رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( ويختصّ الوجوب بالليل ) على الأشهر الأظهر ، فلا يجب النهار ؛ تمسّكاً بالأصل ، وظواهر المعتبرة المصرّحة بالليلة (١) ، الظاهرة في اختصاص الواجب بها ؛ مع أنّ النهار وقت التردّد والانتشار في الحوائج ، قال الله تعالى ( وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ) (٢) ، فلا تجب القسمة فيه.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي ، فأوجب القيلولة في صبيحة تلك الليلة عند صاحبتها (٣).

وللمبسوط ، فأوجب الكون مع صاحبة الليلة نهاراً (٤) ، ووافقه في التحرير ، لكنّه جعل النهار تابعاً للّيلة الماضية (٥).

ولا دليل على شي‌ء من ذلك ، مع مخالفته لما قدّمناه من الأدلّة.

نعم ، يمكن الاستدلال للمبسوط بالأخبار الآتية الدالّة على أنّ للحرّة يومين وللأمة يوم (٦) ، والدالّة على تخصيص البكر والثيّب بالأيّام (٧) ؛ بناءً على كون اليوم اسماً لمجموع الليلة والنهار.

لكنّها مع معارضتها بما مرّ معارضة بالمعتبرة الأُخر في المقامين ، المصرّحة بدل اليوم بالليلة ، فلا بدّ من التجوّز في أحد الطرفين ، إمّا بأن‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١ ، ٥ ، ٩.

(٢) النبإ : ١١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٨٠.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٢٧.

(٥) التحرير ٢ : ٤٠.

(٦) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ ٥١٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ٤.

(٧) الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢.

٨١

يراد من اليوم الليلة خاصّة تسميةً للجزء باسم كلّه ، أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسميةً للكلّ باسم جزئه. والترجيح للأول ؛ لكثرة الأخبار الدالّة على الليلة ، المعتضدة بما قدّمناه من الأدلّة ؛ ومع ذلك فهي بحسب الأسانيد معتبرة ، دون الأخبار المعارضة ؛ لقصور سند ما يتعلّق بالقسم الأول طرّاً.

فالمصير إلى ما هو المشهور متعيّن جدّاً ، ولكن الاحتياط معه ، سيّما مع ما فيه من العدالة وحسن الإنصاف المرغب إليهما شرعاً.

( و ) أمّا ما ( في رواية ) إبراهيم ( الكرخي ) الصحيحة إليه ، المتضمّن لمن أجمع على تصحيح رواياته العصابة ، فلا تضرّ الجهالة من أنّه : ( « إنّما عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظلّ عندها في صبيحتها ) وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك » (١).

فليس فيه دلالة على شي‌ء من الأقوال المتقدّمة حتى الأول ؛ لتصريحه بالقيلولة الغير الملازم للكون معها في صبيحة الليلة بالمرّة ، فالاستدلال له به لا وجه له بالمرّة ؛ ومع ذلك فلا تقاوم شيئاً ممّا قدّمناه من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، فحمله على الاستحباب متعيّن.

ثمّ ليس المراد من البيتوتة معها في الليلة القيام معها في جميعها ، بل ما يعتاد منها ، وهو بعد قضاء الوطر من الصلاة في المسجد ، ومجالسة الضيف ، ونحو ذلك ؛ حملاً للإطلاق على المتعارف ، مع عدم منافاته للمعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية.

نعم ، ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرّة إلاّ للضرورة فيما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٤ / ٣٤ ، الفقيه ٣ : ٢٧٠ / ١٢٨٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٢ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٥ ح ١.

٨٢

قطع به الأصحاب ؛ لمنافاته المعاشرة المزبورة ، ومن الضرورة : عيادتها إذا كانت مريضة ، وقيّده في المبسوط بثقل المرض وإلاّ لم يجز ، فإن مكث وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعدّ إقامة عرفاً ، فيأثم خاصّة (١).

ثم إطلاق النصّ والفتاوي بوجوب الليلة وارد مورد الغلبة ، وهي ما يكون معاشه نهاراً ، فلو انعكس كالوقّاد ، والحارس ، والبزّار فعماد قسمته النهار خاصّة بلا خلاف ؛ جمعاً بين الحقّين ، ودفعاً للضرر ، والتفاتاً إلى قوله تعالى ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (٢) ، فتأمّل.

ولو كان مسافراً معه زوجاته ، فعماد القسمة في حقّه وقت النزول ، قليلاً كان أم كثيراً ، ليلاً أم نهاراً ؛ لبعض ما مرّ.

( وإذا اجتمع مع ) الزوجة ( الحرّة أمة بالعقد ) الدائم حيث جوّزناه ( فللحرّة ليلتان ، وللأمة ليلة ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٣) وغيره (٤) ، والنصوص به مستفيضة.

ففي الصحيح : « إذا كانت تحته أمة مملوكة ، فتزوّج عليها حرّة ، قسم للحرّة مثلي ما يقسم للملوكة » (٥) ونحوه الموثّق (٦) وغيره (٧).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٢٧ ٣٢٨.

(٢) الفرقان : ٦٢.

(٣) الخلاف ٤ : ٤١٢.

(٤) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، وإيضاح الفوائد ٣ : ٢٤٨ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٢.

(٧) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٧ / ٢٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٧ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٤.

٨٣

وخلاف المفيد حيث نفى القسمة للأمة (١) مع خلّوه عن المستند ، شاذٌّ لا يلتفت إليه ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

ثم إنّ التثليث وإن كان يتحقّق بتنصيف الليلة للأمة وتتميمها للحرّة فلهما ليلة ونصف من أربع ليال ، وليلتان ونصف له يضعها حيث يشاء إلاّ أنّ المشهور تخصيصه بتثليث الليالي ، فللأمة ليلة ، وضِعفها للحرّة ، ويكون ذلك من ثمان ؛ جمعاً بين حقّهما وحقّ الزوج ، فيكون الذي له منها خمس يضعها حيث يشاء ، ولهما ثلاث ، وأكثر النصوص وإن خلت عن ذلك إلاّ أنّ الباقي مصرّح به.

ففي القويّ : « فإن تزوّج الحرّة على الأمة فللحرّة يومان وللأمة يوم » (٢) ونحوه خبران آخران (٣).

وفي الموثّق : « للحرّة ليلتان ، وللأمة ليلة » (٤) ونحوه غيره (٥).

مضافاً إلى الإجماع عليه عن الخلاف وغيره.

والتأيّد بما ذكره جماعة من أنّ في تنصيف الليلة تنغيصاً (٦) للعيش‌

__________________

(١) المقنعة : ٥١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٠ / ٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٣.

(٣) أحدهما في : الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٢.

والآخر في : التهذيب ٧ : ٣٤٤ / ١٤٠٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧٠ / ١٢٨٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ٣.

(٥) دعائم الإسلام ٢ : ٢٤٥ / ٩٢٤ ، المستدرك ١٥ : ١٠٤ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٦ ح ١.

(٦) نَغَّصَ الله عليه العيش تنغيصاً ، أي كدّره الصحاح ٣ : ١٠٥٩.

٨٤

ودفعاً للاستئناس ، وأنّ أجزاء الليل يعسر ضبطها غالباً ، فلا يكون مناطاً للأحكام الشرعيّة (١).

فتنظّر بعض الأصحاب فيما ذكروه من التثليث بحسب الليالي (٢) بناءً على أنّ الأصل في دور القسمة أربع ليال ، فالعدول إلى جعله من ثمان ، كما هو اللازم عليه بمجرّد عدم صحّة القسمة ، من دون ليلة كاملة ، مشكل ، سيّما مع إمكانها بالعوارضات الخارجة ليس في محلّه.

ثمّ إنّ إطلاق النصّ والفتوى يقتضي جواز الجمع بين ليلتي الحرّة والتفريق بينهما. ولكن أوجب بعض الثاني مع عدم رضائها بالأول ، ليقع لها من كلّ أربع واحدة (٣) ؛ ولعلّه ناظر إلى ثبوت الحقّ لها في كلّ أربع ليال واحدة ، ولا يسقط ذلك باجتماعها مع الأمّة ، وليس في الإطلاقات ما ينافيه بوجهٍ بالمرّة.

وهو حسن ، لكنّه على إطلاقه مشكل ؛ لتوقّف ثبوت الحقّ المزبور على المشهور من ثبوت القسمة أول مرّة ولو لم يكن هناك زوجات متعدّدة ، وأمّا على غيره فلا ، إلاّ مع التعدّد والشروع في القسمة الموجبين لثبوت الحقّ المزبور لها ، وهو اجتماعها مع الحرّة ، وليس اجتماعها مع الأمة بعد الشروع في القسمة لهما منه قطعاً ، كيف لا؟! وثبوته لها إلى هذا الحدّ يحتاج إلى دليل ، وليس ؛ لعدم النصّ والإجماع ؛ لإطلاقهما بحقّها (٤) من دون تصريح بالتفريق أو الجمع ، وهو يقتضي جواز كلّ من الأمرين.

__________________

(١) انظر نهاية المرام ١ : ٤٢١ ، والحدائق ٢٤ : ٦٠٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٩٦.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٤.

(٣) حكاه في نهاية المرام ١ : ٤٢١.

(٤) أي الحرّة. منه رحمه‌الله.

٨٥

هذا ، مع أنّ إطلاق الحكم بوجوب التفريق لتحصيل الحقّ ليس في محلّه ، فقد يحصل مع الجمع ، كما إذا شرع في قسمتها في الليلة الرابعة من ليالي القسمة ثم تلاها بالليلة الخامسة ، فيحصل حينئذٍ من كلّ أربع واحدة.

( والكتابيّة ) الحرّة ( كالأمة ) المسلمة ، فللحرّة المسلمة ليلتان ولها ليلة ، بلا خلاف يُعبأ به بين الطائفة ، بل عن الخلاف الإجماع (١) ؛ ويدلّ عليه بعده عموم : أنّها بمنزلة الإماء ، المستفاد من المعتبرة (٢) ، وخصوص الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة مع أنّه عدّ مثله في الصحيح جماعة (٣) ـ : « للمسلمة الثلثان ، وللأمة والنصرانيّة الثلث » (٤).

فتوقّف بعض من تأخّر (٥) ليس في محلّه.

والكتابيّة الأمة لها ربع القسمة ؛ لئلاّ تساوي الأمة المسلمة ، وللأصل مع عدم المخرج عنه ، سوى إطلاق الخبر المتقدّم بالتنصيف للنصرانيّة ، وليس فيه حجّة لتخصيص الأصالة المزبورة ؛ بناءً على أنّ المتبادر منها بحكم سياق العبارة ، حيث جعلت في مقابلة الأمة كونها حرّة.

ومن هنا يظهر دليل آخر للحكم في المسألة السابقة ؛ بناءً على مخالفة وجوب القسمة لأصالة البراءة ، فيكتفى في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابيّة الحرّة على ما هو المتيقّن من الأدلّة ، وليس إلاّ كونها كالأمة ؛ إذ‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤١١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ١١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٥ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ٨ ح ١.

(٣) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٥ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٨ / ٣٠٠ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٤ أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ب ٧ ح ٣.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٤.

٨٦

مساواتها للحرّة المسلمة لا دليل عليها ، سوى إطلاق الأدلّة بأنّ للحرّة من أربع ليال ليلة ، وليس ينصرف إلى مثلها بالضرورة.

( و ) من هنا ينقدح الوجه فيما قاله الماتن من أنّه ( لا قسمة للموطوءة بالملك ) مضافاً إلى الإجماع عليه. وفي حكمها الموطوءة بالعقد المنقطع والتحليل ؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

( وتختصّ البكر عند ) حدثان عرسها و ( الدخول ) عليها استحباباً لا وجوباً للأصل ، مع انتفاء الصارف عنه من النصّ وكلام أكثر الأصحاب ، من حيث عدم تضمّنهما ما يدلّ على الوجوب ، سوى الأمر في بعض النصوص (١) ، ولوروده في مقام جواب السؤال عن جواز التفضل لا دلالة له على الوجوب ؛ لوروده في مقام توهّم الحظر ـ ( بثلاث ) ليال ( إلى سبع ) وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار (٢).

جمعاً بين الأخبار المختلفة المصرحة بالأول ، كالصحيح (٣) وغيره (٤) : « إذا تزوّج الرجل بكراً وعنده ثيّب فله أن يفضّل البكر ثلاثة أيّام ». وبالثاني ، كالصحيح (٥) وغيره (٦) : الرجل يكون عنده المرأة يتزوّج‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٨.

(٢) الاستبصار ٣ : ٢٤١ ، التهذيب ٧ : ٤٢٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٢ / ٨٦٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٩ / ١٦٧٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٢ / ٨٦٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٧.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٦٩ / ١٢٨١ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٠ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٢ ح ٥.

٨٧

أُخرى ، إله أن يفضّلها؟ قال : « نعم ، إن كانت بكراً فسبع ، وإن كانت ثيّباً فثلاثة أيّام ». وصريح الشيخ في الكتابين أفضليّة الأول.

خلافاً للأكثر ، فالثاني ، وهو أظهر ؛ لرجحان أخباره بالشهرة العظيمة ، بل وإجماع الطائفة كما حكاه عن خلافه بعض الأجلّة (١). ومن هنا يظهر عدم الخلاف في جواز التخصيص بالسبع ، وحكى عليه الإجماع جماعة (٢).

وهل هو على سبيل الاستحقاق خاصّة ، فلا يقضي منها شيئاً لغيرها ، كما هو ظاهر إطلاق النصّ والفتوى؟ أم لا تستحقّ منها سوى الثلاث ، وأمّا البواقي فلا ، بل غاية الأمر جواز تقديمها ، ومعه فيقضيها للباقيات؟ قولان.

ولم يُنقَل الأخير إلاّ عن الإسكافي (٣) ؛ ولا دليل عليه سوى ما قيل عنه من الجمع بين الروايات (٤) ، وهو جيّد مع وضوح الشاهد عليه ، وليس ، فليس ؛ مع أنّه قريب ممّا ذكرته العامّة وما أوردوا فيه من الرواية.

كلّ ذا في البكر.

( و ) أمّا ( الثيّب ) المضاهية لها في حدثان العرس فتختصّ عنده ( بثلاث ) بلا خلاف في أكثر النصوص والفتاوي.

وربما يوجد في بعض الأخبار والفتاوي (٥) التفضيل بالسبع ، ففي العلل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج زينب بنت جحش ، فأولم وأطعم الناس‌

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٩٧ ، وهو في الخلاف ٤ : ٤١٤.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤١٤ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩٧.

(٣ و ٤) المسالك ١ : ٥٦٥ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٢.

(٥) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٩٧ عن الخلاف.

٨٨

إلى أنّ قال : ولبث سبعة أيّام بلياليهنّ عند زينب ، ثم تحوّل إلى بيت أُمّ سلمة ، وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وهو مع قصور سنده ، وشذوذه ، وعدم مكافأته لما مرّ. من الأخبار يحتمل الحمل على اختصاصه به صلوات الله عليه وآله.

وعن الخلاف : أنّ للثيّب حقّ التخصيص بثلاثة خاصّة لها ، أو بسبعة يقضيها للباقيات ؛ مدّعياً عليه الإجماع وهو موهون بمصير الكلّ إلى الخلاف والأخبار (٢) ، ولم نجدها ، وما تقدّم ليس منها كما لا يخفى.

نعم ، في النبويّ كما حكي ـ : قال لأُمّ سلمة حين بنى بها : « ما بك على أهلك من هوان ، إن شئتِ سَبَّعتُ عندك وسَبَّعتُ عندهن ، وإن شئتِ ثلّثتُ عندك ودُرتُ » (٣).

وليس فيه مع قصور سنده ، وعدم مكافأته لما مرّ حجّة ؛ لاحتمال الاختصاص به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم المتبادر من إطلاق النصّ والفتوى توالي الليالي وحرّية المرأتين ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على الشمول للأمة ، ولكن اختلفوا في المساواة في التقدير أو التنصيف لها كما هو القاعدة المطّردة على قولين ، والأشهر : الأول ، والأظهر : الثاني ، وفاقاً للتحرير (٤) ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، وليس إلاّ المجمع عليه ، وهو ما ذكروا ؛ التفاتاً‌

__________________

(١) علل الشرائع ٦٤ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق باب ٢ ج ٢.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٩٧ ، وهو في الخلاف ٤ : ٤١٣.

(٣) الموطّأ ٢ : ٥٢٩ / ١٤ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٠٠.

(٤) التحرير ٢ : ٤١.

٨٩

إلى ثبوته في أكثر الموارد ، والظنّ يلحق الشي‌ء بالأعمّ الأغلب.

ولا فرق في الثيّب بين الزائل بكارتها بالجماع وغيره ، لا لشمول الإطلاق لهما ، لانصرافه إلى الأُولى منهما قطعاً ؛ بل للأصل ، وعدم المخرج عنه ، سوى إطلاق أخبار البكر الغير الصالح للشمول للثانية بمقتضى عدم تبادرها منه ، كما لا تتبادر من الإطلاق الأول لندرتها ، ولو لا الإجماع على ثبوت الثلاث لها مع فحوى ثبوته للأُولى لأمكن انتفاؤه عنها أيضاً ؛ لما مضى.

( ويستحبّ التسوية بين الزوجات في الإنفاق ، وإطلاق الوجه ، والجماع ) استحباباً مؤكّداً ؛ لما فيه من رعاية العدل وتمام الإنصاف.

وليس بواجب بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، وقوله تعالى ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) (١) ، ومثل هذا مَيلٌ وليس كلّ المَيل. وفي الخبر : « يعني في المودّة » وقوله سبحانه ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (٢) ، « في النفقة » (٣) وفيه قصور بحسب السند.

وللصحيح : عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطيّة ، أيصلح ذلك؟ قال : « لا بأس ، وأجهد في العدل » (٤).

__________________

(١) النساء : ١٢٩.

(٢) النساء : ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٦٢ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٢٠ / ١٦٨٣ ، تفسير القمي ١ : ١٥٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٥ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٧ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦١ ، الوسائل ٢١ : ٣٤١ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٣ ح ١.

٩٠

والنهي عن التفضيل في الحرائر في الخبر (١) إمّا محمول على التفضيل في الواجب ، أو الكراهة.

( وأن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ) لما مرّ من الخبر المعتبر (٢). والأحوط الكون عندها في نهار الليلة ؛ للشبهة الناشئة عمّا ذكرناه من الأدلّة ومخالفة العلاّمة (٣).

( وأمّا النشوز ) واصلة الارتفاع ( فهو ) هنا بل وربما مطلق عليه في اللغة أيضاً ـ : ( ارتفاع أحد الزوجين ) وخروجه ( عن طاعة صاحبه فيما يجب له ) عليه ؛ لأنّه بالخروج يتعالى عما أوجب الله تعالى عليه من الطاعة.

( فمتى ظهر من المرأة أمارة العصيان ) بتقطيبها في وجهه والضجر والسأم بحوائجه التي يجب عليها فعلها من مقدّمات الاستمتاع ، بأن تمتنع أو تتثاقل إذا دعاها إليه ، لا مطلق حوائجه ؛ إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلّق بالاستمتاع. أو تغيّر عادتها في أدبها معه قولاً كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين ، أو غير مُقبِلة بوجهها بعد أن كانت تُقبل أو فعلاً ، كأن يجد إعراضاً أو عبوساً بعد لطف وطلاقة ونحو ذلك.

( وعظها ) أوّلا بلا هجر ولا ضرب ، فلعلّها تبدي عذراً أو تتوب عمّا جرى منها من غير عذر.

والوعظ كأن يقول : اتّقي الله تعالى في الحقّ الواجب لي عليك‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٢ / ١٦٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤١ / ٨٦٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٤١ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٣ ح ٢.

(٢) راجع ص ٨٢.

(٣) راجع ص ٨١.

٩١

واحذري العقوبة. ويبيّن لها ما يترتّب على ذلك من عذاب الله تعالى في الآخرة ، وسقوط النفقة والقسم في الدنيا.

( فإن لم ينجع ، هجرها في المضجِع ) بكسر الجيم ، ( وصورته ) كما في القواعد وعن الصدوقين (١) : ( أن يولّيها ظهره في الفراش ) ونسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا (٢) ، ورواه في مجمع البيان عن مولانا الباقر عليه‌السلام (٣) ، وصرّح به في الرضوي : « والهجران : هو أن يحوّل إليها ظهره في المضجِع » (٤).

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط والسرائر ، فأن يعتزل فراشها (٥).

وللمفيد (٦) وجماعة (٧) ، فخيّروا بينهما. وهو أقوى ؛ لاندراجهما في الهجر عرفاً ، فله الإتيان بأيّهما. إلاّ أنّ الأول أحوط وأولى.

ولعليّ بن إبراهيم في تفسيره ، فيسبّها (٨). ولا دليل عليه أصلاً.

( فإن لم ينجع ، ضرَبَها ، مقتصراً ) في الضرب ( على ما يؤمّل معه طاعتها ) فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلاّ تدرّج إلى الأقوى فالأقوى ( ما لم يكن ) مدمياً ولا ( مبرِّحاً ) أي شديداً كثيراً.

__________________

(١) القواعد ٢ : ٤٨ ، الصدوق في المقنع : ١١٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩٦.

(٢) المبسوط ٤ : ٣٣٨.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٥.

(٥) المبسوط ٤ : ٣٣٨ ، السرائر ٢ : ٧٢٩.

(٦) المقنعة : ٥١٨.

(٧) منهم يحيى بن سعيد في الجامع : ٤٧٨ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ٤٢ ، والمحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٠١.

(٨) تفسير القمي ١ : ١٣٧.

٩٢

وتفسير الضرب مشهور بين الأصحاب. إلاّ أنّه روى في المجمع عن مولانا الباقر عليه‌السلام : « أنّه الضرب بالسواك » (١) وبه صرّح في الرضوي : « والضرب بالسواك ونحوه ضرباً رقيقاً » (٢) وهو أحوط وإن كان الأول أقوى ؛ عملاً بظاهر اللفظ في الآية ، المعتضد بعمل أصحابنا ، المؤيّد بالاعتبار جدّاً.

والأصل في المسألة : قوله سبحانه ( وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (٣).

وهل الأُمور الثلاثة على التخيير؟ أو الجمع؟ أو الترتيب بالتدرّج من الأخفّ إلى الأثقل كمراتب النهي عن المنكر؟ وعلى التقادير ، هل هي مع تحقّق النشوز؟ أو ظهور أماراته قبل وقوعه؟ أو معهما ، بمعنى : أنّ الوعظ والهجر مع الثاني ، والضرب مع الأول؟ أقوال.

أقواها : الثالث في المقامين ، وهو الترتيب بين الأُمور الثلاثة مع اختصاص أوّلَيها مرتّباً بينهما بظهور أمارة النشوز ، وثالثها بتحقّق النشوز ، وفاقاً للمبسوط وللماتن في الشرائع والعلاّمة في القواعد (٤).

عملاً في جواز الأمرين الأولين مع ظهور أمارة النشوز بظاهر الآية ، حيث عُلِّقا فيها على خوف النشوز الملازم لظهور أماراته. وحمله على العلم مجازٌ لا يصار إليه إلاّ مع القرينة المفقودة في المقام ، واستعماله فيه في بعض المواضع غير صالح للقرينة بالبديهة.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٥.

(٣) النساء : ٣٤.

(٤) المبسوط ٤ : ٣٣٧ ، الشرائع ٢ : ٣٣٨ ، القواعد ٢ : ٤٨.

٩٣

وفي الترتيب بينهما بتقديم الوعظ وتأخير الهجر عنه بما ورد في الصحاح من الأمر بالبدأة بما بدأ الله تعالى (١) ، ومعه لا يمكن الجمع ؛ إذ مع الوعظ إمّا تنجع وتطيع ، فليس له عليها بعد ذلك سبيل بنصّ ذيل الآية والإجماع والاعتبار ؛ وإمّا أن لا ينجع ، فيجوز حينئذٍ الهجر ، وهو عين الترتيب المتقدّم.

وفي عدم الضرب إلاّ مع تحقّق النشوز الإجماع (٢) المحكيّ عن المبسوط والخلاف (٣) ؛ وعُلِّل أيضاً بعدم جواز العقوبة إلاّ على فعل محرّم ، وليس بدون تحقّق النشوز (٤). وبهما ولا سيّما الأول يصرف الآية الظاهرة في ترتّب الضرب على ظهور أمارة النشوز عن ظاهرها.

ولا دليل يعتدّ به على شي‌ء ممّا تقدّم من الأقوال ، والأصحّ ما قلناه ، وفاقاً لمن ذكرنا.

لكن المحكيّ عنهم جواز الضرب ابتداءً بتحقّق النشوز من دون سبق الوعظ والهجر (٥) ؛ ووُجِّه بدلالة ظاهر الآية على التخيير بينه وبينهما ، أو الجمع من غير تقييد (٦). وفيه نظر ، والأحوط مراعاة الترتيب هنا أيضاً.

وهنا قول آخر اختاره بعض الأفاضل تبعاً للتحرير (٧) ، وهو ما قاله‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٤ ، الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ١.

(٢) كذا في الأصل ، وفي « ح » : بالإجماع ، ولعلّه الأنسب.

(٣) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ١٠٠ ، وهو في المبسوط ٤ : ٣٣٧ ، الخلاف ٤ : ٤١٦.

(٤) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٠.

(٥) حكاه عنهم الشهيد في المسالك ١ : ٥٧١.

(٦) المسالك ١ : ٥٧١.

(٧) التحرير ٢ : ٤٢ ، واختاره صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٢٦ ٤٢٧ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٠١.

٩٤

بعض العلماء في تفسير الآية ( وَاللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن (١). وهو أحوط وأولى ، وإن كان ما قدّمناه أقوى.

( ولو كان النشوز منه ) أي الزوج بأن يتعدّى عليها بمنع بعض حقوقها الواجبة عليه ، من نفقة وقسمة ، أو إساءة خلق معها ، أو أذيّة وضرب لها بغير سبب ( فلها المطالبة بحقوقها ) التي أخلّ بها.

ولها وعظه ، لا هجره وضربه ، فإن أصرّ على الامتناع رفعت أمرها إلى الحاكم.

ولو امتنع من الإنفاق ، جاز للحاكم الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع شي‌ء من عقاره إذا توقّف الأمر عليه.

ولو لم يمنعها شيئاً من حقوقها الواجبة ، ولا يؤذيها بضرب ولا بسبّ ، ولكنّه يكره صحبتها لمرض أو كبر ، فلا يدعوها إلى فراشه ، أو يهمّ بطلاقها ، فلا شي‌ء عليه.

( ولو تركت ) حينئذٍ ( بعض ما يجب ) لها عليه ( أو كلّه استمالةً له ، جاز ) لها ، و ( له القبول ) للأصل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع.

قال الله تعالى ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) (٢).

وفي الحسن في تفسيرها ـ : « هي المرأة التي تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إنّي أُريد أن أُطلّقك ، فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن يشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شي‌ء فهو لك ، فدعني على حالي ، فهو قوله ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ

__________________

(١) قاله الشيخ أبو الفتوح الرازي في روح الجنان ١ : ٧٦١.

(٢) النساء : ١٢٨.

٩٥

يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) وهو هذا الصلح » (١) ونحوه أخبار مستفيضة (٢).

وليس فيها كالآية المفسَّرة بها دلالة على عموم الحكم من جواز الصلح ببذل حقّها لما لو أخلّ الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلّها ؛ لظهور سياقها فيما قدّمناه (٣).

نعم ، جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا مطلقاً ؛ للأصل ، وفقد الصارف عنه ، وهذا هو ظاهر العبارة والأكثر.

وربما مُنِع من جوازه هنا ؛ لما قدّمناه من اختصاص الآية والنصّ بالأول ، ولقبح تركها الحقّ من دون عوض ، بناءً على لزومه عليه من دونه (٤).

وفيهما نظر ؛ إذ اختصاص الكتاب والسنّة بما ذُكِر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به (٥).

والقبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخلّ بها بالبذل ، فتكون هي العوض الحاصل بالبذل ، ولزومه عليه غير ملازم للزوم صدورها عنه حتى ينتفي العوض حين البذل. ثم على تقديره ، يصحّ منع القبح أيضاً ، كيف لا؟! ويجوز لها إبراء ذمّة زوجها عن حقوقها بعضاً أو كلاًّ ابتداءً مطلقاً جدّاً.

وبالجملة : لا وجه لتعليل المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٤٥ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٠٣ / ٣٤٨ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٩ / ٢٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الوسائل ٢١ : ٣٤٩ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١.

(٣) وهو بذلها لأجل كراهته لها مع عدم إخلال بشي‌ء من حقها. منه رحمه‌الله.

(٤) نهاية المرام ١ : ٤٢٩.

(٥) أي الجريان. منه رحمه‌الله.

٩٦

ومنه يظهر الجواز فيما لو بذلته بطيبة نفسها بعد إكراهها عليه ، وإن أطلق الأصحاب المنع حينئذ ، ويمكن حمل إطلاقهم على ما لو لم تطب نفسها بالبذل كما هو الغالب ؛ مع أنّ فرض طيبة النفس حينئذٍ (١) لا يجامع الإكراه ، فتأمّل جدّاً.

( وأمّا الشقاق : فهو أن يكره كلّ منهما صاحبه ) سمّي به لكون كلّ منهما في شقّ غير شقّ الآخر.

( فإذا خُشي الاستمرار ) على الشقاق.

وإنّما قُدر الاستمرار في الآية (٢) مع خلّوها عنه لما قيل من أنّ ظهور النشوز منهما موجب لحصول الشقاق ، فالمراد حينئذٍ : خوف استمراره (٣).

وفيه نظر ؛ لتوقفه على كون مطلق الكراهة بينهما شقاقاً ، وليس ؛ لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما ، فيكون المراد : أنّه إذا حصلت كراهة كلّ منهما لصاحبه ، وخفتم حصول الشقاق بينهما ، فابعثوا ؛ مع أنّه (٤) هو المتبادر منه (٥) عند الإطلاق ، والأولى من الإضمار على تقدير مجازيّته.

نعم ، على هذا التقدير يتردّد الأمر بين المجاز المزبور (٦) وبين التجوّز‌

__________________

(١) أي مع الإكراه. منه رحمه‌الله.

(٢) النساء : ٣٥.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٧٢ ، والحدائق ٢٤ : ٦٢٦.

(٤) أي تمام الكراهة. منه رحمه‌الله.

(٥) أي من لفظ الشقاق. منه رحمه‌الله.

(٦) أي التجوّز في لفظ الشقاق. منه رحمه‌الله.

٩٧

في الخشية بحملها على العلم والمعرفة وإبقاء الشقاق على حقيقته ، التي هي مطلق الكراهة.

وكيف كان ، مع خشية ذلك ( بعث ) وجوباً ، وفاقاً للسرائر (١) ؛ عملاً بظاهر الأمر.

خلافاً للتحرير ، فاستحباباً (٢) ؛ للأصل ، والتأمّل في دلالة الأمر على الوجوب ؛ لكونه في الأُمور الدنيويّة.

وفيه نظر ؛ لمنع كلّية السند (٣) ، سيّما فيما إذا توقّف الإصلاح عليه.

والمخاطب بالبعث ( كلّ منهما ) وفاقاً للصدوقين (٤) ؛ التفاتاً إلى ظواهر النصوص المستفيضة الدالّة على استئمار الحكمين الزوجين واشتراطهما عليهما قبول ما يحكمان به.

ففي الموثق : أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق (٥)؟ ولو كان البعث من غيرهما لما كان لذلك وجه.

مضافاً إلى صريح الرضوي : « يختار الرجل رجلاً ، وتختار المرأة رجلاً ، ويجتمعان على فرقة » (٦).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٧٣٠.

(٢) التحرير ٢ : ٤٢.

(٣) وهو أنّ كلّ أمر يكون في الأُمور الدينية. منه رحمه‌الله.

(٤) الصدوق في المقنع : ١١٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩٦.

(٥) الكافي ٦ : ١٤٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥١ ، مستطرفات السرائر : ٨٣ / ٢٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٥٣ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٣ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٥ ، المستدرك ١٥ : ١٠٥ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ١.

٩٨

خلافاً للماتن في الشرائع والفاضل في القواعد ، بل الأكثر كما في المسالك ، فالحاكم (١).

عملاً بظاهر الآية ؛ بناءً على اختلاف ضميري المخاطب والزوجين بالحضور والغيبة فيها ، وعلى الأول كان اللازم المساواة في الحضور وأن يقال : فابعثوا حكماً من أهلكما.

وللمرسل المحكيّ عن تفسير عليّ بن إبراهيم : « أتى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام رجل وامرأة على هذه الحال ، فبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها » (٢) ونحوه عن مجمع البيان (٣).

وهو أظهر إن صحّت الشهرة ، وإلاّ فالأول ؛ لضعف المرسلَين ، وعدم مكافأتهما لما مرّ. واحتمال الالتفات في الآية ومثله شائع ، وتخرج النصوص شاهدة عليه.

ولمن شذّ ، فأهلهما (٤).

وفيه بعد اندفاعه بما مضى ظهور الآية في خلافه قطعاً ، فلا يلتفت إليه ، وإن أشعر بعض الأخبار (٥) به.

ويجب أن يكون المبعوث ( حَكَماً من أهله ) وأهلها ، وفاقاً للسرائر (٦) ؛ عملاً بظاهر الآية ، وليس على حملها على الإرشاد أو الغالب‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٣٩ ، القواعد ٢ : ٤٨ ، المسالك ١ : ٥٧٢.

(٢) تفسير القمي ١ : ١٣٨ ، المستدرك ١٥ : ١٠٨ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١١ ح ٢.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٤.

(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ١٠١.

(٥) انظر الوسائل ٢١ : ٣٥٤ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ١٣ ح ٦.

(٦) السرائر ٢ : ٧٣٠.

٩٩

دلالة ولا قرينة. وعلى تقديرها ، فجواز البعث من غير الأهل ومضيّ أحكام المبعوث منه عليهما يحتاج إلى دلالة ، وهي مفقودة ، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الآية.

فالقول بجواز الحَكَم من غير الأهل كما يأتي هنا ، وفي الشرائع وعن المبسوط والوسيلة (١) ضعيف.

( ولو امتنع الزوجان ، بَعَثهما الحاكم ) ولا دليل عليه سوى الجمع بين الروايات المتضمنة لبعثه وبعثهما كما مضى ، بحمل الأولة على صورة الامتناع ، والثانية على العدم. ولا شاهد عليه.

وربما عُلِّل الحكم هنا (٢) بأنّ للحاكم الولاية العامّة ، فله البعث.

والأولى إجباره إيّاهما عليه حينئذ ، وفاقاً للإسكافي ، إلاّ أنّه لم يقيّده بصورة الامتناع ، بل قال : يأمرهما الحاكم بالبعث (٣) ، وأطلق.

( ويجوز أن يكونا ) أي الحكمان ـ ( أجنبيّين ) إمّا مطلقاً كما هو ظاهر المتن ، وفاقاً منه لمن مضى أو مقيّداً بعدم الأهل ، كما هو الأقوى.

لكن مع ذلك ، ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما ؛ لمخالفته الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النصّ ، ويكون حكمهما حينئذٍ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكّلا.

وليس لهما من التحكيم الذي هو حكم الحكمين كما يأتي شي‌ء جدّاً.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٣٩ ، المبسوط ٤ : ٣٤٠ ، الوسيلة : ٣٣٣.

(٢) أي مع الامتناع. منه رحمه‌الله.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٩٧.

١٠٠