رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وهو حسن إن لم يُظهر لفعله تأويلاً كنسيان أو جهالة ، وإلاّ فلا وجه له بالمرّة ، مع عموم ما دلّ على لزوم قبول البيّنة.

( الخامسة : إذا طلّق الغائب ) زوجته ( وأراد العقد على أُختها ، أو على خامسة ) واحتمل حمل المطلّقة ( تربّص تسعة أشهر ) من حين الطلاق ، على المفهوم من العبارة هنا وكلام جماعة (١) ، وبه صرّح بعض الأجلة (٢).

إلاّ أنّ التعليل هنا وفي كلام جماعة (٣) بكونه ( احتياطاً ) عن احتمال الحمل ربما أشعر بكون مبدأ التسعة من حين المواقعة ، وقد صرّح بإفادة التعليل ذلك بعض الأجلة (٤).

إلاّ أنّ الأحوط الأوّل ؛ عملاً بظاهر الصحيحة التي هي المستند لإثبات الحكم في المسألة : في رجل له أربع نسوة ، طلّق واحدة منهنّ وهو غائب عنهنّ ، متى يجوز له أن يتزوّج؟ قال : « بعد تسعة أشهر ، وفيها أجلان : فساد الحيض ، وفساد الحمل » (٥) إلاّ أنّ التعليل ربما أشعر بالثاني.

ويكون الحكم في المسترابة بالحمل خاصة ، ولذا قيّد به العبارة ، تبعاً للجماعة ، والتفاتاً فيما عداها إلى عموم المستفيضة القائلة : إنّ عدّتها ثلاثة أقراء أو أشهر ثلاثة.

مضافاً إلى خصوص الصحيحة : « إذا طلّق الرجل امرأته وهو غائب‌

__________________

(١) منهم الحلّي في السرائر : ٦٩٢ ، والعلاّمة في المختلف : ٥٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٢) انظر نهاية المرام ٢ : ٦٠.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٨٩ ، انظر المسالك ٢ : ٢٥ ، والحدائق ٢٥ : ٣١١.

(٤) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٩.

(٥) الكافي ٦ : ٨٠ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦٩ أبواب العدد ب ٤٧ ح ١.

٢٦١

فليشهد عند ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء فقد انقضى عدّتها » (١).

وهي وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّها كما عداها من المستفيضة محمولة على غير المسترابة بالحَبَل ؛ جمعاً بينها وبين الصحيحة المتقدّمة ، إمّا لظهورها فيها ، كما يستشعر به من التعليل في ذيلها ، أو لحمل إطلاقها عليها ؛ جمعاً بين الإطلاقين ، التفاتاً إلى النصوص المفصّلة في البين ، كالموثق (٢) وغيره (٣).

ومن هنا ينقدح الوجه في تعميم الماتن الحكم لما عدا مورد الرواية ، وهو التزويج بالأُخت ، وأنّه كالتزويج بالخامسة ؛ لظهور أنّ العلّة في الأمر بالصبر إلى انقضاء التسعة إنّما هو الاسترابة بالحبل ، كما أفصح عنها التعليل في الرواية ، وظهرت من النصوص المفصّلة ، فلا يضرّ اختصاص المورد بالتزويج بالخامسة ، فعدم الفرق أقوى ، وفاقاً لأكثر أصحابنا.

خلافاً للحلي (٤) ، فخصّ الحكم بالمورد ؛ لوجوه بما ذكرناه مدفوعة.

ثم هنا قول باعتبار السنة دون التسعة لقواعد العلاّمة (٥) ، إمّا لكونها أقصى مدّة الحمل ، أو للأمر بها في أخبار المسترابة.

وفيهما نظر ، مع كونهما اجتهاداً في مقابلة صريح النص المعتبر ، الذي عليه عمل أكثر الأصحاب قد استقر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١١١ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٦٢ / ٥٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٥٣ / ١٢٦٤ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٥ أبواب العدد ب ٢٦ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٠١ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٣ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٢٩ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٢٤ أبواب العدد ب ٢٥ ح ٤.

(٤) السرائر ٢ : ٦٩٢.

(٥) القواعد ٢ : ٦٥.

٢٦٢

( النظر الثالث )

( في اللواحق )

( وفيه مقاصد ) أربعة :

( الأوّل : يكره الطلاق للمريض ) على الأشهر ، بل كاد أن يكون إجماعاً بين من تأخّر ؛ للنهي عنه في المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « ليس للمريض أن يطلّق ، وله أن يتزوّج » (١).

وحملت على الكراهة ؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على الوقوع من المعتبرة الأُخر المستفيضة الآتية.

وفيه نظر ، فإنّ الوقوع لا ينافي الحرمة في نحو المسألة من حيث إنّها ليست بعبادة.

نعم في الصحيح : عن الرجل يحضره الموت فيطلّق امرأته ، هل يجوز طلاقها؟ قال : « نعم ، وإن مات ورثته ، وإن ماتت لم يرثها » (٢) وهو كما ترى ظاهر في الجواز ، إلاّ أنّ القائل حمله على أنّ المراد به الوقوع لا نفي التحريم ، لكنّه بعيد ، وهو مع الشهرة العظيمة وأصالة الإباحة لعلّه كافٍ في نفي الحرمة ، إلاّ أنّ الأحوط المصير إليها ، وفاقاً للمقنعة (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٤٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥١ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٢.

(٣) المقنعة : ٨٣١.

٢٦٣

( و ) لكن ( يقع لو طلّق ) والحال هذه ، إجماعاً ، حتى من القائل بها ؛ لما مرّ ، ويأتي إليه الإشارة من المستفيضة.

( ويرث زوجته في العدّة الرجعية ) إجماعاً ، كما حكاه جماعة (١) ، وهو الحجة فيه ، كعموم المستفيضة :

ففي الصحيح : « أيّما امرأة طلّقت ، ثم تُوفّي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّها ترثه ، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وإن توفّيت وهي في عدّتها ولم تحرم عليه ، فإنّه يرثها » الخبر (٢).

وفيه : « إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة ، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة ، ولا ميراث بينهما » (٣).

وفي الموثق : عن الرجل يطلّق المرأة؟ قال : « ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة » (٤).

وفي الخبر : في رجل طلّق امرأته ، ثم توفّي عنها وهي في عدّتها : « إنّها ترثه ، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وإن توفّيت وهي في عدّتها فإنّه يرثها » الحديث (٥).

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٢١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥٠ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٨ / ٧٢٣ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢٥ أبواب ميراث الأزواج ب ١٣ ح ١٠.

(٤) الكافي ٧ : ١٣٤ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٣٨٣ / ١٣٦٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٨ / ١٠٩٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢٢٣ أبواب ميراث الأزواج ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٦ / ١٠٨٨ ، الوسائل ٢٢ : ٢٥١ أبواب العدد ب ٣٦ ح ٧.

٢٦٤

وهي كما ترى عامة ، سيّما الأوّل والأخير.

ولا ينافيها ما تقدّم من الصحيح النافي إرثه منها مطلقاً ، وإن كان نصّاً في المريض ؛ لاحتماله الحمل على الطلاق البائن ، ولا ينافيه الحكم فيه باستيراث الزوجة فيه ؛ لما ستقف عليه من اتفاق النص والفتوى بذلك.

أو على نفي الاستيراث بعد انقضاء العدّة ، صرّح به شيخ الطائفة (١).

ولا بأس به كالسابق ؛ جمعاً بين الأدلّة ، ولو لم يكن عليه شاهد ولا قرينة ، بل ومع فرض الصراحة لا تضرّنا الرواية ؛ لكونها على هذا التقدير شاذّة لا يترك لأجلها عموم المعتبرة المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، والإجماعات المحكية ، وأصالة بقاء عصمة الزوجية الموجبة لتوارث الزوجين أحدهما من الآخر بالبديهة.

ثم إنّ ظاهر العبارة كعموم المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، عدا الأخيرة اختصاص الحكم بإرثه منها بكونها في العدّة الرجعية ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٢) ، وأشعر به أيضاً عبارة بعض الأجلّة (٣).

خلافاً للنهاية وجماعة (٤) ، فأثبتوا الإرث له في العدّة البائنة كالرجعية ؛ لعموم الرواية الأخيرة من المستفيضة.

وتخصّ بما تقدّمها من المعتبرة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٠٤.

(٢) الخلاف ٤ : ٤٨٤.

(٣) الكفاية : ٢٠٢.

(٤) النهاية : ٥٠٩ ، والمهذَّب ٢ : ٢٨٩ ، الوسيلة : ٣٢٤.

٢٦٥

ولعموم خصوص الخبرين ، في أحدهما : عن رجل طلّق امرأته آخر طلاقها؟ قال : « نعم ، يتوارثان في العدّة » (١).

وفي الثاني : « المطلّقة ثلاثاً ترث وتورث ، ما دامت في عدّتها » (٢).

وهما مع قصور السند والنهوض لمقاومة ما مرّ ليسا نصّين في المريض ، وإطلاقهما مخالف للإجماع ، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة.

ومع ذلك ليسا نصّين في طلاق البينونة ؛ لاحتمال آخر الطلاق في الأوّل : الآخر المتحقق منه في الخارج ، ويجامع أوّل الطلقات والثاني ، ولا ينحصر في الثالث ، فيقبل الحمل على الأوّلين.

والمطلّقة ثلاثاً في الثاني : المطلّقة كذلك مرسلة ، وقد مرّ أنّها تقع واحدة ، فيرجع عدّة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية ، فتلائمان بذلك المعتبرة المتقدّمة ، وبالجملة لا وجه لهذا القول بالمرّة.

( وترثه هي ) أي الزوجة في العدّة وبعدها ( ولو كان الطلاق بائناً ) لكن ( إلى سنة ) خاصة ، فلا ترث بعدها ولو لحظة ، بلا خلاف في ذلك ، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة (٣).

والأصل فيه المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل طلّق‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٠ / ٢٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٧ / ١٠٩١ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٩٤ / ٣٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٠ / ١٠٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١٣.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٨٤ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٧٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٢٩.

٢٦٦

امرأته وهو مريض؟ قال : « ترثه في مرضه ما بينه وبين سنة إن مات في مرضه ذلك » الخبر ، وفي آخره : « وإن مات بعد ما يمضي سنة لم يكن لها ميراث » (١).

والموثق : رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة ، وقد كان طلّقها قبل ذلك تطليقتين ، قال : « فإنّها ترثه إذا كان في مرضه » قال : قلت : وما حدّ المرض؟ قال : « لا يزال مريضاً حتى يموت ، وإن طال ذلك إلى سنة » (٢).

وهما كغيرهما وإن عمّا صورتي تزويج المرأة بعد العدّة بغيره وعدمه ، إلاّ أنّه ينبغي تقييدهما بـ ( ما ) إذا ( لم تتزوّج ) فلو تزوّجت حرمت الميراث ؛ للإجماع ، والمعتبرة ، منها المرسل كالصحيح : في رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال : « إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته ، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع ، لا ميراث لها » (٣) ونحوه غيره (٤).

وهذه النصوص متّفقة الدلالة كفتوى الجماعة على تقييد الحكم بقيد آخر ، وهو المشار إليه في العبارة بقوله : ( أو يبرأ من مرضه ذلك ) فلو برئ منه ومات بمرض غيره قبل مضيّ السنة حرمت الميراث ولو لم تتزوّج بغيره.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٥٣ / ١٦٨٨ ، التهذيب ٨ : ٧٩ / ٢٧١ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٦ / ١٠٨٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٤ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ١١.

(٢) الكافي ٣ : ١٢٢ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٧٨ / ٢٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٣ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ١٢١ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٥ / ١٠٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٣ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٢١ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٥٣ / ١٦٩٠ ، التهذيب ٨ : ٧٧ / ٢٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٤ / ١٠٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٥.

٢٦٧

ثم إنّ إطلاق النصوص كالعبارة يقتضي عموم الحكم مع الشرطين لصورتي الطلاق بقصد الإضرار وعدمه ، وهو الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر عبارة الخلاف والمبسوط (١) بإجماعهم عليه ، وهو الحجة فيه ؛ مضافاً إلى إطلاق الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافاً للفقيه والاستبصار والمختلف وجماعة (٢) ، فخصّوه بالأُولى ؛ حملاً للإطلاق عليها ؛ نظراً إلى الغلبة ، والتفاتاً إلى خصوص الموثقة : عن رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال : « ترثه ما دامت في عدّتها ، وإن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه » (٣).

ولا يخلو عن قوّة ، وتعضده الرواية : « لا ترث المختلعة والمبارئة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً ، إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج ، وإن مات في مرضه ؛ لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه » (٤) فتأمّل.

إلاّ أنّ الخروج عن الإطلاقات المعتضدة بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدّمة مشكل ، سيّما مع احتمال العموم في أكثر النصوص ؛ لترك الاستفصال المفيد له عند الفحول ، وليس كالمطلق يقبل الحمل على الغالب ، فالاحتياط لا يترك مع الإمكان ، وإلاّ فالعمل على المشهور.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٤٨٦ ، المبسوط ٥ : ٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٠٦ ، المختلف : ٥٨٣ ؛ مفاتيح الشرائع ٣ : ٣٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٥١ ، الحدائق ٢٥ : ١١٩.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٥٤ / ١٦٩٤ ، التهذيب ٨ : ٧٨ / ٢٦٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٧ / ١٠٩٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٥٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٨ : ١٠٠ / ٣٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٨ / ١٠٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٢٩٠ أبواب الخلع والمباراة ب ٥ ح ٤.

٢٦٨

( المقصد الثاني )

( في المحلِّل ).

( ويعتبر فيه البلوغ ) فلا تحليل بالصغير ، إجماعاً منّا ، كما حكاه جماعة (١) ، وكذا المقارب للبلوغ المعبَّر عنه بالمراهق ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه كافّة من تأخّر إلاّ من ندر (٢) للأصل ، وصريح الخبر (٣) ، وضعفه بالشهرة منجبر ، وبظواهر أخبار العُسَيلة (٤) معتضد.

خلافاً للإسكافي وأحد قولي الطوسي (٥) ؛ لإطلاق الزوج في الآية (٦).

ويضعّف بعدم التبادر أوّلاً ، وظهور : « فإن طلّقها » في الذيل في غيره ثانياً ، وبتقييده بما مرّ من الخبر ثالثاً.

( والوطء ) فلا تحليل بمجرّد العقد ، إجماعاً من العلماء إلاّ سعيد ابن المسيّب (٧) للأصل ، والنبوي المشهور من الجانبين : « لا ، حتى تذوقي عُسَيلته ويذوق عُسَيلتك » (٨) وهي : لذّة الجماع ، أو الإنزال ، وليسا بدون‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٦ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٤٦ ، انظر كشف اللثام ٢ : ١٣٣.

(٢) انظر المسالك ٢ : ٢٧ ، ونهاية المرام ٢ : ٦٦.

(٣) الكافي ٦ : ٧٦ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٣ / ١٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٠ أبواب أقسام الطلاق ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٢ : ١٢٩ أبواب أقسام الطلاق ب ٧.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٩٣ ، الطوسي في المبسوط ٥ : ١١٠.

(٦) البقرة : ٢٣٠.

(٧) حكاه عنه في الخلاف ٤ : ٥٠٢ ، والمبسوط ٥ : ١٠٩.

(٨) سنن البيهقي ٧ : ٣٧٤ ، عوالي اللئلئ ٢ : ١٤٤ / ٤٠٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٢٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٧ ح ٥.

٢٦٩

الدخول قطعاً.

ويشترط أن يكون ( في القبل ) لظاهر الخبر ، ولأنّه المعهود.

وأن يكون موجباً للغسل ، وحدّه غيبوبة الحشفة ؛ لأنّ ذلك مناط أحكام الوطء ، وظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء به ، وهو الحجة فيه إن تمّ ، وإلاّ فهو محلّ نظر ؛ للأصل ، وظاهر الخبر المشترط لذوق العُسَيلة ، الغير الحاصلة بمجرّد غيبوبة الحشفة ظاهراً إن فسّرت بلذّة الجماع ، وقطعاً إن فسّرت بالإنزال ؛ لعدم حصوله بذلك غالباً.

وأن يكون ( بالعقد الصحيح ) فلا عبرة بالوطء المجرّد عنه مطلقا ، حراماً كان أو شبهةً ، أو المشتمل على الفاسد منه ؛ لأنّه كالعدم.

والأصل فيه بعد الإجماع الأصل ، وظاهر قوله عزّ وجلّ : (زَوْجاً ) الغير الصادق على مثل ذلك.

ومنه يظهر عدم التحليل بالوطء بالملك ، أو التحليل ، إمّا لعدم العقد ، أو لعدم صدق الزوج على الواطئ بهما.

مضافاً إلى الخبرين في الأوّل ، في أحدهما : عن رجل زوّج عبده أمته ، ثم طلّقها تطليقتين ، أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال : « لا » قلت : أفرأيت أن وطأها مولاها ، أيحلّ للعبد أن يراجعها؟ قال : « لا ، حتى تزوّج زوجاً غيره ، ويدخل بها ، فيكون نكاحاً مثل نكاح الأوّل » الخبر (١) ، ونحوه الثاني (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٨٧ / ٢٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٣١٢ / ١١١٠ ، الوسائل ٢٢ : ١٦٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٨٤ / ٢٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٠٩ / ١٠٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٦٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٢٧ ح ١.

٢٧٠

وحيث إنّ الزوج حقيقة في الدائم دون المتمتّع ، أو يتبادر منه خاصة دونه ، انقدح وجه تقييد العقد بـ ( الدائم ).

مضافاً إلى إشعار ذيل الآية بذلك.

مع أنّه نصّ المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، ثم تمتّع منها رجل آخر ، هل تحلّ للأوّل؟ قال : « لا » (١) ونحوه الموثق (٢) وغيره (٣) ، وفيهما زيادة على ما مرّ : « حتى تدخل فيما خرجت منه ». ومن الزيادة يظهر عدم التحليل بالتحليل وملك اليمين.

ثمّ إنّ إطلاق النص والفتوى يشملان العبد أيضاً ؛ مضافاً إلى خصوص بعض الأخبار : عن رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فتزوّجها عبد ، ثم طلّقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : « نعم ؛ لقول الله عزّ وجلّ في كتابه ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٤) وهو أحد الأزواج » (٥).

وحينئذٍ يسهّل الخطب في تحصيل المحلّل إن خيف عدم طلاقه ، أو إبطاؤه به ، فيحتال بتزويجها من العبد ، ثم نقله إلى ملكها ، فإنّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ٨ : ٣٣ / ١٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ٩ ح ١ ، ٥.

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٣ ، تفسير العياشي ١ : ١١٩ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٢ ح ١.

٢٧١

كطلاقها.

( وهل يهدم ) المحلِّل بشرائطه ( ما دون الثلاث ) فيكون معه كالعدم ، أم لا ، بل يحتسب من الثلاث ، فإن (١) كان واحداً كانت عنده على ثنتين ، وإن كان اثنين كانت عنده على واحدة ( فيه روايتان ، أشهرهما : أنّه يهدم ) بل ربما أشعر كثير من العبارات بالإجماع عليه.

ففي الموثق : عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه ، وانقضت عدّتها ، ثم تزوّجت زوجاً آخر ، فطلّقها أيضاً ، ثم تزوّجت زوجها الأوّل ، أيهدم ذلك الطلاق الأوّل؟ قال : « نعم » (٢) ونحوه خبران آخران (٣).

وفي رابع : رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ، ثم تزوّجها آخر ، فطلّقها على السنّة ، ثم تزوّجها الأوّل ، على كم هي عنده؟ قال : « على غير شي‌ء » ثم قال : « يا رفاعة : كيف إذا طلّقها ثلاثاً ثم تزوّجها ثانية استقبل الطلاق ، وإن طلّقها واحدة كانت على ثنتين؟! » (٤).

وقصور هذه النصوص بالشهرة مجبور.

ومع ذلك مطابق لمقتضى الأصل ، ولزوم الاقتصار في الثلاث المحرِّم‌

__________________

(١) بدله في الأصل : بأن ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٦ : ٧٧ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠ / ٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧١ / ٩٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١.

(٣) الأول في : نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١١٣ / ٢٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١٣.

الثاني في : التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٣١ / ٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٢ / ٩٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٤.

٢٧٢

على المتيقّن المتبادر من النص الدالّ عليه ، وهو : الثلاث التي لم يتخلّلها المحلِّل.

ومع ذلك مخالف لما عليه أكثر العامة ، كما حكاه بعض الأجلّة (١) ، وإن حكي الهدم عن أبي حنيفة وجماعة (٢) ؛ لرجحان الكثرة على القلّة ، مع التأيّد بصريح بعض المعتبرة (٣) بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده من حيث الدلالة على كون الهدم مذهب علي عليه‌السلام ، وعدمه مذهب عمر.

وأمّا ما دلّ على كون الثاني مذهب علي عليه‌السلام (٤) ، فغير ظاهر المنافاة ؛ لضعف السند أوّلاً ، واحتمال التقية في النسبة ثانياً ، وليس فيه أنّ مذهب عمر : الهدم.

وأمّا الرواية الثانية فهي الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

منها الصحيح : عن رجل طلّق امرأته تطليقة واحدة ، ثم تركها حتى مضت عدّتها ، فتزوّجت زوجاً غيره ، ثم مات الرجل ، أو طلّقها ، فراجعها زوجها الأوّل؟ قال : « هي عنده على تطليقتين » (٥).

__________________

(١) انظر الخلاف ٤ : ٤٨٨.

(٢) حكاه عنهم في الخلاف ٤ : ٤٨٩.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٨١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٢ / ٩٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٣ / ٩٧١ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٧ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ١٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٦ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٣١ / ٩٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٣ / ٩٦٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٦ ح ٦.

٢٧٣

إلاّ أنّها متروكة ، كما هو الظاهر من جماعة (١) ، وصرّح به بعض الأجلّة (٢) ، ومع ذلك فلا يعرف بها قائل من الطائفة ، وإن نسب إلى قيل ، وكلّ ذلك أمارة الشذوذ ، ورجحان الأخبار الأوّلة.

( ولو ادّعت أنّها تزوّجت ) المحلِّل ( و ) أنّه ( دخل ) بها ( وطلّق ، فالمروي ) (٣) صحيحاً : ( القبول إذا كانت ثقة ).

إلاّ أنّ المشهور القبول مع الإمكان مطلقاً ، وحمل الرواية على الاستحباب ؛ تمسّكاً بعموم المعتبرة المجوِّزة للتزويج بمن لا يعلم حالها ، معللة بأنّها : « هي المصدَّقة على نفسها » كما في بعضٍ (٤) ، و: « إنّما عليك أن تصدِّقها في نفسها » كما في آخر (٥).

المؤيّد بأنّها أخبرت عن أمرٍ ممكنٍ متعلّقٍ بها من غير منازع ، والمستفاد من كلمة الأصحاب وكذا الأخبار القبول مطلقاً في نحو ذلك ، ففي الخبر : عشرة كانوا جلوساً ، وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً : ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، وقال واحد منهم : هو‌

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٨ ، والمجلسي في مرآة العقول ٢١ : ١٣٠.

(٢) المفاتيح ٢ : ٢٤٦.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٣ أبواب أقسام الطلاق ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٦٢ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٧٧ / ١٥٢٦ ، الوسائل ٢٠ : أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٣ ح ٥.

(٥) رسالة المتعة ( مصنفات الشيخ المفيد ٦ ) : ١٤ / ٣٧ ، المستدرك ١٤ : ٤٥٨ أبواب المتعة ب ٩ ح ١.

٢٧٤

لي ، فلمن هو؟ قال : « هو للذي ادّعاه » (١).

مع أنّ عدم القبول ربما أوجب العسر والحرج المنفيين آيةً وروايةً.

وإلى هذا التعليل يشير بعض الأخبار : « أرأيت لو سألها البيّنة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج » (٢).

وربما يؤيّده النهي عن السؤال بعد التزويج بلا سؤال مع التهمة في كثير من النصوص (٣).

ومن هنا ينقدح عموم الحكم وانسحابه في كلّ امرأة كانت مزوّجة ، وأُخبرت بموته وفراقه وانقضاء العدّة في وقت محتمل.

ولا فرق بين أن تعيّن الزوج وعدمه ، ولا بين استعلامه وعدمه ، وإن كان طريق الورع غير خفي بسؤال المعلوم ، والتوقف مع ظنّ كذبها.

قيل : والمراد بالثقة من تسكن النفس إلى خبرها ، وإن لم تكن متّصفة بالعدالة المعتبرة في الشهادة (٤).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢٢ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٩٢ / ٨١٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٧٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٣ / ١٠٩٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٢ أبواب المتعة ب ١٠ ح ٥.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٣٠١ أبواب عقد النكاح ب ٢٥ ، وج ٢١ : ٣٠ أبواب المتعة ب ١٠.

(٤) نهاية المرام ٢ : ٧٠.

٢٧٥

( المقصد الثالث )

( في الرجعة ) بالكسر والفتح ، والثاني أفصح ، وهي لغةً : المرّة من الرجوع ، وشرعاً : ردّ المرأة إلى النكاح السابق من غير طلاق بائن في العدّة ، وفسّرت به أيضاً في القاموس والصحاح (١).

والأصل في شرعيتها الكتاب (٢) ، والسنّة (٣) ، وإجماع العلماء ، حكاه جماعة من أصحابنا (٤).

و ( تصح ) بكل ما دل على قصد الرجوع في النكاح ، بلا خلاف بين العلماء إذا كان ( نطقاً ، كقوله : راجعت ) ورجعت ، وارتجعت ، متّصلاً بضميرها ، فيقول : راجعتكِ ، وارتَجعتكِ ، ورجعتكِ.

وهذه الثلاثة صريحة غير محتاجة في بيان نية الرجعة إلى ضميمة ، ولو مثل إليّ ، أو إلى نكاحي ، بلا خلافٍ ، إلاّ أنّه ينبغي إضافتهما واستحب ، كما قيل (٥) ، وبها تصير أصرح.

وفي معناها رددتكِ ، وأمسكتكِ ؛ لورودهما في القرآن في قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (٦) ، ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) (٧) ، ‌

__________________

(١) القاموس ٣ : ٢٩ ، الصحاح ٣ : ١٢١٦ ، ١٢١٧.

(٢) البقرة : ٢٢٨ ٢٣٠.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١٠٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٢.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٠٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢١.

(٥) قاله الشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٤٩.

(٦) البقرة : ٢٢٨.

(٧) البقرة : ٢٢٩.

٢٧٦

فلا يحتاج إلى نية الرجعة ، أي قرينة معربة عنها ، كما هو الشأن في الألفاظ الغير الصريحة.

وقيل : يفتقر إليها فيهما ؛ لاحتمالهما غيرها ، كالإمساك باليد ، أو في البيت ، ونحوه (١). وهو حسن.

( و ) بينا إذا كان ( فعلاً ، كالوطء والقُبلة واللمس بشهوة ) مع قصد الرجعة ، فلا عبرة بها سهواً وغفلةً ، أو مع قصد عدم الرجعة ، أو لا معه مع عدم قصد الرجعة ، فإنّ ذلك لا يفيد الرجوع ، وإن فعل حراماً في غير الأوّل ؛ لانفساح النكاح بالطلاق ، وإن كان رجعيّاً ، ولو لا ذلك لم تبن بانقضاء العدّة ، إلاّ أنّه لا حدّ عليه ، وإن استحق التعزير ، إلاّ مع الجهل بالتحريم.

والأصل في حصول الرجعة بها بعد الإجماع ، والاندراج في العمومات ، فإنّ المعتبر معنى الرجعة لا لفظها ما ورد في معتبر الأخبار ، الصحيح إلى المجمع على تصحيح رواياته ، الغير الضائر قصور السند بعده ، مع انجباره بعمل الكلّ ، وفيه : « من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ ، وإن غشيها قبل انقضاء العدّة كان غشيانه إيّاها رجعة » (٢).

وإطلاقه وإن شمل الخالي عن قصد الرجعة ، إلاّ أنّ اللازم التقييد به ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على اعتباره من العقل والنقل.

نعم لا يبعد أخذه دليلاً على كون الأصل في الفعل الرجعة ، كالألفاظ الصريحة ، فلا يسمع دعوى عدمها إلاّ مع البيّنة ، فيرجع التقييد على هذا‌

__________________

(١) انظر نهاية المرام ٢ : ٧١.

(٢) الفقيه ٤ : ١٨ / ٣٨ ، التهذيب ١٠ : ٢٥ / ٧٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٣١ أبواب حد الزنا ب ٢٩ ح ١.

٢٧٧

إلى التقييد بعدم ظهور عدم قصد الرجعة ، لا ظهور قصدها.

خلافاً للروضة ، فقيّده بقصد الرجوع ، لا بعدم قصد غيره (١). وهو حسن لولا إطلاق النص المعتبر.

( ولو أنكر الطلاق كان رجعة ) بلا خلاف ، بل عليه الوفاق في المسالك (٢) ؛ للصحيح : « إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكار الطلاق رجعة لها ، وإن كان إنكار الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرِّق بينهما بعد شهادة الشهود » (٣) ونحوه الرضوي (٤).

ولدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة ، ودلالة الرجعة على رفعه في غير الماضي ، فيكون أقوى.

ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع الطلاق ، فينتفي حيث ينتفي المتبوع ؛ لأنّ غايتها التزام ثبوت النكاح ، والإنكار يدل عليه ، فيحصل المطلوب منها ، وإن أنكر سبب شرعيتها.

ثم إنّ إطلاق النص والفتوى يقتضي حصول الرجعة به مطلقاً ، ولو مع ظهور أنّ الباعث عليه عدم التفطّن إلى وقوع المنكَر ، ولو ذكره لم يرجع.

وهو مشكل ؛ للقطع بعدم قصد الرجعة حينئذٍ ، وهو معتبر إجماعاً ، وتنزيلهما على ذلك بعيد ؛ لبعد شمولهما لمثل ذلك ، وغايتهما حينئذٍ إثبات أصالة الرجعة في الإنكار ، كما في الألفاظ الصريحة ، إلاّ مع وجود الصارف عنها ، كما فيها أيضاً ، ولا كذلك الإنكار في غير الطلاق ممّا يجوز الرجوع ،

__________________

(١) الروضة ٦ : ٥٠.

(٢) المسالك ٢ : ٣٠.

(٣) الكافي ٦ : ٧٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٩ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٦ أبواب أقسام الطلاق ب ١٤ ح ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٣٣١ أبواب أقسام الطلاق ب ١٢ ح ١.

٢٧٨

فلا يحكم به فيه بمجرّده ؛ لأعمّيته عنه ، واحتماله ما ذكرنا من عدم التفطّن ، إلى آخره.

( ولا يجب في ) صحة ( الرجعة الإشهاد ) بلا خلاف ، بل عليه إجماعنا في عبائر جماعة (١) ، وهو الحجة فيه ، كفحوى المعتبرة (٢) بعدمه في النكاح ، فهنا أولى ؛ مضافاً إلى خصوص الآتية ( بل يستحب ) للمستفيضة ، ففي الصحيح : « إنّ الطلاق لا يكون بغير شُهود ، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل » (٣).

وفيه : في الذي يراجع ولم يشهد ، قال : « يشهد أحبّ إليَّ ، ولا أرى بالذي صنع بأساً » (٤).

وفيه : « إنّما جعل الشهود لمكان الميراث » (٥).

وفي الرضوي : « وإنّما تكره الرجعة بغير شهود من جهة الحدود والمواريث والسلطان » (٦).

( ورجعة الأخرس بالإشارة ) المفهمة ، كسائر تصرّفاته ، على المشهور بين الطائفة.

خلافاً للصدوقين (٧) ، فبإلقاء القناع عنها ، عملاً بضدّ ما هو أمارة‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٣١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣٢١.

(٢) انظر الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣.

(٣) الكافي ٦ : ٧٣ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٧٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ٤٢ / ١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ٢ ؛ باختلاف يسير.

(٥) الكافي ٦ : ٧٣ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ١٣٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١٣ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٣ ، المستدرك ١٥ : ٣٣٠ أبواب أقسام الطلاق ب ١١ ح ١.

(٧) الصدوق في المقنع : ١١٩ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٥٩١.

٢٧٩

طلاقها ، وهو وضعه عليها ، كما في الخبر (١).

وهو شاذّ ، ومستنده مزيّف.

وفي قول الماتن : ( وفي رواية : يأخذ القناع ) عنها ، إشارة إلى وجود الرواية بصريحها فيه ، ولم نقف عليها.

( ولو ادّعت ) المطلّقة ( انقضاء العدّة في الزمان الممكن ) ويختلف أقلّه باختلاف أنواع العدّة.

فهو من المعتدّة بالأقراء ستّة وعشرون يوماً ولحظتان في الحرّة ، وثلاثة عشر يوماً ولحظتان في الأمة ، وقد يتفق نادراً انقضاؤها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات ، وفي الأمة بعشرة وثلاث (٢) ، بأن يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثم تراه لحظة ، ثم تطهر عشرة ، ثم تحيض ثلاثة ، ثم تطهر عشرة ، ثم ترى الحيض لحظة ، والنفاس معدود بحيضة ، ومنه يعلم حكم الأمة.

ومن المعتدّة بالوضع تامّاً ستة أشهر ولحظتين من وقت النكاح ، لحظة للوطء ، ولحظة للولادة.

وسقطاً مصوّراً مائة وعشرون يوماً ولحظتان.

ومضغةً ثمانون يوماً ولحظتان.

وعلقةً أربعون كذلك ، كما في المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « تصل النطفة إلى الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً ، ثم تصير علقةً أربعين يوماً ، ثم تصير مضغةً أربعين يوماً » الحديث (٣).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٨ ، المستدرك ١٥ : ٢٩٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٧ ح ١.

(٢) في « ح » زيادة : لحظات.

(٣) الكافي ٦ : ١٣ / ٤.

٢٨٠