رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

المصرّح بالتخيير بين الأمرين ، هذا.

والقول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي ، عملا في كل منهما بظواهر الأخبار ، ولو لا الإجماعات المنقولة ، والروايات المرسلة المنجبرة بالشهرة ، وشبهة عدم القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا ، لكن بعدها لا تأمل في التخيير ولا شبهة.

( و ) يفعل ( في الثاني ) منها ( كذلك ) فيبني على الأكثر ويتم ثمَّ يحتاط بما مرّ ؛ لما مرّ ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة هنا ، وفيها الصحاح وغيرها.

ففي الصحيح : « إذا كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب ووهمك إلى شي‌ء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب » الخبر (١).

وظاهره كغيره وإن أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط ، لكنه محمول على التخيير ، جمعا بينها وبين ما مرّ.

ومنه صريح المرسل : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء الله صلّى ركعة وهو قائم وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » الخبر (٢).

والضعف بالإرسال وغيره منجبر بما مرّ.

وأما الصحيح الآمر بالبناء على الأقل (٣) فيجاب عنه بما مرّ ، مع شذوذ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٩ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٧ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ح ١.

١٤١

ظاهره ، إذ لم يحك عن أحد ، بل قيل هنا : لا خلاف في جواز البناء على الأكثر (١). والجمع بينه وبين ما مرّ بالتخيير ـ كما عن الصدوق والإسكافي (٢) ضعفه قد ظهر ممّا سبق.

( و ) كذلك يفعل ( في الثالث ) لكن يحتاط ( بركعتين من قيام ) حتما إجماعا كما في الانتصار والخلاف (٣) ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٤).

والصحيحة الدالة على الإعادة (٥) شاذة وإن نقل القول بها عن المقنع (٦) ؛ لندوره ، مع نقل الإجماع عن الفاضلين على خلافه (٧) ، فلتطرح أو تحمل على الشك في نحو المغرب ، أو الرباعية مع وقوعه قبل إكمال السجدتين.

ويستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا (٨) ، مع أنّ في جملة منها بعد صلاة الاحتياط : « لا شي‌ء عليه » (٩) ولذا حمل على الاستحباب تارة ، وعلى ما إذا تكلّم ناسيا اخرى. وهو أولى ؛ لورود الصحيح باشتراطه فيهما (١٠). وأمّا جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما بيّنّاه في‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٥٨.

(٢) نقله عنهما في المختلف : ١٣٣.

(٣) الانتصار : ٤٨ ، ٤٩ ، الخلاف ١ : ٤٤٥.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦ / ١ / ٧٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٧.

(٦) المقنع : ٣١.

(٧) لم نعثر عليه في كتب المحقق ونقله عنه في الذخيرة : ٣٧٦ ، العلامة في التذكرة ١ : ١٣٩‌

(٨) التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.

(٩) الوسائل ٨ : ٢٢٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣ ، ٤ ، ٦‌

(١٠) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

١٤٢

الشرح مستوفى ، وعلى تقديره يحمل على التقية كما قدّمناه في نظائره.

( و ) كذلك يفعل ( في الرابع ) لكنه يحتاط فيه ( بركعتين من قيام ثمَّ بركعتين من جلوس ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الانتصار (١) ؛ للمرسل المنجبر بالعمل ، مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر الصحيح : في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم » (٢).

خلافا للصدوقين والإسكافي (٣) ، فاكتفوا بركعة من قيام واثنتين من جلوس ؛ للصحيح (٤).

وفي كل من سنده ومتنه اضطراب بيّنت وجههما في الشرح. وممّا يتعلق بالمتن وجود نسخة بركعتين من قيام ، بدل ركعة من قيام ، كما هو المشهور ، ويمكن ترجيحها بالموافقة للرواية السابقة ، مضافا إلى الشهرة العظيمة ، إلاّ أنّ النسخة المشهورة ضبطا هي الاولى.

ويؤيدها الرضوي (٥) المصرّح بعينها من غير نقل اختلاف فيها. لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة الرواية الأولى ؛ لشهرة الفتوى بها ، سيّما من نحو الحلّي والمرتضى ـ رحمهما الله ـ اللذين لم يعملا إلاّ بالمجمع عليه والمتواترات والآحاد المحفوفة بالقرائن قطعا.

__________________

(١) الانتصار : ٤٨ ، ٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ٤.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ١٣٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٠ / ١٠٢١ ، الوسائل ٨ : ٢٢٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٨ ، المستدرك ٦ : ٤١١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٢ ح ١.

١٤٣

وتقوية الشهيد في الذكرى (١) هذا القول من حيث الاعتبار منظور فيها كما بيّنته في الشرح مستوفى.

ثمَّ إنّ وجوب الوقوف على المنصوص يقتضي تعيّن الركعتين من جلوس بعد الركعتين من قيام كما هو المشهور ، بل عزا

الأول في الذكرى إلى الأصحاب (٢) ، فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقا ، لا حتما كما عن المفيد في العزّية والديلمي (٣) ، ولا تخييرا بينهما كما عن الفاضل والشهيدين (٤).

ولا تقديمهما على الركعتين من قيام مطلقا ، لا حتما كما حكي قولا (٥) ، ولا تخييرا كما عن المرتضى في الانتصار وأكثر الأصحاب (٦).

وفي الحكاية عنهم نظر ؛ إذ ليس في عبارة نحو الانتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس عليهما من قيام بالواو (٧) ، المفيدة لمطلق الجمعية ، دون « ثمَّ » المفيدة للترتيب.

وفي الاكتفاء بمثل ذلك في النسبة مناقشة ، سيّما مع عدم العلم بمذهبهم في الواو هل تفيد الترتيب أو مطلق الجمعية ، مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب بلا شبهة ؛ ولذا أن في الروضة عزا الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا ، قال : رواه ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٦.

(٢) الذكرى : ٢٢٦.

(٣) نقله عن العزّية في الذكرى : ٢٢٦ ، المراسم : ٨٩.

(٤) الفاضل في المنتهى ١ : ٤١٦ ، الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٦ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٣٠ ، وروض الجنان : ٣٥١.

(٥) حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥٢.

(٦) نقله عنهم في الذكرى : ٢٢٦.

(٧) الانتصار : ٤٨.

١٤٤

عاطفا لركعتي الجلوس بثم كما ذكر هنا ، فيجب الترتيب بينهما (١) ، وفي الدروس جعله أولى (٢).

أقول : ونحو الرواية في العطف بثمّ الصحيحة المتقدمة.

واعلم : أنه يجب أن يكون ( كلّ ذلك ) أي كل من هذه الصلوات الاحتياطية ( بعد التسليم ) بلا خلاف أجده ؛ للأمر به قبلها ثمَّ بها بعده في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ؛ مع تضمن جملة منها ـ وفيها الصحيح وغيره ـ أنه إن كان ما صلاّه تماما كانت هذه نافلة ، ولا يستقيم ذلك إلاّ بعد انفرادها عن الفريضة وخروجها عنها ليتوجه احتمال وقوعها نافلة ، فتأمل جدّا.

وما تضمّن الأمر ببعضها مطلقا من النصوص مقيدة بذلك جمعا.

ومن هنا يظهر وجوب اعتبار النية فيها والإحرام والتشهد والتسليم ، بل جميع واجبات الصلاة ، عدا القيام ، إلاّ حيث يجب ؛ لأنها صلاة منفردة ، مضافا إلى ورود الأمر بجملة منها في جملة منها.

وهل يتعين فيها قراءة الفاتحة خاصة ، أم لا بل يتخير بينها وبين التسبيح؟

الأكثر على الأول. وهو الأظهر ؛ للأمر بها في نصوصها (٣) ؛ مع تضمن جملة منها كما عرفت احتمال وقوعها نافلة ، ولا صلاة إلاّ بفاتحة.

خلافا للمفيد والحلّي (٤) فالثاني ؛ للبدلية المستفادة من هذه ؛ مضافا إلى الموثقة العامة (٥). وضعفه ظاهر ممّا عرفته.

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٣٠.

(٢) الدروس ١ : ٢٠٣.

(٣) في « ش » زيادة : كالسجدات والتشهد والتسليم.

(٤) المفيد في المقنعة : ١٤٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٢٥٦.

(٥) المتقدمة في ص : ١٣٦.

١٤٥

وهل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلل المنافي؟ ظاهر الأكثر : نعم ، بل جعله في الذكرى ظاهر النصوص والفتاوي (١) ، معربا عن الإجماع.

وعليه فتبطل بتخلله كما عن المفيد (٢) ، وعليه الفاضل في المختلف والشهيد في الذكرى (٣) ، مستدلّين عليه بما يرجع حاصله إلى أنّ شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة ، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون واقعا في الصلاة فيبطلها ، حتى ورد سجود سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا.

وللأمر به فورا في الصحيح (٤) ، وتخلّل الحدث يوجب الإخلال به ، وهو يوجب بقاء التكليف بحاله ، ولا يخرج عنه إلاّ بإعادة الصلاة.

خلافا للحلّي وجماعة من المتأخرين (٥) ، فلا تبطل بتخلله ؛ لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم البدلية ، ومنع اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينها.

وهو ضعيف كما برهن في محلّه مستقصى ، ولو سلّم فإيجاب سجدتي السهو لما مرّ قرينة على إرادته هنا.

وكذا الكلام في تخلله بين الصلاة والأجزاء المنسية. بل الحكم بالبطلان به هنا أولى ؛ للقطع بجزئيتها. وخروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الإجماعية للضرورة لا يقتضي الخروج عنها بالكلية ، هذا.

ولا ينبغي ترك الاحتياط في نحو المسألة ، ويحصل بإتيان البدل بعد‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٣٩.

(٣) المختلف : ١٣٩ ، الذكرى : ٢٢٧.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٨.

(٥) الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٦ ؛ وانظر إرشاد الأذهان ١ : ٢٧٠ ، وروض الجنان : ٣٥٣ ، والمدارك.

٤ : ٢٦٧.

١٤٦

تخلّل الحدث ، ثمَّ إعادة الصلاة من رأس.

واعلم : أنّ ظاهر إطلاق النص والفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد الاحتياط وإن تذكّر كونه متمما لها ، بل به صرّح الموثق : « وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » (١).

وعمومه كإطلاق البواقي يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة.

خلافا للشهيد في الذكرى فاستشكل الحكم في هذه الصورة ، إلاّ أنه بعد ذلك قوّى الصحة ، قال : لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة خلاف الأصل ، ولأنه لو اعتبر المطابقة لم يتم لنا احتياط يذكر فاعله الاحتياج إليه ، لحصول التكبير الزائد المنوي به الافتتاح (٢). انتهى. وهو حسن.

ولو ذكر في أثناء الاحتياط الاحتياج إليه ففي الإجزاء مطلقا ، أو الإعادة كذلك ، أو التفصيل بين ما طابق فالأول وإلاّ فالثاني أوجه. ولعلّ أوجهها الأول ؛ لاقتضاء امتثال الأمر الإجزاء ، وجعله في الروضة (٣) والسابق ظاهر الفتوى مشعرا بكونهما إجماعيا ، ولكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

ولو ذكر عدم الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان ، مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا ، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى.

( و ) اعلم : أنه ( لا سهو ) ولا حكم له ( على من كثر سهوه ) بلا خلاف أجده ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح وغيره : « إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك » (٤) وزيد في الأول : « فإنه يوشك أن يدعك‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الذكرى : ٢٢٧.

(٣) الروضة ١ : ٣٣٤.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦.

١٤٧

الشيطان » (١).

وهل المراد بالسهو فيهما وفي غيرهما من الفتاوي خصوص الشك ، كما عن صريح المعتبر وظاهر الفاضل في التذكرة والنهاية والمنتهى (٢)؟

أو ما يعمّه والسهو بالمعنى المقابل له ، كما في صريح الروضة وروض الجنان (٣) ، وعن ظاهر جماعة (٤)؟

وجهان ، بل قولان :

من عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلق السهو وموجبه ، مع سلامته عن معارضة هذه النصوص ؛ لاختصاص جملة منها بالشك ، والاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها. وإرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ، وهو أمر مرغوب عنه عند المحققين.

وارتكاب عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص ، ولم نجدها ، والاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته ، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.

وبالجملة : الاتفاق على إرادة الشك في الجملة ، أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم ، فأمر غير معلوم ، واحتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع ، سيّما مع كونه مرجوحا ، لاتفاق المعمّم صريحا بل مطلقا ـ كما قيل (٥) ـ على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مطلقا ، ووجوب تدارك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٩٣ ، التذكرة ١ : ١٣٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٣٣ ، المنتهى ١ : ٤١١.

(٣) الروضة ١ : ٣٣٩ ، روض الجنان : ٣٤٣.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١١٩ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٨.

(٥) قال به العلامة المجلسي في بحار الأنوار ٨٥ : ٢٧٧.

١٤٨

غيره فيها أو بعدها كذلك ، فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح به أيضا ، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا ، مع أنّ الموجود في الصحيح وغيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة ، وهو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها ، فكيف يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.

ومن قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك ، وله بالمعنى الأخص ؛ لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة ؛ فهو الدليل عليه ، ولا وجه لمنعه.

والحكم بوجوب تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو ؛ إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه ، وإنما السبب عموم أدلته ، وسببية السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو ، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص بالمرة.

بالجملة : المراد من السهو المنفي موجبه ، وليس إلاّ خصوص سجود السهو ، وإلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب أداء وتداركا إلاّ بعموم أدلة لزوم فعله ، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.

فهذا القول أقوى وإن كان الأول أحوط ( وأولى ) (١).

وحيث تعيّن الشك أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو؟ أو ما يعمّه وغيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز المحل ، أو في النافلة ، أو مع رجحان الطرف في الأخيرتين أو مطلقا ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط؟

وجهان ، بل قيل : قولان (٢) ، ولعل الأجود : الأول كما اخترناه في الشرح ،

__________________

(١) ليست في « م ».

(٢) انظر الأربعين للعلامة المجلسي : ٥٥١.

١٤٩

اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص ، وليس إلاّ الشك الكثير الذي له حكم.

ثمَّ المراد بنفي الشك عدم الالتفات إليه والبناء على وقوع المشكوك فيه وإن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة فيبني على المصحّح ، على ما صرّح به جمع (١) ، من غير خلاف فيه بينهم يعرف ، وبه صرّح بعض (٢).

ولعلّه لتبادر ذلك من النصوص ، مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب ، كالصحيح الوارد فيمن لم يدر كم صلّى أنه لا يعيد (٣) ، والموثق الوارد في الشاك في الركوع والسجود أنه لا يعود إليهما ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا (٤) ، ولا قائل بالفرق.

وظاهر النصوص بل الفتاوي أيضا كون ذلك حتما لا رخصة. وعليه فلو أتى بالمشكوك فيه فسد الصلاة قطعا إن كان ركنا ، وكذا إن كان غيره على الأقوى كما بيّنته في الشرح مستوفى.

ولو كثر شكه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشك مطلقا فيبني مطلقا في غيره على فعله أيضا ، أم يقتصر على ذلك؟

وجهان ، أجودهما الأول ، وفاقا لجمع (٥) ؛ للإطلاق المؤيد بالتعليل الوارد‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٣٩ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧١ ، والعلامة المجلسي في البحار ٨٥ : ٢٧٨ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٢٩٥.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٩٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ / ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ / ١٣٧٢ الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٥.

(٥) منهم : الشهيد في الذكرى : ٢٢٣ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧١.

١٥٠

في النصوص بأن ذلك من الشيطان (١) ، وهو عام.

والمرجع في الكثرة إلى العرف ، وفاقا للأكثر ؛ لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع.

وتحديده في الصحيح بالسهو في كل ثلاث (٢) مجمل ؛ لتعدد محتملاته وإن كان أظهرها كون المراد أنه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية ، ولكن ليس فيه مخالفة للعرف ، بل لعلّه بيان له وليس حصرا.

خلافا لابن حمزة ، فإن يسهو ثلاث مرات متوالية (٣).

وللحلّي ، فأن يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس أعني الثلاث منها فيسقط في الفريضة الرابعة (٤).

ولم نعرف لشي‌ء منها حجة ، إلاّ أن يراد بيان المعنى العرفي لا التحديد الشرعي فلا نزاع ، وإن كان يستشكل في مطابقة بعضها على الإطلاق للعرف.

ومتى حكم بثبوت الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ، ويستمر إلى أن يخلو من السهو فرائض يتحقق بها الوصف ، فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن حدّدناها بها ، ويحتمل مطلقا كما في الذكرى (٥) ، وبه قطع شيخنا في روض الجنان والروضة (٦). وهو حسن إن صدق زوال الكثرة عرفا بذلك ، وإلاّ فلا يتعلق حكم السهو الطارئ إلاّ بزوال الشك غالبا بحيث يصدق في العرف أنه‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٩٠ ، الوسائل ٨ : ٢٢٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٧.

(٣) الوسيلة : ١٠٢.

(٤) السرائر ١ : ٢٤٨.

(٥) الذكرى : ٢٢٣.

(٦) روض الجنان : ٣٤٣ ، الروضة ١ : ٣٤٠.

١٥١

غير كثير الشك كما أفتى به في الذكرى أوّلا ، وهو الأقوى وإن كان الأول محتملا.

( و ) كذا ( لا ) حكم للسهو ( على من سها في سهو ) بلا خلاف ؛ للصحيح : « ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » (١).

ولكن في العبارة إجمال ؛ لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة ، أو الشك كذلك ، أو الأول في الأول والثاني في الثاني ، أو بالعكس.

وعلى التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف ، وحذفه من الموجب بالفتح ، فالصور ثمان.

وظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع (٢). وهو مشكل ؛ لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها ، والخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.

هذا ، مع ظهور سياق النص والعبارة ـ كغيرها ـ في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى الثاني ، وربما يظهر من الفاضل وغيره عدم الخلاف فيه ، وأن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.

قال في المنتهى : ومعنى قول الفقهاء : لا سهو في السهو ، أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو ، كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) كما في الذخيرة : ٣٦٩.

١٥٢

يصلي ركعتين احتياطا ، فلو سها فيهما ولم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل : معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به ولا يجب عليه شي‌ء ، والأول أقرب (١).

وأظهر منه كلام التنقيح ، فإنه قال بعد نقل العبارة : وله تفسيران ، الأول : أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط وسجود السهو. الثاني : أن يشك هل شك أم لا ، قال : وكلا هما لا حكم له ، ويبني في الأول على الأكثر ، لأنه فرضه (٢).

ونقلهما في أمثال ذلك حجّة ، وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا ، لما مضى. وعليه فيندفع أكثر وجوه الإجمال ويبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.

ولا ريب في مطابقة الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه. وإنما المحتاج إليه إنما هو الأول ؛ لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه ، ولا يتم إلاّ مع عدم الشك ؛ مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا ، فتأمل.

وحيث إن النص يحتمله والثاني ، لا يمكن التمسك به لإثباته ، إلاّ أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء ، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو ، بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له ، وليس إلاّ على تقدير التفسير الأول.

مع اعتضاده بما في المعتبر والمنتهى وغير هما (٣) من الاعتبار ، وهو أنه لو‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤١١.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٢٦٢.

(٣) المعتبر ١ : ٣٩٤ ، المنتهى ١ : ٤١١ ؛ وانظر نهاية الإحكام ١ : ٥٣٣.

١٥٣

تداركه أمكن أن يسهو ثانيا ولا يتخلص من ورطة السهو ؛ ولأنه حرج فيسقط اعتباره ؛ ولأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.

وممّا ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين ، كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم ، وهو لازم لكل من اختار التفسير الأول ، لموافقة الثاني للأصل.

والمتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد ، وإلاّ فعلى المصحّح ، كما مرّ في كثير الشك ، وبه صرّح جمع (١) ؛ لمقتضى التعليلات المتقدمة.

خلافا لنادر من متأخري المتأخرين (٢) ، فاحتمل البناء على الأقل ، وهو ضعيف.

واعلم : أن قوله عليه‌السلام في الصحيحة : « ولا على الإعادة إعادة » فسرّ بتفسيرين أظهر هما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثمَّ حصل أمر موجب لها فإنه لا يلتفت إليه ، ويعضده الصحيح : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد » (٣).

والاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرّح به في الحيض. لكن في حصوله بهما عرفا تأمل وبعد ، إلاّ أن يدفع بملاحظة الصحيحة والرضوي الوارد في الشك في الأوليين أنه يعيد مطلقا ، ويبني على المظنون لو شك ثانيا ، وقد مرّ فتوى والد الصدوق به (٤). لكنه كما عرفت شاذّ ، فالمصير إليه مشكل. وكذا إلى‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤١ ، والروضة ١ : ٣٣٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٩.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ١٣٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ / ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٢.

(٤) راجع ص ١٣٣.

١٥٤

الصحيح ؛ لعدم وضوح القائل به كما صرّح به جمع (١) ، مع ظهور الفتاوي في انحصار المقتضي لعدم الالتفات إلى الشك في أمور محصورة ليس ما في الصحيح شيئا منها بلا شبهة وإن جعل في الذكرى وغيره (٢) من الشك الكثير ، لضعفه (٣) بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة ، وبه صرّح جماعة (٤).

وربما يوجّه بوروده مورد الغالب ، وهو كثير الشك ؛ لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضا غالبا دون غيره ، فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو للكثرة.

وفيه نظر ؛ لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه الصحيح أيضا. وحمله على الغالب يخرجه عن صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو وإن لم يكن هناك كثرة ، كما هو الفرض في البحث السابق ، وهو خلاف طريقة المستدلين به لذلك حتى الموجّه ، مع أن دعوى الغلبة لا تخلو عن مناقشة ، هذا.

ولا يبعد العمل بما في الصحيحة ؛ لحجيتها ، وظهور دلالتها ، واعتضادها بغيرها ، وعدم القطع بشذوذها وإن لم يظهر قائل صريح بها ، فإنّ ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافها. ولكن الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.

( و ) اعلم : أنّ ما تضمنته الصحيحة من أنه ( لا ) سهو ( على المأموم ، ولا على الإمام ) بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف ، وبه صرّح بعض (٥) ، وذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب (٦) ، مؤذنين بدعوى الإجماع‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٧٤.

(٢) الذكرى : ٢٢٣ ، وانظر المدارك ٤ : ٢٧٤.

(٣) أي الجعل المذكور. منه رحمه الله.

(٤) منهم المحقّق السبزواري في الذخيرة : ٣٧١.

(٥) كصاحب الحدائق ٩ : ٢٦٨.

(٦) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٦٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٩.

١٥٥

عليه ؛ وهو حجة أخرى بعد الصحيحة.

مضافا إلى المعتبرة الأخر ، منها الصحيح : عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، هل عليه سهو؟ قال : « لا » (١).

والمرسل : « ليس على الإمام سهو ( إذا حفظ عليه من خلفه ) سهوه بإيقان أو اتفاق منهم ـ على اختلاف النسخ ـ وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام » (٢).

وما فيه من اشتراط حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم ، ولا ريب فيه ؛ لأنّ الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير مرجح ، وبه يقيد إطلاق باقي الأخبار.

والمتبادر من الحفظ وعدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع ، كما يدل عليه لفظ الإيقان في بعض النسخ ، فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل ، وكذا الظان إلى المتيقن ، وإن صرّح بهما جماعة (٣) ؛ لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه ، والتخصيص يحتاج إلى دليل ، وليس.

إلاّ أن يقال : إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام والمأموم في الفتاوي والنصوص يشمل الظن ؛ لأعميته لغة منه ومن الشك بالمعنى المعروف ، فنفيه بعنوان العموم يقتضي دخولهما فيه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٠ / ١٤٥٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٨ ، التهذيب ٣ : ٥٤ / ١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٢ ، والروضة ١ : ٣٤١ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٧٠ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٧٩.

١٥٦

مع أن في الخبر : « الإمام يحفظ أوهام من خلفه » (١) ويدخل في الأوهام الظن ؛ لإطلاقه عليه في الشرع.

وحفظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه : أنه يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام. وإذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس ؛ لعدم تعقل الفرق ، مع عدم ظهور قائل به.

بل ولا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا ، والشاك إلى الظان كذلك ، لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.

وما قيل في توجيهه من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين (٢) فضعيف ؛ لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان ، كيف لا وهو أول الكلام ، وتسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعا ، فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظنا ، وإلاّ فالرجوع متعين ، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده ظنا أقوى مطلقا وإن قلنا بالمنع فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى ، لكنه خروج عن محل البحث ، وهو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا ولو لم يفده ظنا ، كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوي.

وعليه فلا يشترط عدالة المأموم ولا تعدده ، فيرجع إليه الإمام ولو كان واحدا فاسقا ، ولا يتعدى إلى غيره وإن كان عدلا ، نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.

ولو اشتركا في الشك واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، كما أنهما لو اتّفاقا على الظن واختلف المحل تعيّن الانفراد ، وإن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٥ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٣ ، الوسائل ٦ : ١٤ ، ١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٦ ، ١٢ وفي الجميع : يحمل ، بدل : يحفظ ، ورواها في التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٢ بلفظة : يتحمل.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٣٩.

١٥٧

انفرد كلّ به ، وإن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلا منهما حكم شك نفسه.

ولو تعدّد المأموم واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد بدونها.

ولو اشترك الشك بين الإمام وبعضهم قيل : يرجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد ، وباقي المأمومين إلى الإمام (١).

وفيه نظر ، بل ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين ، سيّما على النسخة المبدل فيها الإيقان بالاتفاق ، ولا يضرّ الإرسال بعد الانجبار بالأصل وعمل الأصحاب ، وهو ظاهر الماتن هنا وفي الشرائع وغيره (٢) من الأصحاب ، وصريح بعضهم (٣). ولعلّه الأقوى.

ولا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام (٤) ؛ لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام.

ولو حصل الظن بقول الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.

وكلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه ولا يلزم الآخر متابعته فيهما ، على الأشهر بين المتأخرين والأقوى ؛ للأصول والعمومات ، وخصوص ما سيأتي من الروايات.

خلافا للمرتضى والخلاف (٥) ، فنفياهما عن المأموم مطلقا وإن عرض له‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٣ ومسالك الافهام ١ : ٤٢.

(٢) الشرائع ١ : ١١٨ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٤١.

(٣) كصاحب المدارك ٤ : ٢٧٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣.

(٥) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٤١ ، الخلاف ١ : ٤٦٣.

١٥٨

السبب ، وادعى الثاني عليه الإجماع.

واستدل له تارة بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو.

وهي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب ، ويشهد له السياق بقرينة قولهم عليهم‌السلام : وليس على الإمام سهو ، مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها ، فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها ، لما مضى مرارا ، إلاّ أن يوجّه بما مضى أيضا.

واخرى بالموثقين ، في أحدهما : عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع ، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا ، فقال : « ليس عليه شي‌ء » (١).

وفي الثاني : عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة ولم يقل شيئا ولم يكبّر ولم يسبّح ولم يتشهّد حتى يسلّم ، فقال : « قد جازت صلاته ، وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (٢).

ولا دلالة للأول على المطلوب ؛ للقول بالموجب كما سيظهر.

والثاني معارض بأجود منه سندا ، كالصحيح : عن الرجل يتكلم في الصلاة ، يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : « تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو » (٣) والظاهر كون الرجل مأموما.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧٨ / ٨١٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٤ ، التهذيب ٣ : ٢٧٨ / ٨١٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

١٥٩

وأظهر منه الخبر : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : « إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو » (١).

ومع ذلك محتمل للحمل على التقية ؛ لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلاّ مكحولا كما صرّح به جماعة (٢) ؛ مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه لا يضمنها إما مطلقا كما في الصحيح (٣) وغيره (٤) ، أو ما عدا القراءة منها كما في غيرهما (٥).

وللمبسوط ، فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب ، وفاقا للجمهور ؛ لما دلّ على وجوب المتابعة (٦).

ويضعّف بمنع وجوبها إلاّ في نفس الصلاة ، وسجدة السهو خارجة عنها.

نعم ، في الموثق : عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام ، كيف يصنع؟ فقال عليه‌السلام : « إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلّم سجد الرجل سجدتي السهو » (٧).

وفيه موافقة للشيخ رحمه‌الله إلاّ أنه يمكن حمله على التقية ، أو على‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٤ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٦.

(٢) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ٤٦٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤١٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٧٩ / ٨١٩ ، الوسائل ٨ : ٣٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٧ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٦٩ ، الوسائل ٨ : ٣٥٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٧٩ / ٨٢٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ / ١٦٩٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠ ح ١.

(٦) المبسوط ١ : ١٢٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٧.

١٦٠