رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

هذا إن لم نقل بالمسامحة في أدلة السنن وإلاّ فلا بأس بالاستحباب كما هو الأشهر الأقوى.

وأما القول بالوجوب فضعيف غايته ، وأضعف منه القول بالحرمة.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النصوص جواز القراءة في هذه الصورة مطلقا ولو مع سماع الهمهمة ؛ لصدق عدم سماع القراءة معه ، ونحوها إطلاق كثير من عبائر القدماء (١).

خلافا لصريح العبارة وجماعة (٢) ، فقيّدوه بصورة عدم سماع الهمهمة ؛ للصحيح : « وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (٣).

وهذا أقرب ؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد ، سيّما وأنّ محل المقيد أظهر أفراد المطلق ، فتأمل.

واعلم : أنّ الأحوط للعبادة ترك القراءة فيما عدا هذه الصورة مطلقا ، سيّما في الصلاة الجهرية ، للإجماع على السقوط فتوى ودليلا كما مضى ، مع سلامة الأدلة المانعة في الجهرية عمّا يصلح للمعارضة ، سوى الموثقة المتقدمة. وفي الاكتفاء بها للخروج عن ظواهر الكتاب والسنّة جرأة عظيمة ، سيّما مع قصور دلالتها عن الظهور المعتد به ، فضلا عن الصراحة التي هي المناط في الخروج عن ظواهر الأدلة.

__________________

(١) منهم : السيد المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤٠ ، وابن البراج في شرح الجمل : ١٢٠ ، والمهذّب ١ : ٨١ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٢) منهم : العلامة في القواعد ١ : ٤٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٢٢ ، صاحب الحدائق ١١ : ١٢٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٣ / ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٢٨ / ١٦٥٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٧.

٢٢١

وهل السقوط يختص بالركعتين الأوليين مطلقا ، كما عليه الصدوق والحلبي وابن زهرة (١) ، وجعله المرتضى أولى (٢)؟ أم يعمّهما والأخيرتين كذلك ، كما عليه الحلّي حتما وابن حمزة جوازا (٣) مع رجحان القراءة ثمَّ التسبيح ، أو الأول في الإخفاتية دون الجهرية كما عليه الفاضل في المختلف (٤) ، أو بالعكس كما في الذخيرة (٥)؟

أقوال ، أجودها أوّلها ؛ للأصل ، وعموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما ؛ مع اختصاص ما دلّ على سقوط القراءة بحكم التبادر ـ الموجب عن تتبع النصوص والفتاوي ـ بالمتعينة منها لا مطلقا ، وليست إلاّ في الأوليين دون الأخيرتين ؛ فإنّ وظيفتهما القراءة المخيرة بينها وبين التسبيح مع أفضليته كما في بحثها قد مضى ، وليس المراد بالقراءة المحكوم بسقوطها ما يعمّ نحو التسبيح قطعا كما يستفاد من تتبع النصوص والفتاوي أيضا ؛ ولذا لا يسقط القنوت والأذكار ونحو هما.

مضافا إلى الصحيح : « إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوليين » وقال : « يجزيك التسبيح في الأخيرتين » قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الكتاب » (٦).

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ٣٦ ، الحلبي في الكافي : ١٤٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠.

(٢) راجع جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤١.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٢٨٤ ، نقله عن ابن زهرة في الحدائق ١١ : ١٢٤.

(٤) المختلف : ١٥٨.

(٥) الذخيرة : ٣٩٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

٢٢٢

وهو صريح في ردّ الحلّي وظاهر في المختار.

وقريب منه الخبر : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الأخيرتين » (١) فتأمل (٢).

لكنهما ـ مع ضعف سند ثانيهما ، ومخالفة ظاهره للإجماع ، وظهورهما في رجحان القراءة على التسبيح ولو في الجملة ، مع أنه خلاف ما قدّمنا تحقيقه في بحث القراءة ـ معارضان ببعض الصحاح المتقدمة الناهي عن القراءة في أخيرتي الجهرية ، معلّلا بأنهما تبع للأوليين اللتين يجب الإنصات فيهما.

وتعليله النهي عن القراءة بالإنصات المأمور به في الآية ظاهر في عمومها للتسبيح والقراءة.

وحكمه بالتبعية على الإطلاق ظاهر في عدم اختصاص النهي عن القراءة المزبورة بالجهرية وإن كانت مورده ، لأنه لا يخصّص عموم الجواب كما مرّ غير مرّة ، إلاّ أن يقال : إنه لا عموم له ، وإنما غايته الإطلاق المحتمل للانصراف إلى المعهود.

وعليه فيتقوى القول بالسقوط مطلقا ، أو في الجملة ، لكن الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات مشكل ، سيّما مع اعتضادهما بالخبرين المتقدمين ، وصحيحين آخرين :

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ٨ : ٣٦٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٦.

(٢) ليست في « ش » و« م ».

٢٢٣

في أحدهما : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح » (١).

وفي الثاني : « إني أكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار » قال : قلت : يصنع ما ذا؟ قال : « يسبّح » (٢).

وهي وإن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية إلاّ أن قوله : « فيقوم كأنه حمار » ظاهر في كراهة السكوت مطلقا ، وإنما لم يكره في أوليي الجهرية كما يفهم منها لقيام الإنصات مقام القراءة فيها ، فكأنه غير ساكت أصلا.

والكراهة فيها يمكن أن يراد بها المعنى الأعم من الحرمة ومن المصطلح كما هو الأصل ، مع عدم ثبوت كونها حقيقة في الثاني في الشرع ، وعليه فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج ، بالنسبة إلى الركعتين الأوليين فالمصطلح كما صرّح به جمع ، وإلى الأخيرتين فالمنع عن السكوت كما يقتضيه العمومات والأصل. هذا مع أنه أحوط ؛ لندرة القول بتحتم السقوط هنا ، وإطباق من عدا القائل به على جواز التسبيح والقراءة مخيرا بينهما ، وإن اختلف في جواز السكوت أيضا أم لا ، وأفضلية التسبيح أو القراءة أو تساويهما.

ويمكن الاستدلال على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة وغيرها المتقدمة الدالة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع الهمهمة ، فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى ؛ ولعلّه لهذا لم يمنع في الذخيرة عن القراءة فيهما (٣). وحيث ثبت جواز القراءة فيهما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٤ / ١١٨٥ ، الوسائل ٨ : ٣٦١ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٦ / ١١٦١ ، التهذيب ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٦٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٢ ح ١.

(٣) الذخيرة : ٣٩٧.

٢٢٤

أو استحبابها ثبت جواز التسبيح أيضا ؛ لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة بينهما.

وبالجملة : الأحوط ، بل لعلّه المتعيّن عدم السقوط هنا مطلقا ، أما الجهرية فلما عرفته ، وكذا الإخفاتية ، مضافا إلى جواز القراءة في أولييها كما مضى فكذا في الأخيرتين منها ، بل بطريق أولى.

ولا ينافيه الصحيحة المتقدمة الدالة على أن الأخيرتين تبع للأوليين أصلا ، إمّا لاحتمال اختصاصها بالجهرية كما مضى ، أو من حيث حكمها بالتبعية ، ومقتضاها الجواز في أخيرتي الإخفاتية ، بناء على ثبوته في أولييها كما عرفته لكن مع الكراهة.

وينبغي القطع بعدمها فيهما ؛ لندرة القول بالمنع ، وقوة أدلة الوجوب ، فيكون مراعاة احتماله أولى من مراعاة الكراهة ، وعليه فيقيّد إطلاق التبعية في أصل جواز القراءة وعدمه من غير ملاحظة نحو وصف الكراهة ، فتأمل.

وإنما قيّدنا الإمام بالمرضي والمأموم بغير المسبوق ؛ لوجوب القراءة على المسبوق فيما سبق به ، أو استحبابها ، على الاختلاف كما يأتي ؛ وعلى من هو خلف من لا يقتدى به وجوبا بلا خلاف يعرف كما في السرائر والمنتهى (١) ؛ لانتفاء القدوة ، وللمعتبرة ، منها : الصحيح : « إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع » (٢).

ولا ينافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات والاستماع لقراءته في الجهرية (٣) ؛ لاحتمالها الحمل على حال التقية ، فحينئذ ينصت ويقرأ فيما بينه وبين نفسه‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٨٤ ، المنتهى ١ : ٣٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٩ / ١٦٥٨ ، الوسائل ٨ : ٣٦٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣.

٢٢٥

سرّا.

ولا يجب الجهر بالقراءة ، كما في الصحيح : عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، قال : « اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس » (١).

والمرسل : « يجزيك إذا كنت معهم في القراءة مثل حديث النفس » (٢).

ويجزي الفاتحة وحدها مع تعذر السورة ؛ للضرورة ، والمعتبرة.

وفي الذخيرة : الظاهر أنه لا خلاف فيه ، ونقل بعضهم الإجماع (٣).

ولو ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة سقطت أيضا ، كما قطع به الشيخ في التهذيب (٤) ؛ للمعتبرة ، منها : الصحيح : قلت : من لا يقتدى به في الصلاة؟ قال : « افرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار ، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه » (٥).

وهي حجة على من أوجب إتمامها في الركوع (٦) ، مع أني لا أعرف مستنده.

( ويجب متابعة الإمام ) المرضي في الأفعال وتكبيرة الإحرام إجماعا ، كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة (٧) ؛ للنبوي المشهور : « وإنما جعل الإمام‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ / ١٦٦٣ ، الوسائل ٨ : ٣٦٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٤٣٠ / ١٦٦٢ ، الوسائل ٨ : ٣٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٣ ح ٤.

(٣) الذخيرة : ٣٩٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٧.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠١ ، الوسائل ٨ : ٣٦٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٤ ح ١.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ٢٧٥.

(٧) منهم : الشهيدان في الذكرى : ٢٧٤ ، والروضة ١ : ٣٨٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٢٦ ، والفيض

٢٢٦

إماما ليؤتم به ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (١).

ونحوه النصوص المتضمنة للإمامة والقدوة ؛ لعدم صدقهما إلاّ بالمتابعة فتجب ولو من باب المقدمة ، فتأمل (٢).

وفي وجوبها في الأقوال عدا التكبيرة قولان ، أحوطهما ذلك حيث لا توجب فوات القدوة ، بل قيل بوجوبها مطلقا (٣). خلافا للأكثر فلم يوجبوها فيها مطلقا.

وفسّرت في المشهور بأن لا يتقدمه ، فيجوز المقارنة لكن مع انتفاء فضيلة الجماعة ، كما عليه الصدوق وشيخنا في الروضة (٤) ، واختار في روض الجنان نقصانها لا انتفاءها بالكلية (٥) ، وظاهر الباقين ثبوتها تامة.

وهذا التفسير وإن كان خلاف ظواهر الأدلة ، سيّما الرواية النبوية المتضمنة للفاء المفيدة للتعقيب المنافي للمقارنة ، لكن عليه شواهد من المعتبرة ، كالقويّة الواردة في مصلّيين قال كل منهما : كنت إماما أو مأموما ، المصحّحة لصلاتهما في الصورة الأولى (٦) ، فلو لا جواز المقارنة لما تصورت فرض المسألة ، فتأمل (٧).

__________________

الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٦٢.

(١) عوالي اللئالي ٢ : ٢٢٥ / ٤٢.

(٢) وجهه أن وجوب المتابعة المستدل عليه بهذه الإطلاقات إنما هو الوجوب الشرعي لا الشرطي المعبّر عنه بمن باب المقدمة كما ستعرفه. منه رحمه الله.

(٣) قال به الشهيد في الدروس ١ : ٢٢١.

(٤) حكاه عن الصدوق في الذكرى : ٢٧٩ ، الروضة ١ : ٣٨٤.

(٥) روض الجنان : ٣٧٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٠ / ١١٢٣ رواها مرسلة ، التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٦ ، الوسائل ٨ : ٣٥٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٩ ح ١.

(٧) وجهه : احتمال فرضها في صورة التقية ، كما إذا اقتديا بثالث غير مرضيّ ، فاقتدى أحدهما بالآخر مع عدم تمكنهما من التأخر أفعالا ولا موقفا. منه رحمه الله.

٢٢٧

وكالصحيح المروي عن قرب الإسناد : عن الرجل يصلّي ، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : « لا يكبّر إلاّ مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد التكبيرة » (١).

وظاهر المعية المقارنة ، سيّما مع تفريع التكبير قبله خاصة. وإذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها ؛ لعدم قائل بالفرق بينهما جوازا فيها ومنعا في غيرها وإن وجد قائل به عكسا ، كصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما (٢).

ونحوه في الدلالة على جواز المعية لكن في غير التكبيرة بعض الصحاح الآتية في المسألة ، هذا.

والأحوط تركها ، سيّما في التكبيرة ، فإن القائل بجوازها فيها لم أعرفه وإن حكاه في الذكرى (٣) ، وأشعر به عبائر جماعة (٤) ، لكن لم أعرف قائله منّا ، نعم حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (٥) ولأجله يمكن حمل الرواية السابقة على التقية ، سيّما مع كون المروي عنه فيها مولانا موسى بن جعفر عليهما‌السلام وحالها في زمانه معروفة.

ولئن تنزّلنا عن حملها عليها فهي لا تقاوم الرواية النبوية المنجبرة ، بل المعتضدة بفتوى أصحابنا ـ وإن احتملت الحمل على التقية أيضا ؛ لكونها مذهب أكثر العامة كما يفهم من المنتهى (٦) ـ مع أنها أحوط للعبادة التي لا ينبغي ترك الاحتياط فيها.

واعلم : أنّ مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا ، إذ‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢١٨ / ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ١٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ١٦ ح ١.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٧ ، الذخيرة : ٣٩٨ ؛ وانظر الحدائق ١١ : ١٣٩.

(٣) الذكرى : ٢٧٤.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٠٣ ، والشهيد الأول في البيان : ٢٣٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٢٢ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٧٥.

(٥) المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٦) المنتهى ١ : ٣٧٩.

٢٢٨

معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة وإن احتمل كون الوجوب تعبديا لا شرطيا ، لكنه غير كاف في نحو العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية ، وليست بحاصلة مع المخالفة ، سيّما وأن يكون قد ترك القراءة أو أتى بها وقلنا إن المندوب لا يجزي عن الفرض أصلا ، ولعلّه لذا قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته (١). ونحوه الصدوق (٢).

خلافا للمشهور ( و ) قالوا ( لو رفع ) المأموم رأسه من الركوع والسجود أو أهوى إليهما ( قبله ) أي قبل الإمام ( ناسيا عاد ) إليهما وإلى القيام ( ولو كان عامدا ) أثم و ( استمر ) وبقي على حاله إلى أن يلحقه الإمام.

وهو في العمد مشكل مطلقا (٣) ؛ لما قدّمنا ، مع سلامته عما يصلح للمعارضة له أصلا عدا الموثق : عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه [ معه ]؟ قال : « لا » (٤).

وهو ـ مع كونه أخص مع المدّعى ، مع عدم وضوح ما يدل على التعميم أصلا ، ومع معارضته بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا ـ لا إشعار فيه بصورة العمد أصلا لو لم نقل بظهوره في غيرها.

وتخصيصه بها ـ جمعا بينه وبين المعتبرة الآتية بحملها على صورة السهو خاصة ، وحمله على صورة العمد كذلك ـ لا أعرف له وجها لا من فتوى ولا من رواية ولا غيرهما ، إلاّ ما قيل من استلزام العود في العمد زيادة ركن من غير عذر ، ولا كذلك النسيان ، فإنه عذر (٥). وهو كما ترى ؛ فإن زيادة الركن عندهم‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٢٧٩.

(٣) أي في جميع صوره من الركوع والسجود عامدا أو رفع الرأس منهما كذلك. منه رحمه الله.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٤ / ١٤ ، التهذيب ٣ : ٤٧ / ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٣٨ / ١٦٨٩ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٦ ، وما بين المعقوفين أضفناها من المصادر.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ١٣٦.

٢٢٩

مبطلة مطلقا.

وبالجملة : فما ذكروه هنا مستنده غير واضح ، إلاّ أن يكون إجماعا من المتأخرين كما يفهم من الذكرى (١) ، أو مطلقا كما من غيرها (٢).

وكيف كان الاحتياط بإتمام الصلاة ـ كما ذكروه ـ ثمَّ الإعادة ممّا لا ينبغي تركه جدّا.

وأما القول بوجوب العود هنا ـ كما في النسيان ـ لإطلاق المعتبرة الآتية ، وضعف الموثقة عن المقاومة.

فضعيف في الغاية ؛ لاختصاصه ـ كإطلاق المقنعة (٣) ـ بحكم التبادر بصورة النسيان خاصة.

وكذا في الهوي إلى الركوعين نسيانا ؛ لعدم دليل عليه فيه أصلا ، لاختصاص المعتبرة الحاكمة بما ذكروه بصورة الرفع منهما ؛ مع عدم وضوح ما يدلّ على التعميم حتى الإجماع ؛ لفتوى الفاضل في المنتهى بالاستمرار هنا وإن قوّى الرجوع أخيرا (٤) ، لإشعاره بعدم إجماع على ما قوّاه ، وإلاّ لما أفتى بخلافه أوّلا.

ووافقه في التقوية في الذخيرة (٥) ؛ للموثق : في رجل كان خلف إمام يأتم به ، فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع فرفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٥.

(٢) المدارك ٤ : ٣٢٧.

(٣) لم نعثر عليه في المقنعة ، بل وجدناه في التهذيب ٣ : ٤٧ ، ٤٨.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧٩.

(٥) الذخيرة : ٣٩٩.

٢٣٠

الركعة؟ فكتب : « يتم صلاته ولا يفسد لما صنع صلاته » (١).

وهو ـ مع أخصيته من المدّعى مع عدم وضوح معمّم أصلا ـ وارد في صورة المظنة ، وهو غير مفروض المسألة.

ودعوى تنقيح المناط بحيث يوجب التعدية هنا وفي باقي الفروض المتقدمة مشكلة ، كدعوى الإجماع عليها كما عرفته. ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا كما في المسألة السابقة.

وأمّا ما ذكروه في صورة الرفع من الركوعين نسيانا فممّا لا ريب فيه في الجملة ؛ للمعتبرة ، ففي الصحيح : عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : « يعيد ركوعه معه » (٢).

ونحوه غيره ، وفيه : عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : « فليسجد » (٣).

وظاهرها وجوب الرجوع كما هو المشهور.

خلافا للفاضل في النهاية والتذكرة (٤) ، فاستحبه ، جمعا بينه وبين الموثقة السابقة الناهية عنه.

وهو ضعيف في الغاية ؛ لفقد المكافأة. ومع ذلك فالنهي ظاهر في الحرمة ، ومع التنزل فالكراهة ، وأين هما من الاستحباب كما ذكره ، إلاّ أن يحمل النهي فيه على الإباحة دفعا لتوهم وجوب الرجوع ، لكنه خلاف ما فهمه الجماعة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٣ ، التهذيب ٣ : ٤٨ / ١٦٥ ، الوسائل ٨ : ٣٩٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٨ ح ١.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ١٣٦ ، التذكرة ١ : ١٨٥.

٢٣١

وعلى الوجوب فلو ترك العود فالوجه فساد الصلاة ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه. وفيه قول بالصحة ضعيف. وأولى بالفساد ما لو عاد العامد ، لزيادة الركن عمدا المبطلة قطعا ، هذا إن أوجنبا عليه الاستمرار ، وإلاّ فالفساد ثابت بأول فعله.

( ولا ) يجوز أن ( يقف ) المأموم ( قدّامه ) أي قدّام الإمام المرضي مطلقا ، بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في المنتهى والذكرى والمدارك وغيرها (١).

أما التساوي في الموقف فجائز مطلقا عند الأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الحلّي ، فأوجب التقدم بقليل (٢) ، وهو شاذ ، بل على خلافه الإجماع عن التذكرة (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافا إلى الأصل ، وإطلاق أدلة شرعية الجماعة ، والقوية المتقدمة في المسألة السابقة (٤).

وظواهر خصوص (٥) المعتبرة الآتية الآمرة بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام والمتعدّد خلفه (٦). وظاهر الأول المحاذاة والمساواة ، والثاني وإن كان صريحا في الأمر بالتأخر يوجب صرف الظاهر إليه ، إلاّ أن هذا الأمر ـ كالأول من حيث تعلّقهما باليمين والخلف ـ للاستحباب قطعا حتى عند الحلّي ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٥ ، الذكرى : ٢٧٢ ، المدارك ٤ : ٣٣٠ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ١٦١ ، والذخيرة : ٣٩٤.

(٢) السرائر ١ : ٢٧٧.

(٣) التذكرة ١ : ١٧١.

(٤) راجع ص ٢٢٧ الهامش ٦.

(٥) في « ش » زيادة : بعض.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣.

٢٣٢

حيث صرّح بأنهما من سنن الموقف ، وأنه لو وقف المأموم الواحد عن الخلف والشمال والمتعدد عنه وعن اليمين جاز (١) وادّعى الفاضل في المنتهى عليه الإجماع (٢). ولعلّه كذلك ؛ إذ لا خلاف فيه إلاّ من الإسكافي (٣) كما يأتي ، وهو شاذّ وإن كان أحوط كخيرة الحلّي.

واعلم : أنّ الظاهر أن المعتبر في التقدم والتساوي العرف والعادة ؛ لأنه المحكّم فيما لم يرد فيه نصّ في الشريعة.

خلافا لجماعة (٤) فبالأعقاب خاصة ، فلا يضر تقدم الأصابع أو الصدر أو الرأس مع تساويها ، كما لا ينفع التأخر بأحد الأمور المزبورة مع عدم التساوي فيها وتأخر عقب الإمام عن أعقاب المأمومين.

وللفاضل في النهاية فبها وبالأصابع خاصة ، وصرّح بأنه لا يقدح في التساوي تقدّم ما عداهما في بعض الأحوال (٥).

ولا دليل على شي‌ء منهما عدا الثاني فيساعده العرف في الجملة ، بل مطلقا ، لو لا التصريح الذي مضى ، بل معه أيضا. ولكن الأحوط عدم التقدم بشي‌ء من الأعضاء في شي‌ء من الأحوال أصلا ، بل الأحوط عدم التساوي مطلقا.

( ولا بدّ من نية الائتمام ) بإمام معيّن بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه لشرائط الإمامة ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٧.

(٢) المنتهى ١ : ٣٧٦.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٦٠.

(٤) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ١٧١ ، والشهيد الأوّل في البيان : ٢٣٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٣١.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ١١٧.

٢٣٣

في المنتهى ونهاية الإحكام والذكرى (١) الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء ، فلو لم ينوه ، أو نوى الاقتداء بغير معيّن فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة.

وكذا لو نوى باثنين ولو توافقا فعلا ؛ لعدم دليل على الصحة في نحو هذه الصورة من فتوى أو رواية ، لاختصاص مورد هما بغيرها.

ومنه يظهر وجه ما ذكره الشهيدان في الذكرى وروض الجنان والروضة من فسادها لو نوى الاقتداء بزيد فبان عمروا وإن كان أهلا للإمامة. أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ففي صحة الاقتداء ترجيحا للإشارة ، وعدمها ترجيحا للاسم وجهان ، أحوطهما العدم (٢).

وظاهر العبارة ـ كغيرها ـ عدم وجوب نية الإمامة ، ولا خلاف فيه أجده ، بل عليه الإجماع عن التذكرة (٣).

ولا ريب فيه في الجماعة المندوبة بالإضافة إلى صحة الصلاة خاصة.

أمّا في الواجبة فواجبة ، وفاقا للشهيدين وغيرهما (٤) ، وكذا في المندوبة بالإضافة إلى فضيلة الجماعة ، إلاّ مع عدم العلم بالاقتداء ، فلا يبعد ثبوتها له أيضا ، نظرا إلى عموم كرمه سبحانه تعالى ، سيّما بالنظر إلى ما ورد في فضيلتها من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين ولو مع عدم اطلاع الإمام ولا أحدهم به أصلا.

( ولو صلّى اثنان وقال كل منهما : ) بعد الفراغ ( كنت مأموما ) لك ( أعادا ، ولو قال : كنت إماما لم يعيدا ) للقوي (٥) المنجبر قصور سنده بعمل‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٥ ، نهاية الإحكام ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ٢٧١.

(٢) الذكرى : ٢٧١ ، وروض الجنان : ٣٧٥ ، الروضة ١ : ٣٨٢.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٤.

(٤) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٧١ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤ ؛ وانظر الجامع العباسي ( للشيخ البهائي ) : ٩٣.

(٥) تقدّم مصدره في ص ٢٢٧ الهامش ٦.

٢٣٤

الأصحاب كافة على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (١) ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به في المنتهى في الثاني.

ولا شبهة فيه ولا في الأول أيضا إذا لم يظنّ كلّ منهما قيام الآخر بوظائف الصلاة التي منها القراءة والسبق بالتحريمة ولم يأت أيضا بالقراءة أو أتى بها ولم يجتزئ بها عن القراءة الواجبة. ويشكل في غير ذلك ، لكنه مندفع بإطلاق النص المعتضد أو المنجبر بالعمل ، بل الإجماع كما في نهاية الإحكام (٢) ، مع إمكان دفعه بما ذكرناه في الشرح ، هذا.

ويظهر من المنتهى رواية أخرى بذلك لعمّار ، قال : رواها الشيخ (٣).

ولكني لم أرها ولا من أشار إليها غيره أصلا.

( ولا يشترط ) في الجماعة ( تساوي الفرضين ) أي فرض الإمام والمأموم في العدد ولا في النوع ولا في الصنف بعد توافق نظمهما ، فيجوز أن يقتدي كل من الحاضر والمسافر بصاحبه في فريضة ( ويقتدي المفترض بمثله وبالمتنفل ) نافلة يجوز فيها الجماعة كالمعادة في جماعة ( والمتنفل بمثله وبالمفترض ) ومصلّي إحدى الخمس اليومية بمصلّيها وغيرها.

بلا خلاف أجده إلاّ من والد الصدوق فمنع عن ائتمام المتمم بالمقصّر وبالعكس (٤).

ومنه فمنع عن ائتمام مصلّي العصر بمصلّي الظهر خاصة إلاّ أن يتوهمها العصر ثمَّ يعلم أنها كانت الظهر فتجزي عنه (٥).

__________________

(١) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٣٦٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤ ؛ والسبزواري في الذخيرة : ٣٩٩.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ١٢٧.

(٣) المنتهى ١ : ٣٦٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٥٥.

(٥) راجع الفقيه ١ : ٢٣٣.

٢٣٥

وهما نادران ، بل على خلافهما الإجماع كما صرّح به الفاضل في المنتهى في الثاني (١) ، وحكي عنه وعن الماتن في الأول (٢).

ومع ذلك مستند هما غير واضح ، عدا الموثق (٣) وغيره (٤) للأول ، والصحيح (٥) وأمر اعتباري في الثاني.

والأوّلان مع قصور سندهما ، بل ودلالتهما أيضا ـ لتصريحهما بالصحة مع المخالفة ، فيكون قرينة على كون النهي في صدرهما للكراهة ، لعدم اجتماع الصحة مع الحرمة ، بناء على مذهب الإمامية (٦) ، ولعلّه لذا صرّح بأنهما صريحان في الكراهة بعض الأجلة (٧) ـ محمولان على الكراهة ، جمعا بينهما وبين الصحاح الصراح المستفيضة الآتية المعتضدة ـ زيادة على الشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما عرفت نقله ـ بالأصل والعمومات كتابا وسنّة.

والأخيران مع ضعفهما دلالة ، بل دلالة أوّلهما على خلاف ما ذكره الصدوق في صورة الاستثناء كما لا يخفى على من راجعهما ، معارضان بالصحاح الصراح أيضا.

وأما اقتداء المتنفل بالمفترض فلا خلاف فيه بين العلماء ، كما لا خلاف في العكس عندنا ، وقد صرّح بالإجماعين في المنتهى (٨) ، وفي الخلاف‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٦٧.

(٢) حكاه عنهما في الذخيرة : ٣٩٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٦.

(٤) التهذيب ٣ : ١٦٥ / ٣٥٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٢ ، الوسائل ٨ : ٣٢٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٨ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.

(٦) من عدم اجتماع الأمر والنهي في الشي‌ء الواحد الشخصي ولو اختلفت الحيثيّة. منه رحمه الله.

(٧) كصاحب المدارك ٤ : ٣٦٤.

(٨) المنتهى ١ : ٣٦٧.

٢٣٦

بإجماعنا خاصة فيهما (١). وسيأتي من النصوص ما يدل عليهما قريبا إن شاء الله تعالى ، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة هنا عن المعارض أصلا.

كلّ هذا مع توافقهما نظما ، وأما مع العدم فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا ، فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة والكسوفين والعيدين ولا العكس ؛ لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا وفتوى.

( ويستحب أن يقف ) المأموم ( الواحد ) إذا كان رجلا ( عن يمين الإمام ، والجماعة ) ولو كانوا اثنين مطلقا ( خلفه ) بإجماعنا المقطوع المصرّح به في الخلاف والمنتهى وغير هما (٢) ، والمعتبرة مستفيضة بذلك جدّاً :

ففي الصحيح : « الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، وإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » (٣).

وظاهره كغيره وإن كان الوجوب كما عن الإسكافي (٤) ، إلاّ أنه نادر محكي في ظاهر الخلاف وصريح المنتهى الإجماع على خلافه فيه.

مضافا إلى الأصل والإطلاقات ، فيصرف الأمر وما في معناه عن ظاهره ، سيّما مع تأيده ببعض النصوص الدالة على الصحة مع المخالفة ، وفيه : عن رجل صلّى إلى جنب رجل ، فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف يصنع ثمَّ علم وهو في الصلاة ، قال : « يحوّله عن يمينه » (٥) ونحوه غيره (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٤٦.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥٤ ، المنتهى ١ : ٣٧٦ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٤٢٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦ / ٨٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٣ ح ١.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٨٧ / ١٠ ، الوسائل ٨ : ٣٤٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٧٤ ، التهذيب ٣ : ٢٦ / ٩٠ ، الوسائل ٨ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٤ ح ٢.

٢٣٧

وهو كالصريح في عدم الشرطية ولو في الجملة.

وإذا ثبت الصحة بدونه سهل الأمر في احتمال الوجوب التعبدي ؛ لإمكان الاكتفاء في دفعه بالأصل القطعي المعتضد بالشهرة زيادة على الإجماع المحكي ، ولا كذلك الوجوب الشرطي ، لعسر الاكتفاء في دفعه بمثله إن لم يكن إجماع محكي.

( و ) أن ( لا يتقدم ) الإمام ( العاري ) أي فاقد الساتر ( أمام العراة ، بل ) يجلسون و ( يجلس وسطهم بارزا ركبتيه ) كما في الصحيح (١).

وظاهر إطلاقه ـ كالمتن وكثير ـ تعيّن الجلوس عليهم مطلقا.

خلافا للمحكي عن الماتن ، فخصّه بصورة عدم الأمن من المطّلع ، وأوجب القيام في غيرها (٢). وهو ضعيف.

والأصح وجوب الإيماء على الجميع ، وفاقا للأكثر ، بل عن الحلّي الإجماع عليه (٣) ، وقد مرّ الكلام فيه في بحث الساتر مستوفى.

( و ) كذا ( لو أمّت المرأة النساء وقفن معها ) أي إلى جانبيها ( استحبابا ) (٤) إلاّ أنه ينبغي هنا أن يكنّ ( صفا ) أي في صف واحد أو أزيد من غير أن تبرز بينهن مطلقا ، بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها ، بل عليه اتفاقهم كما عن المعتبر والمنتهى (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها (٦) ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ / ١٥١٣ ، الوسائل ٤ : ٤٥٠ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

(٢) الشرائع ١ : ٧٠.

(٣) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٤) ليست في « ش ».

(٥) المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٧٧.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠.

٢٣٨

إن شاء الله تعالى.

( ولو أمّهنّ الرجل وقفن خلفه ) وجوبا على القول بحرمة المحاذاة ، واستحبابا على القول بكراهتها ، كما هو الأقوى ، وإن كان الأول أحوط وأولى مطلقا ، خصوصا هنا ، للأمر به في النصوص من غير معارض لها فيها ، مع قوة دلالة بعض الصحاح فيما لو حاذت على فساد صلاتها ، ففيه : عن إمام كان في الظهر ، فقامت امرأته بحياله تصلّي معه وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟

قال : « لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها » (١).

والتقريب : أنّ وجه الإعادة إما المحاذاة أو اختلاف الفرض ، لا سبيل إلى الثاني ، لما مرّ ، فتعيّن الأول.

وحمله على الاستحباب لإيقاع الفرض على الوجه الأكمل ـ كما في غير محل ـ يتوقف على وجود معارض ، وليس إلاّ أن يكون ما دلّ على جواز المحاذاة في غير الجماعة ، لعدم قول بالفرق أجده بينه وبينها أصلا. ومع ذلك فترك المحاذاة أولى.

( و ) كذا ( لو كانت واحدة ) إلاّ أنه ينبغي لها مع التأخر أن تقف عن يمين الإمام ، كما في الصحيح : « الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه » (٢) ونحوه غيره (٣).

وإن كان مع المأموم الرجل الواحد امرأة وقف هو عن يمينه وهي خلفه ، كما في الخبر (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٣ ، الوسائل ٥ : ١٣٠ أبواب مكان المصلي ب ٩ ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٩ / ذيل الحديث ١١٧٨ ، الوسائل ٥ : ١٢٥ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٥٨ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٨ / ٧٦٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩ ح ٣.

٢٣٩

( ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد ) من يصلّي ( جماعة ، إماما ) كان فيها ذلك المنفرد ( أو مأموما ) إجماعا منّا على الظاهر المحكي مستفيضا (١) ، والصحاح به مستفيضة جدّا (٢).

وقصور جملة منها دلالة على الاستحباب ـ لاحتمال ورود الأمر فيها للرخصة ؛ لوقوعه جوابا عن السؤال عنها فلا يفيد سوى الإباحة ـ مجبور بأن جملة أخرى منها فيها الأمر من غير تلك القرينة ، وأقله الاستحباب ، لانتفاء الوجوب بالإجماع ، مع تصريح الموثق بالأفضلية (٣).

وأما الصحيح المخيّر بين الإعادة وعدمها (٤) فهو وإن أوهم الإباحة المحضة إلاّ أن تصريحه أخيرا بجعل المعادة سبحة أوضح قرينة على استحباب الإعادة. هذا مع أن الرخصة في الإعادة تستلزم كون المعادة سنّة ؛ لأنها عبادة ، وهي لا تكون إلاّ بفضيلة.

ويستفاد من الصحيح ونحوه الرضوي (٥) كون الوجه المنوي فيها الندب لا الفرض. وهو خيرة الأكثر (٦) ؛ لخروجه بالأولى عن العهدة ، فلا معنى لقصد الوجوب بالثانية.

خلافا للشهيدين فجوّزاه بنيته أيضا (٧) ؛ للصحيحين الآمرين بجعلها‌

__________________

(١) حكاه صاحب المدارك ٤ : ٣٤١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٩٥ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١٦٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٥ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٥ / ١٢١٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٩ / ٨٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٠٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ٨.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٤.

(٦) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٢٩١ ، صاحب المدارك ٤ : ٣٤٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٩٥.

(٧) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٦٦ ، والدروس ١ : ٢٢٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤ ،

٢٤٠