تذكرة الفقهاء - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-36-1
الصفحات: ٣٨٦

الشافعي : إن كثر بطلت (١).

ولو كان ظهره في طريقه الى القبلة فركب مقلوبا وجعل وجهه إلى القبلة صحت صلاته ؛ لأنه إذا صحت الى غير القبلة فإليها أولى.

وقال بعض الشافعية : لا يصح لأن قبلة المتنفل على الدابة طريقه (٢). وهو خطأ ؛ لأنّه جعل رخصة.

وراكب التعاسيف (٣) ـ وهو الهائم الذي لا مقصد له ، بل يستقبل تارة ويستدبر اخرى ـ له أن يتنفل في سيره كغيره خلافا للشافعي (٤).

ح ـ لو اضطر الى الفريضة على الراحلة والدابة إلى القبلة فحرفها عمدا لا لحاجة بطلت صلاته‌ ، لأنه ترك الاستقبال اختيارا ، وإن كان لجماح الدابة لم تبطل وإن طال الانحراف إذا لم يتمكن من الاستقبال.

وقال الشافعي : تبطل مع الطول ، ومع القصر وجهان (٥).

ولو كان مطلبه يقتضي الاستدبار لم تبطل صلاته.

ط ـ يجب على المفترض الاستقبال بتكبيرة الافتتاح‌ إن أمكن ، وكذا باقي الأفعال ، ويسقط مع العذر كالمطارد ، والدابة الصائلة ، والمتردية.

ي ـ المصلّي على الراحلة يومئ للركوع والسجود ، ويجعل السجود أخفض ، وكذا الماشي.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٣٦ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢.

(٢) المجموع ٣ : ٢٤١ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٢.

(٣) التعسيف : السير على غير علم ولا أثر. لسان العرب ٩ : ٢٤٥ « عسف ».

(٤) المجموع ٣ : ٢٤٠ ، فتح العزيز ٣ : ٢١٥ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٣.

(٥) فتح العزيز ٣ : ٢١٥ و ٢١٦ ، الوجيز ١ : ٣٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٦١ و ٦٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٣.

٢١

البحث الثالث : في المستقبل‌

مسألة ١٤٤ : القادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد عند علمائنا ، كما أن القادر على العمل بالنص في الأحكام لا يجوز له الاجتهاد لإمكان الخطأ في الثاني دون الأول.

ويحصل اليقين لمن كان معاينا للكعبة أو كان بمكة من أهلها ، أو ناشئا بها من وراء حائل محدث كالحيطان ، وكذا إن كان بمسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لليقين بصحة قبلته.

ولو كان الحائل أصليا كالجبل ولا يمكنه أن يعرف القبلة حتى يصعد الجبل وتمكن منه وجب أن يصعد طلبا لليقين.

وقال الشافعي : يجوز أن يجتهد ويصلّي بغلبة الظن. وفي الحادث عنده قولان (١).

وهل له أن يستقبل الحجر مع تمكنه من استقبال الكعبة ، الوجه ذلك لأنه عندنا من الكعبة. ومنعه بعض الشافعية ، حيث إن كونه من البيت مجتهد فيه غير مقطوع به (٢).

مسألة ١٤٥ : فاقد العلم يجتهد بالأدلة التي وضعها الشارع علامة‌ ، فإن غلب على ظنه الجهة للأمارة بنى عليه بإجماع العلماء ؛ لأنه فعل المأمور به فخرج عن العهدة ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « يجزي التحري أبدا إذا لم‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢١٢ و ٢١٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٥.

(٢) المجموع ٣ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٦.

٢٢

يعلم أين وجه القبلة » (١).

فلا يجوز للعارف بأدلة القبلة المتمكن من الاستدلال عليها بمطالع النجوم ، وهبوب الرياح ، وغيرها التقليد ، وكذا الذي لا يعرف أدلة القبلة لكنه إذا عرّف عرف ؛ لتمكنه من العلم ، بخلاف العاميّ حيث لا يلزمه تعلّم الفقه ، لأن ذلك يطول زمانه ويشق تعلّمه بخلاف دلائل القبلة ، وبه قال الشافعي (٢).

وأمّا الذي لا يحسن وإذا عرّف لم يعرف فإنه والأعمى على حدّ واحد ، وللشيخ فيه قولان ، أحدهما : الرجوع الى العارف والتقليد للثقة (٣) ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ كالعاميّ في أحكام الشرع ، وله قول آخر ، وهو أن يصلّي الى أربع جهات كالفاقد للاجتهاد والتقليد معا (٥). والأول أقرب لتعذر العلم ، والأصل براءة الذمة من التكليف الزائد ، وقول الثقة يثمر الظن فيصار إليه كالاجتهاد.

وقال داود : إنه يسقط عنه فرض القبلة ويصلّي إلى حيث شاء (٦) لقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٧) وهو غلط ؛ لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٨) والآية نزلت في النافلة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ١٧٩ ـ ٨٤٥ ، التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ـ ١٠٨٧.

(٢) المجموع ٣ : ٢٢٨ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٥ ، الوجيز ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٧٩.

(٤) المجموع ٣ : ٢٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩.

(٥) الخلاف ١ : ٣٠٢ المسألة ٤٩.

(٦) حلية العلماء ٢ : ٦٤.

(٧) البقرة : ١١٥.

(٨) البقرة : ١٤٤.

٢٣

فروع :

أ ـ تعلّم دلائل القبلة واجب‌ ، وهل هو على الأعيان أو على الكفاية؟ إشكال ، ينشأ من أنه من واجبات الصلاة فيعم كالأركان ، ومن كونه من دقائق مسائل الفقه ، وكلاهما للشافعي (١).

ب ـ إذا اجتهد في صلاة قال الشيخ : يجب التجديد في أخرى ، وهكذا ما لم يعلم بقاء الأمارات (٢). وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يجب ؛ لأن اجتهاده قائم لم يتغير (٣).

ج ـ لو اجتهد فأدّى اجتهاده إلى جهة فصلّى الى غيرها لم تصح صلاته‌ وإن ظهر أنها القبلة ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي (٤) ـ لأنه لم يفعل المأمور به وهو التوجه الى ما أدى إليه اجتهاده فيبقى في عهدة التكليف.

وقال الشيخ في المبسوط (٥) ـ وبه قال أبو يوسف ـ : يجزيه (٦) ، لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة وقد فعل ، كمن شك في إناءين فتوضأ بأحدهما من غير اجتهاد ثم بان له أنه الطاهر أجزأه.

وهو غلط ، فإنه إن بان له ذلك بعد دخوله في الصلاة لم تصح‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٣٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٨١.

(٣) المجموع ٣ : ٢١٦ ، فتح العزيز ٣ : ٢٤٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، الوجيز ١ : ٣٩ ، المغني ١ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٧.

(٤) بدائع الصنائع ١ : ١١٩ ، شرح فتح القدير ١ : ٢٣٦.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٨٠.

(٦) شرح فتح القدير ١ : ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ١ : ١١٩.

٢٤

صلاته ، وإن كان قبله جاز.

والفرق ظاهر بين الطهارة والصلاة ، فإن الطهارة تقع قبل وجوبها وإنما الواجب منها ما صحت به الصلاة فإذا علمها في حال وجوبها أجزأه ولم يضرّه الشك قبل ذلك.

د ـ الأعمى العاجز يقلّد شخصا مكلفا ، عدلا ، عارفا بأدلة القبلة ، وفي المبسوط : يقلّد الصبي والمرأة لحصول الظن (١) ، وظاهر قوله في الخلاف : وجوب أربع صلوات (٢). وما قلناه أولى.

هـ ـ يجوز التعويل على المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ، ولا يجب عليه الاجتهاد في طلب القبلة ، وهو إجماع. ولو عرف أنها وضعت على الغلط وجب الاجتهاد.

و ـ لا يجوز التعويل على قول الكافر والفاسق ؛ لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) ولا يقبل قول الكافر في شي‌ء إلاّ في الإذن في دخول الدار ، وفي قبول الهدية ، ولو وجد قبلة للنصارى احتمل الاستدلال بها لغلبة الظن بانتفاء الكذب ، وعدمه للعموم.

ز ـ لو دخل بلدا خرابا فوجد فيه مساجد ، ومحاريب ولم يعلم الواضع لم يكن له الصلاة إليها‌ بل يجتهد ، لجواز أن يكون بناه المشركون فإن علم أنه من بناء المسلمين لم يلزمه الاجتهاد.

مسألة ١٤٦ : إذا تعدد المجتهدون فإن اتحدت الجهة جاز أن يصلّوا جماعة وفرادى‌ ، وإن اختلفوا صلّوا منفردين وليس لهم الجماعة عندنا ـ وبه قال‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٨٠.

(٢) الخلاف ١ : ٣٠٢ مسألة ٤٩.

(٣) هود : ١١٣.

٢٥

الشافعي (١) ـ لأنّ العالم بالقبلة ليس له أن يجتهد ، والمجتهد ليس له أن يقلد.

فلو قلّد بعضهم بعضا بطلت صلاة المأموم قطعا ؛ لأنّ إمامه إن كان على الحق فلا صلاة له وإلاّ فصلاة الإمام فاسدة ، ولا يجوز الاقتداء بمن صلاته فاسدة.

وقال أبو ثور : تصح صلاة المأمومين وشبّهه بالواقفين في الكعبة ، ويستقبل كلّ واحد منهم بعض الحيطان فإنّ صلاتهم صحيحة وإن اختلفت الجهة ، ولأنّه لا يقطع بخطإ إمامه وصواب نفسه (٢). ويفارق الواقفين حول الكعبة لأن كلّ واحد منهم مستقبل قطعا وهنا المأموم يعتقد خطأ إمامه ، والخطأ وإن لم يقطع به لكنه يقطع بحكمه ، وقول أبي ثور ليس بعيدا كالمصلّين في حال شدة الخوف.

فروع :

أ ـ لو كانوا في بيت مظلم فاجتهدوا وجمعوا‌ فلما أصبحوا علموا أن كل واحد صلّى إلى جهة أخرى ولم يعلموا الى أيّ جهة صلّى الإمام فالوجه صحة صلاتهم ؛ لأنّه لم يعلم الخطأ في فعل إمامه ، وحكاه أبو ثور عن الشافعي (٣).

ب ـ لو أدى اجتهاد الجماعة إلى جهة ثم تغير اجتهاد بعض المأمومين انحرف وبنى على صلاته ونوى الانفراد ، ولو تغير اجتهاد الإمام خاصة انحرف واستمر المأمومون منفردين.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٣ : ٢٤٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٠ ، المغني ١ : ٥٠٣.

(٢) المجموع ٣ : ٢١٤ ، المغني ١ : ٥٠٤.

(٣) لم نعثر عليه بحدود المصادر المتوفرة لدينا.

٢٦

وللشافعي قول في الأولى بفساد صلاة المأموم بناء على أن المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة إمامه يستأنف أو يتم؟ قولان ، أما الثانية فلا لأن المأموم لم يختر مخالفة إمامه بل الإمام هو الذي خالفه ، ولو قطع الإمام صلاته عمدا لم تبطل صلاة المأموم (١).

ج ـ لو اختلف الإمام والمأموم في التيامن والتياسر لم يكن له الائتمام ؛ لاختلافهما في جهة القبلة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الثاني : له ذلك لقلة الانحراف (٢) ، وهما مبنيان على أنّ الواجب إصابة العين أو الجهة.

د ـ لو ضاق الوقت إلاّ عن صلاة وأدى اجتهاد أحدهم إلى جهة جاز للآخر أن يقلّده‌ ويأتم به عندنا ، لأن فرضه التخيير ، وهل يجب عليه التقليد حينئذ؟ إشكال ينشأ من عدم جواز التقليد للمجتهد مع اتساع الوقت ، وتخييره مع ضيقه ، ومن حصول ظن بالجهة راجح على التخيير فيتعين اتباعه.

هـ ـ من فرضه التقليد كالأعمى والجاهل بأدلة القبلة إن لم نوجب عليه الأربع يقلّد الأوثق الأعلم بالأدلة‌ لو تعدد المجتهدون ، فإن قلّد المفضول فالأقرب المنع ؛ لأنه ترك ما يغلب على ظنه أنّ الصواب فيه.

وقال الشافعي : تصحّ ؛ لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذا لو كان مع غيره (٣). وليس بجيد لحصول المعارض الراجح حالة الاجتماع دون الانفراد فصار كما لو تضاد الدليلان ، ولو تساويا قلّد من شاء.

مسألة ١٤٧ : العارف بأدلة القبلة إذا لم يتمكن من الاجتهاد‌ لضيق‌

__________________

(١) الأم ١ : ٩٥ ، المجموع ٣ : ٢٢٦ ، فتح العزيز ٣ : ٢٤٧.

(٢) المجموع ٣ : ٢٢٦ ، فتح العزيز ٣ : ٢٤٧.

(٣) المجموع ٣ : ٢٢٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٤.

٢٧

الوقت يتخير إجماعا إن لم يتمكن من التقليد ، ولو تمكن فإشكال تقدم ، ولا إعادة عليه إن استمر الجهل ، وكذا لو كان ممنوعا برمد ، أو مرض ، أو غيرهما.

ولو كان الوقت متسعا ولم يحصل له الظن بعد الاجتهاد فإن كان يرجو حصوله بانكشاف الغيم مثلا احتمل وجوب التأخير إلى آخر الوقت ثم يتخير ، وجواز التقديم فيصلّي إلى أربع جهات كلّ فريضة ، ذهب إليه علماؤنا ؛ لأن الاستقبال واجب وقد أمكن حصوله بتعدد الفرائض فيجب كما لو اشتبه الثوبان.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل أن هؤلاء المخالفين يقولون : إذا أطبقت علينا وأظلمت ولم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد. فقال : « ليس كما يقولون ، إذا كان كذلك فليصلّ لأربع وجوه » (١).

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : يصلّي ما بين المشرق والمغرب ، ويتحرى الوسط ، ثم لا يعيد (٢) ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) (٣) ونحن نقول بموجبه على تقدير معرفة المشرق والمغرب.

وقد روى معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام قلت : الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا. قال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » (٤).

ولو ضاق الوقت صلّى ثلاثا ويتخير في الساقطة فإن ضاق صلّى اثنتين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ١ : ٢٩٥ ـ ١٠٨٥.

(٢) المغني ١ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ١ : ٥١٩.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ١٧١ ـ ٣٤٢ و ١٧٣ ـ ٣٤٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٣ ـ ١٠١١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٠ و ٢٧١ ـ ١ و ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٩ ـ ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٥.

٢٨

فإن ضاق صلى واحدة ، ويتخير في المأتي بها.

مسألة ١٤٨ : لو صلّى بالاجتهاد ، أو مع ضيق الوقت ثم تبين الخطأ في الصلاة استدرك‌ إن كان الانحراف يسيرا ، لأن ذلك لا يقع عن يقين وإنما هو ظن لأن الجهة الواحدة لا تتبين فيها الكعبة يقينا ، وهو قول الشافعي ، وله قول آخر : أنّه يستأنف لأن صلاة واحدة لا تقع الى جهتين كالحادثة لا يحكم فيها بحكمين (١) ، وإن كان كثيرا استأنف.

ولو ظهر بعد الفراغ فإن كان قد استدبر أعاد الصلاة سواء كان الوقت باقيا أو لا ، اختاره الشيخان (٢) ، لما رواه عمار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام في رجل صلّى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال : « إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حتى يعلم ، وإن كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة » (٣) والراوي ضعيف.

وقال المرتضى : يعيد في الوقت لا خارجه (٤) لأنه في الوقت لم يأت بالمأمور به فيبقى في العهدة ، وبعد الوقت يكون قاضيا ، والأصل عدمه إلاّ بأمر مجدد ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في الوقت فأعد ، وإن فاتك فلا تعد » (٥) والإطلاق يتناول الاستدبار ، وهو الأقوى عندي.

وقال مالك ، وأحمد ، وأبو حنيفة ، والمزني ، والشافعي في أحد‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩.

(٢) المفيد في المقنعة : ١٤ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ ـ ١١٠٠.

(٤) الناصريات : ٢٣٠ مسألة ٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٤ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩٠.

٢٩

القولين : إذا تبين الخطأ بعد الصلاة لم يعد (١) وأطلقوا فلم يفصّلوا الى الاستدبار وغيره ، والى الوقت وخروجه ؛ لأن عامر بن ربيعة قال : كنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة فجعل كلّ واحد منّا يصلّي وبين يديه أحجار فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله تعالى ( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٢) (٣) ولأنه صلّى إليها للعذر فإذا زال العذر لم تجب الإعادة كالخائف.

وفي الآخر للشافعي : يعيد (٤) وأطلق لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يؤمر مثله في القضاء فلزمه الإعادة كالحاكم إذا تيقن الخطأ ، والمصلّي بمكة.

فروع :

أ ـ إذا صلّى الى ما أداه اجتهاده ثم أعاد الاجتهاد فأدّاه إلى أخرى صلّى الثانية إلى الجهة الأخرى‌ ولا يعيد الاولى ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ ولا نعلم فيه خلافا لأنّ الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.

ب ـ لو تغير اجتهاده في أثناء الصلاة استدار‌ إن كان الانحراف يسيرا وبنى ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الأخرى : لا ينتقل ويمضي‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٤٣ ، مختصر المزني : ١٣ ، كفاية الأخيار : ١ : ٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ١١٢ ، المغني ١ : ٥١٣ و ٥١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٦ ، كشاف القناع ١ : ٣١٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١١٩ ، اللباب ١ : ٦٤.

(٢) البقرة : ١١٥.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ١٧٦ ـ ٣٤٥ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٢ ـ ٥ ، سنن البيهقي ٢ : ١١.

(٤) المجموع ٣ : ٢٤٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٥١٤ و ٥١٥ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٦.

(٥) المجموع ٣ : ٢١٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٧.

٣٠

على اجتهاده الأول ، لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد (١).

وهو غلط ، لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلا يجوز العدول عنها ، وليس نقضا للاجتهاد بل يعمل في المستقبل كما يعمل في الصلاة الثانية.

ولو كان الانحراف كثيرا استأنف.

ج ـ لو تغير اجتهاده في الأثناء ولم يؤدّه اجتهاده إلى جهة أخرى بنى على ما مضى من صلاته‌ لأنه لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها.

وإن بان له يقين الخطأ في الصلاة ولم يعلم غيرها فإن كان الوقت متسعا استأنف الاجتهاد وإلاّ استمر على حاله ، وإن شك في اجتهاده لم يزل عن جهته لأنّ الاجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك.

د ـ لو صلّى باجتهاده فعمي في الأثناء استمر‌ ، لأنّ اجتهاده أولى من اجتهاد غيره ، فإن استدار استدرك إن تمكن وإلاّ أبطلها وبحث أو قلّد.

وإن شرع فيها وهو أعمى فأبصر في أثنائها فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمران استمر ، لأنه دخل دخولا مشروعا.

وقال بعض الجمهور : تبطل مع الخفاء لأن فرضه الاجتهاد (٢).

ولو ظهر البطلان استدار إن كان يسيرا وإلاّ استأنف.

هـ ـ لا فرق بين المسافر والحاضر. وقال أحمد : لو ظهر للحاضر الخطأ في اجتهاده استأنف سواء صلّى بدليل أو غيره ، لأن الحضر ليس محل الاجتهاد (٣).

__________________

(١) المغني ١ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٧ ، كشاف القناع ١ : ٣١٠ ـ ٣١١.

(٢) المجموع ٣ : ٢٢٩ ، المغني ١ : ٥١١ ـ ٥١٢ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٥.

(٣) المغني ١ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٥ ، المحرر في الفقيه ١ : ٥٢ ، كشاف القناع ١ : ٣١١.

٣١

وقال في الأعمى : إذا كان في حضر فكالبصير لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر ، والمحاريب فإنه إذا لمس المحراب وعلم أنّه محراب وأنّه متوجه إليه فهو كالبصير (١).

و ـ لو صلّى الأعمى بقول البصير ، فقال له آخر : قد أخطأ بك فإن كان الثاني أعدل انحرف‌ ، وإن انعكس ، أو تساويا استمر ، ولو أخبره بالخطإ متيقن استدار إن كان بين المشرق والمغرب وإلاّ استأنف.

مسألة ١٤٩ : الأعمى يجب عليه الاستقبال إجماعا‌ إلاّ داود فإنه قال : يصلّي إلى أيّ جهة شاء لأنّه عاجز (٢) ، وهو خطأ لعموم الأمر ، والعجز ينتفي بالسؤال كالعاميّ أو بالصلاة إلى أربع جهات ؛ ولا يجوز له تقليد الفاسق ، وظاهر مذهب الشافعي : الجواز لانتفاء التهمة في مثل هذا (٣). والحق خلافه. وله في تقليد الصبيّ قولان (٤) ، والوجه : المنع لأنّه ليس من أهل التكليف ، ويعلم انتفاء الحرج عنه.

مسألة ١٥٠ : من ترك الاستقبال عمدا بطلت صلاته‌ ، وأعاد في الوقت وخارجه ، بإجماع العلماء لانتفاء شرط الصلاة.

ولو صلّى ظانا ثم ظهر الخطأ فإن كان بين المشرق والمغرب وهو في الصلاة استدار ، ولو تبين بعد فراغه لم يعد إجماعا ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) (٥).

__________________

(١) المغني ١ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٥ ، كشاف القناع ١ : ٣١١.

(٢) حلية العلماء ٢ : ٦٤.

(٣) المجموع ٣ : ٢٠١.

(٤) المجموع ٣ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٢ : ٦١ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٦.

(٥) سنن الترمذي ٢ : ١٧١ و ١٧٣ ـ ٣٤٢ و ٣٤٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٣ ـ ١٠١١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٠ و ٢٧١ ـ ١ و ٢.

٣٢

ولو بان أنه صلّى الى المشرق أو المغرب أعاد في الوقت ، لأنه أخلّ بشرط الصلاة مع بقاء وقته ، ولو خرج الوقت احتمل مساواته للاستدبار فيعيد ، وعدم القضاء لأنه تكليف ثان والأصل عدمه.

ولما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي الى غير القبلة ، ويصحى فيعلم أنه صلّى الى غير القبلة كيف يصنع؟ قال : « إن كان في وقت فليعد صلاته ، وإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده » (١).

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : لا يعيد مطلقا. وللشافعي قولان (٢) وقد سبق.

قال الشيخ : إذا صلّى الى غير القبلة ناسيا ، أو لشبهة أعاد إن كان الوقت باقيا ، ولو كان قد خرج لم يعد (٣). فألحقه بالظانّ ، وفيه إشكال.

مسألة ١٥١ : قد بيّنا أن المجتهد ليس له أن يقلد بل يجتهد‌ فإن ضاق الوقت فالأقرب أنّ له التقليد ، ولو فقد من يقلده صلّى الى أيّ جهة شاء ولا إعادة عليه لأنه امتثل المأمور به ، وهو أحد وجوه الشافعي. وله ثان : أنّه يصلي كيف اتفق ثم يجتهد ويقضي. وثالث : أنه لا يصلّي الى أن يتم الاجتهاد وإن خرج الوقت (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ١٥٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩١.

(٢) اللباب ١ : ٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ١١٢ ، المغني ١ : ٥١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٥٢٦ ، فتح العزيز ٣ : ٢٣٣ ، السراج الوهاج : ٤٠ ، المجموع ٣ : ٢٢٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥ ، الوجيز ١ : ٣٩.

(٣) النهاية : ٦٤.

(٤) المجموع ٣ : ٢٣٠ ، فتح العزيز ٣ : ٢٢٧ و ٢٢٨ ، السراج الوهاج : ٤٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩.

٣٣

ولو كان محبوسا أو في ظلمة صلّى إلى أربع جهات مع السعة ، ومع الضيق الى أيّ جهة شاء. وللشافعي قولان : أحدهما : أنه يقلد ، وفي القضاء وجهان ، والثاني : أنه لا يقلد ويصلّي كيف اتفق ويقضي (١).

ولو صلّى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات ولم يتبين الخطأ فلا قضاء عليه.

ولو قال للأعمى : الشمس وراءك وهو عدل وجب قبول قوله لأنه إخبار عن محسوس لا اجتهاد.

مسألة ١٥٢ : تجوز الصلاة في السفينة فرضا ونفلا‌ ، والأفضل الشط مع التمكن ، فإن صلّى فيها وجب القيام ، والاستقبال مع المكنة ، فإن تعذر القيام والشط صلّى جالسا مستقبلا ، فإن دارت السفينة فليدر معها ويستقبل القبلة ، فإن تعذر استقبل بتكبيرة الافتتاح ثم يصلّي كيف ما دارت ، ويجوز أن يصلّي النوافل الى رأس السفينة إذا تعذر الاستقبال.

سئل الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة فقال : « إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فاخرجوا ، وإن لم تقدروا فصلّوا قياما ، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا وتحروا القبلة » (٢).

وقال سليمان بن خالد : سألته عن الصلاة في السفينة ، فقال : « يصلّي قائما فإن لم يستطع القيام فليجلس ويصلّي وهو مستقبل القبلة ، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك ، وإن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه وليتحر القبلة بجهده » ، وقال : « يصلّي النافلة مستقبل صدر‌

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢٣٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٩ ، السراج الوهاج : ٤٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٧٥. فتح العزيز ٣ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٧٠ ـ ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦١ ، قرب الإسناد : ١١.

٣٤

السفينة وهو مستقبل القبلة إذا كبّر ثم لا يضره حيث دارت » (١).

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يصلّي مختارا في السفينة قائما أو قاعدا (٢).

والحق ما ذكرناه ، وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد (٣).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧١ ـ ٣٧٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٠٩.

(٣) المجموع ٣ : ٢٤٢ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٣ ، الميزان ١ : ١٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٠٩.

٣٥
٣٦

الفصل السادس : في الأذان والإقامة‌

ومباحثه أربعة :

الأول : الماهيّة‌

مسألة ١٥٣ : الأذان لغة الإعلام ، وشرعا الإعلام بأوقات الصلوات بألفاظ مخصوصة : وهو عند أهل البيت عليهم‌السلام مستفاد من الوحي على لسان جبرئيل عليه‌السلام تلقينا ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « لمّا هبط جبرئيل عليه‌السلام بالأذان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رأسه في حجر علي عليه‌السلام فأذن جبرئيل عليه‌السلام وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : أدع بلالا فعلّمه فدعا علي عليه‌السلام بلالا وعلّمه » (١).

ولأنه أمر مشروع مأمور به من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال الله تعالى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ولأنّ الأمور‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ١٨٣ ـ ٨٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١٠٩٩.

(٢) النجم : ٣ و ٤.

٣٧

الشرعية منوطة بالمصالح والفطنة (١) البشرية تعجز عن إدراكها ، ولا يعلمها مفصّلة إلاّ الله تعالى فلا خيرة فيها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأن ما هو أقل منها ذكرا مستفاد من الوحي فكيف هذا المهم.

وأطبق الجمهور على أنّ محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد قال : لمّا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي ـ وأنا نائم ـ رجل يحمل ناقوسا في يده ، قلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال : وما تصنع به؟ قلت : ندعو به الى الصلاة قال : أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له : بلى ، فقال : تقول : الله أكبر إلى آخر الأذان ، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر إلى آخر الإقامة ، فلمّا أصبحت أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بما رأيت ، فقال : ( إنّها رؤيا حق إن شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى منك صوتا ) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذّن به (٢).

وهذا الحديث مدفوع من وجوه :

أ ـ اختلاف الرواية فيه فإن بعضهم روى أن عبد الله بن زيد لمّا أمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعليم بلال قال : ائذن لي حتى أؤذن مرّة فأكون أول مؤذن في الإسلام ، فأذن له فأذّن (٣).

__________________

(١) في نسخة « ش » : والفطرة.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٣٥ ـ ٤٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٢ ـ ٧٠٦ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٩ ـ ١٨٩ ، سنن الدارمي ١ : ٢٦٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٤٥ ـ ٥٦ ، سنن البيهقي ١ : ٣٩٠.

(٣) أورد نحوه أبو داود في سننه ١ : ١٤١ ـ ٥١٢ وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ٦٧ ـ ٦٨.

٣٨

ب ـ شهادة المرء لنفسه غير مسموعة ، وهذا منصب جليل فلا يسمع قوله عن نفسه فيه.

ج ـ كيف يصح أن يأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناقوس مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخ شريعة عيسى.

د ـ كيف أمر بالناقوس ثم رجع عنه؟! إن كان الأمر به مصلحة استحال نسخه قبل فعله وإلاّ استحال أمره به.

هـ ـ إن كان أمره بالناقوس بالوحي لم يكن له تغييره إلاّ بوحي مثله فإن كان الأذان بوحي فهو المطلوب وإلاّ لزم الخطأ ، وإن لم يكن الأمر بالناقوس بالوحي كان منافيا لقوله تعالى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (١).

و ـ كيف يصح استناد هذه العبادة الشريفة العامة البلوى المؤبدة الموضوعة علامة على أشرف العبادات وأهمّها الى منام من يجوز عليه الغلط؟!! والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يلق عليه ، ولا على أجلاء الصحابة.

ز ـ أهل البيت عليهم‌السلام أعرف بمواقع الوحي والتنزيل ، وقد نصّوا على أنه بوحي.

وقال الباقر عليه‌السلام : « لما اسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل عليه‌السلام وأقام فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢). ومثل هذا الذي تعبّد به الملائكة وغيرهم يستحيل استناده إلى الاجتهاد الذي تجوّزونه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) النجم : ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤.

٣٩

مسألة ١٥٤ : والأذان من وكيد السنن إجماعا‌ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون : رجل ينادي بالصلوات الخمس في كلّ يوم وليلة ، ورجل يؤم قوما وهم به راضون ، وعبد أدّى حقّ الله وحقّ مواليه ) (١).

وقال عليه‌السلام : ( من أذّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة ، وكتب له بكل أذان ستون حسنة ، وبكلّ إقامة ثلاثون حسنة ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ثلاثة في الجنّة على المسك الأذفر : مؤذن أذن احتسابا ، وإمام أمّ قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه » (٤).

وقال الباقر عليه‌السلام : « من أذّن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا ذنب له » (٥).

مسألة ١٥٥ : الإمامة أفضل من الأذان‌ وهو أحد قولي الشافعي (٦) لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل الإمامة ولم يشتغل بالأذان والإقامة بل قام بهما غيره ، ولا يجوز أن يترك الأفضل لغيره ، ولأن الإمام يحتاج إلى معرفة أحوال الصلاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٧ ـ ٢٧ ، عوالي اللئالي ٤ : ١٦ ـ ٤١ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٩٧ ـ ٢٥٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٢٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٤١ ـ ٧٢٨ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٠٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٨١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٦ ، ثواب الاعمال : ٥٢ ـ ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٨ ، ثواب الاعمال : ٥٢ ـ ١.

(٦) المجموع ٣ : ٧٨ ـ ٧٩ ، فتح العزيز ٣ : ١٩٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٦١ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٠ ، السراج الوهاج : ٣٨.

٤٠