رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

هي أولى بالترجيح بمراتب عديدة ، فيرجح بها الضعيفة ـ فضلا عن الموثقة ـ على الصحيحة الغير المعتضدة بها ، سيّما وأنّ الشيخ القائل بها في الكتابين قد رجع عنها في المبسوط (١) إلى القول الآخر ، فلعلّه الأظهر ، سيّما وأنّ في صريح الغنية والسرائر وعن القاضي في شرح الجمل (٢) الإجماع عليه ، وإن كان ما في المتن أولى بقاعدة المسامحة في أدلة السنن ، سيّما مع كونه مشهورا بين المتأخرين.

( داعيا للميت ) المكلّف بما مضى ونحوه ممّا ورد في الصحاح وغيرها (٣) ( في ) التكبيرة ( الرابعة ) أي بعدها ( إن كان مؤمنا ).

والأصح وجوبه كما مضى ، وإنما جعله الماتن من السنن بناء على مختاره من استحباب أصل الدعاء.

ويحتمل كون المسنون هنا إيقاعه بعد الرابعة لا نفس الدعاء ، ولكنه خلاف الظاهر ، ولذا نسب الماتن في ظاهر المتن إلى القول باستحباب أصل الدعاء (٤).

( وعليه إن كان منافقا ) أي مخالفا للحق مطلقا ، كما في ظاهر العبارة وغيرها (٥) والصحيح : « فإن كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا ، وسلّط عليه الحيّات والعقارب » (٦).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٢) الغنية ( والجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، السرائر ١ : ٣٥٦ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٥٨.

(٣) الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢.

(٤) نسبه إليه المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٢٨.

(٥) انظر الشرائع ١ : ١٠٦ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٦٨ ، والمفاتيح ٢ : ١٦٨.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

٦١

وفسّره بعضهم بالناصب (١). قيل : وبه عبّر في المبسوط (٢). وزاد في النهاية المعلن به (٣) ، وهو ظاهر مورد أكثر النصوص ، منها الصحيح : « إذا صلّيت على عدوّ الله تعالى فقل : اللهم إنّ فلانا لا نعلم إلاّ أنه عدوّ لك ولرسولك ، اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجّل به إلى النار ، فإنه كان يتولّى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك ، اللهم ضيّق عليه قبره ، فإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكّه » (٤).

وقريب منه الآخر وغيره الواردان في صلاة الحسين عليه‌السلام على المنافق (٥).

وظاهر هذه النصوص ولا سيّما الأولين وجوب الدعاء هنا أيضا كما هو ظاهر جماعة ، ومنهم الشهيد في البيان واللمعة (٦).

خلافا له في الدروس والذكرى (٧) فلم يوجبه ، قال : لأن التكبير عليه أربع ، وبها يخرج عن الصلاة.

ويضعّف بأن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة.

وفيه نظر ، لدعوى الشيخ الإجماع (٨) ، ودلالة النصوص على وجوب الدعاء للميت بعدها كما مرّ ، وفي بعض النصوص : « وتدعو في الرابعة‌

__________________

(١) ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٢٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٣) النهاية : ١٤٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٤ ، الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٦٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٨ ، ١٨٩ / ٢ ، ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩٠ ، التهذيب ٣ : ١٩٧ / ٤٥٣ ، قرب الإسناد : ٩ / ١٩٠ ، الوسائل ٣ : ٧٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٢ ، ٦.

(٦) البيان : ٧٦ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ١٣٩.

(٧) الدروس ١ : ١١٣ ، الذكرى : ٦٠.

(٨) كما في الخلاف ١ : ٧٢٤.

٦٢

لميتك » (١) ولا قائل بالفرق.

وبالجملة : مبنى هذا القول على ذلك كما هو المشهور ، فتأمل ، هذا.

وفي جملة من المعتبرة التصريح بعدم الدعاء له في الرابعة معلّلة بكونه منافقا ، ومنها ـ زيادة على الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة في أول بحث الكيفية (٢) ـ الرواية التي هي مستند الأصحاب في وجوب الأدعية المخصوصة المتقدمة ، وفيها بعد صدرها المتقدم ثمة : « فلمّا نهاه الله تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهّد ، ثمَّ كبّر وصلّى على النبيين عليهم‌السلام ، ثمَّ كبّر ودعا للمؤمنين ، ثمَّ كبّر الرابعة وانصرف ولم يدع للميت » (٣) والجمع بينها وبين النصوص المتقدمة يقتضي حملها على الاستحباب ، لأنّ هذه صريحة وتلك ظاهرة.

وأمّا ما يقال في الجمع بينها بحمل تلك على المخالف وهذه على المنافق ، كما يقتضيه اعتبار سياقهما وموردهما وإن أطلق في جملة من تلك المنافق ، لكون المقصود منه المخالف ، لشيوع إطلاقه عليه في النصوص والفتاوي.

فلعلّه إحداث قول ، مع قوة احتمال عدم الفرق بينهما ، فتأمل ، ولا ريب أن ما ذكره أحوط.

( وبدعاء المستضعفين ) وهو : « اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم » كما في الصحاح وغيرها (٤) ( إن كان مستضعفا ) وهو :

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٣ / ٤٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٤ ، الوسائل ٣ : ٦٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ٨.

(٢) راجع ص ٤٦.

(٣) تقدّم مصدرها في ص ٤٩ الهامش ٢.

(٤) الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣.

٦٣

من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم ، كما عن الحلي (١).

وفي الذكرى والروضة : إنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا (٢).

وفيها عن المفيد في العزّية : إنه الذي يعترف بالولاء ويتوقف عن البراءة (٣).

وهذه التفاسير متقاربة ، وبه صرّح جماعة (٤).

وقيل : إنه الذي لا يعرف الولاية ولا ينكر (٥) ، كما يفهم من الأخبار ، ومنها الصحيح الوارد في المضمار : « وإن كان واقفا مستضعفا فكبّر وقل : اللهم » إلى آخر الدعاء (٦).

بناء على أنّ الظاهر أنّ المراد من الواقف المتحير في دينه لا الواقف بالمعنى المشهور.

ولكن في روض الجنان روى بدل « واقفا » : « منافقا » وقال بعد نقله : وفي هذا الخبر دلالة على أنّ المنافق هو المخالف مطلقا ، لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفا ، فكيف يخصّ بالناصب ، وعلى أنّ المستضعف لا بد أن يكون مخالفا ، فيقرب حينئذ تفسير ابن إدريس ، كما يسقط قول بعضهم إنّ المراد به‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٨٤.

(٢) الذكرى : ٥٩ ، الروضة ١ : ١٣٨.

(٣) نقله عن العزّية في الذكرى : ٥٩.

(٤) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٠٧ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣٠.

(٥) الحدائق ١٠ : ٤٤٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٧ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٩٦ / ٤٥٠ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٣.

٦٤

من لا يعرف دلائل اعتقاد الحق وإن اعتقده ، فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمنا وإن لم يعرف الدليل التفصيلي (١) انتهى.

ومنه يظهر قول رابع في تفسيره وإن لم يشتهر ، ولعلّه لضعفه كما ذكره وصرّح به في الذخيرة ، فقال بعد نقله : والظاهر أنه ليس بجيّد ، لدخول هذا القسم في المؤمن على الظاهر ، ويؤيده ما رواه الكليني في كتاب الإيمان والكفر في باب المستضعف ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في جملة حديث قلت : فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال : « لا إلاّ المستضعف » قلت : من هم؟ قال : « نساؤكم وأولادكم » ثمَّ قال : « أرأيت أمّ أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة ، وما كانت تعرف ما أنتم عليه » (٢).

وأورد الكليني في الباب المذكور والذي قبله أخبارا نافعة في تحقيق معنى المستضعف ، من أراد فليرجع إليه (٣).

( و ) بـ ( أن يحشره مع من يتولاّه ) وأحبّه ( إن جهل حاله ) ولم يعرف مذهبه كما يستفاد من بعض النصوص (٤) ، وفي بعض الصحاح يدعو له بدعاء المستضعف (٥).

وفي آخر : « وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه » (٦).

وذكر جماعة (٧) أنّ الظاهر أنّ معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٠٧.

(٢) الكافي ٢ : ٤٠٥ / ٦.

(٣) إلى هنا كلام الذخيرة : ٣٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٨٦ / ١ ، الوسائل ٣ : ٦٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ١٨٧ / ٣ ، الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٦٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٣ ح ٤.

(٧) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٣٨ ، والشهيد الثاني في روض

٦٥

كاف في إلحاقه بهم.

( و ) يقول ( في ) الدعاء على ( الطفل ) المتولد من مؤمنين أو من مؤمن بقوله ( اللهم اجعله لنا ولأبويه ) سلفا و ( فرطا ) وأجرا كما في الخبر (١).

والفرط ـ بفتح الراء ـ في أصل الوضع : المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون إليه ممّا يتعلق بالماء (٢).

والظاهر أن المراد بالطفل هنا من لم يبلغ الحلم وإن وجبت الصلاة عليه كما صرّح به في الروضة وروض الجنان (٣) ، وعلّله فيه بعدم احتياج من كان كذلك إلى الدعاء له ، وليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر.

( و ) منها : أن ( يقف ) المصلّي ( موقفه ) ولا يبرح عنه ( حتى ترفع الجنازة ) من بين يديه ، للنصوص ، ومنها الرضوي (٤).

وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المصلّي إماما أو غيره ، كما هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها أيضا ، وبه صرّح جماعة (٥) ، قالوا : نعم لو اتفق صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة.

وخصّه الشهيد رحمه‌الله بالإمام تبعا للإسكافي (٦) ، ومستنده مع إطلاق النص غير واضح.

ومنها : إيقاع ( الصلاة في المواضع المعتادة ) لذلك ، إمّا تبركا بها ،

__________________

الجنان : ٣٠٧ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣٠.

(١) التهذيب ٣ : ١٩٥ / ٤٤٩ ، الوسائل ٣ : ٩٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٢ ح ١.

(٢) نهاية ابن الأثير ٣ : ٤٣٤.

(٣) الروضة ١ : ١٣٩ ، روض الجنان : ٣٠٨.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٧ ، المستدرك ٢ : ٢٤٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢ ح ١.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣١ ، وصاحب الحدائق ١٠ : ٤٤٢.

(٦) الذكرى : ٦٤ ، ونقله فيه عن الإسكافي ، الدروس ١ : ١١٣.

٦٦

لكثرة من صلّى فيها ، وإمّا لتكثير المصلّين عليه ، فإنه أمر مطلوب ، لرجاء مجاب الدعوة فيهم.

وفي النبوي : « ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلاّ شفّعهم الله فيه » (١).

وفي الصحيح : « إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا وأنت أعلم به منّا ، قال الله تبارك وتعالى : قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما أعلم ممّا لا تعلمون » (٢).

( وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين ) فصاعدا على المشهور كما في المختلف وغيره (٣) ، وفي الغنية الإجماع عليه (٤) ، وكذا عن الخلاف في الجملة (٥).

للخبرين : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ، فقال : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرتين ، ادعوا له وقولوا خيرا » (٦).

ولضعف سندهما حملا على الكراهة ، مضافا إلى الاتفاق على الجواز في الظاهر المصرّح به في المدارك (٧) ، مع تصريح الموثقين (٨) وغيرهما‌

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢٧٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٥٥ / ٥٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥٤ / ١٤ ، الفقيه ١ : ١٠٢ / ٤٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب الدفن ب ٩٠ ح ١.

(٣) المختلف : ١٢٠ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٥٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤.

(٥) الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢٤ / ١٠١٠ ، ٣٣٢ / ١٠٤٠ الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٨ ، ٤٨٥ / ١٨٧٩ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٢٣ ، ٢٤.

(٧) المدارك ٤ : ١٨٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٣٣٤ / ١٠٤٥ ، ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٤ ، ١٨٧٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب

٦٧

بالجواز ، وإن اختص ظاهر أحدهما وصريح الآخر بمن لم يدرك الصلاة عليها ، لعدم القائل بالفرق.

وليس في ظاهرهما الاستحباب حتى ينافي الخبرين ، لردّ الأمر في أحدهما بالصلاة عليها ثانيا إلى المشيئة ، وهو ظاهر في كونه للإباحة والرخصة ردّا على من قال بالحرمة من العامة كمالك وأبي حنيفة (١) ، ويجعل هذا قرينة على صرف الأمر في الآخر إلى ذلك.

ثمَّ إنّ إطلاق الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو صلّيت ثانيا جماعة أو فرادى.

خلافا للحلّي فخصه بالأولى ، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرادى (٢).

وفيه : أنّ المستفاد من نصوصها كون المراد بها الدعاء لا التكبيرات المتخلل بينها الأدعية ، وأنها وقعت من الأمير وأهل البيت خاصة.

ولا بين ما لو كان المصلّي صلّى أوّلا أم لا وإن وردا في الثاني ، فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.

خلافا للخلاف فخصّه بالأول (٣).

وتدفعه مع ذلك النصوص الدالة على صلاة الأمير عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمسا ، وفيها الصحيح وغيره (٤) ، بل تدفع القول بالكراهة مطلقا ، إلاّ‌

__________________

صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩ ، ٢٠.

(١) راجع بدائع الصنائع ١ : ٣١١.

(٢) السرائر ١ : ٣٦٠ ، وانظر الوسائل ٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ الأحاديث ٢ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٦.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٤) الوسائل ٣ : أبواب صلاة الجنازة ب ٦ الأحاديث ١ ، ٥ ، ١٢ ، ٢١.

٦٨

أن يستثنى هذه الواقعة من قضية المنع بما يظهر من بعضها ومن نهج البلاغة (١) من كون ذلك لخصوصية فيه ، وإليه أشار في المختلف (٢) فقال : إنّ حديث سهل بن حنيف مختص به إظهارا لفضله ، كما خصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمزة بسبعين تكبيرة (٣).

ومنه يظهر ضعف القول باستحباب التكرار على الإطلاق لها وإن احتمله الشيخ في الاستبصار (٤).

ولا بين ما لو خيف على الجنازة أو نافى التعجيل أم لا.

خلافا لجماعة (٥) ، فقيّدوه بالخوف منهما أو من أحدهما على اختلافهم في التقييد.

وممّا ذكرنا ظهر عدم الإشكال في الكراهة مطلقا ، مضافا إلى جواز التسامح في أدلتها. والقول بأنه يقتضي الاستحباب مدفوع : بعدم ظهور قائل به حتى الشيخ في الاستبصار ، فإنه ذكره وجه جمع بين الأخبار لا فتوى ، مع أنه جمع بينهما بالكراهة أوّلا ، وأمّا باقي الأصحاب المقيدون للمنع بما تقدم من القيودات فظاهرهم اختصاص الكراهة بها وعدمها في غيرها ، وهو لا يستلزم الاستحباب فيه ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) لم نعثر في نهج البلاغة على ما يدلّ على كيفية صلاة الأمير عليه‌السلام على سهل بن حنيف ، نعم ، فيه ما يدلّ على مزيد فضل لحمزة وصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جنازته بسبعين تكبيرة. راجع نهج البلاغة ( لصبحي صالح ) : ٣٨٦.

(٢) المختلف : ١٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢١١ / ٢ ، الوسائل ٣ : ٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٣.

(٤) الاستبصار ١ : ٣٠٠.

(٥) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٥١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٣١.

٦٩

( و ) أما ( أحكامها ) فهي ( أربعة ) :

( الأول : من أدرك ) مع الإمام ( بعض التكبيرات ) وفاته البعض دخل معه في الصلاة عليه ، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (١) ، و ( أتم ما بقي ) منها إجماعا كما في الخلاف (٢) ، للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي منها متتابعا » (٣).

وهو المستند فيما ذكروه من الإتمام ( ولاء ) أي من غير دعاء بينها وإن اختلفوا في إطلاقه كما هو ظاهر النص والعبارة وغيرها ، أو تقييده بصورة عدم التمكن منه باستلزامه المنافي من البعد والانحراف عن الميت والقبلة ، كما عليه الشهيدان في الذكرى وروض الجنان والروضة (٤) ، تبعا للمحكي عن العلاّمة في بعض كتبه (٥) ، وعن خالي العلاّمة المجلسي إنه مذهب الأكثر (٦).

ولعلّه الأظهر ، عملا بعموم ما دلّ على وجوب الدعاء ، خرج منه صورة الضرورة بالنص والإجماع.

وما يقال من أنّ الاتّفاق على الوجوب الكفائي ينفي شمول أدلة الوجوب لموضع النزاع (٧) ، حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٥.

(٢) الخلاف ١ : ٧٢٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٢ / ٤٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٠ / ٤٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ / ١٨٦٥ ، الوسائل ٣ : ١٠٢ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ١.

(٤) الذكرى : ٦٣ ، روض الجنان : ٣١٣ ، الروضة ١ : ١٤١.

(٥) كما في القواعد ١ : ٢٠ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٢٧٠.

(٦) انظر بحار الأنوار ٧٨ : ٣٦٣.

(٧) الحدائق ١٠ : ٤٦٥.

٧٠

وليس كذلك ، بل المتعلق هو الصلاة ، وليس الكلام فيه ، بل في وجوب الدعاء ، وهو في حق من دخل في الصلاة عيني ، للأمر به الذي هو حقيقة فيه ، ولا إجماع على كفائيته.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ عموم ما دلّ على وجوبه معارض بعموم الصحيح المتقدم الآمر بالتتابع ، وكما يمكن تخصيصه بذلك كذا يمكن العكس ؛ فإنّ التعارض بينهما من قبيل تعارض العموم والخصوص من وجه.

ويضعّف : بمنع العموم في الصحيح ؛ فإنّ غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكن من الدعاء خاصة كما هو الغالب ، ولذا ورد في النص والفتوى استحباب أن لا يبرح المصلّي عن موقفه إلى أن يرى الجنازة في أيدي الرجال. ومع ذلك فالاحتياط في العبادة يقتضيه.

ويؤيده إشعار بعض النصوص بذلك ، فإنّ فيه : سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين ، فقال : « يتم التكبير وهو يمشي معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر ، فإن كان أدركهم وقد دفن كبّر على القبر » (١) إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة.

ولعلّ هذا مراد الشهيدين في بيان وجه الإشعار وإن قصرت عبارتهما عن إفادته ، فإنهما قالا : إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن (٢).

فإن أرادا به ما تلوناه وإلاّ فضعفه ظاهر ، فإنّ معنى قوله عليه‌السلام : « فإن كان قد أدركهم وقد دفن » أنه لم يدرك شيئا من التكبيرات مع الإمام ، لا أنه أدرك البعض ولم يدرك الباقي حتى دفن.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٠ / ٤٦٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ / ١٨٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب صلاة الجنازة ب ١٧ ح ٥.

(٢) الذكرى : ٦٣ ، روض الجنان : ٣١٣.

٧١

ولا يضر ضعف سنده بالجهالة والإرسال ؛ لكونه مستند الأصحاب فيما ذكروه من قولهم ( وإن رفعت الجنازة ) أتم ( ولو على القبر ) فينجبر بذلك ؛ مضافا إلى موافقته لباقي الأخبار ، وإن كان من غير جهة الإشعار ، وينجبر من هذه الجهة بالموافقة لعموم ما دلّ على وجوب الأدعية كما عرفته.

ومن هنا يظهر عدم سقوط الدعاء عن المأموم مطلقا كباقي الأذكار ، عدا القراءة في الصلوات الخمس المفروضة. والظاهر الإجماع عليه فيما إذا كان مع الإمام ولو مسبوقا ، قال في المنتهى : إذا فاتته تكبيرة مثلا كبّر أولة وهي ثانية الإمام يتشهد هو ويصلّي الإمام ، فإذا كبر الإمام الثالثة ودعا للمؤمنين كبّر هو الثانية وصلّى هو ، فإذا كبر الإمام الرابعة ودعا للميت كبّر هو الثالثة ودعا للمؤمنين ، وهكذا ؛ لأنّا قد بيّنا في الفرائض أنّ المسبوق يجعل ما يلحقه أول صلاته (١). انتهى ، ولم ينقل فيه خلافا.

( الثاني : لو لم يصلّ على الميت ) ودفن بغير صلاة ( صلّي على قبره ) وجوبا مطلقا وفاقا لجماعة (٢).

لعموم : « لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة » (٣) ونحوه ، السالم عن المعارض بالكلية ، عدا النصوص المستفيضة الناهية عن الصلاة عليه بعد دفنه (٤).

وهي غير مصالحة للمعارضة ـ وإن تضمنت الموثقات وغيرها ـ أوّلا :

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٦.

(٢) منهم العلامة في المختلف : ١٢٠ ، والشهيد في البيان : ٧٧١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٣٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٢٨ / ١٠٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ / ١٨١٠ ، الوسائل ٣ : ١٣٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٩ ، ٢٠ ، وب ١٨ ح ٥ ، ٦ ، وب ١٩ ح ١ ، وب ٣٦ ح ٢.

٧٢

بمعارضتها بأصح منها سندا وفيه : « لا بأس بأن يصلّي الرجل على الميت بعد ما يدفن » (١).

ونحوه نصوص أخر ، منها : « إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن » (٢) وبمعناه الرضوي (٣).

وآخر : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فاتته الصلاة على الميت يصلّي على القبر » (٤).

وهذه النصوص مع استفاضتها أيضا أوفق باستصحاب الجواز بل الوجوب حيث يثبت قبل الدفن ، ولا قائل بالفرق. وعليه فهو دليل على الوجوب كاف في إثباته ولو لم يكن هناك عموم أو منع بدعوى اختصاصه بحكم التبادر بالميت قبل الدفن ، مع أنها فاسدة في العمومات اللغوية.

وثانيا : بضعف سند جملة منها ، وقصورها أجمع عن إثبات المنع مطلقا حتى في محل الفرض ، لأن غايتها الإطلاق الغير المنصرف إليه.

وثالثا : بشذوذها ، لدلالتها على المنع مطلقا مع أنّ الأصحاب أطبقوا ظاهرا ـ ويستفاد من الذكرى أيضا (٥) ـ على الجواز في الجملة وإن اختلفوا في إطلاقه كما عن والد الصدوق والعماني (٦) ، أو تحديده بما إذا لم يتغير الصورة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٠ / ٤٦٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ / ١٨٦٦ ، الوسائل ٣ : ١٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٣ / ٤٧٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠١ / ٤٦٧ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ / ١٨٦٧ ، الوسائل ٣ : ١٠٤ أبواب ، صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٢.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٩ ، المستدرك ٢ : ٢٧٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠١ / ٤٦٨ ، الاستبصار ١ : ٤٨٢ / ١٨٦٨ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٣.

(٥) الذكرى : ٥٥.

(٦) نقله عنهما في المختلف : ١٢٠.

٧٣

كما عن الإسكافي (١) ، أو بأيام ثلاثة كما عن الديلمي (٢) ، وجعله في الخلاف رواية (٣) ، أو ( يوما وليلة حسب ) كما عن الشيخين والحلّي والقاضي وابني زهرة وحمزة (٤) ، وادّعى عليه الشهيدان في الذكرى والروضة (٥) الشهرة.

ومع ذلك فهي محتملة للحمل على التقية ، فقد حكاه جماعة عن أبي حنيفة (٦) ، وعلى فتاويه غالب العامة في جميع الأزمنة ، فينبغي حينئذ طرحها ، أو حملها على الكراهة فيما إذا صلّي على الميت قبل الدفن ، كما هو المتبادر منها ، ولعلّ الوجه فيها حينئذ كراهة تكرار الصلاة على الجنازة مرتين كما مضى. لكن ظاهر الأصحاب الجواز من غير كراهة قبل ما حدّدوه من المدة ، حيث أطلقوه من غير إشارة إليها ، إلاّ أنه يحتمل إحالتهم لها إلى المسألة التي أشرنا إليها ، وقصدهم بتحديد المدة إثبات التحريم بعدها.

وعلى هذا التقريب يصير التحريم بعدها مشهورا كما عزاه إليهم جماعة (٧) ؛ ولم أعرف مستندهم ، عدا الأخبار الناهية ، وهي ـ كما عرفت ـ بإطلاقها شاذة ، ومع ذلك فلم يعلم منها ولا من غيرها شي‌ء من التقديرات المذكورة في عبائر الجماعة ، وبذلك اعترف الفاضلان في المعتبر والمنتهى وغيرهما (٨) ، والجمع بين النصوص المختلفة في المنع والجواز بذلك فرع‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٢٠.

(٢) المراسم : ٨٠.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٤) المفيد في المقنعة : ٢٣١ ، الطوسي في الخلاف ١ : ٧٢٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٦٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٣٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٦٧٩.

(٥) الذكرى : ٥٥ ، لم يصرّح فيه بالشهرة ، نعم تستفاد من مجموع كلامه ، الرّوضة ١ : ١٤٢.

(٦) حكاه عنه الشيخ في الخلاف ١ : ٧٢٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٤٩.

(٧) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٥١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٤٢.

(٨) المعتبر ٢ : ٣٥٨ ، المنتهى ١ : ٤٤٩ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٤٥٣.

٧٤

شاهد عليه وحجة.

ونحوه الجمع بينها بحمل الأولة على ما إذا صلّي عليه فتحرم ، والثانية على ما إذا لم يصلّ عليه فتجب ، كما في المختلف (١) ؛ إذ لا شاهد عليه أيضا ، بل ولا وجه له ، سيّما مع ظهور الأخبار المجوّزة بحكم التبادر أو غيره في الصورة الأولى التي منع عن الصلاة فيها ، مع أنّ مقتضاها نفي البأس ، فلا يستفاد منها الوجوب ، فتأمل.

وأمّا الجمع بينها بحمل المانعة على الصلاة والمجوّزة على الدعاء خاصة ، كما يدل عليه بعض الأخبار المانعة (٢) ، وفيه الصحيح المقطوع وغيره ، فهو وإن حسن من حيث الشاهد عليه والقرينة إلاّ أنه لا قائل به من الطائفة كما عرفته ، لأن مرجعه إلى حرمة الصلاة بعد الدفن مطلقا ، وهو كما ترى.

والأولى في الجمع ما ذكرنا ؛ فإنّ فيه إبقاء للنصوص مطلقا على مواردها المستفاد منها بحكم التبادر ، وهو ما إذا صلّي على الميت قبل الدفن ؛ وصرفا للأخبار المانعة المرجوحة بالإضافة إلى المجوّزة إليها ؛ مع وضوح الشاهد عليه من الحكم بكراهة تكرار الصلاة على الميت كما قدّمناه.

( الثالث : يجوز أن تصلّى هذه ) الصلاة ( في كل وقت ) ولو كان أحد الأوقات الخمسة المكروهة من غير كراهة ؛ بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة كالخلاف والمنتهى والتذكرة وغيرها (٣) ؛ والنصوص به مع ذلك بالخصوص مستفيضة وفيها الصحاح وغيرها (٤) ؛ مضافا إلى أنها من ذوات‌

__________________

(١) المختلف : ١٢٠.

(٢) الوسائل ٣ : ١٠٤ أبواب صلاة الجنازة ب ١٨ ح ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢١ ، المنتهى ١ : ٤٥٨ ، التذكرة ١ : ٥١ ؛ وانظر المدارك ٤ : ١٨٨ ، والحدائق ١٠ : ٤٧٤.

(٤) الوسائل ٣ : ١٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠.

٧٥

الأسباب فتصلّي في كل وقت كما مرّ.

( ما لم يتضيق وقت الحاضرة ) فتقدم هي لو لم يخف على الجنازة ولا يضيق وقت صلاتها ، بلا خلاف فيه ، ولا في وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.

ولو تضيّقا معا ففي وجوب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر إطلاق العبارة وصريح جماعة (١) ، بل حكى عليه الشهرة خالي العلاّمة المجلسي (٢) ، أو صلاة الجنازة كما عن ظاهر المبسوط خاصة (٣) ، قولان ، ولعلّ الأول لا يخلو عن قوة.

ولو اتّسعا فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرّح به جماعة (٤) ؛ للمعتبرة (٥).

وفي بعض النصوص العكس ، وفيه : إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال : « عجّل الميت إلى قبره إلاّ أن تخاف فوت وقت الفريضة » (٦).

وهو وإن ضعف سنده إلاّ أنه معتضد بعموم ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز (٧) ، لكنه معارض بمثله بل بأجود منه كالنص ، مع أني لم أر قائلا بمضمون هذا النص وإن حكي عن الماتن التخيير من دون ترجيح‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في المنتهى ١ : ٤٥٨ ، والشهيد في الدروس ١ : ١١٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ١٨٩.

(٢) ملاذ الأخيار ٥ : ٦١٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٥.

(٤) منهم : الشيخ في النهاية : ١٤٦ ، والحلّي في السرائر ١ : ٣٦٠ ، والشهيد في الذكرى : ٦٢.

(٥) الوسائل ٣ : ١٢٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ١ ، ٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٢٠ / ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٩ / ١٨١٢ ، الوسائل ٣ : ١٢٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٣١ ح ٢.

(٧) الوسائل ٢ : ٤٧١ أبواب الاحتضار ب ٤٧.

٧٦

للتعارض (١) ، فإنه غير القول به.

( الرابع : لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة ) على اخرى ( تخيّر ) (٢) المصلّي ( في الإتمام على الأولى والاستيناف على الثانية ، وفي ) قطع الصلاة على الاولى ( وابتداء الصلاة عليهما ) معا على الأشهر ؛ للرضوي : « وإن كنت تصلّي على الجنازة وجاءت الأخرى فصلّ عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات ، وإن شئت استأنفت على الثانية » (٣).

خلافا للإسكافي (٤) ، فما في الصحيح : « إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الاولى وأتموا التكبيرة على الأخيرة ، كلّ ذلك لا بأس به » (٥).

ومال إليه من المتأخرين جماعة (٦) ؛ لصحة السند ، وعدم وفوقهم على مستند الأول ، مع مخالفته في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.

قال في الذكرى : نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثمَّ استأنف عليها ؛ لأنه قطع للضرورة (٧).

وهو حسن لو لا ما مرّ من المستند المعتضد بالعمل ، فيخصّص به عموم النهي ، مع إمكان التأمل في شموله لنحو هذه العبادة ، لما ورد في كثير من النصوص من أنها دعاء لا صلاة حقيقة ، وقطعه جائز قطعا.

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ٣٦٠.

(٢) في المختصر المطبوع : تخيّر الإمام.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٩ ، المستدرك ٢ : ٢٨٥ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩ ح ١.

(٤) كما نقله عنه في الذكرى : ٦٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٠ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٢٧ / ١٠٢٠ ، الوسائل ٣ : ١٢٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٤ ح ١.

(٦) منهم الشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٤٤ ، المحدث الكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٧٠.

(٧) الذكرى : ٦٤.

٧٧

ولعلّه لذا استدل في المنتهى على المختار بأن مع كلّ من هذين الأمرين ـ وأشار بهما إلى شقّي التخيير ـ يحصل الصلاة عليهما ، وهو المطلوب ، ثمَّ قال : ويؤيده الصحيح وساقه كما مرّ (١).

وظاهره ـ كما ترى ـ أنّ عمدة الدليل هو التعليل لا الصحيح كما قيل (٢) وهو إنما يتجه لو جاز القطع ، ولا يكون ذلك إلاّ لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محلّ البحث.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٨.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٤٣٣ ، الحدائق ٩ : ٤٦٧.

٧٨

( وأما ) الصلوات ( المندوبات ) :

فهي كثيرة جدا ذكر الماتن منها جملة يسيرة.

( منها : صلاة الاستسقاء ) أي طلب السقيا من الله عند الحاجة إليها.

( وهي مستحبة عند الجدب ) وغور الأنهار وفتور الأمطار ؛ بإجماعنا الظاهر ، المحكي في التذكرة وغيره (١) ، بل العلماء كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (٢) ؛ وللتأسي ، والنصوص المستفيضة.

( والكيفية ) هنا ( کـ ) هي في ( صلاة العيدين ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في الخلاف والمنتهى (٣) ؛ وللصحيح : عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما وتكبّر فيهما ، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس ، فيحمد الله تعالى ويمجّده ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء ، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلّي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي على المنكب الأيسر على الأيمن ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك فعل » (٤).

ولا ريب في شمول المماثلة فيه المماثلة في عدد الركعات والقراءة المستحبة والكبيرات الزائدة ( والقنوت ) بعد كل تكبيرة ، إلاّ أنّه يقنت هنا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٦٧ ؛ وانظر البيان : ٢١٨ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٥.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٥ ، المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٢ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ / ٣٢٣ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ١.

٧٩

( بسؤال الرحمة وتوفير المياه ).

ولا يتعين فيه دعاء خاص بل يدعو بما يتيسّر له وأمكنه ( و ) إن كان ( أفضل ذلك الأدعية المأثورة ) عن أهل العصمة عليهم‌السلام ، فإنهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.

وظاهر الشهيدين وغيرهما (١) تعميم المماثلة للوقت ، فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ، وعزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (٢).

مع أنّ المحكي عن الفاضلين (٣) التصريح بأنّ لا وقت لها ، فأيّ وقت خرج جاز ، وادّعى في نهاية الإحكام والتذكرة (٤) الإجماع عليه.

وهو الأوفق بالإطلاقات. والمتبادر من المماثلة المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة.

ولكن الأحوط ما ذكروه بلا شبهة وإن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد الفجر (٥) ، وعن التذكرة بما بعد الزوال ، قال : لأنّ ما بعد العصر أشرف (٦) ؛ لضعفهما في الغاية.

( ومن سننها : صوم الناس ثلاثا والخروج يوم الثالث ) للنص (٧) ؛ المؤيد بما دلّ على استجابة دعاء الصائم (٨).

__________________

(١) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥١ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣١٩ ؛ وانظر الكافي في الفقه : ١٦٢ ، والمختلف : ١٢٦.

(٢) الذكرى : ٢٥١.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٣٦٤ ، العلامة في نهاية الأحكام ٢ : ١٠٤.

(٤) نهاية الأحكام ٢ : ١٠٤ ، التذكرة ١ : ١٦٨.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٢٦.

(٦) التذكرة ١ : ١٦٨.

(٧) التهذيب ٣ : ١٤٨ / ٣٢٠ ، الوسائل ٨ : ٨ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٢ ح ١.

(٨) الوسائل ١٠ : ٣١٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٨ ح ١٤.

٨٠