أصل الشيعة وأصولها - المقدمة

أصل الشيعة وأصولها - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٢

تقديم :

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشداً

الحمد لله حق حمده وثنائه ، والشكر على نعمائه ، والصلاة والسلام على أشرف رسله وانبيائه محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وعلى آله أئمة الهدى ومعدن التقى والعروة الوثقى.

وبعد :

فإن للكلمة الاسلامية منذ انبثاق الرسالة ، وولادة الشريعة ، حتى بلوغها ازهى عصورها الأثر الكبير في رفد مسيرة الأمة بمقومات الحياة والتطور والتفاعل الجاد من اجل خدمة الانسان ، وتقويم مسيرته ، وفي ارساء قواعد القيم الروحية ، والمثل العليا ، التي صدع بها الاسلام ، وخصّها بالثبات ومستلزمات البقاء ، ولولا الكلمة الطيبة ، وما لوجودها وتأثيرها في القلوب والالباب لما قرّت شريعة السماء ، وكان لها سلطة على الارواح التي تصدأ كما يصدأ الحديد ، فتكون لها قراءة الآي المسطور من الذكر الحكيم

١

جلاءً لاظهار بهاء النفس وانفتاحها على الهدى والرشاد.

وقد كانت ولم تزل الكتابة تمثل الزاد الوافر الذي يغدق بنميره العذب موارد العطاء لتنشرح به القلوب ، وتلمع به الابصار ، لانها تمثل جوانب الاشراقات العلمية ، وثمرة الافكار ، وترسم لكل جيل ملامح النهضة والاقدام ، وتحمل في طيها صور الفضيلة ، ومظاهر الابداع الانساني الذي خصه الله سبحانه بتكريم الانسان في احسن تقويم ، وقد أقسم البارئ المصور بالقلم وما يسطرون ، اظهاراً لما في التدوين والتصنيف والتأليف من براعة واثر بليغ لمن استفاد علماً نافعاً فسجله واثبته فخلده ، ومن قرأه فوعاه ، ومن هنا يجمل القول المأثور عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام « قيدوا العلم بالكتابة » و « أحتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها ».

ولما كان للكتاب الاسلامي مزاياه وخصائصه التي امتاز بها ، بحيث كان عبر ايامه المشرقة مقياساً على رقي الأمة وبلوغها مدارج الكمال والسمو فقد تجسدت فيه الابعاد الحضارية للفكر الاسلامي ، وبانت على صفحات هذا الكتاب ملء السمع والقلب والبصر في اداء دور رسالة الحق بآفاقها الخصبة الممتدة بعمق الى حيث التاريخ العريق الأصيل الذي سجلته سيدة الحضارات الانسانية حين كان ولم يزل للحاضرة الاسلامية دور الزيادة والتاسيس في الاسهام بحضارة الانسان على الارض بواقع من الافق المعرفي الكبير تجاوزت حدوده المعارف والعلوم الشرعية التي اكدّت عليها الشريعة فابدعت اقلام الاعلام الافذاذ في تصوير قواعدها ورسم ملامحها حتى بلغت من المعارف العامة والآداب والفنون ما يحكي جمال الفكرة ، وبليغ الاسلوب ، وروعة التعبير ، والاتقان الفني.

وكما كان للحرف منذ نشوئه مداه وذاتيته عبر مراحل التطور والنشوء المعرفي فقد كان لفضل الاسلام ما اضفى عليه رونقه وفاعليته ودفع في

٢

حيويته حيث بلغ مديات من النمو والاطراد حكت الاجيال بهائها ، وتزينت بها صدور المعاجم والموسوعات والمؤلفات.

وحينما أحكم الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلمة الاسلامية في رصانتها ومتانتها فقد كانت الريادة بتقييدها وابرازها للامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام حيث تمت على يديه الولادة المباركة حين بدأ بتدوين القرآن الكريم وكتابته بيده الشريفة حفظاً لقدسيته ، وصوناً من ان تمسه الشبهات والاوهام ، وكما صدع به الوحي الامين على لسان نبيه المصطفى محمّد بن عبدالله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كان للامام علي عليه‌السلام شرف الاولوية في كتابته ومنذ ان ظهر هذا العمل التأسيسي الذي سجله تاريخ صدر الاسلام لصفحات من نور فقد بدأ السعي لتدوين علوم العربية في قواعد النحو وموازين الكلام الصحيح بمبادرة من الامام علي عليه‌السلام حين أملى على ابي الاسود الدؤلي قواعد النحو فكان له السبق كذلك في هذا المضمار كما كان في كثير من مبادراته الميمونة حفظاً لاحكام الشريعة وعناية بابراز معالمها على الوجه الامثل الذي صاغه رب العالمين لا ما ذهبت به الاتجاهات والنزعات والاهواء ...

وكما كانت تمثل سيرة الامام علي عليه‌السلام اصالة الرسالة ونقائها ، وصيانة مبادئ الشريعة من التحريف والتشويه والتزييف ، ينبغي ان تكون خطوات القدوة والاسوة كذلك ، حيث وجدنا ان سيرة الائمة الهداة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت النموذج الرائع الذي يتجسد فيه الخط الاسلامي القويم عبر اجيال وانظمة مرت مثقلة الخطى بالنكبات والمحن والفتن والضلالات ، فكانت مسيرة اهل البيت عليهم‌السلام الاشراقة الوضيئة التي تهدي الى الصواب. والرشد ، وتمحق الباطل ورموزه بما يشحن الذهنية المسلمة من عطاء الفكر المحمدي الخلاق ... وهكذا كانت سيرة

٣

علمائنا الابرار من السلف الصالح السابق واللاحق ممن حمل مشعل الهداية ليضيء دروب العلم والمعرفة ، ائمة حق ، ودعاة فضيلة ، وأرباب كمالات.

وفي زمن الصحوة نحو الاسلام ومبادئه الراسخة ، لا بُدّ وان يكون للمسيرة الفكرية اسمى صورها ، واجلى معانيها في انتشار دور الكتب ، والنشر ، ومؤسسات التاليف والترجمة والتحقيق حيث تشكل هذه الظاهرة المباركة دلالة واضحة على وعي الامة لرسالتها ، وادراكها لمهمتها الاساسية في توظيف الكلمة الهادفة لخدمة الحركة النهضوية ، وارساء معالم الاصلاح والتوجيه ، ولهذا فان أية ولادة جديدة في هذا المسعى الخيّر تعني اضافة نوعية ، وخطوة ايجابية في عمق المجال الاسلامي الكبير ، وتأصيل مفاهيمه.

ومن هذا المنطلق فقد انعقدت النية ، وجدّ العزم على انشاء ( مؤسسة الامام علي عليه‌السلام ) بهمة ومساعي حجة الاسلام والمسلمين العلّامة المفضال السيد جواد الشهرستاني دام مجده ، الذي كانت له الايادي البيضاء في ارساء قواعد هذه المؤسسة ، واعدادها وابرازها الى حيِّز الوجود لتستلم مهمة جليلة في التحقيق والترجمة للكتب الاسلامية التي لها اثرها الكبير في معرفة اصول العقائد والمعارف الدينية وما افاضت به مدرسة اهل البيت عليهم‌السلام من رؤى ، وافكار ، وآفاق علمية ، وهي اذ تبادر باصدار كتاب (أصل الشيعة واُصولها) من تأليف الامام الراحل آية الله العظمى الشيخ محّمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي بطبعة متميزة (للمرة الاولى) بالتحقيق والتعليق من رشحات الاستاذ المحقق البارع علاء آل جعفر فإنما تعبّر عن بهجتها باهمية صدور هذا الاثر النفيس بهذه الحلَّة القشيبة ـ ولاول مرة ـ بعد ان احتل هذا الكتاب محل الصدارة في التعبير عن أصل الشيعة واُصولها ، وبعد ان كان له شوط فاعل ومؤثر في مستوى الدراسات والبحوث

٤

الاسلامية المعاصرة.

ولا بدّ لمؤسستنا ان تعلن في البدء عن اضطلاعها بمسؤولية الترجمة الى اللغات الاجنبية الحية لهذه الأثار العلمية ، والكتب النافعة التي سنواصل اصدارها بعد اتمام تحقيقها.

وقد وفقنا ـ بحمد الله وعنايته ـ ان تتخذ هذه المؤسسة على نفسها هذه المهمة تعميماً للنفع ، ومن اجل ان تتطلع شعوب العالم بلغاتها المتعددة على معالم مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام وملامح مذهبهم الحق الذي يتمثل فيه الاسلام المحمدي الاصيل.

وفي الختام نبتهل اليه تعالى ان يوفق العاملين للعلم والعمل الصالح ، وان يتقبل منا هذه البضاعة المزجاة بقبوله الحسن بتسديده وتأييده ... انه ولي التوفيق.

الهيئة المشرفة

مؤسسة الإِمام علي عليه‌السلام

قم المقدسة

غرة ربيع الثاني / ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٤ م

٥