رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

وأقرب الأجوبة عنها الحمل على التقية كما صرّح به جماعة (١) ، وأماراته في جملة منها وغيرها لائحة ؛ مع أنّ ما ذكرنا مجمع على جوازه ، فيجب أن يكون العمل عليه ، تحصيلا للبراءة اليقينية في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.

وبالجملة : فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.

واعلم : أنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بالإعادة بالشك في الصورة الأولى والثانية بين تعلقه بالنقيصة أو الزيادة ، وبها صرّح بعض الروايات في المغرب : « إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك » (٢).

خلاف للمقنع (٣) فيها إذا تعلق بالزيادة فيضيف ركعة أخرى. وهو مع عدم وضوح مستنده نادر كما في الذكرى (٤) ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما هو الظاهر.

والشك المبطل للكسوف إنما هو إذا تعلّق بعدد ركعاتها. أما إذا تعلّق بالركوعات فإنه يجب البناء على الأقل ؛ لأصالة عدم فعله ، مع وقوع الشك في محلّه ، إلاّ أن يستلزم الشك في الركعات ، كما لو شك بين الخامس والسادس وعلم أنه لو كان في الخامس فهو في الأولى ، أو في السادس ففي الثانية فتبطل ؛ لتعلقه بعدد الثنائية.

واحترزنا بالفريضة عن النافلة ، لأن الشك فيها لا يبطلها ، كما ستأتي إليه الإشارة.

( ولو شك في فعل ) من أفعالها ( فإن كان في موضعه ) كما لو شك في‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ٩ : ١٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٩ / ٧١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٠ / ١٤٠٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٩.

(٣) المقنع : ٣٠.

(٤) الذكرى : ٢٢٥.

١٢١

النية قبل التكبيرة ، وفيها قبل القراءة ، وفيها قبل الركوع ، وفيه قبل السجود أو الهوي إليه على الاختلاف فيه ، وهكذا ( أتى به وأتم ) الصلاة بلا خلاف فيه في الجملة ؛ لأصالة عدم فعله ، وبقاء محل استدراكه.

وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (١) ، وهي ، وإن اختصت بالشاك في الركوع وهو قائم ، وفي السجود ولم يستو جالسا أو قائما ، إلاّ أنه لا قائل بالفرق على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض (٢) ، فلا ضير.

مضافا إلى عموم مفهوم بعض الصحاح بل جملة منها ـ كما يأتي ـ بلزوم التدارك للشي‌ء قبل فوات محله ، وبه يقيد إطلاق جملة من هذه الصحاح ، منها : عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين ، قال : « يسجد اخرى » (٣) ومنها : في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع ، قال : « يركع » (٤).

وأما الموثق كالصحيح : استتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا ، قال : « بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان » (٥) فمع قصور سنده شاذّ محمول على محامل أقربها الحمل على كثير الشك أو الظان لفعل الركوع كما يفهمان من السياق.

( ولو ذكر ) بعد الإتيان بالمشكوك فيه ( أنه كان قد فعله استأنف صلاته إن كان ركنا ) لأن زيادته مبطلة كما مضى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١٢. وص ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥.

(٢) المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٩ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٩ الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٦٨ ، الوسائل ٦ ٣٦٨ أبواب السجود ب ١٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٠ / ٥٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣١٦ أبواب الركوع ب ١٢ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٧ / ١٣٥٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣.

ح ٣.

١٢٢

( وقيل في الركوع إذا ذكر ) بعد الإتيان به حال الشك أنه فعله ( وهو راكع ) أي ذكر ذلك وهو في حالة ركوعه قبل أن يقوم عنه ( أرسل نفسه ) إلى السجود ولا يرفع رأسه فتفسد صلاته إجماعا كما لو ذكره بعد رفعه ، والقائل جماعة من أعيان القدماء كالكليني والشيخ والحلّي والحلبي والمرتضى (١) (٢) وقوّاه جماعة من المتأخرين ومنهم : الشهيد رحمه‌الله في الدروس والذكرى (٣) ؛ ولعلّ لهم عليه رواية وإلاّ فما اعتذر لهم جماعة (٤) من الأمور الاعتبارية لا يفيدنا حجة كما بيّنته في الشرح ، من أراد التحقيق فليطلبه ثمة (٥).

واختلف هؤلاء في تعميم الحكم لجميع الركوعات من جميع الصلوات كمن عدا الشيخ ( ومنهم من خصّه بـ ) الركوع من ( الأخيرتين ) في الرباعية كهو في النهاية (٦) ، بناء منه على ما قدّمناه عنه من أن كل سهو يلحق بالركعتين الأوليين يبطل الصلاة ، سواء كان في أعدادها أو أفعالها ، أركانا كانت أم غيرها ، فوجه التخصيص عنده إنما هو نفس الشك في الركوع في الأوليين حتى لو حصل من دون أخذ في الركوع ثانيا لبطلت الصلاة أيضا ، لا زيادته فيهما بالخصوص كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة.

ويتوجه عليه ـ مضافا إلى ما سبق ـ عدم دليل على صحة المبني عليه ، عدا النصوص الدالة على أنّ من شك في الأوليين ولم يحفظهما أعاد‌

__________________

(١) الكليني في الكافي ٣ : ٣٤٨ ، الشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٨ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٢ ، الحلبي في الكافي : ١١٨ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٦.

(٢) في « م » زيادة : وابن زهرة.

(٣) الدروس ١ : ١٩٩ ، الذكرى : ٢٢٢.

(٤) منهم الشهيد في الذكرى : ٢٢٢.

(٥) في « م » زيادة : نعم في الغنية الإجماع عليه.

(٦) النهاية : ٩٢.

١٢٣

الصلاة (١).

وهي وإن كانت صحاحا ومستفيضة معتضدة بغيرها من المعتبرة لكنها قاصرة الدلالة ، لاحتمال اختصاصها بصورة تعلق الشك بالعدد لا غيره.

مع أنّها معارضة بعموم الصحاح المستفيضة المتقدمة بصحة الصلاة مع تدارك المشكوك في محلّه.

ونحوها عموم الصحاح الآتية بها بعد التجاوز عنه ، بل خصوص بعضها المصرّح بها في صورة الشك في التكبير وقد قرأ ، أو في القراءة وقد ركع.

المؤيد بما مر من الخبرين في عدم فساد الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة ولو من الركعتين الأوليين (٢) ، ولا قائل بالفرق ، مع ظهور ذيل أحدهما في الشك ، مع أن ثبوت هذا الحكم في السهو ملازم لثبوته في الشك بطريق أولى ، فتأمل.

وبموجب ذلك يترجح صحاح المسألة على عموم تلك فتقيد بها بلا شبهة ، سيّما مع اعتضادها بالأصل والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا ، بل إجماعا ، بل إجماع في الحقيقة.

ولا يمكن العكس فتقيّد هذه بتلك بتوهم رجحانها على صحاح المسألة بخصوص الصحيحة الماضية فيمن ترك سجدة من الركعة الاولى أن صلاته فاسدة (٣) ، ومع أنه لا قائل بالفرق كما سبق إليه الإشارة ، مع ظهورها في الشك كما هو مورد المسألة.

وذلك لقصورها عن المقاومة للأخبار الخاصة المتقدمة سيّما الصحيحة منها ؛ لتعدّدها واشتهارها بالشهرة التي عرفتها.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٢) راجع ص ١١٦.

(٣) راجع ص ١١٥ الهامش ٥.

١٢٤

( و ) بما ذكرناه هنا وسابقا ظهر أن ( الأشبه ) في عنوان المسألة ، وهو حكم زيادة الركوع في الصلاة بعد الشك فيه ( البطلان ) مطلقا ( ولو لم يرفع رأسه ) منه وكان من الركعتين الأخيرتين.

ويفهم من العبارة عدم البطلان في غير الركن مطلقا ، سجدة كان أم غيرها ، وهو الأشهر الأقوى.

خلافا للعماني والحلبي والمرتضى (١) رحمهم‌الله فيها فأبطلوا الصلاة بزيادتها. وهو حسن لو لا المعتبرة المصرّحة بعدم البطلان بزيادتها بالخصوص كالصحيح : عن رجل صلّى فذكر أنه زاد سجدة ، فقال : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » (٢) ونحوه الموثق (٣).

( ولو كان ) شكه في شي‌ء من الأفعال ( بعد انتقاله ) عن موضعه ودخوله في غيره ( مضى في صلاته ، ركنا كان ) المشكوك فيه ( أو غيره ) إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين ، وكذلك إذا كان منهما على الأشهر الأقوى كما مضى.

للصحاح المستفيضة وغيرها ، ففي الصحيح : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع ، قال : « يمضي » ، قلت : رجل شك في الركوع وقد سجد ، قال : « يمضي » ، ثمَّ قال : « إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت‌

__________________

(١) نقله عن العماني في المختلف : ١٣١ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٩ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١١ ، الوسائل ٦ : ٣١٩ أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

١٢٥

في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١).

وفي صريحه كإطلاق البواقي بل عمومها حجة على الشيخ كما مرّ. وعلى الفاضل في التذكرة حيث وافقه إذا تعلق الشك بالركن دون غيره (٢). وهو ـ مع عدم وضوح مستنده عدا أمر اعتباري ـ ضعيف.

واعلم : أنّ المتبادر من « غيره » الذي حكم في الصحيح المتقدم ونحوه بالمضيّ بعد الدخول فيه : ما كان من أفعال الصلاة المفردة بالترتيب في كتب الفقهاء من النية والتكبير والقراءة ونحو ذلك من الأمور المعدودة فيها أيضا ، لا ما كان من مقدمات تلك الأفعال كالهويّ للسجود والنهوض للقيام ونحوهما ، فيعود للركوع في الأول وللسجود في الثاني ، وفاقا للشهيدين وغيرهما (٣) ؛ لذلك.

مضافا إلى مفهوم الصحيح فيهما : « وإن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شي‌ء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٤).

وخصوص الموثق كالصحيح في الثاني : « رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » ، قلت : فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد ، قال : « يسجد » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٣٦.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٤ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥٠ ، الروضة ١ : ٣٢٣ ؛ وانظر الحدائق ٩ : ١٧٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٦ : ٣١٧ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٦١ / ١٣٧١ ، الوسائل ٦ : ٣٦٩ أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

١٢٦

خلافا لبعض المتأخرين في الأول فكما لو دخل في السجود فلا يعود للركوع (١) ؛ للموثق الآخر كالصحيح : رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع أم لم يركع ، قال : « قد ركع » (٢).

وهو محمول على حصول الشك في السجود ، وليس فيه ما ينافيه بصريحه ولا بظاهره ، لأنّ غايته إفادة وقوع الشك بعد الهوي إلى السجود ، وهو أعم من وقوعه قبل الوصول إليه وبعده لو لم ندّع الأخير وظهوره ، نعم لو كان بدل « إلى السجود » : « للسجود » أمكن دعوى الأول وظهوره.

ولو سلّم فهو معارض بما مرّ سيّما الصحيح في الثاني ، فإنه بحسب الدلالة أظهر ، ومورده وإن اختلف مع مورد الأول إلاّ أنهما من باب واحد ، لاشتراكهما في كونهما من مقدمات أفعال الصلاة ، فإن عمّمنا الغير لها دخلا وإلاّ خرجا. فالتفصيل بينهما وتخصيص كل منهما بحكمه لا يجتمع مع إطلاق النص والفتوى بل عمومهما بأنه متى شك وقد دخل في غيره فلا يلتفت وإلاّ فإنه يرجع ، لظهورهما في أن مناط الرجوع وعدمه إنما هو الدخول في ذلك الغير وعدمه ، والغير إمّا الأفعال خاصة أو ما يعمها ومقدّماتها ، وعلى أيّ تقدير فلا وجه للتفصيل بين الموردين والعمل في كل منهما بما ورد في الصحيحين وإن اختاره بعض المتأخرين المتقدم (٣).

فلا بدّ من الجمع بينهما بما يدفع تنافيهما ، وهو ما ذكرنا من حمل ثانيهما على صورة وقوع الشك في حال السجود. ويحتمل الحمل على وقوعه كثيرا ،

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٧٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٤٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٨ أبواب الركوع ب ١٣ ح ٦.

(٣) المدارك ٤ : ٢٥٠.

١٢٧

ولكن الأول أولى إن لم يكن منه ظاهرا كما ذكرنا.

ثمَّ إنّ إطلاق « غيره » يعمّ جميع أفعال الصلاة بل وأجزائها ، فلو شك في السجود وهو يتشهد ، أو فيه وقد قام فلا يلتفت ، وفاقا للأكثر.

خلافا للنهاية فيهما ، فيرجع ما لم يركع (١). وهو بعيد جدا ، بل ادّعى الإجماع على خلافه في السرائر صريحا (٢) ، وحكاه عنه في سائر كتبه كالجمل والعقود والاقتصاد والمبسوط (٣). ويردّه مع ذلك الصحيح المتقدم : « إن شك في السجود بعد ما قام فليمض ».

وللذكرى ، فأوجب الرجوع في الأول (٤) ؛ لعموم مفهوم هذا الصحيح ، ومنطوق الموثق بعده.

وفيه : أنّ المتبادر منهما وقوع الشك في السجود الذي لا تشهّد بعده كما يقتضيه عطف الشك على النهوض في الثاني بالفاء المقتضية للتعقيب بلا مهلة ، ويلزمه عدم تخلل التشهد ، كذا قيل (٥) ، وفيه نظر.

والأولى إسناد ظهور عدم تخلل التشهد إلى تبادره من النهوض من السجود ؛ إذ مع تخلله لا يقال ذلك ، بل يقال : من التشهد ، فتأمل.

ولو شك في الحمد وهو في السورة لم يلتفت ، وفاقا للحلّي والمفيد فيما حكاه عنه والماتن في ظاهر المعتبر (٦) ، وهو خيرة كثير من أفاضل المتأخرين (٧) ؛

__________________

(١) النهاية : ٩٢.

(٢) السرائر ١ : ٢٥٣.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٨ ، الاقتصاد : ٢٦٦ ، المبسوط ١ : ١٢٢.

(٤) الذكرى : ٢٢٤.

(٥) قال به صاحب الحدائق ٩ : ١٨٤.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٢٤٨ ، المعتبر ٢ : ٣٩٠.

(٧) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٦٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٥ ، وكفاية الأحكام : ٢٦ ، والعلاّمة المجلسي في البحار ٨٥ : ١٥٨.

١٢٨

لظهور الغيرية بينهما ، بل وبين أجزاء كل منهما ، فلو شك في بعضها ودخل في الأخرى قوي عدم الالتفات أيضا.

خلافا لجماعة (١) لحجة ضعيفة ، بل واهية. ولكن الأحوط ما ذكروه ، سيّما في الشك في أجزاء القراءة ، لكن ربما يتردد فيه لو كانت من الفاتحة وكان شكه فيها بعد الفراغ من السورة ، فإنّ الرجوع لتدارك الأجزاء يستلزم إعادتهما مراعاة للترتيب الواجب إجماعا ، وفيها احتمال القران بين السورتين المنهي عنه إذا قرأ غير السورة الاولى بل يحتمل مطلقا ، أو قراءة زيادة أكثر من سورة للنهي عنها أيضا مطلقا ، فتأمل جدّا.

ثمَّ في شمول الغير لما استحبّ من أفعال الصلاة كالقنوت والتكبيرات ونحوهما وجهان ، أجودهما ذلك ؛ للعموم المؤيد بذكر الأذان والإقامة وتعدادهما من الأفعال المشكوك فيها المنتقل عنها إلى غيرها في الصحيح الأول الذي هو العمدة في هذا الأصل ، فتأمل.

وقد ظهر ممّا مرّ حكم الشك في الأفعال والأعداد من الفريضة مطلقا عدا أخيرتي الرباعية. وأما فيهما فقد أشار إليه بقوله :

( فإن حصّل الأوليين من الرباعية عددا ) وتيقنهما ( وشك ) بعد رفع الرأس من السجدة الثانية ( في الزائد ) عليهما هل أتى به أم لا ( فإن غلب ) على ظنّه أحدهما بمعنى رجحانه وصيرورته عنده مظنونا ( بنى على ظنّه ) فيجعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط :

فإن غلب الأقل بنى عليه وأكمل ، وإن غلب الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع تشهّد وسلّم ، وإن كان زيادة كما لو غلب على ظنّه الخمس‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٤ ، والدروس ١ : ٢٠٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٤٧ ، وصاحب المدارك ٤ : ٢٤٩.

١٢٩

صار كأنه زاد ركعة في آخر الصلاة فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا ، وهكذا.

بلا خلاف هنا أجده ، بل بالإجماع صرّح جماعة (١) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها ـ زيادة على ما ستأتي إليه الإشارة ـ الصحيح : « إن كنت لم تدر كم صلّيت ولم يقع ووهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (٢).

والمراد بالوهم فيه وغيره الظن لا المعنى المعروف.

ويستفاد من إطلاق مفهومه بل عمومه ـ كما قرّر في محلّه ـ جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا ، بل الأفعال أيضا ؛ للفحوى.

ونحوه النبوي العامي : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه » (٣).

وعليه أكثر علمائنا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٤) ؛ بل قيل : إنّه إجماع (٥) ؛ وهو دليل آخر ، مضافا إلى ما مرّ ، وأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفى بالظن تحصيلا ، لليسر ودفعا للحرج والعسر.

وفيه نظر ؛ إذ لا عسر إلاّ مع الكثرة ، ومعها يرتفع حكم الشك.

وفي الإجماع وهن ؛ لظهور عبارة الناقل في أنّ منشأ نقله هو عدم‌

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٤٥ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥ ، والذكرى : ٢٢٢ والبحار ٨٥ : ٢١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٩ ، الوسائل ٨ : ٢٢٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٣) انظر بدائع الصنائع ١ : ١٦٥ ، وسنن النسائي ٣ : ٢٨.

(٤) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٢ ، وصاحب الحدائق ٩ : ٢٠٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٢٨.

١٣٠

الخلاف ، مع أنه ظاهر الحلّي (١) ، بل الشيخين أيضا في المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف (٢) ، حيث ذكرا أن الشك في عدد الصبح والمغرب وعدد الركعات بحيث لا يدري كم صلّى يوجب الإعادة ، من غير تفصيل بين صورة الظن وغيرها ، ثمَّ ذكر أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصّلين بينهما ، وكذا الفاضل في المنتهى (٣) ، والماتن هنا.

ومنه يظهر ما في نسبة الشهيد في الذكرى قول الأكثر إلى الأصحاب عدا الحلّي (٤) ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

والنبوي مع ضعف سنده لا عموم فيه ، كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع (٥). لكنه ضعيف ، كالقدح بالضعف في النبوي ، لانجباره سندا بالشهرة ، ودلالة بها أيضا ، وبما يرجع به الإطلاق إلى العموم العرفي ممّا قرّر في محلّه.

لكنهما معارضان بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح : « من شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم » (٦).

وهي بإطلاقها وإن شملت الأعداد والأفعال إلاّ أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى.

إلاّ أن يرجحا عليها بالشهرة وما مرّ من الإجماع والاعتبار وإن لم يكونا حجة مستقلة ، لما مرّ. مع إمكان الذبّ عمّا يتعلق منه بالإجماع بعدم وضوح‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٤٥.

(٢) المقنعة : ١٤٤ ، النهاية : ٩٠ ، المبسوط ١ : ١٢١ ، الخلاف ١ : ٤٤٧.

(٣) المنتهى ١ : ٤١٠.

(٤) الذكرى : ٢٢٥.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٦٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٦٨.

(٦) الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٥ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١.

١٣١

مخالفة هؤلاء :

أمّا الحلّي فلأن بعض عباراته وإن أوهم ذلك (١) إلاّ أنّه ذكر ما يخالفه ؛ ولذا لم ينسب إليه في المختلف وغيره (٢) صريحا ، وفي غيرهما أصلا.

وأمّا من عداه كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما وإن اقتضى ذلك لكن تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح بالشك ربما دلّ على انحصاره فيه ، وهو على ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه ، وحكي التصريح به عن الزمخشري (٣) ، وصرّح به في الأصول.

وربما يعضد إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند غلبة الظن بما ينسحب في الجميع (٤).

وكذا الفاضل في المنتهى (٥) ؛ لاستدلاله عليه بما مرّ من النبوي ، وهو كما مرّ عام ؛ مع أنه أجاب عمّن أوجب اليقين فيهما أيضا مستدلا بالنبوي الآخر : « إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين » (٦) بأنه غير متناول لصورة النزاع ؛ إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين ، والحديث يتناول الشك.

وهو كالصريح ، بل صريح في أن الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا. لكنه ذكر في مسألة الشك في الأوليين (٧) ما يعرب عن إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٠.

(٢) المختلف : ١٣٦ ؛ وانظر المنتهى ١ : ٤١٠.

(٣) حكاه عنه في بحار الأنوار ٨٥ : ٢١٠ وانظر الكشّاف ١ : ٥٨٧.

(٤) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٥) المنتهى ١ : ٤١٥.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ٣٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٧٢ / ٢١.

(٧) المنتهى ١ : ٤١٥.

١٣٢

أهل اللغة ، وهو ما قابل اليقين وشمل الظن ، كما صرّح به جماعة (١) ، ويستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة ؛ لتعبيرهم عليهم‌السلام عن الموضوع فيها بإذا لم يدر ركعة صلّى أم ثنتين ، أو إذا لم يحفظهما ، ونحوهما ، وهي تشمل صورة الظن أيضا.

وتعليل الشيخ رحمه‌الله في المبسوط بما يعمّ لا يستلزم تلك الإرادة فيما عداه ، سيّما المقنعة ، بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا ؛ إذ التعليل بالأعم شائع سيّما في الشرعيات ، فتأمل جدّا.

وأمّا الحلّي فإنه وان ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب (٢) لكن عبارته المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها من ذلك على الموافقة ، هذا.

وعبارة الماتن ظاهرة فيها بلا شبهة ؛ لعدم ذكره نحو ما في المبسوط والمنتهى ، بل عبّر عن الشك في الأوليين ب : لم يحصّلهما ، العام لما إذا ظنّ فيهما أم لا.

وعليه فيقوى الخلاف في المسألة ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها البتة بالبناء على الظن والإتمام ثمَّ الإعادة مطلقا ولو حصل له فيها نحو الحالة الأولى.

خلافا لوالد الصدوق فيبني على الظن هنا لا أوّلا (٣) ، كما في الرضوي : « وإن شككت في الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك ، وإن شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر ووهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية ، فإذا سلّمت صلّيت ركعتين من قعود بأمّ الكتاب ، وإن ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى‌

__________________

(١) انظر القاموس المحيط ٣ : ٣١٩ ، والصحاح ٤ : ١٥٩٤ ، ومجمع البحرين ٥ : ٢٧٦.

(٢) السرائر ١ : ٢٤٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٣٢.

١٣٣

وتشهّدت في كل ركعة ، فإن استيقنت بعد ما سلّمت أنّ التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شي‌ء ، لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة ، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت صلّيت ركعتين من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس » (١).

وهو شاذ ، ومع ذلك موافق للمحكي في المنتهى عن أبي حنيفة (٢).

ونحوه في الشذوذ قوله الآخر في الشك بين الثنتين والثلاث أنه يبني على الثلاث إذا ظنها ويتم ويصلّي صلاة الاحتياط ركعة قائما ويسجد سجدتي السهو (٣).

وليس في الموثق في الشك بين الثلاث والأربع : « إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شي‌ء سلّم بينه وبين نفسه ، ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب » (٤) دلالة عليه بوجه وإن ظنّ ، مع شذوذه أيضا ، كالصحيح الوارد في مورده :

« وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ، ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمَّ قرأ وسجد سجدتين وتشهّد وسلّم » (٥).

ونحوه آخر (٦) لكن من غير ذكر لصلاة الاحتياط.

وبالجملة : هذه النصوص ـ كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٧ ، المستدرك ٦ : ٤٠١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، وفي المصدر : إن شئت صليت ركعة من قيام وإلاّ ركعتين وأنت جالس.

(٢) المنتهى ١ : ٤١٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٣٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥١ / ١ ، التهذيب ٢ : ١٨٥ / ٧٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

١٣٤

حيث يذهب وهمه إلى التمام ـ لم أر عاملا بها ، مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه ـ عدا من مرّ ـ من أنّ مع العمل بالظن لا شي‌ء عليه كما هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في البناء (١) ؛ لخلوها عن ذلك كلّه مع ورودها في مقام البيان ، ويمكن حملها على الاستحباب.

واعلم : أنّ على المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات حتى ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا أيضا ؛ لما قدّمناه من الفحوى.

وأما على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من الأخيرتين ، لذلك. وفيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكمه في النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظنّ ، وربما يومئ إليه سياقها من حيث تضمنها تفريع : لا يدري ، عليه.

وإن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص بتساوي الطرفين فلا إشكال أصلا. قيل : وظاهر الأصحاب الإطباق على هذا (٢).

ويمكن دفع الاشكال بمنع إرادة المعنى الأول ؛ لما عرفت من جواز الاكتفاء بالظن في الركعتين الأخيرتين مطلقا حتى أفعالهما المستلزم ذلك لظهور الشك في تلك النصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما ، فكذا بالنسبة إلى غيرهما ، لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين ، فتأمل جدّا.

( وإن تساوى الاحتمالان فصوره ) المشهورة الغالبة ( أربع : أن يشك بين الاثنين والثلاث ، أو بين الثلاث والأربع ، أو بين الاثنين والأربع ، أو بين )

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١١ ، ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٧ ، ٨.

(٢) بحار الأنوار ٨٥ : ٢١٠.

١٣٥

( الاثنين والثلاث والأربع ).

( ففي ) القسم ( الأول ) من هذه الصور ( يبني على الأكثر ويتم ) الصلاة ( ثمَّ ) بعد الإتمام ( يحتاط بركعتين ) حال كونه فيهما ( جالسا ، أو بركعة قائما ).

أما وجوب البناء على الأكثر هنا ـ بل في جميع الصور ـ فهو مذهب الأكثر ، بل عليه الإجماع في صريح الانتصار والخلاف وظاهر السرائر وغيره (١) ، وعن أمالي الصدوق أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (٢) ؛ وهو الحجّة.

مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالإجماعات المنقولة ، وفيها : « أجمع لك السهو في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك قد نقصت » (٣).

وقصور السند مجبور بالعمل والموافقة للصحاح المستفيضة وغيرها في باقي الصور ، وخصوص الصحيح في هذه الصورة ، وفيه : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا ، قال : « إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمَّ صلّى الأخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم » (٤).

والإنصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية وإن أمكن تصحيحها بنوع ممّا ذكرته في الشرح مشروحا ، لكنه غير خال عن شوب المناقشة ،

__________________

(١) الانتصار : ٤٨ ، الخلاف ١ : ٤٤٥ ، السرائر ١ : ٢٥٤ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦.

ومجمع الفائدة ٣ : ١٧٧ ، وروض الجنان : ٣٥١.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٩٢ / ٧٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ١.

١٣٦

ولا حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة ممّا قدّمنا إليه الإشارة ، مضافا إلى ما يحكى عن العماني من تواتر الأخبار في المسألة (١).

وأما الصحيح : عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا قال : « يعيد » ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟! فقال : « إنما ذلك في الثلاث والأربع » (٢).

فشاذّ منقول على خلافه الإجماع عن الفاضلين (٣) ، وإن حكي الفتوى بمضمونه عن المقنع والفقيه (٤) ، محمول على محامل أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى المفصّلة بين الصورتين كالأصحاب فيما نقله عنهم جماعة (٥) ، معلّلين بوجوب المحافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأوليين.

ومقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة. خلافا لبعضهم ، فاكتفى بكمالها ولو لم يرفع الرأس منها (٦). وهو ضعيف. وأضعف منه الاكتفاء بالركوع كما حكي في المسألة قولا (٧).

ولا يختص هذا الحكم بما نحن فيه ، بل يجري في كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين ؛ لما مرّ (٨).

__________________

(١) حكاه عنه في الذكرى : ٢٢٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٤ ، المقنع : ٣١ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٣٩١ ، العلامة في المنتهى ١ : ٤١٥.

(٤) المقنع : ٣١ ، الفقيه ١ : ٢٢٥.

(٥) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ١٧٦ ؛ وانظر الذكرى : ٢٢٧ ، والمدارك ٤ : ٢٥٧.

(٦) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٢٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥١‌

(٧) حكاه الشهيد في الذكرى : ٢٢٧.

(٨) من حكاية تصريح الأصحاب ، مضافا إلى عموم تعليل جماعة. ( منه رحمه الله ).

١٣٧

وأمّا النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا (١) فغير مكافئة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة وإن تضمنت الصحيح والموثق وغير هما ، سيّما مع قوة احتمال ورودها مورد التقية كما صرّح به جماعة (٢) ، مع عدم صراحتها في الدلالة :

فإنّ غاية ما تضمنه الأوّلان هو البناء على اليقين ، وهو كما يحتمل البناء على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر ، بل لعلّ هذا أظهر كما يستفاد من الخبر المروي عن قرب الإسناد وفيه : رجل صلّى ركعتين وشك في الثالثة ، قال : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهد وقام وصلّى ركعة بفاتحة القرآن » (٣) فتدبر.

ووجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع ومنهم المرتضى رحمه‌الله في الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الإجماع : ولأن الاحتياط أيضا فيه ؛ لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد ، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته.

ثمَّ قال : فإذا قيل : وإذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما فعله من الجبران ، لأنه منفصل من الصلاة وبعد التسليم. قلنا : ما ذهبنا إليه أحوط على كل حال ؛ لأن الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (٤).

وقريب منه كلام الفاضلين في المعتبر والمنتهى (٥) ، وكلاهما ـ كغيرهما ـ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١‌

(٢) منهم صاحب الحدائق ٩ : ٢١٤.

(٣) فرب الإسناد : ٣٠ / ٩٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٢.

(٤) الانتصار : ٤٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٣٩١ ، المنتهى ١ : ٤١٥.

١٣٨

كالصريح بل صريح في أنّ البناء على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.

ومن هنا ينقدح فساد نسبة جماعة (١) القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى رحمه‌الله في الناصرية ، لقوله فيها : إنّ من شك في الأخيرتين يبني على اليقين ، قائلا : إنّ هذا مذهبنا ، وهو الصحيح عندنا ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (٢). وفي قوله « هذا » إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا كما لا يخفى ، فتأمل.

وأما غيرهما فهو وإن تضمّن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة إلى وقت البناء ، فيحتمل كونه بعد السلام والخروج عن الصلاة ، كما وجّه به الحلّي كلام المرتضى ، زعما منه كون البناء في كلامه رحمه‌الله هو البناء على الأقل ، قال في جملة كلام له : فقبل سلامه يبني على الأكثر ، لأجل التسليم ، وبعده يبني على الأقل كأنه ما صلّى إلاّ ما تيقنه ، وما شك فيه يأتي به ليقطع على براءة ذمته (٣).

وبالجملة : فمعارضة هذه النصوص لما قدّمنا غير معلومة ، وعلى تقديرها فهي لها غير مكافئة ، لما عرفته. فلا وجه للقول بها ، كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه‌الله.

وأضعف منهما حملها على التخيير ، جمعا بينها وبين ما مضى ؛ لفقد التكافؤ أوّلا ، وعدم شاهد على الجمع ثانيا ، مع ندرة القائل به ، إذ لم يحك إلاّ عن الصدوق (٤) وقد مرّ دعواه الإجماع على البناء على الأكثر.

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٥٦ ، والحدائق ٩ : ٢١٠ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٧٦‌

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠١.

(٣) السرائر ١ : ٢٥٦.

(٤) المقنع : ٣١.

١٣٩

هذا حكم البناء.

وأما وجوب الاحتياط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيّرا بينهما فلم نقف فيه ( على رواية ) بالخصوص ، نعم وردت بذلك في الصورة الثانية ، وقد أجرى هذه الصورة مجراها معظم الأصحاب كما في الذكرى (١) ، بل عامتهم ، كما يستفاد من روض الجنان (٢) ، ونقلا عن العماني تواتر الأخبار بذلك.

وبورود الرواية بكل من الأمرين هنا صرّح الحلّي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيّرا بينهما (٣) ، وعليه الإجماع في الانتصار والخلاف (٤) هنا وفي الصورة الثانية ، هو الأشهر الأقوى فيهما.

خلافا للمحكي عن المفيد والقاضي (٥) فعيّنا الأخير مطلقا ؛ لظاهر البدلية في الموثقة (٦) وغيرها.

ويردّه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في الصورة الثانية ، فكذا في هذه الصورة ، لعدم القول بالفرق بينهما منهما ، بل ولا من أحد من الطائفة كا عرفته.

وعكس العماني والجعفي (٧) ، فعيّنا الأول مطلقا ، لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية ، فكذا في هذه الصورة ، لما عرفته.

ويردّه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٢٦.

(٢) روض الجنان : ٣٥١.

(٣) السرائر ١ : ٢٥٤.

(٤) الانتصار : ٤٩ ، الخلاف ١ : ٤٤٦.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٤٦ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٥٤.

(٦) المتقدمة في ص ١٣٦.

(٧) نقله عنهما في الذكرى : ٢٢٧.

١٤٠