رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

( الطرف الثاني ) :

في ( التفويض )

وهو لغةً : ردّ الأمر إلى الغير ثم الإهمال.

وشرعاً : ردّ أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث ، أو إهمال ذكره في العقد. فهو قسمان :

الأول : ما أشار إليه الماتن بقوله :

( ولا يشترط في الصحّة ذكر المهر ، فلو ) عقد و ( أغفله ، أو شرط أن لا مهر ) لها في الحال أو مطلقاً ( فالعقد صحيح ) بلا خلاف ، بل إجماعاً ، حكاه جماعة (١).

ويسمّى بتفويض البضع ، والمرأة مفوّضة البضع ، بكسر الواو وفتحها.

أمّا لو صرّح بنفيه في الحال والمآل على وجه يشمل ما بعد الدخول فسد العقد على الأشهر ؛ لمنافاته مقتضاه ، وهو وجوب المهر في الجملة.

وفيه منافاة لما ذكروه كما يأتي من عدم فساد العقد بفساد الشرط المخالف لمقتضى العقد ، الملازم لعدم فساده بفساده هنا بطريق أولى ؛ لعدم كونه بصورة الشرط قطعاً ، فتأمّل جدّاً.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٤٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٤١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٣.

٢١

نعم ، في المستفيضة منها الصحيحان (١) ـ : « لا تحلّ الهبة إلاّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا غيره فلا يصلح له نكاح إلاّ بمهر » وربما دلّ نفي الصلاح على الفساد.

وأظهر منه الخبر : في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين ، قال : « إن عوّضها كان مستقيماً » (٢) ، فتأمّل.

وفيه قول بالصحّة ؛ قياساً له بالنفي المطلق (٣).

وليس في محلّه ؛ لوجود الفارق ، وهو قبول المقيس عليه التخصيص دون المقيس.

وآخر بفساد التفويض دون العقد ، فيجب مهر المثل ، كما لو شرط في المهر ما يفسده ؛ تمسّكاً بلزوم الوفاء بالعقد (٤).

وهو الأوفق بالأُصول إن أُريد بثبوت المثل الثبوت بالدخول لولا ما مرّ من المستفيضة ، إلاّ أنّ المحكيّ عن القائل به الثبوت بنفس العقد (٥) ، ولا ريب في ضعفه إن تمّ.

وبالجملة : المسألة محلّ إشكال.

والمستند في أصل الحكم بعد الإجماع المتقدّم الآية الكريمة : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (٦). والمعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة ، فدخل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٨٤ / ٢ ، ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٥ أبواب عقد النكاح ب ٢ ح ٢ ، ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٥ / ٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٦ أبواب عقد النكاح ب ٢ ح ٥.

(٣) انظر نهاية المرام ١ : ٣٧٥.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٩٤.

(٥) انظر جامع المقاصد ١٣ : ٤١٧.

(٦) البقرة : ٢٣٦.

٢٢

بها ولم يفرض لها مهراً ، ثم طلّقها ، فقال : « لها مثل مهور نسائها » (١).

ثمّ من أحكامه عندنا : عدم وجوب شي‌ء لها متعةً كان ، أو مهر مثل بمجرّد العقد ؛ للأصل.

خلافاً لبعض الشافعيّة ، فأوجب الثاني (٢).

فلو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شي‌ء لها بلا خلاف في الظاهر ، وقد حكي (٣) ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول : « إن كان فرض لها زوجها مهراً فلها.

. وإن لم يكن فرض مهراً فلا مهر » (٤) ونحوه غيره (٥).

( ولو طلّق ) المفوّضة ( فلها المتعة ) خاصّة إن كان الطلاق ( قبل ) الفرض و ( الدخول ) خاصّة ؛ بالإجماع ، ونصّ الآية السابقة ، والمستفيضة : منها الحسن : في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : « عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً ، وإن لم يكن فرض فليمتّعها على نحو ممّا يتمتّع مثلها من النساء » (٦) ونحوه خبران آخران (٧).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢ ح ١.

(٢) انظر الام ٥ : ١٥٩.

(٣) انظر الروضة ٥ : ٣٥٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.

(٥) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٦ ، ٥٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٦ ، ١٢١٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ذيل حديث ٢٢.

(٦) الكافي ٦ : ١٠٦ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٤٢ / ٤٩٣ ، الوسائل ٢١ : ٣١٤ أبواب المهور ب ٥١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) الأول في : الكافي ٦ : ١٠٦ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٢ / ٤٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣١٣ أبواب المهور ب ٥١ ح ١.

الثاني في : الكافي ٦ : ٨٣ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ٣١٤ أبواب المهور ب ٥١ ح ٣.

٢٣

والرضوي : « كلّ من طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا عدّة عليها منه ، فإن كان سمّى لها صداقاً فلها نصف الصداق ، وإن لم يكن سمّى لها صداقاً يمتّعها بشي‌ء قليل أو كثير على قدر يساره » (١).

وإن كان الطلاق بعد الفرض وقبل الدخول فنصفه ؛ لقوله تعالى : ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٢) مضافاً إلى الحسنة.

ولو لم يطلّق أو طلّق بعد الدخول فجميعه بعد الاتّفاق عليه ، بلا خلاف إلاّ في الأول وهو ما لو لم يطلّق لأنّ الحقّ فيه لهما ، زاد عن مهر المثل أم لا ، ساواه أم قصر ، وربما كان في الآية عليه دلالة كالصحيح السابق في المتوفّى عنها زوجها.

ومع الاختلاف في الفرض ، قيل (٣) : للحاكم فرضه بمهر المثل ، كما يعيّن النفقة للزوجة على الغائب ، ومن جرى مجراه. ويحتمل قويّاً إبقاء الحال إلى حصول أحد الأُمور (٤) الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ ؛ لأنّ ذلك لازم للتفويض الذي قد قدما عليه.

ثم إنّ في ثبوت المتعة بغير الطلاق من أقسام البينونة أقوال ، ثالثها المحكيّ عن المبسوط (٥) ـ : الثبوت بما يقع من قبله أو قبلهما ، دون ما كان من قبلها خاصّة.

والأقوى : العدم مطلقاً ، وفاقاً للأكثر ؛ تمسّكاً بالأصل ، والتفاتاً إلى‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٨٩ أبواب المهور ب ٣٣ ح ٥.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) انظر الروضة ٥ : ٣٤٩.

(٤) كالدخول الموجب لمهر المثل والطلاق قبله الموجب للمتعة والموت ونحوه المسقط للحق. منه رحمه‌الله.

(٥) المبسوط ٤ : ٣٢٠.

٢٤

اختصاص الآية والحسنة بالطلاق ، والتعدية قياس.

نعم ، تستحبّ ؛ خروجاً عن الشبهة ، والتفاتاً إلى فحوى ما دلّ على رجحانها لكلّ مطلّقة وإن لم تكن مفوّضة ، كالصحيح : عن رجل تزوّج امرأة ، فدخل بها ولم يفرض لها مهراً ، ثم طلّقها ، فقال : « لها مثل مهور نسائها ويمتّعها » (١).

ولإضماره مع عدم صراحته في الوجوب حُمِل على الاستحباب ، معتضداً بالأصل ، وظاهر الخبر : في الرجل يطلّق امرأته ، أيمتّعها؟ قال : « نعم ، أما يحبّ أن يكون من المحسنين؟! أما يحبّ أن يكون من المتّقين؟! » (٢). وبهما يُصرَف ما ظاهره الوجوب ، كالصحيح : « متعة النساء واجبة ، دخل بها أو لم يدخل ، ويمتّع قبل أن يطلّق » (٣).

والصحيح والموثّق : في قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٤) ، قال : « متاعها بعد ما تنقضي عدّتها ، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » وفي ذيلها : « أنّ الحسن بن عليّ لم يطلّق امرأة إلاّ متّعها » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ / ٤٨٧ ، تفسير العياشي ١ : ١٢٤ / ٣٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٦ أبواب المهور ب ٤٨ ح ٥.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٢٨ / ١٥٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ١.

(٤) البقرة : ٢٤١.

(٥) الصحيح في : الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ٢.

٢٥

وقريب من الصحيح : « إنّ متعة المطلّقة فريضة » (١).

ويمكن حمله على المفوّضة ، وصرف المطلّقة إلى المعهودة المذكورة في الآية ، ولذا أطلق على الوجوب الفريضة.

وربما احتمل الوجوب في المسالك في كلّ مطلّقة (٢) ؛ عملاً بظواهر هذه المعتبرة المخصّص بها الأصل ؛ والرواية المتقدّمة مع قصور سندهما غير صريحة في الاستحباب.

وهو حسن إن وجد به قائل ، ولم أجده ، بل المحتمِل مصرِّح بأنّ المذهب الاستحباب (٣) ، فهو متعيّن ، مع أنّ الرواية ليست بقاصرة ، بل حسنة أو صحيحة ؛ لأنّ حسنها بإبراهيم ، ولا ريب في ظهورها في الاستحباب ، مع اعتضادها بكثير من المعتبرة الواردة في المقام ، الدالّة على اشتراط المتعة بعدم الفرض (٤) ؛ مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على ثبوت نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول وجميعه بعده (٥) ، من دون ذكر للمتعة بالمرّة ، مع ورود أكثرها في مقام الحاجة ، فلا وجه للقول بالوجوب بالمرّة.

هذا ، مع عدم صراحة لفظ الوجوب في الصحيح المتقدّم في المعنى المصطلح ، فيحتمل الاستحباب ، وعلى تقدير الصراحة يحتمل المتعة فيها ما يعمّ مهر المثل والمتعة بالمعنى المتعارف. وأمّا باقي الروايات فليس‌

__________________

الموثق في : الكافي ٦ : ١٠٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣١٢ أبواب المهور ب ٥٠ ح ٣.

(١) التهذيب ٨ : ١٤١ / ٤٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٦ أبواب المهور ب ٤٨ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ٥٤٣.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٤٣.

(٤) انظر الوسائل ٢١ : ٣٠٧ ، ٣٠٨ أبواب المهور ب ٤٨ الأحاديث ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ١٢.

(٥) الوسائل ٢١ : ٣١٣ ، ٣١٩ أبواب المهور ب ٥١ ، ٥٤.

٢٦

صريحةً في الوجوب ولا ظاهرة.

وأُلحق بالمفوّضة من فُرِض لها مهر فاسد ، فإنّه في قوّة التفويض ، ومن فسخت في المهر قبل الدخول بوجه مجوّز (١).

ولا بأس به إن أُريد الاستحباب ، وإلاّ فالوجوب مشكل.

( و ) يجب ( بعده ) أي الدخول وقبل الفرض ( لها مهر المثل ) إجماعاً ؛ للمستفيضة ، منها الصحيح المتقدّم (٢) ، ونحوه الموثّقان : في رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ، قال : « لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها » (٣).

وإطلاقها كالعبارة وصريح بعض الأجلّة (٤) ثبوت المثل مطلقاً ولو زاد على السنّة.

خلافاً للأكثر فيه ، فيردّ إليها ، بل عن فخر المحقّقين وابن زهرة عليه الإجماع (٥) ، وهو ظاهر المحكيّ عن المبسوط (٦) ؛ وهو الحجّة فيه كالموثق : عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها ، قال : « السنّة ، والسنّة خمسمائة درهم » (٧).

__________________

(١) الروضة ٥ : ٣٤٩.

(٢) في ص ٢٥.

(٣) الكافي ٥ : ٣٨١ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٦ ، ١٤٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٢ ، ٨١٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٦٩ أبواب المهور ب ١٢ ح ٣ ، ٢.

(٤) كصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٧٧.

(٥) حكاه عن فخر الدين في نهاية المرام ١ : ٣٧٧ ، وهو في الإيضاح ٣ : ٢١٧ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٦) المبسوط ٤ : ٢٩٧.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٦٢ / ١٤٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ٢.

٢٧

وما ربما يقال على الأول بوجود الخلاف فلا حجّة فيه ، وعلى الثاني بقصور السند أولاً ، وضعف الدلالة ثانياً ، فإنّ النسيان غير التفويض (١).

مدفوع بعدم القدح في الحجّية بخروج معلوم النسب ، بل ومجهوله على الأصحّ. وعدم القصور ؛ لعدم اشتراك الراوي كما توهّم ، ووثاقة باقي سلسلة السند وإن فسد المذهب. والدلالة تامّة ؛ إذ التفويض أعمّ من النسيان وعدمه كما فرضوه ، وساعده إطلاق النصوص.

نعم ، ربما يتوجّه إليها القدح بأعمّيتها من المدّعى ؛ لأنّه ثبوت السنّة مع زيادة مهر المثل عنها ، وإلاّ فهو الثابت دونها ، ساواها أم نقص عنها.

وربما يجبر بالتقييد بالإجماع والجمع بين الروايات.

وربما احتُمِل (٢) العمل بالإطلاق هنا (٣) ؛ التفاتاً إلى موافقة المستفيضة للعامّة.

وهو مع مخالفته الإجماع الصريح مقدوح بأولويّة موافقة الأصحاب من الموافقة للتقيّة ، فيترجّح جانب الرجحان دون المرجوحيّة.

وربما يُستَدلّ للأصحاب في ردّ الزائد إلى السنّة بما مرّ من الخبر المثبت للسنّة فيمن تزوّج على السنّة مكتفياً به عن ذكر المهر بالمرّة (٤).

وليس بمعتمد ؛ لظهوره في ثبوتها بمجرّد العقد دون الدخول ، وليس من حكم المفوّضة ، ولذا فرضه الأصحاب مسألة على حدة ، فليس الاستدلال به إلاّ غفلة واضحة.

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٣٧٧.

(٢) حكاه في المختلف عن بعض علمائنا : ٥٤٩.

(٣) أي في السنّة. منه رحمه‌الله.

(٤) راجع ص ١٢ ، وهو في التهذيب ٧ : ٣٦٣ / ١٤٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٥ / ٨١٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٠ أبواب المهور ب ١٣ ح ١.

٢٨

( ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال ) والعقل ، والأدب ، والبكارة ، وصراحة النسب ، واليسار ، وحسن التدبير ، وكثرة العشائر ، وعادة نسائها ، وأمثال ذلك.

والمعتبر في أقاربها من الطرفين على الأشهر الأقوى ، بل ظاهر المبسوط أنّ عليه الإجماع (١) ؛ وهو الحجّة فيه ، مع العموم المستفاد من إضافة النساء إليها في النصوص (٢).

خلافاً للمهذّب والجامع (٣) ، فخصّهنّ بالعصبات مع الإمكان ، وإلاّ فأطلق ؛ لعدم اعتبار الامّ ومن انتسب إليها في الفخر. وفيه نظر.

ويعتبر في الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو بلد لا يخالف عادتها عادة بلدها على الأقوى ؛ لاختلاف البلدان في العادات.

( و ) يعتبر ( حاله ) خاصّة ( في المتعة ) بنصّ الآية (٤) والشهرة العظيمة ، بل عليه الإجماع عن الغنية (٥) ، وهو ظاهر المستفيضة (٦) ، فالقول باعتبار حالها أيضاً ضعيف جدّاً.

ثم إنّ الأصل يقتضي المصير في متعة المتمتّع إلى العرف ، ولا ريب في اقتضائه (٧) انقسامها بالنظر إليه إلى ثلاثة : متعة يسار ، وتوسّط ، وإعسار.

وبه المرسل في الفقيه : أنّ « الغني يمتّع بدار أو خادم ، والوسط‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٩.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ٢٦٨ أبواب المهور ب ١٢.

(٣) المهذب ٢ : ٢١١ ، الجامع للشرائع : ٤٤٠.

(٤) البقرة : ٢٣٦.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٦) انظر الوسائل ٢١ : ٣٠٥ أبواب المهور ب ٤٨.

(٧) أي العرف. منه رحمه‌الله.

٢٩

بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم » (١).

ونحوه الرضوي « فالموسع يمتّع بخادم أو دابّة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم وخاتم ، كما قال الله تعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ ) » (٢). وعليه الشهرة ، بل الإجماع المحكيّ عن ابن زهرة (٣) ، ولا ينافيه الآية والمعتبرة ؛ لدخول الواسطة بين الأمرين ، ولذا أنّ الرضويّ مع استناده إلى الآية اشتمل على ذكر الثلاثة.

وعيّن الأصحاب لكلّ مرتبة ما يليق بها في العرف والعادة :

( فالغني يمتّع ) بالدابّة ؛ للرضوي ، وهي الفرس ، والمعتبر منه ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة ، بِرذَوناً (٤) كانت أم عتيقاً (٥) ، قاربت قيمته الثوب والعشرة الدنانير أم لا. وفي الخبر المرويّ عن قرب الإسناد : « إنّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام كان يمتّع بالراحلة » (٦).

ورواه العيّاشي أيضاً بزيادة : يعني حملها الذي عليها (٧). وظاهره أنّ المتعة هو الحمل ، إلاّ أنّه يحتمل كونها من الراوي لا الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٢٧ / ١٥٨٢ ، الوسائل ٢١ : ٣١٠ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٩٠ أبواب المهور ب ٣٤ ح ٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠.

(٤) البِرذَون : التركي من الخيل ، وخلافها العِراب. المغرب ١ : ٣٦.

(٥) العِتاق من الخيل : النجائب. مجمع البحرين ٥ : ٢١٠.

(٦) قرب الإسناد : ١٧٤ / ٦٣٧ ، الوسائل ٢١ : ٣١٠ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٥.

(٧) تفسير العياشي ١ : ١٢٤ / ٤٠٠.

٣٠

أو ( بالثوب المرتفع ) عادةً ، ناسبت قيمته قسيميه أم لا. ( أو عشرة دنانير فأزيد ) وهي المثاقيل الشرعية ؛ ولم أجد عليها مستنداً سوى إطلاق النصّ ، مع أنّ في المرسل السابق : « الدار والخادم » وفي المعتبرة منها الموثّقان (١) ـ : « العبد والأمة » وليس المذكور منها ، ولعلّه للتمثيل.

( و ) يمتّع ( الفقير بالخاتم ) ذهباً كان ( أو ) فضة معتدّاً به عادةً ، و ( الدرهم ) كما في المرسل.

وفي الصحيح : ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسراً؟ قال : « الخمار وشبهه » (٢).

والموثّق : « المعسر (٣) بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم » (٤).

واختلاف هذه المعتبرة منزل على العرف والعادة ، أو التمثيل.

( و ) يمتّع ( المتوسّط ) بينهما بما ( بينهما ) كخمسة دنانير ، والثوب المتوسّط ، ونحو ذلك.

وبالجملة : المرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.

( ولو ) تزوّج بمهر مجهول ، ولكن ( جعل الحكم ) والتعيين ( لأحدهما في تقدير المهر ) المذكور ( صحّ ) العقد والتفويض بإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٣ ، ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٩ / ٤٨٤ ، ٤٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٨ أبواب المهور ب ٤٩ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٥ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٤٠ / ٤٨٦ ، تفسير العياشي ١ : ١٢٩ / ٤٢٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٠٩ أبواب المهور ب ٤٩ ح ٢.

(٣) في جميع المصادر : المقتر.

(٤) تقدّمت مصادره في الهامش (١) أعلاه.

٣١

الطائفة. خلافاً للعامّة ، فجعلوا المهر الواقع على هذا الوجه من قبيل المهر الفاسد ، وأوجبوا به مهر المثل.

وهذا هو القسم الثاني من قسمي التفويض ، ويسمّى ب : مفوّضة المهر ؛ والنصوص بذلك مستفيضة.

ففي الصحيح : في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه ، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : « لها المتعة والميراث ولا مهر لها » قلت : فإن طلّقها وقد تزوّجها على حكمها؟ قال : « إذا طلّقها وقد تزوّجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه خمسمائة درهم » (١).

وظاهره كغيره (٢) كالعبارة وغيرها (٣) هو التفويض إلى أحدهما ، وأمّا غيره فلا ، وصريح جماعة : اختصاص الحكم بالتفويض إلى أحدهما ؛ لمخالفته الأصل قطعاً (٤). وفي جواز ما عداه كالتفويض إلى غيرهما ، أو إليهما معاً وجهان : من الأصل وعدم النصّ ، وأنّه كالنائب عنهما فلا بأس به لو رضياه. والوقوف مع النصّ طريق اليقين.

( ويحكم الزوج ) المفوّض إليه المهر ( بما شاء وإن قلّ ).

( وإن ) عكس الأمر و ( حكمت المرأة ) وفوّض إليها ( لم ) يجز لها أن ( تتجاوز مهر السنّة ) إجماعاً ونصّاً فيهما ..

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٧٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٦٥ / ١٤٨١ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٣٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٣.

(٣) هو الشهيد في اللمعة ( الروضة ٥ ) : ٣٥٠.

(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٧٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩١.

٣٢

ففي الخبر : عن رجل تزوّج امرأة على حكمها ، قال : « لا يتجاوز بحكمها مهر نساء آل محمّد عليهم‌السلام ، اثنتي عشرة أُوقيّة ونشّ ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضّة » قلت : أرأيت إن تزوّجها على حكمه ورضيت وحكّمته؟ قال : « ما حكم من شي‌ء فهو جائز ، قليلاً كان أو كثيراً » قال : قلت : كيف لم تُجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال : « لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتزوّج عليه نساءه ، فرددتها إلى السنّة ، ولأنّها هي حكّمته وجعلت الأمر في المهر إليه ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً » (١).

وليس في سنده سوى الحسن بن زرارة ، ووصفه كاسمه على الأصحّ وفاقاً لجماعة (٢) ، مع أنّ في السند : الحسن بن محبوب ، وهو ممّن حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهم (٣) ، فالسند معتبر غاية الاعتبار ، مع اعتضاده بالشهرة بين الأخيار ، وهي إجماع كما حكاه جماعة (٤) ، فلا وجه للتأمّل في المسألة ، مع أنّ الدليل غير منحصر فيه ؛ لدلالة الأصل والإطلاقات على الأول ، وخصوص ما مضى من الصحيح على الثاني.

نعم ، ربما يشكل الحكم في الأول ؛ لظاهر الصحيح : عن الرجل يفوَّض إليه صداق امرأته فينقص عن صداق نسائها ، قال : « يلحق بمهر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٧٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٦٥ / ١٤٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٢٩ ، علل الشرائع : ٥١٣ / ١ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٨ أبواب المهور ب ٢١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) ملاذ الأخيار ١٢ : ٢٤٧ ، الحدائق ٢٤ : ٤٨٩.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٨١ ، المجلسي في مرآة العقول ٢٠ : ١٠٦ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩١.

٣٣

نسائها » (١).

لكنّه شاذّ لا عامل به ، مع عدم مقاومته لما مرّ ، فليُحمَل على الندب ، أو ما حمله الشيخ عليه ، من التفويض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها (٢).

ثم لو طلّق قبل الدخول الزم الحاكم بالحكم ، ولها نصف ما يحكم به ؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق (٣) ، سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده. وكذا لو طلّقها بعد الدخول ، لزم الحاكم الفرض واستقرّ في ذمّة الزوج ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( ولو مات الحاكم ) منهما ( قبل الدخول وقبل الحكم ، فالمرويّ ) في الصحيح المشار إليه (٤) : أنّ ( لها المتعة ) دون المهر ، وهو الأشهر الأظهر ، كما عن النهاية وابن البرّاج وابن حمزة والمقنع والعلاّمة وولده ، والشهيد الأول في النكت وظاهر اللمعة ، والثاني في المسالك والروضة (٥) ، وجماعة (٦).

وما استُضعِف به دلالة الخبر ب : ظهور أنّ النشر على ترتيب اللفّ ، فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه خاصّة. واختصاصِ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٦ / ١٤٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٠ / ٨٣١ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٤.

(٢) قاله في التهذيب ٧ : ٣٦٦.

(٣) بدله في الأصل : به الطلاق ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في ص ٣٢.

(٥) النهاية : ٤٧٢ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٠٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٦ ، المقنع : ١٠٨ ، العلاّمة في المختلف : ٥٤٥ ، وولده في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٢٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٣٥١ ، المسالك ١ : ٥٤٤ ، الروضة ٥ : ٣٥١.

(٦) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٨١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨٥ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٤٩٣.

٣٤

الجواب فيه بموت الزوج ؛ إذ مع موتها ليس لها ميراث ، ولا يتمّ المقايسة بإيجاب المتعة لها والميراث له (١).

مندفع ، فالأول : بفقد الوجه لثبوت المتعة بموت المحكوم خاصّة مع بقاء الحاكم مع أنّه انعقد النكاح بحكمه ، فله الحكم مع بقائه كما يأتي ، ولا أثر لموت المحكوم عليه ، كيف؟! وقد نصّ في الخبر بعد ما ذكر على أنّ له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجيّة بخلاف الموت ، فثبوت الحكم له هنا ثابت بالأولويّة ، فلا بدّ من الحمل على موت الحاكم ، جمعاً بين طرفيه ، وبينه وبين الأُصول.

والثاني : بعدم الفارق بين الموتين.

ويؤيّد المذهب : أنّ مهر المثل لا يجب إلاّ مع الدخول ولم يحصل ، ولا مسمّى ، ولا يجوز إخلاء النكاح عن مهر ، فيجب المتعة ؛ إذ لا رابع.

وعن الطوسي في الخلاف والإسكافي والحلّي : أنّه لا شي‌ء لها أصلاً ؛ لاشتراط المثل بالدخول ، والمتعة بالطلاق ، ولا شي‌ء منهما هنا ؛ مضافاً إلى الأصل (٢).

والصحيح حجّة على مَن عدا الحلّي ، ومختاره متوجّه على مختاره ، أو ثبوت عدم دلالة الصحيح وظهوره.

وفي القواعد والمختلف : يثبت لها مهر المثل (٣) ؛ لأنّه قيمة المعوَّض حيث لم يتعيّن غيره ؛ ولأنّ المهر مذكور ، غايته أنّه مجهول ، فإذا تعذّرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.

__________________

(١) حكاه في كشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٧٨ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٤٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٩٣.

(٣) القواعد ٢ : ٤١ ، المختلف : ٥٤٥ ، وفيه الحكم بالمتعة دون مهر المثل.

٣٥

وهو مع أنّه غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح مُجاب ، فالأول : بعدم تحقّق الدخول الموجب للعوض. والثاني : بأنّه عين الدعوى ، فكيف يجعل دليلاً (١)؟! ولا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه وعدمه ؛ عملاً بإطلاق النصّ ، مع عدم القائل بالفرق.

ولو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم ، بلا خلاف أجده ؛ لإطلاق النصّ بثبوت الحكم له ، مع عدم اشتراط حضور المحكوم عنده ، والتفويض إليه قد لزم بالعقد بالضرورة فلا يبطل بموت المحكوم عليه البتّة ؛ ولأصالة بقائه ، والنصّ لا يعارضه.

وأمّا الصحيح : في رجل تزوّج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال : « ليس لها صداق ، وهي ترث » (٢).

فمع قطع النظر عمّا يلحق سنده من النظر ، شاذّ لا يمكن التعويل عليه ولا العمل ، سيّما في مقابلة ما مرّ.

ولو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول ، ثبت مهر المثل ؛ لأنّه الأصل حيث لم يمكن المهر ، وبه صرّح المفلح الصيمري من غير نقل خلاف (٣) ، ولم يتعرّض له الباقون.

ولو مات المحكوم حينئذ ، الزم الحاكم بالحكم ، فإن كانت المرأة لا تتجاوز السنّة ، وإلاّ فللزوج الحكم بما شاء ؛ لما مضى (٤).

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٣٨٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٧٩ أبواب المهور ب ٢١ ح ٣.

(٣) تلخيص الخلاف ٢ : ٣٦٠.

(٤) في ص ٣٢.

٣٦

( الطرف الثالث )

( في الأحكام ) المتعلّقة بالمهر

( وهي عشرة ) : ‌

( الأول : تملك المرأة المهر ) جميعه ( بالعقد ) وإن لم يستقرّ التملّك إلاّ بعد الدخول ، على الأظهر الأشهر ، بل عن الحلّي : نفي الخلاف عنه (١).

لعموم ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) (٢).

والموثّق : في رجل ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً ، فولدت عندها ، وطلّقها قبل أن يدخل ، فقال : « إن كنّ حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد » (٣).

ولأنّه عوض البضع المملوك بالعقد.

وللنصوص الآتية في استحقاق المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول جميع المهر (٤) ، وهي مستفيضة ، لكنّها معارضة بمثلها.

خلافاً للإسكافي ، فتملك نصفه به والنصف الآخر بالدخول (٥) ؛

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٨٥.

(٢) النساء : ٤.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٧ / ذيل حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٦٨ / ١٤٩١ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٣ أبواب المهور ب ٣٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) في ص ٤٠.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٥٤٣.

٣٧

للموثّق (١) وغيره (٢) : « لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج ».

وحُمِل (٣) على الاستقرار جمعاً وغلبةً في الاستعمال إن تمّ الدلالة ، وإلاّ فالوجوب أعمّ من التملّك ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، وعلى تقدير الصراحة فلا شي‌ء منهما تقاوم ما مرّ من الأدلّة.

وبالأخير يجاب عن الصحيح : عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف وله غلّة كثيرة ، ثم مكث سنين لم يدخل بها ثم طلّقها ، قال : « ينظر إلى ما صار إليه من غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه ، ويعطيها نصف البستان ، إلاّ أن تعفو فتقبل منه ويصطلحا على شي‌ء ترضى منه ، فإنّه أقرب للتقوى » (٤).

ومع ذلك ، فقد أُجيب عنه بجواز كون الغلّة من زرعٍ يزرعه الزوج ، وأن يكون البستان هو الصداق دون أشجاره. وعلى التقديرين ، فليست الغلّة من نماء المهر ، فتختصّ بالرجل ، والأمر بدفع النصف منها إليها محمول على الاستحباب ، كما يرشد إليه قوله : « فإنّه أقرب للتقوى » ولعلّه عوض عن اجرة الأرض (٥).

ولا بأس به ؛ تفادياً عن الطرح.

وعلى المختار ، لها التصرّف قبل القبض ؛ للأصل ، ولعموم ما دلّ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٦٤ / ١٨٥٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٢٦ / ٨١٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٢٠ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٦.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٢١ أبواب المهور ب ٥٥ ح ١.

(٣) المختلف : ٥٤٧ ، المهذب البارع ٣ : ٣٩٦ ، المسالك ١ : ٥٥٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧٢ / ١٢٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٩٠ أبواب المهور ب ٣٠ ح ١.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٨٦.

٣٨

على تسلّط الملاّك على أموالهم (١).

خلافاً للخلاف (٢) ؛ لعدم الدليل عليه ، لعدم النصّ ، واختصاص الإجماع بما بعد القبض ؛ وللنهي عن بيع ما لم يُقبَض (٣).

وضعفه ظاهر ؛ لوجود الدليل ، ولا أقلّ من الأصل كما قيل (٤) ، واختصاص النهي بمن اشترى ثم باع ؛ مع أنّه أخصّ من المدّعى.

( وينتصف بالطلاق ) بالنّص والوفاق ، والأول متواتر (٥) ، معتضد بنصّ الكتاب : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٦).

( ويستقرّ ) الجميع بأحد أُمور أربعة : ( بالدخول ، وهو الوطء قبلاً أو دبراً ) إجماعاً ، كما في الروضة (٧) وكلام جماعة (٨) ، والنصوص به مستفيضة ، مرّ بعضها.

وفي الصحيح : « إذا أدخله وجب الغسل والمهر » (٩) ونحوه في عدّة من المعتبرة (١٠).

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٧٠.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦.

(٤) نهاية المرام ١ : ٣٨٥.

(٥) الوسائل ٢١ : ٣١٣ أبواب المهور ب ٥١.

(٦) البقرة : ٢٣٧.

(٧) الروضة ٥ : ٣٥٣ ، كشف اللثام ١ : ٨٦.

(٨) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٢٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٦ ، والسبزواري في الكفاية : ١٨١.

(٩) الكافي ٦ : ١٠٩ / ٦ ، الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤ ح ١.

(١٠) الوسائل ٢١ : ٣١٩ أبواب المهور ب ٥٤.

٣٩

وبردّة الزوج عن فطرة ، على الأشهر الأقوى ؛ لثبوته بالعقد ، فوجب الحكم باستمراره إلى ظهور المسقط ، وليس. وإلحاقه بالطلاق قياس باطل بالاتّفاق.

وبموت الزوج على الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الناصريّات (١) ؛ للأصل ، ومفهوم الكتاب (٢) ، وعموم : ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ ) (٣).

والمستفيضة ، منها الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : « إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها ، ولها الميراث » الخبر (٤) ، ونحوه الصحيح الآخر (٥) ، والموثّقان (٦) ، وغيرهما (٧).

خلافاً للمحكيّ عن صريح المقنع ، فكالطلاق (٨) ، وهو ظاهر الكافي والفقيه (٩) ، بل حكى عليه بعض المتأخّرين الشهرة بين قدماء الطائفة (١٠) ،

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٢.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) النساء : ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.

(٥) التهذيب ٨ : ١٤٥ / ٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٠ / ١٢١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢١.

(٦) أحدهما في : التهذيب ٨ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٠ / ١٢١٢ ، الوسائل ٢١ : ٣٣١ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٠.

والآخر في : التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٨ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٣ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٤.

(٧) انظر الوسائل ٢١ : ٣٢٦ أبواب المهور ب ٥٨.

(٨) المقنع : ١٠٥.

(٩) الكافي ٦ : ١١٨ ، الفقيه ٣ : ٣٢٦.

(١٠) هو السبزواري في الكفاية : ١٨٣.

٤٠