المقنع - المقدمة

مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام

المقنع - المقدمة

المؤلف:

مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام


المحقق: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦١٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد للّه ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد وعلى أهل بيته الطاهرين.

شكراً لك يا ربّ أن هديتنا إلى الدّين المبين ، وجعلتنا من المتمسكين بالثقلين ، ومن المساهمين في إحياء تراث الأئمّة الهداة المهديين.

أمّا بعد : فكتاب المقنع يعدّ من الكتب الفقهيّة الأصيلة ، ومن أهم المصادر للفقهاء منذ جميع العصور ، وذلك لأنّ عباراته كلّها ألفاظٌ للأحاديث المسندة ، بَيد أنّ المصنّف حذف أسنادها رَوماً للإختصار ، وثقةً بوجودها في أُمّهات الأُصول وكتب الأحاديث.

وهو في الواقع رسالة فتوائية للشيخ الصدوق ، دوّن ألفاظه من متون الأحاديث.

ومن هنا قال رحمه‌الله : إنّي صنّفت كتابي هذا وسميّته كتاب المقنع ، لقنوع من يقرأه بما فيه ، وحذفت الأسانيد منه لئلاّ يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يملّ قارئه ، إذ كان ما أُبيّنه فيه في الكتب الأُصولية موجوداً مبيّناً على المشائخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم‌الله.

٣

وذكر المحدّث النوري بعد بيان كلام الصّدوق قدس‌سره : بأنّ هذه العبارة كما ترى متضمّنة لمطالب :

الأوّل : أنّ ما في الكتاب خبر كلّه إلاّ ما يشير إليه.

الثاني : أنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه ، وعدم ذكر السّند فيه للإختصار ، لا لكونها من المراسيل.

الثالث : أنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أُصول الأصحاب ، التي هي مرجعهم ، وعليها معوّلهم ، وإليها مستندهم ، وفيها مباني فتاويهم.

الرابع : أنّ أرباب تلك الأُصول ورجال طرقه إليها من ثقات العلماء ، وبذلك فاق قدره عن كتاب الفقيه.

وأضاف قدس‌سره : والحق أنّ ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة بالمعنى الأخص ، الذي عليه المتأخرون (١).

وقال المجلسي في بحاره : ينزّل أكثر أصحابنا كلامه ـ الصدوق ـ وكلام أبيه منزلة النّص المنقول والخبر المأثور (٢).

فلأهميّة هذا الكتاب رأينا من الأفضل إخراج كتاب المقنع بحلّة جديدة ، بالتحقيق المشتمل على تصحيح متنه ، وتخريج مصادره ، والتعليق عليه في موارده الغامضة ، لكي يرجع إليه العلماء بكل ثقة ، ويطمئنّوا بصحّة متنه.

ولإنجاز هذا المشروع قامت مؤسسّة الإمام الهادي عليه‌السلام في مبتدء نشاطها العلمي بتحقيق وإخراج هذا الكتاب الشريف بشكل رائق ، رجاء أن تكون خطوة لإحياء تراث السلف الصالح ، وخدمةً للحوازات العلميّة ، تحرّياً لمرضاة الرّب ، وتقرّباً إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ، طبع حجري : ٣ / ٣٢٧.

٢ ـ بحار الأنوار : ١٠ / ٤٠٥.

٤

حياة المؤلّف

١ ـ اسمه ونسبه :

هو الشيخ الأجل والأقدم ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه المشتهر بالصدوق.

والده : هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، أبو الحسن شيخ القميين في عصره ، ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم.

وأُمّه جارية ديلميّة ، كما سنذكر.

٢ ـ ولادته ونشأته :

ولد المصنّف رحمه‌الله بدعاء القائم عليه‌السلام بقم ، بعد سنة ٣٠٥ هـ ، وترعرع ونشأ بين يدي أبيه ـ العالم الكامل الفقيه الثّقة ـ نحو عشرين سنة ، فقرأ عليه وأخذ عنه.

روى الشيخ بإسناده ، عن علي بن الحسن بن يوسف الصائغ القمّي ، ومحمّد بن أحمد بن محمّد الصيرفي ـ المعروف بابن الدلاّل ـ وغيرهما من مشايخ أهل قم : أنّ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه ، محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولداً ، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه ، أن يرزقه أولاداً فقهاءً ، فجاء الجواب : « إنّك لا ترزق من هذه ، وستملك جارية ديلميّة ، وترزق منها ولدين فقيهين » (١).

__________________

١ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ١٨٨ و ١٩٥ ، وانظر رجال النجاشي : ٢٦١ ، وكمال الدين وتمام النعمة : ٢ / ٥٠٢ ح ٣١.

٥

٣ ـ الثناء عليه :

قال النجاشي : شيخنا وفقيهنا ، ووجه الطائفة بخراسان. وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن (١).

وفي رجال الطوسي : جليل القدر ، حفظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال ، له مصنّفات كثيرة (٢).

وجاء في فهرسته : جليل القدر ، يكنّى أبا جعفر ، كان جليلاً حافظاً للأحاديث ، بصيراً بالرجال ، ناقداً للأخبار ، لم يُرَ في القميّين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنّف (٣).

وقال ابن ادريس : كان ثقةً جليل القدر ، بصيراً بالأخبار ، ناقداً للآثار ، عالماً بالرجال ، حفظة (٤).

وذكر العلاّمة في خلاصته : شيخنا وفقيهنا ، ووجه الطائفة بخراسان (٥).

وجاء في رجال ابن داود الحلّي : جليل القدر ، حفظة ، بصيرٌ بالفقه والأخبار ، شيخ الطائفة وفقيهها ، ووجهها بخراسان ، له مصنّفات كثيرة لم يُرَ في القميّين مثله في الحفظ وفي كثرة علمه (٦).

وفي روضة المتقين للمولى محمّد تقي المجلسي : وثّقه جميع الأصحاب ، لمّا حكموا بصحّة أخبار كتابه ، بل هو ركن من أركان الدين ، جزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء (٧).

وقال المجلسي في بحاره : ( بأنّه قدس‌سره ) من عظماء القدماء ، التابعين لآثار

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٨٩.

٢ ـ رجال الطوسي : ٤٩٥.

٣ ـ الفهرست : ١٥٧ رقم ٦٩٥.

٤ ـ السرائر : ج ٢ / ٥٢٩.

٥ ـ خلاصة الأقوال : ١٤٧.

٦ ـ رجال ابن داود : ١٧٩.

٧ ـ روضة المتقين : ١٤ / ١٦.

٦

الأئمّة النجباء ، الذين لا يتّبعون الآراء والأهواء ، ولذا ينزّل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه منزلة النص المنقول ، والخبر المأثور (١).

وذكر المامقاني : التأمل في وثاقة الرجل وعدالته وجلالته ، كالتأمّل في نور الشمس الضاحية (٢).

٤ ـ أساتذته ومشايخه :

تتلمذ شيخنا المترجم له ، عند أساطين العلم ، وكبار العلماء ، ولا سيّما والده المعظّم ـ كما مرّ آنفاً ـ ويبلغ عدد أساتذته وشيوخه أكثر من مأتين ، وجاء في مستدرك الوسائل سرد أسمائهم ، فراجع (٣).

٥ ـ تلامذته والرّاوون عنه :

تتلمذ عليه الكثير من علماء الطائفة وجهابذتهم ، وروى عنه جماعة من فطاحل العلماء ، إلاّ أنّه لا يسعنا إستقصاءهم على التحقيق ، وسرد أسماء جميعهم ، بل نذكر نبذة يسيرة من الأعلام المشهورين :

١ ـ أخو المترجَم له : الشيخ الفقيه ، الحسين بن علي بن موسى بن بابويه القمّي رحمه‌الله.

٢ ـ ابن أخ المترجَم له : الشيخ ثقة الدين ، الحسن بن الحسين بن علي بن موسى القمّي رحمه‌الله.

٣ ـ والد الشيخ النجاشي : الشيخ الثقة ، علي بن أحمد بن العباس رحمه‌الله.

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ١٠ / ٤٠٥.

٢ ـ تنقيح المقال : ٣ / ١٥٤.

٣ ـ مستدرك الوسائل ، طبع حجري : ٣ / ٧١٣.

٧

٤ ـ صاحب كفاية الأثر : الشيخ الثقة ، أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز رحمه‌الله.

٥ ـ الشيخ الجليل : محمد بن محمد بن النعمان ، المفيد رحمه‌الله.

٦ ـ الشيخ الجليل : أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه الغضائري رحمه‌الله.

٧ ـ الشيخ الثقة : أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري رحمه‌الله.

٦ ـ رحلاته :

رحل المترجَم له رحمه‌الله من قم إلى الرّي ، ثم سافر إلى مدن متعدّدة ، كنيسابور ، ومشهد الرضا عليه‌السلام ، وسمرقند ، وبلخ ، وأسترآباد ، وهمدان ، وجرجان ، وبغداد ، والكوفة ، ومكّة ، والمدينة ، وحينما كان يصل إلى بعض البلدان يجتمع عليه العلماء والفضلاء ، للنّيل من عذب علومه ، وسجيّة أخلاقه ، وسماع أحاديثه.

٧ ـ آثاره العلمية :

وللمترجَم له رحمه‌الله مؤلفات كثيرة ، تقرّب من ثلاثمائة كتاب ، ذكر عدّة منها النجاشي في رجاله ، والشيخ في فهرسته.

ومن مؤلّفاته القيّمة الموجودة : « كتاب من لا يحضره الفقيه » ، ـ وهو أحد الكتب الأربعة المعتمدة عند الشيعة ـ ، و « علل الشرائع » ، و « الخصال » ، و « الأمالي » ، و « عيون أخبار الرضا عليه‌السلام » ، و « ثواب الأعمال » ، و « التوحيد » ، و « المقنع » الذي بين يديك.

وذكر العلاّمة المجلسي قدس‌سره في بحاره : ضمن أسماء كتب الصدوق رحمه‌الله : المقنع (١) ، وأضاف القول في مكان آخر : بأنّ هذه الكتب لاتقصر في الإشتهار

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ١ / ٦ ـ ٧.

٨

عن الكتب الأربعة (١).

وله كتاب آخر إسمه : مدينة العلم ، وهو يعدّ خامساً للكتب الأربعة ، وكان موجوداً ظاهراً إلى عصر الشيخ حسين بن عبد الصمد ، والد شيخنا البهائي ( قدّس سرّهما ) بَيد أنّه فُقِد ، ولم يَبق له أثر ، ما عدا المنقولات عنه في أبواب متعدّدة من كتب الفقه والحديث (٢).

٨ ـ وفاته ومدفنه :

توفّي رحمه‌الله بالرّي سنة ٣٨١ هـ ، وقبره مزار معروف يقصده أرباب الحوائج ، بقرب مرقد السيّد عبد العظيم الحسني رحمه‌الله.

نسخ الكتاب :

١ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة العامّة للمرحوم آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قدس‌سره مع غنية ابن زهرة رحمه‌الله المرقّمة ٤٥١١ ، وتأريخ كتابتها ١٢٥٧ هـ بخط محمد بن الحسين بن علي أكبر الخونساري ، ورمزنا لها بالحرف « أ ».

٢ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة السابقة ضمن كتاب « الجوامع الفقهية » المرقّمة ٤٣٣٢ ، وتأريخ كتابتها ١٢٣١ هـ بخط محمّد تقي ، ورمزنا لها بالحرف « ب ».

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ١ / ٢٦.

٢ ـ الذريعة : ٢٠ / ٢٥١ رقم ٢٨٣٠.

٩

٣ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية في مشهد المقدسة المرقمة ٢٦٢٠ ، وهي من وقف نادر شاه سنة ١١٤٥ هـ ، ورمزنا لها بالحرف « ج ».

٤ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة جامع گوهر شاد في مشهد المقدّسة المرقمة ٧٢١ وتأريخ كتابتها ١٢٤٤ هـ ، ولم يذكر اسم كاتبها ، وهي من وقف الحاج السيد سعيد الطباطبائي قدس‌سره سنة ١٣٣٢ هـ ورمزنا لها بالحرف « د ».

٥ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، المفهرسة بالرقم ١٢٧٢ ، ورقم الثبت ١٣١٩٢ وتأريخ كتابتها سنة ١٢٤١ هـ ، والظاهر أنّها بخط محمد بن خضر ، ورمزنا لها بالحرف « م ».

٦ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة السابقة ، المفهرسة بالرقم ٥٨٥٢ ، ورقم الثبت ٤١٥٩٩ ، وتأريخ كتابتها ١٢٣٤ هـ بخط ابن محمد مهدي علي آبادي اليزدي ـ عبد المجيد ـ ورمزنا لها بالحرف « ش ».

٧ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة المرحوم آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قدس‌سره المرقّمة ٢٢١٩ ضمن كتاب الجوامع الفقهية ، وتأريخ كتابتها ١٢٤٧ هـ بخط محمّد علي ، وقد كتب في الصفحة الأُولى بالفارسية ما معناه : أنّ الكتاب قد قوبل من قبل المرحوم صاحب الرياض.

وقد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخ الأربع الأُولى وعند الحاجة راجعنا النسخ الثلاث الأخيرة.

منهج التحقيق :

إنّ هدفنا الرئيسي في تحقيق الكتاب منصبّ على أمرين :

الأوّل : إثبات متن صحيح للكتاب.

الثاني : تخريج الكتاب من المصادر الأُخرى المعتبرة.

١٠

وفي نهجنا التحقيقي اتّبعنا الخطوات التالية :

١ ـ مقابلة النسخ الخطّية ـ أ ، ب ، ج ، د ـ والكتب التي نقلت عن المقنع وهي : المختلف ، والذكرى ، ومسالك الافهام (١) ، والبحار ، والوسائل ، ومستدرك الوسائل.

٢ ـ اتّباع اسلوب التلفيق في تحقيقه.

٣ ـ إثبات ما سقط من النسخ الخطّيّة من الكتب الستّة المذكورة في الرقم « ١ » ، وحصره ما بين المعقوفين [ ] والاشارة إليه في الهامش ، ولم نثبت في المتن إلاّ ما نُقل عن المقنع بصورة مباشرة وكاملة.

وما ورد ما بين [ ] دون الاشارة إليه في الهامش فهو من عندنا لتنظيم أبواب الكتاب.

٤ ـ التعليق على بعض العبارات المبهمة ، بالاستفادة من أقوال فطاحل علمائنا كالشيخ الطوسي ، والعلاّمة الحلّي ، والمجلسي رحمهم‌الله.

٥ ـ الاشارة إلى موارد الاختلاف في أقوال المصنّف ، في الكتاب وسائر كتبه.

٦ ـ الاشارة إلى ما خالف المشهور من الأحكام.

٧ ـ الاشارة إلى الاختلافات اللفظية.

٨ ـ شرح الألفاظ الصعبة نسبيّاً.

٩ ـ ترجمة بعض الأعلام ، وتوضيح الأماكن والبقاع.

١٠ ـ تخريج الآيات الكريمة.

١١ ـ الاشارة إلى ما تقدم ويأتي في الكتاب.

وإتماماً للفائدة أعددنا فهارس فنية للكتاب في آخره.

__________________

١ ـ قد ذكر الشهيد الثاني فيه بعد نقل رواية عن المقنع : هكذا عبّر الصدوق وهو عندي بخطه الشريف. مسالك الافهام : ٢ / ٨٧ ، كتاب الظهار ، الكفّارات.

١١

كلمة شكر وتقدير :

وختاماً نتقدم بجزيل الشكر الى السادة العلماء والمحققين الذين آزَرونا في انجاز هذا المشروع ، كما نشكر مسؤولي مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قدس‌سره والمكتبة الرضوية ومكتبة جامع گوهرشاد ومكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، ومديرية مدرسة عترة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدرسة الشهيدين ( بهشتي وقدوسي ) راجين من اللّه العلي القدير التوفيق والسداد والاخلاص في العمل.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين

لجنة التحقيق

١٢

١٣

١٤

١٥

١٦