رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

سجودها بحذاء قدميك » (١).

وفي الخبر : عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد ومعهما النساء؟ قال : « يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلّفن النساء خلفهما » (٢).

وفي الصحيح (٣) وغيره (٤) : « إذا كان معهنّ غلمان فأقيموهم بين أيديهن وإن كانوا عبيدا ».

خلافا لجماعة بل الأكثر ، فلم يوجبوه (٥) ، بناء على ما اختاروه في مسألة محاذاة المرأة للرجل في الصلاة من الكراهة ، مؤذنين بكونها هنا قول كلّ من قال بها ثمة.

فإن تمَّ إجماعا مركبا فلا محيص عمّا ذكروه ، إلاّ أنه محل نظر ، فإنّ الفاضلين في كتبهما المسطورة مع اختيارهم الكراهة ثمة صرّحا بالوجوب في المسألة (٦) ، ولذا اعترض الجماعة خالي العلاّمة ـ أدام الله سبحانه أيامه ـ فقال على بناء هذه المسألة على تلك : كون البناء على ذلك محل تأمل ، لأن هيئة الجماعة وظيفة شرعية ، والظاهر من الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها ، فتأمل (٧).

أقول : لعلّ وجه التأمل هو قوة احتمال تحقّق الإجماع المركب. ولا ينافيه فتوى الفاضلين هنا بالوجوب مع تصريحهما ثمة بالكراهة ، لاحتمال تغير رأيهما‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٥٨ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٨ / ٧٦٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٩ / ١١٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٥٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ٣.

(٥) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٦٧ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢١ ، وج ٤ : ٣٧٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٩٥.

(٦) المحقق في الشرائع ١ : ١٢٦ ، العلامة في المنتهى ١ : ٣٧٦.

(٧) الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك ( المدارك الطبع الحجري ) : ٢٤٠.

٣٠١

هنا ، كما هو الظاهر من المنتهى ، حيث صرّح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضا ، فإنه ـ بعد أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذتها في صلاة العصر لإمامها ـ قال ما لفظه : ووجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذا الموقف فيختص الفساد بها ، لكن لما بيّنّا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب (١).

ومع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية : « أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ الله تعالى » (٢) مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها ليست من طرقنا فلا تعويل عليها.

وكلماته هذه كما ترى صريحة في تغير رأيه ، لا القول بالفصل ، فيحتمل قويا أن يكون بناؤه في غير الكتاب كذلك.

وكذا الماتن هنا وفي الشرائع ، مع أنه فيه كغيره صرّح في تحرير تلك المسألة بما يعمّ صورتي الانفراد والجماعة ، وقال بعد نقل القولين : أن الأشبه الكراهة.

وحيث تمَّ الإجماع المركب كان التأخر على الاستحباب ؛ لثبوته على المختار ثمة ، ويحمل الأخبار هنا على الكراهة ، كما حمل عليها نظيرها ثمة ، أو على التقية ؛ لموافقتها سيّما الصحيحة الأخيرة لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى ، ومع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه ، سيّما في المسألة.

( التاسعة : إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين ) جلس حتى إذا فرغوا من التشهد ( أومأ ) بيده ( إليهم ) يمينا وشمالا ( ليسلّموا ثمَّ يتم ) هو ( ما بقي ) عليه ، كما في الصحيحين (٣).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٤٢ ، ٢٤٣.

(٢) انظر المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٧.

(٣) الأول : الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ١.

٣٠٢

فإن لم يدر ما صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه ، كما في الصحيح (١).

وفي رواية : إنه يقدّم رجلا منهم ليسلّم بهم (٢). وحملها في المنتهى على الاستحباب (٣). وجعلها الشيخ أحوط (٤). وفيه إشكال ؛ لضعف السند ، وعدم المقاومة لما مرّ.

وقريب منه القول بالتخيير كما قيل (٥) ، وتجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ الإمام ليسلّم بهم ؛ لعدم وضوح مستندهما ، عدا الجمع بين النصوص للأول ، وفيه ما مرّ ، والقياس بصلاة الخوف للثاني ، ولا حجة فيه.

__________________

الثاني : الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٧ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧١ ، التهذيب ٣ : ٤١ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧٢ ، الوسائل ٨ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٣.

(١) الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٤ ، الوسائل ٨ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٤١ / ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ / ١٦٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ٥.

(٣) المنتهى ١ : ٣٨١.

(٤) كما في التهذيب ٣ : ٤١.

(٥) قال به صاحب الحدائق ١١ : ٢٢٠.

٣٠٣

( خاتمة ) :

في بيان جملة من أحكام المساجد

وذيّلت بها صلاة الجماعة لغلبة وقوعها فيها ، فناسب ذكرها هنا وإن كان مبحث مكان المصلي ـ كما فعله جماعة (١) ـ أولى.

وفضل اتخاذها والاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين ، بل من ضروريات الدين منصوص به في الكتاب الكريم( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢).

وفي الصحيح : « من بنى مسجدا بنى الله تعالى بيتا له في الجنة » (٣).

وفي ذيله وغيره (٤) الاكتفاء فيه بنحو مفحص قطاة أو تسوية أحجار.

و ( يستحب أن تكون المساجد ) المتخذة ( مكشوفة ) غير مظلّلة على المشهور ، كما في الصحيح : عن المساجد المظلّلة يكره المقام فيها؟

قال : « نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٥).

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٣١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠٠.

(٢) التوبة : ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٨ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٤ / ٧٤٨ ، الوسائل ٥ : ٢٠٣ أبواب أحكام المساجد ب ٨ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٤ ، الوسائل ٥ : ٢٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٨ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٥ ، الوسائل ٥ : ٢٠٧ أبواب أحكام

٣٠٤

وخصّ بعض المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش (١) ؛ للصحيح الآخر المتضمن لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له (٢). ولا بأس به إن لم يفهم منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.

نعم في المرسل : « أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد ، فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى » (٣).

لكنه مع قصور سند يحتمل تقييد إطلاق الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقة ، اللهم إلاّ أن يمنع عموم الصحيح السابق لنحو العريش ، بدعوى اختصاصه بحكم التبادر والعهد الخارجي بغيره ، سيّما إذا لو حظ ذيله وضمّ المرسل به ، فالتخصيص غير بعيد إن لم يتسامح في المستحب ودليله ، وإلاّ فالعموم أولى لاشتهاره.

وربما يفهم من الحلّي التأمل في هذا الحكم من أصله ، حيث نسبه إلى رواية ولم يفت به (٤).

( و ) أن تكون ( الميضاة ) وهي المطهرة للحدث والخبث ( على أبوابها ) بلا خلاف ؛ للنبوي الخاصي : « واجعلوا مطاهركم على أبواب‌

__________________

المساجد ب ٩ ح ٢ ، بتفاوت.

(١) كصاحب المدارك ٤ : ٣٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ / ٧٣٨ ، معاني الأخبار : ١٥٩ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٠٥ ، أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٧ ، الوسائل ٥ : ٢٠٧ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ٤.

(٤) السرائر ١ : ٢٧٨.

٣٠٥

مساجدكم » (١).

وفي المنتهى وروض الجنان وغير هما (٢) : ولئلاّ يتأذى الناس برائحتها.

وفي السرائر : ولا يجوز أن تكون داخلها (٣). وهو حسن إن سبقت مسجدية محلّها ، لا مطلقا ، كما ذكره جماعة (٤).

ويكره فيه الوضوء من البول والغائط ؛ للصحيح (٥). وربما حمل الوضوء فيه على المعنى اللغوي ، ولا وجه له بعد القول بثبوت الحقيقية الشرعية في أمثاله ، مع فتوى الأكثر به.

( و ) أن تكون ( المنارة مع حائطها ) على المشهور ، وفي النهاية : لا يجوز في وسطها (٦). وهو حسن إن تقدمت المسجدية على بنائها.

وفي الخبر : « لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » (٧).

واستدل به في المنتهى على المطلب ، واستحباب عدم تعليتها على الحائط (٨) ؛ كما أفتى به الأكثر.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٢ ، الوسائل ٥ : ٢٣١ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٣.

(٢) المنتهى ١ : ٣٨٧ ، روض الجنان : ٢٣٤ ؛ وانظر الذخيرة : ٢٤٩.

(٣) السرائر ١ : ٢٧٩.

(٤) منهم : الشهيد في الذكرى : ١٥٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٤٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٩ / ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ / ٧١٩ ، الوسائل ١ : ٤٩٢ أبواب الوضوء ب ٥٧ ح ١.

(٦) النهاية : ١٠٩.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١٠ ، الوسائل ٥ : ٢٣٠ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٢.

(٨) المنتهى ١ : ٣٨٧.

٣٠٦

وفي الدلالة على الأول نظر ؛ ولذا لم يستدل به عليه أحد ، بل علّل بأن فيه التوسعة ورفع الحجاب بين المصلّين ، وهو أيضا لا يخلو عن نظر.

( وأن يقدّم الداخل يمينه ويخرج بيساره ) عكس المكان الخسيس كما قالوه ؛ للنص : « الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت » (١).

( و ) أن ( يتعاهد نعله ) ويستعلم حاله عند دخوله ؛ استظهارا للطهارة ، وللمرتضوي : « تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم » (٢).

( و ) أن ( يدعو داخلا وخارجا ) بالمأثور في الموثق (٣) وغيره (٤).

( وكنسها ) وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة ؛ للرواية : « من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذرّ في العين غفر الله تعالى له » (٥).

( والإسراج فيها ) ليلا ؛ للخبر : « من أسرج في مسجد من مساجد الله تعالى إسراجا لم يزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٤٦ أبواب أحكام المساجد ب ٤٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٥ / ٧٠٩ ، الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ / ٧٤٤ ، الوسائل ٥ : ٢٤٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٣ / ٧٤٥ ، الوسائل ٥ : ٢٤٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٣ ، ثواب الأعمال : ٣١ ، أمالي الصدوق : ٤٠٥ / ١٥ ، الوسائل ٥ : ٢٣٨ أبواب أحكام المساجد ب ٣٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٤ / ٧١٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ / ٧٣٣ ، المقنع : ٢٧ ، المحاسن : ٥٧ / ٨٨ ،

٣٠٧

ولا يشترط تردّد المصلّين ؛ لإطلاق الفتوى والنص.

قيل : ولا يتوقف على إذن الناظر إذا كان من مال المسرّج ، وإذا كان من مال المسجد اعتبر ذلك ، ولو لم يكن ناظر استأذن الحاكم ، فإن تعذّر جاز ذلك لآحاد المسلمين (١).

( وإعادة ما استهدم ) بكسر الدال ، وهو المشرف على الانهدام ، فإنها في معنى عمارتها.

( ويجوز نقض المستهدم ) منها ( خاصة ) ، بل قد يجب إذا خيف من ضرر الانهدام.

ولا يشترط في جوازه العزم على الإعادة ؛ لأن المقصود دفع الضرر ، وإعادته مستحب آخر.

ويجوز النقض للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك وغيره (٢) ، لعموم( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٣) وللصحيح المتضمن لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به (٤).

وتردّد فيه الشهيدان (٥) ، وربما يفهم ميلهما إلى الجواز ، قالا : وعليه فلا ينقض إلاّ مع الظن الغالب بوجود العمارة.

( و ) كذا يجوز ( استعمال آلته ) من نحو الأحجار والأخشاب ( في غيره )

__________________

الوسائل ٥ : ٢٤١ أبواب أحكام المساجد ب ٣٤ ح ١.

(١) المدارك ٤ : ٣٩٧.

(٢) المدارك ٤ : ٣٩٦ ؛ وانظر المسالك ١ : ٤٦.

(٣) التوبة : ٩١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ / ٧٣٨ ، معاني الأخبار : ١٥٩ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

(٥) الذكرى : ١٥٧ ، روض الجنان : ٢٣٥.

٣٠٨

( من المساجد ) خاصة ، إمّا مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها ، أو إذا استهدم ولم يتمكن من إعادته كما في السرائر والمنتهى (١) ، لكن لم يذكر فيه الأخير قيدا.

وذكر شيخنا في الروض والمسالك (٢) جوازه مع استغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فيه ، أو كون الثاني أحوج ، لكثرة المصلّين ، حاكيا له عن الذكرى ، قال : للمصلحة ، ولأن المالك هو الله تعالى ، وأولى بالجواز صرف غلّة وقفه على غيره بالشرط ، ولا يجوز لغير ذلك.

وزاد في المسالك : وليس كذلك المشهد ، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر ، ولا صرف مال مسجد إليه مطلقا.

والتعليل الثاني مذكور في المنتهى ، وهو كما ترى.

وفي المدارك بعد نقله : إن للنظر في هذا الحكم من أصله مجالا ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد ؛ لتعلق النذر أو الوقف بذلك المحل المعين ، فيجب الاقتصار عليه ، نعم لو تعذر صرفه إليه أو علم استغناؤه عنه في الحال والمآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد ، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة ، لأن ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف ، فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا ، وما على المحسنين من سبيل (٣). انتهى. ووافقه في الذخيرة (٤).

وهو حسن ، إلاّ أن ما احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٩ ، المنتهى ١ : ٣٨٩.

(٢) روض الجنان : ٢٣٥ ، المسالك ١ : ٤٧.

(٣) المدارك ٤ : ٣٩٦.

(٤) الذخيرة : ٢٤٩.

٣٠٩

يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعيّن محل نظر ، بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله ، مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف ونظره.

( ويحرم زخرفتها ) أي نقشها بالذهب ( ونقشها بالصور ) مطلقا (١) ، على ما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والمنتهى والشهيد في الذكرى (٢) وعلّلوه بأن ذلك لم يعهد في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد الصحابة فيكون بدعة ، وبالخبر : عن الصلاة في المساجد المصوّرة ، فقال : « أكره ذلك ولكن لا يضرّكم اليوم ، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٣).

وهما كما ترى ، لضعف الأول بما لا يخفى. والثاني سندا ، بل ودلالة ، لأعمية الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده ؛ مع أن المنهي عنه فيه على تقدير تسليمه إنما هو الصلاة فيه ، لا نفس التصوير ، فتأمل. ومع ذلك فهو نصّ في نفي المنع الآن.

وبالجملة : فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى ، نعم لا بأس بالكراهة مسامحة في أدلتها ، وهو خيرة جماعة (٤) ، إلاّ أن نقول بحرمة التصوير في غير المساجد ففيها أولى.

( وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك ) لأن الوقف للتأبيد وقد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها ( و ) عليه ف ( يعاد لو أخذ ) وكذا لو أخذ ملكا أو جعل طريقا. ولا خلاف في المقامين يعرف ، ويفهم من روض‌

__________________

(١) أي : بالذهب أو غيره ، ذات روح كانت الصورة أو غيرها.

(٢) الشرائع ١ : ١٢٧ ، الإرشاد ١ : ٢٥٠ ، المنتهى ١ : ٣٨٨ ، الذكرى : ١٥٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ / ٧٢٦ ، الوسائل ٥ : ٢١٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١.

(٤) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ١٥٦ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٥٦ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٠٤.

٣١٠

الجنان (١).

( وإدخال النجاسة فيها ، وغسلها فيها ) لو تلوثت بها ، إجماعا على الظاهر ، المحكي في ظاهر الذكرى ، وفيها بعد الحكم : قاله الأصحاب ؛ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (٢) ولأن كراهية الوضوء من البول والغائط يشعر به ، ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي ، والظاهر أن المسألة إجماعية ؛ ولأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتطهير مكان البول (٣) ؛ ولظاهر قوله تعالى( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٤) وللأمر بتعاهد النعل. نعم الأقرب عدم تحريم إدخال نجاسة غير ملوثة للمسجد وفرشه ؛ للإجماع على جواز دخول الصبيان والحيّض من النساء جوازا مع عدم انفكاكهم من نجاسة غالبا ، وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن التلويث (٥).

وعلى منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، غير أنه لم يدّع الإجماع على أصل الحكم ، وجعل ما استقربه من عدم التحريم مع عدم التلويث مذهب الأكثر (٦).

ولعلّه كذلك بين المتأخرين ، بل لم أقف فيهم على مخالف ، فلعلّه عليه عامتهم ، كما صرّح به بعضهم (٧) ، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه ، فلا بأس به.

__________________

(١) روض الجنان : ٢٣٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف : ٦ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٥.

(٤) التوبة : ٢٨.

(٥) الذكرى : ١٥٧.

(٦) روض الجنان : ٢٣٨.

(٧) مفاتيح الشرائع ١ : ١٠٥.

٣١١

وإن كان المنع مطلقا أحوط ؛ لدعوى الحلّي الإجماع عليه كما حكي (١) ، وقوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة وإن اختصت بالمشركين خاصة ، لظهورها في أن علّة المنع هي النجاسة ، وهي جارية في مفروض المسألة ، ونحوها الرواية النبوية وإن كانت مرسلة ، لأنها بموافقتها لها منجبرة ، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث وعدمه.

وليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع أفرادها حتى التي لم يتحقق فيها الإجماع وكانت محل النزاع ؛ لأن غاية تلك الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية والرواية. وتتميمها بالإجماع المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث ، اللهم إلاّ أن يدّعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في غيرها ، وهو في غاية القوة.

مع إمكان المناقشة في دلالة الآية والرواية :

أما الأولى فلعدم معلومية المراد ممّا فيها من لفظ النجس هل هو المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح ، ولا يتم دلالتها إلاّ بالثاني ، وهو غير معلوم ، بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله ، وتعيينه بتفريع « فلا يقربوا » عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين ، فلا ينافيه ، فتأمل.

وأما الثانية فلاحتمال المساجد في مواضع الجبهة ، مع أنها ضعيفة السند ، والآية بعد المناقشة في دلالتها أيضا لا تصلح للجبر.

وحيث ضعف الاستناد إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الإجماع ، وليس في مفروضنا لا محقّقا ولا محكيا ، عدا إجماع الحلّي.

وفي الخروج بمجرده عن الأصل القطعي المعتضد بعمل الأكثر ، بل عامة من‌

__________________

(١) حكاه عنه في الذخيرة : ٢٥٠.

٣١٢

تأخر كما مرّ نظر ، مع أنه معارض بنقل الشهرة في روض الجنان على خلافه بقول مطلق ، وهي وإن لم تصلح للحجية إلاّ أنها موهنة للإجماع المحكي إذا كانت محققة فكذا إذا كانت منقولة ، وسيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محقّقة ، وبظن الاستقراء المتقدم إليه الإشارة ، فمختار المتأخرين في غاية القوة.

( وإخراج الحصى منها ويعاد ) إليها أو إلى غيرها من المساجد ( لو أخرج ) كما في الخبر : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها أو في مسجد آخر ، فإنها تسبّح » (١).

وظاهره وإن أفاد وجوب الردّ المستلزم للمنع عن الإخراج فحوى ، مع عدم القائل بالفرق ، وعليه الفاضلان هنا وفي الشرائع والإرشاد والشهيدان في اللمعة وروض الجنان (٢) ، إلاّ أنه ضعيف السند ، فلا يمكن الخروج به عن الأصل. نعم ، لا بأس بالكراهة ، كما عليه جماعة منهم أكثر هؤلاء في المعتبر والتحرير والمنتهى والدروس والذكرى (٣) ، حاكيا لها عن الشيخ أيضا ، مسامحة في أدلّتها.

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين ما لو كان جزءا من المسجد أو آلاته أو قمامة.

خلافا لجماعة فقيّدوه بالأول (٤) ؛ ولعلّه للجمع بين النصوص هنا وما مرّ‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٤ / ٧١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١١ ، علل الشرائع : ٣٢٠ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٣٢ أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ٤.

(٢) الشرائع ١ : ١٢٨ ، الإرشاد ١ : ٢٥٠ ، اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٢١٩ ، روض الجنان : ٢٣٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٥٢ ، التحرير ١ : ٥٤ ، المنتهى ١ : ٣٨٨ ، الدروس ١ : ١٥٦ ، الذكرى : ١٥٦.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٣٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠١.

٣١٣

في استحباب الكنس. وفي تعيينه نظر ؛ لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى ، فتأمل جدّا.

( وتكره تعليتها ) اتباعا لسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ مسجده كان قامة ، كما في الصحيح (١) ( وأن تشرّف ) أي يعمل لها شرف بضم الشين وفتح الراء ، جمع شرفة بسكون الراء ، والمراد بها ما يجعل في أعلى الجدران ؛ للخبر : « إن المساجد لا تشرّف بل تبنى جمّا » (٢).

( أو تجعل محاريبها داخلة ) في الحائط كثيرا كما ذكره جماعة (٣) ، أو (٤) في المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية : « كان عليه‌السلام يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد ويقول : كأنها مذابح اليهود » (٥).

وينبغي تقييدها بسبقها على المسجدية ، وإلاّ حرمت ، كما صرّح به في روض الجنان (٦).

( أو تجعل طرقا ) على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد وإلاّ فيحرم ، وفي حديث المناهي المروي في الفقيه : « لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلّوا فيها ركعتين » (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ / ٧٣٨ ، معاني الأخبار : ١٥٩ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٠٥ أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٧ ، علل الشرائع : ٣٢٠ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢١٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ٢.

(٣) منهم الشهيدان في الذكرى : ١٥٦ ، والمسالك ١ : ٤٧.

(٤) في غير « ح » : و.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧٠٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ / ٦٩٦ ، علل الشرائع : ٣٢٠ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٣٧ أبواب أحكام المساجد ب ٣١ ح ١.

(٦) روض الجنان : ٢٣٦.

(٧) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٩٣ أبواب أحكام المساجد ب ٦٧ ح ١.

٣١٤

( ويكره فيها ) أيضا ( البيع والشراء ، وتمكين المجانين ) والصبيان ( وإنفاذ الأحكام وتعريف الضوالّ وإقامة الحدود ) ورفع الصوت ؛ للنهي عنها في المرسل (١) وغيره ، وفيه بعد النهي عن رفع الصوت : إلاّ بذكر الله تعالى (٢) ، قيل : لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ وإن كان الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه ، ومعه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة ، فإن المشهور كراهة الرفع مطلقا وإن كان في القرآن ، للأخبار المطلقة (٣).

وربما يقيّد الصبي بمن لا يوثق به ، أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على التنزه عن النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ، وذكر هذا التقييد شيخنا في روض الجنان عن بعض الأصحاب ساكتا عليه ، ولا بأس به.

واستدل فيه على كراهة إنفاذ الأحكام ـ زيادة على النص ـ بما فيه من الجدال والتخاصم والدعاوي الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد المتضاعف بسببه العصيان (٤).

لكن ظاهره عدم الكراهة ، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف والحلّي والفاضل في المختلف (٥) ، قالوا : لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام حكم في مسجد الكوفة وقضى بين الناس بلا خلاف ، ودكّة القضاء إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٩ / ٦٨٢ ، الخصال : ٤١٠ / ١٣ ، علل الشرائع : ١١٤ / ٢ ، الوسائل ٥ : ٢٣٣ أبواب أحكام المساجد ب ٢٧ ح ١.

(٢) المستدرك ٣ : ٣٨١ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ٢.

(٣) قال به العلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٣٤٩.

(٤) انظر روض الجنان : ٢٣٦.

(٥) الخلاف ٢ : ٥٨٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٧٩ ، المختلف : ٦٩٠.

٣١٥

يومنا هذا معروفة ، ولأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها ، لأن وضعها للطاعة ، وحملوا الرواية على وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.

( وإنشاد الشعر ) وقراءته ؛ للنبوي الخاصي الناهي عنه الآمر بأن يقال للمنشد : فضّ الله فاه (١).

وروي نفي البأس عنه في الصحيح (٢) ، ويحمل على الرخصة جمعا.

قال في الذكرى : ليس ببعيد حمله على ما يقلّ منه ويكثر منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبههما ؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (٣).

وألحق بعض الأصحاب به ما كان منه موعظة أو مدحا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أو مرثية للحسين عليه‌السلام أو نحو ذلك ؛ لأنه عبادة ولا ينافي الغرض المقصود من المساجد (٤).

ولا بأس بذلك كلّه وفاقا لجماعة من المتأخرين (٥) ؛ لذلك ، مع احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الإشعار يومئذ الخارجة عن هذه الأساليب ، وللصحيح : عن إنشاد الشعر في الطواف ، فقال : « ما كان من الشعر لا بأس به‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ / ٧٢٥ ، الوسائل ٥ : ٢١٣ أبواب أحكام المساجد ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٩ / ٦٨٣ ، قرب الإسناد : ٢٨٩ / ١١٤٣ ، الوسائل ٥ : ٢١٣ أبواب أحكام المساجد ب ١٤ ح ١.

(٣) الذكرى : ١٥٦.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ١٥١.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٤٠٢ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٠ : ٣٦٤ ، وصاحب الحدائق ٧ : ٢٨٩.

٣١٦

فلا بأس به » (١).

( وعمل الصنائع ) للصحيح الناهي عن سلّ السيف وبري النبل فيه ، معلّلا بأنه بني لغير ذلك (٢) ، ونحوه في التعليل غيره (٣) ؛ وهو دليل العموم وإن اختص المورد ببعض أفراده ، مع أنه نسبه في الذكرى إلى الأصحاب (٤) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

وذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف العبادة وإلاّ فالحرمة (٥) ، وهو كذلك.

( والنوم ) فيها من غير ضرورة ، قال في الذكرى : قاله الجماعة (٦).

مشعرا بدعوى الإجماع ، وتردّد فيه لولاه ، ولعلّه لعدم دليل عليه ، إلاّ ما قيل من رواية ضعيفة السند والدلالة (٧) ، معارضة بأقوى منها سندا ناف للبأس عنه فيما عدا المسجدين (٨) ولذا قيل بالكراهة فيهما خاصة (٩) ، مع أن في جملة من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٢ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٩ / ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ / ٧٢٤ ، الوسائل ٥ : ٢١٧ أبواب أحكام المساجد ب ١٧ ح ١.

(٣) علل الشرائع : ٣١٩ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢١٨ أبواب أحكام المساجد ب ١٧ ح ٣.

(٤) الذكرى : ١٥٧.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٣٧ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٠٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٢٥٠.

(٦) الذكرى : ١٥٧.

(٧) الكافي ٣ : ٣٧١ / ١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ / ٧٢٢ ، الوسائل ٧ : ٢٣٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٣.

(٨) الكافي ٣ : ٣٧٠ / ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ / ٧٢١ ، الوسائل ٥ : ٢١٩ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ٢.

(٩) انظر المدارك ٤ : ٤٠٣.

٣١٧

النصوص نفيه فيهما أيضا (١) ، فغير هما أولى ، لكنها محتملة للاختصاص بحال الضرورة كما يشهد به سياقها.

ومع ذلك فالكراهة مطلقا أولى ، بناء على التسامح في أدلتها ، والاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء ، مع احتمال كونها إجماعا كما يفهم من الذكرى ، وتحمل الروايات النافية للبأس على نفي الحرمة أو تأكد الكراهة ، أو الضرورة كما عرفته.

هذه (٢) في المطلق منها ، ويحمل المفصّل منها بين المسجدين وغير هما على تفاوت مراتب الكراهة شدّة وضعفا ، كلّ ذلك جمعا.

( ودخولها وفي الفم رائحة ) مؤذية من نحو رائحة ( البصل أو الثوم ) أو الكراث ؛ للنصوص المستفيضة (٣).

ويتأكد في الثوم حتى ورد : « أعد كلّ صلاة صلّيتها ما دمت تأكله » (٤) وحمله الشيخ على الكراهة المغلّظة ، قال : بدلالة الأخبار الأوّلة والإجماع الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب الإعادة (٥).

( وكشف العورة ) مع أمن المطّلع ، قالوا : لمنافاته التعظيم.

ويكره أيضا كشف السرّة والفخذ والركبة ، وفاقا لجماعة (٦) ، بل عن ظاهر النهاية القول بالحرمة (٧) ؛ للنبوية القائلة إن كشفها فيه من العورة (٨).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢١٩ أبواب أحكام المساجد ب ١٨ ح ١ ، ٤ ، ٥.

(٢) أي : هذه المحامل.

(٣) الوسائل ٥ : ٢٢٦ أبواب أحكام المساجد ب ٢٢.

(٤) التهذيب ٩ : ٩٦ / ٤١٩ ، الاستبصار ٤ : ٩٢ / ٣٥٢ ، الوسائل ٢٥ : ٢١٦ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٢٨ ح ٨.

(٥) راجع الاستبصار ٤ : ٩٢.

(٦) منهم : العلامة في المختلف : ١٦٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٣٧ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٥٥.

(٧) النهاية : ١٦.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٦٣ / ٧٤٢ ، الوسائل ٥ : ٢٤٤ أبواب أحكام المساجد ب ٣٧ ح ١.

٣١٨

ويمكن درج المذكورات في العبارة ، بأن يراد من العورة فيها ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة ، لأنه أحد معانيها.

وقتل القمل ، بل ينبغي دفنه في التراب ، كما في الصحيح (١) وغيره (٢) ، وهما وإن لم ينصّا على الكراهة بل على دفنه في التراب خاصة ، إلاّ أنهما مشعران بها ، مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا (٣).

( والبصاق ) وفي معناه التنخم ( فإن فعله ستره بالتراب ) للخبر (٤).

وفي آخر : « من وقّر بنخامته المسجد لقي الله تعالى يوم القيامة ضاحكا وأعطاه كتابه بيمينه » (٥).

وفي ثالث : « من تنخع في المسجد ثمَّ ردّها في جوفه لم يمرّ بداء في جوفه إلاّ أبرأته » (٦).

وبمعناهما أخبار كثيرة (٧).

( الرابع : في صلاة الخوف ) وأحكامها

والأصل في شرعيتها مطلقا (٨) ـ بعد إجماعنا وأكثر العامة ـ الكتاب والسنّة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ / ٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٨ / ٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٠ ح ٥.

(٣) الذكرى : ١٥٧.

(٤) المحاسن : ٣٢٠ / ٥٨ ، الوسائل ٥ : ٢٢٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ / ١٧٠٥ ، الوسائل ٥ : ٢٢٣ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ / ١٧٠٦ ، ثواب الأعمال : ١٨ ، الوسائل ٥ : ٢٢٣ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ١.

(٧) الوسائل ٥ : ٢٢١ ، ٢٢٣ أبواب أحكام المساجد ب ١٩ ، ٢٠.

(٨) أي حتى في حقّ غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. منه رحمه الله.

٣١٩

المستفيضة ، بل المتواترة ، قال الله سبحانه( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) الآية (١) ( وهي مقصورة سفرا ) إذا كانت رباعية إجماعا ( و ) كذا ( حضرا ) مطلقا ( جماعة وفرادى ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ؛ لإطلاق الآية المتقدمة في الجملة ؛ وقوله سبحانه ؛ ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (٢) الآية.

لبناء التقصير فيه على وصفين : السفر والخوف ، فإمّا أن يكون كلّ منهما سببا مستقلا ، أو لا ، وعليه إمّا أن يكون المجموع هو السبب ، أو أحد هما بشرط الآخر ، لا سبيل إلى ما عدا الأول ، لمخالفته بجميع شقوقه الإجماع ، إلاّ اشتراط التقصير في الخوف بالسفر ، وهو وإن لم يخالف الإجماع إلاّ أن تعيينه ترجيح من غير سبب ، فتعيّن الأول ، وعليه فيتم المطلب ، كذا قيل (٣) ، ولا يخلو عن نظر.

وللصحيح : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلة السفر الذي لا خوف فيه » (٤).

وأظهر منه بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد آخر : « إذا جالت الخيل وتضطرب بالسيوف أجزأت التكبيرة » (٥) لبعد الجماعة في هذه الحال.

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) النساء : ١٠١.

(٣) قال به الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٨٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٤ / ١٣٤٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ / ٩٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٣٣ أبواب صلاة الخوف ب ١ ح ١ بتفاوت.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٠٠ / ٩١٣ ، الوسائل ٨ : ٤٤٥ أبواب صلاة الخوف ب ٤

٣٢٠