منازل الآخرة والمطالب الفاخرة

الشيخ عباس القمي

منازل الآخرة والمطالب الفاخرة

المؤلف:

الشيخ عباس القمي


المحقق: السيد ياسين الموسوي
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-223-9
الصفحات: ٣٠٨

خاتمة

في ذِكر عِدّة أخبار في شدّة عذاب جهنّم

(أعاذنا الله تعالى منها)

وجملة من قصص الخائفين

وبعض الأمثال من « بلوهر ويوزاسف »

وغيره ممّا ينبّه المؤمنين

٢٤١
٢٤٢

أما الأخبار

* الأول : روي بسند صحيح (١) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

قلت له : يابن رسول الله خوفني فانّ قلبي قدقسى.

فقال : يا أبا محمّد استعدّ للحياة الطويلة ، فانّ جبرئيل جاء الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قاطب ، وق كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرائيل جئتي اليوم قاطباً؟

فقال : يا محمّد قد وُضعت منافخ النار.

فقال : وما منافخ النار يا جبرئيل؟

فقال : يا محمّد انّ الله عزوجلّ أمر بالنار فنفخ عليها ألف عام حتّى اسودت فهي سوداء مظلمة.

لو انّ قطرة من الضريع قَطَرت في شراب أهل الدنيا لمات اهلها من نتنها.

ولو انّ حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرّها.

__________________

(١) السند هو : علي بن ابراهيم عن محمّد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام فالسند بحسب الاصطلاح صحيح عال.

٢٤٣

ولو انّ سربالاًَ من سرابيل أهل النار علّق بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه.

قال : فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبكى جبرئيل ، فبعث الله إليها ملكاً ، فقال لهما : انّ ربّكما يقرؤكما السلام ويقول : قد أمنتكما أن تذيبا ذنباً اعذبكما عليه.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل مبتسماً بعد ذلك ثمّ قال : انّ أهل النار يعظمون النار وانّ أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم ، وانّ جهنم اذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً ، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد ، والعيدوا في دركها ، فهذا حالهم ، وهو قول الله عزّوجلّ : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (١).

ثمّ تبدل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.

قال : أبو عبد الله عليه‌السلام : حسبك؟

قلت : حسبي ، حسبي (٢).

* الثاني : وروي في حديث عن الامام الصادق عليه‌السلام (٣) انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خبر المعراج :

... حتّى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلاّ كان ضاحكاً مستبشراً حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقاً منه كريه المنظرن ظاهر الغضب. فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلاّ انّه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ، وما رأيت ممن ضحك من الملائكة.

فقلت : مَن هذا يا جبرئيل؟ فانّي قد فزعت.

فقال : يجوز أن تفرع منه ، وكلنا نفزع منه ، وهذا مالك خازن النار ، لم يضحك

__________________

(١) سورة الحجّ : الآية ٢٢.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٨١ ، وعنه المجلسي في البحار : ج ٨ ، ص ٢٨٠.

(٣) روى الشيخ الجليل علي بن ابراهيم عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... والسند صحيح عال ـ بحسب الاصطلاح.

٢٤٤

قط ، ولم يزل منذ ولاّه الله جهنم يزداد كل يوم غضباً وغيظاً على ِأعداء الله وأهل معصيته ، فينتقم الله به منهم ، ولو ضحك الى أحد قبلك ، أو كان ضاحكاً لأحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك.

فسلمت عليه فرضَّ علي السلام ، وبشرني بالجنة.

فقلت لجبرئيل ـ وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله ـ ( مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) (١) ألا تأمره أن يريني النار؟

فقال له جبرئيل : يا مالك! أر محمّداً النار.

فكشف عنها غطاءها ، وفتح باباً منها ، فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت فارتعدت حتّى ظننت ليتناولني مما رأيت.

فقلت له : يا جبرائيل! قل له ، فليرد عليها غطاءها.

فأمرها. فقال لها : ارجعي.

فرجعت الى مكانها الذي خرجت منه (٢).

* الثالثُ : روي بسند معتبر عن الامام الصادق عليه‌السلام :

قال : ما خلق الله خلقاً إلاّ جعل له في الجنة منزلاً ، وفي النار منزلاً ، فإذا سكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار؟ نادى مناد : يا أهل الجنة اشرفوا.

فيشرفون على النار ، وترفع لهم منازلهم في النار.

ثمّ يقال لهم : هذه منازلكم التي لو عصيثتم ربّكم دخلتموها.

قال : فلو انّ أحداً مات فرحاً ، لمات أهل الجنة في ذلك اليوم فرحاً لما صرف عنهم من العذاب.

ثمّ ينادي منادٍ يامعشر أهل النار ارفعوا رؤوسكم ، فانظروا الى منازلكم في الجنة.

فيرفعون رؤوسهم ، فينظرون الى منازلهم في الجنة ، وما فيها من النعيم.

__________________

(١) سورة التكوير : الآية ٢١.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ : ص ٥ ، وعنه في البحار : ج ٨ ، ص ٢٩١.

٢٤٥

فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو اطعتم ربّكم دخلتموها.

قال : فلو انّ أحداً مات حزناً لمات أهل النار ذلك اليوم حزناً.

فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ، وهؤلاء منازل هؤلاء! وذلك قول الله عزّوجلّ : ( يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) (٢).

* الرابع : وروي عنه عليه‌السلام :

ينادي منادٍ من عند الله وذلك بعدما صار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار : يا أهل الجنة! ويا أهل النار! هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟

فيقولون : لا.

فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثمّ ينادون جميعاً : اشرفوا ، وانظروا الى الموت.

فيشرفون ، ثمّ يأمر الله به فيذبح. ثمّ يقال : يا أهل الجنة! خلود فلا موت أبداً. ويا أهل النار! خلود فلاموت أبداً. وهو قوله ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ) (٣).

أي قضي على أهل الجنة بالخلود. وعلى أهل النار بالخلود فيها (٤).

__________________

(١) المؤمنون : الآية : ١١.

(٢) أقول روى هذا الخبر الشريف الشيخ القمّي بالسناده عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير. في تفسير الآية الشريفة : ج ٢ ، ص ٨٩.

ورواه أيظاً الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، بإسناده عن أبيه ، عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين أبي سعيد عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام. والسنتد معتبر على كل حال غاية الأمر إما صحيح مع عدم ثبوت وقف عثمان بن عيسى وعدم ثبوت وقف سماعة بن مهران. إما موثّق على القول بوقف سماعة او القول بوقف عثمان ـ كما عليه الأكثر ـ بعكس سماعة فانّ الأكثر قائلين بعدم وقفه بل لا دليل على وقفه إلاّ ما ذكره الصدوق قدس الله نفسه.

(٣) سورة مريم : الآية ٣٩.

(٤) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٥١. بإسناده عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سئل عن قوله (وانذرهم يوم الحسرة) الآية ، قالك ينادي مناد من عند الله ... الحديث ، ونقله عنه المجلسي في البحار : ج ٨ ، ص ٣٤٦ ، ح ٤.

٢٤٦

* الخامس : روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال :

وأما أهل المعصية فخلدوا (١) في النار ، وأوثق منهم الاقدام ، وغل منهم الأيدي الى الاعناق ، وألبس اجسادهم سرابيل القطران ، وقطعت لهم منها مقطعات من النار ، وهم في عذاب قد اشتد حرّه ، ونار قد اطبق على أهلها ، فلا يفتح عنهم أبداً ولايدخل عليهم ريح أبداًَ ، ولا ينقضي منهم عمر أبداً ، العذاب أبتداً شديد ، والعقاب أبداً جديد ، لا الدار زائله فتفنى ، ولا آجال القوم تقضى ، ثمّ حكى نداء أهل النار ، فقال : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) قال : أي نموت ، فيقول مالك ( إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ) (٢) (٣).

* السادس : روي بسند معتبر (٤) عن الامام الصادق عليه‌السلام :

انّ في النار لناراً (٥) يتعوذ منها أهل النار ما خلقت إلاّ لكل متكبر جبار عنيد ، ولكل شيطان مريد ، ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، ولكل ناصب العداوة لآل محمّد.

وقال : انّ أهون الناس عذاباً يوم القيامة لرجل في ضحضاح من نار عليه نعلان من نار ، وشراكان من نار ، يغلي منها دماغ كما يغلي المرجل ، ما يرى انّ في النار أحداً أشدّ عذاباً منه ، وما في النار أحد أهون عذاباً منه (٦).

* * *

__________________

(١) هكذا في المصدر ، وأما في البحار : (فخذلهم) وفي نسخة بدل منه (فخلّدهم) ، وأما المؤلّف فترجم العبارة (فخدّلهم ). وعلى كل حال فالعبارة لم تخلو من التصحيف.

(٢) سورة الزخرف : الآية ٧٧.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٨٩. وعنه في بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ٢٩٢ ، ح ٣٤.

(٤) رواه القمّي في تفسيره : ج ٢ : ص ٢٥٧ بإسناده عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

ومنشأ القول بالاعتبار ما وقع في حال منصور بن موسى فانّ الشيخ اتهمه بالوقف وروى الكشي في رجاله رواية تنص على وقفه ورواها أيضاً الصدوق في (عيون أخبار الرضا). ومع ذلك فالكلام في وقفه محل تأمّل بل كلام.

(٥) هكذا في المصدر وفي البحار ولكن المؤلّف رَحمه اللهُ ترجم العبارة (انّ في جهنّم لبئراً .. ).

(٦) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

ورواه المجلسي في البحار : ج ٨ : ص ٢٩٥ ح ٤٤ ، والإسناد إما صحيح أو موثق. فهو معتبر على كل حال.

٢٤٧

٢٤٨

في ذِكر قصص الخائفين

* القصة الاُولى :

روى الشيخ الكليني بسند معتبر (١) عن الامام علي بن الحسين عليه‌السلام :

انّ رجلاً ركب البحر بأهله فكسر بهم ، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل ، فانّها نجت على لوح من ألواح السفينة حتّى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجلٌ يقطع الطريق ، ولم يدع لله حرمة إلاّ انتهكها ، فلم نعلم إلاّ والمرأة قائمة على رأسه ، فرفع رأسه إليها ، فقال : إنسية أم جنية؟

فقال : إنسية.

فلم يكلما كلمة حتّى جلس منها مجلس الرجل من أهله ، فلما إن همّ بها ، اضطربت ، فقال لها : مالك تضطربين؟

فقالت : أفرق من هذا ـ وأومأت بيدها الى السماء.

قال : فصنعت من هذا شيئاً؟

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٦٩ بإسناده عن علي بن ابراهيم عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن بن الحسين عن محمّد بن سنان عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عن محمّد بن سنان عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما (قال) : ... الحديث والسند صحيح على الظاهر فانّ الحسن بن الحسين هن اللؤلؤي الوحيد البهبهاني وغيره ، وقد خدش به البعض ولهذا توقف المؤلّف في تصحيح السند واكتفى باعتباره.

٢٤٩

قالت : لا ، وعزّته ، قال : فأنت تفقي منه هذا القرق ولم تصنعي من هذا شيئاً ، وانّما استكرهك استكراهاً ، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف ، وأحق منك.

قال : فقام ، ولم يحدث شيئاً ، ورجع الى أهله ، وليست له همّة إلاّ التوبة والمراجعة فبينما هو يمشي اذ يظلنا بغمامة فقد حميت علينا الشمس.

فقال الشباب : ما اعلم انّ لي عند ربي حسنة فاتجاسر على أن أسأله شيئاً.

قال : فادعو أنا ، وتؤمّن أنت ، قال : نعم.

فأقبل الراهب يدعو والشابّ يؤمنّ ، فما كان بأسرع من أن اظلتهما غمامة ، فشيا تحتها ملياً من النهار ، ثمّ تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة ، وأخذ الراهب في واحدة ، فإذا السحابة مع الشاب ، فقال الراهب : أنت خير مني ، لك استجيب ولم يستجب لي ، فاخبرني ما قصتك؟

فأخبره بخبر المرأة ، فقال : غُفر لك ما مضى ، حيث دخلك الخوف ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل (١).

* القصة الثانية :

روى الشيخ الصدوق :

دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً فسلم ، فرد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال :

ما يبكيك يا معاذ؟

فقال : يا رسول الله انّ بالباب شاباًَ طري الجسد نقي اللون ، حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادخل عليّ الشباب يامعاذ.

فادخله عليه ، فسلّم فرد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : ما يبكيك يا شاب؟

قال : كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً إن أخذني الله عزّوجلّ ببعضها ادخلني

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ٦٩.

٢٥٠

نارجهنم ، ولا أراني إلاّ سيأخذني بها ، ولا يغفر لي أبداً.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل أشركت بالله شيئاً؟

قال : أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئاً.

قال : أقتلت النفس التي حرم الله؟

قال : لا.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي.

قال الشباب : فانّهم أعظم من الجبال الرواسي.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يغفر الله لك ذيوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.

قال : فانّها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها ومن الخلق.

فقال : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي.

قال : فانّها أعظم من ذلك.

قال : فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كهيئة الغضبان ، ثمّ قال ، ويحك يا شاب اذنوبك أعظم ، أم ربك؟

فخرّ الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان الله ربي ، ما شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهل يغفر الذنب العظيم إلاّ الرب العظيم؟

ثمّ سكت الشاب : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحدمن ذنوبك؟

قال : بلى ، اخبرك ، انّي كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات ، وانزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلما حملت الى قبرها ودفنت

٢٥١

وانصرف عنها أهلها ، وجنّ عليهم الليل أتيت قبرها ، فنبشتها ، ثمّ استخرجتها ، ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها متجردها على شفير قبرها ، ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشيطان ، فأقبل يزينها لي ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها ، فلم يزل يقول لي هذا ، حتّى رجعت عليها ، ولم أملك نفسي حتّى جامعتها ، وتركتها مكانها ، فإذا بصورت من ورائي يقول : يا شاب!ويل لك من ديّان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك ، كما تركتني عريانة في عساكر الموت ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة الى حسابي ، فويل لشبابك من النار.

فما اظنّ انّي اشمّ ريح الجنة أبداً ، فما ترى لي يا رسول الله؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تنح عني يا فاسق ، انّي أخاف أن احترق بنارك ، فما أقربك من النار.

ثمّ لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، ويشير إليه حتّى أمعن من بين يديه.

فذهب فأتى المدينة ، فتزود منها ، ثمّ أتى بعض جبالها ، فتعبد فيها ، ولبس مسحاً ، وغلّ يديه جميعاً الى عنقه ونادي : يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا ربّ أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم سيدي يا ربّ انّي أصبحت من انادمين ، وأتيت نبيك تائباً فطردني ، وازادني خوفاً ، فاسألك باسمك وجلالك ، وعظمة سلطانك أتن لا تخيب رجائي : سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنظني من رحمتك فلم يزل يقول مذلك أربعين يوماً وليلة تبكي له السباع والو حوش. فلما تمت له أربعون يوماً وليلة رفع يديه لاى السماء وقال اللهمّ ما فعلت في حاجتي ، إن كنت استجبت دعائي ، وغفرت خطيئتي ، فاوح الى نبيك. وإن لم تستجب لي دعائي ، ولم تغففر لي خطيئتي ، واردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني ، وأو عقوبة في نالدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة.

فانزل الله تبارك وتعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا

٢٥٢

الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (١).

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج وهو يتلوها ويبتسم. فقال لأصحابه :

من يدلني على ذلك الشاب التائب؟

فقال معاذ يا رسول الله بلغنا انّها في موضع كذا وكذا ، فمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه حتّى انتهوا الى ذلك الجبل ، فصعدوا إليه يطلبون الشاب ، فإذا هم بالشاب قائم بين خصرتين مغلولةً يداه الى عنقه ، وقد اسود وجه ، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : سيدي قد أحسنت خلقي ، وأحسنت صورتي ، فليت شعري ماذا تريد بي أفي النار تحرقني ، أم في جوارك تسكنني؟

اللهمّ انّ خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي ، أم تفضحني بها يوم القيامة.

فلم يزل يقول نحو هذا ، وهو يبكي ، ويحثو التراب على رأسه ، وقد أحاطت به السباع ، وصفت قوقه الطير ، وهم يبكون لبكائه. فدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأطلق يديه من عتقه ، ونفض التراب عن رأسه وقال :

يا بهلول! أبشر فانّك عتيق الله من النار.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : هكذا تداركوا الذنوب ، كما تداركها بهلول.

ابشر فانّك عبيق الله من النار.

ثمّ تلا عليه ما انزل الله عزّوجل فيه ، وبشره بالجنة) (٢).

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٣٥ ـ ١٣٦. وفي المصدر وردت ألفاظ الآيتين الشريفتين مع التفسير ، ويبدو انّ التفسير من الراوي ، وقد تركه المؤلف رحمه‌الله تعالى ، وبما انّ التفسير ورد عن غير المعصومين عليهم‌السلام رأينا تركه أسلم.

(٢) رواه الصدوق في لا أمالي : ص ٤٥ ـ ٤٧ ، المجلس ١١ ، ح ٣. ورواه عنه المجلسي في البحر : ج ٦ ، ص ٢٣ ـ ٢٦.

٢٥٣

* يقول المؤلّف : قال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في (عين الحياة) في ذيل هذا الخبر ما ملخصه :

ليعلم انّ للتوبة شروطاً ودوافع :

الأول : من الأشياء التي تحرك الانسان للتوبة هو أن يفكر في عظمة الله تعالى الذي عصاه وكذلك في كبر تلك المعاصي التي ارتكبها ، وفي عقوبات تلك الذنوب وآثارها السيئة في الدنيا والآخرة التي وردت في الآيات والأخبار ، ومن ثمّ سوف يكون هذا التفكير باعثاً لندامته ، وسوف تصير هذه الندامة باعثاً له على ثلاثة أشياء تتركب منها التوبة :

الأول منها : مرتبطة بحاضره وهو أن يترك تلك الذيوب التي ارتكبها بالحال. الثاني : متعلق بالمستقبل وهو أن يعزم جازماً على لا يعود الى تلك الذنوب الى آخر العمر.

والثالث : متعلق بالماضي ، وهو أن يندم على ما مضى ويتدارك ما فات منه اذا كان مما يتدارك.

واعلم انّ الذنوب التي يتاب منها على عدّة أقسام :

الأول : أن يكون ذنباً لا يستلزم حكماً آخر غير العقوبة الاخروية كلبس الحريز ولبس خاتم الذهب للرجل فانّه يكفي للتوبة منها نفس الندم والعزم على عدم العود وبهما يدفع العقاب الاخروي.

الثاني : أن يستلزم حكماً آخر وهو على عدّة أقسام : فأما أن يكون حقاً لله ، أو حقّاً للخلق.

وأما حقّ الله ، فهو إما ماليّ : مثل أن يذنب ما يلزمه عتق رقبة فانّه اذا كان قادراً عليه ، فلا يرفع عنه العذاب بمجرد الندم ، بل يجب عليه أن يؤدي تلك الكفارة.

أو حقّ غير ماليّ : مثل الصلاة أو الصيام الذي يفوته فانّه يجب عليه أن يقضي ما فاته.

٢٥٤

أو أن يعمل عملاً قد شرع الله تعالى له حدّاً مثل شرب الخمر ، فما لم يثبت عند الحاكم الشرعي فهو مختار إن شاء ستره بينه وبين الله ولا يظهر ذلك لأحد.

وإن شاء أن يقرّ عند الحاكم ليقيم عليه الحدّ ، وعدم الاظهار أحسن (١).

__________________

(١) أقول روى الشيخ الكليني رحمه‌الله تعالى في الكافي الشريق عن امير المؤمنين عليه‌السلام ، انّه أتاه رجل بالكوفة ، فقال : يا أمير المؤمنين انّي زنيب فطهرني.

قال : ممّن أنت؟

قال : من مزينة.

قال : اتقرأمن القرآن شيئاً؟

قال : بلى.

قال : فاقرأ.

فقرأ ، فاجاد.

فقال : أبك جنّة؟

قال : لا.

قال : فاذهب حتّى نسأل عنك.

فذهب الرجل ، ثمّ رجع إليه بعد ، فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام فذثب وقال : حتّى يسأل عنك. فبعث الى قومه فسأل عن خيره ، فقالوا : يا أمير المؤمنين صحيح العقل.

فرجع إليه الثالثة ، فقال له مثل مقالته.

فقال : له اذهب حتّى نسأل عنك.

فرجع إليه الرابعة ، فلما أقرَّ قال : أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر : احتفظ به. ثمّ غضب ، ثمّ قال : ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملأ ، أفلا تاب في بيته ، فوالله لتوبته فيما بينه وبين الله أفضل من إقامتي عليه الحدّ ... الحديث.

الكافي الشريف : ج ٧ ، ص ١٨٨ ، ح ٣.

وروى أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل أقر على نفسه الزنا في حديث قال صلى الله عليه وآله في ذيله : ( لو استتر ثمّ تاب كان خيراً له).

٢٥٥

وأما لو كان حقاً للناس :

فإن كان حقاً مالياً فيجب عليه أن يوصله لصاحب الحقّ ، أو وارثه.

وأما اذا لم يكن حقاً مالياً ، فإن كان قد أضلّ انساناً فيجب عليه هدايته.

وإن كان حدّاًَ مثل قول الفحش فإن كان ذلك الشخص عالماً باهانته له ، فعليه أن يمكّنه من الحدّ من نفسه.

وإن لي يكن عالماً ففيه خلاف بين العلماء ، ويرى الأكثر إن كان اخباره يوجب أذاه واهانته ، فلا يلزم الإخبار لذلك.

وكذلك الحكم اذا استغاب انساناً ، انتهى (١).

__________________

الكافي : ج ٧ ، ص ١٨٥ ، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب : ج ١٠ ، ص ٨ ، ح ٢٢.

(١) أقول : من المناسب في هذا المقام جداً أن انقل الرواية الشريفة التي رواها السيّد الرضي رضي الله تعالى عنه في (نهج البلاغة) في باب المختار من قصار كلماته عليه‌السلام : ج ٤ ، تحت رقم ٤٠٢ ، ص ٩٧ ، شرح محمّد عبده.

وقال عليه‌السلام لقائل قال بحضرته ، استغفر الله ثكلتك امك أتدري ما الاستغفار؟!

الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معانٍ :

أولها : الندم على مامضى. والثاني : العزم على ترك العود إليه أبداً.

والثالث : أن تؤدي الى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تَبِعَةٌ.

والرابع : أن تَعمِدَ الى كل فريضة عليك ضَيَّعتَها فتؤدي حقها.

والخامس : أن تَعمِدَ الى اللحم الذي نبت على السُّحت فتذيبه بالأحزان حتّى تُلصِقَ الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس : أن تذيق الجسم أَلم الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول استغفر الله.

وقد عقد الميرزا العارف الكامل العامل آية الله الشيخ جواد الملكي التبريزي ـ قدس الله روحهه الطاهرة ـ فصلاً جليلاً في كتابه الشريف (السير الى الله) حول المعصية ، نحيلك عليه لما حوى ذلك الفصل من الآداب المهمّة والمطالب الجليلة.

السير الى الله ، تأليف الميرزا الملكي التبريزي ، ترجمة وشرح صاحب هذه السطور : ص ١ي٤٧ ـ ١٧٧ ، الطبعة الاُولى ، دار التعارف بيروت.

كذلك يستحسن مراجعة ما كتبه الشيخ السالك العارف الواصل الشيخ البهاري

٢٥٦

* القصة الثالثة :

روى ابن بابويه قال :

بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحرّ ، اذ جاء رجل فنزع ثيابه ، ثمّ جعل يتمرغ في الرمضاء يكوي ظهره مرّة ، وبطنه مرّة ، وجبهته مرّة ، ويقول :

يا نفس! ذوقي فما عند الله عند عزّوجلّ أعظم مما صنعت بك ، ورسول الله ييظر الى ما يصنع ، ثمّ انّ الرجل لبس ثيابه ، ثمّ اقبل ، فأومأ إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، ودعاه ، فقال له : ياعبدالله! لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس صنعه ، فيما حملك على ما صنعت؟!!

فقال الرجل : حملني على ذلك مخافة الله عزّوجلّ ، وقلت لنفسي : يانفس ذوقي ، فما عند الله أعظم مما صنعت بك.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد خفت ربّك حقّ مخافته ، وانّ ربّك ليباهي بك أهل السماء. ثمّ قال لأصحابه : يامعاشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتّى يدعولكم.

فدنوا منه ، فدعا لهم ، وقال لهم : « الّلهمّ اجمع أمرنا على الهدى ، واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا » (١).

* القصة الرابعة :

روي عن الامام محمّد الباقر عليه‌السلام قال :

خرجت امرأة بغيّ على شباب من بني اسرائيل فأفتنتهم. فقال بعضهم ك لو كان العابد فلاناً رآها افتنته.

__________________

الهمداني قدس الله روحه الطاهرة في كتابه (تذكرة المتقين).

ويستحسن أن تقرأ ما كتبه الخواجه نصير الدين الطوسي في كتاب ( أوصاف الأشراف).

فراجعها واستفد.

(١) رواه الصدوق رحمه‌الله في الأمالي : ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، المجلس ٥٤ ، ح ٢٦ ، ورواه عنه المجلسي في البحار : ج ٧٠ ، ص ٣٧٨ ، ح ٢٣.

٢٥٧

وسمعت مقالتهم ، فقالت : والله لا أنصرف الى منزلي حتّى أفتنه.

فمضت نحوه تفي الليل ، فدقّت عليه.

فقالت : آوي عندك ، فأبي عليها.

فقالت : انّ بعض شباب بني اسرائيل راودوني عن نفسي ، فإن ادخلتني ، وإلاّ لحقوني وفضحوني. فلمّا سمع مقالتها فتح لها ، فلمّا دخلت عليه ، رمت بثيابها ، فلما رأى جمالها ، وهيئتها وقعت في نفسه.

فضرب يده عليها ، ثمّ رجعت إليه نفسه ، وقد كان يوقد تحت قدر له ، فأقبل حتّى وضع يده على النار.

فقالت : أي شيء تصنع؟

فقال : احرقها لأنها عملت العمل.

فخرجت حتّى أتت جماعة بني اسرائيل ، فقالت ، الحقوا فلاناً ، فقد وضع يده على النار.

فاقبلوا ، فلحقِِهوه وقد احترقت يده (١).

* القصة الخامسة :

روى ابن بابويه عن عروة بن الزبير انّه قال :

كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتذكرنا أعمال أهل بدر ، وبيعة الرضوان.

فقال أبو الدرداء : يا قوم ألا اخبركم بأقل القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم اجتهاد في العبادة؟

قالوا : من؟

__________________

(١) رواه الراوندي في قصص الأنبياء : ص ١٨٣ ، الباب ٩ ، الفصل ٣ ، ح ٢٢٢ ، ونقله عنه المجلسي في البحار : ج ١٤ ، ص ١١ ، وفي ج ٧٠ ، ص ٣٨٧ ، ح ٥٢.

٢٥٨

قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ أنتدب له رجل من الأنصار؟ فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.

فقال أبو الدرداء : يا قوم انّي قائل ما رأيت ، وليقل كل قوم منكم مارأوا.

شهدت علي بي أبي طالب عليه‌السلام بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممن يليه ، واستتربمغيلات النخل فافتقدته ، وبعد علي مكانه ، فقلت لحق بمنزله. فإذا أنا بصورة حزين ، ونغمة شجيّة ، وهو يقول :

إلهي كم من موبقة حلمت عني فقابلتها بنعمتك ، وكم منم جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.

الهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا مؤملٌ غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك.

فشغلي الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعينه ، فاستترت له ، وخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع الى الدعاء والبكاء ، والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجى ان قال :

الهي افكر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثمّ اذكر العظيم منم اخذك فتعظم عليّ بليتي.

ثمّ قال :

آه إن انا قرأت في الصحف سيئة أنا سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول خذوه ، فباله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته يرحمه الملأ إذا أُذن فيه بالنداء.

ثمّ قال :

آه من نار تنضج الأكباد والكلى ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرةٍ من ملهبات لظى.

٢٥٩

قال : ثمّ انغمر في البكاء فلم أسمع له حساً ولا حركة ، فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر.

قال أبو الدرداء : فأتيته ، فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : إنا إليه راجعون ، مات والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : فاتيت منزله مبادراً انعاه إليهم.

فقالت فاطمة عليهما‌السلام : يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ، ومن قصته؟

فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله ـ يا أبا الدرداء ـ الغشية التي تأخذه من خشية الله.

ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ، ويظر اليّ وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟

فقلت : مما اراه تنزله بنفسك.

فقال : يا أبا الدرداء! فكيف لو رأيتني ، ودعي بي الى الحساب ، وايقن أهل الجرائم بالغذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد اسلمني الاحباء ، ورحمني أهل الدنيا لَكُنت َ أشدّ رحمة لي بين يدي مَن لا تخفى عليه خافية.

فقال أبو الدراداء : فو الله ما رايت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

يقول المؤلّف : رأيت من المناسب أن انقل هذه المناجاة عنه عليه‌السلام بنفس الفاظها التي كان يقرأها ، ليقرأها من شاء في قلب الليل في وقت التهجد ، كما عمل ذلك شيخنا البهائي رحمه‌الله في كتاب (مفتاح الفلاح).

* وهذه المناجاة الشريفة هي :

« اِلهي كَم مِن موبِقَةٍ حَلُمتَ عَن مُقابَلَتهِا بِنِقمَتِكَ (٢) وَكَم مِن جَريَرةٍ تَكَرَّمتَ عَن

__________________

(١) رواه الصدوق بالإسناد الى عروة بن الزبير في الأمالي : ص ٧٢ ـ ٧٣ ، المجلس ١٨ ، ح ٩ ، ورواه عنه المجلسي في البحار : ج ٤١ ، ص ١١ ـ ١٢ ، ح ١ ، وفي : ج ٨٧ ، ص ١٩٤ ، ح ٢.

(٢) بنعمتك : خ ، ل.

٢٦٠