رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

اشتراكهما في السهو ، فإنّ الحكم فيه ذلك ، سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.

وقد ذكرنا جملة من صورهما وجملة من الصور المتعلقة بشك الإمام والمأموم مع حفظ الآخر أو لا في الشرح مستوفى.

( ولو سها في النافلة ) فشك في عددها ( تخيّر في البناء ) على الأقل أو الأكثر ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (١).

والأمر بالبناء على الأقل في المرسل (٢) محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر ، بل ظاهر جمع كونه مجمعا عليه (٣) ، وعلّل زيادة عليه بأنه المتيقن.

والأصل في البناء على الأكثر ـ بعد الإجماع الذي مرّ ـ نفي السهو فيها في الصحيح (٤) وغيره (٥).

وعمومه فيهما سيّما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضا مطلقا ، أركانا كانت أو غيرها ، كان الشك قبل تجاوز محلّها أو بعده.

خلافا للروض والمدارك (٦) ، فخصّاه بالأعداد ، ولا وجه له بعد عموم اللفظ ، مع إمكان استفادة الحكم فيها من الحكم بنفي الشك في العدد بطريق أولى ، فالعموم أقوى إن لم يكن للإجماع مخالفا.

وإن عمّمنا السهو المنفي لمعناه المعروف ـ كما هو الأقوى على ما قدّمناه‌

__________________

(١) كالصدوق في الأمالي : ٥١٣ ، والطوسي في التهذيب ٢ : ١٧٨ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٦ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ذيل الحديث ٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ٢.

(٣) انظر التذكرة ١ : ١٣٨ ، والمدارك ٤ : ٢٧٤.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ١.

(٥) المقنع : ٣٣ ، المستدرك ٦ : ٤١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٦) روض الجنان : ٣٥٥ ، المدارك ٤ : ٢٧٤.

١٦١

في بحث كثير الشك ـ أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضا ، كما صرّح به في المدارك (١) ، تبعا لظاهر الخلاف وصريح المنتهى (٢) ، وظاهر هما بل صريح الأول عدم خلاف فيه بيننا. خلافا للروض فجعل النافلة هنا كالفريضة (٣).

وهل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقا حتى لو استلزم فساد النافلة ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها؟ أو إذا لم يستلزم فسادها ، وإلاّ فالبناء على الأقل يكون متعينا؟

وجهان ، أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النص والفتاوي ، وإلاّ فهو أظهر هما ، سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختيارا.

( و ) اعلم : أنه ( تجب سجدتا السهو ) زيادة على من مرّ (٤) ( على من تكلّم ناسيا ) أو ظانا لخروجه من الصلاة ( ومن شكّ بين الأربع والخمس ) وهو جالس ( ومن سلّم قبل إكمال الركعات ) على الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع على الجميع (٥) ، وفي المنتهى وغيره (٦) الاتّفاق على الأخير والأول ، وحكي عن ظاهر الماتن أيضا في الثالث (٧).

للصحيح في الأول : عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين » الخبر (٨).

ونحوه صحيح آخر وارد في الشك بين الثنتين والأربع وفيه : « وإن تكلّم‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٧٤.

(٢) الخلاف ١ : ٤٦٥ ، المنتهى ١ : ٤١٧.

(٣) روض الجنان : ٣٥٣.

(٤) أي : ناسي التشهد والسجدة الواحدة. منه رحمه الله.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦.

(٦) المنتهى ١ : ٤١٧ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ١٧٠ ، ١٧٦.

(٧) راجع المعتبر ٢ : ٣٩٧.

(٨) تقدّم مصدره في ص : ١٥٩.

١٦٢

فليسجد سجدتي السهو » (١).

وفي ثالث وارد في تسليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الركعتين في الرباعية وتكلّمه مع ذي الشمالين أنه سجد سجدتين لمكان الكلام (٢). وظاهره كونهما للكلام دون السلام ، ولكنهما من باب واحد كما صرّح به من الأصحاب غير واحد (٣) مستدلّين به على وجوبهما في الثالث.

وللمعتبرين فيه ، أحدهما الصحيح : عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع ، قال : « يقوم فيركع ويسجد سجدتين » (٤).

والثاني الموثق : عن رجل صلّى ثلاث ركعات وظنّ أنها أربع فسلّم ثمَّ ذكر أنها ثلاث ، قال : « يبني على صلاته ويصلّي ركعة ويتشهد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو » (٥) وهو أظهر دلالة من الأول.

وللصحاح المستفيضة في الثاني (٦).

خلافا لظاهر الصدوقين في الجميع (٧) ، ومال إليه بعض من تأخر فيما عدا الثاني (٨) ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها : « لا شي‌ء عليه » (٩) وحمل الأخبار‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٤٥ / ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٣) كالعلامة في المنتهى ١ : ٤١٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٦) الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤.

(٧) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ١٤٠ ، الصدوق في الأمالي : ٥١٣.

(٨) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٩.

(٩) الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩ ، وج ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥ ، ٩.

١٦٣

السابقة على الاستحباب جمعا.

وهو ضعيف جدا ؛ لفقد التكافؤ بينهما ، لقوة تلك بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته ، ويعضده موافقة الصدوق في الأول للأكثر في موضع آخر (١).

وأما عدم ذكر العماني ـ ككثير من القدماء ـ الثالث فغير ظاهر في المخالفة للأكثر بعد ذكرهم الكلام من جملة ما يوجبهما ؛ لما قدّمناه (٢).

مع أنّ الجمع بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشي‌ء المنفي في هذه المستفيضة بالإثم والإعادة ، والترجيح لا بد له من دليل ، وليس ، سوى الأصل الغير المعارض لما دلّ على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا ، فالجمع الثاني أقوى.

وللمفيد والخلاف والديلمي والحلبي (٣) في الثاني ، فلم يذكروهما فيه ، بل ظاهر الأولين نفيهما ؛ ولم أجد لهم عليه مستندا مع استفاضة الصحاح المتقدمة بخلافه واشتهاره بين أصحابنا ، فهو ضعيف جدّا.

وأضعف منه القول بوجوب إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى (٤) ؛ لندرته ، ودعوى شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية الإجماع على خلافه.

وقريب منهما في الضعف ما عن المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط‌

__________________

(١) كما في المقنع : ٣٢.

(٢) من أن الكلام والتسليم في غير المحلّ من باب واحد. منه رحمه الله.

(٣) المفيد في المقنعة : ١٤٨ ، الخلاف ١ : ٢٠٢ ، الديلمي في المراسم : ٩٠ ، الحلبي في الكافي : ١٤٩.

(٤) المنتهى ١ : ٤١٧.

١٦٤

بركعتين من جلوس (١) ، للرضوي (٢) ؛ لقصوره عن المقاومة للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.

ثمَّ إنّ الموجود في جملة منها إنما هو أن من لم يدر أربعا صلّى أو خمسا فليسجد سجدتي السهو ، ومقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة الجلوس كما قلنا ، وصرّح به جماعة من أصحابنا (٣).

وعليه فيشكل الحكم بوجوبهما في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما عدا المتقدمة ، إذ منها وقوع الشك بينهما قبل الركوع ، ويجب فيها هدم الركعة مطلقا وإتمام الصلاة والاحتياط بركعتين من جلوس ؛ لرجوعه إلى الشك بين الثلاث والأربع ، وليس فيه سجود السهو على الأصح ، نعم إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس اتجه ، لكنه ليس من جهة الشك بين الخمس والأربع.

وما عدا هذه الصورة يشكل الحكم بصحة الصلاة فيها مطلقا ، سيّما ما كان الشك فيه قبل السجدتين ، فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه (٤) الحكم بالبطلان هنا ، لتردده بين محذورين : الإكمال المعرّض للزيادة ، والهدم المعرّض للنقيصة.

وفي الذكرى احتمال البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين ؛ لعدم الإكمال‌

__________________

(١) المقنع : ٣١ ، وفيه : الشك بين الاثنتين والخمس ، ولكن المنقول عنه في المختلف : ١٣٤ هو الشك بين الأربع والخمس.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٠ ، المستدرك ٦ : ٤١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤١٧ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧٧.

(٤) انظر التذكرة ١ : ١٤٠ ، والقواعد ١ : ٤٣ ، والمختلف : ١٣٤.

١٦٥

وتجويز الزيادة (١).

وهو جار في باقي الصور ، ومع الإشكال في الصحة كيف يمكن الحكم بوجوب السجدة فإنه فرعها؟! ولو سلّمناها كما حكي عن الماتن القطع بها ـ لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو ثابت بالأصل من عدم الزيادة ، ولأن تجويزها لو أثّر لأثّر في جميع الصور (٢) ـ كان الحكم بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه ، بعد ما عرفت من اختصاص النصوص الموجبة لها بفرد خاص قد مرّ. لكن في جملة أخرى منها غير ما قدّمنا متنها إيجابها للشك في مطلق الزيادة والنقصان ، فيشمل المقام ، إلاّ أنّ في الاستناد إليها كلاما يأتي.

( و ) هل تجبان في غير ما ذكر؟

( قيل ) : نعم ( لكل زيادة ونقصان ، وللقعود في موضع القيام ، والقيام في موضع القعود ).

والقائل الصدوق (٣) صريحا في الثاني ، كأبيه والمرتضى والديلمي والحلّي والقاضي وابن حمزة والحلبي وابن زهرة (٤) مدعيا عليه إجماع الإمامية ، وغيرهم من المتأخرين (٥).

وظاهرا في الأول ؛ حيث أوجبهما على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، كما في جملة من المعتبرة كالصحيح والموثق : « من حفظ سهوه فأتمه‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧.

(٢) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٧.

(٣) كما في الأمالي : ٥١٣ ، والفقيه ١ : ٢٢٥.

(٤) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ١٤٠ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٧ ، الديلمي في المراسم : ٩٠ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٧ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٥٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٢ ، الحلبي في الكافي : ١٤٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦.

(٥) منهم الشهيدان في اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٢٧ ، وروض الجنان : ٣٥٣.

١٦٦

فليس عليه سجدتا السهو ، وإنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أو نقص منها » (١).

والصحيح : « إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس » (٢).

وذلك فإن وجوبهما هنا يستلزم وجوبهما مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرّح به جماعة من أصحابنا (٣) ؛ ولعلّه لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل زيادة ونقيصة إلى الصدوق (٤).

هذا إن قلنا إنّ المراد من قوله : من لم يدر زاد في صلاته أم نقص ، الشك في الزيادة وعدمها ، وفي النقيصة وعدمها ، كما فهمه الجماعة ، ولعلّه المتبادر منه عرفا وعادة.

أما لو كان المراد منه معناه الحقيقي لغة وهو الشك في خصوص الزيادة أو النقيصة بعد القطع بإحداهما فيكون نصا في وجوب السجدتين بإحداهما مطلقا ، إلاّ أن يخصّ متعلقهما بالركعة خاصة دون غيرها مطلقا ؛ ولعلّه لذا لم ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى الصدوق ولا غيره ـ مع أنه حكى عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة ، وعن المفيد الموافقة له ، لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة ونقصها أو الركوع كذلك ـ بل قال : نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة ونقصان ، ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه إلاّ رواية الحلبي السابقة ، وأشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة ، قال : وليست‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٤ ، الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠١٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٦ ؛ وص ٢٣٩ ب ٢٣ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٣) منهم ابن فهد في المهذّب البارع ١ : ٤٤٦.

(٤) الروضة ١ : ٣٢٧.

١٦٧

صريحة في ذلك ؛ لاحتمالها الشك في زيادة الركعات ونقصانها ، أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه وذلك غير المدّعى ، إلاّ أن يقال بأولوية المدّعى على المنصوص (١). انتهى.

لكنه بعيد وإن احتمله ، ويشهد له عدم نفيه الظهور بل الصراحة.

وعلى هذا فيتقوى القول المزبور ؛ لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية ؛ مع اعتضادها ببعض المعتبرة : « تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٢).

لكن المشهور عدم وجوبهما فيهما ؛ ولعلّه لقصور سند الرواية الأخيرة بالجهالة ، مع معارضتها ـ كالمعتبرة ـ بجملة من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع والجهر والإخفات والقراءة ونحوها (٣) الظاهرة في عدم الوجوب ؛ لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك الأمور المزبورة من دون إشارة في شي‌ء منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام الحاجة.

مع أنّ في جملة منها صحيحة التصريح ب « لا شي‌ء عليه » الشامل للسجدة. وتخصيصها بما عداها من الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة وإن أمكن ، لأنها أظهر دلالة ، إلاّ أنه يمكن العكس ، فتقيّد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة ، وهذا أرجح ؛ للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة.

هذا مع تصريح بعض الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٠٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٢٠ أبواب الركوع ب ١٥ ، وص ٨٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٩.

١٦٨

السجدتين فيها (١) ، ويتم الباقي بعدم القائل بالفرق أصلا ، فالعدم أقوى وإن كان الوجوب أحوط وأولى هنا.

وكذا في الموضع الثاني أيضا ؛ لدلالة جملة من المعتبرة عليه ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما (٢) ، وإن كان العدم هنا أيضا أقوى ؛ لمعارضة الصحيح والموثق بمثلهما المتقدم (٣) الدال على عدم الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا.

مع أنهما ـ كغير هما ـ معارضان بالصحاح المستفيضة وغيرهما من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة والتشهد قبل تجاوز المحل وبعده (٤) ، الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في المستفيضة السابقة. وتخصيصها بهذه المعتبرة وإن أمكن إلاّ أنه يمكن حمل هذه المعتبرة على التقية ؛ لكونها موافقة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (٥). ومع ذلك قد عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة. وهي أولى بالترجيح ؛ للأصل ، ومخالفة العامة ، وموافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة. ولكن الاحتياط قد عرفته.

وعن الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث والأربع إذا توهّم الرابعة (٦) ؛ للصحيحين (٧) وغيرهما (٨).

__________________

(١) راجع ص ١١٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢.

(٣) في ص ١٦٦ و١٦٧.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٦٤ أبواب السجود ب ١٤ ، وص ٤٠٥ أبواب التشهّد ب ٩.

(٥) المنتهى ١ : ٤١٨.

(٦) كما نقله عنه في الدروس ١ : ٢٠٦.

(٧) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٥ و٣٥٣ / ٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤ ، ٥.

(٨) الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠.

١٦٩

وفي الدروس إنه نادر (١).

ولعلّه كذلك ، فينبغي حمل النصوص على الاستحباب ، مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا ودلالة ، مع إشعاره بوروده تقية. والصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على المظنون خصوصا وعموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا

مع ورودها في بيان الحاجة. وهي بالترجيح أولى ؛ لاعتضادها بالأصل والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا ، ولكن فعلهما لعلّه أحوط وأولى.

( وهما ) أي السجدتان ( بعد التسليم ) مطلقا ( على الأشهر ) الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ، وفي صريح الناصرية والخلاف والأمالي أن عليه إجماعنا (٢) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٣).

وقيل : إن كانتا للنقصان فقبل وإلاّ فبعد (٤) ؛ للصحيح (٥).

وحمل على التقية (٦) ، ويعضده مصير الإسكافي إليه ، حكاه عنه جماعة (٧) وإن أنكره في الذكرى ، لأن عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه وإن لم تكن فيه صريحة ، هذا ، وقال بعد الإنكار : نعم هو مذهب أبي حنيفة (٨).

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٠٧.

(٢) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١ ، الخلاف ١ : ٤٤٨ ، الأمالي : ٥١٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥.

(٤) قال به ابن جنيد كما في المختلف : ١٤٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٥ / ٧٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٣٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٦) كما في التهذيب ٢ : ١٩٥ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٦١.

(٧) منهم : العلامة في المختلف : ١٤٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٦٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٨٢.

(٨) الذكرى : ٢٢٩.

١٧٠

وهو أيضا من المعاضدات القوية إلاّ أنّ المنسوب إليه في المعتبر والمنتهى هو الموافقة لأصحابنا (١) ، وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.

وأضعف منه القول المحكي في الشرائع أنهما قبل التسليم مطلقا (٢) ؛ لضعف ما دلّ عليه من الأخبار (٣) سندا ومكافاة ـ كالصحيح المتقدم ـ لما تقدّم من وجوه شتّى. وحمل هذا على التقية أيضا (٤) ، ولا بأس به جمعا بين الأدلة.

ويجب ( عقيبهما تشهد خفيف وتسليم ) على الأشهر الأقوى ، وفي ظاهر المعتبر والمنتهى أنّ عليهما إجماعنا (٥) ؛ وهو الحجة.

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة في الأول ، منها الصحيح : « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » (٦).

ونحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلّى أنه يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا (٧) ، فتأمل.

وبها يقيّد ما أطلق فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد (٨).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٩٩ ، المنتهى ١ : ٤١٨.

(٢) الشرائع ١ : ١١٩.

(٣) انظر الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٤ ، ٥.

(٤) كما في التهذيب ٢ : ١٩٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٠٠ ، المنتهى ١ : ٤١٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠١٩ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٧) الأول :

التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٠ ، الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ٦.

الثاني :

الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٢.

(٨) الأول :

١٧١

والصحيح في الثاني الوارد فيمن صلّى أربعا أو خمسا ، وفيه : « فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعد هما » (١).

خلافا للمختلف فلا يجبان (٢) ؛ للأصل ، والموثق : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : « لا ، إنما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها ، وليس عليه أن يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين » (٣).

وهو نصّ في نفي التشهد ، ولا قائل بالفرق بينه وبين نفي التسليم ، مع استفادته من الحصر في الصدر.

ويضعف الأصل بما مر ، ويضعف عن مقاومته الموثق.

ولو لا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر الإجماعات المحكية لكان ترجيح الموثقة لا يخلو عن قوة ؛ لاعتبار سندها ، وصراحتها ، واعتضادها بالنصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشي‌ء بعدهما مع ورودها في بيان الحاجة ظاهرا ؛ مضافا إلى مخالفتها لما عليه أكثر العامة العمياء ومنهم أصحاب الرأي وهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى (٤).

__________________

التهذيب ٢ : ١٥٨ / ٦٢١ ، الوسائل ٦ : ٤٠٣ أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.

الثاني :

الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣٦ / ١٣٨٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠٤ أبواب التشهد ب ٨ ح ١.

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٥ / ٧٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٢.

(٢) المختلف : ١٤٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧١ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

(٤) المنتهى ١ : ٤١٨.

١٧٢

وبموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين وما في معناهما على التقية ، ويحتمل الاستحباب على بعد ، لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.

وصريح الموثقة كظاهر العبارة وغيرها عدم وجوب شي‌ء آخر. وهو الأقوى ؛ للأصل أيضا ، فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور. خلافا للمبسوط فأمر به (١) ، ولا دليل على الوجوب إن أراده ، والاستحباب لا بأس به.

( ولا ذكر فيهما ) (٢) كما عليه الفاضلان في المعتبر والمختلف والمنتهى (٣) ، وقوّاه جماعة من متأخري متأخرينا (٤).

خلافا للأكثر فأوجبوه ( و ) عينوا ما ( في رواية الحلبي ) الصحيحة ( أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول فيهما : « بسم الله وبالله وصلّى الله على محمد وآله » ).

وفي بعض النسخ : « اللهم صلّ » .. إلى آخره.

وسمعه مرة أخرى يقول : « بسم الله وبالله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » (٥).

وفي بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام. والكل حسن كما صرّح به‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٥.

(٢) في المختصر المطبوع : ولا يجب فيهما ذكر.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٠٠ ، المختلف : ١٤٣ ، المنتهى ١ : ٤١٨.

(٤) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٦٢ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٨٥ والمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٧ ، والذخيرة : ٣٨١ ، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٢٢١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١.

١٧٣

جمع (١).

( و ) استضعفها الماتن أولا : بأن ( الحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة ) بل مطلقا ، بناء على فهمه منها أنه عليه‌السلام سها فقال ما ذكر فيهما. وثانيا : باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (٢).

ويضعّف الأول : بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها. والثاني : بأن اللزوم هو المتبادر ، كما هو الحال في سائر الجمل الاسمية أو الفعلية المنساقة في سياق الطلب.

نعم ، يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين ما مرّ من الموثق المعتضد بالأصل وإطلاق كثير من النصوص ، لكن الأحوط ، بل اللازم عدم الترك.

ويجب فيهما ـ مضافا إلى ما مرّ ـ النية ؛ لأنها عبادة. ورفع الرأس بينهما ، بل والجلوس بينهما مطمئنا تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى والرواية. والسجود على الأعضاء السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والطهارة ، والستر ، واستقبال القبلة.

كل ذلك احتياطا للعبادة ، وتحصيلا للبراءة اليقينية ، وأخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة ، مع أنه لا خلاف أجده في اعتبار النية وكثير ممّا بعدها.

وهل المراد بالتشهد الخفيف ما اشتمل على مجرد الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم التشهد المعهود في الصلاة ويكون‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٢٨ ، وروض الجنان : ٣٥٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٨١ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٣٣٤.

انظر المعتبر ٢ : ٤٠١.

١٧٤

المراد بالخفة تخفيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة؟

وجهان ، ولعلّ الأظهر الأول كما صرّح به جمع ، ومنهم خالي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في البحار عازيا له إلى الأصحاب ، مشعرا بدعوى الإجماع (١).

ثمَّ إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة؟ كلّ محتمل ، ولكن الأحوط الأول ، تبعا لظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه ، وإن احتمل عدمه بتخيّل احتمال ورود الأمر مورد توهم وجوب ضده.

والمراد بالسلام ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين ، دون السلام عليك أيها النبي (٢).

خلافا للحلبي فينصرف به (٣) ، ولم أقف على مستنده ، والاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا وتحتمه. والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.

__________________

(١) البحار ٨٥ : ٢٢١.

(٢) في « ح » زيادة : ورحمة الله وبركاته.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٨.

١٧٥

( الثاني : في ) بيان أحكام ( القضاء ).

اعلم : أنّ ( من أخلّ بالصلاة ) الواجبة عليه فلم يؤدّها في وقتها ( عمدا ) كان الإخلال بها ( أو سهوا ، أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه وعقله وإسلامه ) وسلامته عن الحيض وشبهه وقدرته على الطهور الاختياري أو الاضطراري ( وجب ) عليه ( القضاء ) بإجماع العلماء كما في الذكرى وغيرها (١) ، بل ربما كان نقل الإجماع عليه كالنصوص مستفيضا.

ففي النبوي المشهور : « من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها » (٢).

والصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا ، ومنها : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها » (٣).

( عدا ما استثني ) من صلاة الجمعة والعيدين كما مضى في بحثهما.

واحترز بقوله : مع بلوغه إلى آخره عما لو فاتته وهو صغير أو مجنون أو كافر أصلي ، فإنه لا يجب عليه القضاء بإجماع العلماء كما في المنتهى‌

__________________

(١) الذكرى : ١٣٤ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٢٩٠.

(٢) المسائل الرسية ( رسائل الشريف المرتضى ٢ ) : ٣٤٦ ، وفيه بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

١٧٦

وغيره (١) مستفيضا ، بل يجعل من الدين ضرورة ؛ لحديثي رفع القلم (٢) وجبّ الإسلام (٣).

وكذا الحائض والنفساء بالنص والإجماع الماضيين في بحثهما.

ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوي بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين وقوعه بفعله أم لا ، ولا بين كونه على خلاف العادة وعدمه.

خلافا للذكرى ، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في عدم وجوب القضاء ، قال : وقد نبّه عليه في المبسوط (٤).

وفي الذخيرة : إنّ الحجة على ما ذكره غير واضحة (٥).

أقول : لعلّها الأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا ؛ لاختصاص النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه ، لأنه المتبادر المنساق منه إلى الذهن عند الإطلاق ، ولا إجماع ، لمكان الخلاف.

وعموم من فاتته غير معلوم الشمول لمفروض المسألة ، بل مطلق النوم والأحوال التي لم يصحّ فيها التكليف بالأداء إجماعا ، لأن موضوعه من صدق عليه الفوت ، وليس إلاّ من طولب بالأداء ، وهذا غير مطالب به أصلا ، ومعه فلا يصدق الفوت جدّا ، كما لا يصدق على الصغير والمجنون ونحو هما.

وهذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء بالإغماء ونحوها في عبائر كثير من العلماء كالفاضل في المنتهى والشهيدين في الروضة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٢٨٧ / ٢٨٩ ، والحدائق ١١ : ٢.

(٢) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٣) عوالي اللئالي ٢ : ٢٢٤ / ٣٨ ، مسند أحمد ٤ : ١٩٩.

(٤) الذكرى : ١٣٥.

(٥) الذخيرة : ٣٨٣.

١٧٧

والذكرى (١) ، وهو وإن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم ونحوه مطلقا إلاّ أنه خرج عنه الفرد العادي منه اتفاقا فتوى ونصا ، ويبقى ما عداه تحته باقيا.

ومنه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء بالذي يكون من قبله (٢) ، فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه فلا قضاء عليه كالإغماء. بل جريانه هنا أولى ؛ لانحصار دليل القضاء فيه في الإجماع المفقود في محل النزاع ، إذ لا إطلاق فيه نصا يتوهم شموله له قطعا ؛ هذا مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء الجاري هنا أيضا.

والمراد بالكافر الأصلي : من خرج عن فرق المسلمين ؛ لأنه المتبادر من إطلاق النص والفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه ؛ فالمسلم يقضي ما تركه وإن حكم بكفره كالناصبي وإن استبصر ، وكذا ما صلاّه فاسدا عنده ؛ لعموم النص بقضاء الفوائت ، خرج منه الكافر الأصلي وبقي الباقي.

نعم ، لا تجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال وإن كان الحق بطلان عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة (٣) ؛ لمثلها من المعتبرة وفيها الصحاح وغيرها (٤) ، وهو تفضّل من الله تعالى.

( ولا قضاء ) واجبا ( مع الإغماء المستوعب للوقت ، إلاّ أن يدرك ) مقدار ( الطهارة والصلاة ولو ركعة ) فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٢٠ ، الروضة ١ : ٣٤٣ ، الذكرى : ١٣٤.

(٢) كما في الذكرى : ١٣٥ ، وروض الجنان : ٣٥٥ ، والروضة ١ : ٣٤٣.

(٣) الوسائل ١ : ١١٨ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

(٤) الوسائل ١ : ١٢٥ أبواب مقدمة العبادات ب ٣١.

١٧٨

قضاء أو ملفقا على الاختلاف المتقدم في بحث الحيض ، وقضاؤها في الخارج إجماعا ؛ لما مضى ثمة من الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة ؛ مضافا إلى ما ورد فيها من الصحاح المستفيضة التي ستأتي إليها الإشارة.

أما عدم القضاء في غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه (١) ، وعليه عامة من تأخر. بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر كالصدوق في المقنع (٢) ؛ للصحاح المستفيضة ، منها : عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال : « يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد » (٣).

وغيره المحكي عنه في روض الجنان وغيره (٤) : أنّه يقضي آخر يوم إفاقته إن أفاق نهارا وآخر ليلته إن أفاق ليلا ؛ للمستفيضة : « لا يقضي إلاّ صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها » (٥) كما في بعضها.

وفي جملة منها : « يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه » (٦).

وهما نادران ، كالنصوص الواردة بقضاء ثلاثة أيام (٧) ، بل صرّح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس (٨) ، مشعرا بدعوى الإجماع على‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

(٢) المقنع : ٣٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٥ / ٩٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ / ١٧٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٦٥ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ ح ٤.

(٤) روض الجنان : ٣٥٥ ؛ وانظر الذكرى : ١٣٤.

(٥) المقنع : ٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٦٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٠.

(٦) قرب الإسناد : ٢١٣ / ٨٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢٦٤ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢٥.

(٧) الوسائل ٨ : ٢٦٥ أبواب قضاء الصلوات ب ٤ الأحاديث ٥ ، ٧ ، ١١.

(٨) الدروس ١ : ١٤٥.

١٧٩

المشهور ، كالفاضل في المنتهى وغيره (١) ، حيث لم ينقل فيهما خلافا منّا ، فلا عبرة بشي‌ء منها ، سيّما مع استفاضة الصحاح الصراح كغيرها بعدم القضاء مطلقا معلّلة له بأنّ كلّ ما غلب الله تعالى عليه فهو أحق بالعذر وأولى (٢).

ولأجله لا يمكن تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني ، سيّما مع ضعف أسانيد أكثرها ، وقصور دلالتها كلّها ، بل ضعفها ، لقوة احتمال أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق فيهما أفاق فيها لا مطلقا ، كما يستفاد من الصحاح المستفيضة ، منها : « لا يقضي إلاّ الصلاة التي أفاق فيها » (٣).

وفي جملة منها : « يقضي الصلاة التي أدرك وقتها » (٤).

مع احتمال حملها كما عداها على التقية ؛ لوجود القول بمضامينها بين العامة (٥).

أو على الاستحباب ، كما صرّح به المتأخرون كافة ، تبعا للصدوق في الفقيه والشيخ في كتابي الحديث (٦). ولا بأس به جميعا بين الأدلّة ، ويحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة ، فأعلاها الجميع ، ثمَّ الشهر خاصة‌

__________________

(١) المنتى ١ : ٤٢٠ ؛ وانظر التحرير ١ : ٥٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ / ٩٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ / ١٧٨٠ ، الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٢ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ / ٩٣٢ ، الاستبصار ١ : ٤٥٩ / ١٧٧٩ ، الوسائل ٨ : ٢٦٢ أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٧.

(٥) انظر المجموع ٣ : ٧.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٤ وج ٤ : ٢٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٨.

١٨٠