رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وعدم القدرة على الكفّارة كما يمكن صيرورته قرينةً للاجتزاء بالاستغفار ، كذا يمكن خروجه شاهداً على عدم التكليف بذي المقدّمة ، وحينئذٍ ترجيح الأوّل على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة ، هذا.

مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها ، كالأمة ، والمتمتع بها ، على القول بوقوع مظاهرتهما ، كما هو مذهب الخصم ، والأشهر الأقوى كما مضى (١) ، والدليل أخصّ من المدّعى.

وأمّا الخبر فـ مع قصور سنده ؛ لعدم معلوميّة صحته معارض بالصحيح المتقدّم ، وهو أقوى منه بمراتب ؛ لظهور صحته ، نظراً إلى ثبوت عدم اشتراك رواية بين الثقة ومن ينظر في وثاقته ، مع اعتضاده بظاهر ما مرّ من الكتاب والسنّة ، وفتوى الأكثر التي هي أقوى المرجّحات ، كما مرّ غير مرّة وتقرّر ، فإذاً هو أظهر ومع ذلك فهو أحوط.

( السابعة : ) إن لم يرد الوقاع وصبرت المظاهرة عليه فلم ترافعه إلى الحاكم فلا اعتراض لأحدٍ في ذلك ؛ لأنّ الحقّ لها ، فجاز إسقاطها له جزماً ، مضافاً إلى الأصل. وكذا لو لم تكن ذات حقٍ ، كالموطوءة بالملك والمتمتّع بها ، وإن طالبتاه جدّاً.

وأمّا إذا كانت ذات حقّ ولم تصبر ، فرافعته إلى الحاكم ، خيّره بين العود والتكفير وبين الطلاق ، فإنّ أبى عنهما كان ( مدّة التربّص ) التي ينظر فيها لينظر في أمره ( ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، وعند انقضائها ) مع عدم اختياره أحد الأمرين يحبس و ( يضيّق عليه ) في المطعم والمشرب ، بأن يمنع عمّا زاد على سدّ الرمق ( حتى يفي‌ء أو يطلّق ) ويختار أحد‌

__________________

(١) في ص ٣٨٥.

٤٠١

الأمرين ، ولا يجبر على أحدهما ، بل يخيّر بينهما.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل ظاهر جماعة (١) الإجماع عليه ، وهو الحجّة فيه ، دون الموثق : عن رجل ظاهر عن امرأته؟ قال : « إن أتاها فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وإلاّ ترك ثلاثة أشهر ، فإن فاء ، وإلاّ أُوقف حتى يُسأل : ألك حاجة في امرأتك أو تطلّقها؟ فإن فاء فليس عليه شي‌ء ، وهي امرأته ، وإن طلّقها واحدة فهو أملك برجعتها » (٢).

لقصوره عن إفادة المدّعى بتمامه ؛ مضافاً إلى قصور سنده ، فلا يصلح حجّةً للكلّ ، مع تضمّنه بكثير ممّا لم يقل به أحد ، وتطرّق الإشكال إلى العمل بإطلاقه ، من حيث شموله لغير ذات حقّ ، ولصاحبته مع عدم فوت شي‌ء من حقوقها ، كما إذا رافعته عقيب الظهار بلا فصل بحيث لا يفوت لها الواجب من الوطء بعد المدّة المضروبة ، فإنّ سائر الحقوق غير منافٍ للظهار.

لكنّه كما مرّ مدفوع بالوفاق ، وعكوف الكلّ على العمل عليه ، ولعلّ مستندهم في الحبس والتضييق عليه في المطعم والمشرب الخبران المتضمّنان لذلك في المُؤلي ، كما يأتي (٣) ، مع عدم تعقّل الفرق بينه وبين المظاهر ، مضافاً إلى شهادة الاعتبار ، فتأمّل جدّاً.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٧٢ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٣١ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٣ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٥٧.

(٢) التهذيب ٨ : ٦ / ١١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣٧ أبواب الظهار ب ١٨ ح ١.

(٣) في ص ٤١٠.

٤٠٢

( كتاب الإيلاء )

وهو مصدر آلى يُؤلي إذا حلف مطلقاً ، كذا لغةً.

وأمّا شرعاً : فهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها ، قُبُلاً أو مطلقاً ، أبداً أو مطلقاً من غير تقييد بزمان ، أو به مع زيادته على أربعة أشهر ، للإضرار بها ، فهو جزئي من جزئيات الإيلاء الكلّي ، أُطلق عليه.

والحلف فيه كالجنس يشمل الإيلاء الشرعي وغيره ، والمراد الحلف بالله سبحانه ، كما سيأتي (١).

وتقييده بترك وطء الزوجة يخرج اليمين على غيره ، كترك المضاجعة والتقبيل ونحوهما ، فإنّه لا يلحقه أحكام الإيلاء المختصّة به ، بل يترتّب عليه حكم مطلق اليمين.

وإطلاق الزوجة يشمل الحرّة ، والأمة المسلمة ، والكافرة ؛ لعموم الأدلّة.

وخرج بها الحلف على ترك وطء الأمة الموطوءة بالملك.

وبتقييدها بالدائمة : المتمتّع بها ، فإنّ الحلف على ترك وطئها لا يعدّ إيلاءً ، بل يميناً مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ، كما سيأتي (٢) ، فيتبع الأولى في الدين والدنيا ، فإن تساويا انعقد يميناً يلزمه حكمه.

__________________

(١) في ص ٤٠٥.

(٢) في ص ٤٠٨.

٤٠٣

وكذا الحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد على أربعة أشهر.

وزدنا في التعريف قيد الدخول بها ؛ لما هو المشهور بين أصحابنا من اشتراطه من غير نقل خلاف فيه ، ويأتي الكلام فيه مع دليله (١).

وقيد : القُبل أو مطلقاً ، احتراز عمّا لو حلف على ترك وطئها دُبراً ؛ فإنّه لا ينعقد إيلاءً ، بل يميناً مطلقاً ، ويلحقه حكمه ، ولا يحصل به الفئة أيضاً ؛ لأنّ الجماع على هذا الوجه لا حقّ للزوجة فيه ، بل هو إحسان إليها لا إضرار ، هذا.

مع ما في الإيلاء وأحكامه من المخالفة للأصل ، فيقتصر فيه على محلّ الوفاق والنص ، وليس إلاّ الحلف على ترك الوطء مطلقاً أو قبلاً ؛ لعدم تبادر غيره منه جدّاً.

واعلم أنّ كل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يميناً.

والفرق بينه وبين الإيلاء مع اشتراكهما في الحلف والكفّارة الخاصّة جواز مخالفة اليمين في الإيلاء ، بل وجوبها على وجه ولو تخييراً مع الكفّارة ، دون اليمين المطلقة.

وعدم اشتراط انعقاده مع تعلّقه بالمباح بأولويّته ديناً أو دنيا أو تساوي طرفيه ، بخلاف مطلق اليمين ، فيشترط فيها ذلك.

واشتراطه بالإضرار بالزوجة ، كما علم من تعريفه ، وسيأتي دليله (٢) ، بخلاف مطلق اليمين ، فلا يشترط فيها ذلك.

واشتراطه بدوام عقد الزوجة ، كما مضت إليه الإشارة ، وسنعيده مع‌

__________________

(١) في ص ٥٦٠٣.

(٢) في ص ٥٦٠١.

٤٠٤

الأدلّة (١) ، بخلاف اليمين المطلقة.

وانحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دُبُراً مع الكفّارة دون الإيلاء ، إلى غير ذلك من الأحكام المختصّة بالإيلاء ، المذكورة في بابه.

والأصل فيه الكتاب ، قال الله سبحانه ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢).

مضافاً إلى الإجماع ، والسنّة المستفيضة ، وسيأتي إلى بعضها الإشارة.

( ولا ينعقد إلاّ باسم الله سبحانه ) المختصّ به ، أو الغالب فيه ، كاليمين المطلقة ؛ لعموم أدلّتها ، وخصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « الإيلاء أن يقول : والله لا أُجامعكِ كذا وكذا » الخبر (٣) ، ونحوه غيره (٤).

مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ، وأصالة البراءة عن أحكامه التي منها الكفّارة بالمخالفة.

( و ) يتفرع عليه أنّه ( لو حلف ) على ترك وطئها ( بالطلاق أو العتاق لم يصحّ ) بلا خلاف بيننا ، ووافقنا عليه كثير ممّن خالفنا (٥) ، وقال بعضهم (٦) : لا يختص به ، بل لو قال : إن وطئتكِ فعبدي حرّ ، أو قال‌ :

__________________

(١) في ص ٤٠٧.

(٢) البقرة : ٢٢٦ ، ٢٢٧.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٤ ، التهذيب ٨ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٩ أبواب الإيلاء ب ٩ ج ١.

(٥) انظر المغني ٨ : ٥٠٥ ، وزاد المعاد ٤ : ٩٢ ، وبداية المجتهد ٢ : ١٠١.

(٦) حكاه عن مالك في بداية المجتهد ٢ : ١٠١.

٤٠٥

صدقة ، أو حلائلي محرّمات ، كان مؤلياً ، فيلزمه مع الوطء كفّارة الإيلاء أو الوفاء بالملتزم.

ومثله ما لو قال : إن أصبتكِ فعليّ كذا ، بل أولى بعدم الوقوع ؛ لأنّه كناية لا يقع به عندنا وإن ذكر اسم الله تعالى.

( ولا ينعقد إلاّ في إضرار ) بلا خلاف ؛ للخبرين ، أحدهما الصحيح : « إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل » (١).

وثانيهما الخبر ، بل القوى : « ليس في الإصلاح إيلاء » (٢) ويتمّ بعدم القول بالفصل. وضعف السند بالشهرة منجبر.

وبهما يخصّ عموم الأدلّة ، مع عدم انصراف أكثرها إلى هذه الصورة.

( فلو حلف للصلاح لم ينعقد ، كما لو حلف لاستضرارها بالوطء أو لصلاح اللبن ).

( ولا ينعقد ) أيضاً ( حتى يكون مطلقاً ) غير مقيد بزمان ( أو ) مقيّداً به مع كونه ( أزيد من أربعة أشهر ) للأصل ، وتوقّف أحكامه من الإيقاف للفئة أو الطلاق عليه ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في كلام جماعة (٣).

وبه صريح بعض المعتبرة ، وليس في سنده سوى القاسم بن عروة ، وقد حسّنه بعض الأجلّة (٤) ، بل ربما قيل بوثاقته (٥) ، وهو مع ذلك معتضد بعمل الطائفة ، وقد جعله فخر المحققين مذهب الإمامية والشافعية ومالك‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤١ أبواب الإيلاء ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧ / ١٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٤ أبواب الإيلاء ب ٤ ح ١.

(٣) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٧٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٦٨ ، وانظر الكفاية : ٢١٣ ، وملاذ الأخيار ١٣ : ١٨.

(٤) راجع مجمع الفائدة ٢ : ٢٥٥ ، و ٣ : ٢٠٥ ، و ١٢ : ٦٢.

(٥) المسائل الصاغانية ( مصنّفات المفيد ٣ ) : ٧١ ، ٧٢.

٤٠٦

وأبي حنيفة (١) ، وفيه : رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر ، قال : فقال : « لا يكون إيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر » (٢).

( ويعتبر في المؤلي البلوغ ، وكمال العقل ، والاختيار ، والقصد ) إلى مدلول اللفظ ، فلا يقع من الصبي ، والمجنون ، والمكره ، والساهي ، والنائم ، والعابث به ، ونحوهم ممّن لا يقصد الإيلاء ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ؛ لكونه من اليمين المعتبر فيها ذلك ، كما يأتي.

( و ) يعتبر ( في المرأة الزوجية ) فلا يقع بالأجنبيّة ، والموطؤة بالملك ؛ للأصل ، واختصاص الكتاب والسنّة بما عدا الأجنبيّة ، بل الثانية أيضاً ؛ لمنافاة الإيلاء ، بهما أحكامه المرتسمة فيهما من لزوم الفئة أو الطلاق الغير الجاري في شي‌ء منهما قطعاً ، وفي القريب من الصحة ، بل قرّبها فيه جماعة (٣) : « لا يقع الإيلاء إلاّ على امرأة قد دخل بها زوجها » (٤).

( و ) منه يستفاد اعتبار ( الدخول ) بها أيضاً ، ونحوه في اشتراطه معتبرة أُخر مستفيضة (٥) ، فيها الصحيح وغيره ، معتضدة بعمل الطائفة كافّة ، كما يعطيه كلام جماعة (٦).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٤٢٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٦ / ١٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٥ ح ٢.

(٣) منهم الشيخ محمّد تقي المجلسي في روضة المتقين ٩ : ١٥٠ ، فإنّه قال : في القوي كالصحيح ..

(٤) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٨ : ٧ / ١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٦ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ٢٢ : ٣٤٥ أبواب الإيلاء ب ٦ ، وكذا ص ٣١٦ أبواب الظهار ب ٨.

(٦) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ١٤٦ ، والمحقق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٣٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٦٧.

٤٠٧

( وفي وقوعه بالمتمتّع بها قولان ) من عموم الآية والسنّة ، ومن الأصل ، واختصاصهما بحكم التبادر والسياق المتضمن للإجبار على الفئة أو الطلاق بغيرها.

ومع ذلك : ( المروي ) في خصوص الصحيح (١) ( أنّه لا يقع ) وهذا أشهر وأقوى.

خلافاً للقاضي (٢) ، فيقع ؛ لما مرّ من العموم. ويضعّف بما مرّ.

وأمّا ما يجاب عن السياق بضعفه من حيث عدم ثبوت تخصيص العام بالضمير المتعقّب له الراجع إلى بعض أفراده.

مدفوع بثبوت ذلك ، كما تقرّر في محلّه ، ومع التنزّل فلا أقلّ من التوقف فيه ، فإنّ ضعف القول بعدم التخصيص ولزوم ارتكاب التجوّز في الضمير ممّا لا يدانيه شوب الشك والريبة ، وحينئذٍ فلا بدّ من الرجوع إلى حكم الأصل ، وهو ما قدّمناه بلا شبهة ، وحيث لم يقع انعقد يميناً إن اجتمع شرائطها ، كما مضى.

واعلم أنّه حيثما وقع الإيلاء فإن صبرت فلا بحث وإن مضت المدّة فصاعداً ؛ لأنّ الحقّ لها بعد مضيّها ، فلها إسقاطه ، ولا حقّ لها قبله ، بل هو له ، فله تركه ، وليس لأحد حتى الزوجة مطالبته.

مضافاً إلى الأصل ، والصحيح في المقامين ، وفيه : « إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ، ولا حقّ في الأربعة أشهر ، ولا إثم عليه في‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨ / ٢٢.

(٢) في هامش الأصل : للتقي ، خ ل. انظر الكافي في الفقه : ٣٠٢ ، والموجود في المهذّب خلاف ما نسب إليه ، قال فيه ( ٢ : ٣٠٢ ) : وإذا كانت المرأة متمتعاً بها لم يقع بها إيلاء.

٤٠٨

كفّه عنها في الأربعة أشهر ، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فسكتت ورضيت فهو في حلّ وسعة ، فإن رفعت أمرها إلى الحاكم قيل له : إمّا أن تفي‌ء ، وإمّا أن تطلّق » الخبر (١).

وله وطؤها في المدّة وبعدها ، بلا خلاف فيه وفي ثبوت الكفّارة في الأوّل ، بل حكى الإجماع عليه جماعة (٢) ، وهو الحجة فيه ، كعموم الأدلّة المثبتة لها في الحنث لكل يمين.

ومنه ينقدح الوجه في ثبوتها في الثاني أيضاً ، كما هو الأشهر ، بل عن الخلاف (٣) عليه الإجماع ، وهو الأظهر ؛ لذلك.

مضافاً إلى الخبر الذي قصور سنده بقاسم بن عروة ، ومتنه بما على خلافه الأكثر ، بالشهرة منجبر ، وفيه : عن رجل آلى من امرأته فمرّت به أربعة أشهر ، قال : « يوقف ، فإن عزم الطلاق بانت منه ، وعليها عدّة المطلقة ، وإلاّ كفّر يمينه ، وأمسكها » (٤).

خلافاً للشيخ (٥) ، فلا كفّارة.

وهو مع مخالفته ما مرّ غير واضح المستند.

وربما وجّه بأنّ المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح لم يجب الكفّارة بالحنث (٦).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣١ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٢ أبواب الإيلاء ب ٢ ح ١.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٢٠ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٨٧ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٨٠ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢١.

(٣) الخلاف ٤ : ٥٢٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٠ / ١٦٣٧ ، التهذيب ٨ : ٨ / ٢١ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٤ / ٩١٠ ، تفسير العياشي ١ : ١١٣ / ٣٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٥ أبواب الإيلاء ب ١٢ ح ٣.

(٥) المبسوط ٥ : ١٣٥.

(٦) نهاية المرام ٢ : ١٨١.

٤٠٩

ويضعّف بأنّ يمين الإيلاء يخالف غيره من الأيمان في هذا المعنى ، ومن ثم انعقد ابتداءً وإن كان تركه أرجح ، أو كان واجباً ، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء.

( وإذا ) لم يطأها ( رافعته ) إلى الشرع ( أنظره الحاكم أربعة أشهر ) من حين الإيلاء ؛ للمعتبرة المستفيضة (١) ( فإن ) فاء بعد الإنظار فلا بحث ، وإن ( أصرّ على الامتناع ثم رافعته بعد المدّة خيّره الحاكم بين الفئة والطلاق ) بلا خلاف ؛ للمعتبرة المستفيضة ، المتقدّمة بعضها (٢).

ونحوه غيره من الصحيح ، وغيره القريب منه صحّة ، قال : « الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته : والله لأغيظنّكِ ، ولأسوءنّكِ ، ثم يهجرها ، ولا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر فقد وقع الإيلاء ، وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفي‌ء ، أو يطلّق » (٣).

وظاهرها كالعبارة وصريح الجماعة عدم جواز الإجبار على أحد الأمرين على التعيين ، وينبغي تقييده بما إذا حصل أحد الأمرين على التعيين بتخيّر الحاكم له ، وإلاّ فلو امتنع من أحدهما كالفئة مثلاً أمكن إجباره على الطلاق ؛ للصحيح : « يتربّص بها أربعة أشهر ، ثم يؤخذ ، فيوقف بعد الأربعة أشهر ، فإن فاء وهو أن يصالح أهله فإنّ الله غفور رحيم ، وإن لم يفي‌ء جبر على أن يطلّق » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨.

(٢) راجع ص ٤٠٨.

(٣) الصحيح في : الكافي : ١٣٢ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٠ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ٣.

والآخر في : التهذيب ٨ : ٨ / ٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٤ / ٩١١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٠ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٣ / ٩٠٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٩ أبواب الإيلاء ب ٩ ح ١.

٤١٠

وما يقال من أنّ الإجبار عليه مستلزم للإكراه المنافي مدفوع بأنّه إجبار بحقّ ، مع ورود ذلك في الإجبار على أحدهما ، فتأمّل.

ثم الفئة تتحقق في القادر على الوطء به ولو بمسمّاه ، بأن يغيب الحشفة وإن لم ينزل ، وفي العاجز عنه بإظهار العزم عليه في أوّل أوقات الإمكان.

( فإن امتنع ) عن الأمرين ( حبسه ) الحاكم ( وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يكفّر ويفي‌ء ، أو يطلّق ) بلا خلاف فيه إلاّ في الكفّارة ؛ لوقوع الخلاف فيها ، كما مضت إليه الإشارة (١) ، ومستندهم هنا الأخبار ، ومنها : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ، ويجعله فيها ، ويمنعه من الطعام والشارب حتى يطلّق » (٢) والمراد من منعه عنهما المنع عن تمامهما.

والآخر : « إذا أبى المؤلي أن يطلّق جعل له حظيرة من قصب ، وأعطاه ربع قوته حتّى يطلّق » (٣).

وقصور سندهما بالعمل مجبور ؛ مضافاً إلى الاعتبار الشاهد بصحتهما.

وفي الخبر في المؤلي : « إمّا أن يفي‌ء ، أو يطلّق ، فإن فعل ، وإلاّ ضربت عنقه » (٤) وهو مع ضعف السند بالإرسال شاذّ مخالف للإجماع.

__________________

(١) راجع ص ٤٠٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٣ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١٣ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٤ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ١٣٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٦ / ١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٧ / ٩٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٣ أبواب الإيلاء ب ١١ ح ٢.

٤١١

( وإذا طلّق وقع رجعيّاً ) حيث لا سبب للبينونة ( وعليها العدّة ) (١) إجماعاً فيها ، نصّاً وفتوى ، ووفاقاً للأكثر في الأوّل ؛ للعمومات ، وخصوص المعتبرة ، منها الصحيحان : « هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء » (٢).

وفي غيرهما : « فإن عزم الطلاق فهي واحدة ، وهو أملك برجعتها » (٣).

وقيل (٤) : يقع بائناً مطلقا ؛ للصحيح (٥) وغيره (٦). وهو شاذّ ، ومستنده لعدم مكافأته لما مرّ مطروح ، أو مؤوّل بحصول سبب البينونة ، ككونها عنده على طلقة واحدة ، أو حمل البينونة فيهما على مجرّد الفرقة وإن لم تكن قاطعة لعلاقة الزوجيّة ، ذكره بعض الأجلّة (٧) ، ولا بأس به كالأوّل ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وربما يشهد للأوّل ما رواه في الكافي في الصحيح : عن منصور بن حازم قال : « إنّ المؤلي يجبر على أن يطلّق تطليقة بائنةً وعن غير منصور :‌

__________________

(١) في المطبوع زيادة : من يوم طلّقها.

(٢) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٣٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ١.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٣١ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٢ أبواب الإيلاء ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ١٣٢ / ٨ ، التهذيب ٨ : ٥ / ٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٦ / ٩١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ٢.

(٤) حكاه في المسالك ٢ : ١٠٤ ، ونهاية المرام ٢ : ١٨١ ، ولم نعثر على القائل بعينه ، كما اعترف به صاحب الجواهر ٣٣ : ٣١٤.

(٥) الكافي ٦ : ١٣١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٦ / ٩١٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٢ أبواب الإيلاء ب ١ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠.

(٧) نهاية المرام ٢ : ١٨٢.

٤١٢

أنّه يطلّق تطليقة يملك الرجعة » فقال له بعض أصحابه : إنّ هذا منتقض ، فقال : لا ، التي تشكو فتقول : يجبرني ، ويضرّني ، ويمنعني من الزوج ، يجبر على أن يطلّقها تطليقة بائنة ، والتي تسكت ، ولا تشكو شيئاً ، إن شاء يطلّقها تطليقة يملك الرجعة (١). فتأمّل.

( ولو ) اختلفا ، فـ ( ادّعى ) المؤلي ( الفئة وأنكرت هي فالقول قوله مع يمينه ) بلا خلاف أجده ، ولعلّه الحجّة ، وإن خالف القاعدة المتقرّرة ، ولعلّ وجه المخالفة تعذّر البيّنة ، وخصوص بعض المعتبرة ، كالموثّق : عن المرأة تزعم أنّ زوجها لا يمسّها ، ويزعم أنّه يمسّها؟ قال : « يحلف ويترك » (٢).

( وهل يشترط في ضرب المدّة المرافعة ) فلا تحسب إلاّ من حينها؟ ( قال الشيخ ) (٣) وأكثر الأصحاب : ( نعم ) لأنّه حكم شرعي يتوقّف على حكم الحاكم ، ولأصالة عدم التسلّط على الزوج بحبسٍ وغيره قبل تحقق السبب ، ولأنّه حقّها فيتوقّف على مطالبتها.

والأصحّ أنّه من حين الإيلاء ، وفاقاً للقديمين والمختلف وجماعة (٤) ؛ لظاهر الآية (٥) ، حيث رتّب التربّص عليه من غير تعرّض للمرافعة.

( و ) كذا ( الروايات ) فإنّها ( مطلقة ) غير مقيّدة بالمراجعة ، ففي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣١ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٢ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٨ / ٢٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥٦ أبواب الإيلاء ب ١٣ ح ١.

(٣) المبسوط ٥ : ١٣٧.

(٤) المختلف : ٦٠٥ وقد حكاه فيه عن العماني وابن الجنيد ؛ الإيضاح ٣ : ٤٣٢ ، نهاية المرام ٢ : ١٨٣ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٣٤.

(٥) البقرة : ٢٢٦.

٤١٣

الصحيح : « والإيلاء أن يقول : والله لا أُجامعكِ كذا وكذا ، والله لأغيظنّكِ ، ثم يغاضبها ، فإنّها تربّص به أربعة أشهر ، ثم يؤخذ بعد الأربعة أشهر فيوقف » الخبر (١).

وفيه : « إذا آلى الرجل أن لا يقارب امرأته ، ولا يمسّها ، ولا يجامع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف » الحديث (٢).

ونحوهما غيرهما من الصحيح وغيره (٣).

ولا يعارضها ما ذكر من الأدلّة ؛ إذ نمنع احتياج المدّة إلى الضرب ، بل هو مقتضى الحكم الثابت بالنص ، ولا دليل على توقّفه على المرافعة.

والأصالة المذكورة بالإيلاء المقتضي للتسلّط بالنصّ والإجماع منقطعة.

وتوقّف الحقّ على المطالبة لا يقتضي ضرب المدّة من حين المرافعة ، بل بعد انقضائها من حين الإيلاء يثبت لها الحقّ ، فإذا طالبته وجب الوفاء به لها من حين المطالبة ، لا الصبر به إلى انقضاء المدّة من حين المرافعة.

وعلى المختار فلو لم ترافعه حتى انقضت المدّة أمره بأحد الأمرين منجّزاً.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٣٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٣٩ / ١٦٣٤ ، التهذيب ٨ : ٢ / ١ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٤٧ أبواب الإيلاء ب ٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٦ : ١٣٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣ / ٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٥ / ٩١٥ ، تفسير العياشي ١ : ١١٣ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٥١ أبواب الإيلاء ب ١٠.

٤١٤

( ولنتبع ذلك : ) أي بحث الإيلاء والظهار ( بذكر الكفّارات ) من حيث تضمّنهما الكفّارة ، ولذا اكتفى عن بيان كفّارتهما بذكر مطلق الكفّارات ؛ لتضمّنها لها.

( وفيه مقصدان : )

المقصد ( الأوّل )

( في حصرها ) وبيان أقسامها ( وتنقسم إلى مرتّبة ، ومخيّرة ، وما يجتمع ) فيه ( الأمران ، وكفّارة الجمع ) فأقسامها أربعة.

( فـ ) الأوّل وهو ( المرتّبة : كفّارة الظهار ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ) والأصل فيها بعد الإجماع المستفيض الحكاية في كلام جماعة (١) نص الآية ، فقال سبحانه ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) إلى أن قال ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (٢).

مضافاً إلى الاستئناس له ببعض المعتبرة وإن لم تكن صريحة ، ففي الموثق : « جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، ظاهرتُ من امرأتي ، فقال : اذهب فأعتق رقبة ، فقال : ليس عندي ، فقال : فاذهب فصم‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ١٤٤ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٨٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤١.

(٢) المجادلة : ٣ ، ٤.

٤١٥

شهرين متتابعين ، قال : لا أقوى ، قال : فاذهب فأطعم ستّين مسكيناً ، قال : ليس عندي » الخبر (١).

وفي المرسل كالصحيح على الصحيح : في رجل صام من كفّارة الظهار ، ثم وجد نسمة ، قال : « يعتقها ، ولا يعتدّ بالصوم » (٢) ولا قائل بالفرق ، فتأمّل.

وأمّا ما يستفاد من المعتبرة المستفيضة (٣) وفيها الصحاح والموثّقة من كونها مخيّرة ، فشاذّ ، لا عمل عليه إن حملت على ظاهرها ؛ لمخالفتها الكتاب والسنّة ، وإجماع الأصحاب ، وما مرّ من روايات الباب ، والاعتبار ؛ فإنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، وهي بمراعاة الترتيب حاصلة وبدونها مشكوكة ، ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ، كما في المعتبرة المستفيضة (٤) ، فلتطرح ، أو تؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل ، كأن يحمل على أنّ المراد بها بيان ماهية الخصال الثلاث خاصّة ، لا كونها مخيّرة.

( ومثلها ) في الخصال الثلاث وترتيبها ( كفّارة قتل الخطأ ) على الأشهر الأقوى ، بل عن المبسوط نفي الخلاف عنه (٥) ، وكذا في المسالك في كتاب الديات (٦) ؛ لقوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٤٤ / ١٦٤٩ ، التهذيب ٨ : ١٥ / ٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٠ أبواب الكفارات ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٦ أبواب الكفارات ب ٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٥٩ أبواب الكفارات ب ١.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٥) المبسوط ٥ : ١٥٥.

(٦) المسالك ٢ : ٥١١.

٤١٦

إلى قوله : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) (١).

قيل (٢) : وفي معناه النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ، ثم أعتق رقبة ، وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً » (٣).

خلافاً للمفيد والديلمي (٤) ، فجعلاها مخيّرة. ولم أقف على مستندهما ، وعلى تقديره فلم يبلغ قوّة المعارضة لما قدّمناه جدّاً ؛ لوجوه شتّى.

ومثلهما كفّارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند الصدوق وجماعة (٥) ؛ للصحيح : عن المعتكف يجامع أهله؟ قال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر » (٦) ونحوه الصحيح الآخر (٧).

خلافاً للأكثر ، فالتخيير بين الخصال الثلاث ؛ للموثقين : عن معتكف واقع أهله : « هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان » (٨) وزيد في‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) قاله في المفاتيح ١ : ٢٦١.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٢٢ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٤ أبواب الكفّارات ب ١٠ ح ١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٧٠ ، الديلمي في المراسم : ١٨٧.

(٥) الصدوق في الفقيه ٢ : ١٢٢ ؛ وانظر المختلف : ٢٥٤ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٠٨ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٢٦١.

(٦) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣ / ٤٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٦ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٨ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

(٨) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.

٤١٧

ثانيهما : « متعمّداً ، عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (١).

والجمع بينهما بحمل كلّ منهما على الآخر ممكن ، إلاّ أنّ الشهرة التي هي أقوى المرجّحات النصّية والاعتبارية ترجّح الثاني ، ولكن الاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل.

ومثلها كفّارة من حلف بالبراءة ، على قولٍ يأتي ذكره (٢).

( و ) مثلها في الترتيب خاصّة دون الخصال الثلاث المتقدّمة ( كفّارة من أفطر يوماً من قضاء شهر رمضان بعد الزوال ) فإنّها ( إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٣) ؛ لصريح الخبر الذي قصور سنده للجهالة بالشهرة ، والتضمّن لمن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، منجبر ، وفيه : « إن كان أتى أهله » يعني القاضي لرمضان « قبل الزوال فلا شي‌ء عليه إلاّ يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع » (٤).

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بالصحيح في القاضي لرمضان : « إن كان‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٢) في ص ٤٢٧.

(٣) الانتصار : ٦٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١ ، المقنع : ٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.

٤١٨

وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، ويصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك » (١).

لما ذكره الشيخ : من أنّه إذا كان وقت الصلاتين عند زوال الشمس إلاّ أنّ الظهر قبل العصر جاز أن يعبّر عمّا قبل الزوال بأنّه قبل العصر ؛ لقرب ما بين الوقتين ، ويعبّر عمّا بعد العصر بأنّه بعد الزوال ؛ لمثل ذلك (٢).

أقول : ويخرج الشهرة بل الإجماع والمعتبرة السابقة شاهداً لما ذكره.

خلافاً للحلبي (٣) ، فخيّر بينهما ، وكذا ابن زهرة (٤) ، مدّعياً عليه إجماعنا.

وللقاضي (٥) ، فجعلها كفّارة يمين.

وهما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستندهما.

وللعماني (٦) ، فأسقطها ؛ للموثّق عن القاضي لرمضان ، المفطر بعد ما زالت الشمس ، قال : « قد أساء ، وليس عليه شي‌ء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٢١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٥) المهذّب ١ : ٢٠٣.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٧٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

٤١٩

وهو وإن اعتبر سنداً ، واعتضد بالأصل جدّاً ، إلاّ أنّه غير مكافئ لما مرّ قطعاً ؛ لوجوه شتّى ، منها : موافقته للعامة العمياء ، كما صرّح به في المنتهي (١) ، مدّعياً على خلافه إجماعنا من عدا العماني.

وللصدوقين (٢) ، فجعلاها كفّارة شهر رمضان ؛ للموثّق : عن رجل قضى من شهر رمضان ، فأتى النساء؟ قال : « عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان ؛ لأنّ ذلك اليوم عند الله تعالى من أيّام رمضان » (٣).

وفيه مضافاً إلى ما مرّ في سابقه المخالفة للأصل ، وعدم التقييد فيه بما قبل الزوال ، بل ظاهر التعليل العموم له جدّاً ، ولم أرَ بذلك قولاً حتى منهما ، فليطرح ، أو يحمل على الاستحباب.

وهنا أقوال أُخر شاذّة ، تبلغ هي مع ما مرّ ثمانية ، على ما حكاه بعض الأجلّة (٤).

( والمخيّرة : كفّارة ) من أفطر في ( شهر رمضان ) مع وجوب صومه عليه بما يوجبها ( وهي : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ) مطلقاً ، على الأشهر ، بل في الانتصار والغنية (٥) عليه الإجماع ، وهو الأظهر ؛ للأصل ، والصحيح : عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يعتق نسمة » أو يصوم‌

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٠٥.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٢٤٦ ، وهو في المقنع : ٦٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٤) انظر المفاتيح ١ : ٢٦٣ ، والتنقيح ٣ : ٣٩٢.

(٥) الانتصار : ٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

٤٢٠