رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

مع تضمن الأول تحبيب التمام منه عليه‌السلام ، والعبرة به لا بغيره ؛ مع ظهور صدره في رجحان التمام عند رواية.

ونحوه في هذا : الخبر : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصّر ، وبعضهم يتمّ ، وأنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد الله بن جندب وأنه كان يتمّ ، قال : « رحم الله تعالى ابن جندب » ثمَّ قال لي : « لا يكون الإتمام إلاّ أن تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصلّ النوافل ما شئت » قال الراوي : وكان محبّتي أن يأمرني بالتمام (١).

وهو صريح في اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب ، وأن عليها عمل جملة منهم ، وإنما أمره عليه‌السلام بالقصر ولم يأمره بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.

ولو سلّم اشتهار تعيّن القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حدّ الإجماع ، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعا ظاهرا ، كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا ؛ لعدم وجود مخالف مطلقا ، ظاهرا ولا محكيا ، عدا الصدوق ، وهو نادر جدّا ، بل لم يتعرض لنقل خلافه جماعة كالحلّي وغيره.

ولا ريب أن مثل هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة ، فالقول بالتخيير في غاية القوة وإن كان الأحوط القصر ، تحصيلا للبراءة اليقينية.

وقد اختلف الأصحاب في التعبير عن المواطن الأربعة ـ لاختلاف النصوص فيه ـ على أقوال ، إلاّ أن ما في العبارة مطلقا أشهرها وأظهرها‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٦ / ١٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ / ١١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٣.

٣٨١

وأحوطها ، إلاّ بالنسبة إلى المواطنين الأوّلين ، فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين ، بل لا ينبغي أن يتعدّاهما ، أخذا فيما خالف الأصل على المتيقن من النصّ والفتوى.

ثمَّ إن مقتضى الأصول واختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به في الصلاة في المواطن المزبورة : عدم التعدية به إلى الصوم ، كما هو في الظاهر إجماع.

ولا إلى الصلاة في غير هذه المواطن ولو كان من المشاهد الشريفة.

وخلاف المرتضى والإسكافي (١) فيها نادر ، فلا يفيدهما التمسك ببعض التعليلات والظواهر.

نعم في الرضوي : « إذا بلغت موضع قصدك من الحجّ والزيارة والمشاهد وغير ذلك ممّا قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك التمام » (٢).

لكن في الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع مشكل ، سيّما مع تضمّنه الحكم بوجوب التمام ، لما مرّ من شذوذه ، ومخالفته الإجماع والأخبار المستفيضة بل المتواترة ، إلاّ أن يحمل الوجوب على مطلق الثبوت.

واعلم : أن وجوب القصر في غير محلّ الاستثناء وثبوته فيه إنما هو بعد اجتماع شروطه ، وإلاّ فالواجب التمام ، إلاّ مع انتفاء الأول منها بقسميه (٣) ، فاختلف فيه الأصحاب.

__________________

(١) المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٧ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ١٦٨.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٠.

(٣) أي الشرط الأول وهو المسافة ، ومراده بقسميه : الثمانية الذهابيّة ، والملفقة من الأربعة الذهابيّة والإيابيّة.

٣٨٢

والمشهور بين المتأخرين وجوبه أيضا مطلقا ، وفاقا للمرتضى والقاضي والحلّي (١) ؛ للأصل ، وظواهر ما مرّ من النصوص باعتبار الثمانية فراسخ ، وحملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على ما إذا أريد الرجوع ليومه ، عملا بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع.

وهي وإن قصرت عن الدلالة على اعتبار كونه ليومه ، إلاّ أن بعضها مشعر به كالموثق : عن التقصير ، قال : « في بريد » قال ، قلت : بريد؟! قال : « إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه » (٢).

وفيه نظر ؛ لضعف الإشعار ، مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة بوجوب التقصير في الأربعة مع عدم إرادة الرجوع ليومه :

منها الصحيح : إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات ، فقال : « ويحهم أو ويلهم وأيّ سفر أشدّ منه؟! لا تتمّ » (٣).

وقريب منه الموثق : « ألا ترى إن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟ » (٤).

والخبر : في كم التقصير؟ فقال : « في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجّوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصّروا » (٥).

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٤٧ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨٦ / ١٣٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٧ ، الوسائل ٨ : ٤٦٣ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٨ / ٤٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٢٤ / ٧٩٥ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٧٩٨ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٦.

٣٨٣

وحملها على إرادة الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّا ؛ لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا ، كما وقع التصريح به في الخبر الأخير ، والصحيح : « إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » (١).

وبالجملة : لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها ، مع صحة جملة منها واستفاضتها : وجوب التقصير في الأربعة مطلقا ولو لم يرد الرجوع ليومه ، كما عليه العماني (٢) ، ومال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (٣) ، وهو قوي متين.

وبه يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية ، وبالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك ، وبالثمانية الملفقة من الأربعة ، بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة ولو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.

لكن ربما يخدشه ندرة القول به وشذوذه بين القدماء والمتأخرين ؛ لإطباقهم ـ عدا العماني ـ على عدم وجوب التقصير ، وإن اختلفوا في جوازه وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين كما مرّ هو الثاني ، وبين القدماء هو الأول مخيّرين بينه وبين التمام ، وإلى قولهم أشار بقوله :

( وقيل : من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر والإتمام ) والقائل الصدوقان والشيخان والديلمي (٤) ، وغيرهم ، بل عن الأمالي‌

__________________

(١) الكافي : ٥١٨ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٥ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٨.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٦٢.

(٣) منهم : صاحب الوسائل ٨ : ٤٦٣ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٥ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٦ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٣٢٥.

(٤) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٠ ، وقد نقل عن والده وعن المفيد العلاّمة في المختلف : ١٦٢ ،

٣٨٤

دعوى الإجماع عليه (١).

وعلى هذا فيشكل المصير إلى هذا القول (٢) ، سيّما مع ظهور دعوى الإجماع من السرائر والمختلف (٣) على خلافه ؛ لتصريح الأول بالإجماع على جواز التمام ، وحصول البراءة به بلا خلاف ، واستدلال الثاني على لزوم التمام بأنه أحوط. ولا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على جواز التمام ؛ لأنه الأخذ بالأوثق ، ولا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف.

وأظهر منهما عبارة شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله ، فإنه قال في جملة كلام له : ولو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتّحاد حكم الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأول يخرج مقصّرا مع عدم العود ليومه ، وهو باطل إجماعا (٤).

وحينئذ فيدور الأمر بين مذهب المتأخرين والقدماء. لا سبيل إلى الأول ؛ لأن فيه إطراحا للمعتبرة المستفيضة الظاهرة بل الناصّة في ثبوت القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه (٥) ، وهو من غير معارض صريح بل ولا ظاهر كما مرّ مشكل ، فتعيّن الثاني.

لكن ربما ينافيه ظهور جملة من تلك المعتبرة في وجوب القصر ـ كظهورها فيما مرّ ـ لتضمنها النهي عن التمام ، والإنكار على فاعله بالويل والويح الظاهر بل الصريح ـ كالأول ـ في حرمته ، كما عليه العماني.

__________________

الطوسي في التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، الديلمي في المراسم : ٧٥.

(١) أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٢) أي قول العماني. منه رحمه الله.

(٣) السرائر ١ : ٣٢٩ ، المختلف : ١٦٢.

(٤) رسائل الشهيد الثاني : ١٧٢.

(٥) راجع ص ٣٧٧ و٣٧٨.

٣٨٥

إلاّ أن يذبّ عنه بصرف النهي والإنكار على فاعل التمام بقصد وجوبه ، كما عليه الناس يومئذ ، ولا بأس به ، لإمكانه ، فيتعيّن ارتكابه.

وحينئذ فيقوّى القول بالتخيير ، بل ويتعيّن ؛ لاجتماع النصوص عليه أيضا ، مع وضوح الشاهد عليه من الإجماع المتقدم عن الأمالي ؛ مضافا إلى ما مرّ من صريح الرضوي المتضمن لقوله : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع ليومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » (١).

وممّا ذكرنا ظهر ما في قول الماتن ( ولم يثبت ) إذ أيّ دليل أجود من الرضوي وإجماع الأمالي ، المعتضدين بالشهرة القديمة ، وخصوص ما ورد من أخبار عرفة ، بناء على ما عرفت من الإجماع ممّن عدا العماني على عدم إبقائها على ظاهرها من وجوب القصر ، وعدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه ، لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره.

فليس بعد ذلك إلاّ حملها على أن المقصود بها إثبات جواز القصر لا وجوبه ، ويصرف الإنكار فيها عن التمام بالنهي وما في معناه إلى فاعله بقصد وجوبه ، كما قدّمناه ، وسيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث (٢).

ولذا اختار جماعة من المتأخرين ـ كشيخنا الشهيد الثاني وولده وسبطه (٣) ـ القول بالتخيير مع عدم وقوفهم على الرضوي وإجماع الأمالي.

وعليه فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر؟ إشكال : من إجماع السرائر والمختلف والأمالي وشيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول ، مع‌

__________________

(١) راجع ص ٣٣٨.

(٢) في مسألة اشتراط التوالي في نيّة الإقامة عشرة. منه رحمه الله.

(٣) الشهيد في روض الجنان : ٣٨٤ ، وولده في منتقى الجمان ٢ : ١٧٣ ، وسبطه في المدارك ٤ : ٤٣٧.

٣٨٦

اعتضاده بالشهرة القديمة والمتأخرة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة ، لندرة العماني وشذوذه ، ولذا لم ينقله الماتن وكثير وإنما نقلوا القول بوجوب التمام والتخيير.

ومن ظاهر أخبار عرفة بوجوب التقصير.

ولعل الأول أجود ، بل لعلّه المتعين.

وحيث جاز القصر فهل يعمّ الصلاة والصوم ، أم يختص بالأول؟ ظاهر الأكثر ، بل من عدا النهاية الأول ؛ لعموم الأدلة ، وخصوص ما دلّ من تلازم القصرين من المعتبرة.

خلافا للنهاية فالثاني (١).

واعلم : أن ظاهر إطلاق عبارة القدماء ـ عدا الديلمي (٢) ـ بالتخيير في الأربعة ما لم يرد الرجوع ليومه يشمل ما لو لم يرد رجوعا أو أراده في غير يومه ، انقطع سفره بأحد القواطع أم لا.

ولعلّ وجهه إطلاق الأدلة عدا أخبار عرفة ، مع ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة مع التصريح فيه بالتمام بالوصول بعدها إلى الضيعة (٣).

ولكن يمكن دعوى انصراف الإطلاق نصّا وفتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع ، لأنه الغالب ؛ ولذا أنه عليه‌السلام في الموثقة المتقدمة بعد الحكم بأن المسافة بريد بقول مطلق وتعجّب الراوي عنه علّل بأنه إذا رجع شغل يومه (٤) ، وهو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع ، فلا‌

__________________

(١) النهاية : ١٦١.

(٢) المراسم : ٧٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٩ ، الاستبصار ١ : ٢٢٩ / ٨١١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٤.

(٤) راجع ص ٣٨٣.

٣٨٧

يمكن إثبات القصر فيها على الإطلاق.

وأما بعض الصحاح فيمكن الجواب عنه بما قدّمناه في ذيل البحث في الشرط الأول من حمله على التلفيق ولو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة ؛ لإمكان حمله على التقية ، كما عرفته ثمة (١).

نعم ربما يقال : إنه كباقي الإطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد القواطع فتعمّه وغيره ، ودعوى اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا تخلو عن ريبة ، وعليه فيؤول الأمر إلى كفاية الأربعة بقول مطلق.

وفيه نظر ؛ لظهور الموثقة المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع ؛ لمكان التعجب وتقريره بالتعليل مشيرا به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير ، ولا ريب أنها تنقطع بما مرّ من القواطع.

ونحوها الأخبار الأخر الدالة على اعتبار الإياب.

إلاّ أن يقال : المراد منها بيان المسافة المعتبرة في الوجوب دون الرخصة ، كما يفهم من تعليل الموثقة وغيرها ، فلا تكون هذه من أخبار المسألة.

لكن مثله يتوجّه في أخبار الأربعة أيضا ؛ لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه الإياب بحكم الغلبة والموثقة ، مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل التقصير ووجوبه ، وظاهرها وإن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع في وجوبه كما عليه العماني ، إلاّ أنك عرفت انعقاد الإجماع ممّن عداه على خلافه ، فكان هو السبب الأهمّ لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة له ب « من يومه » (٢).

__________________

(١) راجع ص ٣٤٠.

(٢) في « م » : من يريد الرجوع ليومه.

٣٨٨

وعلى هذا فينحصر الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع لغير يومه في الرضوي وإجماع الأمالي ، ولعلّهما كافيان في إثباته فيها ، سيّما مع اعتضادهما بفتوى أعيان القدماء.

وحيث قد عرفت قوة احتمال انصراف إطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات التخيير فيها من غير إياب ، فيتحتم فيها التمام ، سيّما وفي بعض عبارة الرضوي ممّا لم ننقله ما يدلّ عليه ، وهو قوله عليه‌السلام بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه : « وإن عزمت على المقام وكان سفرك بريدا واحدا ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك فلا تقصّر » إلى أن قال : « وإن سافرت إلى موضع بمقدار أربعة فراسخ » إلى آخر ما مرّ (١).

وهو صريح في اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوبا إن وقع ليومه ، وجوازا إن وقع في غيره ، وأن مع عدمه أو تخلّل القاطع لا يجوز التقصير.

وهو يقوّي ما قدّمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع ، لإبقائها على إطلاقها ؛ لأن الظاهر أنه المستند لهم في التخيير ، وإن استند الشيخ له بالجمع بين النصوص ، ويبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.

وكيف كان ، فيتحصّل ممّا ذكرنا : عدم جواز القصر في الأربعة من غير إياب ، وجوازه معه لغير يومه ، ووجوبه معه ليومه ، كما تضمّن جميع ذلك الرضوي ، وعلى جملة منه إجماع الأمالي.

( ولو أتم المقصّر ) المتحتم عليه التقصير عالما بوجوبه ( عامدا أعاد )

__________________

(١) في ص ٣٣٨.

٣٨٩

وجوبا ، وقتا وخارجا ، إجماعا ؛ لعدم صدق الامتثال ، وللصحيحين (١) وغيرهما المروي في الخصال ، وفيه : « ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنه قد زاد في فرض الله تعالى » (٢).

( ولو كان جاهلا لم يعد ) مطلقا على الأشهر الأقوى ، بل عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات ؛ للصحيح : في رجل صلّى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : « إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه » (٣).

خلافا للمحكي عن الإسكافي والحلبي ، فيعيد في الوقت دون خارجه (٤). وعن العماني فيعيد مطلقا (٥).

وهما نادران ولا سيّما الثاني ، مع عدم وضوح مستندهما عدا الأصول ، وإطلاق ما مرّ من رواية الخصال للثاني ، وإطلاق ما سيأتي من النصوص في الناسي للأول.

وتخصيصها أجمع بما هنا لازم ؛ لأخصّيته بالإضافة إلى الأصول وتاليها مطلقا ، وبالإضافة إلى ما سيأتي من وجه ، وهو التصريح فيه بالجاهل وإن شمل الإعادة فيه لغة للوقت والخارج ، فيقبل التقييد بالثاني ؛ لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي ، وإن عمّ الجاهل والناسي.

__________________

(١) الأول : التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٣ ، الوسائل ٨ : ٥٠٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦. والصحيح الثاني سيأتي مصدره في الهامش (٣).

(٢) الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ / ٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٦٤ ، الحلبي في الكافي : ١١٦.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٦٤.

٣٩٠

أما لزومه (١) بالإضافة إلى الأول فواضح ؛ لوجوب بناء العام على الخاص مطلقا حيثما تعارضا وحصل التكافؤ بينهما ، كما هنا.

وأما لزومه بالإضافة إلى الثاني مع كون التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ـ كما مرّ ـ يقبل كلّ منهما التخصيص بالآخر : فلرجحان ما هنا على مقابله بالأصل (٢) والشهرة العظيمة بين الأصحاب.

هذا إن قلنا بعموم لفظة الإعادة وشمولها لنحو القضاء ، وأما على تقدير اختصاصه بما حصل في الوقت ـ كما هو المصطلح عليه بين الأصوليين ـ فهو بالإضافة إلى مقابله أخصّ مطلقا كسابقه ، ولعلّه لذا جعل الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقا.

هذا مضافا إلى اعتضاده أيضا بصريح الرضوي : « وإن كنت صلّيت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة ، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي‌ء عليك ، وإن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شي‌ء ولا إعادة عليك إلاّ أن تكون قد سمعت الحديث » (٣).

( و ) يستفاد منه أيضا حكم ( الناسي ) من أنه ( يعيد في الوقت لا مع خروجه ) كما هو الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي صريح الانتصار والخلاف والسرائر وظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه (٤) ، وزاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به.

ولم نقف على شي‌ء منها يدل على الحكم صريحا ، نعم في الصحيح : عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ، قال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن‌

__________________

(١) أي : لزوم التخصيص.

(٢) وهو : أنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء. منه رحمه الله.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٣ ، المستدرك ٦ : ٥٣٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٢.

(٤) الانتصار : ٥٢ ، الخلاف ١ : ٢٢٩ ، السرائر ١ : ٣٢٨ ، التذكرة ١ : ١٩٣.

٣٩١

كان الوقت قد مضى فلا » (١).

وهو كما ترى غير صريح في الناسي ، لكن بعمومه يشمله ، وهو كاف ، سيّما مع قيام الدليل على خروج العامد والجاهل.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق والمبسوط فيعيد مطلقا (٢) ؛ لإطلاق الصحيح أو عمومه : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، قال : « أعد » (٣).

وحمله الأصحاب على العامد. والأولى حمله على الناسي مع تقييده بالوقت ؛ لما مرّ من حمل العام على الخاص ، أو المطلق على المقيّد.

وللمقنع ، فيعيد إن ذكر في يومه ، فإن مضى اليوم فلا إعادة (٤) ؛ للصحيح أو الخبر (٥). وهو ككلامه مجمل ؛ لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط ، فيحتمل الحمل عليه ، بل ويتعيّن ، للجمع ، لأن ما مرّ أصرح ، فيكون من أدلة المختار ، ويجبر قصوره عن إفادة تمام المدّعى بعدم قائل بالفرق بين الظهر والعشاء مثلا ، فتأمل جدّا.

( ولو دخل ) عليه ( وقت الصلاة ) حاضرا بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدّين ( فسافر والوقت باق ) بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا ( قصّر على ) الأظهر ( الأشهر ) كما هنا ، وفي المعتبر وفي السرائر عليه الإجماع (٦) ؛ وهو الحجّة بعد العمومات القطعية كتابا وسنّة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٦ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ / ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٦٠ ، الوسائل ٨ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٢) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ١٦٤ ، المبسوط ١ : ١٣٩.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ / ٣٣ ، الوسائل ٨ : ٥٠٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

(٤) المقنع : ٣٨.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ / ٥٧٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٦١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

(٦) المعتبر ٢ : ٤٨٠ ، السرائر ١ : ٣٣٤.

٣٩٢

وخصوص المعتبرة.

منها الصحيح : قلت له عليه‌السلام : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلّي حتى أدخل أهلي ، قال : « صلّ وأتمّ الصلاة » قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا أصلّي حتى أخرج ، فقال : « صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) وقريب منه آخر (٢).

ومنها : الرضوي : « فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصلّ حتى خرجت فعليك التقصير ، فإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصلّ حتى تدخل أهلك فعليك التمام » (٣).

خلافا لجماعة (٤) فيتمّ ؛ للأصل المخصّص بما مرّ ، وللصحيح (٥) وغيره (٦) المحتملين ـ ولا سيّما الأول ـ للحمل على ما يؤولان به إلى الأول كما يأتي ، مع ضعف سند الثاني واحتماله الحمل على التقية ، كسابقه.

وللصدوق والنهاية (٧) (٨) ، فالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأول ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٣ / ٣٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ٨ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٣ / ١٢٨٨ ، الوسائل ٨ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٢.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، المستدرك ٦ : ٥٤١ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١.

(٤) منهم : الصدوق في المقنع : ٣٧ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٣٩٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٤ / ١٢٨٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ / ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ / ٨٥٣ ، الوسائل ٨ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٤ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ / ٥٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٨ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١٠.

(٧) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٤ ، النهاية : ١٢٣.

(٨) في « ح » زيادة : والمبسوط. راجع المبسوط ١ : ١٤١.

٣٩٣

وسعته فالثاني ؛ جمعا ، وللموثق (١) وغيره (٢) : في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف الفوت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر ».

وفيهما نظر ؛ لإمكان الجمع أيضا بما مرّ ، بل هو أظهر. والخبران ـ مع ضعف سند ثانيهما وقصور الأول ، وعدم ارتباطهما بمحل البحث ، لكون موردهما صورة العكس ـ لا يقاومان ما مرّ من وجوه لا تخفى على من تدبّر.

مع احتمال كون المراد منهما ما في الصحيح : في الرجل يقدم من غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصّر » (٣).

فلا دلالة فيهما على المطلوب إن لم يكن لهما دلالة على خلافه.

وللخلاف فخيّر مع استحباب التمام (٤) ، واحتمله في كتابي الحديث ؛ جمعا ، وللصحيح : « إذا كان في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، وإن أتمّ أحبّ إليّ » (٥).

ويتوجه إليهما النظر بعين ما مرّ ، غير القدح في السند ، ويبدّل باحتماله الحمل على التقية ـ كما قيل (٦) ـ لأنه مذهب بعض العامة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٣ / ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٧ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٣ / ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٥٨ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٧.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٤ ، الوسائل ٨ : ٥١٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٨.

(٤) الخلاف ١ : ٥٧٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٣ / ٥٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٥٩ ، الوسائل ٨ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٩ بتفاوت يسير.

(٦) قال به صاحب الوسائل ٨ : ٥١٥.

٣٩٤

ويزاد بعدم قبول بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع ؛ لتضمن الصحيح في الأول الحلف بالله إن لم يفعله فقد خالف ، والخبر في الثاني للفظ الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي ، وهما ينافيان التخيير.

ولبعض أفاضل متأخري المتأخرين فتوقّف بين القولين الأولين ، قال : لتعارض الصحيحين فيهما ، واحتمال كل منهما الحمل على الآخر (١).

وفيه نظر ؛ لأن حمل الأخير على الأول أظهر ، لكثرة العدد ، والموافقة للعمومات والإجماع المنقول ، مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير.

بخلاف الأوّل ؛ إذ الحمل المحتمل فيه هو صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضيّ مقدار الصلاة بالشرائط. وهو في غاية البعد عن السياق ؛ إذ الخروج إلى محل الترخص بعد دخول الوقت وهو في المنزل ـ كما هو نصّ المورد ـ يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا ، بل وأكثر ، ولا أقلّ من إحداهما قطعا ، مع أنه عليه‌السلام أمر بالقصر من غير استفصال من مضيّ مقدارهما أو إحداهما.

مع أن قوله : « فلا أصلّي حتى أخرج » كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج.

مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقدير الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه ، وهي دفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه ، إذ هو ليس محلّ توهم لأحد في صورة الحمل ، بل في صورة الظاهر.

ومع ذلك فقد اعترف هذا الفاضل بما ذكرنا ، فقال : إن الصحيح الثاني أقبل للتأويل ، بأن يكون المراد من قوله : « يدخل من سفره » قرب الدخول والمشارفة عليه ، وكأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى ،

__________________

(١) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٤١٥ ، ويظهر أيضا من الحدائق ١١ : ٤٨٠.

٣٩٥

وكذا المراد من قوله : « خرج من سفره » قرب الخروج ، وأراد به المقاربة من فعله ، لا الخروج حقيقة.

( وكذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت ) ولو بمقدار ركعة ، على المشهور بين المتأخرين كما في روض الجنان وغيره (١) ، حتى أن جملة منهم ممّن قال في المسألة الأولى بالقول الثاني وافق هنا كالشهيدين والفاضل في كتبه (٢) ، ولم يتوقف المتوقف السابق.

لعين ما مرّ حتى الإجماع المحكي ؛ مضافا إلى الصحيح : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ، ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها ، قال : « يصلّيها أربعا » وقال : « لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته » (٣).

خلافا للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه فما مرّ من التفصيل (٤).

وفي الآخر ـ المحكي أيضا عن الإسكافي ـ فالتخيير (٥).

وعن قائل غير معروف فإطلاق لزوم التقصير (٦).

ومرّ مستند الجميع مع ما فيه.

( ولو فاتت اعتبر ) في القضاء ب ( حال الفوات لا حال الوجوب ) فيقضي على المختار قصرا في المسألة الاولى ، وتماما في الثانية ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : « فليقض ما فاته كما فاته » (٧).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٩٨ ؛ وانظر الذخيرة : ٤١٥ ، والحدائق ١١ : ٤٨٠.

(٢) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢١٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٧٦ ، العلامة في المنتهى ١ : ٣٩٦ ، ونهاية الإحكام ٢ : ١٦٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٢ ، الوسائل ٨ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٤١ ، التهذيب ٣ : ١٦٣ ، ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤٠.

(٥) حكاه عن الشيخ والإسكافي في الذكرى : ٢٥٧.

(٦) نقله في روض الجنان : ٣٩٨.

(٧) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ / ١٥٠ بتفاوت.

٣٩٦

والصحيح : قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ، قال : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » (١).

وعلى هذا الماتن هنا وفي المعتبر (٢) ، والفاضل فيما وقفت عليه من كتبه (٣) ، لكن أوجب في المسألة الأولى التمام بناء على أصله.

خلافا للمرتضى والشيخ والإسكافي (٤) ، فحال الوجوب ، واختاره الحلّي ، حاكيا له عن والد الصدوق في رسالته ، وادّعى لذلك عليه الإجماع واحتجّ عليه بعده بأمر اعتباري ضعيف (٥).

لكن في الخبر : عن رجل دخل عليه وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخّر الصلاة حتى قدم ، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله ، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتى ذهب وقتها ، قال : « يصلّيها ركعتين ، لأن الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك » (٦).

وهو صريح فيما ذكروه ، إلاّ أن في السند ضعفا بموسى بن بكر ، فلا يعارض ما مرّ ، إلاّ أن يجبر بفتوى من مرّ ، سيّما مع نقل الإجماع ووجود قرائن تدل على حسن حال الراوي ، ولا يخلو عن نظر ، لكنه يوجب التردد في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨٠.

(٣) راجع المختلف : ١٦٧ ، والمنتهى ١ : ٣٩٦ ، ونهاية الإحكام ٢ : ١٦٥ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٧٦ ، والقواعد ١ : ٤٩ ، والتذكرة ١ : ١٨٥.

(٤) نقله عن المرتضى والإسكافي في المعتبر ٢ : ٤٨٠ ، ويظهر من الشيخ في التهذيب ٣ : ١٦٣.

(٥) السرائر ١ : ٣٣٥.

(٦) التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥١ ، الوسائل ٨ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٣.

٣٩٧

المسألة ، وبه صرّح في الذخيرة (١) ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالجمع بين القصر والإتمام على حال.

( وإذا نوى المسافر في غير بلده عشرة أيام ) ولو ملفّقة من الحادي عشر بقدر ما فات من أوّلها على الأقوى ( أتمّ ) بإجماعنا ، بل الضرورة من مذهبنا والمتواتر من أخبارنا (٢).

( ولو نوى دون ذلك قصّر ) ولو كان خمسة أيام فصاعدا ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة أصحابنا كما في المنتهى (٣) ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر عبائر كثير (٤).

لمفهوم الصحاح المستفيضة وغيرها ، بل صريح جملة منها مستفيضة ، ففي الصحيح في صيام المسافر ، قال : « لا ، حتى يجمع على مقام عشرة أيام » (٥).

وفي الخبر : « إذا قدمت أرضا وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم وأتمّ ، وإن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر ، فإذا أتمّ الشهر فأتموا الصلاة والصيام وإن قلت : أرتحل غدوة » (٦).

خلافا للإسكافي فيتمّ في خمسة (٧) ؛ للصحيح (٨) ، وهو مع قصوره‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤١٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥.

(٣) المنتهى ١ : ٣٩٦.

(٤) منها : الخلاف ١ : ٥٧٤ ، والمدارك ٤ : ٤٦٢ ، وشرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).

(٥) الكافي ٤ : ١٣٣ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٣ / ١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٣.

(٧) كما نقله عنه في المختلف : ١٦٤.

(٨) التهذيب ٣ : ٢١٩ / ٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٤٩ ، الوسائل ٨ : ٥٠١ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٢.

٣٩٨

دلالة شاذّ محمول على التقية ، كما ذكره جماعة (١) ، أو على من كان بمكة والمدينة ، كما ذكره شيخ الطائفة (٢) ، للصحيح الآخر لراويه (٣) ، وفيه نظر ، مع أن المستفاد من بعض الصحاح المتقدمة في بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيهما للتقية (٤).

ولا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية ، ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره ، على ما يقتضيه إطلاق النصّ والفتوى ، وبه صرّح جماعة (٥) ، من غير خلاف بينهم فيه أجده.

والمراد بنية الإقامة تحقق المقام في نفسه ، كما يقتضيه نحو الصحيح : « إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول : غدا أخرج أو بعد غد ، فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك » (٦).

وعليه فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا ، ومن أوقفها على قضاء حاجة يتوقف انقضاؤها عليها. ومثله ما لو علّق النية على شرط ، كلقاء رجل فلاقاه.

وهل يشترط التوالي في العشرة بمعنى أن لا يخرج من محل الإقامة إلى محل الرخصة مطلقا ، كما عليه الشهيدان (٧) ، أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفا‌

__________________

(١) منهم : صاحب الوسائل ٨ : ٥٠١ ، والحدائق ١١ : ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٠ / ٥٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٥٠ ، الوسائل ٨ : ٥٠٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٦.

(٤) راجع ص ٣٧٤ و٣٧٥.

(٥) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٨ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٦ ، صاحب المدارك ٤ : ٤٦١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ / ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٧٤٧ ، الوسائل ٨ : ٥٠٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

(٧) الشهيد الأول في البيان : ٢٦٦ ، والشهيد الثاني في رسائله : ١٩٠.

٣٩٩

وإلاّ فلا يشترط ، كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا ، أو لا يشترط مطلقا حتى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثر في نية إقامته ، كما عن فخر المحققين (١) ، وربما يحكى أيضا عن والده (٢)؟ أوجه وأقوال.

خيرها أوسطها ، وفاقا لجماعة من محققي متأخري المتأخرين (٣) ؛ لعدم ورود نصّ شرعي في تحقيق معنى الإقامة ، فيرجع فيه إلى ما يعدّ إقامة عرفا وعادة.

واعتبار حدّ الرخصة في كل من الخروج والدخول من السفر لا يستلزم اعتباره حال قصد الإقامة ، مع أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي. وتقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا حقيقة شرعية لذلك اللفظ ، لا شرطا شرعيا للحكم في بعض الموارد ، كما نحن فيه ؛ فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما ذكرنا ، لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الرخصة للفظها.

وبما ذكرنا ظهر ضعف الوجه الأول ، وكذا الثالث ؛ لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في التمام معه. نعم ، ربما يعضده بعض النصوص : استأمرت أبا جعفر عليه‌السلام في الإتمام والتقصير ، قال : « إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتمّ الصلاة » فقلت له : إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو‌

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في رسائله : ١٩١.

(٢) انظر المسائل المهنائية : ١٣٢.

(٣) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٠٩ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٦٠ ، والمحقق السبزواري في الكفاية ٣٣ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٦ : ٤٢ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٣٤٦.

٤٠٠