أعلام الدين في صفات المؤمنين

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي

أعلام الدين في صفات المؤمنين

المؤلف:

الشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٢
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: ٥٣٢

لا يعمل شيئاً من الخير رياء ، ولا يتركه حياءً ، الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، إن كان بين الغافلين كّتب من الذاكرين ، وإن كان بين الذاكرين لم يكتب من الغافلين.

يعفو عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، قريباً معروفه ، صادق قوله ، حسن فعله ، مقبل خيره ، مدبر شره ، غائب مكره ، في الزلازل وقور ، وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على ما يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا يدّعي ما ليس له ، ولا يجحد ما عليه ، يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه ، لا يضيع ما استحفظ ، ولا ينابز بالألقاب ، لا يبغي على أحد ، ولا يغلبه الحسد ، ولا يضار بالجار ، ولايشمت بالمصاب ، مؤد للأمانات ، عامل بالطاعات ، سريع إلى الخيرات ، بطيء عن المنكرات ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويجتنبه ، لا يدخل فى الأمور بجهل ، ولا يخرج من الحق بعجز ، إن صمت لم يعبه الصمت ، وإن نطق لم يعبه اللفظ ، وإن ضحك لم يعلُ به صوته ، قانع بالذي قدر له ، لا يجمح به الغيظ ، ولا يغلبه الهوى ، ولايقهره الشح.

يخالط الناس ليعلم ويفارقهم ليسلم ، يتكلم ليغنم ، ويسأل ليفهم ، نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، أراح الناس من نفسه ، وأتعبها لآخرته ، إن بُغي عليه صبر ليكون الله هو المنتصر له ، يقتدي بمن سلف من أهل الخير قبله ، فهو قدوة لمن خلف من طالب البر بعده.

اُولئك عمال الله ، ومطايا أمره وطاعته وسرج أرضه وبريته ، اُولئك شيعتنا وأحبتنا ، ألا ، ها شوقاً إليهم ».

فصاح همام بن عبادة صيحة ووقع مغشياً عليه ، فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه. واستعبر الربيع باكياً وقال : لأسرع ما أودت موعظتك ـ يا أمير المؤمنين ـ بابن أخي ، ولوددت اني بمكانه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها ، أما ـ والله ـ لقد كنت أخافها عليه ».

فقال له قائل : فما بالك أنت يا أمير المؤنين؟

فقال : « ويحك ، ان لكل واحد أجلاً لن يعدوه ، وسبباَ لن يتجاوزه ، فمهلاَ لا تعدلها ، فإنما نفثها على لسانك الشيطان ».

١٤١

قال : فصلى عليه أمير المؤمنين عشية ذلك اليوم وشهد جنازته ، ونحن معه.

قال الراوي عن نوف : فصرت إلى الربيع بن خيثم فذكرت له ما حدثني نوف ، فبكى الربيع حتى كادت نفسه أن تغيظ ، وقال : صدق أخي ، لا جرم ان موعظة أمير المؤمنين وكلامه ذلك مني بمرأىً ومسمع ، وما ذكرت ما كان من همام بن عبادة ـ يومئذ ـ وأنا في بُلَهْنية (١) إلا كدرها ، ولا شدة إلا فرّجها (٢).

وروى الفضيل بن يسار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن شيعة علي عليه‌السلام كانوا المنظور إليهم ، وأصحاب الودائع في الودائع ، مرضيين عند الناس ، شهب الليل مصابيح النهار ».

وقال عليه‌السلام : « الناس ثلاثة أصناف : صنف تزينوا بنا ، وصنف أكلوا بنا ، وصنف اهتدوا بهدانا واقتدوا بأمرنا ، وهم أقل الأصناف ، اُولئك الحكماء السعداء النجباء الفقهاء العلماء الحلماء ».

وقال أبو جعفر عليه‌السلام للفضيل بن يسار : « يا فضيل ، تأتي الجبل تنحت منه ، والمؤمن لا يستقل منه شيء ».

قال عليه‌السلام لأبي المقدام؟ « إنما شيعة على الشاحبون الناحلون الذابلون ، ذابلة شفاههم ، مصفرة وجوههم ، متغيرة ألوانهم ، خميصة بطونهم ، إذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً ، وترابها بساطاً ، وماءها طيباً ، والقران شعاراً ، والدعاء دثاراً ، كثير سجودهم ، غزيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم ، كثير بكاؤهم ، يفرح الناس وهم محزونون ، (٤).

__________________

١ ـ بلهنية من العيش : سعة ورفاهية « القاموس المحيط ـ بلهن ـ ٤ : ٢٠٣ ».

٢ ـ كنز الفوائد : ٣٠ ـ ٣٤.

٣ ـ في الأصل : الفضيل بن بشار ، وهو تصحيف ، صوابه ما أثبتناه في المتن ، وهو الفضيل بن يسار النهدي ، عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام تارة ، ومن أصحاب ألصادق عليه‌السلام تارة اُخرى ، وعده الشيخ المفيد في الرسالة العددية من الفقهاء والاعلام المأخوذ منهم ألحلال والحرام وألفتا في الأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذم واحد منهم ، مات في حياة أبي عبد الله عليه‌السلام. اُنظر « رجاك الشيخ : ١٣٢ رقم ١ و ٢٧١ رقم ١٥ ، رجال النجاشي : ٢١٥ ، مجمع الرجال ٥ : ٣٦ ، معجم رجال الحديث ١٣ : ٣٣٥ ».

٤ ـ الخصال : ٤٤٤ / ٤٠.

١٤٢

وقال جابر بن يزيد الجعفي : دخلت على مولاي أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال : « يا جابر ، ليس من انتحل التشيع وحبنا أهل البيت بلسانه كان من شيعتنا ، فلا تذهبن بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه ، إن شيعتنا لا يطمعون طمع الغراب ، ولايهرون هرير الكلاب ، وإن شيعتنا أهل التواضع والتخشع ، والتعبد والورع والاجتهاد ، وتعهد الأخوان ، ومواصلة الجيران والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والغارمين ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الأرحام ، وتلاوة القران ، وكثرة الذكر لله تعالى ، وكف الألسن إلاّ من خير ».

فقال جابر : يا مولاي ، ما أعرف أحداً اليوم بهذه الصفات.

فقال : « يا جابر ، حَسِبَ الرجل ان يقول اُحب علياً وأتولاه ، ولا يكون مع ذلك عاملاً بقوله! فلو قال : اُحب رسول الله ـ فرسول الله خير من علي ـ ولم يتبع سيرته ، ولم يعمل بسنته ، ما أغنى عنه ذلك من الله شيئاً ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، فإن أحب العباد إلى الله أعملهم بطاعته وأتقاهم له ، وإنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، وما معنا براءة من النار ، ولا لنا على الله من حجة ، من كان طائعاً لله فهو لنا ولي ولو كان عبداً حبشياً ، ومن كان عاصيا لله فهو لنا عدو وإن كان حراً قرشياً.

والله ما تنال شفاعتنا الا بالتقوى والورع والعمل الصالح ، والجد والإجتهاد ، فلا تغتروا بالعمل ويسقط عنكم (١) ، فاذن أنتم أعز على الله منا ، فاتقوا الله وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا لنا شيناً ، قولوا للناس حسناً ، حببونا إلى الناس ولا تبغضونا إليهم ، قولوا فينا كل خير ، وادفعوا عنا كل قبيح ، وجروا إلينا كل مودة ، فما قيل فينا من خير فنحن أهله ، وما قيل فينا من شر فلسنا كذلك ، لنا حق في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وولادة طاهرة طيبة ، فهكذا قولوا ، ولا تعدوا بنا أقدارنا ، فإنما نحن عبيد الله مربوبون ، لانملك إلاّ ما ملكنا ، ولا نأخذ إلاّ ما أعطانا ، لا نستطيع لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، لا والله لا أعلم ـ أنا ، ولا أحد من آبائي ـ الغيب ، ولا يعلم الغيب إلاّ الله ، كما قال سبحانه : (إن الله عنده علم الساعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) (٢) ».

__________________

١ ـ كذا في الأصل ، والظاهر أن المراد : فلا تغتروا بأن العمل يسقط عنكم.

٢ ـ لقمان ٣١ : ٣٤.

١٤٣

وقال عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : « يا محمد ، لا تذهبن بكم المذاهب ، فوالله ما شيعتنا منكم إلا من أطاع الله » (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الإيمان في عشر خصال : المعرفة ، والطاعة ، والعلم ، والعمل ، والورع ، والاجتهاد ، والصبر ، والصدق ، والرضا ، والتسليم ، فمتى فقد صاحبهاواحدة منها انفك نظامه » (٢).

وقال عليه واله السلام : « خمس لا يجتمعن إلاّ في مؤمن حقاً يوجب الله له بهن الجنة : الفقه في الإسلام ، والورع في الدين ، والنور في القلب ، وحسن السمت في الوجه ، والمودة في الناس » (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن في الفردوس لعيناً ماؤها أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأطيب من المسك ، فيها طينة طيبة خلقنا الله منها ، وخلق شيعتنا من فضلتها ، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا ، وهي الميثاق الذي أخذ الله ـ تعالى ذكره ـ عليه ولاية علي وأهل بيته عليهم‌السلام » (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يكمل المؤمن الإيمان حتى يكون فيه خمس خصال : التوكل على الله ، والتفويض إلى الله ، والتسليم لأمر الله ، والصبر على بلاء الله ، والرضا بقضاء الله ، إنه من أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنع في إلله ، فقد استكمل الأيمان ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيها الناس ، إن العبد لا يكتب في المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه ، ولا ينال درجة ألمؤمنين حتى يسلم أخوه من بوائقه وجاره من بوادره ، ولا يعدّ في المتقين حتى [ لا ] (٥) يقول مالا بأس به حذار ما به البأس.

أيها الناس ، إنه من خاف البيات أدلج ، ومن أجدّ في السير وصل ، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم لوقد طويت صحائف اجالكم ».

وروى نوف البكالي قال : سمعت مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يقول :

__________________

١ ـ تنبيه الخواطر ٢ : ١٨٥.

٢ ـ كنز الفوائد : ١٨٥.

٣ ـ كنز الفوائد : ١٨٤.

٤ ـ أمالي الطوسي ٢ : ٢٦٩.

٥ ـ أثبتناه لضرورة السياق.

١٤٤

« خلقنا من طينة ، وخلق شيعتنا من فضل طينتنا ، فإذا [ كان يوم القيامة ] (١) الحقوا بنا ».

فقلت : يا أمير المؤمنين ، صف لي شيعتك ، فبكى عليه‌السلام ، ثم قال : « شيعتي ـ والله ـ الحلماء الحكماء ، العلماء بالله وبدينه ، العاملون بأمره ، المهتدون بطاعته ، أحلاس عبادة ، وانضاء زهادة ، صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، مصابيح كل ظلمة ، وربحان كل قبيله ، تعرف الزهادة من سيماهم ، والرهبانية في وجوههم ، لا يسبون من المسلمين خلقاً ، ولا يقتفون منهم اثرا ، شرورهم مأمونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، وقلوبهم محزونة ، فهم الأكايس (٢) الألباء ، الخلصاء النجباء ، الرّواعون فراراً بدينهم ، الذين إنشهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، اولئك شيعتي الأطيبون ، وإخواني الأكرمون ، ألا ، ها شوقاً إلى رؤيتهم » (٣).

وروى عبد الله بن عباس ، قال لي الحسين بن علي عليهما‌السلام : « يا بن عباس ، لا تتكلمن بما لا يعنيك فإنني أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن بما يعنيك حتى ترى له موضعاً ، فربّ متكلم قد تكلم بحق فعيب ، ولا تمارين حليماً ولا سفيهاً ، فإن الحليم يقليك ، والسفيه يرديك ، ولا تقولن خلف أحد إذا توارى عنك ، إلاّ مثل ما تحب أن يقول عنك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل عبد يعلم أنه مأخوذ بالإجرام مجزي بالأحسان ، والسلام » (٤).

وقال علي بن الحسين : « إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فما كل من تسمعه نكراَ ، يمكنك أن توسعه عذراً ».

وروي أن بعض الأنصار حضرته الوفاة ، فأوصى ولداً له فقال : يا بني ، احفظ وصيتي ، فإنك إن لم تحفظها مني ، كنت خليقاً أن لاتحفظها من غيري.

يا بني ، اتق الله ، وإن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك أمس ، وغداً خيراً منك اليوم ، وإن عثر عاثر من الناس فاحمد الله أن لا تكونه ، وإياك والطمع فإنه فقر

__________________

١ ـ أثبتناه من تنبيه الخواطر.

٢ ـ الأكياس ، من الكيس : وهو العقل والفطنة « القاموس المحيط ـ كيس ـ ٢ : ٢٤٧ ».

٣ ـ تنبيه الخواطر ٢ : ٧٠ ، باختلاف يسير.

٤ ـ كنز الفوائد : ١٩٤.

١٤٥

حاضر ، وعليك باليأس فإنك إن تأيس من شيء إلاّ أغناك الله عنه ، وإياك وما يعتذر منه ، فإنه لا يعتذر من كل خير ، وإذا صليت فصلّ صلاة مودع ، وأنت ترى انك لا تبقى لصلاة بعدها أبداً ».

ومن كتاب الكراجكي : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : « كونوا في الدنيا أضيافاَ ، واتخذوا المساجد بيوتاً ، وعوّدوا قلوبكم الرقة ، وأكثروا من التفكر والبكاء من خشية الله ، ولا تختلفن بكم الأهواء ، تبنون مالا تسكنون ، وتجمعون مالا تأكلون ، وتأملون مالا تدركون » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نزل جبريل إليَّ في أحسن صورة فقال : يا محمد ، ربك يقرؤك السلام ، ويقول : إني أوحيت إلى الدنيا : أن تسهلي وبطئي وتيسّري لأعدائي حتى يبغضوا لقائي ، وتشدّدي وتعسّري وتضيقي على أوليائي ليحبّوا لقائي ، فإني جعلت الدنيا سجناً لأوليائي ، وجنة لأعدائي ».

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : « إذا أحب الله تعالى عبداً نصب في قلبه نائحة من الخوف ، وإذا أبغض عبداً جعل في قلبه مزماراً من الضحك ، فإن الله تعالى يحب كل باك حزين ، ما يدخل النار من بكى من خشية الله ، حتى يرجع اللبن الضرع ، ولن يجتمع في منخري مؤمن دخان جهنم وغبار في سبيل الله ».

وروي أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : عظني. فقال له : « لا تكن ممن يرجو الأخرة بغير عمل ، ويؤخر التوبة بطول أمل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل عمل الراغبين ، إن اُعطي لم يشبع ، وإن مُنع لم يقنع ، يعجز عن شكر ما اُوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، يأمر بما لا يأتي ، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، يبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على [ ما ] (٢) يكره الموتله ، إن سقم ظل نادماً ، وإن صحّ أمن لاهياً ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلي ، إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً ، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولايغلبها على ما يستيقن ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله.

إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ١٦٠.

٢ ـ أثبتناه من نهج البلاغة.

١٤٦

عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوّف التوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة ، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرماً والغُرم مغنماً ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر منطاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، يخشى الخلق في غير ربه ، ولا يخشى ربه في (١) خلقه » (٢).

وقال عليه‌السلام : « ذمتي بما أقول رهينة ، وأنا به زعيم ، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات ، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات » (٣).

وقال عليه‌السلام : « كان لي أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً عن سلطان بطنه ، لا يشتهي مالا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتاَ ، فإن قال بذ(٤) القائلين ، ونقع غليل السائلين ، وكان ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جاء الجد فليثٌ عاد ، وصلُّ واد ، لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً ، وكان لايشكو وجعاً إلا عند برئه ، وكان لا يلوم أحداً على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان على أن يسكت أحرص منه على أن يتكلم ، وكان إن غلب على الكلام لم يُغلب على السكوت ، وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها ، فإن لم تستطيعوها فاعلموا إن أخذ القليل خير من ترك الكثير » (٥).

« ولو لم يأمر الله بطاعته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمته » (٦).

____________

١ ـ في الأصل زيادة : غير.

٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ١٨٩ / ١٥٠ ، باختلاف يسير ، ووفيه : قال الرضي : لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى [ به ] موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر.

٣ ـ نهج البلاغة ١ : ٤٢ / ١٥.

٤ ـ بذّ : غلب وفاق « الصحاح ـ بذذ ـ ٢ : ٥٦١ ».

٥ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٢٣ / ٢٨٩.

٦ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٢٤ / ٢٩٠ ، وفيه : لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمه.

١٤٧

ومن كتاب كنز الفوائد : عن أبي سعيد الحذاء قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوصينا ويقول لنا : « سيأتيكم قوم يسألونكم الحديث عني ، فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيرا » (١).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه المؤمن حاجة ، كان كمن خدم الله عمره ».

وعن سلمان الفارسي ـ رحمة الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية ».

وقال عليه‌السلام : « من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه ».

وعنه عليه‌السلام قال : « سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر » (٢).

وقال عليه‌السلام : « مما أدرك الناس من كلام الحكمة : إذا لم تستحي فاعمل ما شئت ».

وقال أبو تمام في ذلك :

إذا لم تخش عاقبة الليالي

ولم تستحي فاصنع ما تشاء

يعيش المرء ما استحيى بخير

ويبقى العود ما بقي اللحاء

فلا والله ما في العيش بخير

ولا الدنيا اذا ذهب الحياء

ومما حفظته من كتاب كنز الفوائد : عن أبي عبيدة الحذاء ، عن اَبي جعفر محمد ابن علي عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله تعالى : لايتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي ، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي ، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي ، فيما يطلبون من كرامتي ، والنعم في جناني ، ورفيع الدرجات العلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا ، وفضلي فليرجوا ، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا ، فإن رحمتي عند ذلك تسعهم (٣) ، وبمنّي اُبلغهم رضواني ومغفرتي ، واُلبسهم عفوي ، فإنّي أنا الله الرحمن الرحيم بذلك تسميت » (٤).

__________________

١ ـ لم نجده في كنزالفوائد.

٢ ـ كنز الفوائد : ٩٧.

٣ ـ في المصدر : تدركهم.

٤ ـ كنزالفوائد : ١٠٠.

١٤٨

وعن عطاء بن يسار (١) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يوقف العبد يوم القيامة بين يدي الله فيقول : قيسوا بين نعمتي عليه وعمله ، فتستغرق النعم العمل ، فيقول : قد وهبت له نعمي عليه ، قيسوا بين الخيروالشر ، فإن استوى العملان ، أذهب الله تعالى الشر بالخير ، وأدخله الجنة ، وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، وإن كان عليه فضل ـ وهو من أهل التقوى ، لم يشرك بالله تعالى ، واتقى الشرك ـ فهو من أهلالمغفرة يغفر الله له برحمته ، ويدخله الجنة إن شاء (٢) بعفوه » (٣).

ومن الكتاب : عن سعد بن خلف ، عن أبي الحسن (٤) عليه‌السلام قال : « عليك بالجد ، ولا تخرجنّ نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته » (٥).

ومن الكتاب : قال عليه‌السلام وآله : « استحيوا من الله حق الحياء ، قيل له : يا رسول الله ، إنا نستحي ، فقال : ليس كذلك ، من استحيى من الله حق الحياء ، فليحفظ الرأس وماحوى ، والبطن وما وعى ، وليذكر الموت والبلى ، ومن أراد الاخرة ، ترك زينة الحياة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء » (٦).

وقال عليه‌السلام : « حب الدنيا رأس كل خطيئة » (٧).

وقال عليه‌السلام : « إنكم لا تنالون ما تحبّون إلا بالصبر على ما تكرهون ، ولاتبلغون ما تأملون إلا بترك ما تشتهون » (٨).

وقال عليه وآله السلام : « إنكم في زمان من ترك عُشر ما اُمر به هلك ،

__________________

١ ـ في الأصل : « بشار » وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ، وهو : عطاء بن يسار ـ بالياء المثناة ـ الهلالي ، أبو محمد المدني القاص مولى ميمونة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان صاحب مواعظ ، روى عن معاذ بن جبل وأبي ذر وغيرهم ، توفي سنة ٩٤ هـ. انظر « تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٧ ، تقريب التهذيب ٢ : ٢٣ / ٢٠٤ ».

٢ ـ في المصدر زيادة : وبتفضل عليه.

٣ ـ كنز الفوائد : ١٥٠.

٤ ـ في الأصل : عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وما أثبتناه من المصدر هو الصواب.

٥ ـ كنز الفوائد : ١٠١.

٦ ـ كنز الفوائد : ٩٨.

٧ ، ٨ ـ كنز الفوائد : ٩٨.

١٤٩

وسيأتي على الناس زمان من عمل به بعشر ما اُمر به نجا » (١).

ومن كتاب قال : دخل ضرار بن ضميرة الليثي (٢) على معاوية بن أبي سفيان ـ حسبه الله ـ يوماً فقال يا ضرار ، صف علياً ، فقال : أو تعفني من ذلك؟ فقال : لا أعفيك.

فقال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فضلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته.

كان ـ والله ـ غزير العبرة (٣) ، طويل الفكرة ، (يحاسب نفسه) (٤) ، ويقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، ويناجي ربه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ماجشب.

كان ـ والله ـ فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، وكنا معدنوه منا قربنا منه ، لا نكلمه لهيبته ، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤِ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد بالله ، لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ ، تململ السليم (٥) ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني : الآن اسمعه هو يقول : « يا دنيا ، يا دنيا ، إليَّ تعرضت ، أم إليّ تشوّقت (٦) : هيهات ، هيهات ، غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد بتتك (١) ثلاثاً لارجعة فيها ، فعمرك

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٩٧.

٢ ـ في ألمصدر : الكافي ، وقد ورد لألفاظ عديدة ، منها في نهج البلاغة ٣ : ١٦٦ / ٧٧ بلفظ : الضبائي ، وفي الشرح الحديدي ١٨ : ٢٢٤ : الضابي ، وفي الاستيعاب ٤٢ : ٣ الصدائي

٣ ـ في المصدر : الدمعة.

٤ ـ ليس في المصدر.

٥ ـ السليم : اللديغ ، كأنهم تفاء لواله بالسلامة « الصحاح ـ سلم ـ ١٩٥٢ : ٥ ».

٦ ـ كذا في الاصل ، والمناسب للسياق : « تشوقت » ، وتشوفت الجارية : تزينت. « الصحاح ـ شوف ـ ٤ : ١٣٨٣ ».

٧ ـ البت : القطع .. ومنه طلقها ثلاثاً بته « الصحاح ـ بتت ـ ١ : ٢٤٢ ».

١٥٠

قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه آه ، من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق ، وعظم المورد » ثم بكى حتى ظننت أن نفسه قد خرجت.

فوكفت دموع معاوية على لحيته [ وجعل ] (١) ينشفها بكمّه ، واختنق القوم بالبكاء ، ثم قال : كان ـ والله ـ أبو الحسن كذلك ، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟قال : صبرت من ذبح واحدها على صدرها ، فهى لا ترقأ عبرتها ، ولا تسكن حرارتها ، ثم قام فخرج وهو باك.

فقال معاوية : أما إنكم لو فقدتموني ، لما كان فيكم من يثني عليّ مثل هذا الثناء.

فقال له بعض من كان حاضراً : الصاحب على قدر صاحبه (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ثلاث درجات ، وثلاث كفارات ، وثلاث موبقات ، وثلاث منجيات ، فالدرجات : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة والناس نيام ، والمهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وأعجاب المرء بنفسه. والمنجيات : خوف الله في السروالعلانية ، والقصد ، في الغنى والفقر ، وكلمة العدل في الأرض والسخط. والكفارات : إسباغ الوضوء في السبرات (٣) ، والمشي بالليل والنهار إلى الصلوات ، والمحافظة على الجماعات ».

وعن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « من صدق لسانه زكا عمله ، ومن حسنت نيته زاد الله في رزقه ، ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره » (٤).

وقال عليه‌السلام : « ثلاث من كن فيه زوجه الله تعالى من الحور العين كيف شاء : كظم الغيض ، والصبر على السيوف في الله ، ورجل أشرف على مال حرام فتركه لله » (٥).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة مجالستهم تميت القلب : مجالسة

__________________

١ ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

٢ ـ كنز الفوائد : ٢٧٠.

٣ ـ ألسبرات : جمع سبرة ، وهي الغداة الباردة « الصحاح ـ سبر ـ ٢ : ٦٧٥ ».

٤ ـ الخصال : ٨٧ / ٢١.

٥ ـ ألخصال : ٨٥ / ١٤.

١٥١

الأنذال ، والحديث مع النساء ، ومجالسة الأغنياء » (١).

وقال عليه‌السلام : « ثلاث فيهن المقت من اللهّ تعالى : نوم من غيرسهر ، وضحك من غيرعجب ، وأكل على الشبع » (٢).

وقال عليه‌السلام : « إن في الجنة درجة لايبلغها إلا ثلاثة : إمام عادل ، وذورحم وصول ، وذوعيال صبور » (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما زالت نعمة عن قوم ولا غضارة عيش إلاّ بذنوب اجترحوها ، فإن الله ليس بظلام للعبيد ، ولو ان الناس حين تزول عنهم النعم وتنزل بهم النقم ، فزعوا إلى الله بولهٍ من أنفسهم ، وصدق من نياتهم ، وخالص من سريراتهم ، لرد عليهم كل شارد ، ولأصلح لهم كل فاسد ».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أحسنوا مجاورة النعم بشكرها والقيام بحقوقها ، ولا تنفروها ، فانها قل ما نفرت عن قوم فعادت إليهم » (٤).

ويقول الله تعالى في بعض كتبه : « إني أنا الله لا إله الا أنا ذو بكة (٥) ، مفقر الزناة ، وتارك تاركي الصلاة عراة » (٦).

وقال عليه‌السلام : « من قال : قبح الله الدنيا ، قالت الدنيا : قبح الله أعصانا لربه. من عفّ عن محارم الله كان عابداً ، ومن رضي بقسم الله كان غنياً ، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلماً ، ومن صاحب الناس بالذي يحب أن يصاحبوه به كان عدلاً » (٧).

وقال عليه وآله السلام : من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، ومن ارتقب

__________________

١ ـ الخصال : ٨٧ / ٢٠

٢ ـ الخصال : ٨٩ / ٢٥.

٣ ـ الخصال : ٩٣ / ٣٩.

٤ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

٥ ـ بكة : اسم من أسماء مكة المكرمة « الصحاح ـ بكك ـ ٤ : ١٥٧٦ ».

٦ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

٧ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

١٥٢

الموت سارع في الخيرات » (١).

وقال عليه وآله السلام : « اجتهدوا في العمل ، فإن قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي » (٢).

* * *

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

٢ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

١٥٣

فصل : فيما جاء في الخصال

قال رجل لأحد الزهاد : أوصني ، فقال : اُوصيك بخصلة واحدة ، إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما (١).

ولقي حكيم حكيماً ، فقال له : عظني وأوجز ، قال : عليك بخصلتين : لايراك الله حيث نهاك ، ولايفقدك من حيث أمرك. قال : زدني ، قال : لا أجد للحالين ثالثة (٢).

وقال حكيم الفرس : ثلاث خصال لاينبغي للعاقل أن يضيعهن ، بل يجب أن يحث عليهن نفسه وأقاربه ومن أطاعه : عمل يتزود به لمعاده ، وعلم طب يذب به عن جسده ، وصناعة يستعين بها في معاشه (٣).

وقال بعض الحكماء : أربع خصال يمتن القلب : ترادف الذنب على الذنب ، وملاحاة الأحمق ، وكثرة منافثة (٤) النساء ، والجلوس مع الموتى.

قيل له : ومن الموتى؟ فقال : كل عبد مترف فهو ميت ، وكل من لايعمل فهو ميت (٥).

وقال ابن عباس رحمة الله عليه : خمس خصال تورث خمسة أشياء : ما فشت الفاحشة في قوم قط إلا أخذهم الله بالموت ، وما طفف قوم الميزان إلاّ أخذهم الله بالسنين ، وما نقض قوم العهد إلاّ سلط الله عليهم عدوهم ، وما جار قوم في الحكم إلاّ كان القتل بينهم ، وما منع قوم الزكاة إلا سلط الله عليهم عدوهم (٦).

وقال لقمان الحكيم لابنه في وصيته : يا بني ، أحثك على ست خصال ، ليس منها خصلة إلأّ وهي تقربك إلى رضوان الله عز وجل ، وتباعدك من سخطه :

الأولة : أن تعبد الله لاتشرك به شيئاَ.

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٢٧١ ، ومعدن الجواهر : ٢٣.

٢ ـ كنز الفوائد : ٢٧١ ، ومعدن ألجواهر : ٢٧.

٣ ـ كنز الفوائد : ٢٧١ ، ومعدن الجواهر : ٣٥.

٤ ـ منافثة النساء : ألكلام معهن ومحادثتهن « مجمع البحرين ـ نفث ـ ٢ : ٢٦٦ ».

٥ ـ كنز الفوائد : ٢٧١.

٦ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢ ، ومعدن الجواهر : ٥٠.

١٥٤

والثانية : الرضا بقدرالله فيما أحببت أوكرهت.

والثالثة : أن تحب في الله ، وتبغض في الله.

والرابعة : تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ماتكرهه (١) لنفسك.

والخامسة : تكظم الغيظ ، وتحسن إلى من أساء إليك.

والسادسة : ترك الهوى ، ومخالفة الردى (٢).

وقال بعضهم : ذوالمروة الكاملة من (٣) اجتمع فيه سبع خصال : إذا ذُكّر ذكر ، وإذا اُعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا عُصي غفر ، وإذا أحسن استبشر ، وإذا أساء استغفر ، وإذا وعد أنجز ويسر (٤).

وقال بعض الحكماء : تحصن بثمان من ثمان : بالعدل في المنطق من [ ملامة ] (٥) الجلساء ، وبالرويَّة في القول من الخطاء ، وبحسن اللفظ من ألبذاء ، وبالأنصاف من الإعتداء ، وبلين الكف من الجفاء ، وبالتودد من ضغائن الأعداء ، وبألمقاربة (٦) من الأستطالة ، وبالتوسط ، في إلاُمور من لطخ العيوب (٧).

وروي أن تسع خصال من الفضل والكمال ، وهي داعية إلى المحبهّ ، مع ما فيها من القربة والمثوبة : الجود على المحتاج ، والمعونة لمستعين ، وحسن التفقد للجيران ، وطلاقة الوجه للإخوان ، ورعاية الغائب فيمن يخلف ، وأداء ألأمانة إلى المؤتمن ، وأعطاءألحق في المعاملة ، وحسن الخلق عند المعاشرة ، والعفو عند المقدرة (٨).

وأوصى إفلاطن أحد أصحابه بعشر خصال ، قال : لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك البتة ، ولا تتهاون بالأمر الصغير إذا كان يقبل النماء ، ولا تلاح رجلاً غضباناً فإنك تقلقه باللجاج ، ولا تجمع في منزلك نفسين يتنازعان في الغلبة ، ولا تفرح بسقطة

__________________

١ ـ في الكنز : ماتكره.

٢ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢ ، ومعدن الجوهر : ٥٥.

٣ ـ في الاصل : لمن ، وما أثبتناه من المصدر.

٤ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢.

٥ ـ أثبتناه من كنز الفوائد.

٦ ـ في الاصل : وبالمفازة ، وما أثبتناه من كنز الفوائد.

٧ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢ ، ومعدن الجوهر : ٦٥

٨ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢.

١٥٥

غيرك فإنك لاتدري متى يحدث الزمان بك ، ولا ينفج (١) في وقت الظفر فإنك لاتدري كيف يدور عليك الزمان ، ولاتهزل بخطأ غيرك فإن المنطق لاتملكه ، والق الخطأ من الناس بنوع من الصواب الذي في جوِهرك ، ولا تبذلن مودتك لصديقك دفعة واحدة ، وصير الحق أبداً أمامك ، تسلم دهرك ولا تزال حراً (٢).

* * *

__________________

١ ـ كذا في الأصل ، ولعل الصواب : ولا تنفج ، والنفاج : المتكبر « القاموس المحيط ١ : ٢١١ ».

٢ ـ كنزالفوائد : ٢٧٢ ، ومعدن الجواهر : ٧٣.

١٥٦

تأويل آية

إن سأل سائل عن تأويل قول الله عز وجل : (وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون) (١) فقال : كيف وصف الدم بأنه كذب ، والكذب من صفات الأقوال ، لامن صفات الأجسام؟ وما معنى قول يعقوب عليه‌السلام : « فصبر جميل » ، وكيف وصفه بذلك؟ ونحن نعلم أن صبره لا يكون إلاّ جميلاً؟

الجواب : قيل له : أما « كذب » فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه ، مثل قولهم : هذا ماء سكب ، وشراب صب ، يريدون (٢) مسكوباً ومصبوباً. وقولهم : رجل صوم ، وامرأة نوح ، والمعنى : صائم ونائحة.

قال الشاعر :

تظل جيادهم نوحاً عليهم

مقلدة أعنتها صفوفاً

أراد نائحة عليهم.

ويقولون : مالفلان معقول ، يريدون عقلاً.

وقد قال الفراء وغيره : يجوز في النحو : بدم كذباً ـ بالنصب على المصدر ـ وتقدير الكلام كذبوا كذباً.

(وأما وصف الصبر بأنه جميل ، لأنه قصد به وجه الله. وقيل : انه أراد صبراًلاشكوى فيه ولا جزاء معه ، وقال أهل العربية : إن ارتفاع الصبر هاهنا ، فشأني صبرجميلاً) (٣) وإنما ذكرنا تفسير هذه الآية لأنه ورد في سياقة الكلام (٤).

__________________

١ ـ يوسف ١٢ : ١٨.

٢ ـ في الأصل : يريدان ، وما أثبتناه من ألمصدر.

٣ ـ ورد في كنز الفوائد بدل مابين القوسين ما لفظه : « وأما وصف الصبر بأنه جميل فلأن الصبر قد يكون جميلاً وغير جميل ، وإنما يكون جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالى ، فلما كان في هذا الموضع واقعاً على الوجه المحمود صح وصفه بالجميل ، وقد قيل : أنه أراد صبراً لا شكوى فيه ولا جزع معه ، ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى والجزع له ، وقد قال أهل العربية : إن ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي اعتقده صبر جميل ».

٤ ـ كنز الفوائد : ٢٧٢ ، ٢٧٣.

١٥٧

فصل من الأدب (١)

روي عن بعض الأدباء أنه قال لابنه : يابني ، اقتن من مكارم الأخلاق خمساً ، وارفض ستاً ، واطلب العز بسبع ، واحرص على ثمان فإن فزت بتسع بلغت المدى ، وان أحرزت عشراً أدركت (٢) الاخرة والدنيا.

فأما الخمس المقتناة : فخفض الجانب ، وبذل المعروف ، وإعطاء النصف (٣) من نفسك ، وتجنب الأذى ، وتوقي الذم.

وأما الستة المرفوضة : فطاعة الهوى ، وارتكاب البغي ، وسلوك التطاول ، وقساوة القلب ، وفظاظة القول ، وكثرة التهاون.

وأما السبعة التي ينال بها العز : فأداء الأمانة ، وكتمان السر وتأليف المُجانب ، وحفظ الأخاء ، وإقالة العترة ، والسعي في حوائج الناس ، والصفح عن الإعتذار.

وأما الثمان التي يحرص عليها : فتعظيم أهل الفضل ، وسلوك طرق الكرم ، والمواساة بملك اليد ، وحفظ النعم بالشكر ، واكتساب الأجر بالصبر ، والاغضاء عن زلل الصديق ، واحتمال النوائب ، وترك الإمتنان بالاحسان.

واما التسع التي تبلغ بها المدى : فالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وحرز اللسان من سقوط الكلام ، وغض الطرف ، وصدق النية ، والرحمة لأهل البلاء ، والموالاة على الدين ، والمسامحة في الاُمور ، والرضا بالمقسوم.

وأما العشرة الكاملة ، التي تنال بها الدنيا والاخرة : فالزهد فيما بقي ، والإستعداد لما يأتي ، وكثرة الندم على مافات ، وإدمان الإستغفار ، واستشعار التقوى ، وخشوع ألقلب ، وكثرة الذكر لله تعالى ، والرضا بأفعال الله سبحانه ، وملازمة الصدق ، والعمل بما ينجي.

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٢٨٨ ، وفيه تمام الفضل.

٢ ـ في المصدر : أحرزت.

٣ ـ في المصدر : النصفة.

١٥٨

فصل في ذكر الغنى والفقر (١)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس الغنى (٢) كثرة الحرص ، وإنما الغنى غنى النفس ».

وقال عليه واله السلام : « ثلاث خصال من صفة أولياء الله تعالى : الثقة بالله في كل شيء ، والغنى به عن كل شيء ، والإفتقار إليه في كل شيء ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا اُخبركم بأشقى الأشقياء؟ » قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة » نعوذ بالله من ذلك.

وقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : « الفقر يخرس الفطن عن حجته ، والمقلّ غريب في بلدته ، ومن فتح على نفسه باباً من المسألة فتح الله عليه باباً من الفقر ».

وقال : « العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ».

وقال : « من كساه الغنى ثوبه ، خفي عن الناس عيبه ».

وقال : « من أبدى إلى الناس ضره فقد فضح نفسه ، وخير الغنى ترك السؤال ، وشر الفقر لزوم الخضوع ».

وقال : « استغن عن من شئت تكون نظيره ، واحتج إلى من شئت تكون أسيره ، وأفضل على من شئت تكن أميره » [ وقال عليه‌السلام : ] (٣) « لاملك أذهب للفاقة من الرضا بالقنوع ».

وروي أن الماء نضب عن (٤) صخرة فوجد عليها مكتوباً : إنما يتبين الغني والفقير بعد العرض على الله عز وجل.

وقال رجل للصادق عليه‌السلام : عظني ، فقال : « لاتحدث نفسك بفقر ، ولابطول عمر ».

وقيل : ما استغنى أحد بالله ، إلا افتقر الناس إليه.

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، وفيه تمام الفصل.

٢ ـ في المصدر زيادة في.

٣ ـ أثبتناه من المصدر.

٤ ـ في المصدر : صب على.

١٥٩

وقيل : الفقير من طمع والغني من قنع (١).

وانشد أمير المؤمنين صلوات الله عليه :

ادفع الدنيا بما اندفعت

وأقطع الدنيا بما انقطعت

يطلب المرء الغنى عبثاً

والغنى في النفس لو قنعت

ومن قطعة أبي ذؤيب :

والنفس راغبة إذا رغبتها

وإذا تردّ إلى قليل تقنع

لمحمود الوراق :

أراك يزيدك الاثراء حرصاً

على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوماً

إليها ، قلت : حسبي قد غنيت

تظل على الغنى أبداً فقيراً

تخاف فوات شيء لا يفوت

وله أيضاً :

يا عائب الفقرألا تزدجر

عيب الغنى أكبر لو تعتبر

من شرف الفقر ومن فضله

على الغنى إن صح منك النظر

أنك تعصي لتنال الغنى

ولست تعصي الله كي تفتقر


لغيره :

أرى اُناسا بأدنى الدين قد قنعوا

ولا أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما

استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وقال آخر :

دليلك ان الفقر خير من الغنى

وأن قليل المال خير من المثري

لقاؤك إنساناً عصى الله في الغنى

ولم تر إنساناً عصى الله في الفقر

* * *

__________________

١ ـ في الأصل : اقنع ، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٠