أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

من كلام أمير المؤمنين عليه السلام

« ألا إن اللسان بضعة من الأنسان ، فلا يسعده القول إذا امتنع ، ولا يمهله النطق إذا اتسع ، وإنا لأمراء الكلام ، وفينا تنشبت (١) عروقه ، وعلينا تهدّلت غصونه. فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أنكم في زمانٍ القائل فيه بالحق قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، واللازم للحق ذليل ، أهله معتكفون على العصيان ، مصطلحون على الإدهان ، فتاهم عارم ، وشائبهم آثم ، وعالمهم منافق ، وقارئهم مماذق (٢) ، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم ، ولا يعول غنيهم فقيرهم ».

وروى عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقاً ، لا براءة له منها إلا بالأداء والعفو :

يغفر زلته ، ويرحم عبرته ، ويستر عورته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويرد غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلّته ، ويرعى ذمته ، ويعود مرضته ، ويشهد ميتته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويشفع مسألته ، ويسمت عطسته ، ويرشد ضالّته ، ويرد سلامه ، ويطيب كلامه ، ويبر إنعامه ، ويصدق أقسامه ، ويوالي وليه ولا يعاديه ، وينصره ظالماً ومظلوماً ، فأمّا نصره ظالما فيردّه عن ظلمه ، وأما نصره مظلوماً فيعينه على أخذ حقه ، ولا يسلمه ، ولا يخذله ، ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه ، ويكره له من الشر ما يكرهه لنفسه ».

ثم قال عليه‌السلام : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة ، فيقضى له عليه » (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، الصبر زينة البلاء ، التواضع زينة الحسب ، الفصاحة زينة الكلام ، العدل زينة الإمارة ، السكينة زينة العباد ، الحفظ زينة الرواية ، خفض الجناح زينة الحلم ، بذل المجهود زينة

__________________

١ ـ نشب الشيء في الشيء نشوباً أي علق فيه ونبت « الصحاح ـ نشب ـ ١ : ٢٢٤ ».

٢ ـ مماذق : غير مخلص « الصحاح ـ مذق ـ ٤ : ١٥٥٣ ».

٣ ـ كنز الفوائد : ١٤١.

٣٢١

المعروف ، الخشوع زينة الصلاة ، الإيثار زينة الزهد ، حسن الأدب زينة العقل ، بسط الوجه زينة الحكم ، ترك مالا يعني زينة الورع » (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعبد الناس من أقام الفرائض ، وأزهد الناس من اجتنب المحارم ، وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ، وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان اشد الناس ذكراً للموت ، وأغبط الناس من كان في التراب في أمن من العذاب يرجو الثواب ، وأغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطراً من لم يجعل للدنيا عنده خطراً ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أغزرهم علماً ، وأقل [ الناس ] (٢) لذة الحسود ، وأقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عز وجل عليه ، وأولى الناس بالحق أعلمهم به ، وأقل الناس حرمة الفاسق ، وأقل الناس وفاءً الملوك ، وأفقر الناس الطَمِعُ ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيراً ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدراً من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقاً ، وأقلّ الناس مروءة من كان كاذباً ، وأمقت الناس المتكبّر ، وأشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأغفل الناس أشدّهم تهمة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأظلم الناس من قتل غير قاتله أوضرب غير ضاربه ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحقّ الناس بالذم السفيه المغتاب ، وأذلّ الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيض ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس » (٣).

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ١٣٨.

٢ ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

٣ ـ كنز الفوائد : ١٣٨ ، وفيه : جاء في الحديث عن الأمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أعبد الناس من أقام الفرائض ...

٣٢٢

روي أن هذه الأبيات لأمير المؤمنين عليه‌السلام

تخذتكم درعاً حصيناً لتمنعوا (١)

سهام العدى عنّي فكنتم نصالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودتي

ذماماً فكونوا لا عليها ولا لها

قفوا موقف المعذور عنّي بجانب

وخلوا نبالي للعدى ونبالها (٢)


* * *

__________________

١ ـ في كنز الفوائد : لتدفعوا

٢ ـ كنز الفوائد : ١٣٩.

٣٢٣

من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله

أنه خرج على أصحابه فقال : « أيها الناس ، اتقوا الله وارتحضوا (١) واستقيموا إليه ، فإن الإستقامة درجة بها كمال الأمور ونظامها ، وبوجودها حصول الخيرات وتمامها ، ومن لم يكن مستقيماً في حالته ضلّ سعيه وخاب جهده ، قال الله تعالى : واستقيموا إلى ربكم (٢) وقال سبحانه : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) (٣) وقال سبحانه : ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزلّ قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء ) (٤) واعلموا ـ عباد الله ـ انه من لم يكن مستقيماً في صفته ، لم يرتق من حاله إلى غيرها ، ولم يتبين سلوكه على صحته ».

وقال بعض آل محمد عليهم‌السلام : « أيّها الناس ، لا تخرجوا من عز التقوى إلى ذل المعصية ، ولا من أنس الطاعة إلى وحشة الخطيئة ، ولا تسروا لإخوانكم غشاً ، فإنه من أسرّ لأخيه المؤمن غشاً ، أظهره الله في صفحات وجهه وفلتات لسانه ، فأورثه الله الخزي في الدنيا ، والعذاب والندامة في الآخرة ، فأصبح من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ».

ولقد أحسن من قال :

العين تعلم من عيني محدثها

إن كان من حزبها أو من معاديها

وقال آخر :

إذا القوم أخفوك الذي في صدورهم

من الغلّ أنبتك الوجوه العوابس

وقال آخر أبياتاً موعظة :

أيابن آدم لا تلهيك عافية

عليك مشمولة فالعمر معدود

ما أنت إلا كزرع عند حضرته

بكل شيء من الآفات مقصود

فإن سلمت من الآفات أجمعها

فأنت عند أوان الزرع محصود

__________________

١ ـ رحض الثوب : غسله « القاموس المحيط ـ رحض ـ ٢ : ٣٣١ ».

٢ ـ كذا والظاهر أن المراد مضمون الآية ٦ من سورة فصلت : « انما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ».

٣ ـ النحل ١٦ : ٩٢.

٤ ـ النحل ١٦ : ٩٤.

٣٢٤

لا يعجبنك ملكهم إذ مُلِكُوا

فالملك يفنى والنعيم يبيد

وإذا رأيت جنازة محمولة

فاعلم بأنك بعدها مفقود

روى عن أويس القرني ـ رحمة الله عليه ـ قال لرجل سأله : كيف حالك؟فقال : كيف يكون حال من يصبح يقول : لا أمسي ، ويمسي يقول : لا أصبح ، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها ، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها ، والله إن الموت وغصصه وكرباته ، وذكر هول المطلع ، وأهوال يوم القيامة ، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً ، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة ، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً ، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر ، فيشتمون أعراضنا ويرمونا بالجرائم والمعائب والعظائم ، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله.

ولقد صدق رحمه‌الله في قوله ، فإنه كان ولياً لله ، ولا تصح ولاية الله ورضى الناس ، فإن وليّ الله لا يداهن ولا ينافق ولا يراقب ولا تأخذه في الله لومة لائم ، وقل أن يبقى مع هذا له صديق ، بل لا أهل ولا ولد.

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته ، ممل هذا الكلام المقدم : إن أعظم عرى الإيمان وأوثقها الموالاة في الله تعالى ، والمعاداة فيه جل وعز ، دلّ على ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) (١).

وقال سبحانه : ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما اُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ) (٢).

وقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ) (٣).

وقال سبحانه : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم ... أولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون ) (٤)

__________________

١ ـ الممتحنة ١٣ : ٦٠.

٢ ـ المائدة ٥ : ٨١ ، وقد كُررت هذه الآية بشكل مصحف بعد الآية ٢٢ من سورة المجادلة الآتية.

٣ ـ الممتحنة ٦٠ : ١٣.

٤ ـ المجادلة ٥٨ : ٢٢.

٣٢٥

يقسم بالله ـ جل جلاله ـ مملي هذا الكتاب : إن أوثق وأنجح ما توخيته فيما بيني وبين الله عز وجل ، بعد المعرفة والولاية هذا المعنى ، ولقد فعل الله تعالى معي به كل خير ، وإن كان أكسبني العداوة من الناس ، فقد ألبسني ثوب الولاية لله تعالى ، لأن الله تعالى علم مني مراعاة هذا الأمر صغيراً وكبيراً ، وما عرّفني به معرفة صحيحة غير والدي رحمه‌الله فإنه قال لي يوماً من الأيام : يا ولدي ، أنت تريد الأشياء بيضاء نقية خالية من الغش من كل الناس ، وهذا أمر ما صحّ منهم لله ، ولا لرسوله ، ولا لأمير المؤمنين ، ولا لأولاده الأئمة عليهم‌السلام ، ولا لأولياء الله كافة عليه وعليهم السلام ، فإذاً تعيش فريداً وحيداً غريباً فقيراً ، وكان الأمر كما قال ، ولست بحمد الله بندمان على ما فات ، حيث كان في ذلك حفاظ جنب الله تعالى ، وكفى به حسيباً ونصيراً.

* * *

٣٢٦

وصية لقمان لولده

قال له : يا بني ، أقم الصلاة ، فإنما مثلها في دين الله كمثل عمود الفسطاط ، فإن العمود استقام نفعت الأطناب والأوتاد والظلال ، وإن لم يستقم لم ينفع وتد ولاطنب ولا ظلال.

أي بني ، صاحب العلماء ، وجالسهم وزُرهم في بيوتهم ، لعلك أن تشبههم فتكون منهم.

إعلم يا بني ، إني قد ذقت الصبر وأنواع المر ، فلم أجد أمرّ من الفقر ، فإذا افتقرت يوماً فاجعل فقرك بينك وبين الله ، ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ، ثمسل في الناس : هل من أحد وثق بالله فلم ينجه!؟

يا بني ، توكل على الله ، ثم سل في الناس : من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه!؟

يا بني ، أحسن الظن بالله ، ثم سل في الناس : من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به!؟

يا بني ، من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً ، ومن لا يسخط نفسه لا يرضي ربه ، ومن لا يكظم غيضه يشمت عدوه.

يا بني ، تعلّم الحكمة تشرف بها ، فإن الحكمة تدلّ على الدّين ، وتشرّف العبد على الحر ، وترفع المسكين على الغنيّ ، وتقدم الصغير على الكبير ، وتجلس المسكين مجالس الملوك ، وتزيد الشريف (١) شرفاً ، والسيد سؤوداً ، والغني مجداً ، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيّأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة؟ ولن يهيّىء (٢) الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلا بالحكمة ، ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بغير نفس ، ومثل الصعيد بغير ماء ، ولا صلاح للجسد بغير نفس ، ولا للصعيد بغير ماء ، ولا للحكمة بغير طاعة (٣).

قال كعب الأحبار : مكتوب في التوراة :

__________________

١ ـ في الأصل : الشرف ، وما أثبتناه من البحار.

٢ ـ في الأصل : يهنى ، وما أثبتناه من البحار.

٣ ـ رواه الكراجكي في كنز الفوائد : ٢١٤ ، وأخرجه المجلسي في البحار ٧٨ : ٤٥٨ / ٢٧ عن أعلام الدين.

٣٢٧

يا موسى ، من أحبني لم ينسني ، ومن رجا معروفي ألَحَّ في مسألتي.

يا موسى ، إني لست بغافل عن خلتي ، ولكن أحب أن تسمع ملائكتي ضجيج الدعاء من عبادي ، وترى حفظتي تقرب بني آدم إليَّ ، بما أنا مقويهم عليه ومسببه لهم.

يا موسى ، قل لبني إسرائيل : لا تبطر بكم النعمة فيعاجلكم السلب ، ولا تغفلوا عن الشكر فينازعكم الذل ، وألحوا في الدعاء تشملكم الرحمة بالإجابة وتهنئكم العافية.

وروي في زبور داود يقول الله تعالى : يابن آدم ، تسألني فأمنعك لعلمي بما ينفعك ، ثم تلح علي بالمسألة فأعطيك ما سألت ، فتستعين به على معصيتي ، فأهم بهتك سترك فتدعوني أستر عليك ، فكم من جميل أصنع معك ، وكم قبيح تصنع معي؟ ويوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً.

ومن الإنجيل : لا تدينوا وأنتم خطاة ، فيدان منكم بالعذاب.

لا تحكموا بالجور فيحكم عليكم بالعذاب ، بالمكيال الذي تكيلون يكال لكم ، بالحكم الذي تحكمون يحكم عليكم.

ومن الإنجيل أيضاً : إحذروا الكذابة الذين يأتونكم بلباس الحملان (١) ، وهم في الحقيقة ذئاب خاطفة ، من ثمارهم تعرفونهم ، لا يمكن الشجرة الطيبة أن تثمر ثماراً رديئة ، ولا الشجرة الرديئة أن تثمر ثماراً صالحة.

وروي عن علي بن الحسين : أنه دخل المسجد الحرام ، فرأى الحسن البصري وحوله جماعة من الناس وهو يعظهم ، وكان يعرف منه أن يرى رأي المعتزلة في تخليد من يعمل ذنباً كبيراً في النار ، فقال له علي بن الحسين : « يا هذا ، أنت على حال ترضى لنفسك معها الموت؟ »

فقال له : لا

فقال : « فأنت على ثقة من البقاء لوقت تدرك فيه التوبة؟ »

فقال : لا.

فقال له : « أفعند الموت نظرة؟ »

فقال له : لا

__________________

١ ـ الحملان : جمع حمل ، وهو الجذع من أولاد الضأن « القاموس المحيط ـ حمل ـ ٣ : ٣٦٢ ».

٣٢٨

فقال له : « أفبعد الموت عمل؟ »

فقال : لا

فقال : « فعظ نفسك ، ودع الناس يطوفوا بهذا البيت الذي قد جاؤوا إليه من كل فج عميق ».

وقال رجل لعبد الملك بن مروان : اُناظرك وأنا آمن؟ قال : نعم ، فقال له : أخبرني عن هذا الأمر الذي صار إليك ، أبنص من الله ورسوله؟ قال : لا.

قال : فاجتمعت الأمة فتراضوا بك؟ فقال : لا

قال : فكانت لك بيعة في أعناقهم فوفوا بها؟ قال : لا

قال : فاختارك أهل الشورى؟ قال : لا

قال : أفليس قد قهرتهم على أمرهم ، واستأثرت بفيئهم دونهم؟ قال : بلى

قال : فبأي شيء سميت أمير المؤمنين ، ولم يؤمرك الله ولا رسوله ولا المسلمون؟

قال له : اُخرج عن بلادي وإلا قتلتك.

قال : ليس هذا جواب أهل العدل والإنصاف ، ثم خرج.

وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بخراسان : أن أوفد إليَّ من علماء بلادك مائة رجل ، أسألهم عن سيرتك ، فجمعهم وقال لهم ذلك ، فاعتذروا وقالوا : إن لنا عيالاً وأشغالاً لا يمكننا مفارقتها (١) ، وعدله لا يقتضي إجبارنا ، ولكن قد أجمعنا على رجل منا ، يكون عوضنا عنده ، ولساننا لديه ، فقوله قولنا ، ورأيه رأينا ، فأوفد به العامل إليه.

فلما دخل عليه سالم وجلس ، فقال له : أخلِ لي المجلس ، فقال له : ولم ذلك؟ وأنت لا تخلو أن تقول حقاً فيصدقوك ، أو تقول باطلاً فيردوك ، فقال له : ليس من أجلي اُريد خلو المجلس ولكن من أجلك ، فإنّي أخاف أن يدور بيننا كلام تكره سماعه.

فأمر بإخراج أهل المجلس ثم قال له : قل ، فقال : أخبرني عن هذا الأمر من أين صار إليك؟ فسكت طويلاً فقال له : ألا تقول؟ فقال : لا ، فقال : ولم؟ فقال له : إنقلت : بنص من الله ورسوله كان كذباً ، وإن قلت : باجماع من المسلمين قلتَ : فنحن أهل بلاد المشرق ، ولم نعلم بذلك ولم نجمع عليه ، وإن قلت : بالميراث من آبائي ،

__________________

١ ـ في الأصل : مفارقته ، وما أثبتناه هو الصواب.

٣٢٩

قلتَ : بنو أبيك كثير ، فلم تفردت أنت به دونهم؟

فقال له : الحمد لله على اعترافك على نفسك بالحق لغيرك ، فأرجع إلى بلادي فقال : لا ، فو الله إنك لواعظ فظ. فقال له : فقل ما عندك بعد ذلك ، فقال له : رأيت أن من تقدمني ظلم وغشم وجار واستأثر بفيء المسلمين ، وعلمت من نفسي أني لا أستحل ذلك ، وأن المؤونة بولايتي تكون أنقص وأخف عليهم فوليت ، فقال له : أخبرني ، لو لمتلي هذا الأمر ، ووليه غيرك وفعل ما فعل من كان قبله ، اكان يلزمك من إثمه شيء؟

فقال : لا ، فقال له : فأراك قد شريت راحة غيرك بتعبك ، وسلامته بخطرك ، فقال له : والله إنك لواعظ فظ ، فقام ليخرج ثم قال له : والله ، لقد هلك أولنا بأولكم ، وأوسطنا بأوسطكم ، وسيهلك اخرنا بآخركم ، والله المستعان عليكم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

* * *

٣٣٠

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته : إنني حيث سمعت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من حفظ عني أربعين حديثاً حشره الله مع النبيين؟ الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقا » رغبني ذاك أن أحفظ مائة وأربعين حديثاً ، أولها الأربعون حديثاً التي رواها ابن ودعان (١) ، بحذف الإسناد المذكور في كتب الأحاديث.

الحديث الأول عن أنس بن مالك قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته العضباء فقال :

« أيها الناس ، كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحق على غيرنا وجب ، وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون ، نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم ، كأنا مخلّدون بعدهم ، قد نسينا كلّ واعظة ، وأمِنّا كل جائحة (٢) ، طوبى لمن أنفق ما اكتسبه من غير معصية ، وجالس أهل الفقه والحكمة ، وخالط (٣) أهل الذلة والمسكنة ، طوبى لمن ذلت نفسه ، وحسنت خليقته ، وصلحت سريرته ، وعزل عن الناس شره ، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، ووسعته السنّة ولم تستهوه البدعة » (٤).

الثاني : عن خليفة (٥) بن الحصين قال : سمعت قيس بن عاصم المنقري يقول : قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في وفد من جماعة بني تميم ، فقال لي :

__________________

١ ـ هو محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان الموصلي ، أبو نصر قاضي الموصل. ولد في ليلة النصف من شعبان من سنة ٤٠١ هـ وتوفي سنة ٤٩٤ هـ عقب رجوعه من بغداد. اُنظر « ميزان الاعتدال ٣ : ٦٥٧ ، لسان الميزان ٥ : ٣٠٥ ، أعلام الزركلي ٦ : ٢٧٧ ، كشف الظنون ١ : ٦٠ ».

٢ ـ الجائحة : الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها ، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة « مجمع البحرين ـ ٢ : ٣٤٧ ».

٣ ـ في الأصل : خالف ، وما أثبتناه من البحار.

٤ ـ البحار ٧٧ : ١٧٥ / ١٠ عن أعلام الدين.

٥ ـ في الأصل والبحار : علقمة ، تصحيف صحته ما في المتن ، وهو خلفية بن حصين بن قيس بن عاصم الميمي المنقري ، روى عن أبيه حصين بن قيس وجده قيس بن عاصم وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام اُنظر « تهذيب التهذيب ٣ : ١٥٩ ».

٣٣١

« اغتسل بماء وسدر » ففعلت ثم عدت إليه ، وقلت : يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها. فقال : « يا قيس ، إن مع العز ذلاً ، وإن مع الحياة موتاً ، وإن مع الدنيا آخرة ، وان لكلّ شيء حسيباً ، وعلى كل شيء رقيباً ، وإن لكل حسنة ثواباً ، ولكلّ سيئة عقابا ، وإن لكل أجل كتاباً.

وإنه ـ يا قيس ـ لابد لك من قرين ، يدفن معك وهو حيُّ وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثم لا يجشر إلا معك ، ولا تحشر إلا معه ، ولا تسأل إلا عنه ، ولا تبعث إلا معه ، فلا تجعله إلا صالحاً ، فإنه [ إن ] (١) كان صالحاً لم تأنس إلا به ، وإن كان فاحشاً لم تستوحش إلا منه وهو عملك ».

فقال قيس : يا رسول الله ، لو نظم هذا شراً لا فتخرنا به على من يلينا من العرب ، فقال رجل من أصحابه ، يقال له الصلصال (٢) : قد حضر فيه شيء يا رسول الله ، أفتأذن لي بإنشاده ، فقال : « نعم » فأنشأ يقول :

تخير قريناَ من فعالك إنما

قرين الفتى في القبر ما كان يفعلُ

فلابدّ للأنسان من أن يعدّه

ليوم ينادي المرء فيه فيقبلُ

فإن كنت مشغولاً بشيء فلاتكن

بغير الذي تُرضي به الله تشغلُ

فما يصحب الإنسان من بعد موته

ومن قبله إلا الذي كان يعل

ألا إنما الإنسان ضيف لأهله

يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل (٣)

وقال العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته ، مُملّ هذه الأحاديث النبوية في المعنى :

تخير قريناً من فعالك صالحاً

يعنك على هول القيامة والقبر

ويسعى به نوراً لديك ورحمة

تعمّك يوم الروع في عرصة الحشر

وتأتي به يوم التغابن آمناً

أمانك في يمناك من روعة النشر

فما يصحب الإنسان من جلّ ماله

سوى صالح الأعمال أوخالص البر


__________________

١ ـ أثبتناه من البحار.

٢ ـ هو الصلصال بن الدلهمس بن جندلة بن المحتجب بن الأعز ، أبو الغضنفر ، قال ابن حبان : له صحبة ، وذكر ابن الجزري ما في المتن من انشاده الشعر في حضرة رسول الله (ص) اُنظر « الإصابة في تمييز الصحابة ٢ : ١٩٣ ، اُسد الغابة ٣ : ٢٨ ».

٣ ـ البحار ١٧٥ : ٧٧ عن أعلام الدين.

٣٣٢

بهذا أتى التنزيل في كل سورة

يفصّلها رب الخلائق في الذكر

وفي سنّة المبعوث للناس رحمة

سلام عليه بالعشي وفي الفجر

حديث رواه ابن الحصين خليفة

يحدثه قيس بن عاصم ذو الوفر

يجوز في النحو عند الكوفيين ترك صرف مالا ينصرف ذو الوفر (١).

الحديث الثالث : عن أبي الدرداء قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم جمعة ، فقال : « يا أيها الناس ، توبوا إلى الله قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا ، وأصلحوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا ، وأكثروا من الصدقة ترزقوا ، وَأمروا بالمعروف تحصّنوا ، وانهوا عن المنكر تنصروا.

يا أيها الناس ، إن أكيسكم أكثركم ذكراً للموت ، وإن أحزمكم أحسنكم استعداداً له ، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دارالخلود ، والتزوّد لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور » (٢).

الرابع : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول في خطبته : « أيها الناس ، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، إنّ المؤمن بين مخافتين : يوم قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه ، ويوم قد بقى لا يدري ما الله صانع به ، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومنشبابه لهرمه ، ومن صحّته لسقمه ، ومن حياته لوفاته ، فو الذي نفسي بيده ، ما بعد الموتمن مستعتب ، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أوالنار » (٣).

الحديث الخامس : عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبته : « لا عيش إلا لعالم ناطق ، أومستمع واع.

أيها الناس ، إنكم في زمان هدنة ، وإن السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار ، كيف يبليان كل جديد! ويقربان كل بعيد! ويأتيان بكل موعود! »

فقال له المقداد : يا نبي الله ، وما الهدنة؟

فقال : « دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الاُمور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وصادق مصدّق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ،

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٢ ـ البحار ٧٧ : ١٦٧ عن أعلام الدين.

٣ ـ البحار ٧٧ : ١٧٧ عن أعلام الدين.

٣٣٣

ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل » (١).

الحديث السادس : عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يكمل عبد الإيمان بالله حتى تكون فيه خمس خصال : التوكل على الله ، والتفويض إلى الله ، والتسليم لأمر الله ، والرضا بقضاء الله ، والصبر على بلاء الله ، إنه من أحبّ في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان » (٢).

الحديث السابع : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في خطبته : « أيها الناس ، إن العبد لا يكتب من المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه ولا ينال درجة المؤمنين حتى يأمن أخوه بوائقه (٣) ، وجاره بوادره (٤) ، ولا يعدّ من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذار ما به الباس (٥).

أيها الناس ، إنه من خاف البيات (٦) أدلج (٧) ، ومن أدلج المسير وصل ، وإنّما تعرفون عواقب أعمالكم لو قد طويت صحائف آجالكم.

أيها الناس ، إن نية المؤمن خير من عمله ، ونية الفاسق شر من عمله » (٨).

الحديث الثامن : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من انقطع إلى الله كفاه كل مؤونة ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ، ومن حاول أمراً بمعصية الله كان أبعد له ممّا رجا وأقرب مما أبقى ، ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاماً ، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم ، ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم ، ومن أحسن ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن أحسن سريرته أصلح الله علانيته ، ومن عمل لآخرته كفاه

__________________

١ ـ البحار ٧٧ : ١٧٧ عن أعلام الدين.

٢ ـ البحار ٧٧ : ١٧٧ عن أعلام الدين.

٣ ـ البوائق : جمع بائقة ، وهي الداهية والشر (القاموس المحيط ـ بوق ـ ٣ : ٢١٥).

٤ ـ البوادر : جمع بادرة ، وهي ما يصدر عن الإنسان في حدة الغضب من قول أوفعل (القاموس المحيط ـ بدر ـ ١ : ٣٦٩).

٥ ـ في ألأصل : الناس ، وما أثبتناه من البحار.

٦ ـ البيات : الشر الذي يقع في الليل (القاموس ـ بيت ـ ١ : ١٤٤).

٧ ـ أدلج : سار أول الليل (القاموس ـ دلج ـ ١ : ١٨٩).

٨ ـ البحار ٧٧ : ١٧٧ عن أعلام الدين.

٣٣٤

الله أمر دنياه » (١).

التاسع : عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله عبداً تكلم فغنم ، أو سكت فسلم ، إنّ اللسان أملك شيء للانسان ، ألا وإن كلام العبد كله عليه ، إلا ذكر الله تعالى ، أو أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو إصلاح بين مؤمنين ».

فقال له معاذ بن جبل : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما نتكلم به؟

فقال : « وهل تكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم! فمن أراد السلامة فليحفظ ما جرى به لسانه ، ويحرس ما انطوى عليه جنانه ، ويحسن عمله ، وليقصر أمله ».

ثم لم يمض إلا أيام حتى نزلت هذه الآية ( لا خير في كثير من نجواهم الا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) (٢) (٣).

الحديث العاشر : عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن ، فعليها يبلغ الخير ، وبها ينجو من الشر ، إنه إذا قال العبد : لعن الله الدنيا ، قالت الدنيا : لعن الله أعصانا لربه ».

فأخذ الشريف الرضي هذا المعنى فنظمه بيتاً :

يقولون الزمان به (٤) فساد

فهم فسدوا وما فسد الزمان (٥)

الحديث الحادي عشر : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فإنكم إن كنتم في ضيق وسعه عليكم ، فرضيتم به فأجرتم ، وإن كنتم في غنىً بغضه إليكم فجدتم به فأثبتم ، إن المنايا قاطعات الآمال ، والليالي مدنيات الآجال ..... (٦) لا يدري لعله لا يصل إليه ، إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه ، يرى جزاء ما قدم ، وقلّة غناء ما خلف ، ولعله من حق منعه ، ومن

__________________

١ ـ البحار ٧٧ : ١٧٨ عن أعلام الدين.

٢ ـ النساء ٤ : ١١٤.

٣ ـ البحار ٧٧ : ١٧٨ عن أعلام الدين.

٤ ـ في الأصل : بهم ، وما أثبتناه من البحار.

٥ ـ بحار الأنوار ٧٧ : ١٧٨ عن أعلام الدين.

٦ ـ في المخطوطة عبارة غير مقروءة ذهب بها المقص.

٣٣٥

باطل جمعه » (١).

الحديث الثاني عشر : عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيها الناس ، إن الرزق مقسوم ، لن يعدوا امرؤ ما قسم له ، فأجملوا في الطلب ، وإنّ العمر محدود ، لن يتجاوز أحد ما قدّر له ، فبادروا قبل نفاذ الأجل ، والأعمال محصية » (٣).

قال السيد : الوجه في محصاة لن يهمل منها صغيرة ولا كبيرة ، فأكثروا من صالح العمل.

« أيها الناس ، إن في القنوع لسعة ، وإن في الإقتصاد لبلغة ، وإن في الزهد لراحة ، وإن لكل عمل جزاء ، وكل آت قريب ».

الحديث الثالث عشر : عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في بعض خطبه أو مواعظه : « أما رأيتم المأخوذين على الغرّة ، والمزعجين بعد الطمأنينة!؟ الذين أقاموا على الشبهات ، وجنحوا إلى الشهوات ، حتى أتتهم رسل ربهم ، فلا ما كانوا أضلوا أدركوا ، ولا إلى ما فاتهم رجعوا ، قدموا على ما عملوا ، وندموا على ما خلفوا ، ولن يغني الندم ، وقد جفّ القلم ، فرحم الله امرءاً قدّم خيراً ، وأنفق قصداً ، وقال صدقاً ، وملك دواعي شهوته ولم تملكه ، وعصى أمر نفسه فلم تهلكه (٣) » (٤).

الحديث الرابع عشر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيها الناس ، لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعاقبوا ظالماً فيبطل فضلكم ، ولا تراؤا الناس فيحبط عملكم ، ولا تمنعوا الموجود فيقلّ خيركم.

أيها الناس ، إنّ الأشياء ثلاثة : أمر استبان رشده فاتّبعوه ، وأمر استبان غيّه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فردّوه إلى الله.

أيها الناس ، ألا اُنبئكم بأمرين ، خفيف مؤنتهما ، عظيم أجرهما ، لم يلق الله

__________________

١ ـ ذكره المصنف في ارشاد القلوب : ٤٨ ، وأخرجه المجلسي في البحار ٧٧ : ١٧٩ عن أعلام الدين ، وفيهما مثل ما في المتن من نقص.

٢ ـ البحار ٧٧ : ١٧٩ عن أعلام الدين.

٣ ـ في البحار : فلم تملكه.

٤ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٧٧ : ١٧٩ عن أعلام الدين.

٣٣٦

بمثلهما : طول الصمت ، وحسن الخلق » (١).

الحديث الخامس عشر : عن ابن عمر قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فكان ممّا ضبطت منها :

« أيها الناس ، إن أفضل الناس من تواضع عن رفعة ، وزهد عن غُنية ، وأنصف عن قوة ، وحلم عن قدرة ، ألا وإن أفضل الناس عبد أخذ من الدنيا الكفاف ، وصاحب فيها العفاف ، وتزوّد للرحيلَ ، وتأهب للمسير ، ألا وإنّ أعقل الناس عبد عرف ربه فأطاعه ، وعرف عدوه فعصاه ، وعرف دار إقامته فأصلحها ، وعرف سرعة رحيله فتزوّد لها ، ألا وإنّ خير الزاد ما صحبه التقوى ، وخير العمل ما تقدّمته النية ، وأعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه » (٢).

الحديث السادس عشر : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنما يؤتى الناس يوم القيامة من إحدى ثلاث : إما من شبهة في الدين ارتكبوها ، أو لشهوة للذة آثروها ، أوعصبية لِحَمِيَّةٍ أعملوها ، فإذا لاحت لكم شبهة في الدين فاجلوها باليقين ، وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد ، وإذا عَنَّت لكم غضبة فادروها بالعفو ، إنه ينادي مناد يوم القيامة : من كان له على الله أجر فليقم ، فلا يقوم إلا العافون ، ألم تسمعوا قوله تعالى ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) (٣) » (٤).

السابع عشر : قال عبد الله بن مسعود : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قال الله تعالى : ابن آدم ، يؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن ، وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح ، أنت فيما يكفيك ، وتطلب ما يطغيك (٥) ، لا بقليل تقنع ، ولا من كثير تشبع » (٦).

الحديث الثامن عشر : عن أبي هريرة قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس ، إذ رأيناه ضاحكاً حتى بدت ثناياه ، فقلنا : يا رسول الله ، ممّا ضحكت؟

__________________

١ ـ البحار ٧٧ : ١٧٩ عن أعلام الدين.

٢ ـ البحار ٧٧ : ١٧٩ عن أعلام الدين.

٣ ـ الشورى ٤٢ : ٤٠.

٤ ـ البحار ٧٧ : ١٨٠ عن أعلام الدين.

٥ ـ في الأصل : ما يطيعك ، وما أثبتناه من البحار.

٦ ـ البحار ٧٧ : ١٨٠ عن أعلام الدين.

٣٣٧

فقال : « رجلان من أمتي ، جثيا بين يدي ربي ، فقال أحدهما : يا رب ، خذلي بمظلمتي من أخي. فقال الله تعالى : أعط أخاك مظلمته ، فقال : يا رب ، لم يبق من حسناتي شيء ، فقال : يا رب ، فليحمل عنّي (١) من أوزاري ».

ثم فاضت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : « إن ذلك اليوم ليوم يحتاج الناس فيه إلى من يحمل عنهم من أوزارهم.

ثم قال الله تعالى للطالب بحقه : ارفع بصرك إلى الجنة ، فانظر ماذا ترى؟ فرفع رأسه ، فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة ، فقال : يا رب ، لمن هذا؟ فقال : لمن أعطاني ثمنه ، فقال : يا رب ، ومن يملك ثمن ذلك؟ فقال : أنت ، فقال : كيف لي بذلك؟فقال : بعفوك عن أخيك. فقال : يا رب ، قد عفوت فقال الله تعالى : فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة. ثم قال رسول الله : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم » (٢).

التاسع عشر : عن أنس بن مالك قال : قالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون؟ فقال : « الذين نظروا إلى باطن الدنيا ، حين نظر الناس إلى ظاهرها ، فاهتمّوا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم ، فما عرض لهم منها عارض إلا رفضوه ، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه ، أخلقت الدنيا عندهم فما يجدّدونها ، وخربت بينهم فما يعمرونها ، وماتت في صدورهم فما يحيونها ، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ، نظروا إلى أهلها صرعى قد حلّتبهم المثلات ، فما يرون أماناً دون ما يرجون ، ولا خوفاً دون ما يجدون » (٣).

الحديث العشرون : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول « إنما انتم خلفُ ماضين ، وبقية متقدمين ، كانوا اكثر منكم بسطة ، وأعظم سطوة ، فازعجوا عنها أسكن ما كانوا إليها ، وغدرت بهم وأُخرجوا منها أوثق ما كانوا بها ، فلم يمنعهم قوة عشيرة ، ولا قُبل منهم بذل فدية ، فارحلوا انفسكم بزاد مبلّغ قبل أن تؤخذوا على فجأة وقد غفلتم عن الإستعداد » (٤).

__________________

١ ـ ليس في البحار.

٢ ـ البحار ٧٧ : ١٨٠ عن أعلام الدين.

٣ ـ البحار ٧٧ : ١٨١ عن أعلام الدين.

٤ ـ البحار ٧٧ : ١٨١ عن أعلام الدين.

٣٣٨

الحادي والعشرون : عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كن في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل ، واعدد نفسك في الموتى ، وإذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح ، وخذمن صحتك لسقمك ، ومن شبابك لهرمك ، ومن حياتك لوفاتك ، فإنك لا تدري ما اسمك غداً » (١).

الثاني والعشرون : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض خطبه أو مواعظه : « أيها الناس ، لا تشغلنكم دنياكم عن آخرتكم ، فلا تؤثروا أهواءكم على طاعة ربكم ، ولا تجعلوا إيمانكم ذريعة إلى معاصيكم ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، ومهّدوا لها قبل أن تعذّبوا ، وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا ، فإنما هوموقف عدل ، واقتضاء حق ، وسؤال عن واجب ، وقد أبلغ في الإعذار من تقدّم بالإنذار » (٢).

الثالث والعشرون : عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ـ عند منصرفه من اُحد ، والناس محدقون به ، وقد أسند ظهره ، إلى طلحة ـ : « أيها الناس ، أقبلوا على ما كلّفتموه (٣) من إصلاح اخرتكم ، واعرضوا عمّا (٤) ضمن لكم من دنياكم ، ولا تستعملوا جوارحاً غُذّيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته (٥) ، واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته ، واصرفوا همتكم بالتقرب إلى طاعته ، إنهمن بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة ، ولم يدرك منها ما يريد ، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه من الدنيا » (٦).

الرابع والعشرون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إياكم وفضول المطعم ، فإنه يسم القلب بالقسوة ، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ، ويصم الهمم عن سماع الموعظة ، وإياكم وفضول النظر ، فإنه يبذر الهوى ،

__________________

١ ، ٢ ـ البحار ١٨١ : ٧٧ عن أعلام الدين.

٣ ـ في الأصل كلفتموه ، وما أثبتناه من البحار.

٤ ـ في الأصل : عمن ، وما أثبتناه من البحار.

٥ ـ في البحار : بنقمته.

٦ ـ البحار ٧٧ : ١٨٢ عن أعلام الدين.

٣٣٩

ويولد الغفلة ، وإياكم واستشعار الطمع ، فإنه يشوب القلب شدّة الحرص ، ويختم على القلوب بطبائع حب الدنيا ، وهو مفتاح كل سيئة ، ورأس كل خطيئة ، وسبب إحباط كل حسنة » (١).

الخامس والعشرون : عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « إنما هو خير يرجى ، أو شر يتقى ، أو باطل عُرف فاجتنب ، أو حق تيقن فطلب ، وآخرة أظلّ إقبالها فسُعي لها ، ودنيا عرف نفادها فأعرض عنها ، وكيف يعمل للآخرة ، من لا تنقطع من الدنيا رغبته ، ولا تنقضي فيها شهوته ، إن العجب كل العجب لمن صدّق بدار البقاء ، وهو يسعى لدار الفناء! وعرف أنّ رضى الله في طاعته ، وهو يسعى في مخالفته! » (٢).

السادس والعشرون : عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « حَلّوا أنفسكم الطاعة ، وألبسوها قناع المخافة ، واجعلوا آخرتكم لأنفسكم ، وسعيكم لمستقركم ، واعلموا أنكم عن قليل راحلون ، وإلى الله صائرون ، ولا يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قدمتموه ، وحسن ثواب أحرزتموه ، فإنكم إنما تقدمون على ما قدّمتم ، وتجازون على ما أسلفتم ، فلا تخد عنّكم زخارف دنيا دنية ، عن مراتب جنات عَلِيّة ، فكأن قد انكشف القناع ، وارتفع الإرتياب ، ولاقىّ كل أمريء مستقره ، وعرف مثواه ومنقلبه » (٣).

السابع والعشرون : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في خطبة ـ : « لا تكونوا ممن خدعته العاجلة ، وغرته الاُمنية ، فاستهوته الخدعة ، فركن إلى دار سوء ، سريعة الزوال وشيكة الانتقال ، إنه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب ، أو صّر حالب (٤) ، فعلام تعرجون ، وماذا تنتظرون ، فكأنكم ـ والله ـ وما أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن ، وما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل ، فخذوا الاُهبة لأزوف (٥) النقلة ، وأعدّوا الزاد لقرب الرحلة ، واعلموا أنّ كل

__________________

١ ـ البحار ٧٧ : ١٨٢ عن أعلام الدين.

٢ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٧٧ : ١٨٢ عن أعلام الدين.

٣ ـ البحار ٧٧ : ١٨٢ عن أعلام الدين.

٤ ـ صر الحالب الناقة : عادة عندهم يصرّون ضرع الناقة الحلوب إذا أرسلوها إلى المرعى فإذا راحت إليهم عشياً حلوا الصرار وحلبوها. « لسان العرب ـ صرر ـ ٤ : ٤٥١ ».

٥ ـ يقال ازِفَ شخوص فلان أزفاً وأزوفاً : أي قرب « مجمع البحرين ـ أزف ـ ٥ : ٢٣ ».

٣٤٠