السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥
ثلاثة أشهر » (١).
وإطلاقه كالعبارة وإن اقتضى الاكتفاء بالأشهر الثلاثة مطلقاً ، ولو تخلّلها حيضة ، إلاّ أنّه يجب تقييده بما مضى (٢) من المعتبرة ، المشترطة في الاعتداد بالأشهر خلوّها عن الحيض ولو مرّة.
وعليها يحمل إطلاق معتبرة أُخر ، كالصحيح : في المرأة يطلّقها زوجها ، وهي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة ، فقال : « إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها ، يحسب لها كل شهر حيضة » (٣).
وفي حكم المفروضة في العبارة من لا تحيض إلاّ في سنتين ، أو سنة ، أو غيرهما ، ويجمعه ما يزيد على الأشهر الثلاثة ، والفرض في العبارة على المثل والإشارة ، دون الحصر في الخمسة أو الستّة ؛ لعموم الصحيحة ، وغيرها من المعتبرة ، كالحسن : عن التي لا تحيض إلاّ في ثلاث سنين ، أو أربع سنين ، قال : « تعتدّ ثلاثة أشهر » (٤).
لكن بإزاء هذه الصحيحة معتبرة أُخر دالّة على لزوم اعتداد من هي موردها بعادتها السابقة ، ولو نقصت عن الأشهر الثلاثة (٥). ولم أرَ عاملاً بها إلاّ الشيخ في كتاب الحديث (٦).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١١٩ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٣ أبواب العدد ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
(٢) راجع ص ٢٩٠.
(٣) الكافي ٦ : ٩٩ / ٦ ، التهذيب ٨ : ١٢٠ / ٤١٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥١ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٤ أبواب العدد ب ٤ ح ٢.
(٤) الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٧ ، التهذيب ٨ : ١٢١ / ٤١٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ / ١١٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٧ أبواب العدد ب ٤ ح ١١.
(٥) انظر الوسائل ٢٢ : ١٨٩ أبواب العدد ب ٤ الأحاديث ١٤ ، ١٥ ، ١٩.
(٦) الاستبصار ٣ : ٣٢٧.
قيل (١) : وهي مطرحة عند الأصحاب ، فالعمل بها مشكل ، والجمع بحمل هذه على الغالب من التحيّض في كل شهر مرّة ممكن ، فتكون عليه دالّة على الأشهر الثلاثة ، كما في الرواية السابقة.
ثم إنّ ذكر حكم هذه في العبارة مع اندراجها في المسترابة المتقدّم حكمها في صدر الفصل وجهه غير واضح ، إلاّ بتخصيص السابقة باليائسة عن المحيض إلاّ أنّ في سنّها من تحيض ، دون هذه فإنّها غير يائسة ، بل ذات عادة مستقيمة ، لكن على خلاف العادة ؛ لتحيّضها في كل أشهر مرّة.
( الرابع : في الحامل ، وعدّتها في الطلاق ) وما في معناه كالفسخ والوطء بشبهة ، أو مطلقاً على قول ( بالوضع ) للحمل بتمامه ، بشرط كونه من المطلّق ( ولو بعد الطلاق بلحظة ) بالكتاب (٢) ، والإجماع ، والسنّة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، وأكثرها صحاح ومعتبرة ، ففي الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « أجلها أن تضع حملها » (٣).
وفيه : « فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطّاب » (٤).
وإطلاقها ، كالآية الكريمة ، وصريح الجماعة يقتضي الاكتفاء بالوضع مطلقاً ( ولو لم يكن تاماً ) لكن ( مع تحقق ) كون (ـه حملاً ) ومبدأً
__________________
(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٤١٦.
(٢) الطلاق : ٤.
(٣) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٨ أبواب النفقات ب ٧ ح ١.
(٤) التهذيب ٨ : ٧١ / ٢٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٠ ح ٢.
لنشوء الآدمي قطعاً ، ولا يكفي فيه مجرّد كونه نطفة ، إجماعاً ، كما صرّح به بعض (١).
وينصّ على الإطلاق مضافاً إلى الإجماع الصحيح : « كل شيء وضعته يستبين أنّه حمل ، تمّ أو لم يتمّ ، فقد انقضت عدّتها ، وإن كان مضغة » (٢).
ثم إنّ ظاهر العبارة كالأدلّة انحصار العدّة في الوضع خاصة ، مضى لها قبله أشهر ثلاثة أم لا ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل لعلّه المجمع عليه في أمثال هذه الأزمنة ، وقد صرّح به بعض الأجلّة (٣).
خلافاً للصدوق وابن حمزة (٤) في الأول ، فجعلاه العدّة ، لكن صرّحا بأن ليس لها التزويج إلاّ بعد الوضع ؛ للخبر : « طلاق الحامل واحدة ، وعدّتها أقرب الأجلين » (٥).
وفي سنده اشتراك ، وفي دلالته نظر ، فقد يكون المراد بأقرب الأجلين هو الوضع خاصّة ، بمعنى : أنّه هو العدّة ، وإن كان أقرب من الأطهار أو الأشهر ، ويرجع المعنى حينئذٍ إلى أنّ عدّتها قد يكون بأقرب الأجلين ، وهو : ما إذا كان هو الوضع ، بخلاف عدة الوفاة ، فإنّه لا يكون إلاّ بأبعد الأجلين.
__________________
(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤١.
(٢) الكافي ٦ : ٨٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٨ ، التهذيب ٨ : ١٢٨ / ٤٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٧ أبواب العدد ب ١١ ح ١.
(٣) وهو الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٤١.
(٤) الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٢٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٥.
(٥) الكافي ٦ : ٨١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٧٠ / ٢٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٤ أبواب العدد ب ٩ ح ٣.
وهو وجه حسن في الجمع ، بل لعلّ في بعض المعتبرة إشعاراً به ، كالصحيحين : « وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين » (١) فإنّهما مع تصريحهما بأنّ الأجل هو الوضع ، المشعر بالحصر صرّحا بأنّه أقرب الأجلين ، ولا وجه له إلاّ ما ذكرناه ، فتدبّر.
نعم في الرضوي (٢) دلالة على هذا القول ، ولعلّه يأبى عن قبول نحو هذا التأويل ، إلاّ أن قصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كفانا مئونة الاشتغال بتأويله ، ولا حاجة لنا إليه بالمرّة.
( ولو طلّقها فادّعت الحبل تربّص بها أقصى ) مدّة ( الحمل ) إجماعاً ، والنصوص به مستفيضة ، منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته ، فادّعت أنّها حبلى انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت ، وإلاّ اعتدّت بثلاثة أشهر ، ثم قد بانت منه » (٣).
وظاهره كجماعة ، منهم الشيخ في النهاية (٤) وجوب التربّص سنة ، ولا ريب فيه على القول بكونها أقصى المدّة ، وأمّا على القول بأنّها التسعة كما هو الأظهر ، ومختار هؤلاء الجماعة فكذلك ؛ لظاهر الرواية ، فيرجع الأمر حينئذٍ إلى وجوب التربّص بعد الأقصى بأشهر ثلاثة.
__________________
(١) الكافي ٦ : ٨٢ / ٦ ، ٨ ، التهذيب ٨ : ١٢٨ / ٤٤١ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٣ ، ١٩٥ أبواب العدد ب ٩ ح ٢ ، ٦.
(٢) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٤٤ ، المستدرك ١٥ : ٣٥٠ أبواب العدد ب ٩ ح ١.
(٣) الكافي ٦ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٩ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ١.
(٤) النهاية : ٥٣٤.
خلافاً للحلّي وآخرين (١) ، فجعلوه حينئذٍ أحوط ؛ للمستفيضة ، منها الحسن في المرتابة بالحبل أنّ : « عدّتها تسعة أشهر » قلت : فإنّها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : « إنّما الحمل تسعة أشهر » قلت : فتزوَّج؟ قال : « تحتاط بثلاثة أشهر » الخبر (٢) ، ونحوه غيره (٣).
وفيه نظر ، فإنّها مع قصور السند ليس فيها سوى الأمر بالتربّص أقصى الحمل ، والأمر بالاحتياط بعده بثلاثة أشهر ، وهو غير الاستحباب بالمعنى المصطلح ، إلاّ على تقدير ثبوت كون الاحتياط يراد به الاستحباب حيثما يطلق ، وفيه نظر ، فلا وجه لصرف الأمر بالاعتداد بالثلاثة الأشهر بعد الأقصى في الصحيح الذي مضى إلى الاستحباب ، مع كونه كالأمر بالاحتياط في الحسن وغيره حقيقة في الوجوب ، هذا.
مضافاً إلى اعتضاده بفحوى ما دلّ على وجوب التربّص بذلك في المسترابة ، ففي المسألة من حيث إنّها فيها مدّعية أولى ، فإذاً مختار الأوّلين أظهر وأقوى.
ثمّ ليس في الصحيح المتقدّم دلالة على كون أقصى الحمل هو السنة ، بل هو ظاهر في التسعة ، كما صرّحت به تلك المستفيضة ، فإذاً الاستدلال به على السنة فاسد البتّة.
( ولو وضعت توأماً بانت به ) كما عن النهاية والقاضي وابن
__________________
(١) الحلي في السرائر ٢ : ٧٤٣ ؛ والشهيد في المسالك ٢ : ٤١ ، ووالد المجلسي في روضة المتقين ٩ : ١٠٨ ، وهو في ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٥٥.
(٢) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.
(٣) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.
حمزة (١) ؛ للخبر : عن رجل طلّق امرأته وهي حبلى ، وكان في بطنها اثنان ، فوضعت واحداً وبقي واحد؟ قال : « تبين بالأوّل ، ولا تحلّ للأزواج حتى تضع ما في بطنها » (٢).
وفي سنده قصور وجهالة ، مع مخالفته لإطلاق الآية (٣) ، والمعتبرة المصرّحة بأنّ العدّة وضع الحمل (٤) ، ولا يكون إلاّ بوضع التوأمين فما زاد لو كان.
اللهمّ إلاّ أن يدّعى انجبار الرواية بفتوى هؤلاء الجماعة.
وهو محلّ ريبة ، كيف لا؟! والأشهر بين الطائفة بل ربما ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع العلماء إلاّ من عكرمة (٥) هو عدم الانقضاء إلاّ بوضع الحمل أجمع ، ولعلّه لهذا كان الحكم عند المصنف ( على تردّد ) وليس في محلّه ، بل الظاهر هو القول الآخر ؛ لقوة أدلّته ؛ مضافاً إلى الأصل ، سيّما مع وهن القول الأوّل برجوع الشيخ الذي هو عمدة القائلين به عنه إلى الثاني ، مع دعواه إجماع الكلّ عليه إلاّ من ندر.
( و ) كيف كان ( لم ) يجز لها أن ( تنكح ) زوجاً غيره ( إلى أن تضع الأخير ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع قد حكي (٦) ، وبه نص ما مرّ من الخبر ؛ مضافاً إلى الأصل.
__________________
(١) النهاية : ٥٣٤ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٢.
(٢) الكافي ٦ : ٨٢ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٩٦ أبواب العدد ب ١٠ ح ١.
(٣) الطلاق : ٤.
(٤) الوسائل ٢٢ : ١٩٣ أبواب العدد ب ٩.
(٥) الخلاف ٥ : ٦٠.
(٦) حكاه في المسالك ٢ : ٤١ ، وهو في المبسوط ٥ : ٢٤١ ، والخلاف ٥ : ٦٠.
وثمرة الاختلاف فيما مرّ حينئذٍ جواز الرجعة ووجوب النفقة ، فيثبتان على المختار ، وينتفيان على غيره.
( ولو طلّقها ) طلاقاً ( رجعيّاً ثم مات ) عنها ( استأنفت عدّة الوفاة ) أربعة أشهر وعشراً من حين الوفاة ، بلا خلاف ؛ لأنّها بحكم الزوجة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « أيّما امرأة طلّقت ، ثم توفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّها ترثه ، ثم تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها » (١).
( و ) يستفاد من مفهوم القيد بعدم التحريم عليه بناءً على أنّ الظاهر مغايرة المعطوف للمعطوف عليه ، وأنّ العطف التفسيري خلاف الأصل أنّه ( لو كان ) طلّقها ( بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ) مضافاً إلى الأصل ، وعدم الداعي إلى استئناف عدّة الوفاة للبينونة المطلقة ، مع أنّه لا خلاف فيه.
ثم مقتضى الأصل ، واختصاص النصوص بحكم التبادر والغلبة بغير عدّة المسترابة ، اعتدادها بالأشهر الثلاثة بعد الصبر تسعة أشهر أو سنة ، ولا إشكال فيه إذا بقي من المدّة ما يزيد على عدة الوفاة أو يساويها.
ويشكل في الناقص ، كما إذا صبرت التسعة أو السنة ثم مات عنها ؛ لما يظهر ممّا قدّمناه من أنّها بحكم الزوجة ، وبعض المعتبرة من وجوب الحداد (٢) ومن (٣) استئنافها عدّة الوفاة حينئذٍ ، فتزيد على الثلاثة أشهر
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٢١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٠ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٣.
(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩.
(٣) ليست في « ح ».
أربعين يوماً ليتمّ لها عدّة الوفاة ، ومرجع هذا إلى لزوم مراعاتها في هذه الصورة أبعد الأجلين مما بقي من العدّة ومن عدة الوفاة.
وقيل فيه وجوه أُخر ، والأصح ما قلناه.
( الخامس : في عدّة الوفاة ، تعتدّ الحرّة ) المنكوحة بالعقد الصحيح ( بأربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلاً ) بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، قال الله سبحانه ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (١). والصحاح بها مستفيضة ، كغيرها من المعتبرة التي كادت تكون متواترة ، بل متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
وإطلاقها كالآية الشريفة وصريح الإجماع عموم الحكم لكل امرأة ( صغيرةً كانت أو كبيرةً ، دخل بها أو لم يدخل ) بها ، بالغاً كان الزوج أو غيره.
مضافاً إلى صريح المستفيضة في غير المدخول بها ، منها الصحيح : في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : « إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها ، ولها الميراث ، وعدّتها أربعة أشهر وعشراً كعدّة التي دخل بها ، وإن لم يكن فرض لها مهراً فلا مهر لها ، وعليها العدّة ، ولها الميراث » (٢).
وأمّا الموثق : عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها؟ قال :
__________________
(١) البقرة : ٢٣٤.
(٢) التهذيب ٨ : ١٤٦ / ٥٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٢ أبواب المهور ب ٥٨ ح ٢٢.
« لا عدّة عليها » (١).
فمع قصوره سنداً ومكافأةً لما مرّ قطعاً ، محتمل للتقية عن جماعة من العامّة ، الذين لم يظهر قولهم بذلك في هذه الأزمنة أصلاً ، كما صرّح به بعض أصحابنا (٢) ، وشهد به بعض أخبارنا ، كالموثق : عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها ، أعليها عدّة؟ قال : « لا » قلت له : المتوفّى عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، أعليها عدّة؟ قال : « أمسك عن هذا » (٣) فتدبّر.
ولا فرق أيضاً بين الدائمة والمتمتّع بها ، على الأشهر الأقوى ، كما مضى.
خلافاً للمفيد والمرتضى (٤) ، فكالأمة. وهو ضعيف جدّاً.
ويعتبر مدّة العدّة بالهلال ما أمكن ، فإن مات الزوج في خلال الشهر الهلالي وكان الباقي أكثر من عشرة أيّام أُكمل ثلاثين يوماً ويضاف إليه ثلاثة أشهر بالأهلّة وعشرة أيّام ، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم مات فقد انتهت العدّة ، وإن كان الباقي عشرة أيّام ، أو أقلّ منها ، ضمّ إليها أربعة أشهر هلالية ، وتمام العشرة في الثاني.
وفي عدّ المنكسر ثلاثين أو الاكتفاء بإتمام ما فات خلاف ، الأحوط الأوّل.
__________________
(١) التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢١٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤٨ أبواب العدد ب ٣٥ ح ٤.
(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٤٩ ، ملاذ الأخيار ١٣ : ٢٨٢.
(٣) التهذيب ٨ : ١٤٤ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٩ / ١٢١١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤٨ أبواب العدد ب ٣٥ ح ٥.
(٤) المفيد في المقنعة : ٥٣٦ ، المرتضى حكاه عنه في المسالك ١ : ٥٠٨.
( و ) إطلاق الآية (١) والمستفيضة المتقدّمة وإن شمل المتوفّى عنها مطلقا ، إلاّ أنّ الإجماع منعقد باعتدادها ( بأبعد الأجلين ) من المدّة المزبورة ومدّة وضع الحمل ( إن كانت حاملاً ) مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره.
خلافاً للعامة ، فجعلوا عدّتها الوضع كالطلاق (٢).
وهو مع مخالفته الآية (٣) هنا ، السليمة عن معارضة الآية الأُخرى في اعتداد الحامل بالوضع مطلقا ، من حيث ظهورها في المطلّقات جدّاً أخبارنا بردّه منصوصة ، ففي الصحيح عن المرأة الحُبلى المتوفّى عنها زوجها تضع وتزوّج قبل أن يخلو أربعة أشهر وعشراً؟ قال : « إن كان زوجها الذي تزوّجها دخل بها فُرّق بينهما ، واعتدّت ما بقي من عدّتها الاولى ، وعدّة اخرى عن الأخير ، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما ، واعتدّت ما بقي من عدّتها ، وهو خاطب من الخطّاب » (٤) ونحوه غيره (٥).
( ويلزمها الحداد ) ما دامت هي في العدّة ، بالنص والإجماع ، ففي المستفيضة وفيها الصحاح ـ : « المتوفّى عنها زوجها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر ؛ لأنّها تحدّ » (٦).
__________________
(١) الطلاق : ٤.
(٢) انظر بداية المجتهد ٢ : ٩٦ ، والمغني لابن قدامة ٩ : ١٥٣ ، والمحلّى لابن حزم ١٠ : ٢٦٣.
(٣) البقرة : ٢٣٤.
(٤) الكافي ٦ : ١١٤ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٤١ أبواب العدد ب ٣١ ح ٦.
(٥) الوسائل ٢٢ : ٢٣٩ أبواب العدد ب ٣١.
(٦) الكافي ٦ : ١١٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٦٣ / ٥٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٥ / ١٢٧٠ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٩ أبواب العدد ب ٢٨ ح ٣.
وفي الموثق : عن المتوفّى عنها زوجها؟ فقال : « لا تكتحل للزينة ، ولا تطيِّب ، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ، وتمتشط بغسلة (١) ، وتحجّ وإن كانت في عدّتها » (٢) ونحوه غيره (٣) في النهي عن الاكتحال للزينة ، والتطيّب ، ولبس الثوب المصبوغ.
( وهو ) كما يستفاد منها ( ترك الزينة ) للعدول فيها عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الأُمور المزبورة ، الملازمة للزينة غالباً في العرف والعادة.
وأوضح منها الخبر : « المتوفّى عنها زوجها ليس لها أن تطيِّب ، ولا تزيِّن ، إلاّ أن تنقضي عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيّام » (٤) للعدول فيه عن الأمر بالحداد إلى النهي عن الزينة ، هذا.
مع تفسيره بتركها في كلام جماعة من أهل اللغة (٥) ، فاللازم عليها ترك ما يعدّ زينة عرفاً من الثياب ، والادهان ، والكحل ، والحِنّاء ، والطيب ، وغير ذلك.
ويختلف ذلك باختلاف العادات ، فلو فرض عدم عدّ استعمال الأُمور المزبورة في بعض العادات زينة كان محلّلاً ؛ تمسّكاً بالأصل ، والتفاتاً إلى انصراف إطلاق النهي عن استعمالها في الروايات إلى العادة الجارية في
__________________
(١) الغِسلة : ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط. القاموس ٤ : ٢٥ ، مجمع البحرين ٥ : ٤٣٤.
(٢) الكافي ٦ : ١١٦ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٥٩ / ٥٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩ ح ٢.
(٣) الوسائل ٢٢ : ٢٣٣ أبواب العدد ب ٢٩.
(٤) الكافي ٦ : ١١٧ / ١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٣٤ أبواب العدد ب ٢٩ ح ٤.
(٥) انظر لسان العرب ٣ : ١٤٣ ، المصباح المنير : ١٢٤ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٥.
الأعصار الماضية من عدّ مثلها زينة.
ومنه يظهر الوجه في عدم لزوم ترك التنظيف ، ودخول الحمّام ، وتسريح الشعر ، والسواك ، وقلم الأظفار ، والسكنى في المساكن العالية ، واستعمال الفرش الفاخرة ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ مثله في العرف والعادة زينة.
قالوا : ولا فرق في الحكم بين الصغيرة والكبيرة ، والمسلمة والذميّة ، والمجنونة ، وظاهرهم الاتّفاق عليه ، وهو الحجّة فيه إن تمّ ، دُون النصوص ؛ لانصرافها إلى ما عدا الاولى والأخيرة ، من حيث تضمّنها توجّه التكليف إلى نفس المرأة ، لا وليّها ، كما قالوه فيهما ، مع أنّ تكليفه بذلك مدفوع بالأصل ، مع أنّ المحكي عن الحلّي (١) العدم في الأُولى بعين ما مضى ، وهو جارٍ في الأخيرة أيضاً.
ثمّ إنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة إجماعاً وروايةً كون الحداد واجباً على حدةٍ ، لا شرطاً في العدّة ، فلو أخلّت به ولو عمداً إلى أن انقضت العدّة حلّت للأزواج ، ولكن تكون آثمة خاصّة ، وهو أصحّ القولين في المسألة.
خلافاً لنادر (٢) في العمد ، فأبطل به العدّة أيضاً. وهو لمخالفته الأصل وإطلاق الأدلّة ضعيف البتّة.
ثمّ إنّ الحكم مختصّ بالمتوفّى عنها خاصّة ( دون ) أقاربها ، و ( المطلّقة ) مطلقا ، رجعيّاً أو بائناً ، بلا خلافٍ ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٣) ؛ للأصل ، والمعتبرة : « المطلّقة تكتحل ، وتختضب ، وتطيِّب ،
__________________
(١) السرائر ٢ : ٧٣٩.
(٢) انظر المسالك ٢ : ٤٥.
(٣) الانتصار : ١٥٤.
وتلبس ما شاءت من الثياب ؛ لأنّ الله تعالى يقول ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (١) » (٢).
وأمّا الخبر : « المطلّقة تحدّ كما تحدّ المتوفّى عنها زوجها ، لا تكتحل ، ولا تطيِّب ، ولا تختضب ، ولا تتمشّط » (٣) فضعيف سنداً ، غير مكافئ لما مرّ جدّاً ، سيّما مع موافقته لمذهب أكثر العامّة ومنهم أبو حنيفة ـ (٤) في البائنة.
وأمّا حمله على البائنة فيستحب ، كما فعله الشيخ في التهذيبين (٥) فلا وجه له أصلاً.
( ولا حداد على الأمة ) مطلقا ، على الأظهر الأشهر بين الطّائفة ، ومنهم الشيخ في النهاية (٦) ؛ للأصل ، والصحيح : « إنّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدّة ، إلاّ أنّ الحرّة تحدّ ، والأمة لا تحدّ » (٧).
خلافاً للطوسي والحلّي (٨) ، فتحدّ أيضاً ؛ لإطلاق النبوي المرسل (٩).
__________________
(١) الطلاق : ١.
(٢) الكافي ٦ : ٩٢ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ٢.
(٣) التهذيب ٨ : ١٦٠ / ٥٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٥١ / ١٢٥٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٨ أبواب العدد ب ٢١ ح ٥.
(٤) حكاه عنه في بداية المجتهد ٢ : ١٢٣.
(٥) الاستبصار ٣ : ٣٥٢ ، التهذيب ٨ : ١٦٠.
(٦) النهاية : ٥٣٧.
(٧) الكافي ٦ : ١٧٠ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٥٣ / ٥٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٧ / ١٢٤١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٩ أبواب العدد ب ٤٢ ح ٢.
(٨) الطوسي في المبسوط ٥ : ٢٦٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٤٥.
(٩) انظر سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٤ / ٢٠٨٦ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٣٧ ، المستدرك ١٥ : ٣٦٢ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٩ ، عوالي اللئلئ ٢ : ١٤٣ / ٤٠٠.
وهو مع قصور السند وعدم المكافأة لما مر سيما الخبر مقيد به ؛ لإطلاقه ، بل ومنصرف إلى الحرّة ؛ لكونها المتبادرة الغالبة ، فلا معارضة بين الخبرين بالمرّة.
( السّادس : في المفقود ، لا خيار لزوجته إن عرف خبره ) حياته أو موته ، بل عليها الصبر في الأوّل إلى مجيئه أو تحقّق فوته ، وعلى الحاكم الإنفاق عليها من ماله إن أمكن الوصول إليه ، وإلاّ طالبه بالنفقة بالإرسال إليه أو إلى من يجبره عليه ، ومن بيت المال إن تعذّر الأمران مع عدم متبرّع.
وعليها عدّة الوفاة في الثاني ، وحلّت للأزواج بعدها ، وحلّ لكلّ من شاركها في العلم بالوفاة ، أو اختصّ عنها بالجهل بها وبحالها أيضاً مع تعويله في الخلوّ عن الزوج بدعواها نكاحها.
( أو ) جهل خبره ولكن ( كان له وليّ ) أو متبرّع ( ينفق عليها ) فلا خيار لها هنا أيضاً ، بلا خلاف هنا وفيما مضى ؛ للأُصول المعتمدة ؛ مضافاً إلى النصوص الآتية.
( ثمّ إن فقد الأمران ) فجهل خبره ، ولم يوجد من ينفق عليها ، فإن صبرت فلا بحث ، وإن أبت فمقتضى الأُصول وجوب الصبر عليها إلى ثبوت الوفاة ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنّها إن لم تصبر ( ورفعت أمرها إلى الحاكم ) جاز لها و ( أجّلها أربع سنين ) من حين الرفع ، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب ؛ لأكثر أخبار الباب (١).
وما يستفاد منه التحديد من حين الفحص ولو قبل الرفع (٢) فلا يعارضه بوجه أصلاً ، مع عدم إبائه عن الانطباق عليه.
__________________
(١) الوسائل ٢٠ : ٥٠٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٤.
(٢) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٥.
وكيف كان يجب الفحص في تلك المدّة ، كما يستفاد من أكثر المعتبرة (١) ، لا بعدها ، كما ربما يتوهّم من بعضها (٢) ( فإن وجده ) كان له حكمه ( وإلاّ ) بأن فقده ولم يعلم حاله ( أمرها بعدّة الوفاة ثم أباحها للنكاح ).
قيل : بلا خلاف (٣) ؛ للموثق : عن المفقود؟ فقال : « إن علمت بأنّه في أرض فهي منتظرة له أبداً حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه ، وإن لم تعلم اين هو من الأرض كلّها أو لم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنّها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض ، فإن لم يوجد له أثر حتى تمضي أربع سنين أمَرَها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً ثم تحلّ للرجال ، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدّتها فليس عليها رجعة ، وإن قدم وهي في عدّتها أربعة أشهر وعشراً فهو أملك برجعتها » (٤).
وظاهره كالعبارة والشيخين والقاضي والحلّي كما حكي (٥) الاكتفاء في الاعتداد بالأمر به ، ولو من دون طلاق.
خلافاً لجماعة من المتأخّرين (٦) ، تبعاً للصدوق والإسكافي (٧) ،
__________________
(١) الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣.
(٢) الكافي ٦ : ١٤٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٤.
(٣) انظر الحدائق ٢٥ : ٤٨٤.
(٤) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٧٩ / ١٩٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٦ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ٤٤ ح ٤.
(٥) المفيد في المقنعة : ٥٣٧ ، الطوسي في المبسوط ٥ : ٢٧٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ٣٣٨ ، الحلي في السرائر ٢ : ٧٣٦ ، وحكاه عنهم في المهذّب البارع ٣ : ٤٩٥.
(٦) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٣٤٨ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٦٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤٠.
(٧) الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٩٢.
فأوجبوه ؛ لصريح المعتبرة ، منها الصحيح : عن المفقود ، كيف يصنع بامرأته؟ فقال : « ما سكتت عنه وصبرت يخلّى عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه ، فإن خبّر عنه بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشيء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود ، فقيل له : هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وإن لم يكن له مال قيل للولي : أنفق عليها ، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوّج ما أنفق عليها ، وإن لم ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلّق تطليقة في استقبال العدّة وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي (١) طلاق الزوج ، فإن جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدّتها من يوم طلّقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين ، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء أو يراجع فقد حلّت للأزواج ، فلا سبيل له عليها » (٢) ونحو الصحيح (٣) ، وما يقرب منه (٤).
وهو الأصحّ ، وعليها تحمل الموثقة ؛ لعدم صراحتها في عدم الطلاق ، فتقبل ذلك ، كقبول هذه الروايات حمل العدّة فيها على عدّة الوفاة ، كما صرّح بها في الموثقة ؛ لعدم التصريح فيها بعدّة المطلّقة ، ولذا اتفق الكلّ على اعتبار عدّة الوفاة.
وقصور الموثق سنداً وعدداً عن المقاومة للمعتبرة منجبر بالشهرة
__________________
(١) في الأصل : الوالي ، وما أثبتناه من المصدر ، وهو الأنسب.
(٢) الكافي ٦ : ١٤٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٥٤ / ١٦٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٧٩ / ١٩٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ١.
(٣) الكافي ٦ : ١٤٧ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٤.
(٤) الكافي ٦ : ١٤٨ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ٥.
العظيمة ، بل وفاق الطائفة ، كما حكاه بعض الأجلّة (١) ، فمخالفة من ندر (٢) في العدّة واعتباره عدّة الطلاق دون الوفاة فاسدة البتة.
قيل : وتظهر الثمرة في المدّة والحداد والنفقة (٣) ، فيجب الأخير على عدّة الطلاق دون الوفاة ، بعكس الثاني ، كما قيل (٤).
وفيه نظر ؛ لتصريح بعض من صرّح بعدّة الوفاة هنا بعدم لزوم الحداد (٥) ؛ للأصل ، واختص ما دلّ على لزومه بحكم التبادر بصورة تيقّن الموت لا مطلقاً ، وهو الأظهر.
وانتفاء النفقة على تقدير الثاني حسن مع استمرار الجهل أو تحقق الموت ، أمّا مع تحقق البقاء وحضوره قبل انقضاء العدّة ففيه إشكال : من كونها عدّة بينونة ، فلا نفقة ، ومن كونها في حباله ولا نشوز منها النفقة ، وهو الأولى ، وفاقاً لبعض أصحابنا (٦).
وكيف كان ( فإن جاء في العدّة فهو أملك بها ) وإن حكم بكونها عدّة وفاة بائنة ، بلا خلاف ؛ للأصل ، وصريح ما مضى من المعتبرة.
( و ) يستفاد منها أنّه لا يصير أحقّ بها إلاّ مع الرجعة ، فلو لم يرجع بانت منه ، ووجهه أنّ ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.
ثم المستفاد منها أيضاً أنّها ( إن خرجت ) من العدّة ( وتزوّجت
__________________
(١) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤١.
(٢) فمن المتقدمين الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، ومن المتأخرين فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٣٥٤ ، وابن فهد في المهذّب البارع ٣ : ٤٩٧.
(٣) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦.
(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ١٤١.
(٥) التنقيح الرائع ٣ : ٣٤٨.
(٦) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٤٨.
فلا سبيل له ) عليها ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه ، كما حكاه جماعة من أصحابنا (١).
( و ) أمّا ( إن خرجت ) منها ( ولم تتزوّج فقولان ، أظهرهما ) وأشهرهما : ( أنّه لا سبيل له عليها ) هنا أيضاً ؛ للحكم ببينونتها شرعاً ، فالسبيل حينئذٍ مخالف للأصل جدّاً ، مع دلالة النصوص الماضية عليه صريحاً.
والقول الثاني للطوسي في النهاية (٢) ، مدّعياً هو كالماتن في الشرائع (٣) أنّ به رواية.
ولم نقف عليها ، وقد صرّح به جماعة (٤) ، فهو ضعيف ، كضعف ما علّل به : من بطلان طنّ وفاته فبطل ما يترتّب عليه ، أوّلاً : بأنّه يتّجه لو لم يوجب طلاقها بعد البحث ، أمّا معه كما مضى فلا.
وثانياً : بإمكان المناقشة فيه على تقدير عدم إيجابه والاكتفاء بأمر الشارع بالاعتداد ، فإنّه قائم مقام الطلاق ، ولذا صحّ لها النكاح ، وانتفى سبيله عنها بعده ، بلا خلاف ، هذا.
مع أنّه اجتهاد صرف في مقابلة النص ، سيّما الموثّق ؛ لتصريحه بالحكم المزبور مع ظهوره في الاكتفاء المذكور.
ومن هنا يظهر وجه القدح في القول بالتفصيل بأنّها إن بانت بالطلاق
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٤١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥١.
(٢) النهاية : ٥٣٨.
(٣) الشرائع ٣ : ٣٩.
(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ١٠٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٥١ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٤٩٣.
فالأوّل ، وإن بانت بأمر الحاكم فالثاني (١).
( السابع : في عدّة الإماء والاستبراء ) هو لغةً : طلب البراءة ، وشرعاً : التربّص بالمرأة مدّة بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالاً ؛ لبراءة الرحم ، أو تعبّداً ، هذا هو الأصل ، وإلاّ فقد يجب الاستبراء بغير ذلك ، كأن وطئ أمة غيره شبهة.
وخصّ بهذا الاسم لأنّ التربّص مقدّر بما يدل على البراءة من غير تكرير وتعدّد فيه ، بخلاف التربّص الواجب بسبب النكاح ، فإنّه مأخوذ من العدد ؛ لما يقع فيه من تعدّد الأقراء والشهور ، فخصّ باسم العدّة ، وحكمه مضى في بحث التجارة.
بقي حكم العدّة ، فنقول : ( عدّة الأمة في الطلاق ) ونحوه ( مع الدخول ) بنكاح أو شبهة ، هذا القيد مستدرك ، كيف لا؟! ولا عدّة على من لم يدخل بها مطلقاً ، كما مضى (٢).
وكيف كان عدّتها ( قرءان ) بالنص ، وإجماع علماء الإسلام إلاّ داود ، فجعل عدّتها ثلاثة أقراء (٣). وهو مسبوق بالإجماع وملحوق به.
مضافاً إلى أنّها تكون على النصف ممّا عليه الحرّة في الأحكام ، والقرء لا يتبعّض ، وإنّما يظهر نصفه إذا ظهر كلّه بعود الدم.
وفي النبوي : « يطلّق العبد تطليقتين ، وتعتدّ الأمة بقرءين » (٤) ونحوه الباقري المروي صحيحاً (٥).
__________________
(١) قال به في المختلف : ٥٩٣.
(٢) في ص ٢٨٢.
(٣) انظر بداية المجتهد ٢ : ٩٣.
(٤) سنن الترمذي ٢ : ٣٢٧ / ١١٩٣ ، سنن الدارقطني ٤ : ٣٨ / ١٠٤ ، ١٠٧.
(٥) الكافي ٦ : ١٦٧ / ١ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٥ / ١١٩٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ ح ١.
( وهما ) أي القرءان ( طهران ، على الأشهر ) بين الأصحاب ؛ لتفسير القرء بقول مطلق بما بين الحيضتين في الصحاح المستفيضة المتقدّم إليها الإشارة في عدّة الحرّة ، وعليه يكون المراد بالقرءين في الخبرين : الطهرين.
خلافاً للإسكافي والعماني على احتمال ، فحيضتان (١) ؛ لصريح الصحيحين وغيرهما : « طلاق الأمة تطليقتان ، وعدّتها حيضتان » (٢).
وحملت الحيضة الثانية على الدخول فيها ، ولا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة ، وإن كان المصير إلى هذا القول لولا الشهرة العظيمة بخلافه في غاية القوّة ؛ لعدم معارض لتلك المعتبرة الصريحة صريحاً ، إلاّ ظواهر تلك المستفيضة المطلقة ، القابلة للتقييد بالحرّة ، وجعل الألف واللام فيها إشارة إلى أقرائها المذكورة في الآية ، وهذا الجمع أقوى ممّا ذكر بالبديهة ، والاحتياط العمل به البتّة.
كل ذا إذا كانت ذات عادة مستقيمة.
( و ) أمّا ( لو كانت مسترابة ) بالحيض ، فلا تحيض وهي في سنّ من تحيض ( فـ ) ـ عدّتها ( خمسة وأربعون يوماً ) إن طلّقت في أثناء الشهر ، أو في أوّله وكان الشهر تامّاً ، وأمّا إذا فقد الأمران كأن طلّقت في الأوّل ونقص الشهر فأربعة وأربعون يوماً ؛ نظراً إلى قاعدة التنصيف المستفادة من العمومات ، وخصوص الصحيح هنا : « عدّة الأمة حيضتان ، وإذا لم تكن تحيض فنصف عدّة الحرّة » (٣).
__________________
(١) نقله عنهما في التنقيح الرائع ٣ : ٣٥١ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٦١٩.
(٢) الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥.
(٣) الكافي ٦ : ١٧٠ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٦ أبواب العدد ب ٤٠ ح ٣.