مفاهيم القرآن

الشيخ جعفر السبحاني

مفاهيم القرآن

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

السؤال في معنى القبر

يطلق القبر ويراد منه تارة ذلك المكان الضيّق ، وأُخرى ما يعيش فيه الإنسان بالبدن البرزخي في عالم فسيح ، فقد يطلق القبر في الروايات ويراد منه هذا المعنى.

روى الزهري ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، انّه عليه‌السلام تلا قوله تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) وقال : « هو القبر ، وانّه لهم فيه لمعيشة ضنكا ، والله إنّ القبر لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ». (٢)

روى الكليني ، عن عمرو بن يزيد ، قلت لأبي عبد الله : إنّي سمعتك ، وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنة علىٰ ما كان فيهم ، قال : « صدّقتك ، كلّهم والله في الجنة » قال : قلت : جعلت فداك انّ الذنوب كثيرة كبائر ، فقال : « أمّا في القيامة فكلّكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع ، أو وصيّ النبيّ ، ولكنّي والله أتخوّف عليكم في البرزخ » قلت : وما البرزخ ؟قال : « القبر منذ حين موته إلىٰ يوم القيامة ». (٣)

وعلى ذلك فكلّما أُطلق القبر فهو كناية عن تلك الحياة ، وذلك العالم الفسيح ، والآيات والروايات تشهد على أنّه أمر عام يشمل جميع أفراد الإنسان دون فرق بين من مات حتف أنفه أو افترسه السبع أو غرق في الماء ، ومن تحوّل بدنه إلىٰ تراب فأثارته الرياح ونشرته ، فأكثر هؤلاء لا قبر لهم بالمعنى الملموس ، وإن كان لهم قبر بالمعنى الكنائي.

إذا عرفت معنى القبر في الروايات ، فهنا مسائل ثلاث :

__________________

١. المؤمنون : ١٠٠.

٢. بحار الأنوار : ٦ / ١٥٩ ، باب سكرات الموت ، الحديث ١٩.

٣. بحار الأنوار : ٦ / ٢٦٧ ، باب أحوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله ، الحديث ١١٦.

١٨١

١. السؤال في القبر.

٢. ما يسأل عنه.

٣. عمّن يسأل.

السؤال في القبر

قال الصدوق في رسالة العقائد : اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب ، فإذا بروح وريحان في قبره ، وبجنة نعيم في الآخرة ; ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره ، وتصلية جحيم في الآخرة. (١)

وقال الشيخ المفيد : جاءت الآثار الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم على أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة فمنها أنّ ملكين لله تعالىٰ ، يقال لهما ناكر ونكير ينزلان على الميّت فيسألانه عن ربِّه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحقّ سلّموه إلى ملائكة النعيم ، وإن ارتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب. (٢)

وقال المحقّق الطوسي : وعذاب القبر واقع للإمكان وتواتر السمع بوقوعه. (٣)

والسؤال في القبر والتعذيب والتنعيم من العقائد الإسلامية التي اتّفقت عليها كافّة الفرق الإسلامية.

قال أحمد بن حنبل : وعذاب القبر حقّ يسأل العبد عن دينه ، وعن ربّه ، ويرى مقعده من النار والجنة ، ومنكر ونكير حقّ. (٤)

__________________

١. البحار : ٦ / ٢٧٩ ، باب أحوال البرزخ.

٢. شرح عقائد الصدوق : ٤٥ ، ط تبريز.

٣. كشف المراد : المقصد السادس ، المسألة ١٤.

٤. كتاب السنّة لأحمد بن حنبل : ٤٤ ـ ٥٠.

١٨٢

وقال الإمام الأشعري : ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم. (١)

وقال القاضي عبد الجبار ـ وهو من أعاظم متكلّمي المعتزلة في القرن الخامس ـ : لا خلاف فيه بين الأُمّة ، إلاّ شيء يحكىٰ عن ضرار بن عمرو ، وكان من أصحاب المعتزلة ، ثمّ التحق بالمجبرة ، ولهذا ترىٰ ابن الراوندي يشنع علينا ، ويقول : إنّ المعتزلة ينكرون عذاب القبر ولا يقرّون به. (٢)

وهذا النوع من الاعتقاد العام رهن روايات وردت في القبر وسؤاله وعذابه ، والروايات في هذا الباب متضافرة بل متواترة ، ولكن ليس فيها أيّ إشارة إلىٰ أنّ المسؤول هو البدن العنصري ، ولذلك قلنا إنّ المسؤول هو البدن البرزخي فلا مناص من إرجاع السؤال والعذاب والروح والريحان إلى البدن البرزخي.

نعم ربما يعبر عنه بالقالب المثالي ، وهذا هو الإمام الصادق عليه‌السلام يصف البدن ، يقول أبو ولاّد الحناط : قلت له : جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال : « لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، لكن في أبدان كأبدانهم ». (٣)

وفي رواية أُخرىٰ عنه عليه‌السلام : « فإذا قبضه الله عزّوجلّ صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا ». (٤)

نعم ربما يستفاد من بعض الروايات أنّ المسؤول والمعذَّب والمنعّم هو هذا

__________________

١. مقالات الإسلاميين : ٣٢٠ ـ ٣٢٥.

٢. شرح الأُصول الخمسة : ٧٣٠.

٣. البحار : ٦ / ٢٦٨ ، باب أحوال البرزخ الحديث ١١٩.

٤. البحار : ٦ / ٢٧٠ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ١٢٤.

١٨٣

البدن العنصري ، في ذلك المكان الضيق إلاّ انّ تأويلها أفضل من الاعتماد عليها. (١)

إلى هنا اتضحت الأُمور الثلاثة التالية :

١. المراد من القبر هو عالم البرزخ.

٢. انّ السؤال والتعذيب والتنعيم أمر متفق عليه بين المذاهب الإسلامية.

٣. انّ المسؤول هو البدن المثالي.

نعم بقي هناك أمران وهما :

١. الأُمور التي يسأل عنها.

٢. المسؤولون في البرزخ. وإليك البحث عن هذين الأمرين.

١. الأُمور التي يسأل عنها

لقد تكفّلت الأخبار بتحديد الأُمور التي يسأل عنها.

فقد روى زر بن حبيش الأسدي الكوفي ( وهو من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ) قال : سمعت عليّاً ، يقول : « إنّ العبد إذا أُدخل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربّه ، ثمّ عن نبيه ، ثمّ عن وليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن عجز عذباه » فقال له رجل : ما لمن عرف ربّه ونبيه ولم يعرف وليّه ؟

فقال : « مذبذب (٢) ، لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل فلن تجد له سبيلاً ذلك لا سبيل له ». (٣)

__________________

١. لاحظ البحار : ٦ / ٢٢٢ ـ ٢٢٦ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ٢٢ و ٢٦.

٢. متحير ومتردد بين أمرين.

٣. البحار : ٦ / ٢٣٣ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ٤٦.

١٨٤

وروى سعيد بن المسيب ، قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغّبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحفظ عنه وكتب ، كان يقول : « أيّها الناس اتّقوا الله ، واعلموا أنّكم إليه ترجعون ، فتجد كلّ نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضراً ، وما عملت من سوء تود لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ، ويحذركم الله نفسه ، ويحك ابن آدم ، الغافل ، وليس بمغفول عنه.

ابن آدم انّ أجلك أسرع شيء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك ان يدركك ، وكأن قد أُوفيتَ أجلك وقبض الملك روحك ، وصرتَ إلى منزل وحيداً فرد إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكاك : منكراً ونكيراً ، لمساءلتك وشديد امتحانك ، ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الذي كنت تعبده ، وعن نبيِّك الذي أُرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاّه ، ثمّ عن عمرك فيما أفنيته ؟ ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته ؟ فخذ حذرك وانظر لنفسك ». (١)

٢. المسؤولون في البرزخ

أمّا المسؤولون في البرزخ فتحديدهم رهن نقل الأخبار والروايات :

١. روى أبو بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لا يُسأل في القبر إلاّ من محضّ الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً » فقلت له : فسائر الناس ؟ فقال : « يلهىٰ عنهم ». (٢)

٢. روى محمد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا يسأل في القبر إلاّ

__________________

١. البحار : ٦ / ٢٢٣ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ٢٤.

٢. البحار : ٦ / ٢٣٥ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ٥٢.

١٨٥

من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً ». (١)

إلى هنا تمّ ما أردنا ذكره في هذا المقام ممّا يرجع إلى عالم البرزخ ، وهناك بحوث شيقة لها صلة به نطوي الكلام عنها بغية الاختصار.

وليعلم أنّ تعلّق النفس بالبدن البرزخي ليس هو من التناسخ بشيء ، لما عرفت من أنّه عبارة عن تعلّق النفس بعد كمالها ، ببدن آخر ، ولكن البدن المثالي ليس بدناً آخر ، بل هو عينه ولكن ألطف منه.

__________________

١. البحار : ٦ / ٢٦٠ ، باب أحوال البرزخ ، الحديث ١٠٠.

١٨٦

الفصل الرابع عشر :

أشراط الساعة

تطلق أشراط الساعة ويراد منها علائم القيامة ، ثمّ إنّ أشراط الساعة على قسمين :

١. الحوادث التي تتحقق قبل القيامة ، وأهمها تقويض أركان النظام السائد في الكون.

٢. الحوادث التي ترافق اختلال النظام وانهياره ، ويعبر عنها بمشاهد القيامة.

وإليك البحث في كلا القسمين ضمن فصلين :

إنّ الذكر الحكيم يذكر بعض أشراط الساعة في مجموعة من الآيات لا تتجاوز عن سبع :

١. ( فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ). (١)

الأشراط جمع الشرط على وزن الصدف بمعنى العلامة.

__________________

١. محمد : ١٨.

١٨٧

يقول ابن منظور : أشراط الساعة علائمها. (١)

وأمّا الشرط علىٰ وزن الصبر ، فيطلق ويراد ما يتوقف عليه وجود الشيء بنحو من أنحاء التوقف ، فالأوّل يجمع على الأشراط ، والثاني على الشروط.

فهذه الآية تخبر عن تحقّق بعض أشراط الساعة ، حيث قال : ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) وأمّا ما هو المراد من هذه الشرط المحقق فقد فسر ببعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتماداً على قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بعثت أنا والساعة كهاتين ». (٢)

وهناك سؤال وهو انّه كيف يمكن أن تعدّ بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علائم القيامة مع أنّ الفاصل الزماني بينهما ليس بقليل ؟

ويجاب عنه : انّا إذا قسّمنا ما بقي من عمر الدنيا بالنسبة إلىٰ ما مضىٰ ، لعلم أنّ ما بقي أقل بكثير ممّا مضىٰ ، فانّ الدنيا تجتاز مرحلة النضوج إلىٰ مرحلة الهرم ، فيصح عند ذلك جعل البعثة من علائم القيامة.

وربما يفسر بشقّ القمر في قوله سبحانه : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ). (٣)

وربما يفسر بنزول القرآن الكريم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلىٰ كلّ حال فهذه الآية تحكي عن تحقّق بعض علائم الساعة.

٢. ( قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ). (٤)

فسياق الآية تحكي عن أنَّ ذا القرنين بنى سداً منيعاً للحيلولة دون هجوم يأجوج ومأجوج ، بناه من زبر الحديد ، قال سبحانه : ( حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ

__________________

١. لسان العرب : ٧ / ٣٢٩ ، مادة شرط.

٢. مجمع البيان : ٥ / ١٠٢.

٣. القمر : ١.

٤. الكهف : ٩٨.

١٨٨

الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ). (١)

ثمّ أردف هذه الآيات بقوله : ( هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ ) فاندكاك السدّ من أشراط الساعة غير انّه لم يعلم انّه من القسم الأوّل الذي يتحقق مع وجود الإنسان على الأرض أو من القسم الثاني.

ولعلّ الآية التالية تكشف اللثام عن وجه الحقيقة.

٣. ( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ). (٢)

إنّ قوله سبحانه في هاتين الآيتين : ( حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) بمنزلة قوله سبحانه في الآية السابقة : ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ ) وحيث إنّ الآيتين تحكيان عن استيلاء يأجوج ومأجوج على السدّ ، وانسلالهم من الاتلال والأحداب إلىٰ ذلك الجانب ، فيعلم انّ الدكّ إنّما يتحقق قبل قيام الساعة والإنسان بعدُ في الدنيا ، فيكون من أشراط الساعة والصنف الأوّل منها.

٤. ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ). (٣)

والمراد انّ نزول عيسىٰ من أشراط الساعة يعلم بها قربها ( فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) بالساعة فلا تكذّبوا بها ولا تشكّوا فيها. والقراءة المعروفة هي العلم على وزن الحلم ، وقرأ ابن عباس وقتادة والضحاك « علم » علىٰ وزن سلف بمعنى العلامة. (٤)

__________________

١. الكهف : ٩٦ ـ ٩٧.

٢. الأنبياء : ٩٦ ـ ٩٧.

٣. الزخرف : ٦١.

٤. مجمع البيان : ٩ ـ ١٠ / ٨٢.

١٨٩

غير انّ هناك بحثاً آخر وهو انّ نزول عيسى عليه‌السلام من أعلام القيامة وأشراطها ، فهل المراد تولده ثمّ بعثه إلى بني إسرائيل ؟ أو المراد هو نزوله عند ظهور المهدي ؟ يظهر من بعض الروايات انّ المراد هو المعنى الثاني.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ».

وروي أيضاً أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلىٰ يوم القيامة ، فينزل عيسىٰ ، فيقول أميرهم : تعال صلِّ بنا. فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أُمراء ، تكرمة الله هذه الأُمّة ». (١)

وهناك احتمال آخر وهو انّ الهدف من سرد قصة المسيح عليه‌السلام وحياته هو إزاحة الشكّ والغموض عن قيام الساعة ، لأنّ حياة المسيح منذ ولادته إلى عروجه معجزة من معاجز الله تبارك وتعالى ، فالقيامة أيضاً كذلك ، فلا معنى للتبعيض بينهما ، ويؤيد ذلك الاحتمال قوله في الآية : ( فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ).

يقول الطباطبائي في تفسيره : إنّ عيسى يعلم به الساعة في خلقه من غير أب وإحيائه الموتى فيعلم به انّ الساعة ممكنة فلا تشكّوا في الساعة ولا ترتابوا فيها البتة. (٢)

وهذا التفسير لا ينافي التفسير الأوّل ، إذ لا منافاة بين أن يكون المسيح بوجوده دليلاً على إمكان القيامة وفي الوقت نفسه آية من آياتها.

٥. ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ *

__________________

١. جامع الأُصول لابن الأثير : ١١ / ٤٧ ـ ٤٨.

٢. الميزان : ١٨ / ١١٨.

١٩٠

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ). (١)

هذه الآيات السبع تخبر عن حوادث في مقاطع زمانية خاصة :

١. مجيء السماء بدخان مبين.

٢. استيلاء العذاب المبين على الناس.

٣. تضرّع الناس إلى الله بغية كشف العذاب عنهم.

٤. موافاة الجواب بتكذيبهم رسول الله ورميه بالجنون.

٥. كشف العذاب عنهم قليلاً وعودهم إلى ما كانوا عليه.

وقد اختلفت كلمة المفسرين في الزمان الذي تتحقق فيه تلك الحوادث ، وهم على رأيين :

أ. هذه الحوادث تتحقق قبل القيامة وهي من أشراط الساعة ويدل عليه الآية التالية الواقعة بعد هذه الآيات : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ ) (٢) فانّ توصيف البطشة بالكبرى يناسب يوم القيامة. قال سبحانه : ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ) (٣) ، وقال : ( فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ ) (٤) وعندئذ تنسجم الآيات من حيث المضمون. ويكون المراد انّ هؤلاء مع ما رأوا العذاب بأُمّ أعينهم طلبوا كشف العذاب ، فكشفنا عنهم العذاب قليلاً ، ولكنّهم لم يعتبروا بالحوادث المريرة ، فلما حان يوم القيامة انتقم منهم سبحانه ، كما يقول : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ).

وعلى ضوء ذلك التفسير تكون الآيات الست من أشراط الساعة والآية

__________________

١. الدخان : ١٠ ـ ١٦.

٢. الدخان : ١٦.

٣. النازعات : ٣٤.

٤. الغاشية : ٢٤.

١٩١

السابعة راجعة إلىٰ نفس القيامة.

ب. وهناك رأي آخر ذكره المفسرون، وهو: انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمدعا علىٰ قومه لمّا كذّبوه ، فقال : اللّهمّ سنين كسنيّ يوسف ، فأجدبت الأرض فأصابت قريشاً المجاعة ، وكان الرجل لما به من الجوع يرىٰ بينه وبين السماء كالدخان ، وأكلوا الميتة والعظام ثمّ جاءوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقالوا : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا فلتسأل الله تعالىٰ لهم بالخصب والسعة فكشف عنهم ، ثمّ عادوا إلى الكفر.

فعلى ضوء ذلك فالمراد من البطشة الكبرىٰ ، هي غزوة بدر التي انتقم الله منهم في ذلك اليوم.

ويحتمل على ضوء هذا التفسير أن يراد منه يوم القيامة أيضاً كما في التفسير الأوّل.

أقول : هذا التفسير بعيد عن الصواب لوجهين :

الوجه الأوّل : انّ قوله سبحانه : ( يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) هي صيرورة السماء دخاناً لا انّ الناس يرونها دخاناً لأجل الجوع والعطش كما في التفسير الثاني.

الوجه الثاني : انّ أهل السير لم يخبروا عن هذه الحادثة في عصر الرسول عندما كان في موطنه ، على أنّ خلقه العظيم وسعة صدره يأبيان عن الدعاء علىٰ قومه، كيف وقد كُسرت رباعية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السفلىٰ وشقّت شفته وكُلِم في وجنته وجبهته في أُصول شعره من قبل المشركين يوم أُحد ومع ذلك لم ينبس عليهم ببنت شفة وما دعا عليهم ، والكلام الذي كان يتردّد علىٰ شفتيه ، هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهمّ اهدِ قومي فانّهم لا يعلمون ».

١٩٢

وحاصل التفسيرين : انّه طبقاً للتفسير الأوّل يكون المراد من اليوم في قوله : ( يَوْمَ تَأْتِي ) هو قبيل القيامة ، كما يكون المراد من اليوم في قوله : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ ) هي يوم القيامة.

وعلى التفسير الثاني يكون اليومان متقاربين في عصر الرسول ، غير انّ الأوّل يعد من أيام قبل الهجرة ، والثاني من أيام بعد الهجرة أي يوم بدر.

٦. ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ). (١)

وفي هذه الآية مواضع للتساؤل.

الأوّل : ما هو المراد من قوله سبحانه : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) ؟

الثاني : ما هو المراد من الدابة الخارجة من الأرض ؟

الثالث : ما هو المراد من قوله : ( تُكَلِّمُهُمْ ) وماذا يقول لهم ؟

الرابع : ما هو المقصود من الآيات الواردة في آياتنا ؟ فهل هي آيات تكوينية أو المراد المعاجز والكرامات ؟

الخامس : ما هو الهدف لإخراج الدابة من الأرض ، وهل الهدف جلب المعاندين إلى حظيرة الإسلام أو إيجاد الحسرة في قلوب الكافرين ؟

السادس : ما هو المراد من قوله : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) ؟ فهل هو علّة لنزول العذاب الذي يدلُّ عليه قوله : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) ، أو هو مقول قول الدابة ؟ أو غير ذلك ؟

هذه الاستفسارات تحوم حول الآية ، وليس في الذكر الحكيم آية تعد نظيرتها

__________________

١. النمل : ٨٢ ـ ٨٣.

١٩٣

حتى تفسر إحداهما بالأُخرى.

يقول العلاّمة الطباطبائي : ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وانّ هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي ؟ وما صفتها ؟ وكيف تخرج ؟ وماذا تتكلم به ؟ بل سياق الآية نِعْمَ الدليل علىٰ أنّ القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه. (١)

وعلى الرغم من ذلك فلنقوم بالإجابة على تلك الاستفسارات.

أمّا الأوّل : فالظاهر انّ المراد من قوله : ( وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) هو حتمية العذاب ، كما يقول سبحانه في نفس تلك السورة : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ ). (٢)

ولكن المراد من القول ليس هو القول اللفظي بل القول التكويني الذي يعبّر عنه بلفظة كن ، ويعود المعنى حتمية العذاب الخارجي ووقوعه عليهم.

وأمّا الثاني : فالدابة في لغة العرب والقرآن مطلق ما يدبّ في الأرض سواء أكان إنساناً أو حيواناً ، قال سبحانه : ( وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) ومع كونه يطلق لفظ الدابة على الإنسان يحتمل أن يكون المراد منها غيره حتى يكون خروجها من الأرض وتكلمها مع الناس آية أُخرى ، ومع ذلك فيبقىٰ مجرد احتمال لا تدعمه الروايات.

وأمّا الثالث : فالظاهر أنّ قوله : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) مقول

__________________

١. الميزان : ١٥ / ٣٩٦.

٢. النمل : ٨٤ ـ ٨٥.

٣. النور : ٤٥.

١٩٤

قول الدابة فهي تخبر عن عناد المشركين والمنافقين.

وأمّا الرابع : فيحتمل أن يكون المراد من الآيات ، الآيات الكونية الدالة على علمه وقدرته وحكمته سبحانه ، كما يحتمل أن يكون المراد المعاجز التي تدل بنفسها على صحّة بعثة الأنبياء وصدق دعوتهم من جانب الله سبحانه. وهناك احتمال ثالث وهو انّ المراد هو الكتب السماوية التي أنزلها الله سبحانه مع رسله ، ولعلّ الاحتمال الثالث هو الأقوىٰ بالنظر إلىٰ سائر الآيات ، قال سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (١) فهذه الآيات التي أذعن بها الأئمة وأنكرها المشركون شيء واحد وهو الكتب النازلة من الله سبحانه ، بقرينة قوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) في صدر هاتين الآيتين.

وأمّا الخامس : فلم نجد شيئاً يبيّن الغاية من إخراج الدابة ، ولعلّ الهدف تمييز الطيب عن الخبيث ، والمؤمن عن الكافر.

وأمّا السادس : أنّ في قوله سبحانه : ( أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) احتمالين :

احتمال انّه مقول قول الدابة ، واحتمال انّه علة لنزول العذاب ، وعلى كلّ حال ، فقوله سبحانه : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) دليل على أنّ هذا الحشر يقع قبل القيامة ، لأنّ الحشر في ذلك اليوم يعمّ الجميع ، قال سبحانه : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ). (٢)

وحصيلة البحث انّ تلك الطائفة من الآيات ذكرت من أشراط الساعة أمرين.

__________________

١. السجدة : ٢٣ ـ ٢٤.

٢. الكهف : ٤٧.

١٩٥

خروج الدابة وتكلّمها مع الناس ، حشر فئة من الناس قبل القيامة وقبل نفخ الصور.

٧. ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ). (١)

إنّ هذه الآيات تحكي عن عناد المشركين وعمىٰ قلوبهم ، لأنّهم جعلوا إيمانهم رهن أُمور إمّا غير متحققة أو غير نافعة لحالهم ، وهي عبارة عن :

١.إتيان الملائكة إليهم ، وقد أخبر القرآن الكريم انّ نزول الملائكة إليهم يكون مقروناً بالعذاب والهلاك قال سبحانه : ( مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ ). (٢)

٢. إتيانه سبحانه ورؤيتهم له بأُم أعينهم ، وهذا أمر محال ، ويحتمل أن يكون مرادهم من إتيانه سبحانه هو مجيء يوم القيامة الذي تزاح فيه الأغشية فيتجلّىٰ فيه توحيده وسائر أسمائه ، ولو أُريد ذلك لكان الإيمان في ذلك اليوم غير مفيد.

٣. انّهم كانوا منتظرين بعض آيات الله سبحانه كما يحكي عنه قوله : ( أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) ، ويحتمل أن يكون المراد أشراط الساعة أو نفس القيامة.

وعلى كلّ حال فلا ينفع الإيمان في ذلك اليوم.

__________________

١. الأنعام : ١٥٨.

٢. الحجر : ٨.

١٩٦

أشراط الساعة في الروايات والأحاديث

وقد ورد في الروايات أشراط الساعة وهي علىٰ طائفتين :

أ. ما يطرأ على أفكار الإنسان وسلوكه من التغير والتبدل.

ب. الحوادث الخارقة للعادة.

غير انّ دراسة هذه الروايات خارجة عن إطار التفسير الموضوعي فلنكتف برواية واحدة ، وهي ما رواه حذيفة بن أسيد ، قال :

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غرفة ونحن أسفل منه فاطلع إلينا ، فقال : « ما تذكرون ؟ » قلنا : الساعة ، قال : « إنّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف في جزيرة العرب ، والدخان ، والدّجال ، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ... ، ونزول عيسى بن مريم ، وريح تلقي الناس في البحر ». (١)

ورواه الصدوق في خصاله بشكل آخر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غرفة فاطّلع علينا ، فقال : « فيم أنتم ؟ » فقلنا : نتحدّث ، قال : « عمّ ذا ؟ » قلنا : عن الساعة.

فقال : « إنّكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض ، وثلاثة خسوف تكون في الأرض : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخروج عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً تسوق الناس إلى المحشر كلّما قاموا قامت لهم

__________________

١. صحيح مسلم : ٨ / ١٧٩ ، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة من كتاب الفتن.

١٩٧

تسوقهم إلى المحشر ». (١)

وأمّا الروايات الحاكية عن طروء التغيّر والتبدّل على حياة الناس وسلوكهم شياع الفساد والعصيان فكثيرة جمعها العلامة المجلسي في البحار. (٢)

__________________

١. البحار : ٦ / ٣٠٤ ، باب اشراط الساعة ، حديث ٣.

٢. بحار الأنوار : ٦ / ٥٠٥ ، باب أشراط الساعة ، حديث ٦.

١٩٨

الفصل الخامس عشر :

مشاهد الساعة

قد عرفت أشراط الساعة وهي الحوادث التي تتحقّق ، قبيل القيامة ، بقي الكلام في مشاهد الساعة أعني الحوادث التي تتزامن مع قيامها وهي عدّة أُمور أشار إليها الذكر الحكيم. وليعلم انّ كلّ ممكن في هذه النشأة لم يكتب له البقاء والخلود بل يفنىٰ إذا بلغ أجله ، قال سبحانه : ( مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ ) (١) ، وفي آية أُخرى : ( مَّا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ). (٢)

وعلىٰ ضوء ذلك يذكر القرآن الكريم مشاهد الساعة وانّه كيف تنشق السماء وتنفطر ، وتنشق الأرض وينهار النظام السائد ، إلىٰ غير ذلك من مشاهدها التي نذكرها تباعاً.

١. سير الشمس والقمر إلى أجل مسمّى

إنّ الشمس والقمر من الأجرام السماوية ولكلّ واحد أجل معين ، فإذا جاء

__________________

١. الأحقاف : ٣.

٢. الروم : ٨.

١٩٩

أجلهما يتوقفان عن السير وبالتالي يزول نظامهما ، قال سبحانه : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ). (١)

٢. الأجل المحدود لعمر الإنسان

إنّ لكلّ إنسان أجلاً محدَّداً فإذا انتهت حياته إلى ذلك الحد ، ينطفئ مصباح عمره ، يقول سبحانه : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ). (٢)

فمطيّة الموت تنوخ عند عتبة كلّ إنسان شاء أم أبىٰ.

٣. أجل الأُمم

القرآن يذكر أنّ لكلّ أُمّة أجلاً كما أنّ لكلّ فرد أجلاً خاصاً ، فللأُمم حياة وموت ، وبزوغ حضارة وأُفولها ، يقول سبحانه :

( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ). (٣) وقد تكرر هذا المضمون في سور أُخرى. (٤)

وهذه الآيات توحي إلىٰ أنّ مجموعة الظواهر الكونية كتب عليها البقاء إلىٰ أجل مسمّى ، فإذا جاء أجلها قضي علىٰ حياتها ووجودها.

طروء حوادث في الكون عند قيام الساعة

ينص القرآن الكريم على أنّ قيام الساعة يتزامن مع حوادث كونية يضمحل فيها النظام الكوني وينهار ، وهذه الحوادث هي كالتالي :

__________________

١. لقمان : ٢٩.

٢. الزمر : ٤٢.

٣. يونس : ٤٩.

٤. لاحظ : الأعراف : ٣٤ ; الحجر : ٥ ; المؤمنون : ٤٣.

٢٠٠