وصل
في مراتب السير والسلوك
اعلم ، أنّ السير الذاتي الأصلي بالنسبة إلى الحقائق الكونيّة والأسماء الإلهيّة والأرواح العليّة والأجرام الفلكيّة والاستحالات الطبيعيّة والأحوال التكوينيّة وجميع التطوّرات الوجوديّة كلّها دورى ؛ فسير الأسماء بظهور آثارها وأحكامها في القوابل. وسير الحقائق بتنوّعات ظهوراتها في المظاهر المتنوّعة ، وسير الأرواح بلفتتيها استمدادا من الحقّ بلفتة وإمدادا بلفتة أخرى ، وبالمواظبة على ما يخصها من العبادة الذاتية مع دوام التعظيم والشوق ، وسير الطبيعة بإكساب كلّ ما يظهر عنها صفة ، صفة الجملة وحكمه ، فافهم.
والسير الخصوصي من الوسط وإليه خطان (١) ، والخطّ المستقيم أقصر الخطوط ، فهو أقربها فأقرب الطرق إلى الحقّ ـ المعرّف في الشريعة ، الذي قرنت السعادة بالتوجّه إليه ـ هو الصراط المستقيم الذي نبّهت عليه ، وقد ذكرت لك صورة العدل والاعتدال في المراتب الكلّيّة والأحوال والأخلاق العليّة السنيّة ، ونبّهتك على أحكامها وآثارها ونتائجها الموقّتة وغير الموقّتة والظاهرة منها والباطنة ، وأوضحت لك مراتب الهداية وأهلها العالين والمتوسّطين والنازلين ، وحال الناس في الاستقامة أيضا من حيث الفعل والقول والقلب.
وأنا الآن أجمع لك ذلك جمعا موجزا من أوّل مرتبة الرشاد الذي هو الإسلام ، ثم الإيمان ، ثم التوبة التي هي أوّل مقامات السالكين ، وهكذا إلى آخر مقام ، لينتظم الأمر (٢) وترتبط السلسلة المتعيّنة بين بداية الأمور وغايتها وأوائلها وأواخرها ، ثم أنبّهك على سرّ
__________________
(١) في الأصل : خطى.
(٢) ق : لك الأمر.