أصل الشيعة وأصولها

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

أصل الشيعة وأصولها

المؤلف:

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء


المحقق: علاء آل جعفر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام علي عليه السلام ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-50-7
الصفحات: ٤٤٢

نعم ، القوم لا علم لهم من الشيعة بشيء وهم يكتبون عنهم كلُّ شيء!! ، وأشدّ من هذا غرابة وأبعد شذوذاً أنَّ جماعة من أبناء السُنَّة في العراق لا يعرفون من أحوال الشيعة شيئاً مع دنوِّ الدار وعصمة الجوار.

كتب إليَّ قبل بضعة أشهر شاب مهذَّب عريق بالسيادة من شيعة بغداد : أنَّه سافر إلى لواء الدليم ( وهو اللواء المتصل ببغداد ) (١) وأكثر أهاليه من السُنَّة ، فكان يحضر نواديهم فيروق لهم حديثه وأدبه ، ولمّا علموا أنَّه من الشِّيعة صاروا يعجبون ويقولون : ما كنّا بحسب أنَّ في هذه الفرقة أدباً وتهذيباً فضلاً عن أن يكونوا ممَّن له علم أو دين!! وما كنّا نظنّهم إلاّ من وحوش القفر وشذاذ الفلوات!!

وكان هذا الشاب يستثير حميتي بقوارص الملام ، ويحثّني بالطلب المتتابع على أنْ أكتب عن الشِّيعة رسالة موجزة تُنشر بين الأُمم الجاهلة ، وتعرِّفهم ـ ولو النزر اليسير ـ من أحوال هذه الطائفة ومعتقداتها ودياناتها.

ثم بعد برهة سافر هذا الشّاب إلى سوريا للاصطياف ، وعرج منها إلى مصر ، فكتب إليَّ : يا سيدي الحال عن الشِّيعة عند أهالي مصر هي الحال التي أنبأتُك عنها في لواء الدليم ، والصورة تلك الصورة. ثم يقول لي : أفما آن لك أنْ تفي بوعدك ، وتقوم بواجبك؟ فإن الشِّيعة مصوَّرة عند القوم بأبشع صورة يتصوّرها انسان ... إلى آخر ما كتب ، وحقاً ما كتب وإنْ طال وأطنب.

فمن هذا كلّه ، وأضعاف مثله ممّا نجده في الصحف المصرية والسّورية وغيرها ، وما تنشره مقالاتهم آونة بعد اُخرى من قذف تلك الطائفة بكلِّ عظيمة (٢) ، ونبزهم بكلِّ عظيمة ، هم منها براء براءة يوسف الصدِّيق

__________________

(١) وهو الآن يدعى بـ : محافظة الأنبار.

(٢) العَضَة والعِضَة والعضيهة : الكذب والبهتان.

القاموس المحيط ٤ : ٢٨٨.

١٤١

وأخيه من السَّرقة ، ولكن داء الجهل والعصبية هو الداء العياء الذي قد أعيى الأطباء.

نعم من كلُّ ذلك رأيتُ من الظلم الفاحش السّكوت والتغاضي عن هذه الكارثة ، لا أعني أنَّه من الظلم على الشِّيعة ، ولا أُريد أن أدفع الظلم عنهم ، والمفتريات عليهم ، كلا ، ولكن أعظم الغرض ، وأشرف الغاية ، رفع أغشية الجهل عن المسلمين من عامة فرق الاسلام ، كي يعتدل المصنف ، وتتم الحجة على المعاند ، وترتفع اللائمة ووصمة التقصير عن علماء هذه الطائفة.

وأعلى من ذلك رجاء حصول الوئام ، ورفع الشّحناء والخصام بين فرق الاسلام الذي قد عم كلُّ ذي شعورـ ولا سيما في هذه العصور ـ انَه من ألزم الاُمور ، عسى أن لا يعود كاتب ( فجر الاسلام ) الذي تكاثفت عليه غواشي الظلم والظلام ، فيقول في تلك الصفحة التي أوعزنا إليها ما نصه : « والحقُّ أنَّ التشيّع ماوى يلجأ إليه كلُّ من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن يُريد إدخال تعاليم ابائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية ـ إلى قوله ـ فاليهودية ظهرت في التشيُّع بالقول بالرجعة ، وقالت الشِّيعة : إنَّ النّار محرَّمة على الشّيعي إلاّ قليلاً ، وقال اليهود : لن تمسّنا النّار إلاّ أياماً معدودة. والنصرانية ظهرت في التشيُّع في قول بعضهم : إنَّ نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح اليه ، وقالوا : إنَّ اللاهوت اتحد بالناسوت (١) في الامام ، وإنَّ النبوة والرسالة

__________________

(١) اللاهوت والناسوت : علم اللاهوت : علم يبحث عن العقائد. وفي الكليات : اللاهوت الخالق والناسوت المخلوق.

وربما يُطلق الأوَّل على الروح ، والثاني على البدن. بل وربما يطلق الاوَّل أيضاً على العالَم العلوي ، والثاني على العالَم السفلي ، وعلى السبب والمسبَّب ، وعلى الجن والإنس.

١٤٢

لا تنقطع أبداً ، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي. وتحت التشيُّع ظهر القول بتناسخ الأَرواح ، وتجسيم الله ، والحلول ، ونحو ذلك من الأَقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاسلام ... » إلى آخر ما قال.

ونحن لولا محافظتنا على مياه الصفاء أن لا تتعكَّر ، ونيران البغضاء أن لا تتسعَّر ، وأن تنطبق علينا حكمة القائل :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله (١) ..

لعرَّفناه ، من الَّذي يُريد هدم قواعد الاسلام بمعاول الإلحاد والزندقة ، ومن الَّذي يسعى لتمزيق وحدة المسلمين بعوامل التقطيع والتفرقة.

ولكنّا نريد أنْ نسأل من ذلك الكاتب : أي طبقات الشِّيعة أراد هدم الاسلام؟ الطبقة الأُولى وهم أعيان صحابة النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبرارهم : كسلمان المحمَّدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخُزيمة ذي الشَّهادتين ، وأبي التيهان ، وحذيفة [ بن ] اليمان ، والزُّبير ، والفضل بن العبَّاس ، وأخيه الحبر عبدالله ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وأبي أيوب الأَنصاري ، وأبان ، وأخيه خالد ابني سعيد العاص الأمويين ، وأُبي بن كعب سيِّد ألقرّاء ، وأنس بن الحرث بن نبيه الَّذي سمع النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إنَّ ابني الحسين يُقتل في أرض يُقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس وقُتل مع الحسين عليه‌السلام.

راجع ( الإصابة ) و ( الاستيعاب ) (٢) وهما مِنْ أوثق ما ألَّف علماء السنَّة

__________________

وعلم اللاهوت يبحث في وجود الله تعالى وصفاته وعلائقه بالعالم والانسان. ويُراد منه علم التوحيد ، وعلم الكلام ، وعلم الربوبية .....

انظر : المعجم الفلسفي ٢ : ٢٧٧.

(١) بيت شعرٍ مشهور ، عجزه : عار عَلَيكَ إذا فَعلتَ عَظيمُ.

وهو يُنسب تارة إلى المتوكل اللَّيثي ، واُخرى إلى أبي الأسود الدؤلي.

(٢) الأصابة ١ : ٦٨ ، الاستيعاب بهامش الإصابة ١ : ٧٤.

١٤٣

في تراجم الصحابة.

ولو أردتُ أنْ أعدَ عليك الشِّيعة من الصحابة ، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السنَّة لأحوجني ذلك الى إفراد كتاب ضخم ، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشِّيعة.

راجع ( الدرجات الرفيعة في طبقات الشِّيعة ) (١) للسيِّد علي خان صاحب ( السُّلافة ) (٢) وغيرها من الكتب الجليلة ( كطراز اللغة ) (٣) الِّذي هو من أنفس ما كُتب في اللّغة. على أنَّه ـ رحمه الله ـ لم يذكر في الطبقات إلاّ مشاهير الصحابة بعد بني هاشم ـ كحمزة ، وجعفر ، وعقيل ونظائرهم ـ وذكر من غيرهم أكثر مَنْ قدمنا ذكرهم بزيادة عثمان بن حنيف ، وسهل بن حنيف ، وأبي سعيد الخدري ، وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار ، وبريدة ،

__________________

(١) الدرجات الرفيعة في طبقات الشِّيعة : ضمَّنه مؤلّفه رحمه الله مجموعة واسعة من تراجم واخبار أعلام رجال الشِّيعة منذ الصدر الاول للدولة الاسلامية المباركة ، مرتَّب على اثنتي عشرة طبقة ، على ما ذكره المؤلِّف رحمه الله في مقدمة كتابه ، تبتدأ بالصحابة وتنتهي باعلام إلنساء ، إلاّ أنَّ الكتاب الذي بيدي لم يتضمَّن إلاّ الطبقة الاولى وشيئاً يسيراً من الطبقة الرابعة والحادية عشرة فحسب ، فراجع.

(٢) سلافة العصر في محاسن الشعراء بكلِّ مصر : رتَّب المصنِّف رحمه الله تعالى هذا الكتاب بعد تطواف طويل في العديد من البلدان والامصار ، حيث جمع فيه جملة واسعة من تراجمٍ أعيان شعراء عصره ، وفصحاء دهره ، مستعرضاً فيه نُتفاً من قصائدهم وفصول كلامهم ، ذاكراً لجانب من سيرتِهم ومؤلَّفاتهم وسنة وفاتهم.

كما أنَّ المؤلِّف رحمه الله رتَّب كتابه وفقاً لمسلك الثعالبي في « يتيمة الدهر » والباخرزي قي « دمية القصر ».

(٣) الطراز الاوَّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوَّل : قال عنه الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( ١٥ : ١٥٧|١٠٣٥ ) : من أحسن ما كُتب في اللغة ، لكنِّه لم يتجاوز النصف من حرف الصاد المهملة ، وانتهى إلى كلمة « قمص ».

تكلَّم المؤلِّف رحمه الله تعالى في كلُّ صيغة بكلِّ ما لها من المعاني بكلِّ اصطلاح ، وذكر جميع استعمالاتها الحقيقية والمجازية في الكتاب والسنِّة والمثل وغيرها.

١٤٤

والبراء بن مالك ، وخبّاب بن الأرت ، ورفاعة بن مالك الأنصاري ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة ، وهند بن أبي هالة ، وجعدة بن هبيرة المخزومي ، واُمّه اُمّ هاني بنت أبي طالب ، وبلال بن رباح المؤذن.

هؤلاء جلَّ من ذكرهم أوأكثرهم ، ولكن يخطرعلى بالي انّي جمعتُ ما وجدتُه في كتب تراجم الصحابة ( كالإصابة ) و ( أُسد الغابة ) و ( الاستيعاب ) ونظائرها من الصحابة الشِّيعة زهاء ثلاثمائة رجل من عظماء أصحاب النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم من شيعة علي عليه‌السلام ، ولعل المتتبع يعثر على أكثر من ذلك.

ولكن ما أدري أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام؟ أم إمام الشِّيعة علي ابن أبي طالب عليه‌السلام الَّذي يشهد الثقلان أنّه لولا سيفه ، ومواقفه في بدر ، وأُحد ، وحنين ، والأحزاب ، ونظائرها لما اخضرَّ للاسلام عود ، ولما قام له عمود ، حتى قيل في ذلك :

بُنيَ الدِّينُ فَاستقامَ وَلولا

ضربُ ماضيهِ ما استقامَ البناءُ

وغالى المعتزلي عبدالحميد وأساء التعبير حيث قال :

ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حسامهُ

......................................

نعم ، لولا حسامه ، ومواقفه ـ بعد الهجرة وقبلها ـ وحماية أبيه أبي طالب قبل الهجرة ـ هذا في مكة وذاك فيها وفي المدينة ـ لقضت قريش وذئبان العرب على الإسلام في مهده ، وخنقته وهو في حجر اُمِّه.

ولكن جزاء أبي طالب من المسلمين أنْ يحكموا بانَّه مات كافراً (١)!! أمّا

__________________

(١) قد يعتقد البعض بتصؤُّر عقلائي ومنطقي يبتني على استقراء جملة المناقشات الواسعة والمتعاقبة التي اضطلعِ بها علماء ومفكرو الشِّيعة وطوال حقب مترادفة ومتلاحقة ـ في مجالسهم وندواتهم ومؤلَّفاتهم ـ أنَّ مسألة ايمان أبي طالب رحمه الله تعالى قد حُسمت واُقرَّت بشكل نهائي لا رجعة فيه ، ولا مجال لتكراره ، بل ويعدو من فضول الحديث وهذره

١٤٥

...................................................

__________________

اجترار الاحاديث السالفة المعروفة والمفنِّدة لاطروحات السابقين ـ الواضحة الاغراض والمباني ـ الذاهبة بشكل عجيب ومستهجن الى القطع بوفاة هذا الرجل دون نطقه للشهادتين ، واصراره على الموت مشركاً!! رغم تناقض ذلك الصريح مع السيرة الشخصية له ، والادلة العقلية والنقلية الثابتة لدى الفريقين.

نعم ، قد يعتقد البعض ذلك ، ولكن حقيقة الامر تتعارض وبشكل فعلي مع هذا التصوُّر العقلائي والسليم ، فلا زلت تسمع ورغم كلُّ ذلك جملة من التقولات السقيمة الخارجة عن اطار الدراسة العلمية والمنطقية وهي تجتر اقوالاً سقيمة عفا عليها الدهر واعتراها الصدأ لرموز مشخصّة ومعروفة من اتباع السلاطين وطلّاب الدنيا.

بلى إنَ اولئك الماضين من المحدّثين والكتّاب ووعّاظ السلاطين ـ من الذين تضطرب أنفاسهم ، ويسيل لعابهم أمام بريق الثروة والجاه والسلطان ـ كانوا ولا زالوا طلبة كلّش ذي غرض مشبوه وحاجة مريبة ، حيث لا تجدهم يترددون لحظة عن التقوِّل على الدين وأهله ، والافتراء عليهما ولو بأبخس الاثمان.

نعم ، إنً تلك الضمائر المعروضة دوماً في سوق النخاسة هي مصدر المحن والفتن التي نخرت الكثير من جوانب هذا المجتمع الاسلامي الكبير ، وشوَّهت وحرًفت الكثير من الحقائق الناصعة والثابتة ، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجملة حساسة ومهمة من عقائد المسلمين ، فأحدثت بلا شك ارتباكاً واضحاً لا يسهل التغاضي عنه ولا ردمه ، ويستلزم لتجاوزه الكثير من التعقُّل والتقوى ، وكنّا ولا زلنا ننادي به.

والحق يُقال : إنَّ أوَّل من سنُّوا هذه السنًة السيئة ، وجهدوا في شراء الضمائر اللاهثة خلف بريق الذهب والفضة ، هم رموز الدولة الاموية وحكّامها ، والتأريخ وسجلاته خير شاهد على ذلك ، بل إنَّ هذه حقيقة واضحة لا نحتاج معها الى برهان.

ولعل مسألة الطعن في أيمان أبي طالب رحمه الله تعالى من تلك المسائل الحساسة التي ، جهدت السلطة الاموية وأزلامها في محاولة تركيزها في أذهان المسلمين بشتى الصور والاساليب لانَّها ترتكز على جملة شواهد لا يسع الامويون غض النظر عنها :

أوَّلها : عدائهم التقليدي والثابت للرسالة الاسلامية التي مرَّغت بالوحل كبرياءهم وسلطانهم الذي أقاموه على أرض الجزيرة من خلال سطوتهم وظلمهم وثروتهم ، حيث بدت أحلامهم بالسيطرة على أرض الجزيرة تتهاوى كأوراق الشجر في مواسم الخريف أمام تيار الدعوة الاسلامية المباركة ، والتي كان لابي طالب رحمه الله تعالى الفضل الكبير في ثباتها وبقائها ، فلا غرو أنْ تجد قلوب الامويين طافحة حقداً وبغضاً وعداءً لهذا الرجل.

١٤٦

...................................................

__________________

ثانيها : ولعل هذا الامر هو القطب الاكبر الذي أجَّج هذا العداء لهذا الرجل في قلوب الامويين ، وهو كونه أباً لعلي عليه السَّلام لا أكثر ، وللامانة أقول : إن أبا طالب لو كان أباً لرجل من عامَّة المسلمين ، حتى ولو كان من فسّاقهم ، وكانت له عُشر هذه الخدمات الجليلة للاسلام لاقاموا له الدنيا مدحاً ولم يقعدوها ، ولترحّموا عليه في جميع مجالسهم وندواتهم ومحافلهم ، ولاطنبوا في مدحه حتى تمل الآذان ... ولكنه ـ وتلك هي اُس القضية ـ أب علي الذي عجزت نفوس أجدادهم ورجولاتهم عن مواجهته في ميدان الفروسية والمنازلة ، فانكفوا في جحورهم كالسحالى يتلوَّنون بالف لون ولون ، ويتسترون باكثر من ستار ، ويشترون الضمائر المعروضة للبيع في سوق إلنخاسة بأزهد الاثمان ، تلك الضائر التي لا تعدمها في كلُّ عصر ومكان ، فاغدقوا عليهم المال الوفير للكيد به ، والاساءة اليه ، فأكثر اولئك التافهين من الكذب والافتراء ، والطعن والبهتان ، متخمِّرين ما تصوّروا أن له أشد التأثير بشخص علي عليه السلام ، والطعن بامامته ، فتوافق ذلك مع حقدهم على أبي طالب رحمه الله تعالى نتيجة وقوفه إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتلقفوها تلقف الكرة ...

وهكذا فقد أصبح هذا الرجل ضحية مؤامرة محبوكة من مؤامرات الامويين ومكائدهم الجمة بالدين واهله ، وسرت تلك الروايات الكاذبة في الكثير من المصادر التأريخية وغيرها سريان السم الزعاق في بدن العليل ، دون أنْ يكلِّف البعض نفسه مؤونة التحقيق والمراجعة لصحة ما يقوم بنقله ، فتوارث الخلف آثام السلف ، واتبعوهم كالاعمى لا فحص ولا تمحيص ، وتلك هي والله اُم الفواقر ، وثالثة الاثافي.

والحق يُقال : إنَّ مجرد الاستقراء المتعجِّل لجملة الحقائق التي يغفل عنها البعض تُظهر بوضوح مظلومية هذا الرجل ، وجفاء العديد من مفكري الاُمَّة وباحثيها له من العامَّة بشكل لا يُصدق ، رغم ما قرأته من بعض المباحث القيمة التي خرجت من حالة التقليد الاعمى التي سار عليها الكثيرون سابقاً ولا زالوا ... وأنا وإنْ كنت في موضع لا يتسع لايراد جملة تلك الشواهد والادلة والحقائق إلاّ انِّي أُحيل القارئ الكريم الى قراءة ودراسة ما كُتب من قِبل علماء الشِّيعة ومفكريها حول هذا الموضوع ، وخلال ما مضى من القرون وفي هذه الايام ، ثم أدعوه للحكم على صحة ما ذهبا اليه دون تحزُّب أو تحيُّز إلاّ الى الحقِّ ، ومن ذلك :

١ ـ ايمان أبي طالب : للشَّيخ المفيد محمَّد بن محمَّد بن إلنعمان البغدادي.

٢ ـ ايمان أبي طالب : للسيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلِّي.

٣ ـ ايمان أبي طالب : المعروف بكتاب الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب :

١٤٧

أبو سفيان الَّذي ما قامت راية حرب على إلنبيّ الّا وهو سائقها وقائدها وناعقها ، والَّذي أظهر الإسلام كرهاً وما زال يعلن بكفره وعدائه للاسلام ، وهو الَّذي يقول لما صارت الخلافة الى بني أُميَّة : تلقَّفوها يا بني اُميَّة تلقُّف الكرة ، فوالَّذي يحلف به أبو سفيان (١) ما من جنَّة ولا نار (٢)!!

نعم ، هذا بحكم المسلمين مات مسلماً (٣) ، وأبو طالب حامية الاسلام

__________________

للسيِّد أبي علي فخار بن سعد الموسوي.

٤ ـ شيخ الابطح ، أو أبو طالب : للسيِّد محمَّد علي آل شرف الدين الموسوي.

٥ ـ الشهاب الثاقب لرجم مكفِّر أبي طالب : للشيخ ميرزا محمّد الطهراني.

٦ ـ ضياء العالمين في فضائل الائمة المصطفين : للشيخ أبي الحسن الفتوني النجفي.

٧ ـ مواهب الواهب في فضائل أبي طالب : للشَّيخ جعفر إلنقدي.

٨ ـ أبو طالب مؤمن قريش : للشيخ عبدالله الخنيزي.

(١) أي باللات والعزى.

(٢) انظر : الاستيعاب ٤ : ٨٧ ، مروج الذهب ٣ : ٨٦.

(٣) وذلك والله من عجب العجاب ، فأنَّى تظل العقول مسترسلة في غيها وغفوتها ، وحتى مَ يبقى هذا الحجاب من الغفلة والجهل يطوي مكامن العقول ولباب الحقائق ، بل ومتى يتوقَّف البعض ولو قليلاً ليدرك عمق ما يتقوَّله دون حجة ولادليل ، ولا سلطان مبين ... فمَنْ هو أبي سفيان ، وما هو تأريخه ، بل وهل هو خافٍ على أحد ليأتي مَنْ يأتي في آخر الزمان ، مُردداً ارهاصات وتخرُّصات الامويين السقيمة لتجميل وجه شيخهم الكالح البغيض ، وهو ما نقرأه بين الأونة والأُخرى في كراسات وقصاصات صفراء متغضنة ، وإلاّ فهل خفي على أحد أنَّ هذا الرجل كان مِنْ أكثر المؤلِّبين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقائد الاحزاب ، والمتعبِّد باللات والعزّى ؛ والذي انفق جلّ أمواله في محاربة الله ورسوله حتى نزل فيه ـ على ما يروي الرازي في تفسيره ـ قوله تعالى ( إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَنْ تغني عَنهم أموالُهُم وَلا أولادُهُمٍ مِنَ اللهِ شَيئَا ) والذي ما نطق شهادتين إلا مُكرهاً ، مُسراً للعداوة ، مُبطناً للكفر ، مُتحيناً للفرص السانحة ، كيداً بالاسلام وأهله ، حتى لقد روت عنه الكثير من المصادر التاريخية المختلفة ، وكتب التراجم والسير العديد من الاخبار التي تطعن في صحة اسلامه ، وتشكك فيه ، ومن ذلك قوله لعثمان حين صارت الخلافة اليه : قد صارت اليك بعد تيم عدي ، فادرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُمية ، فانَّما هو المُلك ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار!!. انظر : الاستيعاب بهامش الاصابة ٤ : ٨٧.

١٤٨

مات كافراً!! ، معِ أنَ أقلَّ كلماته :

وَلَقدْ عَلِمتُ بِأن ديِنَ مُحَمّدٍ

مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا (١)

وأبو طالب ليس بذلك الرجل الضعيف ، وذي الرأي السَّخيف الَذي يعلم بأنَّ دين مُحَمَّدٍ من خير الأديان ولا يتبعه ولا يتديَّن به خوفاً من إلناس ، وهو سيُد البطحاء! فدع عنك هذا وعد الى حديث من أراد هدم الإسلام!!

أهم هؤلاء الَّذين ذكرناهم؟ أو الطبقة التي بعدهم ـ طبقة التابعين ـ كالأحنف بن قيس ، وسويد بن غفلة ، وعطية العوفي ، والحكم بن عتيبة ، وسالم بن أبي الجعد ، وعلي بن الجعد ، والحسن بن صالح ، وسعيد بن

__________________

بل وما رواه ابن الزبير عنه يوم اليرموك حيث كان ( أي ابو سفيان ) إذا راى أنَّ الروم ظهروا على المسلمين قال : ايه بني الاصفر! واذا كشفهم المسلمون قال :

وَبَنوا الأصفرِالمُلوكِ مُلوك الرُّ

وم لم يَبقَ مِنهم مَذكور

بل وفي حنين كانت الازلام في كنانته يستقسم بها ، ولما راى انهزام المسلمين سر بذلك وقال : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، لقد غلبت هوازن!! فقال له صفوان ـ وكان يستمع اليه ـ : بفيك الكثكث ( أي الحجارة والتراب ). انظر : النزاع التخاصم : ٥٢.

واليك كتب التأريخ وغيرها تأمَّل بها فانَّها خير شاهد على ذلك ، رغم ما تسرب إلى العديد منها من الدس والافتراء ، والكذب الرخيص ، من الذين وان قيل باختلاف مشاربهم ولكنهم يتفقون بلا شك على عدواة أهل بيت إلنبوة عليهم السلام وبغضهم ، خلافاً لوصية الله تعالى بهم ورسوله صلى الله عليه وآله.

(١) أحد جملة ابيات مشهورة نقلتها المصادر المختلفة ، واتفقت على نسبتها إلى أبي طالب رحمه الله تعالى ، منها :

وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إليكَ بجمعِهِم

حَتى اُوسَّد َفي التُّرابِ كَفينا

فَاصدَعْ بِامرِكَ مَا عَلَيكَ غَضاضَةً

وَابشِرْ بِذاكَ وَقَرَّ مِنكَ عُيُونا

وَدَعَوتَني وَعَلِمتُ أنَّكَ ناصِحي

وَلَقد دَعَوتَ وَكُنتَ ثم امِينا

وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دينَ مُحمًدٍ

مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا

١٤٩

جبير ، وسعيد بن المسيَّب ، والأصبغ بن نباتة ، وسليمان بن مهران الأعمش ، ويحيى بنى يعمر العدواني صاحب الحجّاج (١) ، وأمثال هؤلاء ممَّن يطول

__________________

(١) لعل المتبادر إلى أذهان البعض أنَّ لهذا الرجل صحبة مع الحجّاج لعنه الله تعالى ، إلّا أنّ لذلك واقعة مشهورة بين الاثنين عُرف ابن يعمر بها ، ومن ذلك فان الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى أشار إلى ذلك الأمر مجرد اشارة لوضوحه.

وتلك الواقعة يرويها الشيخ الكراجكي ( المتوفّى سنة ٤٤٩ هـ ) في كتابه الشهير كنز الفوائد ( ١ : ٣٥٧ ) :

قال : قال الشعبي : كنتُ بواسط ، وكان يوم أضحى ، فحضرت العيد مع الحجّاج فخطب خطبة بليغة ، فلمّا انصرف جاءني رسوله ، فاتيته فوجدته جالساً مستوفزاً ، فقال : يا شعبي ، هذا يوم اضحى ، وقد أردت أن اًضحّي برجل من أهل العراق!! واحببت أنْ تسمع قوله فتعلم أنِّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به!!.

فقلت : أيُّها الأمير ، لوترى أنْ تتسنَّن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وتضحّي بما أمر أنْ يُضحّى به ، وتفعل مثل فعله ، وتدع ما اردت أنْ تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.

فقال : يا شعبي ، إنَّك اذا سمعت ما يقوله صوَّبتَ رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، لى إدخاله الشبهة في الاسلام!!

قلت : أفيرى الامير أنْ يعفني من ذلك؟

قال : لا بدَّ منه.

ثم أمر بنطع فبُسط ، وبالسيّاف فاُحضر ، وقال : احضروا الشيخ.

فاتوه به ، فاذا هو يحيى بن يعمر ، فاغتممت غمّاً شديداً ، وقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مّما يوجب قتله.

فقال له الحجّاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق؟.

قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.

قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟

قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق.

قال : وبأي حق قلت؟

قال : بكتاب الله عزوجل.

فنظر الي الحجاج وقال : اسمع ما يقول ، فان هذا ممّا لم أكن سمعته عنه ، أتعرف انت في كتاب الله عزوجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]؟

١٥٠

...................................................

__________________

فجعلتُ أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك.

وفكَّر الحجّاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عزَّوجلّ :

( فمَنْ حاجكَ منْ بَعدْ مَا جاءَكَ مِنَ العِلم فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبْناءنا وَأبناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأنْفُسَنا وأنْفُسَكُمْ ثم نبتهل فَنَجْعلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلى الكاذِبينَ ) [ ال عمران ٣ : ٦١ ].

وأن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين [عليهم‌السلام

قال الشعبي : فكأنّما أهدى لقلبي سروراً ، وقلتُ في نفسي : قد خلص يحيى. وكان الحجّاج حافظاً للقرآن!!

فقال يحيى : والله إنَّها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلتُ. فاصفر وجه الحجاج وأطرق ملياً ، ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إنْ جئتَ من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة الأف درهم ، وإنْ لم تاتِ بها فانا في حلٍ من دمك.

قال : نعم.

قال الشعبي : فغمني قوله وقلت [ في نفسي ] : أما كان في الذي نزع به الحجّاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنّه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلَّص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فانْ جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أنْ يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنَّه قد علم ما جهله هو.

فقال يحيى : قول الله عزّوجلّ : ( وَمِنْ ذُرّيَتِهِ دَاوُدَ وَسلَيمانَ ) [ الانعام : ٨٤ ] مَنْ عنى بذلك؟

قال الحجّاج : ابراهيم.

قال : فداود وسليمان مِنْ ذريته؟

قال : نعم.

قال يحيى : ومَنْ نصَّ الله تعالى عليه بعد هذا أنه مِنْ ذريته؟

فقرأ الحجّاج : ( وَأيوبَ وَيُوسُفَ ومُوسَى وهَارُونَ وكَذلكَ نَجْزي المُحْسِنينَ ).

قال يحيى : وَمَنْ؟

قال : ( وَزكَرِيَّا ويحيى وَعيسى ).

قال يحيى : ومِنْ أين كان عيسى من ذرَية ابراهيم ولا أب له؟!

قال : من قِبَلَ اُمِّه مريم.

قال يحيى : فَمَنْ أقرب ، مريم مِنْ ابراهيم أم فاطمة مِنْ محمَد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

١٥١

تعدادهم وذكر أدلة تشيّعهم؟

أهؤلاء الَّذين أرداوا هدم الاسلام؟ أم الطبقة الأُخرى من التابعين وتابعيهم ، وهم مؤسسو علوم الإسلام؟ كأبي الاسود الدؤلي مؤسس علم النَّحو ، والخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم اللغة والعروض ، أم أبو مسلم معاذ بن مسلم الهرّاء مؤسس علم الصرف الَّذي نصَ السِيوطي في الجزء الثاني من المزهر وغيره أنَّه كان شيعياً (١) ، ويعقوب بن إسحاق السكيت إمام العربية؟

أم مؤسسو علم التفسير؟ وأوّلهم الحبر عبدالله بن عبّاس وتشيّعه كنارٍ على عَلَم ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأُبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيَّب ، وأوَّل مفسِّر جمع علوم القرآن وهو محمَّد بن عمر الواقدي الَّذي ذكره ابن إلنديم وغيره ونصَّ على تشيّعه واسم تفسيره ( الرغيب ) (٢)؟

أم مؤسس علم الحديث؟ وهو أبو رافع ، مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صاحب كتاب ( الأحكام والسنن والقضايا ) وهو من المختصين بامير المؤمنين عليه‌السلام وصاحب بيت ماله بالكوفة ، ثم تلاه ولده علي بن أبي رافع (٣) ، كاتب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو أوَّل من صنَّف في الفقه

__________________

وعيسى مِنْ ابراهيم أم الحسن والحسين عليهم‌السلام مِنْ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال الشعبي : فكأنما القمه حجراً.

فقال : اطلقوه قبحه الله ، وادفعوا اليه عشرة الاف درهم ، لا بارك الله له فيها .....

(١) المزهر ٢ : ٤٠٠.

(٢) فهرست ابن النديم : ١٩٤.

(٣) انظر : تأسيس الشِّيعة : ٢٨٣ ، و ٢٩٨ ، رجال النجاشي : ٢١٦ ، رجال ابن داود : ١٣٤|١٠١١ ، تنقيح المقال ٢ : ٢٦٣ ، الكنى والالقاب ١ : ٧٤ ، الخلاصة : ١٠٢|٦٨ ، أعيان الشِّيعة ٨|١٥١.

١٥٢

بعد أبيه. ثمَّ أخوه عبيدالله بن أبي رافع ، وهو أوَّل من ألَّف من المسلمين في التاريخ وضبط الحوادث والآثار (١).

أم مؤسسو علم الكلام؟ وأوَّل من تكلَّم في علم الكلام أبو هاشم بن محمَّد بن الحنفية ، وألَّف فيه كتباً جليلة ، ثم عيسى بن روضة التابعي الَّذي بقي إلى أيام أبي جعفر ، وهما أسبق من واصل بن عطاء وأبي حنيفة الَّذي زعم السيوطي أنَّهما أوَّل من صنَّف في الكلام.

ثم تلاهما من أعلام الشيعة في علم الكلام قيس الماصر ، ومحمَّد ابن علي الأحول ـ المعروف عندنا بمؤمن الطاق وعند غيرنا بشيطان الطاق ـ وآل نوبخت (٢) وهم عائلة علم جليلة استمرت سلسلتهم أكثر من مائة سنة ، ولهم مؤلفات عالية كـ ( فصِّ الياقوت ) وغيره ، وهشام بن الحكم ، والأحول والماصر ، وتلاميذهم كأبي جعفر البغدادي السكّاك ، وأبي مالك الضحّاك الحضرمي ، وهشام بن سالم ، ويونس بن يعقوب ، ونظرائهم.

هؤلاء هم الَّذين دوَّخوا علماء المذاهب من المسلمين وغيرهم من الملاحدة وغيرهم في الجدل والاحتجاج حتى أوقعوهم في المضيق ، وسدُّوا عليهم الطريق في التوحيد والإِمامة وغيرهما ، ولو أنَّ أحداً يتصدى لجمع

__________________

(١) انظر : تأسيس الشَيعة : ٢٣٢ و ٢٨١ ، تنقيح المقال ٢ : ٢٣٧ ، فهرست الطوسي : ١٠٧|٤٦٦ ، الخلاصة : ١١٢|٢ ، رجال الطوسي : ٤٧|١٧ ، الكنى والالقاب ١ : ٧٤ ، تهذيب الهذيب ٧ : ١١.

(٢) اُسرة جليلة وعريقة في العِلم والمعرفة ، أصلهم من الفُرس ، كان أوّل مَنْ أسلم منهم جدهم نوبخت الذي ينتسبون إليه ، وكان مُقرَّباً مِنْ أبي جعفر المنصور.

ونوبخت لفظ فارسي مركب من كلمتين ( نو ) أي جديد ، و ( بخت ) اي حظ ، ومعناه : الحظ الجديد.

برز منها الكثير من العلماء والفلاسفة والمؤرخين والكتّاب والادباء والشعراء والوزراء.

راجع أعيان الشيعة للسيد محسن الامين ٢ : ٩٣.

١٥٣

مناظرات كلُّ واحد منهم المنتشرة في متفرقات مؤلَّفات أصحابنا ، لجاء لكلِّ واحد كتاب مفرد ، على الأخص هشام بن الحكم ، كما أنَّنا لو أردنا أنْ نُحصي فلاسفة الشِّيعة وحكماءها ومتكلميها لاستوعب ذلك عدة مجلدات.

قُل لنا يا صاحب ( فجر الاسلام ) : أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام ، أم الَّذين أسسوا عِلمَ السِّيَر والآثار ، ودوَّنوا سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعجزاته وغزواته وكرم أخلاقه ، وأوَّل من صنَّف ذلك من علماء الاسلام أبان ابن عثمان الأَحمر التابعي المتوفى سنة ( ١٤٠ هـ ) من أصحاب الصَّادق عليه‌السلام ، ثم هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي ، ومحمَّد بن اسحاق المطلبي ، وأبو مخنف الازدي ، وكلُّ مَنْ كتب في هذا الفن فهو عيال عليهم. والجميع من أعلام الشيعة بالاتفاق.

ثم تلاهم أعاظم المؤرِّخين وأثباتهم ، وكلُّهم من الشِّيعة ، كأحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب ( المحاسن ) ، ونصر بن مزاحم المنقري ، وإبراهيم بن محمَّد بن سعيد الثقفي ، وعبدالعزيز الجلودي البصري الامامي ، واليعقوبي أحمد بن يعقوب المطبوع تاريخه في اوروبا وفي النَّجف ، ومحمَّد بن زكريا ، وأبي عبداللهّ الحاكم المعروف بابن البيع ، والمسعودي صاحب ( مروج الذهب ) ، ومحمَّد بن علي بن طباطبا صاحب ( الآداب السُّلطانية ) (١) ، وكثير من أمثالهم ممَّن يضيق التعداد عن حصرهم.

ثمَّ اعطف نظرك على أشهر شعراء الاسلام ، وذوي الرايات والأعلام

__________________

(١) الاداب السلطانية والدول الاسلامية ، ويعرف باسم ( الفخري في الآداب ).

قال عنه الطهراني رحمه الله في الذريعة ( ١٦ : ١٢٥ ) : هو في تاريخ الخلافة الاسلامية إلى انقراض بني العبّاس وتسلّط هولاكو على بغداد في ( ٦٥٦ هـ ).

ألفه في مدة أوّلها جمادى الآخرة سنة ( ٧٠١ هـ ) وآخرها خامس شوال من السنة المذكورة في الموصل الحدباء باسم واليها فخر الدِّين عيسى بن ابراهيم.

١٥٤

منهم ، فهل تجدهم إلاّ من الشِّيعة ، وهم على طبقات :

الأُولى : طبقة الصَّحابيين : وأعاظم شعراء هذه الطبقة كلّهم من الشِّيعة ، أوَّلهم النّابغة الجعدي ، شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام صفين ، وله فيها أراجيز مشهورة (١) ، وعروة بن زيد الخيل ، وكان معه بصفين أيضاً ( راجع الاغاني ) (٢) ، ولبيد بن ربيعة العامري نصَّ جماعة على تشيِّعه (٣) ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة المشهور ، وابو الأسود الدؤلي ، وكعب بن زهير صاحب ( بانت سعاد ) ، وكثير من نظرائهم.

الطبقة الثانية : المعاصرة لطبقة التابعين : كالفرزدق ، والكميت ، وكثير عزَّة ، والسيِّد الحميري ، وقيس بن ذريح وأقرانهم.

الطبقة الثالثة : من بعدهم من أهل القرن الثاني : كدعبل الخزاعي ، وأبي نؤاس ، وأبي تمّام ، والبحتري ، وديك الجن عبدالسلام ، وأبي

__________________

(١) روى نصر بن مزاحم في وقعة صفِّين ( صفحة٣٥٥ ) للنابغة الجعدي جملة من الابيات الشعرية ألقاها في أيام تلك الواقعة ، منها :.

لَيتَ شِعري إذا مَضى ما قَد مَضى

وَتَجَلّى الامرُ للهِ الاجَل

ما يُظنن بناسٍ قَتلوا

أهلَ صفينٍ وَأصحابَ الجمل

أيَنامُونَ إذا ما ظَلَموا

أم يَبيتُون بخَوفٍ وَوَجَل

(٢) قال ابو الفرج الاصبهاني في الاغاني (١٧ : ٢٥٨) : كان لزيد الخيلَ ابن يقال له عروة ، وكان فارساً شاعر ، شهد القادسية فحسن بلاؤه فيها ، وشهد مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام صفِّين ، وعاش إلى إمارة معاوية ، فأراده على البراءة من علي عليه‌السلام ، فامتنع عليه ، وقال :

يُحاوِلُني معاويةُ بنُ حَربٍ

وَليسَ إلى الذي يَهوى سَبيلُ

على جَحدي أبا حسنٍ عَليّا

وَحَظي مِنْ أبا حَسنٍ جَليلُ

قال : وله اشعار كثيرة.

(٣) راجع ترجمتنا له في الملحقات الخاصة بالتراجم.

١٥٥

الشيص ، والحسين بن الضحّاك ، وابن الرومي ، ومنصور النّمري ، والأَشجع الأسلمي ، ومحمَّد بن وهيب ، وصريع الغواني.

وبالجملة : فجلّ شعراء الدولة العبّاسية في هذا القرن والَّذي بعده كانوا من الشِّيعة ، عدا مروان بن أبي حفصة وأولاده.

وكذلك الطبقة الرابعة أهل القرن الرابع من الثلاثمائة فما بعد : مثل متنبي الغرب ابن هاني الأندلسي ، وابن التعاويذي ، والحسين بن الحجّاج صاحب المجون ، والمهيار الديلمي ، وأمير الشعراء الَّذي قيل فيه : بُدئ الشِعر بملِك وخُتِم بملِك ، وهو أبو فراس الحمداني. وكشاجم ، والناشئ الصغير ، والناشئ الكبير ، وأبو بكر الخوارزمي ، والبديع الهمداني ، والطغرائي ، وجعفر شمس الخلافة ، والسري الرفاء ، وعمارة اليمني ، والوداعي ، والخبز أرزي ، والزاهي ، وابن بسّام البغدادي ، والسّبط ابن التعاويذي ، والسَّلامي ، والنامي.

وبالجملة : فأكثر شعراء ( يتيمة الثعالبي ) ـ وهي أربع مجلدات ـ من الشِّيعة ، حتى اشتهر وشاع من يقول : ( وهَلْ تَرى مِنْ أديبِ غيرَ شيعي ).

وإذا أرادوا أنْ يُبالغوا في رقة شعر الرجل وحسنه قَالوا : يَتَرفَّض في شعره.

وقد يُعدّ المتنبي وأبو العلاء أيضاً من الشِّيعة ، وربما تشهد بعض أشعارهم بذلك ، راجع الجزء الثاني من ( المراجعات الريحانية ) (١) وافهم

__________________

(١) من مؤلَّفات الشًيخ رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، يُعرف أيضاً باسم ( النقود والردود ) ، و ( المطالعات والمراجعات ).

يقع في جزءين ، الجزء الأول منه طُبع أوّل مرة في بيروت عام ( ١٣٣١ هـ ) ، وفيه مراجعة مع أمين بن فارس البجاني ، المعروف بالريحاني ( ت ١٣٥٩ هـ ) حول نقده لكتاب المؤلف رحمه الله المسمّى بـ ( الدّين والاسلام ) ، وهو يقع في جزءين أيضاً ، أوَّلهما في فلسفة الدَين

١٥٦

هذا وتدبَّر.

هذا سوى شعراء الشِّيعة من قريش خاصة ، مثل : الفضل بن العبَّاس ابن عتبة بن أبي لهب ، المُتَرجَم في الأغاني وغيره ، وكأبي دهبل الجمحي وهب بن ربيعة.

أو من العلويين خاصة. كالشريفين الرَّضي والمرتضى ، والشريف أبي الحسن علي الحِمّاني بن الشَّريف الشّاعرِ محمَّد بن جعفر بن محمَّد الشَّريف بن زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام وكلّهم شعراء ، وكان الحِمّاني يقول : أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر. ومحمَّد بن صالح العلوي الَّذي ترجمه في الأغاني وذكر له نفائس الشعر (١) ، والشَّريف ابن الشجري ... الى كثير من أمثالهم من شعراء الشَّيعة العلويين.

راجع كتاب ( نَسمة السَّحر فيمن تَشيَّع وشعر ) (٢) للشريف اليماني تجد نبذة صالحة منهم.

بل ومن شعراء الأمويين الشَّيعة : كعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان

__________________

الاسلامي ، واثبات الصانع ، والتوحيد ، والعدل ، وما يتعلَّق بهما ، والثاني في اثبات النبوة.

وأمّا الجز الثاني من المطالعات فقد طُبع أوَّل مرة في صيدا عام ( ١٣٣١ هـ ) أيضاً ، وفيه بعض المراجعات الريحانية ، والنقد لتأريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان.

وفي آخره ( عين الميزان ) الذي هو نقد لكتاب ( ميزان الجرح والتعدديل ) للقاسمي.

راجع. الذريعة ٤ : ٢٩٥ و ٨ : ٢٩٣ ، معجم المؤلِّفين ٣ : ١٠.

(١) الاغاني ١٦ : ٠ ٣٦ ـ ٣٧٢.

(٢) قال الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( ٢٤ : ١٥٤ ) : ( نسَّمة السحر بذكر من تشيَّع وشعر ) : فهرس لبعض شعراء الشيعة ، لضياء الدِّين يوسف بن يحيى الصنعاني اليماني ( ١٠٧٨ ـ ١٢١ هـ ) فرغ من الكتاب في ١٣ رجب عام ( ١١١١ هـ ) ثم ضم إليه ملحقاته إلى حين الوفاة.

وهو في مجلًدين يشمل الأوَّْل على ( ٨٥ ) ترجمة ، الّا أنَّه لم يذكر الّا المشهورين من الشعراء ، فان المثل السائر حتى القرن الرابع كان يقول : هل رأيت أديباً غير شيعي.

١٥٧

ابن الحكم (١) ، وخالد بن سعيد بن العاص ، ومروان بن محمَّد السروجي أموي شيعي ، هكذا ذكره الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) على ما يخطر ببالي وأنشد له :

يَا بَني هاشِمَ بن عبد مُنافٍ

انَّني (مِنكًم) (٢) بكُلِ مَكانِ

أنتمُ صَفوةُ الإلهِ وَمِنكُم

جعفرٌ ذُو الجَناَحِ وَالطَّيرانِ

وعليٌ وحمزةُ أسدُ اللهِ

وبنت النبيِّ وَالحسنانِ

ولئِنْ كنتُ مِنْ اُميّة اني

لَبَريءٌ مِنهُم الى الرَّحمنِ (٣)

وكأبي الفرج الأصبهاني صاحب ( الأغاني ) و ( مقاتل الطالبيين ) ، وكالأبِيوَرْدي الأموي الشّاعر المشهور صاحب ( النجديات ) و ( العراقيات ) ، وغيرهم ممَّن لا تحضرني السّاعة أسماؤهم ، وكنت [ قد ] وقفتُ على جماعة من الشَّيعة الأمويين ، ولكنِّي اكتب هذا الكتاب على جري القلم ، وترسّل الطبع ، وما هو العتيد الحاضر في الخاطر ، من دون تجديد مراجعة كتاب أو مطالعة باب.

__________________

(١) روى أبو الفرج الأصبهاني في الاغاني ( ١٣ : ٢٦٣ ) : أن عبدالرحمن بن الحكم بن أبي العاصي كان عند يزيد بن معاوية ، وقد بعث إليه عبيدالله بن زياد برأس الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فلمّا وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبدالرحمن ثم قال :

أبْلغ أميرَ المُؤمنينَ فَلا تَكُنْ

كَمُوترِ أقواسٍ وَليسَ لَها نَبْلُ

لَهامٌ بجَنبِ الطفِّ أدْنَى قَرابَةً

مِنِ ابنِ زيادِ الوَغدِ ذي الحَسَبِ الرَّذل

سُمَيةُ أَمسى نسْلُها عدَدَ الحَصى

وبنتُ رَسُولِ اللهِ ليس َلها نَسلُ

(٢) كذا في ربيع الابرار ، وفي معجم الشعراء (٣٢١) : معكم ، ولعلها أنسب.

(٣) نعم ، ذكره الزمخشري في ربيع الابرار ١ : ٤٩٢ ، ومثله المرزباني في معجم الشعراء : ٣٢١ ، حيث قال : مروان بن محمَّد السروجي ، من بني اُميَّة ، من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل ... وذكر الابيات أعلاه.

١٥٨

ثمَّ اعطف نظرك على أعاظم الملوك والامراء والكتّاب والوزراء من الشَّيعة كالدولة الفاطمية ، والبويهية ، والحمدانيين ، وبني مزيد بن صدقة ، وبني دُبيس ، وعمران بن شاهين أمير البطائح ، والمقلّد بن المسيَّب العقيلي ، وقرواش بن المسيَّب.

بل وأعاظم الخلفاء العبّاسيين : كألمأمون ، والمنتصر ، والمعتضد أحمد بن الموفق ، والناصر أحمد بن المستضيء ، وهو أشهرهم في التظاهر بالتشيُّع وأشعاره ومراجعته مع الملك الأفضل علي بن يوسف صلاح الدين الأيوبي الصريحة في غلوِّهما بالتشيُّع مشهورة (١) والمستنصر ، وذي القرنين التغلبي وجيه الدولة أبي مطاع ، وتميم بن المعز بن باديس ملك أفريقيا والمغرب ، وكثير من أمثالهم مما لا مجال لتعداد أسمائهم فضلاً عن ترجمة أحوالهم وأنبائهم.

ثم اسبر أكابر الوزراء في الاسلام ، فهل تجدهم إلاّ من الشَّيعة ، كاسحاق الكاتب ، ولعلَّه أوَّل من سُمي وزيراً في الاسلام ، قبل الدولة العباسية ، وأبي سلمة الخلال حفص بن سليمان الهمداني الكوفي ، أوَّل وزير لأول خليفة عباسي ، استوزره السفّاح وفوَّض جميع الامور اليه لفضله وكفاءته ، ولُقبّ ( وزير آل محمَّد ) ثمَّ قتله السفّاح حين أحسَّ منه بالتشيُّع لآل علي عليهم‌السلام.

وكأبي عبداللهّ يعقوب بن داود ، وزير المهدي الَّذي تولّى تدبير جميع الأُمور حتى قيل فيه :

بَني اُميّة هُبُّوا طالَ نَومَكُمُ

إنَّ الخليفةَ يَعقوبُ بنُ داودِ (٢)

__________________

(١) أورد هذه المراجعة السيِّد حسن الامين رحمه الله في أعيانه ٢ : ٥٠٧ ، والقمَي رحمه الله في كُناه ٣ : ١٩٥ ، فلتراجع.

(٢) قيل : إنَّ قائل هذين البيتين الشعريين هو بشار بن برد ، الشاعر الاعمى المعروف ، الذي لم

١٥٩

وحبسه المهدي أخيراً في المطبق (١) لتشيُّعه أيضاً إلى أن أخرجه الرشيد.

ومن بيوتات الوزارة من الشَّيعة : بنو نوبخت ، وبنو سهل وزراء المأمون كالفضل بن سهل ، والحسن بن سهل.

وبنو الفرات (٢) : أبو الحسن علي بن محمّد ، تولى الوزارة للمقتدر ثلاث مرات ، وأبو الفضل جعفر ، وأبو الفتح الفضل بن جعفر.

وبنو العميد محمَّد بن الحسين بن العميد ، وابنه ذو الكفايتين أبو الفتح علي بن محمَّد ، وزراء ركن الدولة.

وبنو طاهر الخزاعي وزراء المأمون ومَنْ بعده ، والوزير المهلُّبي الحسن ابن هارون ، وأبو دلف العجلي ، والصاحب بن عبّاد ، وداهية السياسة أبو القاسم الوزير المغربي ، ومؤسس الدولة الفاطمية رجل الدولة والسِّياسة أبو عبدالله الحسين بن زكريا المعروف بـ ( الشِّيعي ) ، وإبراهيم بن العبّاس

__________________

يلبث بعد ذلك أنْ هجا المهدي بجملة من الابيات التي نعرض عن ذكرها ، فتحيَّن به المهدي الفرص حتى قتله.

أنظر : أمالي السيَّد المرتضى ١ : ١٤١ ، الاغاني ٣ : ٢ ٣٤ ، سير أعلام إلنبلاء ٨ : ٣٤٧ ، ديوان الشاعر ٣ : ٩٤.

(١) سجن مظلم تحت الارض يُوضع فيه من لا يوافق هوى الحكام العبّاسيين ، وهي سياسة ثابتة يتفق عليها كلُّ الطواغيت في جميع الامصار وعلى طول الدهور ، وإنْ خضعت ـ مع مرور الازمنة ـ للمؤثرات التقنية لتواكب التقدم العلمي بالشكل الذي يتناسب وأمزجة الحكّام وحبهم لسفك الدماء. فلا غرابة فيما نقرأه من أشكال هذه السجون ، ووحشة ترتيبها في عصر العبّاسيين والامويين آنذاك ، لانّها في أيامنا هذه لم تُعد الّا كلعب الاطفال قياساً بما نراه ونسمعه من أشكال ونظم السجون والمعتقلات التي تزخر بها الكثير من الدول المبتلاة بالانظمة الجائرة ، والحكومات الفاسدة.

(٢) اُسرة شيعية ، أصلهم من صديقين من أعمال الدجيل ، وكانوا من العوائل المشهورة المعروفة بالفضل والكرم والنبل.

١٦٠