أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

إذا زرت ارضاً بعد طول اجتنابها

فقدر صديقي والبلاد كما هيا

وقال حاتم بن عبدالله :

وما انا بالساعي بفضل زمامها

لتشرب ما في الحوض قبل الركائب

وما أنا بالطاوي حقيبة (١) رحلها

لابعثها خفاً وأترك صاحبي

لبعضهم :

بدا حين اثرى باخوانه

فقلل عنهم شناة (٢) العدم

و ذكره الحزم غب الاُمور

فبادر قبل انتقال النعم

لغيره :

ألا إن عبدالله لما حوى (٣) الغنى

وصار له من بين إخوانه مال

رأى خلة منهم تسد بماله

فساواهم حتى استوت بهم الحال

لموسى بن يقطين :

تتبع اخوانه في البلاد

فأغنى المقل عن المكثر

ولسلمان بن فلاح :

لي صديق مامسني عدم

مذ وقعت عينه على عدمي

قام بعذري لما قعدت به

ونمت عن حاجتي ولم ينم

أغنى وأقنى ولم يسم كرماً

تقبيل كف له ولاقدم

لبشار بن برد (٤) :

ذا كنت في كل ألاُمورمعاتبا

صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه

فعش واحداً أوصل أخاك فإنه

مقارف ذنب مرة ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى

ضمئت ، وأي الناس تصفو مشاربه!


لزياد الأعجم :

أخ لك لاتراه الدهرَ إلاّ

على العلات بسّاماً جوادا

__________________

١ ـ الحقيبة : من أجزاء الرحل وتكون من خلف « لسان العرب ـ حقب ـ ٣٢٥ : ١ ».

٢ ـ الشناءة : مثل الشناعة : البغض ، وقد خففت الهمزة هنا لإقتضاء الوزن اُنظر « الصحاح ـ شنأ ـ ١ : ٥٧ ».

٣ ـ في الأصل : جرا ، وما أثبتناه من المصدر.

٤ ـ في المصدر زيادة : ويكنى أبا معاذ ويلقب بالمرعث الأعمى.

١٨١

أخ لك ليس خلته بمذق (١)

إذا ما عاد فقر أخيه عادا

شّاعر :

أذا كان ذواقاً أخوك من الهوى

موجّهة في كل فج ركائبه

فخلّ له وجه الطريق ولاتكن

مطية رحّال كثير مذاهبه

تخاف المنايا أن ترحل صاحبي

كأن المنايا في المقام تناسبه

ولبشار أيضا :

خير إخوانك المشارك في المر

وأين الشريك في المرّ أينا

الذي إن شهدت سرك في الناس

وإن غبت كان اُذناً وعينا

مثل سر العقيان إن مسه النار

جلاه البلاء فازداد زينا

وأنشدت لابن معمعة (٢) :

أيها العالم الذي

ملأ الأرض علمه

قلت لما جرحت

قلبي بحال تغمه

لا يضرّ الجواد أن

تتوطاه اُمه

ولعمري لَضَمّ

كان أحلى وشمه

لاَتَهَجَّم على الصديق

بشيء يغمه

فإذا أحوج الشجاع

بدا منه سمّه

قال : وأنشدت لغيره :

لاتوردن على الصديق

من الدعابة مايغمّه

واحذر بوادر طيشه يوماً

إذا ماطال حلمه

فالعجل تنطحه على

إدمان مص الضرع اُمّه

* * *

__________________

١ ـ المذق : الود غير الخالص « الصحاح ـ مذق ـ ٤ : ١٥٥٣ ».

٢ ـ في المصدر زيادة الخطيب مما قاله في مجلس ابن خالويه.

١٨٢

فصل آخر في ذكر الاخوة والإخوان (١)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا آخى أحدكم رجلاً فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله ، فإنه من واجب الحق ، وصافي الإخاء ، وإلا فهي المودة الحمقاء ».

وروي أن داود قال لابنه سليمان عليهما‌السلام : يا بني ، لاتستبدلن بأخ قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك ، ولا تستقلن أن يكون لك عدو واحد ، ولا تستكثرن أن يكون لك ألف صديق.

وأنشد لأمير المؤمنين عليه‌السلام :

وليس كثير ألف خل وصاحب

وإن عدواً واحداً لكثير

وروي أن سليمان عليه‌السلام قال : لاتحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يخادن ، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه ، وينسب الى أصحابه وأخدانه.

وروي أنه كانت بين الحسن والحسين صلوات الله عليهما وحشة ، فقيل للحسين عليه‌السلام : لم لاتدخل على أخيك وهو أسن منك؟ قال : « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أيّما اثنان جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضا صاحبه ، كان سابقاً له إلى الجنة ، وأكره أن أسبق أبا محمد إلى الجنة « فبلغ ذلك الحسن عليه‌السلام فقام يجر رداءه حتى دخل على الحسين صلوات الله عليهما فترضاه.

* * *

__________________

١ ـ كنزالفوائد : ٣٦ ، وفيه تمام الفصل.

١٨٣

فصل مما ورد في ذكر الظلم (١)

روى عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أنه قال : « [ قال ] (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : يا ابن آدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق ، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك ، فإن انتصاري لك خيرمن انتصارك لنفسك واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما تذيب الشمس الجليد ، وان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ».

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من ولي شيئاً من اُمور اُمتي فحسنت سريرته لهم ، رزقه الله تعالى الهيبة في قلوبهم ، ومن بسط كفه إليهم بالمعروف رزق المحبة منهم ، ومن كفّ عن أموالهم وفر الله عز وجل ماله ، ومن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً ، ومن كثرعفوه مد في عمره ، ومن عم عدله نصرعلى عدوه ، ومن خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، آنسه الله عز وجل بغير أنيس وأعانه بغير مال ».

وروي أن في التوراة مكَتوب : من يظلم يخرب بيته ، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) (٣).

وقد قيل : إذا ظلم من دونك عاقبك من فوقك.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله تعالى يمهل الظالم حتى يقول (٤) : اهملني ، ثم إذا أخذه اخذة رابية ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) (٥) ». ومن كلام إمير المؤمنين في ذلك : « لايكبرن عليك ظلم من ظلمك ، فإنما سعى في مضرته ونفعك ، وليس جزاء

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٥٦ ـ ٥٧ ، وفيه تمام الفصل.

٣ ـ أثبتناه من المصدر.

٣ ـ النمل٢٧ : ٥٢.

٤ ـ في الأصل : يقال ، وما أتبتناه من المصدر.

٥ ـ الأنعام ٦ : ٤٥.

١٨٤

من سرك أن تسوءه.

ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها ، ومن هتك حجاب أخيه انهتكت عورات بيته.

بئس الزاد إلى المعاد ، العدوان على العباد.

أسد حطوم خير من سلطان ظلوم ، وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم.

اذكرعند الظلم عدل الله فيك ، وعند المقدرة قدرة الله عليك ».

المتنبي :

وأظلم خلق الله من بات حاسداً

لمن بات في نعمائه يتقلب

* * *

١٨٥

[ فصل ] (١) من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه (٢) :

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لاشرف أعلى من الاسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ».

« ومن ضاق صدره لايصبرعلى أداء حق ».

« من كسل لم يؤد حق الله ، ومن عظّم أوامر الله أجاب سؤاله ».

« من تنزه عن حرمات الله ، سارع إليه عفو الله ».

« من تواضع قلبه لله ، لم يسأم بدنه طاعة الله ».

« الداعي بلا عمل ، كالرامي بلا وتر ».

« ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور غنى ».

« عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر » ، « تصفية العمل خير من العمل ».

« عند الخوف يحسن العمل » ، « رأس الدين صحة اليقين ».

« أفضل ما لقيت الله به ، نصيحة من قلب ، وتوبة من ذنب ».

« إياكم والجدال ، فإنه يورث الشك في الدين ».

« بضاعة الآخرة كاسدة ، فاستكثروا منها في أوان كسادها ».

« اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ».

« دخول الجنة رخيص ، ودخول النار غال ».

« التقي سابق إلى كل خير » ، « من غرس أشجار التقى ، جنى ثمار الهدى ».

« الكريم من اكرم عن ذل النار وجهه ».

« ضاحك معترف بذنبه ، أفضل من باك مدلّ على ربه ».

« من عرف عيب نفسه ، اشتغل عن عيب غيره ».

« من نسى خطيئته ، استعظم خطيئة غيره ».

« ومن نظر في عيوب الناس ونسبها (٣) لنفسه ، فذاك الأحمق بعينه ».

« كفاك أدباً لنفسك ما كرهته لغيرك ».

__________________

١ ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

٢ ـ كنز الفوائد : ١٢٨ ، وفيه تمام الفصل ، إلى قوله عليه‌السلام : « من لزم الأستقامة لزمته السلامة »

٣ ـ في المصدر : ورضيها.

١٨٦

« اتعظ بغيرك ، ولايكون متعظاً بك ».

« لا خير في لذة تعقبها ندامة » ، « تمام الاخلاص تجنب المعاصي ».

« من أحب المكارم اجتنب المحارم ».

« جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه » ، « من أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك ».

« من أساء استوحش ». « من عاب عيب ، ومن شتم اُجيب ».

« أدوا (١) الامانة ولو إلى قاتل الأنبياء ».

« الرغبة مفتاح العطب ، والتعب مطيّة (٢) النصب ».

« الشر داع إلى التقحم في الذنوب ».

« من تورط في الاُمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرض لمدرجات النوائب ».

« من أتى ذمياً وتواضع له ـ ليصيب من دنياه شيئاً ـ ذهب ثلثا دينه ».

« من لزم الاستقامة لزمته السلامة ».

من كلام أمير المؤمنين :

قال نوف البكالي : دخلت عليه فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال : « وعليك السلام » فقلت : عظني. فقال : « يانوف ، أحسن يحسن إليك » فقلت : زدني. فقال : « إرحم ترحم » فقلت : زدني. فقال : « قل خيراً تذكر بخير » فقلت : زدني. فقال : « اجتنب الغيبة ، فإنها ادام كلاب النار ».

ثم قال : « يانوف ، كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة ، وكذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي ، كذب من زعم أنه يعرف الله وهو يجترىء على معاصيه.

يا نوف ، لاتكونن عريفاً ولا نقيباً ولا عشاراً ولا بريداً.

يا نوف ، صل رحمك يزد الله في عمرك ، وحسن خلقك يخفف الله حسابك ، وإن سرك أن تكون معي ـ يوم القيامة ـ فلا تكن للظالمين معيناً.

يانوف ، من أحبنا كان معنا ، ولو أن رجلاً أحب حجراً لحشره الله معه.

يانوف ، إياك ان تتزين للناس ، وتبارز الله بالمعاصي ، فتلقى الله وهوعليك غضبان.

يا نوف ، إحفظ عني ما أقول لك تنل خير الدنيا والآخرة » (٣).

__________________

١ ـ في الأصل : اداء ، وما أثبتناه من المصدر.

٢ ـ في الأصل : عطية ، وما أثبتناه من المصدر.

٣ ـ رواه الصدوق في أماليه : ١٧٤ / ٩ ، وورام في تنببه الخواطر ٢ : ١٦٤.

١٨٧

روي عن امرأة من العرب أنها قالت لبنتها وقد زوجتها وأرادت حملها إلى زوجها : يا بنية ، إن الوصية لو تركت لأدب ومكرمة في حسب لتركت ذلك منك ، ولكنها تذكرة للعاقل.

يا بنية ، إنه لو استغنت امرأة عن زوج لكنت أغنى الناس عنه ، لكن للرجال خلقن ، كما خلق الرجال لهن.

يا بنية ، إنك قد فارقت الوكر الذي منه خرجت ، وتركت الوطن الذي فيه درجت ، وصرت إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، أصبح بملكه إياك عليك مليكاً ، فكوني له أمة يكن لك عبداً واحفظي عني خصالاً عشراً تكن لك ذكراً وذخراً :

أمّا الاُولى والثانية : فالصحبة له بالقناعة ، والمعاشرة له بحسن السمع والطاعة ، فإن القناعة راحة للقلب والسمع ، والطاعة رضى الرب.

وأمّا الثالثة والرابعة : فالتعهد لموضع عينيه ، والتفقد لموضع أنفه ، فلا تقع عيناه منك على قبيح ، ولا يشم أنفه منك إلاّ طيب ريح ، فإن الكحل أحسن الحسن الموجود ، وان الماء الطيب المفقود.

وأما الخامسة والسادسة : فالتعهد لوقت طعامه ، والهدو حين منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ، وان تنغيص النوم يغضبه.

وأما السابعة والثامنة : فالاحتفاظ ببيته وماله ، والارعاء على حشمه وعياله ، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير ، والارعاء على الحشم والعيال حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة : فلاتفشي له سراً ، ولا تعصي له أمراً ، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني عذره (١) ، وإن عصيت أمره أو غرت صدره.

ثم اتق مع ذلك الفرح لديه ، إذا كان ترحاً ، والإكتئاب عنده إذاكان فرحاَ ، فإن الخلة الاُولى من التقصير ، والثانية من التكدير. وأشد ما تكونين له إعظاماً ، أشد ما يكون لك إكراماَ ، وأشد ما تكونين له موافقة ، أطول ما يكون لك مرافقة.

واعلمي يا بنية إنك لن تصلي إلى ذلك ، حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك ـ فيما أحببت وكرهت ـ وعلى أن تؤثري الضنك على الدعة ، والضيق على السعة ، والله معك يختر لك.

__________________

١ ـ لعله من التعذير في الأمر : أي التقصير فيه « الصحاح ـ عذر ـ ٢ : ٧٤٠ » ، أو ان الكلمة مصحفة صحتها « غدره ».

١٨٨

باب وصية النبي صلى الله عليه لأبي ذر (١)

قال أبو الأسود الدؤلي : حدثني أبو ذر قال : دخلت ذات يوم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلاّ رسول الله وعلي صلى الله عليه جالس إلى جانبه ، فاغتنمت خلوة المسجد فقلت : يا رسول الله ـ بأبي أنت واُمي ـ أوصني بوصية ينفعني الله بها ، فقال : « نعم ، وأكرم بك.

يا أباذر ، اعبد الله كأنك تراه ، فإن كنت لاتراه فإنه عز وجل يراك.

واعلم ان اول عبادة الله المعرفة به أنه الأول قبل كل شيء فلا شيء قبله ، والفرد فلا ثاني معه ، والباقي لا إلى غاية ، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شيء ، وهو اللطيف الخبير ، وهو على كل شيء قدير.

ثم الايمان بي ، والاقرار بأن الله عز وجل أرسلني إلى كافة الناس بشيراً ونذيراً وداعياُ إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

واعلم ـ يا أباذر ـ أن الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح ، من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان امناً.

يا أباذر ، إحفظ عني ما اُوصيك به ، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.

يا أباذر ، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ.

يا أباذر ، اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل مماتك.

يا أباذر ، إياك والتسويف بأملك ، فإنك بيومك ولست بما بعده ، فإن يك غداً لك تكون في الغد كما كنت في اليوم ، وإن لم يك غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.

يا أباذر ، كم من مستقبل يوماً لايستكمله ، ومنتظرغداً لايبلغه.

يا أباذر ، لو نظرت إلى الأجل ومسيره ، لأبغضت الأمل وغروره.

__________________

١ ـ وردت الوصية في أمالي الطوسي : ٢ : ١٣٨ ، ومكارم الأخلاق : ٤٥٨ ، وتنبيه الخواطر : ٢ : ٥١ ، بأختلاف يسير.

١٨٩

يا أباذر ، كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل ، وعد نفسك في أهل القبور.

يا أباذر ، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك قبل سقمك ، ومن حياتك قبل مماتك ، فإنك لاتدري ما اسمك غداً.

يا أباذر ، إياك أن تدرك الصرعة عند العثرة ، فلا تمكن من الرجعة ، ولايحمدك من خلفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما فيه إشتغلت.

يا أباذر ما رأيت كالنار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها.

يا أباذر ، كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.

يا أباذر ، هل ينتظرأحد إلا غنى مطغياً (١) ، أوفقراً منسياً ، أو مرضاً مزمناَ ، أوهرماً مفنياً ، أو موتاً مجهداً ، أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر!

يا أباذر ، إن شر الناس عندالله ـ جل ثناؤه ـ يوم القيامة ، عالم لاينتفع بعلمه ، ومن طلب علماً ليصرف به وجوه الناس إليه ، لم يجد ريح الجنة.

يا أباذر ، إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل : لا أعلم ، تنج من تبعته. ولا تفت الناس بما لاعلم لك به ، تنج من عذاب يوم القيامة.

يا أباذر ، يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون : كنا نأمر بالمعروف ولانفعله

يا أباذر ، إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها (٢) العباد ، وإن نعم الله عز وجل أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن امسوا تائبين ، وأصبحوا يائسين.

يا أباذر ، إنكم في ممر الليل والنهار ، في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمن يزرع خيراً يوشك أن (٣) يحصد رغبة ، ومن يزرع سوءاً يوشك أن يحصد (٤)

__________________

١ ـ في الأصل والأمالي : مطيعاً ، وما أثبتناه من مكارم الأخلاق.

٢ ـ في الأصل : به ، وما أثبتناه من الأمالي.

٣ ـ في الأصل زيادة : كان.

٤ ـ في الأصل تزرع ، وما أثبتناه من الأمالي.

١٩٠

ندامة ، ولكل زارع مازرع.

يا أباذر ، لايسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص مالم يقدرله ، ومن اُعطي خيراً فالله عز وجل أعطاه ، ومن وقي شراً فالله عز وجل وقاه.

يا أباذر ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة.

يا أباذر ، إن المؤمن ليرى (١)ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه ، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرّ على أنفه.

يا أباذر ، إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه ممثّلة.

يا أباذر ، لاتنظرإلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت.

يا أباذر ، إن نفس المؤمن أشد تقلباً وخيفة من العصفور حين يقذف به [ في ] (٣) شرك.

يا أباذر ، إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

يا أباذر ، إنك إذا طلبت شيئاً من أمر الدنيا وابتغيته وعسر عليك ، فإنك على حال حسنة.

يا أباذر ، لاتنطق فيما لايعنيك فإنك لست منه في شيء ، واخزن لسانك كما تخزن رزقك.

يا أباذر ، إن الله جل ثناؤه ليدخل قوماً الجنة فيعطيهم حتى تنتهي أمانيهم ، وفوقهم قوم في الدرجات العلى ، فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون : ربنا ، إخواننا كنا معهم في الدنيا ، فبم فضلتهم علينا؟ فيقال : هيهات ، فإنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويظمأون حين تروون ، ويقومون حين تنامون ، ويشخصون حين تخفضون (٣).

يا أباذر ، إن الله تعالى جعل قرة عيني في الصلاة ، وحببها إليّ كما حبب إلى الجائع الطعام ، وإلى الظمآن الماء ، وإن الجائع إذا أكل الطعام شبع ، وإذا شرب روي ، وأنا لا أشبع من الصلاة.

يا أباذر ، إنّ الله عزّ وجلّ بعث عيسى بن مريم بالرهبانية وبعثت بالحنيفية السمحة ، وحبب إليّ النساء والطيب ، وجعل في الصلاة قرّة عيني.

__________________

١ ـ في الأصل الذي ، وما أثبتناه من الأمالي.

٢ ـ أثبتناه من الأمالي.

٣ ـ في الأصل : ويسمحون حين تحفظون ، وما أثبتناه من الأمالي.

١٩١

يا أباذر أيما رجل تطوع في كلّ يوم باثنتي عشر ركعة سوى المكتوبة كان له حقاً واجباً بيتاً في الجنة.

يا أباذر وصلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره ، وأفضل من هذا كلّه صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لايراه إلا الله عزّ وجلّ يطلب بها وجه الله عز وجلّ.

يا أباذر ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الله ، ومن يكثرمن قرع باب الملك يفتح له.

يا أباذر ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة إلاّ تناثر عليه البر مابينه وبين العرش ، ووكل به ملك ينادي : يا أبن ادم لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما سئمت ولا التفت.

يا أباذر طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون إلى الجنّة ، ألا وهم السابقون إلى المساجد بالأسحار وغيرها.

يا أباذر لاتجعل بيتك قبراً ، واجعل فيه صلاتك تضيء لك قبرك.

يا أباذر الصلاة (١) عماد الدين واللسان أكبر ، والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر.

يا أباذر الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض ، وإنّ العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع (٢) لذلك فيقول : ما هذا؟ فيقال : هذا نور أخيك المؤمن. فيقول : هذا أخي فلان كنّا نعمل جميعاً في الدنيا وقد فضّل عليّ هكذا؟ فيقال : إنّه كان أفضل منك عملاَ ثم يجعل في قلبه الرضى حتى يرضى.

يا أباذر الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وما أصبح فيها مؤمن إلاّ وهو حزين ، وكيف لايحزن وقد أوعده الله أنّه وارد جهنم ولم يعده أنّه صادر عنها.

يا أباذر من اُوتي من العلم مالا يعمل به لحقيق أن يكون اُوتي علماً لاينفعه الله به لأنّ الله عز وجلّ نعت العلم فقال : ( إنّ الذين أؤتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّداً * ويقولون سبحان ربّنا ان كان وعد ربّنا لمفعولاً * ويخرّون للأذقان

__________________

١ ـ في الأصل : الكلام ، وما أثبتناه من أمالي الطوسي.

٢ ـ في أمالي الطوسي : فيفرح.

١٩٢

يبكون ) (١) من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباكى.

يا أباذر ان القلب القاسي بعيد من الله ولكن لايشعرون.

يا أباذر ما من خطيب إلاّ عرضت له خطبته يوم القيامة وما أراد بها.

يا أباذر فضل صلاة النافلة تفعل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة.

يا أباذر ما يتقرّب العبد إلى الله بشيء أفضل من السجود الخفي.

يا أباذر اذكرالله ذكراً خالصاً. قلت : يا رسول الله وما الخالص؟ قال : الذكر الخفي.

يا أباذر يقول الله تعالى : لا أجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له أمنين فإذا أمن أخفته يوم القيامة وإذا خافني امنته يوم القيامة.

يا أباذر لو أنّ رجلاً كان له مثل عمل سبعين نبياً لاحتقره وخشي ان لاينجو من شر يوم القيامة.

يا أباذر إنّ الرجل لتعرض عليه ذنوبه يوم القيامة ، فيقول أما إنّي قد كنت مشفقاً فيغفر له.

يا أباذر إنّ الرجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها ، فيعمل المحقرات فيأتي الله وهو من الأشقياء ، وإنّ الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها فيأتي الله عز وجلّ آمناً يوم القيامة.

يا أباذر إنّ العبد ليذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنة ، قلت : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال : يكون ذلك الذنب نصب عينه تائباً منه فازعاً حتى يدخل الجنة.

يا أباذر إنّ الكيّس من النار من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والفاجرمن اتبع نفسه هواها وتمنّى على الله عز وجلّ الأماني.

يا أباذر إنّ الله عز وجل أوّل شيء يرفع من هذه الاُمة الأمانة والخشوع حتى لايكاد يرى خاشعاً.

يا أباذر والذي نفس محمّد بيده لو أنّ الدنيا كانت تعادل عند الله جناح بعوضة ما سقى الفاجر منها شربة من ماء.

__________________

١ ـ الإسراء ١٧ : ١٠٧ ـ ١٠٩.

١٩٣

يا أباذر الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلاّ ما يبتغى به وجه الله.

يا أباذر ما من شيء أبغض الى الله من الدنيا خلقها ثم أعرض عنها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة.

وما من شيء أحبّ إلى الله عز وجل من إيمان به وترك ما أمر به أن يترك.

يا أباذر إنّ الله جلّ ثناؤه أوحى إلى أخي عيسى عليه‌السلام : لا تحبّ الدنيا فإني لا أحبها وحبّ الاخرة فإنها هي دار المعاد.

[ يا اباذر ] (١) إنّ جبرئيل عليه‌السلام أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال : يا محمّد هذه خزائن الدنيا ولا ينقصك من حظّك شيئاً عنده (٢) ، قال : فقلت : حبيبي جبرئيل لاحاجة لي فيها ، إذا جعت سألت ربِّي وإذا شبعت شكرته.

يا أباذر إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين ، وزهده في الدنيا ، وبصّره عيوب نفسه.

يا أباذر ، ما زهد عبد في الدنيا إلاّ أثبت الله عز وجل الحكمة في قلبه ، وأنطقبها لسانه ، وبصّره عيوب نفسه والدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دارالسلام.

يا أباذر ، إذا رأيت أخاك قد (٣) زهد في الدنيا ، فاستمع منه فإنه يلقي إليك الحكمة.

فقلت : يا رسول الله ، من أزهد الناس؟

قال : من لم ينس المقابر والبلى ، وترك مايفنى لما يبقى ، ومن لم يعد غداً من أيامه ، وعد نفسه في الموتى.

يا أباذر ، لم يوح إليَّ أن اجمع المال إلى المال ، ولكن اوحي اليَّ أن سبح بحمدي وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.

يا أباذر ، إني البس الغليظ ، وأجلس على الأرض ، وأركب الحمار بغيرسرج ،

__________________

١ ـ أثبتناه من أمالي الطوسي.

٢ ـ في الأمالي : عند ربك تعالى.

٣ ـ في الأصل : به ، وما أثبتناه من الأمالي.

١٩٤

وأردف خلفي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

يا أباذر ، حب المال والشرف مذهبة لدين الرجل.

فقلت : يا رسول الله ، الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً ، يسبقون الناس إلى الجنة؟

فقال : لا ، ولكن فقراء المؤمنين ، فأنهم يأتون فيتخطٌون رقاب الناس ، فيقول لهم خزنة الجنة : كما أنتم حتى تحاسبوا. فيقولون : بما نحاسب! فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ، ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط ، وكنا نعبد ربنا حتى أتانا اليقين.

يا أباذر ، الدنيا مشغلة القلب والبدن ، وإن الله عز وجل يسأل أهل الدنيا عما يعملون في حلالها ، وكيف ينعمون في حرامها؟.

يا أباذر ، إني سألت الله عز وجل أن يجعل رزق من أحبني الكفاف ، ويعطي من يبغضني المال والولد.

يا أباذر ، طوبى للزاهدين في الدنيا ، والراغبين في الاخرة ، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً ، وترابها فراشاً ، وماءها طيباً ، واتخذوا الكتاب شعاراً ، والدعاء لله عز وجل دثاراً.

يا أباذر ، إن ربي تبارك وتعالى أخبرني فقال : وعزتي وجلالي ، ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئاً وإني لأبنين لهم في الرفيق الأعلى قصراً لايشركهم فيه أحد.

قال : فقلت : يا رسول الله ، أي المؤمنين أكيس؟

فقال : أكثرهم للموت ذكراً ، وأحسنهم له استعداداً.

يا أباذر ، إذا دخل النور القلب انفتح القلب واتسع واستوسع.

قلت : فما علامة ذلك ـ بأبي أنت واُمي ـ يا رسول الله؟

قال : الإنابة إلى دارالخلود والتجافي عن دار الغرور ، والإستعداد للموت قبل نزوله.

يا أباذر ، اتق الله ، ولا يرى الناس أنك تخشاه فيكرموك وقلبك فاجر.

يا اباذر ، ليكن لك فى كل شيء نية [ صالحة حتى ] (١) في النوم والأكل.

__________________

١ ـ أثبتناه من مكارم الأخلاق.

١٩٥

يا أباذر ، ليعظم جلال الله في صدرك ، فلا تذكره كما يذكره الجاهل ، عند الكلب : اللهم اخزه ، وعند الخنزير : [ اللهم ] (١) اخزه.

يا أباذر ، إن لله عز وجل ملائكة قياماً ـ في خيفة ـ ما يرفعون رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الاخرة ، فيقولون : سبحانك وبحمدك ، ما عبدناك كما ينبغي لكأن تعبد. فلو كان لرجل عمل سبعين صدّيقاً ، لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ ، ولو أن دلواً صب من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها ، ولو زفرتزفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلاّ خر جاثياً لركبتيه يقول : رب نفسي نفسي ، حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما‌السلام يقول : يا رب أنا خليلك فلا تنسني.

يا أباذر ، لوأن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض ، ولو أن ثوباً من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم.

يا أباذر ، اخفض صوتك عند الجنائز ، وعند القتال ، وعند القرآن.

يا أباذر ، إذا اتبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكر والخشوع ، واعلم أنك لاحق بها.

يا أباذر ، إعلم ان فيكم خلقين : الضحك من غيرعجب ، والكسل من غير سهر.

يا أباذر ، ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساه.

يا أباذر ، الحق ثقيل مر ، والباطل خفيف حلو ، ورب شهوة ساعة تورث حزناً طويلاً.

يا أباذر ، لايفقه الرجل كل الفقه ، حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون هوأحقر حاقر لها.

يا أباذر ، لايصيب الرجل حقيقة الايمان ، حتى يرى الناس كلهم عقلاء في دنياهم سفهاء في دينهم.

يا أباذر ، حاسب نفسك قبل أن تُحاسب ، فإنه أهون لحسابك غداً وزن نفسك قبل أن توزن ، وتجهز للعرض الاكبر ، يوم تعرض لاتخفى على الله منك خافية.

يا أباذر ، استحي من الله ، فإني ـ والذي نفسي بيده ـ لأظل حين أذهب إلى

__________________

١ ـ أثبتناه من مكارم الاخلاق.

١٩٦

الغائط متقنّعاً بثوبي استحياءً من الملائكة الذين معي.

يا أباذر ، أتحب أن تدخل الجنة؟

قلت : نعم ، فداك أبي واُمي.

قال : اقصر من الأمل ، واجعل الموت نصب عينك ، واستحي من الله حق الحياء.

قلت : يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله.

قال : ليس كذلك الحياء ، ولكن الحياء من الله أن لا تنسى الموت والمقابر والبلى ، وتحفظ الجوف وما وعى ، والرأس وما حوى ، فمن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا ، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله عز وجل.

يا أباذر ، يكفي من الدعاء مع البر كما يكفي الطعام من الملح.

يا أباذر ، مثل الذي يدعو بغيرعمل ، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

يا أباذر ، إن الله تعالى يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه الله في دويرته والدور التي حوله مادام فيهم.

يا أباذر ، إن ربكم عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر :

رجل يصبح في أرض قفر ، فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول ربك عز وجل للملائكة : اُنظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملكاً يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم.

ورجل قام من الليل يصلي وحده ، فسجد ونام وهوساجد ، فيقول : اُنظروا إلى عبدي ، روحه عندي وجسده ساجد.

ورجل في زحف ، فيفر أصحابه ويثبت وهو يقاتل حتى قتل.

يا أباذر ، مامن رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض ، إلاّ شهدت له يوم القيامة ، وما بها من منزل ينزل قوم ، إلاّ أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.

يا أباذر ، ما من صباح ولا رواح إلاّ وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً : ياجارة ، هل مربك ذاكر لله عزوجل ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة : نعم. فإذا قالت : نعم ، اهتزت وابتهجت ، وترى أن لها فضلاً على جارتها.

يا أباذر ، إن الله تعالى لما خلق الأرض وخلق مافيها (١) من الشجر ، لم يكن في

__________________

١ ـ في الأصل : ما بينهما ، وما أثبتناه من الأمالي.

١٩٧

الأرض شجرة يأتيها بنو ادم إلا أصابوا فيها منفعة ، فلم يزل الشجر والأرض كذلك حتى تكلم فجرة بني اسرائيل بالكلمة العظيمة ـ قولهم : اتخذ الله ولداً ـ سبحانه! فلما قالوا اقشعرت الأرض وذهبت بالمنفعة.

يا أباذر ، ما من شاب يدع لذة الدنيا ولهوها ، وأهرم شبابه في طاعة الله ، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاَ.

يا أباذر ، الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خيرمن جليس السوء ، وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشريا أباذر ، لاتصاحب إلاّ مؤمناً ، ولا يأكل معك إلا تقي ، ولا تأكل طعاماً للفاسقين.

يا أباذر ، أطعم طعامك من تحبه في الله تعالى ، وكل طعام من يحبك في الله.

يا أباذر ، إن الله عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ ، وليعلم ما يقول.

يا أباذر ، اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أباذر ، كفى بالمرء كذبا أن يتحدث بكل ما يسمع.

با أباذر ، ما من شيء أحق بغلول السجن من اللسان.

يا أباذر ، إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وإكرام حملة القران والعاملين به ، وإكرام السلطان المقسط.

يا أباذر ، لا تكن عيّاباً ، ولا مدّاحاً [ ولا ] (١) طعّاناً ، ولا ممارياَ.

يا أباذر ، لايزال العبد يزداد من الله بعداً ما نسي خالقه.

يا أباذر ، من أجاب داعي الله عز وجل ، وأحسن عمارة مساجد الله ، كان ثوابه من الله تعالى الجنة.

فقلت : بأبي أنت واُمي يا رسول الله ، كيف تعمر مساجد الله؟

فقال : لاترفع فيها الأصوات ، ولا يخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولايباع ، واترك اللغو مادمت فيها ، فإن لم تفعل فلا تلو من ـ يوم القيامة ـ إلا نفسك.

يا أباذر ، إن الله يعطيك مادمت جالساً في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة ، ويكتب لك بكل نفس تتنفس فيه عشر حسنات

__________________

١ ـ أثبتناه من مكارم الأخلاق.

١٩٨

ويمحى عنك عشر سيئات ، كل جلوس في المسجد لغو إلاّ ثلاثة ، قراءة مصل ، أو ذكر الله ، أو مسائل عن علم.

يا أباذر ، كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماماً منك بالعمل لغيره ، فإنه لا يقل عمل بالتقوىَ ، وكيف يقل عمل يتقبل! يقول الله عز وجل : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) (١).

يا أباذر ، لايكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك ، فيعلم من أين مطعمه ومشربه؟ ومن أين ملبسه؟ أمن حِلّ أو من حرام؟

يا أباذر ، من لم يبال من أين اكتسب المال ، لم يبال الله من أين أدخله النار.

يا أباذر ، من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل.

يا أباذر ، أحبكم إلى الله ـ جل ثناؤه ـ أكثركم ذكراً له ، وأكرمكم عندالله أتقاكم له ، وأنجاكم من عذاب الله أشدكم خوفاً له.

يا أباذر ، إن المتقين الذين يتقون الله من الشيء الذي لايتقى (٢) منه ، خوفاً من الدخول في الشبهة.

يا أباذر ، من أطاع الله ـ عز وجل ـ فقد ذكرالله ، وإن قلت صلا ته وصيامه وتلاوته للقرآن.

يا أباذر ، أصل الدين الورع ، ورأسه الطاعة.

يا أباذر ، كن ورعاً تكن أعبد الناس ، خير دينكم الورع.

يا أباذر ، فضل العلم خير من فضل العبادة.

واعلم أنكَم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا ، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ، ما نفعكم ذلك إلا بورع.

يا أباذر ، إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقاً.

يا أباذر ، من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر.

فقلت : وما الثلاث ـ فداك أبي واُمي ـ يا رسول الله؟

قال : ورع يحجزه عمّا حرم الله عليه ، وحلم يرد به جهل السفيه ، وخلق يداري به الناس.

__________________

١ ـ المائدة ٥ : ٢٧.

٢ ـ في الأصل : لايبقي ، وما أثبتناه من المكارم.

١٩٩

يا أباذر ، إن سَرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإن سَرّك أن تكون أعز الناس فتوكل على الله ، وإن سَرّك أن تكون أكرم الناس فاتّقِ الله عز وجل ، وإن سَرّك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجلّ أوثق منك بما في يديك.

يا أباذر ، لوأن الناس كلهم أخذوا بهذه الاية لكفتهم : ( ومن يتق الله يجعل لهم خرجاً ، ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ) (١).

يا أباذر ، يقول الله تعالى : لا يؤثرعبد هواي على هواه ، إلا جعلت غناه في نفسه ، وهمومه في آخرته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكففت عليه صنعته (٢) ، وكنت له خيراً من تجارة كل تاجر.

يا أباذر ، لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت ، لأدركه رزقه كما يدركه الموت.

يا أباذر ، ألا اُعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟

قلت : بلى يا رسول الله.

فقال : احفظ الله يحفضك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى الله تعالى في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. ولو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك ماقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله تعالى بالرضا في اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فاصطبر فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً.

يا أباذر ، استغن بغنى الله يغنك الله.

قلت : وما هو يارسول الله؟ قال : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله ـ يا أباذر ـ فهو من أغنى الناس.

يا أباذر ، إن الله ـ جل ثناؤه ـ يقول : إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ، ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما اُحب وأرضى ، جعلت صمته حمداً لي

__________________

١ ـ الطلاق ٦٥ : ٢ ، ٣.

٢ ـ في المكارم : ضيقه ، وفي تنبيه الخواطر : ضيعته ، قال الطريحي في مجمع البحرين ـ كفف ـ ٥ : ١١٣ : وفي الحديث القدسي « ولا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته » كأن المعنى أغنيته فيها عن الحاجة إلى غيرها.

٢٠٠