عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني
المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١
في معانيها الشرعية في كلام الائمة الاطهار صلوات الله عليهم أجمعين مما يبعد النزاع فيه غاية البعد.
واستقلال القرآن والاخبار النبوية ـ المنقولة من غير جهة الائمة عليهمالسلام ، بحكم ـ مما لا يكاد يتحقق بدون نص من الائمة عليهمالسلام على ذلك الحكم.
الثالث : الاصل في اللفظ أن يكون مستعملا فيما وضع له حتى يثبت المخرج ، فإذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز ، رجحت الحقيقة.
وكذا إذا دار بينها (١) وبين النقل ، أو التخصيص ، أو الاشتراك ، أو الاضمار.
ولكن إن وقع التعارض بين واحد من هذه الخمسة مع آخر منها ـ كما قيل (٢) في آية ( وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) (٣) حيث إن الحكم بتحريم معقودة الاب على الابن من الآية موقوف على مجازية النكاح في الوطئ ، إذ على تقدير الاشتراك يجب التوقف ، كما يتوقف في حمل كل مشترك على واحد من معانيه بدون القرينة ـ فقد قيل : بتقديم (٤) المجاز على الاشتراك وغيره عدا التخصيص ، و : بتقديم (٥) الاشتراك على النقل ، وقيل : بالعكس ، و : بتقديم (٦) التخصيص على غيره ، و : بتساوي الاضمار والمجاز (٧).
والاولى : التوقف في صورة التعارض ، إلا مع أمارة خارجية أو داخلية توجب صرف اللفظ إلى أمر معين ، إذ مما ذكروا في ترجيح البعض على البعض ، من كثرة المؤنة وقلتها ، وكثرة الوقوع وقلته ، ونحو ذلك ، لا يحصل الظن بأن
____________
١ ـ في ب : بينهما.
٢ ـ التمهيد : ١٩٠ ، الابهاج : ١ / ٣٢٩ ، شرح البدخشي : ١ / ٣٨٦.
٣ ـ النساء / ٢٢.
٤ و ٥ و ٦ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : بتقدم.
٧ ـ شرح العضد : ١ / ٥٠ ، شرح البدخشي : ١ / ٣٨٨ ، تهذيب الوصول : ١٦.
٨ ـ في ط : المؤن.
المعنى الفلاني هو المراد من اللفظ في هذا الموضع.
وبعد تسليم الحصول ـ أحيانا ـ لا دليل على جواز الاعتماد على مثل هذه الظنون في الاحكام الشرعية ، فإنها ليست من الظنون المسببة (١) عن الوضع.
الرابع : إطلاق المشتق ـ كاسم الفاعل والمفعول ونحوهما ـ على المتصف بمبدئه بالفعل حقيقة ، إتفاقا ، كالضارب لمباشر الضرب.
وقبل الاتصاف بالمبدأ؟ المشهور : أنه مجاز ، وادعى جماعة الاتفاق عليه ، وقال صاحب الكوكب الدرّي : « إطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي » (٢).
وأما بعد زوال المبدأ ، كالضارب لمن انقضى عنه الضرب؟ ففيه أقوال :
أولها : مجاز مطلقا.
ثانيها : حقيقة مطلقا (٣).
ثالثها : إن كان مما يمكن (٤) بقاؤه فمجاز ، وإلا فحقيقة (٥).
وتوقف جماعة كابن الحاجب (٦) والآمدي (٧).
وذكر الرازي (٨) والآمدي (٩) والتبريزي ـ في اختصار المحصول (١٠) ـ وجماعة اخرى (١١) : أن محل الخلاف ما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجودي
____________
١ ـ في أ : المسببية ، وفي ط : المستثناة.
٢ ـ الكوكب الدرّي : ٢٣٣.
٣ ـ يشعر به كلام العلامة : تهذيب الوصول : ١٠ ، وكلام المحقق الكركي : رسائل المحقق الكركي : ٢ / ٨٢.
٤ ـ في أ : لا يمكن.
٥ ـ حكاه ابن الحاجب : المنتهى : ٢٥.
٦ ـ المنتهى : ٢٥.
٧ ـ الاحكام : ١ / ٤٨ ـ ٥٠.
٨ ـ المحصول : ١ / ٩١ ، ويفهم هذا من جوابه على ( قوله رابعا ).
٩ ـ الاحكام : ١ / ٥٠.
١٠ ـ حكاه عنه الإسنوي : التمهيد : ١٥٤.
١١ ـ الابهاج : ١ / ٢٢٩.
يناقض المعنى الاول أو يضاده ، كالسواد مع البياض ، والقيام مع القعود ، ومع الطريان مجاز إتفاقا (١).
وفي تمهيد الاصول : « إن النزاع إنما هو فيما اذا كان المشتق محكوما به ، كقولك : زيد مشرك (٢) ، أو قاتل ، أو متكلم ، فإن كان محكوما عليه ـ كقوله تعالى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا ... ) (٣) ، ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا ... ) (٤) و ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ... ) (٥) ونحوه ـ فإنه حقيقة مطلقا : سواء كان للحال أو لم يكن » (٦).
والحق : أن إطلاق المشتق باعتبار الماضي حقيقة ، إذا (٧) كان إتصاف الذات بالمبدأ أكثريا ، بحيث يكون عدم الاتصاف بالمبدأ مضمحلا في جنب الاتصاف ، ولم تكن الذات (٨) معرضة عن المبدأ ، أو راغبة عنه ، سواء كان المشتق محكوما عليه أو محكوما به ، وسواء طرأ الضد أم لا (٩) ، لانهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور من دون نصب القرينة ، كالكاتب والخياط والقارئ والمتعلم والمعلم ونحوها ، ولو كان المحل متصفا بالضد الوجودي كالنوم ونحوه.
والقول : بأن الالفاظ المذكورة ونحوها كلها موضوعة لملكات هذه
__________________
١ ـ يلاحظ ان المصنف قد اعتمد في حكاية هذه الاقوال المذكورة على الإسنوي : التهميد : ١٥٤.
٢ ـ زاد في أ : أو قائم.
٣ ـ النور / ٢.
٤ ـ المائدة / ٣٨.
٥ ـ التوبة / ٥.
٦ ـ التمهيد : ١٥٤.
٧ ـ في ط : إن.
٨ ـ في ب : بالذات.
٩ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : أولا.
الافعال (١).
مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الامثلة ، وغير موافق لمعنى مبادئها على ما في كتب اللغة.
وقال الشارح الرضي (٢) ، نقلا عن أبي علي والرماني (٣) : « إن اسم الفاعل مع اللام فعل في صورة الاسم » قال : « ونقل ابن الدهان ذلك أيضا عن سيبويه ، ولم يصرح سيبويه بذلك ، بل قال : الضارب زيدا بمعنى ضرب » انتهى (٤).
والحاصل : أن استعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي في كلامهم أكثر من أن يحصى ، والاصل في الاستعمال الحقيقة ، وكذا غيره من المشتقات.
ومن فروع المسألة ما لو قال أحد : « وقفت الشيء الفلاني على سكان موضع كذا » فهل (٥) يبطل حق الساكن بالخروج عن الموضع مدة قليلة أو كثيرة ، على وجه الاعراض أو غير وجه الاعراض؟
وقد عرفت التحقيق.
* * *
__________________
١ ـ في ب : الالفاظ.
٢ ـ في أ : الشيخ الرضي.
٣ ـ في ب : المازني ، وهو خطأ.
٤ ـ شرح الكافية : ٢ / ٢٠١.
٥ ـ في أ : قيل.
الباب الاول
في الامر والنهى
وفيه مقصدان
الاول في الامر:
وفيه مباحث :
الاول : في أن صيغة الامر هل تقتضي الوجوب أو لا؟.
اختلف الناس في ذلك ، فقيل : إنها للوجوب (١) ، وقيل : للندب (٢) ، وقيل : للقدر المشترك بينهما وهو الطلب (٣) ، وقيل : باشتراكها بينهما لفظيا (٤) ، وقد تدرج الاباحة فيها (٥) لفظيا أو معنويا (٦) باعتبار الاذن في الفعل ، وقد يدرج
__________________
١ ـ ذهب اليه الغزالي : المنخول : ١٠٧ ، والفخر الرازي : المحصول ١ / ٢٠٤ ، والمحقق الحلّي : معارج الاصول : ٦٤ ، والعلامة الحلّي : تهذيب الاصول : ٢١ ، والبيضاوي ، كما في الابهاج : ٢ / ٢٢ ، وابن الحاجب : المنتهى : ٩١ ، وشرح العضد : ١ / ١٩١ ( المتن ) ، والمحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٤٦.
٢ ـ ذهب اليه ابوهاشم ، كما في : شرح العضد ١ / ١٩١.
٣ ـ ذهب اليه الجبائي. حكاه عنه في : المنخول : ١٠٤.
٤ ـ ذهب اليه الشافعي. حكاه عنه في : المستصفى : ١ / ٤٢٦ ، وقال به السيد المرتضى أيضا : الذريعة : ١ / ٥٣.
٥ ـ كذا في ط ، وفي النسخ : فيهما. حكاه الإسنوي دون أن يسمي قائله : التمهيد : ٢٦٨.
٦ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : ومعنويا.
التهديد فيها لفظيا (١) ، وقيل : بالوقف (٢) في الاولين (٣) ، وقيل للوجوب شرعا لا لغة (٤).
والحق : أنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو الطلب ، ولكن دل الشرع على وجوب امتثال الاوامر الشرعية فيحكم بالوجوب عند التجرد عن قرائن الندب (٥) ، فههنا مقامان :
الاول : أنها حقيقة في الطلب.
والدليل عليه من وجوه :
الاول : أن المفهوم من الصيغة ليس إلا طلب الفعل ، وربما لا يخطر بالبال الترك ، فضلا عن المنع عنه (٦) ، ولهذا عرف النحاة (٧) وأهل الاصول (٨) الامر بأنه : طلب الفعل على سبيل الاستعلاء أو العلو (٩).
الثاني : ضعف دليل مثبتي الفصول المميزة ـ من الوجوب والندب ـ في
__________________
١ ـ قال الإسنوي في التمهيد : ٢٦٨ : حكاه الغزالي في المستصفى. ولكن في المستصفى : « وقال قوم هو مشترك بين هذه الوجوه الخمسة عشر كلفظ العين والقرء » : المستصفى : ١/٤١٩.
٢ ـ في ط : بالتوقف.
٣ ـ ذهب اليه الآمدي ، حيث قال « وهو الاصح » : الاحكام : ٢ / ٣٦٩ ، وابوالحسن الاشعري ، والقاضي الباقلاني ، كما في المنخول : ١٠٥ ، و : شرح العضد : ١ / ١٩٢.
٤ ـ اختلف في القائل بذلك ، للاختلاف في فهم كلمات الاصوليين ، ولعل المصنف أراد به قول الشافعي. انظر : الابهاج : ٢ / ٢٥. وقد ذهب الشيخ الطوسي إلى انها تقتضي الايجاب إن صدرت عن الحكيم : العدة ١/٦٣. وقد يكون هذا القول هو مراد من ذكر هذا الاحتمال والله العالم.
٥ ـ الذريعة : ١ / ٥٣ ، المنخول : ١٠٨ ، المنتهى : ٩١.
٦ ـ في ب : المنع من الترك.
٧ ـ شرح المفصل : ٧ / ٥٨.
٨ ـ التمهيد : ٢٦٥ ، معارج الاصول : ٦٢ ، تهذيب الاصول : ٢٠.
٩ ـ عبارة ( أو العلو ) ساقطة من أ ، ومع فرض وجودها تكون اشارة إلى الخلاف بين الاصوليين في اشتراط العلو ، أو اشتراط الاستعلاء ، أو عدم اشتراط شيء منهما. انظر تفصيل هذه الاقوال وادلتها في : المحصول : ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩.
حقيقة صيغة الامر ، كما ستطلع عليه.
الثالث : كثرة ورود الامر في الأحاديث متعلقا بأشياء بعضها واجب وبعضها مندوب ، من دون نصب قرينة في الكلام ، وهذا غير جائز لو لم يكن حقيقة في القدر المشترك.
وكذا كثرة وروده متعلقا بالامور الواجبة وكذا بالمندوبة ، من دون نصب القرينة في الكلام.
لا يقال : على تقدير كون الصيغة حقيقة في القدر المشترك ، كيف يجوز استعمالها في الواجب (١) أو الندب ، بدون القرينة؟! إذ المجاز مما لابد له من القرينة؟!
لانا نقول : الصيغة ليست مستعملة إلا في الطلب ، وإنما يعرف كون متعلقه (٢) جائز الترك أو غير جائز الترك ، من موضع آخر (٣) ، فليست إلا مستعملة في معناها الحقيقي.
والقول باحتمال اقترانها بالقرينة حين الخطاب وخفائها علينا الآن ، مما يأبى عنه الوجدان ، لبعد خفائها في هذه المواضع على كثرتها ، ولاشتراك التكاليف بيننا وبينهم (٤).
__________________
١ ـ كذا في النسخ ، والظاهر انه : الوجوب.
٢ ـ كذا في أ ، وفي سائر النسخ : كون متعلق الصيغة.
٣ ـ في ط : مواضع اخر.
٤ ـ فان قلت : فالمنع من الترك والاذن فيه مراد للشارع ليكون داخلا فيما استعمل فيه الصيغة ، فيكون استعمال الصيغة في جل المواضع مجازا. قلت : المنع من الترك والاذن فيه ليسا من صفات الطلب ولا الفعل المطلوب حقيقة ، بل من صفات الطالب ، وظاهر انه لا يختلف معنى الصيغة باختلاف صفات المتكلم بها ، بل نقول : المنع من الترك مما لا ينفك عن حقيقة صيغة الامر ، غاية الامر أن المنع في بعض المواضع تنزيهي كما في المندوبات ، وفي البعض تحريمي غير كبيرة ، كما في الواجبات التي تركها من الصغائر ، وفي البعض تحريمي كبيرة ، كما في ما تركه يوجب الكفر ك ( آمن به ) ونحوه. فلو كان كون الصيغة للطلب يوجب مجازيتها في هذه المواضع ، كان كونها للايجاب أيضا
حجة من قال بأنها حقيقة في الوجوب أمور :
أحدها : أن السيد إذا قال لعبده : ( إفعل كذا ) ولم يكن هناك قرينة أصلا ، فلم يفعل ، عد عاصيا ، وذمه العقلاء لتركه الامتثال ، فتكون للوجوب. (١)
والجواب : لا نسلم تحقق العصيان والذم على تقدير انتفاء القرينة ، والقرائن في مثل هذه المواضع لا يكاد يمكن انتفاؤها ، إذ الغالب علمه بالعادة العامة ، أو عادة مولاه ، أو فوت منفعة مولاه ، ولهذا لو أمره مولاه بما (٢) يختص بمصالحه ، من غير أن يعود على السيد منه نفع ولا ضرر ، لما ذمه العقلاء إذا لم يفعل ، وهذا ظاهر.
والادلة الباقية : آيات قرآنية ، تدل على عدم جواز ترك ما تعلق به أمر الشارع (٣) ، وسيجيء بعضها.
والجواب : أن هذه الآيات لا تدل على كون الصيغة حقيقة في الوجوب ، كما لا يخفى.
وحجة من قال بأنها للندب أمران :
أحدهما : قول النبي صلىاللهعليهوآله « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (٤) » أي ما شئتم (٥).
__________________
يوجب مجازيتها في اغلب مواضع الايجاب ، وهم ينكرونه. فالحق ما عرفت من أن العقاب على ترك الفعل أو حرمان الثواب عليه ، أو الثواب على الفعل ، ليسا مما يتعقل دخوله في معنى الصيغة ، فتأمل جدا. ( منه رحمهالله ).
١ ـ معارج الاصول : ٦٤.
٢ ـ في أ : لما.
٣ ـ : الذريعة : ١ / ٥٧ ـ ٥٨ ، المحصول : ١ / ٢٠٥ ـ ٢٣٤.
٤ ـ غوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ ح ٢٠٦ ، صحيح مسلم : ٢ / ٩٧٥ ح ١٣٣٧ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٤٧ السنن الكبرى : ١ / ٢١٥.
٥ ـ المنتهى : ٩٢.
وجوابه ظاهر ، لبطلان تفسير الاستطاعة بالمشيئة.
وثانيهما : مساواة الامر والسؤال إلا في الرتبة ، والسؤال إنما يدل على الندب ، فكذا الامر (١).
وجوابه : منع المساواة أولا ، ونص أهل اللغة عليها غير ثابت ، ومنع دلالة السؤال على الندب ثانيا.
المقام الثاني :
إن امتثال الاوامر الشرعية واجب إلا مع دليل يدل على جواز ترك الامتثال ، والدليل عليه أيضا من وجوه :
الاول : أن امتثال الامر طاعة ، إذ ليس معنى الطاعة إلا الانقياد كما صرح به أرباب اللغة ، وحصول الانقياد بامتثال الامر بديهي ، وترك الطاعة عصيان ، لتصريح أهل اللغة بأن العصيان خلاف الطاعة (٢) ، والعصيان حرام ، لقوله تعالى : ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ) (٣).
الثاني : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٤) مع الآيات الدالة على ذم ترك الطاعة ، كقوله تعالى : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) (٥) وغيرها.
الثالث : قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٦).
__________________
١ ـ المحصول : ١ / ٢٣٥ ، منهاج الوصول : ٧٥.
٢ ـ المفردات في غريب القرآن : حرف العين / ص ٣٣٧.
٣ ـ الجن / ٢٣.
٤ ـ النساء / ٥٩.
٥ ـ النساء / ٨٠.
٦ ـ النور / ٦٣.
والتهديد على مخالفة مطلق الامر لا يصح إلا مع وجوب امتثال مطلق الامر.
الرابع : ما ذكره السيد المرتضى رحمهالله من حمل الصحابة كل أمر ورد في القرآن أو السنة على الوجوب (١).
والظاهر كون باعث حملهم هو ما ذكرناه في هذا المقام ، لما مر (٢) في المقام الاول ، ولاصالة عدم النقل.
واعلم أن صاحب المعالم قال في أواخر هذا البحث : « فائدة : يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الائمة عليهمالسلام ، أن استعمال صيغة الامر في الندب كان شائعا في عرفهم ، بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي ، فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به منهم عليهمالسلام » (٣) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
وأنت بعد خبرتك بما ذكرنا تعلم أن صيغة الامر في كلام الائمة عليهمالسلام ليست مستعملة إلا فيما استعملت فيه في كلام الله تعالى (٤) ، وكلام جدهم صلىاللهعليهوآله ، وكيف يتصور عنهم نقل لفظ كثير الاستعمال عن معناه الحقيقي في كلام جدهم صلىاللهعليهوآله من غير تنبيه وإعلام لاحد : أن عرفنا في هذا اللفظ هذا المعنى؟! حاشاهم عن ذلك ، بل الصيغة في كلامهم أيضا مستعملة في طلب مبدأ الصيغة ، وإنما يعلم العقاب على الترك وعدمه من أمر خارج.
وورودها في كلامهم أيضا مجردة ، محمولة على الوجوب المذكور ، لفرض
__________________
١ ـ الذريعة : ١ / ٥٤.
٢ ـ في ط : لا ما مر.
٣ ـ معالم الدين : ٥٣.
٤ ـ في أ : إلا فيما استعمل فيه كلام الله.
طاعتهم أيضا ، لما مر ، ولما رواه الكليني ، في باب فرض طاعة الائمة عليهمالسلام من الكافي ، بسنده عن بشير العطار ، قال : « سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : نحن قوم فرض الله طاعتنا ، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته » (١).
وبسنده « عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : ( وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) » (٢) قال : « الطاعة المفروضة » (٣).
وفي الصحيح : عن أبي الصباح الكناني ، « قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : نحن قوم فرض الله عزوجل طاعتنا ... » الحديث (٤).
وروى الحسين بن أبي العلاء ، في الصحيح : « قال : ذكرت لأبي عبدالله عليهالسلام قولنا في الاوصياء : إن طاعتهم مفترضة؟ قال : فقال : نعم ، هم الذين قال الله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٥) وهم الذين قال الله عزوجل ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) » (٦).
وفي الصحيح : « عن معمر بن خلاد قال : « سأل رجل فارسي أبا الحسن عليهالسلام ، فقال : طاعتك مفترضة؟ فقال : نعم.
قال : مثل طاعة علي بن أبي طالب عليهالسلام؟ فقال : نعم » (٧).
وفي الموثق : « عن أبى بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : سألته عن
__________________
١ ـ الكافي : ١ / ١٨٦ ـ كتاب الحجة / باب فرض طاعة الائمة ح ٣.
٢ ـ النساء / ٥٤.
٣ ـ الكافي : ١ / ١٨٦ ح ٤.
٤ ـ الكافي : ١ / ١٨٦ ح ٦.
٥ ـ النساء / ٥٩.
٦ ـ المائدة / ٥٥.
الكافي : ١ / ١٨٦ ح ٧.
٧ ـ الكافي : ١ / ١٨٦ ح ٨.
الائمة هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحد؟ قال : نعم » (١).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في هذا الباب وفي غيره ، ولا شك أن الانقياد لمطلوبهم (٢) طاعة ، وطاعتهم واجبة ، فامتثال أوامرهم واجب مطلقا إلا ما دل دليل على جواز عدم العمل به ، وهذا ظاهر.
تذنيب
اختلفوا في صيغة الامر إذا وردت بعد الحظر ، على أقوال :
الوجوب (٣) ، والندب ، والاباحة (٤) ، وتابعية ما قبل الحظر ، والتوقف (٥).
والحق : أن صيغة الامر ـ إذا وردت بعد الحظر أو الكراهة (٦) ، أو في مقام مظنة الحظر أو الكراهة ، بل في موضع تجويز السائل واحدا منهما (٧) ، كأن يقول العبد : هل أنام أو أخرج؟ أو نحو ذلك ، فيقول المولى له : ( إفعل ذلك ) (٨) ـ لا تدل إلا على رفع ذلك المنع التحريمي أو التنزيهي المحقق أو المحتمل (٩).
__________________
١ ـ الكافي : ١ / ١٨٦ ح ٩.
٢ ـ كذا في ط ، وفي سائر النسخ : ان انقياد مطلوبهم.
٣ ـ ذهب اليه الفخر الرازي ، المحصول : ١ / ٢٣٦ ، والبيضاوي : منهاج الوصول : ٧٦ ، والعلامة الحلّي : تهذيب الوصول : ٢١.
٤ ـ حكاه ابن الحاجب : المنتهى : ٩٨ ، والبيضاوي : منهاج الوصول : ٧٦.
٥ ـ حكاه ابن الحاجب : المنتهى : ٩٨. وذهب السيد المرتضى : الذريعة : ١ / ٧٣ ، والشيخ الطوسي : العدة : ١ / ٦٨ ، والمحقق الحلّي : معارج الاصول : ٦٥ ، إلى أن حكم الامر الواقع بعد الحظر هو حكم الامر المبتدأ.
٦ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : والكراهة.
٧ ـ في ط : منها.
٨ ـ في ط : افعل كذا.
٩ ـ هذا قريب مما ذهب اليه الغزالي : المستصفى ١ / ٤٣٥.
وهو كالاذن في الفعل ، أمر مشترك بين الاباحة والندب والوجوب.
فالاباحة : مثل ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (١).
والندب : مثل ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ) (٢).
والوجوب : مثل ( فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) (٣).
لنا : تبادر رفع المنع من الفعل.
والظاهر أنها مجاز في هذا المعنى ، والتبادر لاجل القرينة ، وهي مسبوقية الصيغة بالمنع المحقق أو المحتمل ، وتعليقها على زوال علة المنع في البعض.
وأيضا : إجراء أدلة الوجوب والندب لا يتصور فيما نحن فيه ، لانه فرع فهم الطلب من (٤) الصيغة ، وفرديتها لمفهوم الامر ، مع أنها ليست كذلك فيما نحن فيه (٥).
البحث الثاني :
اختلفوا في دلالة صيغة الامر على الوحدة والتكرار على أقوال : ثالثها ـ وهو الحق ـ : عدم دلالتها على شيء منهما.
لنا : تبادر مجرد طلب الفعل من الصيغة ، من غير فهم شيء من الوحدة والتكرار منها (٦) ، كالزمان والمكان وغيرهما من المتعلقات (٧) ، والمنكر مكابر.
__________________
١ ـ المائدة / ٢.
٢ ـ الجمعة / ١٠.
٣ ـ التوبة / ٥.
٤ ـ في ط : عن.
٥ ـ عبارة ( فيما نحن فيه ) : زيادة من ب.
٦ ـ المحصول : ١ / ٢٣٨.
٧ ـ الذريعة : ١ / ١٠٠ ، معالم الدين : ٥٣.
وأيضا : لو دلت على التكرار لعمت الاوقات ، لعدم الاولوية (١) ، وهو باطل (٢) للاجماع على خلافه.
وما قيل : بأنها لو لم تكن للتكرار لما تكرر الصوم والصلاة وغيرهما ، ولما كانت مماثلة لصيغة النهي ، حيث اقتضت التكرار ، ولاستلزامها إياها بالنظر إلى الضد ، وتكرار اللازم يستدعي تكرار (٣) الملزوم.
فهو باطل ، لان تكرر (٤) ما يتكرر من العبادات ، إنما هو لدليل آخر ، كتعليقه على موجب يتكرر.
وأيضا : التكرار على هذا النحو مما لا يتصور أن يكون مفهوما من مجرد صيغة الامر.
وأيضا : ينتقض بما لا يتكرر كالحج ونحوه.
والثاني : قياس ، وفي اللغة (٥) ، ومع الفارق ، إذ النهي يقتضي انتفاء الحقيقة ، والامر اثباتها.
والثالث : باطل ، لما سيجيء من عدم الاستلزام.
وبعد التسليم : فالنهي هنا تابع للامر في التكرار وعدمه ، لترتبه عليه ، والقائل بالمرة يتمسك هنا بتحقق الامتثال بالمرة (٦) ، ولا يخفى أنه لا ينافي كونها لمجرد الطلب ، لاصالة براءة الذمة.
* * *
__________________
١ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : لعدم الاولية.
٢ ـ المحصول : ١ / ٢٣٩ ، معارج الاصول : ٦٦.
٣ ـ كذا في أ. وفي سائر النسخ : تكرار.
٤ ـ كذا في ط. وفي الاصل و ب : تكرير. وفي أ : تكرر.
٥ ـ في ط : قياس في اللغة.
٦ ـ عدة الاصول : ١ / ٧٤.
تذنيب (١) :
الحق أن الامر المعلق على شرط أو صفة ، لا يتكرر بتكررهما (٢) إلا اذا كانت الشرطية قضية كلية ، مثل : ( كلما جاءك زيد فأكرمه ) ، أو كان الشرط أو الصفة علة موجبة (٣) ، مثل : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) (٤) ، ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (٥).
ووجه الثاني ظاهر.
ولنا على الاول : أن السيد إذا قال لعبده : ( إن دخلت السوق ، أو إذا دخلت السوق ، فاشتر لحما ) (٦) فترك الشراء في المعاودة لا يوجب الذم ، وهو ظاهر (٧).
ولكن أكثر الاوامر المعلقة الواقعة في الاحكام مما يتكرر بتكرر الشرط لفهم العلية غالبا ، ولذا توهم البعض أن ( إذا ) تفيد العموم عرفا ، وإن لم تفده لغة.
البحث الثالث :
اختلفوا في دلالة صيغة الامر على الفور أو التراخي ، على أقوال (٨) :
__________________
١ ـ في أ و ط : تذييل.
٢ ـ عدة الاصول : ١ / ٧٦ ، المحصول : ١ / ٢٤٣.
٣ ـ المحصول : ١ / ٢٤٦ ، تهذيب الاصول : ٢٢.
٤ ـ المائدة / ٦.
٥ ـ المائدة / ٣٨.
٦ ـ في ط : فاشتر لنا لحما.
٧ ـ الذريعة : ١ / ١١٥ ، المحصول : ١ / ٢٤٣ ، معارج الاصول : ٦٧.
٨ ـ فقد ذهب السيد المرتضى إلى أن الامر المطلق مشترك بينهما : الذريعة : ١ / ١٣٢. وذهب
ثالثها : أنها لا تدل على شيء منهما (١) وهو الحق ، إلا أن الاقوى وجوب التعجيل في الامر المجرد عن القرائن ، فههنا أيضا مقامان :
الاول : عدم الدلالة على الفور ولا على التراخي.
ولنا فيه : أن المتبادر من الامر ليس إلا طلب الفعل من غير فهم شيء من الاوقات والازمان منه ، وهو ظاهر (٢).
الثاني : وجوب المبادرة إلى امتثال الفعل المأمور به ، وليس المراد بالفور ـ في المقام الثاني ـ المبادرة بالفعل في أول أوقات الامكان ، بل ما يعد به المكلف الفاعل عرفا مبادرا ومعجلا ، وغير متهاون ومتكاسل (٣) ، وهذا أمر يختلف بحسب اختلاف الآمر والمأمور والفعل المأمور به ، مثلا : إذا أمر المولى عبده بسقي الماء ، فبتأخيره ساعة تفوت الفورية ، ويعد العبد متهاونا.
وإذا أمره بالخروج إلى مصر (٤) بعيد الغاية ـ كالهند ـ فبتأخر اسبوع بل شهر لا تفوت الفورية ، ولا يعد متهاونا.
والدليل عليه من وجوه :
الاول : أن جواز التأخير على تقديره ليس إلى (٥) غاية معلومة ، إذ لا دلالة للصيغة على غاية معلومة ، ولو استفيدت (٦) الغاية من أمر خارج ، يخرج عن محل
__________________
الشيخ الطوسى إلى انه يقتضي الفور : العدة : ١ / ٨٥ ، وبه قالت الحنفية ، كما في المحصول : ١ / ٢٤٧ ، المنتهى : ٩٤ ، والحنابلة ، كما في المنتهى : ٩٤.
١ ـ ذهب اليه الشافعي ، كما في : المنتهى : ٩٤ ، واختاره الفخر الرازي : المحصول : ١ / ٢٤٧ ، والمحقق الحلّي : معارج الاصول : ٦٥ ، وابن الحاجب : المنتهى : ٩٤ ، والعلامة الحلّي : تهذيب الوصول : ٢٢ : والمحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٥٦.
٢ ـ انظر مصادر البحث السابق.
٣ ـ كذا الظاهر ، وفي النسخ : متكاهل.
٤ ـ كذا في ب ، وفي سائر النسخ : سفر.
٥ ـ في ط : ليس له.
٦ ـ كذا في ط ، وفي الاصل وأ : استفاد ، وفي ب : استفادة.
النزاع ، لانه يصير من قبيل المؤقت ، والكلام في غيره (١).
وما يقال من أن كل أمر ـ على هذا ـ يكون مؤقتا ، فلا يجب الفور في شيء أصلا ، لان الغاية هي ظن الموت ، فإذا حصل ذلك الظن ، تصير العبادة مضيقة.
فهو باطل :
لان (٢) ظن الموت قلما يحصل.
وعلى تقديره : لا دليل على اعتبار هذا الظن شرعا حتى يمكن الحكم به بتضييق عبادة ثبت من الشرع توسعتها.
وعلى تقدير التسليم : فبعد حصول هذا الظن ، قلما يتمكن المكلف من الامتثال ، إذ حصول هذا الظن في صحة من الجسم وكمال من العقل ، من خوارق العادة ، بل هو على تقديره إنما يكون عند شدة المرض ، وحينئذ لا يتمكن الانسان من فعل ما يحتاج إلى زيادة إتعاب النفس ، كالحج والصوم والجهاد ، ونحوها ، بل الصلاة أيضا إذا كانت كثيرة ، فنقول في الاستدلال : إن جواز التأخير لا إلى غاية ، يفضي إلى خروج الواجب عن الوجوب فيكون منتفيا (٣) فيكون الفور واجبا. والمقدمتان في غاية الظهور.
وما يقال من : أن الواجب ما لا يجوز تركه على وجه ما ، فلا يخرج شيء من الوجوب ، إذ يصدق على كل واجب أنه بحيث لو حصل ظن المكلف بفوته ، وتمكن من الفعل ، فهو غير جائز الترك حينئذ.
فهو من المزخرفات ، لان تحديد الوجه في هذا التعريف ، بحيث يسلم طرده من الندب بل من المباح ، مما لا يكاد يمكن إلا بالتكلفات الباردة البعيدة
__________________
١ ـ الذريعة : ١ / ١٣٣ ، المحصول : ١ / ٢٥٠.
٢ ـ في ط : لا أن.
٣ ـ في ط : منفيا.
جدا.
وأيضا : قد عرفت ما في غائية الظن بالموت (١).
وأيضا : كيف يتصور وصف العبادة بالوجوب باعتبار وصف نادر التحقق فيها؟! وكذا ما يقال من « أن الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل » والعزم هنا واجب ، لان بدلية العزم على الاطلاق توجب إخراج الواجب عن الحتمي.
وأيضا : لا دليل على وجوب العزم ، ولا على بدليته ، على تقدير الوجوب.
فإن قلت : هذا الدليل ينتقض بما لو صرح بجواز التأخير ، ولا نزاع في إمكانه.
قلت : جواز التأخير ـ في جميع أزمنة صحة الجسم والتمكن من الفعل ـ لا نسلم أنه يمكن تصريح الحكيم (٢) به ، لانه سفه ومناف لغرضه.
نعم ، صراحة جواز التأخير على الاطلاق ، توجب أن يدخل في زمن جواز التأخير بعض الازمنة ، التي يعد التارك فيها متهاونا مضيعا ، لولاها.
الثاني : أن التأخير بما ينافي الفورية المذكورة ، يعد في العرف تهاونا ومعصية (٣) ، فيكون حراما ، فيكون الفور واجبا ، إذا كان الآمر ممن ثبت وجوب امتثاله.
ولا يتوهم من هذا : صيرورة الفورية مدلولا لصيغة الامر ، فينافي ما في المقام الاول.
لان قضاء العرف بذلك ، لا يلزم أن يكون لاجل وضع اللفظ له ، ولا يلزم أن يكون جميع صفات الشيء وآثاره وأحكامه ، من مدلولات لفظه.
__________________
١ ـ في ب : غايته ، وفي ط : غائته بالموت.
٢ ـ في أ و ط : الحكم.
٣ ـ الذريعة : ١ / ١٣٢ ، المحصول : ١ / ٢٥١.