الوافية في أصول الفقه

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني

الوافية في أصول الفقه

المؤلف:

عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني


المحقق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١١

الرابع : ورود الامر بقول : ( لبيك ربنا ) عند قراء‌ة قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، وقول : ( لا بشيء من آلاء ربي أكذب ) عند قراء‌ة قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، وغير ذلك مما هو مذكور في محله (١).

الخامس : الظواهر ، وهي كثيرة :

منها : قوله تعالى : ( لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) (٢).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر الغدير : « فليبلغ الشاهد منكم (٣) الغائب » (٤).

ومنها : ما رواه ابن بابويه في العيون ، بسنده « عن الرضا عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : أن رجلا سأل أبا عبدالله عليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟ فقال : لان الله تبارك وتعالى لم ينزله (٥) لزمان دونه زمان ، ولا لناس (٦) دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غض ، إلى يوم القيامة » (٧).

ومنها : ما رواه الكليني ، بسنده « عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ... ) (٨)؟ ... إلى أن قال عليه‌السلام : يا أبا محمد ، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ، ثم مات ذلك الرجل ،

__________________

الشيخ في باب من يجب عليه الجهاد ، وقوله (ع) : « وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان » اشارة إلى قوله تعالى : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) الآيات. ( منه رحمه‌الله ).

١ ـ عيون أخبار الرضا : ٢ / ١٨٣ ، الكافي : ٣ / ٤٢٩ ـ كتاب الصلاة / باب نوادر الجمعة / ح ٦.

٢ ـ الانعام / ١٩.

٣ ـ كلمة ( منكم ) : زيادة من ط.

٤ ـ الكافي : ١ / ٢٨٩ ، ٢٩١ ـ كتاب الحجة / الباب ٦٤ / ح ٤ ، ٦.

٥ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم يجعله.

٦ ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : ولناس.

٧ ـ عيون اخبار الرضا : ٢ / ٨٧ ح ٣٢.

٨ ـ الرعد / ٧.

١٢١

ماتت الآية ـ مات الكتاب ، ولكنه حي ، يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى » (١).

ومنها : ما رواه في الصحيح : « عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اوصي الشاهد من امتي ، والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ـ أن يصل الرحم ... » (٢) الحديث.

وغير ذلك من الروايات.

احتج الخصم : بأنا نعلم بديهة (٣) أنه لا يقال للمعدومين : ( يا أيها الناس ) ونحوه ، بل للصبي والمجنون (٤).

والجواب :

أولا : تسليم ذلك في المعدومين فقط ، لا في (٥) المخلوط من الموجودين والمعدومين ، ولهذا قبح خطاب الغائبين فقط بمثل : ( يا أيها الناس ) دون المركب من الغائبين والحاضرين ، كما في أكثر خطابات الرؤساء والحكام وغيرهم.

وثانيا : تسليم ذلك فيما إذا تكلم المخاطب مشافهة ، لا فيما إذا أنزل الخطابات (٦) بصورة المشافهة ، وأمر جماعة ـ واحدا بعد واحد ـ بتبليغ ذلك إلى مكلفي زمانهم ، ويكون ذلك محفوظا في الكتب ، يرجع إليه من يريد ، ولهذا تجوز الوصية بالاوامر والنواهي ، مكتوبة في طومار ـ إلى من انتسب إلى الموصي

__________________

١ ـ الكافي ١ / ١٩٢ ـ كتاب الحجة / باب أن الائمة هم الهداة / ح ٣.

٢ ـ الكافي : ٢ / ١٥١ ـ كتاب الايمان والكفر / باب صلة الرحم / ح ٥.

٣ ـ في أ و ط : بديهية.

٤ ـ المنتهى : ١١٧ ، معالم الدين : ١٠٨.

٥ ـ كلمة ( في ) : زيادة من أ.

٦ ـ في أ : انزل الخطاب ، وفي ب : نزل الخطاب ، وفي ط : نزلت الخطابات.

١٢٢

بعدة بطون ، وقد وقع ذلك في وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) وغيره ، من غير شائبة قبح أصلا.

وفي الصبي والمجنون ـ أيضا ـ نقول : إنه يجوز خطابهم في جماعة بخطاب (٢) يفهمونه عند استجماعهم لشرائط الخطاب ، إذا علم المخاطب أنهم يصيرون بهذه المنزلة ، ويعلم بقاء خطابه.

ولا شك ولا شبهة في جواز أن يكتب الانسان كتابا ، فيه خطابات وأوامر ونواه ، ويدفعه إلى إنسان ويقول له : إن هذه الخطابات والاوامر والنواهي لكل من اطلع على كتابي ، وينبغي لك أن تبلغها إلى الناس ، ثم من بعدك ولدك ، ثم ولد ولدك ، وهكذا ، ولا يتوقف العقل في أن المخاطب حينئذ هو كل من اطلع عليها ، موجودا كان وقت تصنيف الكتاب أو معدوما ، بل نقول : لا فرق بين خطاب الغائب والمعدوم.

مع أن خطابات الكتب والمراسيل كلها من قبيل خطاب الغائب كما لا يخفى ، ونحن نقول : إن خطابات القرآن من هذا القبيل ، لما مر.

ويؤيده : حديث الصحف الاثني عشر المنزلة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، للائمة الاثني عشر عليهم‌السلام (٣) ، إذ في كل منها أوامر ونواه لامام من الائمة.

وأيضا : خطابات المصنفين ـ مثل قولهم : ( إعلم ) و : ( تأمل ) و : ( تدبر )

__________________

١ ـ الكافي : ٧ / ٤٩ ـ كتاب الوصايا / باب صدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة (ع) والائمة (ع) ووصايهم / ح ٧.

٢ ـ في أ : في جماعة الخطاب بخطاب إلى آخره.

٣ ـ الكافي : ١ / ٢٧٩ ـ كتاب الحجة / باب أن الائمة (ع) لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزوجل ، وأمر منه لا يتجاوزونه. و : الامامة والتبصرة من الحيرة : ص ١٦٦ / باب في أن الامامة عهد من الله تعالى / ح ٢٠. وقد ورد هذا الحديث في مصادر عديدة ، انظر مجموع طرقه ومتونه في بحار الانوار : ٣٦ / ١٩٢ وما بعدها / الباب ٤٠ ـ باب نصوص الله عليهم من خبر اللوح والخواتيم وما نص به عليهم في الكتب السالفة وغيرها.

١٢٣

ونحو ذلك ـ من هذا القبيل.

واعلم : أن الغرض من هذه المسألة وذكرها ، بيان الحق فيها ، وإلا فالحق أنه لا يترتب عليها أثر ، إذ الظاهر تحقق الاجماع على مساواة كل الامة في التكاليف ، وورود بها النصوص ، وقد قال الصادق عليه‌السلام ـ في رواية أبي عمرو الزبيري ، في الجهاد ـ : « لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين ، وفرائضه عليهم ، سواء ، إلا من علة ، أو حادث يكون ، والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الاولون ، ويحاسبون به كما يحاسبون ... » الحديث (١).

* * *

__________________

١ ـ التهذيب : ٦ / ١٢٧ ح ٢٢٤.

١٢٤

المقصد الثاني : في الخصوص.

وفيه مباحث :

الاول : الحق جواز تخصيص العام إلى أي مرتبة كانت ، ما لم يستلزم استدراكا في الكلام ، حتى إلى الواحد ، بعد نصب القرينة على مرتبة التخصيص (١) ، فلا يجوز طرح نص شرعي كان العام الواقع فيه مخصصا إلى الواحد ، بعد تحقق المخصص المخصوص ، المانع من إرادة الاكثر من الواحد بلا معارض أصلا ، إلا أن الظاهر عدم وقوع تخصيص العام إلى الواحد في الشرعيات.

والمفرد المحلي باللام المستعمل في الاحد : الظاهر أن لامه للعهد ، أو استعماله للتعظيم ، وهو كثير في الحقيقة ، كما حقق.

لنا : أصالة الجواز من غير مانع.

__________________

١ ـ وهو اختيار السيد المرتضى : الذريعة : ١ / ٢٩٧ ، والشيخ الطوسي : عدة الاصول : ١ / ١٤٩ ، وحكاه في المعالم عن السيد ابن زهرة : معالم الدين : ١١٠ ، وللعلامة تفصيل في المقام انظره في : تهذيب الوصول : ٣٩.

١٢٥

وتحقق العلاقة بين المعنى الحقيقي للعام ـ وهو الافراد بالاسر ـ وبين الواحد والاثنين والثلاثة من تلك الافراد ، وهي الجزئية.

احتج من ذهب إلى أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام : بقبح قول القائل : ( أكلت كل رمانة في البستان ) وفيه آلاف وقد أكل واحدة أو ثلاثة (١) ، وقوله : ( أخذت كل ما في الصندوق من الذهب ) وفيه ألف ، وقد أخذ دينارا إلى ثلاثة (٢) ، وكذا قوله : ( كل من دخل داري فهو حر ) ، أو : ( كل من جاء‌ك فأكرمه ) ، وفسر بواحد أو ثلاثة (٣).

والجواب :

أولا : منع القبح الذي ادعاه ، مع نصف القرينة ، نعم يقبح بدون نصب القرينة ، كما يصح قول القائل : ( له علي (٤) عشرة إلا تسعة ) و : ( أكرم الناس إلا الجهال ) وإن كان العالم واحدا ، اتفاقا ، من غير نقل خلاف من أحد ، مع أنه لا يصح أن يقول : ( له علي عشرة ) و : ( أكرم الناس ) ، وفسر العشرة بواحد ، والناس بزيد مثلا.

وثانيا : بأنا لا ندعي صحة استعمال العام في واحد مخصوص من أفراده ، أو في اثنين أو في (٥) ثلاثة أو نحو ذلك ، بل المراد بالتخصيص إلى الواحد والاثنين ونحو ذلك : أن يكون العام مستعملا في المعنى الكلي ، ولكن يكون الحكم المتعلق بالعام متعلقا بواحد من أفراده أو إثنين أو نحو ذلك ، بسبب المخصص.

والفرق ظاهر بين استعمال العام في الواحد المخصوص ، وبين تعلق الحكم

__________________

١ ـ المستصفى : ٢ / ٩١ ، المحصول : ١ / ٤٠٠ ، المنتهى : ١٢٠.

٢ ـ معارج الاصول : ٩٠.

٣ ـ معالم الدين : ١١٠. والعبارة فيه : وفسره.

٤ ـ كلمة ( علي ) : ساقطة من الاصل ، اثبتناها من باقي النسخ.

٥ ـ كلمة ( في ) : زيادة من ط.

١٢٦

بالواحد المخصوص من أفراده ، فنقول : لو قال ( أكلت كل رمانة في البستان إلا الحامض ) ويكون الحلو واحدا ، فهو صحيح ، بخلاف ما لو فسر قوله : ( كل رمانة ) بواحدة حلوة.

وكذا يصح لو قال (١) : ( أخذت كل ما في الصندوق من الذهب إلا الدمشقيات ) ويكون غير الدمشقي دينارا واحدا.

وكذا الحال في باقي المخصصات ، من الشرط والصفة وغيرهما.

ثم لا يخفى ما في مذهب من منع من التخصيص إلى الواحد ، فإن ثمرة هذه المسألة (٢) إنما تظهر : إذا ورد نص عام ، له مخصص يخصصه إلى الواحد ، ويكون مستجمعا لشرائط جواز العمل ، وحينئذ : فكيف يجوز للمانع طرح هذا النص لاجل ما ذكره من الاعتبارات الواهية؟!.

ولو كان هذا النص بحيث لا يوجب مخصصه تخصيصه إلى الواحد ، بل يحتمل الاكثر ، فظاهر عدم جواز القول بأنه مخصص إلى الواحد ، لان التخصيص خلاف الاصل ، فلا يجوز إلا بقدر الضرورة.

ثم لا يخفى عليك مما مر : أن الاستدلال على المطلوب بتصحيح علاقة المجاز ـ كما مر ـ كان مما شاة وعلى طريق التنزل (٣) ، وإلا : فالحق أن العام المخصوص إنما هو مستعمل في معناه الحقيقي الذي هو العموم ، والمخصص إنما أخرج البعض عن الحكم المتعلق به ـ سواء خص بمتصل (٤) : من شرط ، أو صفة ، أو غاية ، أو إستثناء ، أو نحوها ، أو بمنفصل : لفظي أو عقلي ـ لعدم الدليل (٥) على المجازية ، مثلا قولنا : ( أكرم بني تميم إلى الليل ) أو : ( إن دخلوا

__________________

١ ـ في ط : ما لو قال.

٢ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : المسألتان.

٣ ـ في ط : التنزيل.

٤ ـ في ط : لمتصل.

٥ ـ في ط : الدلالة.

١٢٧

الدار ) (١) الحكم على كل واحد من بني تميم ، غايته أنه ليس في جميع الازمنة في الاول ، وليس على جميع الاحوال في الثاني ، وكذا : ( أكرم بني تميم الطوال ) الحكم على كل احد ولكن لا مطلقا بل إذا اتصف بالطول ، أو المراد : أكرم طوال بني تميم ، أي : بعضهم ، وهو يؤيد عمومه ، ولهذا يصح أن يقال : ( وأما القصار منهم فلا تكرمهم ) ، وكذا : ( أكرم بني تميم إلا الجهال منهم ) الحكم على كل واحد بشرط اتصافه بالعلم ، أو الحكم على كل واحد بعد إخراج الجهال منهم.

وكذا الحال في المنفصل ، مثل : ( أكرم بني تميم ) ، ثم يقول : ( لا تكرم الجهال من بني تميم ) معناه : أكرم علماء بني تميم.

ولا بد في المنفصل (٢) أن تكون في الكلام الاول ، أو معه ـ قرينة مقالية ، أو حالية ، بها يطلع المخاطب على مراد المتكلم ، ولا يكفي المخصص إلا مع اتحاد المجلس ، أو عدم لزوم إفهام المخاطب قبل (٣) وقت الحاجة والعمل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن العام المخصص : لا بد أن يكون الحكم فيه متعلقا بالامر الكلي ، إلا أنه لا يمتنع أن يكون هذا الكلي منحصرا في فرد أو فردين أو نحو ذلك ، فلذا حسن أن يقول : ( أكلت كل رمانة إلا الحامض ) ويكون الحلو منحصرا في واحد ، وقبح أن يقوله ، ويقول : إن المراد ب‍ ( كل رمانة ) : رمانة واحدة ، فلا تغفل.

البحث الثاني :

اختلف في جواز التمسك بالعام قبل البحث عن مخصصه (٤) ، وفي مبلغ

__________________

١ ـ كذا في ط ، وفي أ و ب : وان دخلوا الدار ، والاصل هنا مشوش.

٢ ـ قوله ( في المنفصل ) : زيادة من ط.

٣ ـ في ط : بعد.

٤ ـ فقد ذهب البيضاوي إلى جواز الاستدلال بالعام ما لم يظهر المخصص ، ولم يوجب طلبه :

١٢٨

البحث عنه.

فقيل : يجب البحث حتى يحصل الظن بعدمه (١).

وقيل : حتى يحصل القطع (٢).

والاكثر على عدم الجواز (٣) ، حتى أنه نقل الاجماع عليه (٤) ، وما استدلوا به عليه غير منقح.

والاولى الاستدلال عليه : بأن إطاعة الله ، ورسوله ، والائمة عليهم‌السلام ، واتباعهم ـ لا تتحقق إلا بالعمل بمرادهم ، فلا بد من العلم أو الظن بمرادهم ، ولا يحصل في العام قبل البحث عن مخصصه (٥) ، بل الظن بالتخصيص حاصل ، لشيوع التخصيص.

والحاصل : أنه لا دليل على وجوب العمل بمدلولات الالفاظ بدون العلم أو الظن بأنها المراد ، والاطاعة الواجبة ونحوها لا تتحقق بدونهما ، ولا أقل من الشك في صدق الاطاعة والانقياد على

__________________

منهاج الوصول : ٨٧ ، وذهب إلى ذلك أيضا الصيرفي والارموي والبهاري كما في : فواتح الرحموت بهامش المستصفى : ١ / ٢٦٧ ، وبهذا يعلم عدم استقامة ما فعله ابن الحاجب من حصر محل الخلاف بمبلغ البحث عن المخصص : المنتهى : ١٤٤. وقال العلامة الحلّي : « ولا يجب في الاستدلال بالعام استقصاء البحث في طلب المخصص » : تهذيب الوصول : ٤٠ ، وقد فهم من كلامه هذا أنه يرى جواز العمل بالعام قبل البحث عن المخصص مطلقا : معالم الدين : ١١٩ ، ولكن يظهر مما ذكره في الرد على ابن سريج أن ذلك مشروط عنده بالظن بعدم المخصص ، على انه صرح في ( نهاية الوصول ) باختيار عدم جواز العمل بالعام قبل البحث عن المخصص : نهاية الوصول ورقة ١٠٠ / أ ( مصورة ).

١ ـ نسب ابن الحاجب هذا القول إلى الاكثر ، واختاره هو : المنتهى : ١٤٤.

٢ ـ وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني ، كما في المستصفى : ٢ / ١٥٩ ، المنتهى : ١٤٤.

٣ ـ فقد ذهب إلى ذلك الشيخ الطوسي : عدة الاصول : ٢ / ١٩. والمحقق الحلّي والمحقق الشيخ حسن ما لم يحصل الظن الغالب بعدم المخصص : معارج الاصول : ١١٣ ، معالم الدين : ١١٩.

٤ ـ حكى الاجماع الغزالي : المستصفى : ٢ / ١٥٧ ، وابن الحاجب : المنتهى : ١٤٤.

٥ ـ كذا في أ و ب و ط ، وفي الاصل : مخصص.

١٢٩

ذلك التقدير (١) ، فالاطاعة الواجبة لا تتحقق في البحث.

وفيه نظر ، لمنع عدم حصول الظن في كل فرد ، ولا ينافيه ظن أصل المخصص ، لقلة المخرج غالبا بالنسبة إلى الباقي ، وحال الاجماع عندنا في مثل هذه المسائل غير خفي.

ويمكن الاستدلال على الجواز : بأن علماء الامصار ـ في جميع الاعصار ـ لم يزالوا يستدلون في المسائل بالعمومات ، من غير ذكر ضميمة نفي المخصص ، ولو لم يصح التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص ، لكان للخصم أن يقول : العام لا يكفي في إثبات هذه المسألة ، ولا علم لي ببحثك عن المخصص ، الذي يوجب انتفاؤه دخول هذا الفرد المتنازع فيه ، فيفحم المستدل عن إثباته على الخصم.

وأيضا : الاصول الاربعماء‌ة (٢) ـ التي كانت معتمد أصحاب الائمة عليهم‌السلام ـ لم تكن موجودة عند أكثر أصحابهم ، بل كان عند بعضهم واحد ، وعند البعض الاثنان ، والثلاثة ، والاربعة ، والخمسة ، ونحو ذلك ، والائمة عليهم‌السلام كانوا يعلمون أن كل واحد من أصحابهم ، يعمل في الاغلب بما عنده من الاصول ، ومعلوم أن البحث عن المخصص ، لا يتم بدون تحصيل جميع تلك الاصول ، فلو كان واجبا ، لورد من الائمة عليهم‌السلام أمر بتحصيل كل تلك الاصول ، ونهي عن العمل ببعضها ، إذ معلوم أن جل الاحكام من قبيل العمومات والمطلقات المحتملة للتقييد.

فالمسألة محل التوقف.

واعلم : أنه ـ على تقدير وجوب الفحص عن المخصص ، إلى أن يحصل القطع بعدمه ـ لا يجوز العمل بشيء من العمومات والمطلقات ، المجوزة

__________________

١ ـ أي تقدير عدم العلم والظن. ( منه رحمه‌الله ).

٢ ـ اقرأ بحثا موسعا عن ( الاصول الاربعماء‌ة ) في : دائرة المعارف الشيعية / للسيد حسن الامين.

١٣٠

للتخصيص ، حتى يفتش (١) عن مخصصه في جميع كتب الأخبار ، كالكتب الاربعة ، والخصال ، والعيون ، والعلل ، والامالي ، وغير ذلك ، من الكتب الاخبارية الموجودة في هذا العصر ، إذ لا يحصل القطع بعدم المخصص بدون ذلك ، وبعد التفتيش : يحصل القطع بالتكليف بالعام ، وإن كان تجويز وجود المخصص في الكتب غير الموجودة في هذا الزمان باقيا.

وعلى تقدير الاكتفاء بالظن : يكفي ملاحظة الكتب الاربعة ، بل يكفي ملاحظة التهذيب والكافي ، بل لا يبعد الاكتفاء بالتهذيب ، لندرة وجود خبر مخصص في غير التهذيب مع تحقق عامه فيه ، ولا يكفي ملاحظة الكافي فقط (٢).

وينبغي في فحص مخصص العام المتعلق بشيء من مسائل الطهارة ملاحظة كل واحد من أبوابها في التهذيب ، وكذا الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها ، سيما أبواب (٣) الزيادات والنوادر في كل منها ، والاحسن ملاحظة الابواب المناسبة في الكتب الاخر ، أيضا ، فإن :

في كتاب الطهارة : ما يتعلق بالنكاح ، وبالمكاسب ، وبالصلاة ، وبالصوم ، وبالطلاق ، وبالحج.

وفي الصلاة : ما يتعلق برمضان ، وبالصوم ، وبالطهارة ، والاطعمة ، والمكاسب ، والنذر ، والميراث ، والزكاة ، والديات.

وفي الزكاة : ما يتعلق بالصلاة ، والصوم ، والميراث ، والمكاسب ،

__________________

١ ـ في أ : نقيس.

٢ ـ لقد صنفت بعد عصر المؤلف مجاميع حديثية كبرى تحملت أعباء هذه المهمة ، وكفت الفقهاء مؤنة الفحص هذه ، كوسائل الشيعة للشيخ الحرّ العاملي ، ثم المستدرك عليه للشيخ النوري ، والوافي للفيض الكاشاني ، وجامع احاديث الشيعة للسيد البروجردي ، حيث جمع في هذه المصنفات شتات جميع الأحاديث في محل واحد ، تحت عناوين الابواب المناسبة.

٣ ـ كذا في أ. وفي سائر النسخ : باب.

١٣١

والخمس ، والجهاد ، والضمان ، والفطرة ، والجزية ، والنكاح ، والشهادة.

وفي الصوم : ما يتعلق بالصلاة ، والنذر ، والطهارة ، والحج ، والحدود ، والكفارات ، والطلاق.

وفي الحج : من الزكاة ، والجهاد ، والصلاة ، والصوم ، والطهارة والمكاسب ، والذبائح ، والعقيقة ، والاجازة.

وفي المزار : من الطهارة ، والصوم ، والصلاة ، والاطعمة.

وفي الجهاد : من الجزية ، والزكاة.

وفي الديون وتوابعه : من الزكاة ، والوصية ، والمكاسب ، والاقرار ، والشهادة ، والميراث ، والنكاح.

وفي القضايا : من الصلاة ، والصلح ، والطلاق ، والضمان ، والحدود.

وفي المكاسب : من الحج ، والخمس ، والطهارة ، والقضايا ، والجزية ، والوصايا ، والنكاح ، والضمان.

وفي النكاح : من الميراث ، والطلاق ، والنذر ، والاطعمة ، والمكاسب ، والتدبير ، والقضايا ، والعتق ، والطهارة ، والحدود ، والجزية.

وفي الطلاق : من الصوم ، والعتق ، والمكاسب ، والشهادة ، والوصية ، والنكاح ، واليمين ، والديات ، والميراث ، والحدود.

وفي العتق وتوابعه : من المكاسب ، والطلاق ، والميراث ، والزكاة ، والنذر ، والصلاة ، والنكاح ، والوصية ، والشهادة ، والاقرار ، والقضاء ، والديون ، والضمان ، والحجر.

وفي الايمان وتوابعه : من العتق ، والصدقة ، والطلاق ، والكفارات ، والحج ، والنكاح ، والصوم ، والجهاد ، والقضايا.

وفي الصيد والذباحة : من الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والمكاسب ، والنكاح ، والديات ، والشهادة.

وفي الوقوف : من المكاسب ، والقضاء ، والتدبير.

١٣٢

وفي الوصية : من الاقرار ، والقضايا ، والديون ، والضمان ، والنكاح ، والعتق ، والزكاة ، والحج ، والطهارة ، والصوم ، والذباحة ، والمكاسب ، والميراث.

وفي الفرائض : من الديات ، والنكاح ، والقضايا ، والوصايا (١) ، والطلاق ، والحدود ، والعتق ، والقصاص ، والزكاة ، والخمس ، والكفارة ، والضمان.

وفي الحدود : من القضايا ، والطلاق ، والنكاح ، والايمان ، والديات ، والاطعمة ، والمكاسب ، والطهارة ، والاشربة ، والذبائح ، والاقرار ، والزكاة ، والديون.

وفي الديات : من القضايا ، والجزية ، والميراث ، والعتق ، والصلاة ، والكفارات ، والصوم ، والضمان ، والنكاح ، والمكاسب.

وقد تكفل بجميع ذلك وغيره ، الفهرست الذي جعلته على التهذيب ، وهو من أهم الاشياء لمن يريد الفقه والترجيح ، ولم يسبقني اليه أحد ، والحمد لله.

البحث الثالث :

إذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر ، فإما أن يكونا من الكتاب ، أو من السنة ، أو العام من الكتاب والخاص من السنة ، أو بالعكس ، فهذه أربعة أقسام.

وعلى كل تقدير : فإما أن يكونا قطعيين ، أو ظنيين ، أو العام قطعيا والخاص ظنيا ، أو بالعكس ، فهذه ستة عشر قسما.

وعلى كل تقدير : فالقطعية والظنية : إما بحسب المتن فيهما ، أو بحسب السند فيهما ، أو بحسب المتن في العام وبحسب

__________________

١ ـ في ب. والربا. بدل : والوصايا.

١٣٣

السند فيهما ، أو بحسب المتن في العامِّ وبحسب السند في الخاص ، أو بالعكس ، فهذه أربعة وستون قسما.

وعلى كل تقدير ، فالتنافي : إما بين منطوقيهما ، أو مفهوميهما ، أو منطوق العام ومفهوم الخاص ، أو بالعكس ، فهذه ماء‌تان وستة وخمسون قسما.

وعلى كل تقدير : فإما أن يكون العام والخاص مقترنين ، أو العام مقدما والخاص مؤخرا ، أو بالعكس ، أو كلاهما مجهولي التاريخ ، أو العام فقط ، أو الخاص فقط ، فهذه ألف وخمسماء‌ة وستة وثلاثون قسما.

والخاص المؤخر : إما بعد وقت العمل ، أو قبله ، فهذه ألف وسبع ماء‌ة وإثنان وتسعون قسما.

وقد وقع الخلاف في كثير من هذه الاقسام ، في جواز مقاومة الخاص للعام ، وفي كونه مبنيا أو ناسخا.

وتحقيق الحق في كل واحد (١) على التفصيل ، مما يفضي إلى غاية التطويل (٢) ، فنقول : المراد بالظني : ما دل الدليل على حجيته (٣) شرعا ، كخبر العدل ، وكذا المفهوم ، المراد به ـ ههنا ـ : ما دل الدليل على اعتباره ، وسيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن كل خاص ، علم وروده بعد وقت العمل بالعام في الكتاب والاخبار النبوية ، فالظاهر : أنه ناسخ لحكم (٤) العام في مورد ذلك الخاص ، لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة من غير داع أصلا.

__________________

١ ـ في أ و ب : في كل واحد واحد.

٢ ـ انظر تفصيل بعض هذه الابحاث في : الذريعة : ١ / ٣١٥ ـ ٣٢٣ ، عدة الاصول : ١ / ١٥٣ ، المستصفى : ٢ / ١٣٧ ـ ١٥٢ ، المحصول : ١ / ٤٤٠ ـ ٤٤٧ ، معارج الاصول : ٩٨ ـ ٩٩ ، نهاية الوصول ورقة ١٠٩ / ب ـ ١١١ ب ( مصورة ) ، تهذيب الوصول : ٤٥ ـ ٤٦ ، معالم الدين : ١٤٢ ـ ١٤٧.

٣ ـ في أ : حجته.

٤ ـ في ط : بحكم.

١٣٤

أللهم ، إلا أن يكون المتكلم عالما بتعذر حكم هذا العام في مورد ذلك الخاص ، فإن الظاهر حينئذ أن الخاص مبين (١) ـ كما في صورة تقديمه مطلقا ـ وهذا (٢) هو الوجه في اختصاص التقسيم ـ إلى ما بعد وقت العمل ، وما قبله ـ بالخاص المتأخر في قولنا : ( والخاص المؤخر : إما بعد وقت العمل أو قبله ).

وما عدا ذلك : فالظاهر بيانية (٣) الخاص للعام ، وتخصيص العام بالخاص في أي قسم كان من الاقسام المذكورة.

ومنع السيد المرتضى (٤) ، والشيخ (٥) ، وجماعة من أصحابنا (٦) ، ومن العامة (٧) : تخصيص الكتاب بخبر الواحد مطلقا (٨).

وتوقف بعضهم (٩) ، وإليه يميل المحقق ، بناء‌ا على عدم ثبوت حجية خبر الواحد على الاطلاق (١٠).

وفصل بعضهم في كل خاص ظني عارض عاما قطعيا ، فقال : إن

__________________

١ ـ في أ : بين.

٢ ـ كلمة ( هذا ) : زيادة من ط.

٣ ـ في أ : مباينة.

٤ ـ الذريعة : ١ / ٢٨١ ، حيث قال : « على أنا لو سلمنا ان العمل بها لا على وجه التخصيص واجب قد ورد الشرع به ، لم يكن في ذلك دلالة على جواز التخصيص بها ».

٥ ـ عدة الاصول : ١ / ١٣٥.

٦ ـ فهو مذهب كل من منع حجية خبر الواحد. وقد تقدم من المصنف التنصيص عليهم في ص ١٥٨.

٧ ـ وهو قول المعتزلة. كما في المنخول : ١٧٤ ، وجماعة من المتكلمين كما في : معارج الاصول : ٩٦.

٨ ـ وأكثر العامة على جوازه « فالمنقول عن الائمة الاربعة الجواز مطلقا ، واختاره الامام ـ أي الغزالي ـ واتباعه ، منهم البيضاوي وبه قال امام الحرمين وطوائف وبته الآمدي » ، كما في الابهاج : ٢ / ١٧١ وبذلك صرح الغزالي في ص ١٧٤ من المنخول ، واليه أيضا ذهب الفخر الرازي : المحصول : ١ / ٤٣٢ ، وابن الحاجب : المنتهى : ١٣١ ، واختار الجواز منا العلامة الحلّي مصرحا بوقوعه : تهذيب الوصول : ٤٤ ـ ٤٥ ، والمحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ١٤٠.

٩ ـ وهو القاضي أبوبكر الباقلاني ، كما في : المنخول : ١٧٤ ، والمنتهى : ١٣١.

١٠ ـ معارج الاصول : ٩٦.

١٣٥

كان العام خاص من قبل بدليل قطعي ـ متصلا كان ، كالاستثناء ، والشرط ، والغاية ، ونحوها ، أو منفصلا ـ فيجوز تخصيصه مرة اخرى بهذا الظني ، وإلا فلا (١) ، لضعف العموم في الاول ، وقوته في الثاني (٢).

والاولى : التوقف في تخصيص القرآن بخبر الواحد ، للشك في وجوب اتباع ما يفهم من ظاهر القرآن على الاطلاق ، وحجية خبر الواحد على الاطلاق.

أما القرآن فلامور : الاول : تجويزنا كون عمومات القرآن ـ حين نزولها ـ مقترنة بقرائن يظهر المقصود بها للمخاطبين في ذلك الوقت ، ومع ذلك التجويز ، فلا يعلم حجية تلك الظواهر بالنسبة إلينا.

الثاني : لزوم طرح أكثر الأخبار المروية في كتبنا الاخبارية ، مما ورد (٣) في تفسير الآيات وفي الاحكام ، يظهر ذلك لمن تتبع الكتب الاربعة وغيرها ، سيما الكافي وتفسير علي بن إبراهيم وعيون أخبار الرضا ، فإن ثلثيها (٤) ـ بل أربعة أخماسها ـ مما يخالف الظاهر الذي يفهم بحسب الوضع اللغوي ، كما فسر ( الشمس ) ب‍ : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ( النهار ) ب‍ : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، و ( الليل ) ب‍ : فلان (٥) ، وفسر ( السكارى ) ب‍ : سكر النوم (٦) ، وغير

____________

١ ـ وهو قول عيسى بن أبان. كما في : المحصول : ١ / ٤٣٢ ، والمنتهى : ١٣١.

٢ ـ وقال الكرخي : ان كان قد خص بدليل منفصل صار مجازا ، فيجوز ذلك : وان خص بدليل متصل أو لم يخص أصلا لم يجز. كذا ذكر في المحصول : ١ / ٤٣٢.

٣ ـ في ط : مما يورد.

٤ ـ في أ : ثلثها.

٥ ـ انظر الأحاديث بذلك في : الكافي ٨ / ٥٠ ح ١٢ ، وتفسير فرات بن ابراهيم الكوفي : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، وتأويل الآيات الظاهرة : ٧٧٧.

٦ ـ الكافي : ٣ / ٢٩٩ ح ١ ، وفي ص ٣٧١ ح ١٥ ، التهذيب : ٣ / ٢٥٨ ح ٧٢٢.

١٣٦

ذلك ، مما هو أكثر من أن يحصى (١).

الثالث : الروايات التي تدل على حصر علم القرآن في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمة عليهم‌السلام : منها : ما رواه الكليني ، عن الصادق عليه‌السلام : « إنما يعرف القرآن من خوطب به » (٢).

ومنها : ما رواه في كتاب الروضة ، بسنده عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، في حديث طويل : « واعلموا أنه ليس من علم الله ، ولا من أمره : أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ، ولا رأي ، ولا مقائيس ، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء ، وجعل للقرآن ، ولتعلم القرآن ، أهلا ، لا يسع أهل علم القرآن ، الذين آتاهم الله علمه ، أن يأخذوا فيه بهوى ، ولا رأي ، ولا مقائيس ، أغناهم الله تعالى عن ذلك بما آتاهم من علمه ، وخصهم به ، ووضعه عندهم ، كرامة من الله أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر ، الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم » الحديث (٣).

ومنها : ما رواه في الاصول ، بسنده « عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقائيس ، فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس بغير علم ـ وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه ـ فقد هلك وأهلك » (٤) واختصاص علم ذلك في الائمة عليهم‌السلام ، ظاهر.

والظاهر : أن ( المحكم ) ما أريد منه ظاهره ، و ( المتشابه ) ما اريد منه غير ظاهره ـ لا ما ذكروه في كتب الاصول (٥) من : أن ( المحكم ) ما له ظاهر ، و

__________________

١ ـ في أ و ط : من أن يعد ويحصى.

٢ ـ الكافي : ٨ / ٣١٢ ح ٤٨٥ كذا ورد الحديث في الكافي ، ولكن في نسخ كتابنا هذا : « إنما يعلم القرآن إلى آخره ».

٣ ـ الكافي : ٨ / ٥ ـ ٦.

٤ ـ الكافي : ١ / ٤٣ ـ باب النهي عن القول بغير علم / ح ٩.

٥ ـ المستصفى : ١ / ١٠٦ ، المنتهى : ٤٧.

١٣٧

( المتشابه ) ما لا ظاهر له ، كالمشترك ـ لقوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ... ) الآية (١) ، إذ اتباع المتشابه بالمعنى الذي ذكروه ، غير معقول.

ومنها : ما رواه بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث طويل ، يدعي فيه اختصاص العلم بالاحكام به ـ : « فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها ، وأملاها علي ، فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها ، وتفسيرها ، وناسخها ، ومنسوخها ، ومحكمها ، ومتشابهها ، وخاصها ، وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها ، وحفظها ... » الحديث (٢).

ومنها : ما رواه بسنده (٣) عن بريد بن معاوية (٤) ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٥) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الراسخين في العلم ، قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله.

والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم ، فأجابهم الله تعالى بقوله : ( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) (٦) والقرآن خاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، فالراسخون في العلم يعلمونه » (٧).

ومنها : ما رواه « عن سلمة بن محرز ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

١ ـ آل عمران / ٧.

٢ ـ الكافي : ١ / ٦٤ باب اختلاف الحديث / ح ١ ، ورواه الصدوق أيضا في إكمال الدين واتمام النعمة : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٣ ـ في ط : باسناده.

٤ ـ كذا في المصدر ( الكافي ). وفي النسخ : عن معاوية بن عمار. بدل : بريد بن معاوية.

٥ ـ آل عمران / ٧.

٦ ـ آل عمران / ٧.

٧ ـ الكافي : ١ / ٢١٣ ـ كتاب الحجة / باب الراسخين في العلم هم الائمة (ع) / ح ٢.

١٣٨

يقول : إن من علم ما أوتينا : تفسير القرآن وأحكامه ، وعلم تغيير الزمان وحدثانه ... » الحديث (١).

ومنها : ما رواه ، عن الصادق عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : « أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعون منا ... » الحديث (٢).

ومنها : ما رواه في تفسير : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : فكذلك لم يمت محمد إلا وله بعيث ونذير ، قال : فإن قلت : لا ، فقد ضيع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من في أصلاب الرجال من امته ، قال : وما يكفيهم القرآن؟ قال : بلى ، إن وجدوا له مفسرا ، قال : وما فسره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : بلى ، قد فسره لرجل واحد ، وفسر للامة شأن ذلك الرجل ، وهو علي بن أبي طالب ... » الحديث (٤).

ومنها : ما رواه الشيخ ، بسنده عن علي عليه‌السلام قال : « يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال قولا آل منه إلى غيره ، وقد قال قولا من وضعه [ في ] (٥) غير موضعه كذب عليه.

فقام عبيدة ، وعلقمة ، والاسود ، واناس منهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ قال : يسأل عن ذلك علماء آل محمد عليهم‌السلام » (٦).

ومنها : ما ورد (٧) أن تفسير القرآن بالرأي غير جائز ، حتى قال الطبرسي

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٢٢٩ ـ كتاب الحجة / باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الائمة (ع) / ح ٣.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٤٠٢ ـ كتاب الايمان والكفر / باب الضلال / ذيل الحديث الاول.

٣ ـ القدر / ١.

٤ ـ الكافي : ١ / ٢٥٠ ـ كتاب الحجة / باب في شأن « انا انزلناه في ليلة القدر » / ح ٦.

٥ ـ كلمة ( في ) : وردت في كل النسخ ، إلا أن المصدر خال منها.

٦ ـ التهذيب : ٦ / ٢٩٥ ح ٨٢٣.

٧ ـ في أ : رواه.

١٣٩

في مجمعه : « واعلم أن الخبر قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن الائمة القائمين مقامه عليهم‌السلام : أن تفسير القرآن ، لا يجوز إلا بالاثر الصحيح ، والنص الصريح ، وروت العامة أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : « من فسر القرآن برأيه ، فأصاب الحق ، فقد أخطأ » قالوا : وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي ، كسعيد بن المسيب ، وعبيدة السلماني ، ونافع ، وسالم بن عبدالله ، وغيرهم » (١) انتهى كلامه.

وأما الشك في حجية خبر الواحد على الاطلاق :

فلان (٢) عمدة أدلة حجيته : الاجماع ، والاجماع فيما نحن فيه غير متحقق ، لما عرفت من الاختلاف.

ولورود الروايات بطرح (٣) ما خالف القرآن :

كرواية السكوني : « عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه » (٤).

ورواية عبدالله بن أبي يعفور : « قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث ، يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به؟ قال إذا ورد عليكم حديث ، فوجدتم له شاهدا من كتاب الله عزوجل ، أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا فالذي جاء‌كم به أولى به » (٥).

وصحيحة أيوب بن الحرّ : « قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو

____________

١ ـ مجمع البيان : ١ / ١٣ ـ الفن الثالث.

٢ ـ في ط : فإن.

٣ ـ في ط : بترك.

٤ ـ الكافي : ١ / ٦٩ ـ كتاب فضل العلم / باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب / ح ١.

٥ ـ الكافي : ١ / ٦٩ ح ٢.

١٤٠