رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١٢

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥

وليس كذلك إجماعاً ، والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب ، وإنما استفيد حكمهم من آية اولي الأرحام (١) ، وهي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته ، وبهذا جزم في المختلف ، وهو أجود (٢).

فإن فُقِد أبو الأب ، أو لم نرجّحه ، فللأقارب منهم إلى الولد فالأقرب منهم ، على الأظهر الأشهر ؛ لآية اولي الأرحام ، فالجدّة لُامّ كانت أم لأب وإن علت أولى من العمّة والخالة ، كما أنّهما أولى من بنات العمومة والخؤولة ، وكذلك الجدّة الدنيا والخالة والعمّة أولى من العليا منهن ، وكذا ذكور كلّ مرتبة.

ثم إن اتّحد الأقرب ، فالحضانة مختصّة به ، وإن تعدّد أُقرع بينهم ؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد.

ولو اجتمع ذكر وأُنثى ، ففي تقديم الأُنثى قولٌ في التحرير مأخذه تقديم الامّ على الأب ، وكون الأُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه ، سيّما الصغير والأُنثى (٣).

وإطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما ، كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب وقليله ، ومن يمتّ بالأبوين وبالأُمّ خاصّة ؛ لاشتراك الجميع في الإرث.

وقيل : أنّ الأُخت من الأبوين أو الأب أولى من الأُخت للأُمّ ، وكذا أُمّ الأب أولى من أُمّ الأُمّ ، والجدّة أولى من الأخوات ، والعمّة أولى من الخالة ؛ نظراً إلى زيادة القرب ، أو كثرة النصيب (٤).

__________________

(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٥.

(٢) الروضة ٥ : ٤٥٩.

(٣) التحرير ٢ : ٤٤.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٢.

١٦١

وفيه نظر بيّن ؛ لأنّ المستند وهو الآية مشترك ، ومجرّد ما ذكر لا يصلح دليلاً.

وقيل : لا حضانة لغير الأبوين ؛ اقتصاراً على موضع النصّ (١). وعموم الآية يدفعه ، والمناقشة فيه لا وجه لها بالمرّة.

ثم إذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه بلا خلاف ؛ لأنّها ولاية ، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد ، سواء في ذلك الذكر والأُنثى ، البكر والثيّب ؛ لكن قيل : يستحبّ له أن لا يفارق امّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج (٢).

واعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّا لمن ذكر ، ولكن هل تجب عليه مع ذلك ، أم له إسقاط حقّه منها؟

الأصل يقتضي ذلك ، وهو الذي صرّح به الشهيد رحمه‌الله في قواعده ، فقال : لو امتنعت الامّ من الحضانة صار الأب أولى به ، ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب (٣).

ونُقِل عن بعض الأصحاب وجوبها (٤).

وهو حسن ، حيث يستلزم تركها تضييع الولد ، إلاّ أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفايةً كغيره من المضطرّين ؛ وفي اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر. وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق ، وهو لا يستلزم الوجوب.

__________________

(١) انظر الروضة ٥ : ٤٦٤.

(٢) الروضة ٥ : ٤٦٤.

(٣) القواعد والفوائد ١ : ٣٩٦.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٤.

١٦٢

( النظر الخامس )

( في النفقات )

( وأسبابها ) الموجبة لها ( ثلاثة : الزوجيّة ، والقرابة ، والملك ) بإجماع الأُمّة كما حكاه جماعة (١).

والأصل في الأول بعد ما مرّ الكتاب والسنّة المستفيضان :

قال عزّ من قائل ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ ) (٢).

وقال ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٣).

وقال ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (٤).

وفي الصحيح في تفسير الآية الاولى ـ : « إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلاّ فرّق بينهما » (٥) والمعتبرة من الصحيح وغيره بمعناه مستفيضة (٦).

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٥ : ٩٧.

(٢) الطلاق : ٧.

(٣) النساء : ١٩.

(٤) النساء : ٣٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٣١ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١ ح ١.

(٦) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١.

١٦٣

( أمّا الزوجة ، فيشترط في وجوب نفقتها شرطان ) :

( العقد الدائم ) بلا خلاف ، بل إجماعاً كما حكاه جماعة (١) ، ( فلا نفقة لمستمتع بها ) لما مرّ من الأصل ، والمعتبرة الدالّة على أنّها مستأجرة ، ولا خلاف في عدم استحقاق الأجير النفقة ، ففي الخبر : « تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات » (٢).

( والتمكين الكامل ) المعرّف في الشرائع (٣) وغيره (٤) بالتخلية بينها وبينه بحيث لا يختصّ موضعاً ولا زماناً ، والظاهر تحقّقه ببذلها نفسها في كلّ زمان ومكان يريد فيه الاستمتاع وحلّ له مع عدم مانع شرعي له أو لها ، فلا يحتاج إلى اللفظ الدالّ عليه من قبلها. خلافاً للتحرير ، فأوجب (٥).

ولا دليل عليه ، إلاّ إذا توقّف معرفته عليه.

واشتراط هذا الشرط مشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ؛ مع أنّا لم نقف على مخالف فيه صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، إلاّ ما ربما يستفاد من تردّد المصنّف في الشرائع واستشكال الفاضل في القواعد (٦) ، وهو بمجرّده لا يوجب المخالفة مع تصريح الأول بأنّ اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المعرّف ، المفيد للعموم ، الظاهر في الإجماع ؛

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٠٧ ، وانظر الحدائق ٢٥ : ٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١٢٠ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٨ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ٢.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٤٧.

(٤) انظر الروضة ٥ : ٤٦٥ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٥.

(٥) التحرير ٢ : ٤٥.

(٦) الشرائع ٢ : ٣٤٧ ، القواعد ٢ : ٥٢.

١٦٤

ونحوه شيخنا الشهيد في المسالك (١).

وأظهر من كلامه ثمّة كلامه في الروضة ، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله ، معتذراً بعدم ظهور مخالف فيه ، وجعله وسيلة لاختياره (٢).

وهو ينادي بإجماعيّته ، فإنّ دأبه عدم جعل الشهرة بل ولا عدم ظهور الخلاف بمجرّده دليلاً وإن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهداً ، فحكمه بتحتم المصير إليه لأجله قرينةٌ واضحة على بلوغه حدّ الإجماع ودرجته.

وهو الحجّة فيه بعد الأصل المؤيّد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف ، الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما يقتضيه العادة ، وليس من مقتضياته الوجوب إلاّ بعد التمكين ، كما هو المشاهد من أهلها ، فإنّهم ينكحون ويتزوّجون من دون إنفاق ، إلى الزفاف ، مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهنّ فيه مع الأزواج المستمرّين على ذلك ولا نفاق ، وربما يتّخذ ذلك من المسلمين إجماعاً ويجعل مثله وفاقاً ، بل وربما يلحق بالضرورة قطعاً. وقد جعل الأصحاب هذا من فروع التمكين ، ومع ثبوت حكمه فيه يثبت في غيره من الفروع جدّاً ؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً ، فتأمّل جدّاً.

وممّا يؤيّد اعتباره أيضاً بل ولا يبعد جعله دليلاً ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه تزوّج ودخل بعد سنين ولم ينفق (٣).

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٨٥.

(٢) الروضة ٥ : ٤٦٧ ٤٦٨.

(٣) المغني لابن قدامة ٩ : ٢٨٣ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٣٥ ، انظر سنن النسائي ٦ : ١٣١.

١٦٥

وأمّا ما ربما يصير منشأً للتردّد والإشكال في هذا المجال من إطلاق النصوص بالإنفاق من دون تقييد بالتمكين ، فيمكن الجواب عنه أولاً بما مضى من الإجماع المحكيّ في الظاهر بل المقطوع به جدّاً وغيره.

وثانياً بعدم عموم فيه يشمل المتنازع جدّاً ؛ لعدم تبادره من الإطلاق ظاهراً ، وغايته الإجمال. ولعلّه إلى ما ذكر نظر بعض الأبدال فادّعى عدم النصّ الظاهر في العموم في هذا المجال (١).

وبالجملة : فالقول بعدم اعتباره لو كان ولزوم النفقة بمجرّد العقد لا ريب في ضعفه.

وكيف كان ( فلا ) خلاف في أنّه لا ( نفقة لناشزة ) خارجة عن طاعة الزوج ، ولو بالخروج من بيته بلا إذن ، ومنع لمس بلا عذر.

أمّا على اعتبار التمكين فواضح.

وأمّا على غيره فلأنّ النشوز مانع ، وهو إجماع حكاه جماعة (٢) ، فيعود الخلاف المتوهّم أو الإشكال الواقع حينئذٍ إلى أنّ التمكين هل هو شرط ، أو النشوز مانع؟ ويختلف الأصل في وجوب الإنفاق فيهما ، فيكون العدم في الأول وإن لم يكن نشوزٌ إلى التمكين ، والثبوت في الثاني إلى المانع الذي هو النشوز.

ويتفرّع عليهما فروع ، منها : ما مرّ.

ومنها : ما إذا اختلفا في التمكين وفي وجوب النفقة الماضية ، فعلى المشهور : القول قوله ؛ عملاً بالأصل فيهما ، وعلى الاحتمال : قولها ؛ لأصالة‌

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٤٧٤.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٦٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٤٦٧ ؛ وانظر كشف اللثام ٢ : ١١١.

١٦٦

بقاء ما وجب ، كما يقدّم قولها لو اختلفا في دفعها مع اتّفاقهما على الوجوب.

ومنها : الإنفاق على الصغيرة التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع ، فلا يجب على المشهور في أشهر القولين ؛ لفقد الشرط ، وهو التمكين من الاستمتاع.

خلافاً للحلّي ، فيجب (١) ؛ لعموم وجوبها على الزوجة ، فتخصيصه بالكبيرة الممكّنة يحتاج إلى دليل.

وهو حسن إن قلنا بعدم اشتراط التمكين ، وإلاّ كما اختاره فلا ؛ لعدم الشرط.

إلاّ أن يقول باختصاص اشتراطه بصورة إمكان حصوله ، وليس الصورة المفروضة منها :

لكنّه ربما يطالب بدليل العموم ، فقد يمنع بما مرّ من فقد عموم وعدم انصراف الإطلاق إليها ، فينحصر الموجب للإنفاق في الوفاق ، وليس ، كيف؟! وقد اشتهر الخلاف. وهو أظهر وإن كان مختاره أحوط.

ولو انعكس الفرض ، بأن كانت كبيرة ممكّنة والزوج صغيراً ، وجبت النفقة على الأشهر ؛ لوجود المقتضي ، وعدم المانع ؛ لأنّ الصغر لا يصلح مانعاً ، كما في نفقة الأقارب ، فإنّها تجب على الصغير والكبير.

خلافاً للشيخ (٢) رحمه‌الله وجماعة (٣) ؛ محتجّاً بأصالة البراءة.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٢) الخلاف ٥ : ١١٣ ، المبسوط ٦ : ١٣.

(٣) منهم ابن البرّاج في المهذب ٢ : ٣٤٧ ، وابن سعيد في الجامع : ٤٨٩ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٥.

١٦٧

قيل : وهي مندفعة بما دلّ على نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقاً (١).

والمناقشة فيه بعد ما ذكرناه واضحة ، بل وأعلامها هنا لائحة ؛ لكون الدالّة عليها خطابات وتكاليف لا يمكن صرفها إلى الصغير ، وصرفها إلى الوليّ مدفوع بالأصل ، مع استلزامه إمّا حصرها فيه ، أو استعمالها في متغايرين ، فتأمّل.

فما ذكره الشيخ رحمه‌الله أجود ، وإن كان ما ذكروه أحوط ، إلاّ إذا كان ذلك دون غيره معاشرة بالمعروف ، فيتعيّن ، فتأمّل.

( ولو امتنعت ) عن الاستمتاع بها ( لعذر شرعيّ ) أو عقليّ ثابت بينهما بإقراره أو بيّنتها ( لا تسقط ) النفقة بلا خلاف ؛ للأصل ، وإطلاق النصوص ، والأمر بالمعاشرة بالمعروف ، مع عدم صلاحيّة العذر للمنع ؛ إذ لشرعيّته ليس بنشوز.

وهو ( كالمرض ) الغير المجامع لما تمتنع عنه.

( والحيض ) إذا أراد وطأها قبلاً ، وكذا دبراً إن منعنا عنه في الحيض أو مطلقاً.

( و ) نحوهما ( فعل الواجب ) المضيّق أو الموسّع إجماعاً ولو في الأخير إذا فعلته في آخر أوقاته.

ومطلقاً على الأشهر ؛ لأصالتي عدم النشوز وتسلّط الزوج عليها هنا.

وتندفعان بإطلاق الأدلّة الموجبة عليها إطاعته ، فيترجّح على إطلاق أدلّة الواجب هنا ، كيف لا؟! وقد أجمعوا على ترجيح المضيّق على الموسّع إذا تعارضا ، وعليه نهض الاعتبار شاهداً.

__________________

(١) الروضة ٥ : ٤٦٦.

١٦٨

فإذاً القول باعتبار الضيق وتحقّق النشوز بدونه كما عن الشيخ والعلاّمة (١) أقوى جدّاً ، ومقتضى ذلك عدم الفرق بالصلاة وغيرها ، إلاّ أنّه ادّعي الإجماع على عدم اعتبار الضيق في الأول (٢) ؛ وهو الحجّة فيه ، لا ما قيل من الفروق (٣).

( أمّا ) الفعل ( المندوب ) فإن كان ممّا يتوقّف على إذن الزوج كالصوم والحجّ ـ ( فإن ) فعلته بدون إذنه ، فسد ولا تسقط النفقة ؛ لأنّه بمجرّده غير مانع ، إلاّ إذا فرض ( منعها منه ) فيسقط ؛ لذلك ، لا لأجل التلبّس به ، وفاقاً للأشهر.

خلافاً للشيخ ، فأطلق السقوط بالتلبّس (٤) ؛ ومستنده غير واضح ، إلاّ ما ربما يتوهّم من تضمّن فعله في نحو الصوم القصد إلى منعه عن الاستمتاع (٥).

وفيه نظر ، فقد يكون ذلك في موضع تقطع بعدم إرادته الاستمتاع ؛ مع أنّ حصول النشوز بمجرّد القصد غير معلوم ، والأصل العدم.

وإن كان ممّا لا يتوقّف عليه جاز لها فعله بغير إذنه ، وليس له منعها منه ، إلاّ أن يطلب منها الاستمتاع في ذلك الوقت ، فيجب إطاعته عليها ؛ لعدم معارضة المندوب للواجب.

( و ) لو ( استمرّت ) والحال هذه ، قيل : ( سقطت نفقتها ) لتحقّق‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ٦ : ١٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٥٤.

(٢) انظر نهاية المرام ١ : ٤٧٧.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٨٦.

(٤) المبسوط ٦ : ١٤.

(٥) انظر نهاية المرام ١ : ٤٧٧.

١٦٩

النشوز (١).

وقيل : بطل ؛ للنهي عنه (٢). وهو كذلك إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضدّ الخاصّ ، بل ربما يمكن القول بالبطلان مطلقاً ؛ لا لذلك ، بل لعدم اجتماع مقتضي الصحّة مع الأمر بإطاعة الزوج المضيّق. وللفقير تحقيق في المقام بيّنته في شرح المفاتيح.

( وتستحقّ الزوجة النفقة ) مطلقاً ( ولو كانت ذمّية ، أو أمة ) أرسلها إليه مولاها ليلاً ونهاراً ؛ لعموم الأدلّة.

بخلاف ما إذا لم يرسل إلاّ في أحد الزمانين ، فلا تستحقّ ؛ لعدم التمكين التامّ المشترط في الاستحقاق ؛ لأنّها لكونها أمة ليست أهلاً للاستقلال في التمكين ؛ لملك المولى منافعها ، إلاّ ما ملكه منها الزوج ، وهو الاستمتاع ، فلا عبرة إلاّ بتمكين المولى.

بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره الحرّة البالغة عن زوجها ، فإنّه لا عبرة به ، ولا تسقط نفقتها إذا كانت ممكّنة ؛ لأنّها مالكة لنفسها ، فهي مستقلّة بالتمكين.

ويؤكّد ذلك أنّه لا نفقة للأمة إلاّ من مال المولى ، فإن أراد إسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل ، فإذا لم يفعل لزمته النفقة. بخلاف الحرّة ، فربما تنفق على نفسها من مالها.

وجواز منع المولى للأمة نهاراً لما تقدّم من حقّ الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التامّ بالنسبة إليها هو التمكين ليلاً ليلزم به النفقة ، فإنّ الإجماع منعقد على أنّه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التامّ ، مع‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٤ ، المفاتيح ٢ : ٢٩٦.

(٢) الحدائق ٢٥ : ١٠٦.

١٧٠

تفسيره بالتمكين كلّ حين في كلّ مكان.

ولكن قد يقال : إنّما انعقد الإجماع على سقوط النفقة بالنشوز ، ولا نشوز هنا ؛ لوجوب إطاعة المولى ، كما لا نشوز بالامتناع للحيض ونحوه.

ويدفع بأصالة البراءة ، إلاّ فيما أجمع فيه على الوجوب ، ولا إجماع هنا ، بخلاف الحائض ونحوها.

( وكذا تستحقّها ) الزوجة ( المطلّقة الرجعيّة ) ما دامت هي في عدّتها إجماعاً ، حكاه جماعة (١) ؛ وللنصوص الآتية ، مضافاً إلى الاستصحاب وبقاء حبس الزوج وسلطنته ، وهما كعبارات الأصحاب مطلقان.

وربما استثني آلة التنظيف ؛ لأنّها لفائدة الاستمتاع ، وقد انتفت بالطلاق (٢).

ويدفعه بعد الإطلاقات ظاهر ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (٣) المفسّر في المعتبرة بتزيّن الزوجة رجاء الرجعة.

ففي الموثّق : في المطلّقة : « تعتدّ في بيتها ، وتظهر له زينتها ، لعلّ الله يحدث أمراً » (٤).

__________________

(١) نهاية المرام ١ : ٤٧٨ ، والسبزواري في الكفاية : ١٩٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢ ، الحدائق ٢٥ : ١٠٨ ١٠٩.

(٢) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٩٦.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) الكافي ٦ : ٩١ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

١٧١

وفي الخبر : « المطلّقة تشوّفت (١) لزوجها ما كان له عليها رجعة ، ولا يستأذن عليها » (٢) والمراد : تتزيّن بحيث يشتاق إليها.

وفي آخر : « المطلّقة تكتحل ، وتختضب ، وتلبس ما شاءت من الثياب ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) لعلّها أن تقع في نفسه فيراجعها » (٣) فتأمّل.

ثم إنّه لا تسقط نفقة المعتدّة إلاّ بمسقطات نفقة الزوجيّة ، وتستمرّ إلى انقضاء العدّة.

ولو ظهر حملٌ بعد الطلاق بالمرأة ، فعليه الإنفاق عليها إلى الوضع ولو تجاوز العدّة ؛ لما سيذكر.

ولو بان فقدُ الحمل بعد الإنفاق ، ففي ارتجاع المدفوع إليها تردّد أظهره العدم ؛ للأصل. إلاّ إذا دلّست عليه الحمل ، فيرتجع ؛ للغرور.

وفي التقييد بالرجعيّة إظهار اختصاص وجوب الإنفاق بها ( دون البائن ، والمتوفّى عنها زوجها ) فإنّه لا يجب الإنفاق عليهما مع عدم الحمل ، إجماعاً ، حكاه جماعة (٤) ؛ وهو الحجّة في المقامين ، كالمعتبرة المستفيضة في الأوّل :

منها الصحيح : « إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة ،

__________________

(١) في الأصل ما يقرأ : تشوق ، وما أثبتناه من المصدر هو الأنسب ، فقد ورد في لسان العرب ٩ : ١٨٥ : تشوّفت المرأة أي تزيّنت وأظهرت زينتها.

(٢) الكافي ٦ : ٩١ / ٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٨ أبواب العدد ب ٢١ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٩٢ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ١٣١ / ٤٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٥١ / ١٢٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٢١٧ أبواب العدد ب ٢١ ح ٢.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ٥ : ١١٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢.

١٧٢

فقد بانت منه ساعة طلّقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتدّ حيث شاءت ، ولا نفقة لها » (١).

والصحيح : عن المطلّقة ثلاثاً ، إلها النفقة والسكنى؟ فقال : « أحبلى هي؟ » قلت : لا ، قال :« لا » (٢).

ونحوهما الموثّقان (٣) وغيرهما (٤) ، وفي بعضها : « إنّما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة ». وأمّا الصحيح المثبت للنفقة للمطلّقة ثلاثاً (٥) ، فمحمول على الحامل أو الاستحباب.

وعليهما يحمل المرويّ عن قرب الإسناد : عن المطلّقة ، إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدّتها؟ قال : « نعم » (٦) مع احتماله التقييد بالرجعيّة ، بخلاف الصحيحة ؛ لتصريحها بالبائنة.

وفي حصر النفقة في الرواية السابقة للرجعيّة دلالة واضحة على سلبها عن المتوفّى عنها زوجها ، مضافاً إلى فحوى النصوص النافية لها في‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٣٢ / ٤٥٨ ، الوسائل ٢١ : ٥١٩ أبواب النفقات ب ٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٩١ ، الوسائل ٢١ : ٥٢١ أبواب النفقات ب ٨ ح ٧.

(٣) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٠٤ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٠ أبواب النفقات ب ٨ ح ٣.

والآخر في : الكافي ٦ : ١٠٤ / ٢ ، التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٠ أبواب النفقات ب ٨ ح ٥.

(٤) الوسائل ٢١ : ٥١٩ أبواب النفقات ب ٨ ح ٢ ، ٤ ، ٦.

(٥) التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦١ ، الإستبصار ٣ : ٣٣٤ / ١١٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٥٢١ أبواب النفقات ب ٨ ح ٨.

(٦) قرب الإسناد : ٢٥٤ / ١٠٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٨ ح ١١.

١٧٣

حقّه عنها مع حملها (١) ، فانتفاؤها عنها مع عدمه بطريق أولى.

هذا ، مضافاً إلى الصحيح : عن المتوفّى عنها زوجها ، إلها نفقة؟ قال : « لا ، ينفق عليها من مالها » (٢).

وأمّا الصحيح : « المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من ماله » (٣) فمع شذوذه إن حُمِل على ظاهره وعدم مكافأته لما مرّ ، فمحمول على خلاف ظاهره بإرجاع الضمير المضاف إليه المال إلى الولد لا إلى الزوج ، ولذا جعله الشيخ رحمه‌الله دليلاً فيما سيأتي (٤).

وبالجملة : لا ريب ولا خلاف في الصورتين ( إلاّ أن تكون ) كلّ منهما ( حاملاً ، فيثبت نفقتها في ) الأُولى وهي المطلّقة بـ ( الطلاق ) البائن ـ ( على الزوج ) خاصّة دون الولد مطلقاً (٥) ؛ للإجماع المحكيّ في كلام جماعة (٦) ، وإطلاق الآية ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٧) الشامل للرجعيّة والبائنة.

مضافاً إلى إطلاق النصوص المستفيضة ، منها الصحيح : في الرجل يطلّق امرأته وهي حبلى ، قال : « أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٩.

(٢) التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٦ / ١٢٣٤ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٣ أبواب النفقات ب ٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٠ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٥١ / ٥٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٣٢ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٣ أبواب النفقات ب ٩ ح ٤.

(٤) انظر ص ١٧٦.

(٥) كان له مال أم لا. منه رحمه‌الله.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١١٢ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٩.

(٧) الطلاق : ٦.

١٧٤

( حتى تضع ) حملها » (١).

وغاية ما يستفاد منها : الإنفاق عليها الأعمّ من كونه لها أو لولدها ، وليس في شي‌ء منها تعيين أحدهما ، ولذا اختلف فيه كلام أصحابنا ، فبين معيِّن للأول ، كما عن ابن حمزة (٢) وجماعة (٣) ، ومعيِّن للثاني ، كما عن المبسوط (٤) وآخرين (٥) ؛ واستند الجانبان إلى اعتبارات هيّنة ربما أشكل التمسّك بها في إثبات الأحكام الشرعيّة ، لكن بعضها المتعلّق بالثاني قويّة معتضدة بالشهرة المحكيّة ، فالمصير إليه لا يخلو عن قوّة.

ويتفرّع عليه فروع جليلة :

منها : ما إذا تزوّج الحرّ أمة مشترطاً مولاها في الولد الرقّية وقلنا بجواز هذا الشرط في الشريعة ، أو تزوّج العبد إيّاها أو أمة مشترطاً في الولد الانفراد بالرقّية ، فلا نفقة فيهما على الزوج على الأشهر ؛ لأنّه (٦) ملك لغيره في الأول ، ولأنّ العبد لا تجب عليه نفقة أقاربه في الثاني. وعلى غيره (٧) تجب ؛ لفقد المانع ، وتكون في الثاني في ذمّة المولى أو كسب العبد.

ومنها : ما لو لم ينفق عليها حتى مضت المدّة أو بعضها ، فلا يجب القضاء على الأشهر ، ويجب على القول الآخر.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ / ٤٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٥١٨ أبواب النفقات ب ٧ ح ١.

(٢) الوسيلة : ٣٢٨.

(٣) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٧٩.

(٤) المبسوط ٦ : ٢٨.

(٥) منهم القاضي في المهذب ٢ : ٣٤٨ ، والعلاّمة في المختلف : ٦١٣.

(٦) أي الولد. منه رحمه‌الله.

(٧) أي الأشهر. منه رحمه‌الله.

١٧٥

ومنها : ما لو أتلفها متلف بعد القبض من دون تفريط ، فتسقط النفقة على الثاني دون الأول ، وكذا لو ارتدّت بعد الطلاق.

( و ) يثبت النفقة ( في الوفاة في ) (١) ( نصيب الحمل على إحدى الروايتين ) المعمول عليهما ، عمل بها الصدوق والشيخ (٢) وجماعة (٣) ، وفيها : « المرأة المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من نصيب ولدها » (٤).

وفي سنده اشتراك ، ففي وصفها بالصحّة مناقشة ، ولذا مع مخالفتها الأصل أعرض عنها المتأخّرون ، بل حكى عليه الشهرة المطلقة (٥) جماعة (٦) ؛ ويشهد لهم المعتبرة المستفيضة ، ومنها الصحيح : قال في الحبلى المتوفّى عنها زوجها : « إنّها لا نفقة لها » (٧).

وربما جمع بينها وبين السابقة ، بحمل هذه على النفي عن مال الميّت المجامع للثبوت في نصيب الولد.

وهو حسن مع التكافؤ ، وليس ؛ لكثرة الأخيرة ، واعتضادها بالشهرة العظيمة الوجدانيّة والمحكيّة حكاية بالغة حدّ الاستفاضة ؛ مع أنّ بعضها‌

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الأنسب : مِن ، كما في المطبوع.

(٢) الصدوق في الفقيه ٣ : ٣٣٠ ، الشيخ في النهاية : ٥٣٧.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، وابن البراج في المهذّب ٢ : ٣١٩ ، والحلبي في الكافي : ٣١٣.

(٤) الكافي ٦ : ١١٥ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٥ ، التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٣٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٤ أبواب النفقات ب ١٠ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) أي بين القدماء والمتأخرين. منه رحمه‌الله.

(٦) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣٤٩ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٥٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٨٠.

(٧) الكافي ٦ : ١١٤ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١٥١ / ٥٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٥ / ١٢٢٩ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٢ أبواب النفقات ب ٩ ح ١.

١٧٦

ربما لا يقبله ، وهو الصحيح المتقدّم (١) ، وفيه : « ينفق عليها من مالها » للتصريح فيه بالإنفاق عليها من مالها الغير المجامع للإنفاق عليها من نصيب ولدها ، إلاّ أنّه ليس فيه كونها حبلى ، فيحتمل حملها على كونها حائلاً.

وكيف كان ، فمذهب المتأخّرين أقوى.

وأمّا ما في الخبر من أنّ : « نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع » (٢) فمع ضعفه وشذوذه وعدم مكافأته لما مرّ ، يحتمل الحمل على ما ينطبق على القولين ، وربما يحمل على الاستحباب ، ولا بأس به مع عدم المانع ، كوجود صغير في الورثة ونحوه.

وفي المسألة قولان آخران مفصّلان ، تارةً بتوجّه الإنفاق من نصيب الوالد ، إن قلنا بكونه له ، ولا ، إن قلنا بالعدم ، ذكره في المختلف (٣).

وأُخرى كما عن بعض متأخّري المتأخّرين (٤) بتوجّهه مع إعسار الامّ ، ولا ، مع يسارها ؛ ومستنده الجمع بين الأخبار ، وربما ساعده الاعتبار ، إلاّ أنّه لا شاهد عليه من الآثار ، مع كونه خارقاً للمتّفق عليه بين الأخيار.

( ونفقة ) الإنسان على نفسه مقدّمة على نفقة ( الزوجة ) ونفقتها ( مقدّمة على نفقة الأقارب ) الواجبي النفقة ( وتُقضى ) نفقتها ( لو فاتت ) دون نفقتهم ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل حكى جماعة الإجماع عليه (٥) ؛ وهو الحجّة فيه مع النصّ الآتي في الأول (٦) ، مع تأمّل‌

__________________

(١) في ص ١٧٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٥٩٦ ، التهذيب ٨ : ١٥٢ / ٥٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٤٦ / ١٢٣٥ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٤ أبواب النفقات ب ١٠ ح ٢.

(٣) المختلف : ٦١٣.

(٤) قاله المجلسي في مرآة العقول ٢١ : ١٩٥.

(٥) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٣.

(٦) وهو الإنفاق على نفسه. منه رحمه‌الله.

١٧٧

يظهر وجهه.

وعلّلوا الثاني : بأنّ وجوب النفقة فيه على وجه المعاوضة في مقابل الاستمتاع ، بخلاف نفقة القريب ، فإنّها إنّما وجبت للمواساة ودفع الخَلّة ، وما كان وجوبه على وجه المعاوضة أقوى ممّا وجب على وجه المواساة ، ولهذا لم تسقط نفقة الزوجة بغناها ولا بإعساره ولا بمضيّ الزمان ، بخلاف نفقة القريب.

والثالث : بأنّ نفقة الزوجة في مقابلة الاستمتاع كما مرّ ، فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة ، فلا تحصل منه البراءة إلاّ بإيصالها إلى المستحقّ. بخلاف نفقة الأقارب ؛ لما عرفت من أنّ وجوبها إنّما هو للمواساة ورفع الخَلّة ، فلا يستقرّ في الذمّة ، ولا يجب قضاؤها ، كما لو أخلّ بقضاء حاجة المحتاج الواجب الإعانة.

وفي النبويّ : إنّ رجلاً جاء إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معي دينار ، فقال : « أنفقه على نفسك » فقال : معي آخر ، فقال : « أنفقه على ولدك » فقال : معي آخر ، فقال : « أنفقه على أهلك » (١).

وفيه دلالة على تقديم نفقة الولد على نفقة الزوجة ، لكن بعد تسليم صحّته يحتمل الحمل على غير النفقة الواجبة ؛ مع أنّ الرجل كان موسراً ، كما يظهر من الكلمات المذكورة فيه أخيراً ، والتقدّم المفروض في كلمة الأصحاب إنّما هو في شأن المعسر خاصّة لا مطلقاً.

هذا ، وبعد تسليم ظهور دلالته صريحاً ، فهو غير مكافئ لما قدّمناه من الدليل بل الأدلّة جدّاً.

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٤٦٦.

١٧٨

( وأمّا القرابة : فالنفقة على الأبوين والأولاد لازمة ) بالشروط الآتية بإجماع الأُمّة ، حكاه جماعة (١) ، والنصوص بها مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة.

ففي الصحيح : مَن الذي أُجبر على نفقته؟ قال : « الوالدان والولد والزوجة والوارث الفقير » (٢) وليس في باقي النصوص مع صحّة كثير منها واعتبار باقيها ذكر الأخير ، ويأتي الكلام فيه (٣).

( وفي ) دخول ( مَن علا من الآباء والأُمّهات ) في الآباء ( تردّد ) من الأصل والشكّ في صدق الإطلاق عليه ، ومن الإطلاق عليه كثيراً وإطباق الفقهاء عليه هنا ظاهراً ، فإنّه لم يناقش فيه أحد سوى الماتن هنا وفي الشرائع (٤) مع تصريحه بمختارهم أخيراً ونحوه غيره ممّن شاركه في تردّده (٥).

هذا ، مع إشعار بعض العبارات بالإجماع عليه ظاهراً (٦) ، وكفى هو حجّة ؛ ولذا قال : ( أشبهه اللزوم ).

هذا ، وفي الخبر : في الزكاة : « يُعطى منها الأخ والأُخت والعمّ والعمّة والخال والخالة ، ولا يعطى الجدّ والجدّة » (٧) وقد استفاض النصوص وانعقد‌

__________________

(١) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٤٨٤ ، والمحقّق الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٧٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٩ / ٢٠٩ ، الوسائل ٢١ : ٥١١ أبواب النفقات ب ١ ح ٩ ؛ وفيهما : والوارث الصغير.

(٣) في ص ١٨٠.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٥٢.

(٥) انظر نهاية المرام ١ : ٤٨٥.

(٦) كالمسالك ١ : ٥٩٣ ، والكفاية : ١٩٦.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٣.

١٧٩

الإجماع على حرمتها على واجبي النفقة ، فالمنع عن إعطاء الجدّ والجدّة ليس إلاّ لكونهما من واجبي النفقة ، ففي الصحيح : « خمسة لا يُعطَون من الزكاة شيئاً : الأب والأُمّ والولد والمملوك والمرأة ؛ وذلك أنّهم عياله لازمون له » (١).

وسند الخبر وإن قصر إلاّ أنّه بالشهرة من جميع الوجوه منجبر.

فالقول بمقالة الأصحاب أقوى وأظهر.

( و ) يستفاد منه بمعونة ما ذكر ، مضافاً إلى الأصل وظواهر النصوص السابقة الواردة في بيان واجبي النفقة ، الظاهرة لذلك في الحصر في المذكورين فيها أنّه ( لا يجب ) النفقة ( على غيرهم من الأقارب ) مضافاً إلى الإجماع عليه في الظاهر ، واستفاضة النصوص بجواز إعطاء الزكاة للأقارب (٢) ، المنافي لوجوب الإنفاق عليهم كما مرّ.

( بل يستحبّ ) بلا خلاف ؛ لصلة الرحم.

( ويتأكّد في الوارث ) لأنّه أقرب ، ولقوله سبحانه ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) (٣) والنبويّ : « لا صدقة وذو رحم محتاج » (٤) وللصحيح المتقدّم (٥) ، وظاهره الوجوب كالمرتضوي : « اتي بيتيم ، فقال : خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٨ / ١٦٦ ، الوسائل ٩ : ٤١٢ أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ٤.

(٥) في ص ١٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ١٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٩٣ / ٨١٤ ، الإستبصار ٣ : ٤٤ / ١٤٧ ، الوسائل ٢١ : ٥٢٦ أبواب النفقات ب ١١ ح ٤.

١٨٠