رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وربما يستأنس به بملاحظة بعض المعتبرة ، كالصحيح لراويهما أيضاً : « الطلاق للعدّة أن يطلّق الرجل امرأته عند كل طهر ، يرسل إليها : أن اعتدّي ، فإنّ فلاناً قد طلّقك » الخبر (١).

ونحوه الموثق : « يرسل إليها ، فيقول الرسول : اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك » قال ابن سماعة وهو في سند الرواية ـ : وإنّما معنى قول الرسول : اعتدّي فإنّ فلاناً قد فارقك ، يعني : الطلاق ، إنّه لا يكون فرقة إلاّ بطلاق (٢).

أقول : لعلّ تفسيره بذلك لما روى عنه في الكافي ، قال : وقال الحسن : وليس الطلاق إلاّ كما روى بكير بن أعين ، أن يقول لها ، وهي طاهر من غير جماع : أنتِ طالق ، ويشهد شاهدين عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى (٣).

وهو مؤيّد لما قدّمناه من الخبر المتضمن للحصر فيما عليه الأكثر.

فخلاف الإسكافي وبعض من تأخر (٤) في عدم تجويز الوقوع بـ : « اعتدّي » شاذّ ، ضعيف ، لا يلتفت إليه ، وفي مصير الإسكافي تأييد للحمل على التقية ، كما مرّ.

( ويقع ) الطلاق ( لو قال ) أحد له : ( هل طلّقت فلانة؟ فقال : نعم ) قاصداً به الإنشاء ، وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة والفاضلين هنا وفي الشرائع والإرشاد (٥).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٠ / ٣ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٧٠ / ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٧٠ ذيل الحديث ٤ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٨٥ ؛ والمسالك ٢ : ١٣ ، ونهاية المرام ٢ : ٢٩.

(٥) النهاية : ٥١١ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٧٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، الشرائع ٣ : ١٧ ، الإرشاد ٢ : ٤٣.

٢٢١

للخبر : في الرجل يقال له : أطلقت امرأتك؟ فيقول : نعم ، قال : « قد طلّقها حينئذ » (١).

ولتضمنه السؤال : فتكون في قوّة : طلّقتُ فلانة ، وهو ممّا يقع به الطلاق.

وفي الخبر قصور بالجهالة والضعف في المشهور ، مع عدم صراحته في المطلوب فيحتمل الحكم عليه بالطلاق حينئذٍ من حيث الإخبار به اللازم منه الإقرار ، ولا كلام فيه إلاّ مع العلم بعدمه ، ويكون المراد من : « طلّقها حينئذٍ » إيجاده السبب الموجب للحكم به عليه وهو إقراره ، لا وقوع الطلاق من حينه.

وفي الثاني منع الوقوع بالأصل أوّلاً ، ثم بعد تسليمه منع الوقوع بما في قوّته ثانياً ، هذا.

مضافاً إلى عدم مكافأة الجميع لما مرّ من الأصل والحصر الذي عليه ثمّة وهنا عمل الأكثر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (٢).

وبه يجاب عن الموثق القريب من الخبر الأوّل ، بل قيل : لعله بحسب الدلالة أيضاً منه أظهر : في رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، فأراد رجل أن يتزوّجها ، كيف يصنع؟ قال : « يأتيه فيقول : قد طلّقتَ فلانة؟ فإذا قال : نعم ، تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسها » (٣).

وجه الأظهرية عدم احتمال « نعم » فيه الإخبار ؛ نظراً إلى خبرة الراوي‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٨ / ١١١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٦ ح ٦.

(٢) الانتصار : ١٢٩.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٩ / ١٩٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٣ / ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٢ : ٧٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣١ ح ١.

٢٢٢

بالوقوع قبله ، فينحصر في الإنشاء.

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر من حال القائل : نعم ، الإخبار ، ولا ينافيه علم السائل بالوقوع في السابق ، فليس فيه دلالة على الوقوع باللفظة ، وعلى تقديرها تصير الرواية شاذّة ؛ لما عرفت من ظهور إرادة الإخبار من اللفظة ، لا الإنشاء كما فهمه بعض الأجلّة (١) حيث استدل بها ، مع أنّها شاذّة من وجه آخر يأتي إليه الإشارة في المسألة الآتية ، ولعله لذا ترك الأصحاب الاستدلال به وبأمثاله من المعتبرة المستفيضة التي أكثرها موثقة ، وإلاّ فكان الأولى الاستدلال بها في المسألة.

نعم يبقى الكلام في وجه الحكمة في أمر السائل بعد اعترافه بوقوع الطلاق منه بالسؤال عن طلاقه ، ولا بدّ من التأمّل.

وقد تلخّص من جميع ما مرّ انحصار صيغة الطلاق في : أنتِ أو هذه ونحوهما طالق ، وعليه فتوى الأكثر ، وعمل كافّة من تأخّر ، وادّعى عليه الإجماع في الانتصار (٢).

ومنه يظهر اشتراط العربية ، كما هو الأشهر بين الطائفة ؛ لعين ما مرّ من الأدلّة.

خلافاً للنهاية وجماعة (٣) ؛ لرواية ضعيفة (٤) راويها من أكذب البرية ، ومع ذلك فهي غير صريحة ، محتملة للحمل على الضرورة ، وعليه في الظاهر اتفاق الطائفة.

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢١٠.

(٢) الانتصار : ١٢٩.

(٣) النهاية : ٥١١ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٢٤ ، والمهذَّب ٢ : ٢٧٥ ، والمسالك ٢ : ١١.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٨ / ١١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٧ ح ١.

٢٢٣

( ويشترط تجريده عن الشرط ) وهو ما أمكن وقوعه وعدمه ، كقدوم المسافر ، ودخولها الدار ( والصفة ) وهو ما قطع بحصوله عادةً ، كطلوع الشمس وزوالها.

والأصل في المسألة بعد ما مرّ من الأصل ، والحصر في المعتبرة الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة ، كالإنتصار والسرائر وبعض شروح الكتاب والروضة (١).

ويستثنى من الشرط ما كان معلوم الوقوع حالة الصيغة ، كما لو قال : أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك ، وهو يعلم وقوعه ، ولا بأس به ؛ لأنه حينئذٍ غير معلَّق ، وإن كان الأحوط تركه؟ خوفاً من مخالفة ما مرّ من الحصر ، فتأمّل.

( ولو فسّر الطلقة باثنين أو ثلاث ) كأن قال : أنتِ طالق طلقتين ، أو ثلاثاً ( صحّت واحدة وبطل ) الزائد المعبّر عنه بـ ( التفسير ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل ربما أشعر بالإجماع عليه عبارة الناصرية (٢) ، وصرّح به في نهج الحق شيخنا العلاّمة (٣) ، وهو الحجّة فيه المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.

مضافاً إلى وجود المقتضي ، وهو الصيغة المشتملة على شرائط الصحة عدا اشتماله على الزائد ، وهو غير صالح للمانعية ، إلاّ على تقدير ثبوت اشتراط قصد قيد الوحدة في صحة الطلقة الواحدة ، وليس بثابت من الأدلّة ، كيف لا؟! وقُصاراها الدلالة على عدم وقوع الطلقات المتعدّدة في مجلس واحد بالصيغة مطلقاً ، واحدة كانت أم متعدّدة ، وهو غير ملازم‌

__________________

(١) الانتصار : ١٢٧ ، السرائر ٢ : ٦٧٨ ، التنقيح الرائع ٣ : ٣٠٨ ، الروضة ٦ : ١٦.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٣.

(٣) نهج الحق : ٥٢٩.

٢٢٤

لاعتبار قيد الوحدة في النية ، وأنه يتوقّف عليه الصحة ، هذا.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة بالشهرة العظيمة ، ففي الصحيح : عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر؟

قال : « هي واحدة » (١) ونحوه باقي المستفيضة (٢).

وجه الدلالة عمومها لكل من الطلقات الثلاث ، المرسلة والمفصّلة ، الناشئ عن ترك الاستفصال فيها ، مع احتمال السؤالات فيها الأمرين البتة ؛ لكونها مطرحاً بين الخاصة والعامة ، ولذا حصل التردّد في حكمها لأصحاب الأئمة ، كحصوله لعلماء الطائفة.

فحملها على خصوص الأخيرة (٣) بدعوى تبادرها من العبارة ليس في محله ، كيف لا؟! واتفقت الخاصة والعامة على فهم الأوّلة أيضاً من العبارة ، ولذا استدل بعض أصحابنا (٤) القائل بالقول الثاني بالأخبار الآتية المشابهة أكثرها لهذه المعتبرة في تأدية الثلاث المرسلة بتلك العبارة ، ولم يُجب عنها الأصحاب بتلك المناقشة ، بل ردّوها بمناقشات أُخر يأتي إليها الإشارة.

وكلّ ذا أمارة واضحة وشهادة بيّنة على اتفاقهم على فهم الثلاث المرسلة من تلك العبارة ، فالمناقشة المزبورة فاسدة البتة ، كيف لا؟! ولا قرينة لنا على وضوح الدلالة أوضح وأصحّ من فهم علماء الطائفة ، بل هو أقوى القرائن المعتبرة المتمسك بها

في تعيين الدلالة بالضرورة ، ووجهه ما ذكرناه من كون الثلاث المرسلة ممّا وقع التشاجر في حكمها بين الخاصة والعامة ، وكثر الأسئلة فيها والأجوبة ، وبالجملة لا يخفى ما ذكرناه على ذي‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٢٢ : ٦١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩.

(٣) كما في الحدائق ٢٥ : ٢٣٩ ، والكفاية : ٢٠٠.

(٤) منهم السيد في الانتصار : ١٣٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤.

٢٢٥

فطنة ودرية.

ثمّ لو فرضنا فقد هذه الروايات أو ثبوت عدم دلالتها لكفانا في الحكم بوقوع الواحدة من الثلاث المرسلة حكايات الإجماع المتقدّمة ، فإنّها في حكم الصحيح الصريح ، المعتضد بالشهرة العظيمة ، ولا يقاومها شي‌ء من الأخبار الآتية ولو كانت صريحة ، وكذا الأُصول المتقدمة ، مع ما ستعرفه في الأدلة من أنها ما بين ضعيف وقاصر الدلالة ، هذا.

مع ما يظهر من تلك المستفيضة بعد ضمّ بعضها إلى بعض إرادة الثلاث المرسلة من تلك العبارة ، ألا ترى إلى الخبر : عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد؟ قال : فقال : « أمّا أنا فأراه قد لزمه ، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة » (١) قد اتّقى عليه‌السلام فيه من العامة وحكم بلزوم الثلاث بتلك العبارة.

ويظهر من بعض المعتبرة الواردة عنه عليه‌السلام أنّ الذي كان يتّقي فيه العامة إنّما هو الثلاث المرسلة خاصة ، ففي الخبر : « أنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما ، ولا رجعة ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن قال : هي طالق ، هي طالق ، هي طالق ، فقد بانت منه بالأُولى ، وهو خاطب من الخطّاب » الخبر (٢).

وهو صريح في أنّ اتّقاءه عليه‌السلام إنّما هو في المرسلة خاصة ، وأنّها التي‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٣ / ١٧٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٦٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٣ / ١٧٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٢ : ٦٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٥.

٢٢٦

عليها العامّة في تلك الأزمنة من الحكم بالبينونة ، وإلاّ لما كان التفصيل بين الصورتين إذا قالوا بعدمه في الثانية أيضاً ، واتحادهما في الحكم بالبينونة موافقاً للتقية ، مع أنّ حملها عليها متّفق عليه بين الطائفة.

وبمعونة ذلك يظهر أنّ حكم أبيه عليه‌السلام بصحة الواحدة في الرواية السابقة إنّما هو في الثلاث المرسلة التي اتّقى فيها عليه‌السلام عن العامة ، كما يظهر من هذه الرواية ، ولا يضر قصور سندهما ؛ لانجبارهما بالشهرة العظيمة ، هذا.

وفي الخبر عن مولانا الصادق عليه‌السلام في حديث قال فيه : فقلت : فرجل قال لامرأته : أنتِ طالق ثلاثاً ، فقال : « تردّ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وهو صريح في المرسلة ، ومع ذلك لم يحكم عليه‌السلام بالبطلان ، بل أوجب الردّ إلى السنّة ، والمراد به الردّ إلى الواحدة لا البطلان ، كما يفصح عنه بعض المعتبرة ، ففي الصحيح عن مولانا الصادق عليه‌السلام في حديث قال : قلت : فطلّقها ثلاثاً في مقعد ، قال : « تردّ إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة » (٢) ونحوه بعينه رواية أُخرى (٣).

وفي معناهما الصحيح : « طلّق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثاً ، فجعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة ، فردّها إلى الكتاب والسنّة » (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٤٨ / ٦ ، الوسائل ٢٢ : ٦٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٥ / ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٦٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٨ / ١٧٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٦ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٢ : ٦٥ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٨ : ٥٥ / ١٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٨ / ١٠١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٦٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٨.

٢٢٧

وهي صريحة الدلالة في أنّ المراد بالردّ إلى السنّة هو إمضاء الواحدة وإبطال الطلقات الزائدة ، وبمعونتها يظهر أنّ المراد بالردّ إلى السنّة في الثلاث المرسلة في تلك الرواية إنّما هو الردّ إلى الواحدة ، لا البطلان بالمرّة ، فتأمّل.

هذا مع أنّه يظهر بما قدّمناه من الأخبار وغيرها شيوع استعمال تلك العبارة في المستفيضة في الثلاث المرسلة في زمن الأئمة عليهم‌السلام ، ومعه يتقوّى دلالة العموم الناشئ عن ترك الاستفصال على الحكم في المسألة ، كيف لا؟! وشيوع الاستعمال الذي لا أقلّ منه يقوّي الاحتمال ، ومعه يلزم الاستفصال ، فتركه مع ذلك أوضح شاهد على العموم في المقال.

وبجميع ما قدّمناه يندفع حذافير الإشكال الذي أورده بعض الأبدال (١) في هذا المجال.

( و ) منه يظهر ضعف ما ( قيل ) من أنّه ( يبطل الطلاق ) رأساً ولا يقع منه شي‌ء ولو واحداً ، كما عن الانتصار وسلاّر والعماني وابن حمزة (٢).

مع أنّ عبارة الأوّل في ذلك غير ظاهرة ، بل المستفاد منها إنما هو الردّ على العامّة في الحكم بوقوع المتعدّدة ، وأمّا الواحدة فليس فيها على نفيها دلالة ، بل ولا إشارة ، بل ربما أشعر سياقها بقبول الواحدة ، مع تصريحه في مسألة فساد الطلقات الثلاث المتعاقبة من دون تخلّل رجعة بصحة الواحدة ، بل ربما أشعر عبارته بكونه مجمعاً عليه بين الإمامية ، بل‌

__________________

(١) ولعلّه هو الشهيد الأول في غاية المراد ٣ : ٢٢٧.

(٢) الانتصار : ١٣٤ ، سلاّر في المراسم : ١٦١ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ٥٨٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٢.

٢٢٨

وربما كانت العبارة في ذلك ظاهرة.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ؛ لما مرّ ، وضعف حججهم ، فإنّ منها الأصل ، ويدفع بما مرّ.

ومنها : أنّ المقصود وهو الواحدة المقيّدة [ لا (١) ] بقيد الوحدة غير واقع ، والصالح للوقوع غير مقصود ؛ لأنّه غير مريد للواحدة المقيّدة بقيد الوحدة.

وهو مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع مندفع بما مرّ من عدم الدليل على اعتبار قيد الوحدة في النية ، بل غايته الدلالة على كون ما زاد عليها بدعة ، وهو غير ملازم لاعتبار قيد الوحدة في النية ، وهي حاصلة من الثلاث المرسلة ، غاية الأمر أنّ الزائد عليها غير واقعة ، ويحتمل أن تكون ضميمته مؤكّدة.

ومنها : الأخبار ، ففي الصحيح : « من طلّق ثلاثاً في مجلس واحد فليس بشي‌ء ، من خالف كتاب الله تعالى ردّ إلى كتاب الله » (٢).

والمكاتبة روى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين : « أنّه يلزم تطليقة واحدة » فوقّع بخطّه : « أخطأوا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، لا يلزمه الطلاق ، ويردّ إلى كتاب الله تعالى والسنّة (٣).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى ، راجع لمزيد التوضيح نهاية المرام ٢ : ٣٣ ، والحدائق ٢٥ : ٢٣٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٤ / ١٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٧ / ١٠١٦ ، الوسائل ٢٢ : ٦٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٨.

(٣) التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٨٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٩ / ١٠٢١ ، الوسائل ٢٢ : ٦٧ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ١٩.

٢٢٩

وفيهما نظر ، أمّا أوّلاً : فلعدم مقاومتها لما مرّ.

وثانياً : ضعف الدلالة في الأوّل ؛ لاحتماله نفي الثلاث لا الواحدة ، بل في الردّ إلى كتاب الله ( والسنّة ) (١) كما في ذيله إشعار بل دلالة على وقوعه بمعونة ما مرّ.

وقصور سند الثاني من وجوه ، مع دلالة صدره على اشتهار الحكم بوقوع الواحدة في أصحاب زمانه.

ولا ينافيه الحكم منه بتخطئته ؛ لاحتمال المصلحة فيه من حيث كونه مكاتبة ، وهي غير منحصرة في التقية ، بل محتملة لها ولغيرها من المصالح العامة ، هذا.

مع أنّ بعض الأجلّة حمل الطلاق في كلامه عليه‌السلام على الثلاث لا الواحدة ، ويؤيّده ما فيه من الردّ إلى الكتاب والسنّة بملاحظة ما قدّمناه من تفسيره بالردّ إلى الواحدة.

ولا ينافيه الحكم بالتخطئة بعد احتمال كونه لمصلحة خفية غير نفي الواحدة ، المؤيّد بكون الرواية مكاتبة.

والذي يسهّل الخطب في ارتكاب أمثال هذه التوجيهات وإن كانت بعيدة قوّة ما قدّمناه من الأدلّة ، وبُعد خطاء اتفاق أصحاب الأئمة عليهم‌السلام على وقوع الواحدة ، على ما تشهد به نفس الرواية.

ولقد تكلّف بعض المعاصرين (٢) لنصرة هذا القول بأخبار هي ما بين قاصرة السند ، وغير واضحة الدلالة ، مع كون أكثرها شاذّة كما اعترف به جماعة (٣).

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولكنه غير موجود في ذيل الخبر الأوّل.

(٢) وهو صاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٠.

(٣) منهم الشيخ في التهذيب ٨ : ٥٦ ، وانظر المختلف : ٥٨٧.

٢٣٠

فمنها : المروي عن كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : إنّي ابتليت ، فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة ، فسألت أصحابنا ، فقالوا : ليس بشي‌ء ، وإنّ المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : « ارجع إلى أهلك فليس عليك شي‌ء » (١).

وهو مع عدم وضوح سنده غير واضح دلالته ؛ لاحتمال تعلّق نفي الشيئية في كلام الإمام وأصحابه إلى الطلقات المتعدّدة ، ودفعِ الابتلاء الملازم بتقدير صحتها خاصّة ، كما توهّم راوي الرواية ، لا إلى الواحدة ، بل ربما أشعر الرواية بوقوع الواحدة ؛ لما أفصحت عنه الرواية السابقة من حال أصحاب الأئمة ، ولما في لفظة الرجوع في كلام المعصوم عليه‌السلام التي تضمّنتها هذه الرواية ، فأين الدلالة على بطلان الواحدة في الثلاث المرسلة كما هو ظاهر هذه الرواية؟! ومنها : الأخبار القائلة بأنّ المطلّقات ثلاثاً ذوات أزواج ، والناهية لذلك عنهنّ ، منها الصحيح : « إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً ، فإنّهنّ ذوات أزواج » (٢).

وضعفه أوضح من أن يخفى ؛ لأنّها شاذّة لو حملت على الثلاث المرتّبة ، كما ادّعى هذا الفاضل (٣) وغيره ظهورها من عبارة : « طلّق ثلاثاً » في تلك المستفيضة ؛ إذ لا قائل بها من الطائفة ؛ لإجماعهم على وقوع الواحدة بالثلاث المرتّبة ، كما ادّعاه جماعة (٤) ، وصرّحت به المعتبرة.

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٤٢ / ٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٧١ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٩ / ١٠٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٦٨ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٩ ح ٢١.

(٣) الحدائق ٢٥ : ٢٣٩ ٢٤٠.

(٤) منهم المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦.

٢٣١

وكذا لو حملت على الثلاث المرسلة ، بناءً على وجوب حمل الإطلاقات على الفروض الشائعة ، وهي في هذه الروايات صدور الثلاث عن العامّة لا أصحابنا الإمامية ، فإنّ وقوعها منهم إن أمكن نادر بالبديهة ، وحينئذٍ تكون هذه الطلقات صحيحة إلزاماً لهم بمعتقدهم ، كما تفصح عنه الأخبار الآتية ، وعليه إجماع الإجماعية ، كما حكاه جماعة (١) ، هذا.

مع أنّ المستفاد من بعض المعتبرة كون النهي عن تزويجهنّ احتياطاً لا ناشئاً من فساد الواحدة ، ففي الصحيح : رجل من مواليك يقرؤك السلام وقد أراد أن يتزوّج امرأة قد وافقته وأعجبه بعض شأنها ، وقد كان لها زوج فطلّقها ثلاثاً على غير السنّة ، فكره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت تأمره ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « هو الفرج ، وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فلا يتزوّجها » (٢).

ولعلّ وجه الاحتياط هو ما ذكره جماعة منهم شيخ الطائفة (٣) عدم مبالاة العامة في وقوع الطلقات والمرأة غير طاهرة ، وعليه حمل الأخبار السابقة مستشهداً ببعض المعتبرة الذي شهادته عليه واضحة.

فالاستدلال بأمثال هذه الأخبار مع ما هي عليه من الشذوذ والندرة كيفما حملت غفلة واضحة.

ونحوه الاستدلال بما مضى من المعتبرة المستفيضة في وقوع الطلاق‌

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٦ ، والفيض في المفاتيح ٢ : ٣١٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٣ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧٠ / ١٨٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٣ / ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ٢٥٨ أبواب مقدمات النكاح ب ١٥٧ ح ١.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٩٣ ، انظر ملاذ الأخيار ١٢ : ٤٧٧.

٢٣٢

بـ « نعم » في جواب السؤال عنه (١) ، وبالجملة لا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

( ولو كان المطلِّق ) مخالفاً ( يعتقد الثلاث ) أو عدم اشتراط شي‌ء ممّا مرّ في الطلاق فطلّق ( لزمه ) معتَقَده ، وجاز لنا مناكحة مطلّقاته كذلك ، بلا خلاف فيه يظهر بيننا ، بل ادّعى عليه جماعة (٢) اتفاقنا ، وبه عموماً وخصوصاً استفاض نصوصنا ، فمن الأوّل : الموثق : عن الأحكام؟ قال : « يجوز على أهل كل ذي دين بما يستحلّون » (٣).

والموثق : « خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنّتهم وقضائهم وأحكامهم » الخبر (٤).

ومن الثاني : المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح في المطلّق ثلاثاً : « إن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه ، فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه » (٥).

والخبر : عن المطلّقة على غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال : « ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم ، وتزوّجوهنّ ، فلا بأس بذلك » (٦).

__________________

(١) راجع ص ٢٢٢.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ١٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٣٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٢٤٣.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٢٢ / ١١٥٥ ، الإستبصار ٤ : ١٤٨ / ٥٥٤ ، الوسائل ٢٦ : ٣١٩ أبواب ميراث المجوس ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٢١ / ١١٥٣ ، الإستبصار ٤ : ١٤٧ / ٥٥٢ ، الوسائل ٢٦ : ١٥٨ أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب ٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٥٧ / ١٨٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٩١ / ١٠٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٧٢ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ١.

(٦) التهذيب ٨ : ٥٨ / ١٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٩٢ / ١٠٣١ ، الوسائل ٢٢ : ٧٣ أبواب مقدمات الطلاق ب ٣٠ ح ٥.

٢٣٣

ومقتضى التعليلين كعموم الثاني اطّراد الحكم فيما ألحقناه بالمتن ، مضافاً إلى الاتفاق عليه ، وشمول الموثقين السابقين له.

وأمّا الأخبار المعارضة الناهية عن تزوج المطلّقات ثلاثاً لأنّهنّ ذوات أزواج فقد عرفت الجواب عنها.

ثم إنّ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المطلّقة كذلك بين المخالفة والمؤمنة ، وهو كذلك.

واحتمال الفرق وتخصيص الحكم بالأُولى كما يوجد في بعض العبارات (١) ؛ جمعاً بين النصوص ضعيف ، لا يلتفت إليه.

( الركن الرابع )

( في الإشهاد ، ولا بدّ ) في صحة الطلاق ( من شاهدين يسمعانه ) بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٢) ، وبه استفاض أخبارنا ، ففي الصحيح : « طلاق السنّة : يطلّقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين » (٣).

وفيه : « وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع ، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين ، فليس طلاقه إيّاها بطلاق » (٤).

__________________

(١) انظر الحدائق ٢٥ : ٢٤٤.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٤٥٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٨ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٣١٦.

(٣) الكافي ٦ : ٦٤ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٠٤ أبواب أقسام الطلاق ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٦ : ٦٠ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٤٧ / ١٤٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٣.

٢٣٤

( ولا يشترط استدعاؤهما إلى السماع ) بل يكفي سماعهما على الإطلاق ، بلا خلاف ؛ لأنّه حكم الشهادة ، وللمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها ، فجاء إلى جماعة ، فقال : فلانة طالق ، أيقع عليها الطلاق ، ولم يقل : أشهدوا؟ قال : « نعم » (١) ونحوه آخر (٢).

ومقتضاهما الاكتفاء في الإشهاد بتعريف المطلّقة لهما ، ولو بالاسم خاصة ، أو الإشارة ؛ لترك الاستفصال فيهما عن حال الجماعة ، وأنّ علمهم بالمطلّقة هل هو بشخصها وعينها أم باسمها خاصة؟ بل ربما كانا ظاهرين في الصورة الأخيرة ، هذا.

مع إطلاقات المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة ، من دون مراعاة للزائد عليها بالمرّة ، وهي وإن اقتضت صحّة الطلاق مطلقاً ، ولو من دون علمهما بالمطلّقة ، ولو بالاسم أو الإشارة بالمرة ، إلاّ أنّ اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة ؛ تحقيقاً لفائدة الشهادة ، والتفاتاً إلى بعض المعتبرة :

كالخبر : إنّي تزوّجت نسوة لم أسأل عن أسمائهنّ ، ثم أُريد طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى ، فكتب عليه‌السلام : « انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول : اشهدوا أنّ فلانة التي لها علامة كذا وكذا هي طالق ، ثم تزوّج الأُخرى إذا انقضت العدّة » (٣).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٤ ، الوسائل ٢٢ : ٥٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٧٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٥٠ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢١ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٥٦٣ / ٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٠ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٣ ح ٣.

٢٣٥

وبه صرّح شيخنا في النهاية (١) ، ولعلّ هذا أيضاً مراد بعض متأخّري الطائفة (٢) من اعتباره في صحة الإشهاد علم الشاهدين بالمطلِّق والمطلَّقة ، ولو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيداً غاية البُعد ، بل فاسداً بالضرورة ؛ لاستلزامه تقييد الأدلّة من غير دلالة ، مع استلزام مراعاته الحرج المنفي عنه آيةً وروايةً ، ومخالفته الطريقة المستمرة بين الطائفة.

مع اندفاعه بخصوص الصحيحين ، في أحدهما : عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة ، أو قال : في مجلس واحد ، ومهورهنّ مختلفة؟ قال : « جائز له ولهنّ » قلت : أرأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد ، وهم لا يعرفون المرأة ، ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة ، ثم مات بعد ما دخل بها ، كيف يقسّم ميراثه؟ قال : « إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك » الخبر (٣) ، ونحوه الآخر (٤).

وربما أشعر بذلك عموم أخبار صحة طلاق الغائب ؛ لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلَّقة ، وسيّما إذا كان الغيبة إلى البلاد البعيدة.

وبالجملة : الظاهر من الأدلّة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة ، من دون لزوم مبالغة تامّة في المعرفة.

__________________

(١) النهاية : ٥٠٩.

(٢) كالسبزواري في الكفاية : ٢٠١.

(٣) الكافي ٧ : ١٣١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٩٣ / ٣١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٧ أبواب ميراث الأزواج ب ٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٩٦ / ١٠٦٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٨ أبواب ميراث الأزواج ب ٩ ذيل الحديث ١.

٢٣٦

ثمّ إنّ ظاهر العبارة كالجماعة لزوم اجتماعهما معاً لسماع الصيغة ، وأنّه لا يقع الطلاق مع التفرقة ، وهو مقتضى الأصل ، والوقوف على المتبادر من إطلاق الأدلّة ، وخصوص الصحيح عن رجل طلّق امرأته على طهر من غير جماع ، وأشهد اليوم رجلاً ، ثم مكث خمسة أيّام ، ثم أشهد آخر؟ فقال : « إنّما أُمِرَ أن يشهدا جميعاً » (١).

ونحوه الصحيح الآخر (٢) ، إلاّ أنّ في صدره ما ربما ينافي ذيله ، لكنّه محمول على الأداء خاصة.

( ويعتبر فيهما العدالة ) بإجماع الطائفة ، كما في الانتصار (٣) ، وهو ظاهر الآية (٤) ، والنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : أنّ الطلاق الذي أمر الله تعالى به في كتابه وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها ، أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه (٥).

والحسن : « وإن طلّقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق » (٦).

ومقتضى هذه الأدلّة كالنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، الواردة في البيّنة أنّ العدالة شي‌ء زائد على ظاهر الإسلام‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٥ / ١٠٠٥ ، الوسائل ٢٢ : ٤٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٠ / ١٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٨٥ / ١٠٠٦ ، الوسائل ٢٢ : ٤٩ أبواب مقدمات الطلاق ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الانتصار : ١٢٧.

(٤) الطلاق : ٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٨ / ٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٠ / ٩٦٠ ، الوسائل ٢٢ : ١١٢ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ٧.

(٦) الكافي ٦ : ٦١ / ١٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٢.

٢٣٧

بالبديهة ، وهو إمّا حُسن الظاهر ، كما هو الأظهر. أو الملكة ، كما عليه أكثر متأخّري الطائفة (١). وعلى القولين فلا يكتفى بظاهر الإسلام بالضرورة.

( و ) منه يظهر ضعف ما يحكى عن ( بعض الأصحاب ) كالنهاية والراوندي وجماعة (٢) من القول بأنّه ( يكتفي بالإسلام ) في الشهادة ، كضعف حججهم من الأخبار القاصرة السند ، الضعيفة الدلالة ، القابلة لتأويلات قريبة تجمع بها مع الأدلّة السابقة.

وربما استدل لهم هنا بإطلاق أخبار الشهادة ، وهو مقيّد بما مرّ من الأدلّة ، وبالمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح في نفسه جازت شهادته » (٣).

وثانيهما الحَسَن : « من ولد على الفطرة أُجيزت شهادته ، بعد أن يعرف منه خيراً » (٤).

ولأجلهما اختار هذا القول من المتأخرين بعض الأجلّة فقال : بأنّ الخير نكرة تفيد الإطلاق ، فيتحقق بالصلاة والصوم ، وإن خالف في الاعتقاد الصحيح ، قال : وفي تصدير الخبر باشتراط العدالة ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أنّ العدالة هي الإسلام (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ١٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٥١ ، وصاحب المعالم : ٢٣٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٤١.

(٢) النهاية : ٥١٠ ، الراوندي في فقه القرآن ٢ : ١٦٥ ؛ وانظر المقنعة : ٧٢٥ ، والمهذّب ٢ : ٥٥٦.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٣ ، التهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٣ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٦٧ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ٢٦ أبواب مقدمات الطلاق ب ١٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٥) حكاه السبزواري في الكفاية : ٢٠١ عن المسالك ، وهو في المسالك ٢ : ١٩.

٢٣٨

وفيه نظر ، أمّا أوّلاً : فلأنّ القول المزبور الذي صار إليه ظاهره الاكتفاء بظاهر الإسلام من دون اشتراط أن يعرف منه الخبر ، بل يكتفى بشهادة المسلم الغير المعروف منه ذلك أصلاً ، وصريح الخبرين اشتراطه.

وثانياً : أنّ ظاهرهما الاكتفاء بالإسلام بالمعنى الأعمّ ، لا اشتراط المرادف للخاص ، ولعلّه لم يقل به النهاية ومن تبعه من الجماعة ، وإن أوهمت عبارته ذلك في المسألة ، إلاّ أنّ عبارته في بحث الشهادة (١) صريحة في اعتبار الإيمان البتّة ، مع تصريحه في التهذيب (٢) بكفر الفرَق المخالفة للإمامية ، فكيف يستدل له بأمثال المعتبرة.

وثالثاً : أنّ المتبادر من الخير والصلاح في الخبرين ما يعم الاعتقاد وزائداً عليه بالبديهة ، وليس المراد منهما مصداقهما ولو في الجملة ، كما أفصح عنه عبارته المتقدّمة ، كيف لا؟! وهو مخالف للإجماع والضرورة ؛ لاشتمالهما على ذلك التقدير على قبول شهادة الفاسق البتّة ؛ إذ ليس من فاسق إلاّ ويوجد فيه خير ما ، أو صلاح من جهة ولو في الجملة ، ولم يقل بذلك أحد ، حتى هذا القائل والنهاية وغيره من الجماعة ؛ لاتفاقهم على اشتراط عدم ظهور الفسق البتّة ، ودلّت عليه مع ذلك النصوص المستفيضة ، ومثل ذلك أوضح شاهد وأفصح قرينة على إرادة معنى خاصّ من الخير والصلاح ، وليس بعد انتفاء إرادة مطلقهما إلاّ ما عليه الجماعة من الإيمان وحسن الظاهر ، أو الملكة ، هذا.

مع أنّ المعتبرة مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة ، بأنّه ليس في المخالف خير أصلاً وصلاح بالمرّة ، وإن اشتغلوا بالعبادات الموظّفة وراعوا‌

__________________

(١) النهاية : ٣٢٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٣٥.

٢٣٩

الأُمور اللازمة ، فقد ورد عن أهل العصمة سلام الله عليهم أنّهم ليسوا إلاّ كالجدر المنصوبة ، وأنّ عباداتهم بأسرها فاسدة (١).

وحينئذٍ فأيّ خيريّةٍ في أعمالٍ قد قام الدليل على بطلانها ، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعاً ؛ لأنّ خيريّة الخير وشرّيّة الشر إنّما هو باعتبار ما يترتّب على كلّ منهما من النفع والضرر ، كما ينادي به النبوي : « لا خير بخير بعده النار ، ولا شر بشرٍّ بعده الجنّة » (٢) هذا.

مع ما في بعض المعتبرة (٣) من ردّ شهادة بعض الفرق المخالفة ، كما حكاه بعض الأجلّة.

مضافاً إلى وقوع التصريح باشتراط الإيمان في بعض المعتبرة ، ففي العيون عن مولانا الرضا عليه‌السلام : « قال علي عليه‌السلام في قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (٤) من ترضون دينه ، وأمانته ، وصلاحه ، وعفّته ، وتحصيله ، وتمييزه ، فما كلّ صالح مميّز ، ولا كل محصل مميّز » (٥).

وبالجملة : القول بقبول شهادة المخالف الذي عرف منه خير ما أو صلاح في الجملة فاسد بالبديهة ، كالاكتفاء بظاهر الإيمان خاصّة ، من دون اعتبار حسن الظاهر ولا الملكة ، بل اللازم مراعاة الإيمان مع حسن الظاهر خاصّة ، وإن كان اعتبار الملكة أحوط البتّة ، إلاّ أنّ الأدلّة ظاهرة في الأوّل ،

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٢) الروضة من الكافي ٨ : ٢٤ ، الفقيه ٤ : ٢٧٩ ، تحف العقول : ٦٥ ، بحار الأنوار ٧٤ : ٢٨٨.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٧٧ ، أبواب الشهادات ب ٣٢ ، انظر المستدرك ١٧ : ٤٣٣ أبواب الشهادات ب ٢٦.

(٤) البقرة : ٢٨٢.

(٥) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٧٢ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٩ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٢٣.

٢٤٠