رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

الخلاف.

ويعضده أيضا أنّ أحدا من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل الخلاف عنهما مع تصريح جملة منهم بالحكم كما ذكرنا ، كالفاضل نفسه في التذكرة والمنتهى والنهاية من غير نقل خلاف أصلا. وصاحب الذخيرة (١) مع استشكاله فيه بما قدمناه في بحث الشروط لم ينسب الخلاف إلى أحد أصلا ، بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ ومن تبعه جملة ، مشعرا بكونه بينهم إجماعيا ، وقد صرّح بعدم الخلاف فيه في الكفاية (٢).

وبالجملة : لم أر مخالفا فيه بالكلية ، والظاهر عدمه كما يفهم من عبائر المتعرضين للحكم في المسألة.

نعم ، ربما يفهم من عبارة القواعد المخالفة ، فإنه قال : لو صلّى الإمام في محراب داخل صحّت صلاة من يشاهده من الصفّ الأول خاصة ، وتصح صلاة الصفوف الباقية أجمع لأنهم يشاهدون من يشاهده (٣). انتهى.

وذلك فإن فرض المشاهدة في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن الإمام ، بناء على أن المحراب لا يسع غير الإمام ولا يكون مخروما غالبا ، فلا يمكن فرض مشاهد له في صفه.

لكن يمكن الذب عنه بحمله على غيره ، والتعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز ، ألا ترى إلى الذكرى قد تعرّض له ، فقال : ولو ولجها ـ أي المقصورة ـ الإمام وشاهده الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صحّ الائتمام ، وإلاّ فلا ، وأما الذين يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة ، لانتهاء‌

__________________

(١) الذخيرة : ٣٩٣.

(٢) الكفاية : ٣١.

(٣) القواعد ١ : ٤٦.

٢٨١

مشاهدتهم إليه (١).

وذلك فإن عبارته كالصريحة ، بل صريحة في أن المراد بالجناحين من في صف الإمام عن يمينه ويساره ، ومع ذلك فرض مشاهدتهما له ، ولا تكون إلاّ بولوجهما معه في المقصورة ، أو فرض كونها مخرومة.

ووجه صراحة هذه العبارة في حكم أصل المسألة ـ كما قدّمنا إليه الإشارة ـ هو تصريحها بالاكتفاء في الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد الإمام ، فإن خصصناهما بمن في صف الإمام كما هو ظاهر العبارة بل صريحها كما عرفته فالدلالة واضحة ، وكذا إن عمّمناهما لمن في الصف المتأخر عنه ، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد الإمام إنما هو عن يمينهما ويسارهما لا قدّامهما ، هذا.

وتعليله ـ كالفاضلين وغيرهما ـ صحة صلاة الصفوف المتأخرة عن الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام قرينة على حكمهم بالصحة في مفروض المسألة ، حيث لم يقيّدوا المشاهدة بوقوعها ممّن في الخلف لقدّامه ، بل تشمل ما لو وقعت عن الجانبين ، فتعمّ الصحة لمن هو مفروض المسألة ولو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره ، فإن العبرة بعمومه لا بخصوص مورده.

وما يقال من أنه لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة وأخذها قاعدة كلية مطلقا حتى لو حصلت بواسطة أو وسائط لكانت كافية ، فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ولا العروج في مقام التحقيق عليه ، لظهور إطباقهم عليها ، بل قال في المنتهى : إنه لا نعرف فيها خلافا (٢) ، مؤذنا بكونها بين الخاصة والعامة مجمعا عليها.

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٢.

(٢) المنتهى ١ : ٣٦٥.

٢٨٢

وبالجملة : لا أرى شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى. وأما من جهة النص فمشكل ؛ إذ لم أقف على ما يدل عليه منه عدا الصحيحة المتقدمة في بحث الشروط (١) ، ودلالتها عليه غير واضحة ، إلاّ أن يتمم بفهم الطائفة ، مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة ، هذا.

وفي الصحيح : « لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا » (٢).

وفي آخر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أصلي في الطاق يعني المحراب ، فقال : « لا بأس إذا كنت تتوسع به » (٣).

وفي هذا إشعار ، بل ظهور تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في المحراب ، إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية ، وإلاّ فلا تحصل من ولوجه في المحراب إلاّ التوسعة بنفس واحدة ، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته ، فتأمل.

( الرابعة : إذا شرع ) المأموم ( في نافلة فأحرم الإمام قطعها ) أي قطع المأموم النافلة ( إن خشي الفوات ) تحصيلا للجماعة التي هي أهمّ من النافلة ، على ما صرّح به الجماعة ، ويستفاد من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة ، إذ هو في معنى إبطال الفريضة ، فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة لدركها أولى.

وللرضوي : « وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصلّ الفريضة مع الإمام » (٤).

__________________

(١) راجع ص ٢٠٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٦ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٥٣ / ١١٤١ ، التهذيب ٣ : ٥٢ / ١٨٠ ، الوسائل ٨ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٢ / ١٨١ ، الوسائل ٨ : ٤٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٦١ ح ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، المستدرك ٦ : ٤٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ذيل حديث

٢٨٣

وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين خوف الفوات وعدمه ، كما هو ظاهر إطلاق الحلّي والمحكي في المختلف عن الشيخ والقاضي (١).

خلافا للأكثر فقيّدوه بالأول ، قالوا : ليحوز الفضيلتين. وهو أحوط ، سيّما على القول بمنع قطع النافلة اختيارا.

وعليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة ، أو الصلاة جملة؟

وجهان ، الظاهر الأول ، لأوفقيته بظاهر الرضوي والنصوص الآتية على ما سيأتي.

( ولو كان ) المأموم ( في فريضة ) وأحرم الإمام أو أذّن وأقام كما يستفاد من نصوص المقام ( نقل نيته ) من الفرض ( إلى النفل وأتم ركعتين ) بلا خلاف صريح ، بل عليه في ظاهر التذكرة وغيرها (٢) الإجماع ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح : عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلّي إذا أذّن المؤذن وأقام الصلاة ، قال : « فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام ولتكن الركعتان تطوعا » (٣).

وبمعناه الموثق (٤) والرضوي (٥) ، بزيادة فيه ، وهي : النهي عن قطع الفريضة وتعيين العدول إلى النافلة ، وفيهما ، وهي : تخصيصه بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به.

__________________

١.

(١) الحلي في السرائر ١ : ٢٨٩ ، المختلف : ١٥٩.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٤ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ١٥٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٩ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٤ / ٧٩٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٠ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٥١ / ١٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، المستدرك ٦ : ٤٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ١.

٢٨٤

وبالزيادة الأولى مضافا إلى عموم ما دلّ على حرمة إبطال الفريضة يضعّف ما في المختلف (١) عن الشيخ والقاضي من جواز القطع هنا مطلقا ، وقوّاه الشهيد في الذكرى أيضا (٢) ، لكن مع خوف الفوات لا مطلقا ، حاكيا له عن الشيخ في المبسوط أيضا.

ثمَّ إنّ هذا مع إمكان النقل ، وأما مع عدمه كأن دخل في الثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها ، أو قطع الفريضة من أصلها ، أو لا ذاك ولا هذا ، بل يبقى مستمرا أوجه ، استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها (٣) ، وهو أقوى ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم قطع الفريضة اختيارا على مورد النص والفتوى ، وليس منه هذا.

إلاّ أن يستدل على الثاني بفحوى ما دلّ على جواز القطع لإدراك فضيلة الأذان والإقامة ، فجوازه لإدراك فضيلة الجماعة أولى.

وهو على تقدير تسليمه أخص من المدّعى ؛ لاختصاص الجواز في الأذان بصورة خاصة ، دونه هنا ، فإنه يعمّها وغيرها ، إلاّ إن يتمّم بعدم القائل بالفرق ، ولا يخلو عن نظر.

واعلم : أنّ قوله ( استحبابا ) الظاهر رجوعه إلى المسألتين ، وإلاّ فلم يقل أحد بوجوب القطع المستفاد من ظاهر العبارة في أولاهما ، إلاّ أن يحمل الأمر فيها على الرخصة ، لوروده مورد توهّم الحرمة ، فلا يفيد سوى الإباحة ، وهو لا يستلزم الندب والفضيلة.

لكنه خلاف الظاهر ، بل لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة وإن‌

__________________

(١) المختلف : ١٥٩.

(٢) الذكرى : ٢٧٧.

(٣) انظر نهاية الإحكام ٢ : ١٥٩ ، والتذكرة ١ : ١٨٤.

٢٨٥

عبّر جملة منهم بالجواز المطلق ، لكون الظاهر إرادتهم منه الاستحباب لا الإباحة. وكيف كان فلا ريب في ثبوته ؛ لورود الأمر به في الرضوي ؛ مضافا إلى التسامح في أدلة السنن حيثما لا يحتمل التحريم كما نحن فيه.

( ولو كان ) المأموم قد دخل الفريضة وأحرم ( إمام الأصل قطعها ) استحبابا ( واستأنف ) الصلاة ( معه ) فيما ذكره الشيخ والحلّي وجماعة (١).

وحجتهم عليه غير واضحة ، عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق النصوص المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة ، ومع ذلك فالمسألة قليلة الجدوى والثمرة. وتردّد فيها الفاضلان ، بل قطع في المختلف والمنتهى بالحرمة (٢).

( ولو كان ) الإمام ( ممن لا يقتدى به استمر ) المأموم ( على حاله ) في المسألتين ، فلا يقطع النافلة ولا يعدل إليها من الفريضة ؛ للأصل ، مضافا إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي والموثقة المتقدمة.

( الخامسة : ما يدركه المأموم ) المسبوق بركعة فصاعدا مع الإمام من الركعات ( يكون أول صلاته ، فإذا سلّم الإمام أتمّ هو ما بقي ) عليه ، بإجماعنا الظاهر ، المنقول في ظاهر جملة من العبائر مستفيضا كالمعتبر والتذكرة والمنتهى ( ونهاية الأحكام ) (٣) وروض الجنان وغيرها (٤) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة جدا كغيرها ، وفي أكثرها الأمر بقراءة الحمد والسورة ، أو الحمد‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ١١٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٨٩ ؛ وانظر الذكرى : ٢٧٧ ، وروض الجنان : ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، والذخيرة : ٤٠١.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ٤٤٥ ، العلامة في المختلف : ١٥٩ ، المنتهى ١ : ٣٨٣.

(٣) ما بين القوسين ليست في « ش » و« م ».

(٤) المعتبر ٢ : ٤٤٦ ، التذكرة ١ : ١٨١ ، المنتهى ١ : ٣٨٣ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٣٤ ، روض الجنان : ٣٧٦ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٣٨٢.

٢٨٦

خاصة مع الضرورة أو مطلقا ، في الأوليين اللتين هما أخيرتا الإمام.

ففي الصحيح : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ، وإن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته الركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما » إلى أن قال : « وإن أدرك ركعة قرأ فيها فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب وسورة ثمَّ قعد فتشهد ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة » (١).

وفيه : عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال : « يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثمَّ يلحق الإمام » وعن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنهما لك الأوليان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » (٢).

وهل هذه القراءة على الوجوب أو الندب؟ قولان :

من ظاهر الأوامر فيها ، مضافا إلى عموم ما دلّ على وجوبها.

ومن عموم ما دلّ على سقوطها خلف الإمام المرضي المخصّص به العموم المتقدم ، وتحمل الأوامر على الندب جمعا ، ولا سيّما مع انضمامها في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦٢ ، التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ٣٨٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨١ / ١ ، التهذيب ٣ : ٤٦ / ١٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٤ ، الوسائل ٨ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٢.

٢٨٧

بعض النصوص بما هو للندب أو الكراهة قطعا ، مع أن في بعضها الأمر بالقراءة في النفس ، وهو غير القراءة الحقيقية ، فيكون هذا قرينة أخرى على الندب أيضا.

والأول أقوى ، وفاقا لأعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والحلبي والمرتضى بل الكليني والصدوق (١) أيضا ؛ لقوة أدلته ، وضعف معارضها :

فالأول : بمنع العموم ، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع. ولو سلّم فهو مخصّص بالأوامر هنا ، وهو أولى من حملها على الندب ، لأولوية التخصيص من المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.

والقرينة الأولى على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها ، وهو تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعا ، وبعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في الوجوب عن الصارف سليما.

وأما القرينة الثانية فممنوعة ؛ إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفاء بها ، كما شاع التعبير بها عنه في الأخبار ، ومنها ما ورد في الصلاة خلف المخالف (٢) مع الاتفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها ، ولو سلّم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة ملفوظا بها قرينة على استحبابها ، بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الإجماع قطعا ، وهو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٥ ، ٤٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٧ ، النهاية : ١١٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٥ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤١ ، الكليني في الكافي ٣ : ٢٨١ ح ٤ ، الصدوق في المقنع : ٣٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٥ ، التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ / ١٦٦٢ ، الوسائل ٨ : ٣٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٤.

٢٨٨

وبالجملة : فالقول الثاني ـ كما عليه الحلّي والفاضل في جملة من كتبه كالتذكرة والمختلف والمنتهى وغيرهما (١) ـ ضعيف جدا.

وهل الإخفات هنا ولو في الجهرية على الوجوب ، كما هو ظاهر الصحيحة الاولى (٢) وغيرها (٣) ، وصريح المرتضى (٤)؟

أو الندب كما يقتضيه الأصل ، وخلو باقي النصوص عنه ، وقوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا؟

وجهان ، أحوطهما الأول ، إلاّ مع عدم المتابعة بأن خرج الإمام عن الصلاة وقام المأموم إلى الركعة التي يجب عليه الجهر فيها بالقراءة ، فالأحوط الجهر وإن احتمل العدم ضعيفا بتخيل اختصاص ما دلّ على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا هذا ، لكن لا وجه لرجحان الإخفات هنا.

ثمَّ إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما ، وإلاّ فالحمد خاصة مع إمكانها بلا إشكال ؛ لتصريح الصحيحة به وغيرها كالرضوي وغيره (٥).

ويشكل مع عدم التمكن منها أيضا ، فهل يأتي بها وإن فاته الركوع فيقرؤها ويلحق الإمام في السجود ، أم يتابعه في الركوع ويتركها؟

وجهان ، أجودهما الثاني كما بيّنته في الشرح مستوفى. ولكن مراعاة‌

__________________

(١) الحلي في السرائر ١ : ٢٨٦ ، التذكرة ١ : ١٨٢ ، المختلف : ١٥٩ ، المنتهى ١ : ٣٨٤ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٢٦.

(٢) المتقدمة في ص : ٢٨٧.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٩١ ، ١٩٢ المستدرك ٦ : ٤٨٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ١ ، ٤.

(٤) انظر جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٤ ، دعائم الإسلام ١ : ١٩٢ ، المستدرك ٦ : ٤٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٨ ح ٤.

٢٨٩

الأول أحوط وأولى بأن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيره للركوع إذا عرف عدم التمكن منها ، وإن دخل قبل ذلك فليقرأ منها الممكن ثمَّ ليتابعه في الركوع ويعيد الصلاة احتياطا.

وإذا جلس الإمام للتشهد وليس له محل للتشهد تجافى ولم يتمكن من القعود كما في الصحيح المتقدم وغيره (١).

وهل هو على الوجوب كما هو الظاهر منهما ، وعليه الصدوق (٢)؟

أم الندب ، كما هو ظاهر الأكثر ؛ للأصل ، وخلو كثير من النصوص عنه ؛ مع الأمر بالقعود في الموثق : عن رجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه قال : « لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته » (٣)؟

وجهان ، أحوطهما الأول إن لم نقل بكونه المتعين ؛ لقوة مستنده بالإضافة إلى مقابلة بالأخصّية والصحة والتعدّد فيخص به الأصل والنص ، ويحمل القعود على ما يقابل القيام في الموثق.

مع أنه لا بدّ فيه من ارتكاب خلاف ظاهر ؛ إذ لا قائل بوجوب القعود الحقيقي ولا استحبابه ، فحمله عليه موجب لشذوذ الموثق وندرته ، أو صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة والرخصة ، وهو ليس بأولى من حمل‌

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٠٠ / ١ ، المستدرك ٦ : ٥٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٢) انظر الفقيه ١ : ٢٥٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٦ / ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٧٢ / ٧٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٣.

٢٩٠

القعود فيه على ما ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى. وعليه فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح وغيره عن ظاهره بمجرده ، مع اعتضاد هما بغيرهما كالصحيح : « من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا » (١).

وكيف كان لا ريب أن التجافي أولى.

ويأتي بالتشهد استحبابا ؛ لأنه بركة ، كما في المعتبرين (٢).

خلافا لجماعة فمنعوه عنه (٣) ، وأثبت بعضهم بدله التسبيح (٤) ، ولعلّه أحوط وإن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر الموظّف ، بل قصد به الذكر المطلق.

وإذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي ثمَّ يلحقه ، كما مرّ في الصحيح.

وينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في الموثق (٥) ، ويأتي بقنوت نفسه ؛ للعموم.

( السادسة ) : المأموم ( إذا أدركه ) أي الإمام ( بعد انقضاء الركوع ) الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه ( كبّر وسجد معه ) بغير ركوع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١١٦٨ ، الوسائل ٨ : ٤١٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٧ ح ٢.

(٢) الأول : التهذيب ٣ : ٥٦ / ١٩٦ ، المحاسن : ٣٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ١.

الثاني : الكافي ٣ : ٣٨١ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٧٠ / ٧٧٩ ، الوسائل ٨ : ٤١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٦ ح ٢.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ١١٥ ، الحلبي في الكافي : ١٤٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٠٠.

(٤) كالشيخ في النهاية : ١١٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١٥ / ١٢٨٧ ، الوسائل ٦ : ٢٨٧ أبواب القنوت ب ١٧ ح ١.

٢٩١

( فإذا سلّم الإمام استقبل ) المأموم الصلاة واستأنفها من أوّلها بلا خلاف ، إلاّ من الفاضل في المختلف ، فتوقف في استحباب الدخول (١) ؛ لورود النهي عنه في الصحيح (٢).

وفيه ـ بعد تسليم العمل به مع أنه خلاف الأظهر الأشهر كما مرّ في بحثه ـ أنّ المراد به الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة ، لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة ، كما يفصح عنه تبديل النهي عن الدخول ب « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام » في الصحيح الآخر لراوي الأول (٣) ، مع تصريح ثالث له أيضا بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام وهو في السجدة الأخيرة (٤) ، وهو شامل للمسألة بالأولوية.

وما ذكرناه من الأجوبة أولى ممّا في المدارك من حمل النهي على الكراهة (٥) ؛ إذ ليس فيها منافاة لما ذكره العلاّمة من القدح في استحباب الدخول ، كما عليه الجماعة حاكمين بأنه يدرك به فضيلة الجماعة ، بل هو ضعيف.

وأضعف منه ميله إلى موافقة العلاّمة ، معلّلا بعدم ثبوت التعبد بما عليه الجماعة ؛ لما عرفت من ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة ، وفي موردها بالصراحة ، وقد اعترف هو بها في تلك المسألة. ونحوها ما سيأتي من المعتبرة.

__________________

(١) المختلف : ١٥٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٧٧ ، الوسائل ٨ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٧ / ١٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

(٥) المدارك ٤ : ٣٨٥.

٢٩٢

هذا مضافا إلى صريح الخبر في المسألة المنجبر ضعف سنده وقصر دلالته بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتدّ بها » (١).

ومن ظاهر الشيخ والحلّي (٢) ؛ فلم يوجبا الاستيناف ؛ قيل : لاغتفار الزيادة في المتابعة (٣).

وهو حسن مع وجود الدليل عليه ، وليس لا من إجماع كما هو ظاهر ، ولا من نصّ ، إذ لم نقف عليه عدا ما مرّ ، وليس فيه عدا بيان إدراك فضيلة الجماعة ، وهو لا يلازم اغتفار الزيادة.

إلاّ أن يجعل السكوت عن الأمر بالاستيناف دليلا على عدم لزومه ؛ لورود النصّ مورد الحاجة.

لكن في الخروج بمثله عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بالزيادة من الاعتبار والرواية ـ كما عرفته غير مرّة ـ مناقشة ، سيّما مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله : « ولا تعتدّ بها » في الرواية الأخيرة ، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، فتوافق المختار من عدم الاغتفار ، بل استدل بها عليه كما ذكره جماعة من الأصحاب (٤).

لكنه ضعيف ؛ لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا ، فلا ينافي ما عليه الشيخ ومن تبعه ؛ مع أن هذا الاحتمال أولى ، لكون المرجع عليه مذكورا قبل الضمير صريحا ، بخلاف الأول ، لعدم سبق ذكر له قبله إلاّ ضمنا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٦ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٢.

(٢) الشيخ في النهاية : ١١٥ ، والمبسوط ١ : ١٥٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٨٦.

(٣) الذكرى : ٢٧٥ ، المدارك ٤ : ٣٨٥.

(٤) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٣٣٤ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٢٥٢.

٢٩٣

( وكذا ) الكلام فيما ( لو أدركه بعد السجود ) فيستحب له المتابعة له فيه ويستأنف الصلاة صلاة من أوّلها.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكمين بين الإدراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو قبله.

ولا إشكال في الحكم الأول على التقديرين ، ولا خلاف فيه أيضا إلاّ ممّن سبق ، ويضعّفه ـ زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرّح بدرك فضيلة الجماعة والإمام في السجدة الأخيرة ـ القويّ المروي في الفقيه كما يأتي.

والموثق : في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه ، قال : « لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته » (١).

والنبوي المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ : « إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدّوها شيئا » (٢).

والمقطوع : « إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس فإذا قمت فكبّر » (٣).

والأمر بالمتابعة ليس إلاّ لإدراك فضيلة الجماعة كما صرّحت به الصحيحة السابقة وجماعة (٤) ، وقصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة.

وأما النصوص المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق : عن رجل أدرك الإمام‌

__________________

(١) تقدّم مصدره في ص ٢٩٠.

(٢) أمالي الطوسي : ٣٩٩ ، الوسائل ٨ : ٣٩٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٤.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٧٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٨٦ والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٢.

٢٩٤

وهو جالس بعد الركعتين ، قال : « يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم » (١).

والخبر : « إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه ، وإن كان قاعدا قعدت وإن كان قائما قمت » (٢).

فغير مكافئة لمقابلتها من وجوه عديدة ، أعظمها اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع في الحقيقة ؛ لعدم عامل بهذه أجده إلاّ شيخنا الشهيد الثاني فعمل بها جامعا بينها وبين الأخبار السابقة بالتخيير ، مفضّلا للعمل بها على هذه (٣).

وهو حسن بعد المكافئة ، وهي مفقودة ، لرجحان تلك بما عرفته ؛ مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة وهو لا يقول بها ، وتنزيلها على ما ذكره فرع حجة هي في المقام مفقودة.

وقريب منه في الضعف ما عن التذكرة وفي غيرها (٤) من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلاّ بإدراك السجدة الأخيرة ؛ لضعفه بما عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها ، وقد مرّ أنه ليس إلاّ لإدراك الفضيلة.

مضافا إلى صريح القوية المروية في الفقيه في حديث قال : « ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد معه ولم يعتدّ بها ، ومن أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدرك وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٤ / ٧٩٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧١ / ٧٨٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٥.

(٣) انظر روض الجنان : ٢٧٨.

(٤) التذكرة ١ : ١٨٣ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ١٦٧.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٥ / ١٢١٤ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

٢٩٥

واحتمال كون هذه العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة (١).

وبصريحها مضافا إلى ظواهر الروايات السابقة يعدل عمّا ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة من انحصار إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في السجدة الأخيرة.

ولا في الحكم الثاني (٢) أيضا على التقدير الثاني (٣) على المختار في المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة ؛ إذ لا فرق بين المسألتين إلاّ من حيث كون الزائد ثمّة ركنا وهنا غيره ، وهو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد الزيادة ؛ فإنه مبطل مطلقا على ما تقتضيه القاعدة العقلية والنقلية كما عرفته غير مرّة ، فما في الروضة (٤) من الاغتفار هنا لا ثمة لا أعرف وجهه ، ويأتي على قول الشيخ (٥) الاغتفار هنا أيضا ، بل بطريق أولى.

ويشكل على التقدير الأول (٦) ؛ لعدم زيادة فيه مبطلة إلاّ التشهد ، وهو بركة كما مرّ في المعتبرة. هذا إن حصل فيه المتابعة ، وإلاّ فليس إلاّ القعود خاصة ، وهو غير مبطل بلا شبهة ، كما يفصح عنه الأمر به في المسبوق حيث لم يكن له محل للتشهد.

نعم ، في المقطوعة السابقة الأمر بإعادة التكبيرة. وقطعها يمنع عن العمل بها في المسألة ، مع أني لا أجد قائلا بها ولا أعرف ، مع أنها معارضة بالموثقة الأولى المتقدمة ، لظهورها ، بل صراحتها في عدم لزوم الإتيان بالتكبيرة ،

__________________

(١) منهم : الفيض الكاشاني في الوافي ٨ : ١٢٣٠.

(٢) وهو وجوب استيناف الصلاة.

(٣) وهو إدراك الإمام قبل رفع رأسه من السجدة الأخيرة.

(٤) الروضة ١ : ٣٨٤.

(٥) راجع ص ٢٩٣.

(٦) وهو : إدراك الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة.

٢٩٦

لقوله : « فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته ».

وبالجملة : فعدم الاستيناف هنا أقوى.

ويمكن أن يقيّد العبارة بصورة الإدراك في السجود لا بعده ، أو يقيّد التشبيه بالحكم الأول وهو استحباب الدخول ، لا الثاني وإن أو همته العبارة ، وعلى هذا التنزيل فلا مخالفة.

( السابعة : يجوز ) للمأموم ( أن يسلّم قبل الإمام مع العذر ) كنسيان أو عروض حاجة يخاف فوتها ( أو نية الانفراد ) بلا خلاف أجده ، بل في المدارك والذخيرة : أنه مقطوع به بين الأصحاب (١) ، مؤذنين بالإجماع عليه ، كما صرّح به المرتضى في الناصرية في التسليم قبله نسيانا (٢) ، والفاضل في المنتهى في مطلق العذر مع نية الانفراد مطلقا (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافا إلى فحاوي الإجماعات الآتية والصحاح الصراح ، منها : في الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام ، قال : « ليس عليه بذلك بأس » (٤).

ومنها : في الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلّم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب » (٥).

ومنها : عن الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال : « يسلّم وينصرف ويدع الإمام » (٦).

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٨٧ ، الذخيرة : ٤٠٢.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

(٣) المنتهى ١ : ٣٨٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٨٩ ، الوسائل ٨ : ٤١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٧ / ١١٦٣ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٥ ، الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٦ ، قرب الإسناد : ٢٠٧ / ٨٠٣ الوسائل ٨ : ٤١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

٢٩٧

وإطلاق جملة منها يقتضي جواز المفارقة في ضرورة وغيرها ، بنيّتها وعدمها ، كما هو ظاهر الماتن في الشرائع وغيره (١) ، بل في روض الجنان والذخيرة (٢) نسب إلى ظاهر الأصحاب والجماعة مشعرين بدعوى الإجماع ، وهو الأقوى.

خلافا لظاهر المتن والذكرى (٣) فاعتبرا نيتها. ولم أعرف له وجها ، عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختيارا من غير نيتها ، فكذا هنا ، وهو كما ترى ؛ ووجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى (٤) ، لكنه خلاف الأشهر ، بل الأقوى ، فإني لم أقف على ما يدل عليه صريحا ، بل ولا ظاهرا ، مع إطلاق النصّ والفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقا ، فإنّ فيه تأييدا للعدم ، كما نبّه عليه شيخنا في روض الجنان (٥).

وفي جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتّها من غير ضرورة قولان ، أظهرهما نعم ، وفاقا للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من المبسوط حيث أفسد الصلاة بالمفارقة لغير عذر (٦) ، وهو غير صريح في المخالفة ، بل ولا ظاهر ظهورا يعتدّ به ، لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.

وكذا كلام السيّد في الناصرية : إن تعمّد سبقه إلى التسليم بطلت‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٢٦ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٤٤٨.

(٢) روض الجنان : ٣٧٩ ، الذخيرة : ٤٠٢.

(٣) الذكرى : ٢٧٨.

(٤) الذكرى : ٢٧٤.

(٥) روض الجنان : ٣٧٩.

(٦) المبسوط ١ : ١٥٧.

٢٩٨

صلاته (١) ، يحتمل التقييد بذلك أيضا.

وعن الخلاف الإجماع على الجواز (٢) ، كالفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التذكرة والنهاية (٣).

ولا حاجة لنا ـ بعد هذه الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفته ـ إلى الاستدلال بما ذكره جماعة من أمور لا تخلو عن مناقشة ، كأدلة القول بالمنع ، فإنها قاصرة ، عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، ويجاب عنها بحصولها بما عرفته.

وأما الاستدلال للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث ما لو أحدث الإمام قدّم من ينوبه (٤) ، من حيث الأمر فيها بالاستنابة ، مع تصريح الصحيح منها بأنه : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام » (٥).

فغريب بعد ما عرفت ثمة من أن ذلك على جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب ، مع دعوى التذكرة عليه الإجماع (٦) ، مع احتمال عدّ ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة.

وحيث جازت المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها ، ولو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام ، أو إعادة السورة التي فارق فيها ، أو استيناف‌

__________________

(١) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٣٧.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٢.

(٣) المنتهى ١ : ٣٨٤ ، التذكرة ١ : ١٧٥ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٢٨.

(٤) راجع ص ٢٦١ و٢٦٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤٣ ، الوسائل ٨ : ٤٢٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٧٢ ح ١.

(٦) التذكرة ١ : ١٨١.

٢٩٩

القراءة من أوّلها ، أوجه ، أوجهها الأول ، وفاقا لروض الجنان (١) ؛ لأن قراءة الإمام كافية عنهما. وأولى بالإجزاء ما لو فارقه بعدها.

خلافا للذكرى فأوجب في الموضعين استينافها (٢) ، وهو أحوط وأولى.

وأحوط منه ترك الانفراد فيهما إن كان مختارا وإلاّ فما ذكرنا ، وأحوط من جميع ذلك عدم مفارقة الإمام اختيارا مطلقا ، واضطرارا من غير نيّتها.

( الثامنة : النساء يقفن من وراء الرجال ) أو الإمام الذي يؤمّهنّ ( فلو جاء رجال ) آخرون ( تأخرن ) عنهم ( وجوبا إن لم يكن لهم موقف أمامهنّ ) بلا خلاف في أصل الرجحان ، بل صريح الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى والتحرير (٣) الوجوب ، بمعنى توقف ( صحة ) (٤) صلاة لرجل على تأخرهن ، لا الوجوب بالمعنى المعروف ؛ لبعده على إطلاقه.

للأمر به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح (٥) ، والمرسل كالموثق (٦) : عن الرجل يؤمّ المرأة في بيته؟ قال : « نعم تقوم وراءه ».

وفيه : « المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة والتطوع وتأتمّ به » (٧).

وفيه : أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟ قال : « نعم ، تكون على يمينك يكون‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٧٨.

(٢) الذكرى : ٢٧٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٧٦ ، التحرير ١ : ٥٣.

(٤) ليست في « ش » و« م ».

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٥٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٥ ؛ ولا يخفى أن في سنده محمد بن سنان ، وهو ضعيف على المشهور ، وقال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح : هذه الرواية صحيحة عندي.

(٦) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٥ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٧٩ / ١٥٧٩ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ١.

٣٠٠