رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلّي وحده » (١).

وهو مع قصور سنده غير دالّ على المنع عنها في صورة احتراق البعض ، وإنما غايته الدلالة على إجزائها فرادى ، وهو لا ينافي استحباب الجماعة فيها.

ويفهم من بعض وجود قول بوجوبها مع الاحتراق (٢) ؛ ولعلّه ظاهر عبارة الصدوقين المحكية في المختلف ، ويستفاد منه قولهما بوجوبها مع الاحتراق ، والمنع عنها مع عدمه.

ويردّه ـ مضافا إلى الأصل والإجماع المتقدم ـ الإجماع المحكي في الخلاف على جوازها جماعة وفرادى ، وفي السفر والحضر (٣).

وفي الذكرى : وليست الجماعة شرطا في صحتها عندنا وعند أكثر العامة (٤).

وفي الموثق : عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال : « جماعة وغير جماعة » (٥) ونحوه الخبر (٦).

( والإطالة بقدر ) زمان ( الكسوف ) المعلوم ، قيل : أو المظنون (٧).

بإجماع العلماء كما عن المعتبر (٨) ، وفي المنتهى لا نعرف فيه خلافا (٩).

ولاستحباب الإطالة مطلقا. وللنصوص (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨١ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ٢.

(٢) انظر الذكرى : ٢٤٦.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٣.

(٤) الذكرى : ٢٤٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٤ / ٨٨٩ ، الوسائل ٧ : ٥٠٣ أبواب صلاة الكسوف ب ١٢ ح ٣.

(٧) قال به الشهيد الأول في البيان : ٢١١ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٠٥.

(٨) المعتبر ٢ : ٣٣٦.

(٩) المنتهى ١ : ٣٥٠.

(١٠) الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٩.

٢١

ويستفاد من جملة منها آتية إطلاق استحبابها حتى للإمام مطلقا ، ولكن في الصحيح : « وكان يستحب أن يقرأ فيهما بالكهف والحجر ، إلاّ أن يكون إماما يشقّ على من خلفه » (١).

وهو مع صحة سنده أوفق بعموم النصوص الآتية في بحث الجماعة ـ إن شاء الله تعالى ـ الآمرة بالتخفيف والإسراع مراعاة لحال المأمومين ، فيمكن حمل أخبار الباب على صورة رغبة المأمومين في الإطالة.

وظاهر الأصحاب مساواة الكسوفين في مقدار الإطالة ، لكن في الصحيح : « إنّ صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر » (٢).

وفي آخر : ورووا « أن الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء ، وأشدّها وأطولها كسوف الشمس » (٣).

( وإعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ) للأمر بها في الصحيح (٤) وظاهره الوجوب كما عن جماعة من القدماء (٥) ، وحمله الأكثر على الاستحباب ، جمعا بينه وبين الصحيح (٦) وغيره (٧) الآمرين بدل الإعادة بالجلوس والدعاء حتى ينجلي.

والجمع بينهما بالوجوب التخييري وإن أمكن ، وربما استفيد من الرضوي : « وإن صلّيت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٣ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٢) تقدّم مصدره في الهامش ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩٢ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٨ ح ١.

(٥) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٦ ، وسلاّر في المراسم : ٨١.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٨ ح ١.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٨ ح ٢.

٢٢

تعالى وأنت مستقبل القبلة » (١) .. لكنه غير معروف القائل كما صرّح به في الذخيرة والمدارك (٢) ومع ذلك الأول أوفق بالأصل ، المؤيد بالشهرة وظاهر بعض المعتبرة ، كالموثق : « إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلي وتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز » (٣) فتدبّر.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما عليه الحلّي من إنكار الإعادة مطلقا (٤) وإن حسن على أصله ، لكون النص الدال عليه من الآحاد التي لا يعمل بها. وفي التنقيح : إنّ ذلك منه عجيب مع حصول النص (٥) ولا عجب منه ، لما مرّ ، بل التعجب منه عجيب.

( وأن يكون ركوعه بقدر قراءته ) للمضمر : « ويكون ركوعك مثل قراءتك » (٦) وفي الخلاف وعن الغنية (٧) الإجماع عليه.

وفي الصحيح : « وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود » (٨).

واستدل به جماعة على المطلوب (٩) ، وهو يتم إن نصبنا الركوع والسجود ، وهو غير متعين لو لم يتعين الخفض.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٣٥ ، المستدرك ٦ : ١٧٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ١.

(٢) الذخيرة : ٣٢٦ ، المدارك ٤ : ١٤٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٨ ح ٢.

(٤) السرائر ١ : ٣٢٤.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٢٤٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٤ / ٨٩٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩٣ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٢.

(٧) الخلاف ١ : ٦٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٨) الكافي ٣ : ٤٦٣ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٤ أبواب صلاة الكسوف ب ٧ ح ٦.

(٩) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٣٦ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦٣ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٧٥.

٢٣

وفيه على تقدير النصب دلالة على انسحاب الحكم في السجود أيضا كما عليه جماعة (١) ، بل القنوت أيضا كما في الذكرى وغيره (٢).

ولا بأس به ؛ للتسامح في أدلة السنن ، مع أنّ في المنتهى الإجماع على استحباب التطويل في كل من الركوع والسجود من أهل العلم في الأول ، ومنّا في الثاني (٣).

وهو وإن لم يقدّر التطويل بقدر القراءة ، لكنه استدل عليه في الأوّل بالصحيحة السابقة المتوقف دلالتها على النصب ، ومقتضاه التقدير بقدر القراءة ، وفي الثاني بالمضمرة السابقة المتضمنة لقوله بعد ما مرّ : « وسجودك مثل ركوعك ».

وعن المفيد تقدير الإطالة بقدر السورة (٤) ؛ ولعلّ مراده بها ما يعمّ الفاتحة ، فلا مخالفة.

( وأن يقرأ السور الطوال ) إجماعا كما في الخلاف والمنتهى (٥).

وهي مثل يس والنور كما في المضمر ، وفيه : فمن لم يحسن يس وأشباهها ، قال : « فليقرأ ستّين آية في كل ركعة ».

وفي المقنعة ، عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف ، فقرأ فيها الكهف والأنبياء وردّدها خمس مرّات ، وأطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من كان معه وغشي على كثير منهم (٦).

__________________

(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٣٦ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦٣ ، والشهيد في الذكرى : ٢٤٥.

(٢) الذكرى : ٢٤٥ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٧٥.

(٣) المنتهى ١ : ٣٥١.

(٤) المقنعة : ٢٠٩.

(٥) الخلاف ١ : ٦٨٠ ، المنتهى ١ : ٣٥١.

(٦) المقنعة : ٢١٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩٩ أبواب صلاة الكسوف ب ٩ ح ٣.

٢٤

ونحوه المرسل المروي في صلاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومرّ في الصحيح استحباب خصوص الكهف والحجر.

وقوله ( مع السعة ) متعلق بكل من تطويل الركوع والسورة جميعا ، ووجه التقييد به واضح.

( و ) أن ( يكبّر كلّما انتصب من الركوع ) في كل من العشر ركعات ( إلاّ في الخامس والعاشر فإنه يقول ) عند الانتصاب منهما ( سمع الله لمن حمده ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في الخلاف والمنتهى (٢) ، والمعتبرة المستفيضة المتقدمة إلى بعضها الإشارة (٣).

وفي بعض الأخبار التسميع عند الانتصاب من ركوع تمت السورة قبله (٤).

( وأن يقنت ) بعد القراءة قبل الركوع من كل مزدوج من الركوعات حتى يقنت في الجميع ( خمس قنوتات ) بلا خلاف أجده ؛ للمعتبرة المستفيضة المتقدم بعض منها (٥).

قال الصدوق : وإن لم يقنت إلاّ في الخامسة والعاشرة فهو جائز ؛ لورود الخبر به (٦).

وعن النهاية والمبسوط والوسيلة والإصباح والجامع والبيان (٧) جواز‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٨ أبواب صلاة الكسوف ب ٩ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٦٧٩ ، المنتهى ١ : ٣٥١.

(٣) راجع ص ١٨ ، ١٩.

(٤) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، ورواه الشهيد رحمه‌الله في النفلية ص ٣٧ ، قال : وروي نادرا عمومه ـ أي عموم التسميع ـ إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.

(٥) الوسائل ٧ : ٤٩٢ أبواب صلاة الكسوف ب ٧.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤٧.

(٧) النهاية : ١٣٧ ، المبسوط ١ : ١٧٣ ، الوسيلة : ١١٣ ، عن الإصباح في كشف اللثام ١ : ٢٦٥ ، الجامع للشرائع : ١٠٩ ، البيان : ٢١١.

٢٥

الاقتصار عليه في العاشرة.

( والأحكام فيها اثنان : )

( الأول : إذا اتفق ) إحدى هذه الآيات ( في وقت ) صلاة ( حاضرة تخيّر ) المكلّف ( في الإتيان ب ) صلاة ( أيّهما شاء ) مع اتساع وقتهما ( على الأصح ) الأشهر على الظاهر ، المنقول عن المعتبر (١) ، والمصرّح به في كلام جمع ممن تأخر (٢) ؛ للأصل ، والتساوي في الوجوب والاتساع ؛ مضافا إلى عموم ما دلّ على جواز الفريضتين في وقتهما.

وفيه مع ذلك الجمع بين ما دلّ على الأمر بتقديم الفريضة على الكسوف من المعتبرة ، كالصحيح : عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة ، فقال : « ابدأ بالفريضة » (٣).

وما دلّ على العكس ، كالصحيح : « إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت » (٤).

خلافا للصدوق وغيره (٥) فقال بالأول ؛ عملا بظاهر الأمر ، المعتضد بصريح الرضوي : « ولا تصلّها في وقت الفريضة ، فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصلّ الفريضة ، ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة‌

__________________

الجامع للشرائع : ١٠٩ ، البيان : ٢١١.

(١) المعتبر ٢ : ٣٤٠.

(٢) كالمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٢ ، وصاحب الحدائق ١٠ : ٣٤٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٧ : ٤٩١ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٤.

(٥) الصدوق في الفقيه ١ : ٣٤٧ ؛ وانظر نهاية الشيخ : ١٣٧.

٢٦

الكسوف » (١).

ويعارضان بالمثل ، وقد عرفته في الأوّل ، وهو في الثاني المروي عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : فيمن وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة ، قال : « يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت ، فإن خاف فوت الوقت قطعها وصلّى الفريضة » (٢).

وحيث لا ترجيح وجب التخيير.

وربما يحمل وقت الفريضة في الثاني على وقت الفضيلة (٣) ؛ فيجب تقديم الحاضرة مطلقا ـ كما عليه الصدوق رحمه‌الله ـ جمعا ، والتفاتا إلى ظاهر الصحيحين ، في أحدهما : عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ويخشى فوات الفريضة ، فقال : « اقطعوا وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم » (٤).

وفي الثاني : ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة ، فقال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثمَّ عد فيها » الحديث (٥).

وفيه نظر ؛ لعدم ظهور الصحيحين فيما ذكر ، وعدم شاهد على الجمع ، مع أنه ليس بأولى من الجمع بالعكس بحمل وقت الفريضة في الأولى على آخر وقت الإجزاء ، ويكون العمل على الرواية الأخيرة من تقديم صلاة الكسوف كما عليه بعض الجماعة (٦).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٣٥ ، المستدرك ٦ : ١٦٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ١.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ٢٠١ ، المستدرك ٦ : ١٦٧ أبواب صلاة الكسوف ب ٤ ح ٢.

(٣) كما في الحدائق ١٠ : ٣٤٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٨ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٢.

(٦) في « م » زيادة : وقال السيد المرتضى وابن أبي عقيل : يصلي الكسوف ما لم يخش فوت الحاضرة

٢٧

وحيث وقع التعارض بين هذين الجمعين ولا مرجح لأحدهما في البين تعيّن التخيير بين الأمرين ، مع تأيده ـ زيادة على ما قدّمناه ـ بأنه لا معنى لتضيق وجوب أحدهما بمجرد معارضته للآخر مع كونه في أصل الشرع موسّعا.

وبالجملة : لا ريب في التخيير وإن كان تقديم الحاضرة أولى ؛ لأهميتها في نظر الشارع ، مع كثرة ما يدل على لزوم تقديمها نصا وفتوى.

( ما لم يتضيق ) وقت ( الحاضرة فيتعين للأداء ) إجماعا كما في المنتهى والمدارك والذخيرة وغيرها (١) ؛ للنصوص المتقدمة الدالة عليه بظاهرها بل بصريحها ؛ مع استلزام تقديم الكسوف حينئذ الإخلال بالواجب لا لضرورة.

ومنه يظهر الحكم بوجوب تقديم الكسوف لو انعكس الفرض بأن تضيّق وقتها واتسع الحاضرة ، وعليه الإجماع في الكتابين الأخيرين أيضا.

وإن تضيّق وقتهما معا قدّمت الحاضرة إجماعا كما في التنقيح (٢) ، ونفى عنه الخلاف في الذكرى (٣) ، ووجهه ظاهر ممّا قدّمنا.

وحيث قدّمها وجب عليه قضاء الكسوف إن فرّط في فعلها ، وإلاّ فلا مطلقا وإن فرّط في الحاضرة ، على قول (٤) مستند إلى أن تأخيرها كان مباحا إلى ذلك الوقت ، ثمَّ تعين عليه الفعل بسبب التضيق واقتضى ذلك الفوات ، وهو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف ، فلا يجب الأداء لعدم التمكن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار.

وقيل : يجب القضاء مع التفريط فيها ؛ لاستناد إهمالها إلى ما تقدّم من‌

__________________

( نقله عنهما في المختلف : ١١٧ ).

(١) المنتهى ١ : ٣٥٣ ، المدارك ٤ : ١٤٤ ، الذخيرة : ٣٢٦ ؛ وانظر الحدائق ١٠ : ٣٤٥.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٢٤٤.

(٣) الذكرى : ٢٤٦.

(٤) انظر المعتبر ٢ : ٣٤١ ، والذخيرة : ٣٢٧.

٢٨

تقصيره (١).

وفي كل من القولين نظر ، بل الوجه التفصيل بين ما لو علم المكلّف باستلزام تأخير الحاضرة فوات الكسوف عن وقتها كما يتفق أحيانا فالثاني ، وإلاّ فالأوّل ، فتدبّر.

وإذا دخل في صلاة الكسوف بظن سعة الحاضرة ثمَّ تبيّن له ضيقها في الأثناء قطعها وصلّى الحاضرة إجماعا ، فتوى ونصا ، ثمَّ بنى على ما قطع ، وفاقا للأكثر ، وفي ظاهر المنتهى الإجماع عليه (٢) ؛ لصريح الصحيحة الثانية والرضوية المتقدمة ؛ وقريب منهما الصحيحة الأخيرة.

خلافا للمبسوط فليستأنف (٣) ، واختاره في الذكرى (٤) ، لأمر اعتباري غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع كما عرفت حكايته.

( ولو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى ) بالتقديم وجوبا بلا خلاف ظاهرا ، وفي المنتهى : إنّ عليه علماءنا أجمع (٥). ويدل عليه ـ بعد الإجماع الظاهر منه ـ الاعتبار المعتضد بالصحيحين الواردين في خصوص تقديم الكسوف على نافلة الليل (٦) ، ولا قائل بالفرق ، مضافا إلى تنقيح المناط القطعي‌

__________________

(١) انظر المنتهى ١ : ٣٥٤ ، والذكرى : ٢٤٧ ، والروضة ١ : ٣١٤.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٧٢.

(٤) الذكرى : ٢٤٧.

(٥) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٦) الأول :

الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٥ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ١.

الثاني :

التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٩٠ أبواب صلاة الكسوف ب ٥ ح ٢.

٢٩

المستند إلى الاعتبار السابق ، وهو أولوية الواجب بالتقديم على غيره.

( و ) لا فرق فيها بين ما ( لو خرج وقت النافلة ) بتقديم الفريضة أو لم يخرج ، ولا بين ما إذا اتّسع وقت صلاة الكسوف بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها أولا ؛ لإطلاق النص والفتوى المعتضد بعموم ما دلّ على المنع عن النافلة وقت الفريضة.

( الثاني : ) يجوز أن ( تصلّى هذه الصلاة على الراحلة وماشيا ) مع الضرورة إجماعا. وفي جوازها على الراحلة اختيارا قولان ، فعن الإسكافي الأول. لكن مع استحباب فعلها على الأرض (١). وحكاه في المنتهى عن الجمهور (٢).

وفي التنقيح عن الماتن في المعتبر نقله عن باقي الأصحاب (٣).

وهو غريب فإنّ أحدا ممّن وصل إلينا كلامه لم ينقله عن أحد عدا الإسكافي ، بل صرّح بعضهم بأنّ المشهور خلافه (٤) ، وهو المشار إليه بقوله : ( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية (٥) ( بالمنع ) مطلقا ( إلاّ مع العذر ) والضرورة ، واختاره الماتن هنا وفي الشرائع (٦) بقوله ( وهو أشبه ).

وتبعه عامة متأخري الأصحاب فيما أعرفه ؛ عملا بعموم ما دلّ على المنع عن الفريضة على الراحلة ، مع سلامتها عن المعارض بالكلية.

عدا ما ربما يستدل للجواز من رواية ضعيفة السند بالجهالة والكتابة ، مع‌

__________________

(١) كما نقله عنه في المختلف : ١١٨.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٢٤٤.

(٤) المهذّب البارع ١ : ٤٢٨.

(٥) النهاية : ١٣٨.

(٦) الشرائع ١ : ١٠٤.

٣٠

أنها غير واضحة الدلالة ، فإن فيها : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام : إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتب : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه » (١).

والسؤال فيها مختص بحال الضرورة ، والجواب يتبعه ؛ للمطابقة ، ولا عموم فيه لغة حتى يكون العبرة به لا بالمورد. ولو سلّم الدلالة نقول : إنّها محمولة على التقية ، لما مرّ ، ويشهد له كونها مكاتبة ، هذا.

وفي المنتهى قد استدل بها على المختار ، وقال في تقريبه : والتعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا (٢).

وهو كما ترى ؛ لمنع الاقتضاء أوّلا ؛ وتخصيصه ثانيا ـ على تقدير تسليمه ـ بما إذا وقع في كلام الإمام عليه‌السلام لا مطلقا ، ومطابقة الجواب للسؤال تقتضي اختصاص الحكم الوارد فيه بمحلّ الوصف لا تخصيصه به بحيث ينفى عن غيره كما هو واضح.

( ومنها : صلاة الجنازة )

هي واحدة الجنائز ، قيل : هي بالكسر : الميت بسريره (٣). وقيل : بالكسر : السرير ، وبالفتح : الميت يوضع عليه (٤).

( والنظر ) فيها يقع ( في ) أمور أربعة ( من يصلّى عليه ، والمصلّي ، وكيفيتها ، وأحكامها ).

فأما الأول : فاعلم أنّه ( تجب ) هذه ( الصلاة على كلّ مسلم ) إجماعا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٥ / ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٨ ، قرب الإسناد : ٣٩٣ / ١٣٧٧ ، الوسائل ٧ : ٥٠٢ أبواب صلاة الكسوف ب ١١ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٥٤.

(٣) نقله في مجمع البحرين ٤ : ١٠ عن النهاية ، ولكن الموجود فيها ( ج ١ ص ٣٠٦ ) : الجنازة بالفتح والكسر ..

(٤) نقله ابن الأثير في النهاية ١ : ٣٠٦.

٣١

كما عن التذكرة (١) ، وفي المنتهى بلا خلاف (٢). قال ـ كباقي متأخري الأصحاب ـ : إنّ المراد به هو كلّ مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين ، كالقادحين في عليّ عليه‌السلام أو أحد الأئمة كالخوارج ، أو من غلا فيه كالنصيريّة والسبأيّة والخطابيّة ، فهؤلاء لا تجب عليهم الصلاة ـ إلى أن قال ـ : وتجب الصلاة على غيرهم.

وظاهره دعوى الإجماع على وجوب الصلاة على المخالفين الذين لم ينكروا شيئا من ضروري الدين ، وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما ؛ لعموم النبوي المشهور : « صلّوا على من قال : لا إله إلاّ الله » (٣).

والخبرين في أحدهما : « صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى » (٤).

وفي الثاني : « لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة » (٥).

وضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة بين أصحابنا ، مع اعتبار ما في سند أوّلهما.

خلافا لجماعة من القدماء ، فمنعوا عن الصلاة عليهم جوازا أو وجوبا (٦) ؛ للنصوص المتواترة بكفرهم (٧) المستلزم لذلك إجماعا كتابا وسنّةً.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٥.

(٢) المنتهى ١ : ٤٤٧.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٥٦ / ٣ ، ٤ ، ٥ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٩٨ / ٥٠٣٠.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٢٨ / ١٠٢٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ / ١٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٣٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٣ / ٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٣٢٨ / ١٠٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٨ / ١٨١٠ ، الوسائل ٣ : ١٣٣ أبواب صلاة الجنازة ب ٣٧ ح ٣.

(٦) منهم : المفيد في المقنعة : ٢٢٩ ، والحلبي في الكافي : ١٥٧ ، والحلّي في السرائر ١ : ٣٥٦.

(٧) وردت جملة منها في الوسائل ٢٨ : ٣٣٩ أبواب حدّ المرتدّ ب ١٠.

٣٢

وفيه : منع كلّية الكبرى ، مع أنّ المستفاد منها ليس إلاّ إطلاق لفظ الكفر عليهم ، وهو أعمّ من الحقيقة.

إلاّ أن يقال : إنه ولو مجازا كاف في إثبات هذا الحكم ؛ لكونه أحد وجوه الشبه والعلاقة بين الحقيقي والمجازي.

وهو حسن إن تساوت في التبادر وعدمه. وفيه منع ؛ لاختصاص الخلود بالنار وأمثاله منها بالتبادر.

ولو سلّم فهو معارض بما دلّ على إسلام مظهري الشهادتين. ولو سلّم فهو مخصّص بما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة.

لكن يمكن أن يقال : إن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، لعدم صراحتها في مخالفي الحق ، فيحتمل الاختصاص أو التخصيص بمعتقديه.

وبالجملة : فكما يمكن وقوعها مخصّصة بالعموم السابق كذا يمكن العكس ، بل هو أولى ، لموافقته الأصل. وهو حسن لو لا الشهرة المرجّحة للأول مع ضعف عموم التشبيه بما مرّ.

لكن المسألة بعد محلّ شبهة وإن كان مراعاة المشهور أحوط ؛ لندرة القول بالحرمة ، مع اختصاصها بحق من يعلم بها ، والفرض عدمه هنا ، فتأمل جدا.

هذا مع عدم التقية ، وأمّا معها فتجب قولا واحدا ولكن لا يدعو له في الرابعة بل عليه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

( و ) يلحق بالمسلم ( من ) هو ( بحكمه ممّن بلغ ستّ سنين ) فصاعدا من طفل ، أو مجنون ، أو لقيط دار الإسلام ، أو الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد تغليبا للإسلام.

( ويستوي ) في ذلك ( الذكر والأنثى ، والحرّ والعبد ) للعموم والإجماع.

٣٣

وتقييد الوجوب بالستّ هو المشهور ، بل عليه عامة المتأخرين كما قيل (١). وعن المرتضى وفي المنتهى (٢) : الإجماع عليه ، ويشعر به عبارة الدروس ، حيث نسب القولين المخالفين إلى الترك والشذوذ (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافا إلى الصحيح : متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : « إذا عقل الصلاة وكان ابن ستّ سنين » (٤).

وقريب منه آخر : عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » قلت : متى تجب الصلاة عليه؟ قال : « إذا كان ابن ستّ سنين ، والصيام إذا أطاقه » (٥).

والمراد بالوجوب فيه مطلق الثبوت ، والمعنى أنّه : متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال : « إذا كان .. » إلى آخره ، كما يفهم من الصحيح : في الصبي متى يصلّي؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » قلت : متى يعقل الصلاة وتجب؟ فقال : « لستّ سنين » (٦).

وأما الصحيح : عن الصبي أيصلّى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟

قال : « إذا عقل الصلاة صلّي عليه » (٧) فلا ينافي ما ذكرنا بعد تعليقه الحكم في‌

__________________

(١) قال به المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٢٧.

(٢) المرتضى في الانتصار : ٥٩ ، المنتهى ١ : ٤٤٨.

(٣) الدروس ١ : ١١٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٨٨ ، الوسائل ٣ : ٩٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٠٦ / ٢ ، الفقيه ١ : ١٠٤ / ٤٨٦ ، التهذيب ٣ : ١٩٨ / ٤٥٦ ، الاستبصار ١ : ٤٧٩ / ١٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٩٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٨١ / ١٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ / ١٥٦٢ ، الوسائل ٤ : ١٨ أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٩٩ / ٤٥٨ ، قرب الإسناد : ٢١٨ / ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ١.

٣٤

الجواب على عقله الصلاة المحدود ببلوغ الستّ فيما مرّ من الأخبار.

خلافا للعماني فاشترط في الوجوب البلوغ (١) ؛ للأصل ، وعدم احتياجه إليها قبله ، والموثق : أنّه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلّى عليه؟ قال : « لا ، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » (٢).

وفي الجميع نظر ؛ لضعف الأوّل في مقابلة ما مرّ.

ومنع الثاني ، وانتقاضه بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بما مرّ.

وبه يجاب عن الثالث ، لعدم مقاومته له ؛ مع عدم صراحته واحتماله الحمل على ما يؤول إلى النص ، بأن يراد بجري القلم فيه مطلق الخطاب الشرعي ، والتمرين خطاب شرعي.

لكنه كما قيل : ربما ينافيه حصر الصلاة في الرجل والمرأة ؛ إذ لا يصدقان إلاّ على البالغ (٣).

وفيه نظر : لأن ظهورهما في البالغ ليس بأظهر من ظهور جري القلم في الخطاب التكليفي ، فكما جاز صرفه إلى خلاف ظاهره كذا يمكن صرفهما إلى خلاف ظاهرهما بإرادة المعنى الأعم الشامل للصبي ، ومع الإمكان يتعيّن جمعا.

مع أنّ ظاهر قوله : « إذا جرى عليهما القلم » كونه شرطا لم يستفد من سابقة ، وهو إنما يتم لو أريد منهما المعنى الأعم ، وإلاّ لكان تأكيدا لا شرطا ، إلاّ على تقدير اشتراط عقل الميت في الصلاة عليه ، وهو باطل إجماعا ، ومعه‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٩ / ٤٦٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ / ١٨٥٨ ، الوسائل ٣ : ٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٥.

(٣) الحدائق ١٠ : ٣٧٣.

٣٥

لا يبقى للشرطية وجه أصلا إلاّ كونه تأكيدا ، وما ذكرناه تأسيس ، وهو منه أولى.

وللإسكافي ، فلم يشترط شيئا وأوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلا (١) ؛ للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « إذا استهلّ فصلّ عليه » (٢). ونحوه الخبر (٣).

ومنها : الصحيح (٤) وغيره (٥) : « يصلّى عليه على كلّ حال إلاّ أن يسقط لغير تمام ».

وهي ـ مع ضعف سند ما عدا الصحيح منها وعدم مقاومتها أجمع لما مضى ـ محمولة على التقية ، كما صرّح به جماعة (٦) ، ويشهد له جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : مات ابن لأبي جعفر عليه‌السلام ، فأخبر بموته ، فأمر به فغسل ـ إلى أن قال ـ : فقال عليه‌السلام : « أما إنه لم يكن يصلّى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان علي عليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلّى عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله » (٧) ونحوه غيره (٨).

ويستفاد منها عدم الاستحباب أيضا كما هو ظاهر جماعة (٩).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩٩ / ٤٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ / ١٨٥٧ ، الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٣١ / ١٠٣٥ ، الوسائل ٣ : ٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٣١ / ١٠٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٨١ / ١٨٦٠ ، الوسائل ٣ : ٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٣١ / ١٠٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤٨٠ / ١٨٥٩ ، الوسائل ٣ : ٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ١٤ ح ٤.

(٦) منهم : الشيخ في الاستبصار ١ : ٤٨١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٢٨.

(٧) الكافي ٣ : ٢٠٧ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٩٥ أبواب صلاة الجنازة ب ١٣ ح ٣.

(٨) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٨٧ ، الوسائل ٣ : ١٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ١٥ ح ٤.

(٩) منهم : الكليني في الكافي ٣ : ٢٠٦ ، والصدوق في المقنع : ٢١ ، والمفيد في المقنعة : ٢٣١.

٣٦

خلافا للأكثر ـ ومنهم الماتن ـ فقالوا ( وتستحب ) الصلاة ( على من لم يبلغ ذلك ) أي الستّ سنين ( ممّن ولد حيّا ) مستهلا ؛ عملا بعموم النصوص المتقدمة للإسكافي سندا ، وفيه ما مضى ، إلاّ أن يذبّ عنه بالمسامحة في أدلة السنن والكراهة ، خروجا عن شبهة الخلاف فتوى ورواية ، وليس فيه تشبّه بالعامة بعد الاختلاف في النية ، ومعه لا مشابهة ولا بأس به.

( و ) أما الثاني : فاعلم أنه يجب أن ( يقوم بها ) أي بهذه الصلاة كسائر أحكام الميت ( كلّ مكلّف على الكفاية ) إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وإن لم يقم به أحد استحقوا بأسرهم العقاب ، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (١) ، وقد نقل جماعة أيضا الإجماع عليه (٢) ؛ لأن الغرض إدخالها في الوجود ، وهو يحصل بالوجوب الكفائي.

وربما ينافيه توجه الخطاب في النصوص بأكثر أحكامه إلى الولي ؛ إذ مقتضاه الوجوب العيني عليه ، كذا قيل (٣).

وفيه نظر : فإنّ الخطاب فيها وإن توجه إلى الولي إلاّ أن مقتضاه هنا ليس الوجوب العيني ، لوقوع التصريح في جملة منها بجواز أمره غيره بها (٤) ، وهو خلاف ما يقتضيه الوجوب العيني من لزوم مباشرة المكلّف للمكلّف به بنفسه ، فجواز أمر الغير به دليل على أن المقصود من تخصيص الولي بالخطاب إثبات أولويته به كما فهمه الأصحاب ، حيث قالوا مع حكمهم بالوجوب الكفائي :

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٤٣.

(٢) منهم : المحقق في المعتبر ١ : ٢٦٤ ، والعلامة في النهاية ٢ : ٣٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٢٧.

(٣) الحدائق ١٠ : ٣٨٧.

(٤) الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١ ، ٢.

٣٧

( وأحقّ الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه ).

وإلى مثل هذا نظر جماعة من الأصحاب فقالوا : لا منافاة بين الوجوب كفاية والإناطة برأي بعض المكلّفين ، على معنى أنه إن قام بنفسه أو بنصب غيره وقام ذلك الغير سقط عن الغير ، وإلاّ سقط اعتباره وانعقدت جماعة وفرادى بغير إذنه (١).

والحكم بالأحقية المزبورة مقطوع به في كلامهم من غير خلاف بينهم أجده ، وبه صرّح جماعة مؤذنين بنقل الإجماع ، كما صرّح به في الخلاف (٢) ، مستدلا عليه بعده كباقي الأصحاب بآية أولي الأرحام (٣).

ويدل عليه أيضا المعتبرة ومنها المرسل كالصحيح (٤) ، والرضوي (٥) : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ ».

وقصور الأسانيد والدلالة مجبور بفهم الطائفة وعملهم بها كافّة ، ولذلك وافق الأصحاب في الذخيرة (٦) بعد أن ضعّف الأدلة عدا الإجماع ـ وفاقا للمدارك (٧) ـ بما عرفته في المعتبرة ، وبعدم عموم يشمل مفروض المسألة في الآية الكريمة.

ويمكن الذبّ عنه مع قطع النظر عن الجابر بحجيّة الخبرين المزبورين ، لاعتبار سندهما ، مع اعتضادهما بغيرهما.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ١٥٦ ، السبزواري في الذخيرة : ٣٣٤.

(٢) الخلاف ١ : ٧١٩.

(٣) الأنفال : ٧٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٣ الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٧ ، المستدرك ٢ : ٢٧٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ١.

(٦) الذخيرة : ٣٣٤.

(٧) المدارك ٤ : ١٥٥.

٣٨

وظهور عموم الآية بالاعتبار الذي يثبت به العموم في الإطلاقات ؛ ولذا يستدل بها في الأخبار وكلام الأصحاب على إثبات الإمامة وغيرها من دون تزلزل ولا ريبة.

والمعتبرة وإن لم تصرح بكون المراد بالأولى فيها المستحق للميراث إلاّ أنه ربما يفهم من تتبّع النصوص ، ألا ترى إلى المرسل : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضيه أولى الناس به » (١).

فقد أطلق فيه الأولى ولم يبيّن المراد به ، مع أنّ متنه بعينه مروي في الصحيح سؤالا وجوابا إلى قوله : « أولى الناس به » مبدّلا لفظة « به » فيه « بميراثه » (٢) فظهر شيوع إطلاق الأولى به على الأولى بميراثه.

مضافا إلى صحيحة يزيد الكناسي المشهورة الواردة بتفصيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله : « ابنك أولى بك من [ ابن ابنك ] وابن ابنك أولى بك من أخيك » (٣) فقد أطلق فيه الأولوية مع أنّ المراد بها بحسب الميراث قطعا.

وبالجملة : فلا إشكال فيما ذكره الأصحاب.

وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقية الأولى بالميراث بالصلاة بين ما لو أوصى الميت بها إلى غيره أم لا ، ولعلّه المشهور ، بل عزاه في المختلف إلى علمائنا (٤) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

خلافا للإسكافي في الأول فقدّم الغير (٥) ؛ لحجج غير ناهضة ، عدا عموم‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٦ ، نقله عن كتاب غياث سلطان الورى ( مخطوط ).

(٢) الكافي ٤ : ١٢٣ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٣) الكافي ٧ : ٧٦ / ١ ، التهذيب ٩ : ٢٦٨ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٦ : ٦٣ أبواب موجبات الإرث ب ١ ح ٢. بدل ما بين المعقوفين في النسخ : أمّك ، وما أثبتناه موافق للمصادر.

(٤) المختلف : ١٢٠.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٢٠.

٣٩

الآية بالنهي عن تبديل الوصية (١) ، ولكنه معارض بعموم الآية والمعتبرة المتقدمة. والترجيح معها ؛ للشهرة ، وإن كان تقديم الموصى إليه أحوط للورثة.

واعلم أنّ المراد بأحقّية الأولى بالميراث أنه أولى بها ممّن لا يرث كالطبقة الثانية مع وجود أحد من الأولى.

وأمّا الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره الأصحاب بقولهم : والأب أولى من الابن بلا خلاف ، بل قيل : اتفاقا (٢). قيل : لاختصاصه بالشفقة ، فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة (٣).

والولد وإن نزل أولى من الجدّ على المشهور ، خلافا للإسكافي فجعله أولى منه ومن الأب (٤). وهو ضعيف ؛ لكون الولد أولى بالإرث.

قيل : والجدّ للأب أولى من الأخ ، والأخ من الأبوين أولى ممّن يتقرب بأحدهما ، والأخ للأب أولى من الأخ للأم ، والعمّ أولى من الخال ، والعمّ للأبوين أولى من العمّ لأحدهما ، كما أنّ العمّ للأب أولى من العمّ للام ، وكذا القول في الخال ، والمعتق من ضامن الجريرة ، وهو من الحاكم ، فإذا فقد الجميع فوليه الحاكم ، ثمَّ عدول المسلمين (٥).

وهذا الترتيب بعضه مبني على أولوية الميراث ، وبعضه ـ وهو أفراد الطبقة الواحدة على غيرها ـ على كثرة الشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن ، أو التولد كالجدّ بالنسبة إلى الأخ ، أو كثرة النصيب كالعمّ بالنسبة إلى الخال. والعمل‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) المدارك ٤ : ١٥٧.

(٣) انظر المدارك ٤ : ١٥٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٢٠.

(٥) انظر روض الجنان : ٣١١.

٤٠