : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التشهد في وسط الصلاة وآخرها (٤). ومن طريق الخاصة ما رواه البزنطي : « التشهد تشهدان في الثانية ، والرابعة » (٥).

وقال الشافعي : الأول سنة ، وكذا الجلوس فيه ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية ـ لأنه يسقط بالسهو فأشبه السنن (٦). وهو ممنوع‌

__________________

(١) المغني ١ : ٦٠٦ ، المجموع ٣ : ٤٥٠ و ٤٦٢ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٧ و ١١٥ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٠٤.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ١٤٠ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٢ ـ ٤٠٣.

(٣) حكاه المحقق في المعتبر : ١٨٧ ، وانظر أيضا المغني ١ : ٦٠٧.

(٤) مسند أحمد ١ : ٤٥٩.

(٥) أوردها عن الجامع البزنطي المحقق في المعتبر : ١٨٧.

(٦) المجموع ٣ : ٤٤٩ و ٤٥٠ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٦ ، المغني ١ : ٦٠٦.

٢٢٧

لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل ينسى التشهد ، قال : « يرجع فيتشهد » (١).

وأوجب الشافعي التشهد الأخير ، وهو الذي يتعقبه التسليم ، سواء كانت الصلاة ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية ـ وبه قال عمر ، وابنه ، وأبو مسعود البدري ، والحسن البصري ، وأحمد كما قلناه (٢) ـ لأن ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبرئيل وميكائيل ، السلام على فلان ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تقولوا : السلام على الله فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا : التحيات لله ، إلى آخره ) (٣) ولأنه ذكر قدّر به ركن من أركان الصلاة فكان واجبا كالقراءة.

وقال مالك ، وأبو حنيفة ، والثوري : إنه غير واجب كالأول (٤) ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يقول : الجلوس في الثاني قدر التشهد واجب (٥) ، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلّمه الأعرابي (٦) ، ولأنه أحد التشهدين فلم يكن واجبا كالأول. ونمنع عدم تعليم التشهد ، أو أنه كان يعرفه ، أو كان قبل فرضه. ونمنع عدم وجوب الأول ، وقد سبق ، وأيضا الفرق : أن محله غير واجب عندهم ، والثاني قدّر به ركن.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٨ ـ ٦٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦٣ ـ ١٣٧٦.

(٢) المجموع ٣ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٠ ـ ٨٩٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ ـ ٤ ، سنن البيهقي ٢ : ١٣٨.

(٤) المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧ ، الشرح الصغير ١ : ١١٦ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٤.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ٤٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤.

(٦) انظر : سنن الترمذي ٢ : ١٠٠ ـ ١٠٢ ـ ٣٠٢ ، سنن النسائي ٣ : ٥٩ ـ ٦٠.

٢٢٨

مسألة ٢٩١ : يجب فيه الجلوس بقدره مطمئنا‌ في الأول والثاني ، فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته عند علمائنا ـ وبه قال في الثاني أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد (١) ـ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داوم عليه ، وكذا الصحابة والتابعون ، وهو يعطي الوجوب ، ولأنه عليه‌السلام فعله بيانا.

إذا ثبت هذا فعلى أي هيئة جلس أجزأه للامتثال بأيّ نوع ، إلاّ أن الأفضل التورك فيهما ـ وبه قال مالك (٢) ـ لقول ابن مسعود : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركا (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر ، والصادق عليهما‌السلام : « إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض ، وفرّج بينهما ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وطرف إبهام اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك .. فلا تصبر للتشهد والدعاء » (٤).

وقال الشافعي : الجلسات في الصلاة أربع : الجلسة بين السجدتين ، والتشهّد الأخير ، وهما واجبتان ، وجلسة التشهد الأول ، وجلسة الاستراحة وهما مستحبتان.

ويستحب في جميع الجلسات الافتراش بأن يفرش رجله اليسرى‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٢ ، المغني ١ : ٦١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٣٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٧.

(٢) المنتقى للباجي ١ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، المغني ١ : ٦٠٧ و ٦١٢ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٧ و ٦٣٣.

(٣) مسند أحمد ١ : ٤٥٩ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٠٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٣٠٨ وفيهما عن الامام الباقر عليه‌السلام ، وأمّا عن الصادق عليه‌السلام فيدلّ عليه حديث حماد بن عيسى في صفة صلاته عليه‌السلام. انظر : الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٣١٢ ـ ٨ والتهذيب ٢ : ٨١ ـ ٨٢ ـ ٣٠١.

٢٢٩

ويجلس عليها ، وينصب اليمنى إلاّ التشهد الأخير الذي يتعقبه التسليم وإن كان واحدا فإنه يستحب فيه التورك (١) لحديث أبي حميد الساعدي : فلما جلس بين السجدتين ثنّى رجله اليسرى فجلس عليها ، ونصب قدمه اليمنى ، وإذا جلس في الأربع أماط رجليه عن وركه وأفضى بمقعدته إلى الأرض ونصب وركه اليمنى (٢) ، وقد ضعّفه الطحاوي فلا حجة فيه (٣).

وقال أبو حنيفة والثوري : يجلس في جميعها مفترشا (٤) لقوله عليه‌السلام : ( إذا جلست فاجعل عقبك تحت أليتيك ) (٥) قال الشافعي : لو أدرك من الصبح ركعة مع الإمام قعد معه مفترشا ويتورك في الثاني ، ولو أدرك الثانية من المغرب جلس أربع مرات يفترش في ثلاثة ويتورك في الأخير (٦).

مسألة ٢٩٢ : ويجب فيه الشهادتان بالتوحيد ، والرسالة‌ في الأول والثاني عند علمائنا أجمع ـ وبه قال كل من أوجبه ـ قال محمد بن مسلم للصادق عليه‌السلام : التشهد في الصلاة قال : « مرتان » قلت : وكيف مرتان؟ قال : « إذا استويت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله » (٧).

وأقل الواجب فيه الشهادتان ؛ لقول سورة بن كليب ، قلت : أدنى ما يجزي من التشهد؟ قال : « الشهادتان ». (٨) وقول الباقر عليه‌السلام وقد سأله زرارة ما يجزي من التشهد في الأخريين؟ قال : « الشهادتان » (٩).

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٤٩.

(٢) الام ١ : ١١٦.

(٣) شرح معاني الآثار ١ : ٢٥٩ وانظر عمدة القارئ ٦ : ١٠٥ والمجموع ٣ : ٤٤٣.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢١١ ، عمدة القارئ ٦ : ١٠٥ ، المجموع ٣ : ٤٥٠.

(٥) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر المتوفرة.

(٦) المجموع ٣ : ٤٥١ و ٤٥٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٩٥.

(٧) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٩.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ـ ١٢٨٥.

(٩) التهذيب ٢ : ١٠٠ ـ ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤١ ـ ١٢٨٤.

٢٣٠

وقال الشافعي : يجب خمس كلمات ، أن يقول : التحيات الله ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا رسول الله ؛ لاختلاف ورود الأخبار وسقوط ما سوى هذا في بعضها (١).

ونحن لا نوجب التحيات ؛ للأصل ، وقول محمد بن مسلم للصادق عليه‌السلام قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات ، قال : « ذلك اللطف يلطف العبد ربه » (٢) وأيضا لو وجب لتواتر ؛ لأنه ممّا تعم به البلوى ، ولأن الواجب التشهد وهو مأخوذ من الشهادة ولفظ التحيات ليس منها.

ونمنع من تقديم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وتبطل به الصلاة ؛ لأن التسليم مخرج عن الصلاة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تحليلها التسليم ) (٣).

لا يقال : المخرج قوله : السلام عليكم. لأنا نقول : إنه تحكم لتناول إطلاق التسليم ذلك ، ولأن قوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يتناول الحاضرين والغائبين من الصلحاء ، وقوله : السلام عليكم يختص الحاضرين فإذا كان السلام على الحاضرين مخرجا كان السلام على‌

__________________

(١) الام ١ : ١١٨ ، المجموع ٣ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، الوجيز ١ : ٤٥ ، السراج الوهاج : ٤٩ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٨ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٩.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٣ ـ ٢٣٨ ، مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٢٢٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٩ ـ ١ سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ ـ ٢٧٥ و ٢٧٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦ ـ ٦١ ، مسند أحمد ١ : ١٢٣ ونحوه في الكافي ٣ : ٦٩ ـ ٢ والفقيه ١ : ٢٣ ـ ٦٨.

٢٣١

الحاضرين والغيّاب أولى.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « كلّما ذكرت الله والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة ، فإذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت » (١) وسأله أبو كهمش عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما ، فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال عليه‌السلام : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف » (٢).

مسألة ٢٩٣ : ويجب الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهدين‌ عند علمائنا أجمع لقوله تعالى ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) (٣) والأمر للوجوب ، ولا يجب في غير الصلاة إجماعا فيجب فيها ، ولأن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( لا يقبل صلاة إلاّ بطهور ، وبالصلاة عليّ ) (٤) ولقول الصادق عليه‌السلام : « من صلّى ولم يصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتركه عامدا فلا صلاة له » (٥).

وقال الشافعي : إنها واجبة في التشهد الأخير خاصة. وبه قال أحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق ، وأبو مسعود الأنصاري (٦) ، وفي مشروعيتها في الأول للشافعي قولان (٧) ، لأن العبادة إذا شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٢.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ ـ ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٠٩ ـ ٣١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ـ ١٢٩٢ ونحوه في الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٥.

(٦) المجموع ٣ : ٤٦٥ و ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٣ ، المغني ١ ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٣ و ٦١٤.

(٧) المجموع ٣ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٥.

٢٣٢

شرط فيها ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالأذان ، ولحديث عائشة (١).

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي : لا يجب (٢) لأن ابن مسعود علّمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التشهد ، ثم قال : ( إذا قلت هذا تمت صلاتك ) (٣) ويحمل على قرب التمام ، أو على سبق المشروعية بالصلاة.

مسألة ٢٩٤ : وتجب الصلاة على آله عليهم‌السلام‌ عند علمائنا أجمع ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وبعض الشافعية (٤) ـ وللشافعية وجهان ، وقيل : قولان (٥) ـ لأن كعب بن عجرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في صلاته : ( اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ) (٦) فتجب متابعته ؛ لقوله عليه‌السلام : ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) (٧).

وعن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه ) (٨) وقال الشافعي : بالاستحباب للأصل (٩). وهو ممنوع لثبوت المخرج منه.

__________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ ـ ٤.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٧٥ ، شرح العناية ١ : ٢٧٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١٣ ، بلغة السالك ١ : ١١٧ ، المجموع ٣ : ٤٦٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ ، المغني ١ : ٦١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٤.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٥٥ ـ ٩٧٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٣ ـ ١٣ و ٣٥٤ ـ ١٤.

(٤) المجموع ٣ : ٤٦٥ ، المغني ١ : ٦١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٥) المجموع ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٣ و ٥٠٤ ، المغني ١ : ٦١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٣٠٥ ـ ٤٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ـ ٩٧٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٧.

(٧) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦.

(٨) سنن الدارقطني ١ : ٣٥٥ ـ ٦.

(٩) المجموع ٣ : ٤٦٦.

٢٣٣

فروع :

أ ـ قال بعض الناس : آل محمد هم بنو هاشم وبنو المطلب‌ ؛ لأنهم أهل النبيّ ، وآل منقلب عن أهل (١). فلو قال : وعلى أهل محمد أجزأه عند بعض الجمهور ، وكذا لو صغّر فقال : اهيل (٢) والحق عدم الإجزاء ؛ لأنه أمر مشروع فيتبع فيه النقل.

وقيل : آل محمد من كان على دينه (٣) ، لأنه سئل عليه‌السلام من آل محمد؟ فقال : ( كل تقي ) (٤) ولقوله تعالى ( أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (٥) والوجه : أن الآل هنا المعصومون من أهل بيته إذ لا تجب الصلاة على غيرهم.

ب ـ من لا يحسن التشهد والصلاة وجب عليه التعلّم‌ ، فإن ضاق الوقت أو عجز أتى بالممكن ، ولو عجز سقط.

ج ـ لا يجزئ بغير العربية ولو لم يقدر وجب التعلم‌ ، فإن ضاق الوقت أو عجز أجزأت الترجمة ، وكذا الأذكار الواجبة ، أما الدعاء بغير العربية فإنه جائز.

د ـ يجب الترتيب فيبدأ بالشهادة بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، ثم بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم على آله ، ولو عكس لم يجزئه وقوفا على المأخوذ عن صاحب الشرع.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٦ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٨ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٢٧.

(٢) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ١٥١ ، المجموع ٣ : ٤٦٦ ، المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٦ ، نيل الأوطار ٢ : ٣٢٨.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ ، كشف الخفاء ١ : ١٧ ـ ١٧ ، الفردوس ١ : ٤١٨ ـ ١٦٩٢.

(٥) المؤمن : ٤٦.

٢٣٤

وقال الشافعي : يجزئه لحصول المعنى فيكفي (١). وهو ممنوع.

هـ ـ يجب فيه التتابع فلو تركه لم يجزئه ، وبه قال الشافعي (٢).

و ـ يجب في الصلاة ذكر اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم‌ ، فلو قال : اللهم صلّ على الرسول لم يجزئه ؛ لأنه عليه‌السلام سئل كيف يصلّى عليك؟ فقال : ( قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد ) (٣).

مسألة ٢٩٥ : قد بينا أن الواجب الشهادتان ، والصلاتان‌ ، وأقلّه : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد.

وفي وجوب ( وحده لا شريك له ) عقيب الشهادة بالتوحيد إشكال ينشأ من حديث محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٤) وقد سلف ، ومن أصالة البراءة.

ولو أسقط الواو في الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل إلى المضمر ، فالوجه : الإجزاء للامتثال ، أما لو حذف لفظة الشهادة ثانيا والواو فإنه لا يجزئه قطعا.

ولا بدّ من الإتيان بصيغة الشهادة ، فلو قال : أعلم أو أخبر عن علم لم يجزئ ؛ وكذا لو قال : أشهد أن الله واحد ، ولو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه ك‍ « غير » و « سوى » فالوجه : عدم الإجزاء ؛ لأنه خلاف المنقول.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٤٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٦ ، المغني ١ : ٦١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٨.

(٢) مغني المحتاج ١ : ١٧٥.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٣ ـ ٩٠٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٧ ـ ٩٧٦ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٦ و ١٤٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٩.

٢٣٥

مسألة ٢٩٦ : ويستحب الزيادة في التشهد بالأذكار المنقولة‌ عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنهم أعرف بمواقع الشرع وكيفيته لأنهم مهبط الوحي ، قال الصادق عليه‌السلام : « إذا جلست في الثانية ، فقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، وأشهد أن ربّي نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبّل شفاعته في أمته وارفع درجته ، ثم تحمد الله مرتين ، أو ثلاثا ، ثم تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، وخير الأسماء لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد أنك نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، التحيات لله الصلوات الطاهرات ، الطيبات ، الزاكيات ، الغاديات ، الرائحات ، السابغات ، الناعمات لله ، ما طاب ، وزكى ، وطهر وخلص ، وصفى فلله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد أن ربي نعم الرب ، وأن محمدا نعم الرسول ، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلى على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وسلّم على محمد وآل محمد ، وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وامنن عليّ بالجنّة وعافني من النار » (١) وقد روي زيادة على ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٣.

٢٣٦

أما الجمهور فالمشهور عندهم ثلاث روايات :

إحداها : ما رواه ابن عباس : التحيات المباركات ، الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله (١).

الثانية : عن ابن مسعود : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وهي مذكورة في الصحيحين (٢).

الثالثة : عن عمر بن الخطاب : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات لله ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (٣).

واختار الشافعي الأول (٤) ، وأبو حنيفة الثاني ، وبه قال الثوري ،

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٠٢ ـ ٤٠٣ ، سنن النسائي ٢ : ٢٤٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٨٣ ـ ٢٩٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ ـ ٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٧٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠١ ـ ٤٠٢ ، سنن النسائي ٢ : ٢٣٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٨١ ـ ٢٨٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥٠ ـ ٤ و ٣٥٢ ـ ١٠ و ٣٥٣ ـ ١٢ و ١٣ و ٣٥٤ ـ ١٤.

(٣) الموطأ ١ : ٩٠ ـ ٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٤.

(٤) المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥٠٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٤ ، شرح العناية ١ : ٢٧٢ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٥ ، المغني ١ : ٦٠٩ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥ ، سبل السلام ١ : ٣٢٣.

٢٣٧

وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر (١) ، واختار مالك الثالث (٢).

والكل عندنا باطل ، لأن التسليم مخرج عن الصلاة.

إذا ثبت هذا ، فإنه يستحب عندنا تقديم التسمية ؛ لما تقدم في الأحاديث عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣) ، ورواه الجمهور عن جابر (٤) ، وأنكره الشافعي ، وابن المنذر (٥) ، لأن ابن عباس سمع رجلا يقول : بسم الله ، فانتهره (٦).

تنبيه : قال ابن عباس : التحيات لله يعني العظمة لله ، الصلوات يريد الصلوات الخمس ، الطيبات الأعمال الصالحة (٧).

وقال أبو عمرو : التحيات لله ، معناه الملك لله ، وقيل : الطيبات هو الثناء على الله (٨).

وفي السلام قولان : أحدهما : أن معناه اسم السلام ، والسلام هو الله‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٧ ، اللباب ١ : ٧٢ ـ ٧٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١١ ، المغني ١ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، العدة شرح العمدة : ٧٩ ، المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٠ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥.

(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٤٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٠ ، المجموع ٣ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٠ ، المغني ١ : ٦٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٩ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٥ ، نيل الأوطار ٢ : ٣١٥.

(٣) انظر على سبيل المثال التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٣.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٢ ـ ٩٠٢ ، سنن النسائي ٢ : ٢٤٣.

(٥) المجموع ٣ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٣ : ٥١١ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٥ ، المغني ١ : ٦١١ ، الشرح الكبير ١ : ٦١١.

(٦) المغني ١ : ٦١١ ، الشرح الكبير ١ : ٦١١.

(٧) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٧.

(٨) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٧.

٢٣٨

كما يقال : اسم الله عليك ، والثاني : سلام الله عليك تسليما وسلاما.

مسألة ٢٩٧ : يستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ، وليس على المأموم ذلك ، قال أبو بصير : صليت خلف الصادق عليه‌السلام ، فلمّا كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا ، فلما انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال : « نعم » (١) وقال الصادق عليه‌السلام : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه شيئا » (٢) وليس على الوجوب إجماعا ، ولأن علي بن يقطين سأل أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الرجل هل يصلح أن يجهر بالتشهد ، وبالقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (٣).

وقال أحمد : يستحب إخفاء التشهد ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يجهر به (٤). وهو ممنوع ؛ لأن عدم السماع لا يدل على العدم ، ولأنه مندوب فجاز تركه أحيانا.

مسألة ٢٩٨ : يجوز الدعاء في التشهد‌ ، وفي جميع أحوال الصلاة كالقنوت ، والركوع ، والسجود ، والقيام قبل القراءة ، وبعدها بالمباح من أمر الدين والدنيا عند علمائنا أجمع ، سواء كان مما ورد به الشرع ، أو لا ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأن أبا هريرة روى أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع : من عذاب النار ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيى وفتنة الممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو لنفسه ما بدا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ ـ ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٥.

(٤) المغني ١ : ٦١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٦١٨.

(٥) المجموع ٣ : ٤٦٩ و ٤٧١ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٦ ، المغني ١ : ٦٢٠ ـ ٦٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٦٢٠ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٨.

٢٣٩

له ) (١) وقال عليه‌السلام لابن مسعود : ( ثم ليتخيّر من الدعاء ما أعجبه ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام وقد سأله بكر بن حبيب أيّ شي‌ء أقول في التشهد والقنوت؟ قال : « قل بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس » (٣) ولأنه دعاء لله تعالى يجوز خارج الصلاة فجاز في الصلاة كالدعاء المأثور.

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يدعو إلاّ بما يشبه ألفاظ القرآن ، والأدعية المأثورة ، ولا يدعو بما يشبه كلام الناس (٤). ومن أصحابه من قال : ما لا يطلب إلاّ من الله تعالى يجوز ، وما يجوز أن يطلب من المخلوقين إذا سأله الله تعالى في الصلاة أفسدها ، لأنه ذكر لو أتى به على غير وجه الدعاء أفسدها كالدعاء المحظور (٥). وينتقض بالدعاء المأثور فإنه لو ذكر الفتنة والمسيح الدجال على غير وجه الدعاء أبطل الصلاة.

فروع :

أ ـ يجوز الدعاء بغير العربية‌ على قول أكثر علمائنا (٦) للأصل ، وعند‌

__________________

(١) سنن النسائي ٣ : ٥٨ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥٤.

(٢) سنن النسائي ٣ : ٥٠ ـ ٥١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥٤ ـ ٩٦٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨١.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ٧٣ و ٧٤ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٧٧ ، عمدة القارئ ٦ : ١١٨ ، المجموع ٣ : ٤٧١ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٦ ، سبل السلام ١ : ٣٢٢.

(٥) المجموع ٣ : ٤٧١ ، فتح العزيز ٣ : ٥١٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٩ ، اللباب ١ : ٧٤.

(٦) منهم : محمد بن الحسن الصفار ، والصدوق كما في الفقيه ١ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٩٣٥ ، والمحقق في المعتبر : ١٩٢.

٢٤٠